الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَأما عودهَا بالتعميم فَإِنَّهُ جَائِز بِلَا خلاف كَمَا يستنبط من قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان " أَن الْعلَّة تشويش الْفِكر، فيتعدى إِلَى كل مشوش من شدَّة فَرح وَنَحْوه.
الْعجب من قَول القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ: أَجمعُوا على أَنه لَيْسَ لنا عِلّة تعود على أَصْلهَا بالتعميم إِلَّا هَذَا الْمِثَال، وَذَلِكَ جَائِز بِالْإِجْمَاع.
فقد وجد من ذَلِك
كثير نَحْو: النَّهْي عَن الصَّلَاة وَهُوَ يدافع أحد الأخبثين، وَالْأَمر بِتَقْدِيم الْعشَاء على الصَّلَاة، فَإِن الْعلَّة ترك الْخُشُوع، فَيعم كل مَا يحصل ذَلِك، بل بَاب الْقيَاس كُله من تَعْمِيم النَّص بِالْعِلَّةِ) .
قَوْله: [فَائِدَة: مَا حكم بِهِ الشَّارِع مُطلقًا، أَو فِي عين أَو فعله، أَو أقره لَا يُعلل بعلة مُخْتَصَّة بذلك الْوَقْت، بِحَيْثُ يَزُول الحكم مُطلقًا عِنْد أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة، وَجوزهُ الْحَنَفِيَّة والمالكية، وَقَالَ الشَّيْخ وَغَيره: قد تَزُول الْعلَّة وَيبقى الحكم كالرمل، أما تَعْلِيله بعلة زَالَت لَكِن إِذا عَادَتْ عَاد، فَفِيهِ نظر، وَعَكسه: تَعْلِيل النَّاسِخ بعلة مُخْتَصَّة بذلك الزَّمن بِحَيْثُ إِذا زَالَت زَالَ، وَيَقَع الْفُقَهَاء فِيهِ كثيرا، ووقوعه فِي خطاب عَام فِيهِ نظر، وَألْحق الْحَنَفِيَّة النّسخ بِزَوَال الْعلَّة] .
قَالَ ابْن مُفْلِح عقيب الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة كالمستشهد لَهَا بذلك: (وَقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا / - وعنى بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين -: مَا حكم بِهِ الشَّارِع مُطلقًا أَو فِي عين، أَو فعله، أَو أقره، هَل يجوز تَعْلِيله بعلة مُخْتَصَّة بذلك الْوَقْت بِحَيْثُ يَزُول الحكم مُطلقًا؟
جوزه الْحَنَفِيَّة، والمالكية ذَكرُوهُ فِي مَسْأَلَة التَّخْلِيل، وَذكره الْمَالِكِيَّة
فِي حكمه بِتَضْعِيف الْغرم على سَارِق الثَّمر الْمُعَلق، والضالة
المكتومة، ومانع الزَّكَاة، وتحريق مَتَاع
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... . .
الغال، وَهُوَ شبهتهم أَن حكم الْمُؤَلّفَة انْقَطع.
وَمنعه أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، ثمَّ قَالَ بَعضهم - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا -: قد تَزُول الْعلَّة وَيبقى الحكم كالرمل.
وَقَالَ بَعضهم: النُّطْق حكم مُطلق وَإِن كَانَ سَببه خَاصّا، قد ثبتَتْ الْعلَّة مُطلقًا.
وَهَذَانِ جوابان لَا حَاجَة إِلَيْهِمَا.
وَاحْتج: بِأَن هَذَا رَأْي مُجَرّد، وَتمسك الصَّحَابَة بنهيه عَن ادخار لُحُوم الْأَضَاحِي فِي الْعَام الْقَابِل، وَمرَاده أَنه صَحَّ عَن ابْن عمر، وَأبي سعيد،
وَقَتَادَة بن النُّعْمَان، وَقَول جَابر:" كُنَّا لَا نَأْكُل فأرخص لنا ".
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: وَالْحكم هُنَا أَقسَام:
أَعْلَاهَا: أَن يكون بخطاب مُطلق.
الثَّانِي: أَن يثبت فِي أَعْيَان.
الثَّالِث: أَن يكون فعلا وإقرارا.
فَإِن كَانَ الحكم مُطلقًا، فَهَل يجوز تَعْلِيله بعلة قد زَالَت، لَكِن إِذا عَادَتْ يعود، فَهَذَا أخف من الأول وَفِيه نظر.
قلت: نَظِيره قَول من يَقُول: بِانْقِطَاع نصيب الْمُؤَلّفَة عِنْد عدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، فَإِن وجدت الْحَاجة إِلَى التَّأْلِيف عَاد جَوَاز الدّفع لعود الْعلَّة.
أما تَعْلِيله بعلة زَالَت، لَكِن إِذا عَادَتْ فَفِيهِ نظر. وَعَكسه: تَعْلِيل النَّاسِخ بعلة مُخْتَصَّة بذلك الزَّمن بِحَيْثُ إِذا زَالَت زَالَت وَيَقَع الْفُقَهَاء فِيهِ كثيرا وَالله أعلم.
وَيَأْتِي فِي كَلَام أبي الْخطاب فِي اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع.
وَفِي " وَاضح " ابْن عقيل: ألحق الْحَنَفِيَّة النّسخ بِزَوَال الْعلَّة، كَالْخمرِ حرمت أَولا وألفوا شربهَا، فَنهى عَن تخليلها تَغْلِيظًا، وزالت باعتياد التّرْك فَزَالَ الحكم، ثمَّ أبْطلهُ بِأَنَّهُ نسخ بِالِاحْتِمَالِ كمنعه حد وَفسق ونجاستها. انْتهى نقل ابْن مُفْلِح غير كَلَام ابْن قَاضِي الْجَبَل. /
قَوْله: [وَمِنْهَا أَن لَا يكون للمستنبطة معَارض فِي الأَصْل، وَقيل: رَاجِح، وَقيل: وَلَا فِي الْفَرْع، وَقيد الْآمِدِيّ الْمعَارض بِكَوْنِهِ راجحا عِنْد من جوز تَخْصِيص الْعلَّة، قَالَ: وَيَكْفِي الظَّن فِي نفي معَارض فِي أصل وَفرع] .
يشْتَرط فِي الْعلَّة إِذا كَانَت مستنبطة أَن لَا تكون مُعَارضَة بمعارض منَاف مَوْجُود فِي الأَصْل صَالح للعلية، وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي الْفَرْع؛ لِأَنَّهُ مَتى كَانَ فِي الأَصْل وصفان متنافيان يَقْتَضِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نقيض الآخر، لم يصلح أَن يَجْعَل أَحدهمَا عِلّة إِلَّا بمرجح.
مِثَال ذَلِك: أَن يَقُول حَنَفِيّ فِي صَوْم الْفَرْض: صَوْم عين فيتأدى بِالنِّيَّةِ قبل الزَّوَال كالنفل.
فَيُقَال لَهُ: صَوْم فرض، فيحتاط فِيهِ، وَلَا يبْنى على السهولة.
وَبَعْضهمْ اشْترط أَن لَا يكون فِي الْفَرْع وصف معَارض، مَتى وجد فِيهِ وصف منَاف يَقْتَضِي إِلْحَاقه بِأَصْل آخر تَعَارضا.
مِثَاله: قَول الشَّافِعِي فِي مسح الرَّأْس ركن فِي الْوضُوء فَيسنّ تثليثه كَغسْل الْوَجْه.
فيعارضه الْخصم فَيَقُول: مسح فِي وضوء فَلَا يسن تثليثه كالمسح على الْخُفَّيْنِ؛ وَذَلِكَ لِأَن انْتِفَاء التَّعَارُض فِي الْفَرْع إِنَّمَا هُوَ بِشَرْط ثُبُوت حكم الْعلَّة فِي الْفَرْع لَا شَرط فِي صِحَة الْعلَّة نَفسهَا، فَيجوز أَن تكون صَحِيحَة، سَوَاء ثَبت الحكم فِي الْفَرْع أم تخلف لسَبَب من الْأَسْبَاب اقْتضى تخلفه، فَمن
ادَّعَاهُ شرطا فِي الْعلَّة فقد وهم، فالمعارضة فِي الْفَرْع تقدح فِي الْقيَاس لَا فِي خُصُوص الْعلَّة.
فَإِن قيل: قيد الْمعَارض بالمنافي، وَمَفْهُوم الْمُعَارضَة تَقْتَضِي الْمُنَافَاة.
قيل: لِأَن المعرض قد يكون غير منَاف، وَذَلِكَ فِي غير الْعلَّة فَأُرِيد تَحْقِيق أَن المُرَاد هُنَا الْمنَافِي؛ لِأَن مَالا يُنَافِي من الأصاف غَايَته أَن يكون عِلّة أُخْرَى.
مِثَاله: أَن يتَّفقَا على أَن الْبر رِبَوِيّ، ويعلل أَحدهمَا بالطعم وَيذكر مناسبته، ويعلل الآخر بِالْكَيْلِ وَيذكر مناسبته.
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَن الْمعَارض فِي الأَصْل إِنَّمَا يكون شرطا إِذا كَانَ الْمعَارض راجحا، وَهُوَ مَمْنُوع؛ إِذْ الْمعَارض الْمسَاوِي يمْنَع الْعلَّة أَيْضا، قَالَه الْأَصْفَهَانِي.
قَالَ الْعَضُد: " وَقيل: أَن يكون الْمعَارض / فِي الْفَرْع مَعَ تَرْجِيح الْمعَارض، وَلَا بَأْس بالمساوي لِأَنَّهُ لَا يبطل، وَإِنَّمَا يحوج إِلَى التَّرْجِيح وَهُوَ دَلِيل الصِّحَّة بِخِلَاف الرَّاجِح فَإِنَّهُ يبطل " انْتهى.
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَقيل معَارض رَاجِح وَفِيه نظر، قَالَ: وَقيد الْآمِدِيّ الْمعَارض بِكَوْنِهِ راجحا عِنْد من جوز تَخْصِيص الْعلَّة ليقيد الْقيَاس، قَالَ: وَيَكْفِي الظَّن فِي نفي معَارض فِي أصل وَفرع " انْتهى.