الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[قَوْله] : (فصل))
( [لَا يشْتَرط الْقطع بِحكم الأَصْل، وَلَا بوجودها فِي الْفَرْع، وَلَا انْتِفَاء مُخَالفَة مَذْهَب صَحَابِيّ إِن لم يكن حجَّة فِي الْأَصَح فِيهِنَّ] ) .
[اشْترط بَعضهم فِي المستنبطة أَن تكون من أصل مَقْطُوع] بِحكمِهِ.
وَالصَّحِيح لَا؛ إِذْ يجوز الْقيَاس على مَا ثَبت حكمه بِدَلِيل ظَنِّي كَخَبَر الْوَاحِد والعموم وَالْمَفْهُوم وَغَيرهَا؛ لِأَنَّهُ غَايَة الِاجْتِهَاد فِيمَا يقْصد بِهِ الْعَمَل.
وَالصَّحِيح أَيْضا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يشْتَرط الْقطع بِوُجُود الْعلَّة فِي الْفَرْع. وَشرط بَعضهم ذَلِك.
وَالصَّحِيح الأول؛ لِأَن الْقيَاس إِذا كَانَ ظنيا فَلَا يضر كَون مقدماته أَو شَيْء مِنْهَا ظنيا.
وَلَا يشْتَرط أَيْضا انْتِفَاء مُخَالفَة مَذْهَب صَحَابِيّ إِن لم يكن حجَّة على الصَّحِيح.
وَإِن قُلْنَا هُوَ حجَّة فيتقدم على الْقيَاس على مَا يَأْتِي بَيَانه فِي مذْهبه. واشترطه بَعضهم. وَالصَّحِيح خِلَافه كَمَا تقدم.
[قَوْله] : (وَلَا يشْتَرط النَّص على الْعلَّة، وَلَا الْإِجْمَاع على تَعْلِيله خلافًا لبشر المريسي) .
الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء المعتبرون أَنه لَا يشْتَرط: أَن يرد نَص دَال على عين تِلْكَ الْعلَّة، وَلَا الِاتِّفَاق على أَن حكم الأَصْل مُعَلل.
وَخَالف فِي ذَلِك بشر المريسي، فَاشْترط أَحدهمَا، هَذَا ظَاهر كَلَامه فِي " جمع الْجَوَامِع ".
وَالَّذِي ذكره هُنَا الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول " عَن بشر: اشْتِرَاط الْأَمريْنِ مَعًا، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُنَا تبعا لِابْنِ مُفْلِح.
وَحكى الْبَيْضَاوِيّ عَنهُ: أَنه شَرط إِمَّا قيام الْإِجْمَاع عَلَيْهِ، أَو كَون علته منصوصة، وَهُوَ مُخَالف لكَلَام الرَّازِيّ من وَجْهَيْن، وَكَلَامه فِي " جمع الْجَوَامِع " يخالفهما.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَشرط بَعضهم فِي الأَصْل أَن يجمعوا على أَن حكمه مُعَلل لَا تعبدي، وَنقل عَن بشر المريسي، والشريف المرتضي، وَمِنْهُم من شَرط الِاتِّفَاق على وجود الْعلَّة فِي الأَصْل، وَخَالف الْجُمْهُور فاكتفوا بانتهاض الدَّلِيل على ذَلِك ".
فَظَاهره أَن مُخَالفَة بشر فِي الثَّانِيَة فَقَط، وعَلى كل حَال يَكْفِي إِثْبَات التَّعْلِيل بِدَلِيل على الصَّحِيح.
قَوْله: [وَإِذا كَانَت عِلّة انْتِفَاء الحكم وجود مَانع، أَو عدم شَرط، لزم وجود الْمُقْتَضِي عِنْد الْأَكْثَر، وَقَالَ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه: لَا، وَصحح ابْن عقيل وَجمع كَون الْعلَّة صُورَة الْمَسْأَلَة / نَحْو: يَصح رهن مشَاع كرهنه من شَرِيكه، وَمنعه قوم] .
إِذا علل حكم عدمي بِوُجُود مَانع أَو انْتِفَاء شَرط كَمَا يُقَال: عدم شَرط صِحَة البيع وَهُوَ الرُّؤْيَة، أَو وجد الْمَانِع وَهُوَ الْجَهْل بِالْمَبِيعِ فَلَا يَصح، وَكَذَا يُقَال: عدم الشَّرْط كَعَدم الرَّجْم لعدم الْإِحْصَان، أَو وجد الْمَانِع لعدم الْقصاص كَعَدم الْقصاص على الْأَب لمَانع وَهُوَ الْأُبُوَّة.
فَهَل يجب وجود الْمُقْتَضِي مثل بيع من [أَهله] فِي مَحَله أَو لَا يجب؟ أَكثر الْعلمَاء على أَنه يجب وجود الْمُقْتَضِي.
قَالَ الْآمِدِيّ: لِأَن الحكم شرع لمصْلحَة الْخلق فَمَا لَا فَائِدَة فِيهِ لم يشرع، فَانْتفى لنفي فَائِدَته.
قَالَ الْمُخَالف: أَدِلَّة مُتعَدِّدَة، وَإِذا اسْتَقل الْمَانِع وَعدم الشَّرْط مَعَ وجود معارضه الْمُقْتَضِي فَمَعَ عَدمه أولى.
رد: لَا يلْزم لما سبق. قَالُوا: يلْزم التَّعَارُض بَينهمَا وَهُوَ خلاف الأَصْل. رد: وَهُوَ أَهْون. وَلِهَذَا اتّفق من خصص الْعلَّة على نفي الحكم بالمانع وَعدم الشَّرْط مَعَ وجود الْمُقْتَضِي، وَاخْتلفُوا فِيهِ مَعَ عَدمه.
قَالُوا: لَو أُحِيل نفي الحكم عِنْد انْتِفَاء الْمُقْتَضِي على نَفْيه مَعَ مُنَاسبَة نَفْيه من الْمَانِع وَعدم الشَّرْط لزم إهمالها، وَهُوَ خلاف الأَصْل. رد: هُوَ أولى وَلِهَذَا يسْتَقلّ بنفيه عِنْد عدم الْمعَارض اتِّفَاقًا، وَفِي اسْتِقْلَال الْمَانِع ونفيه الْخلاف فِي تَخْصِيص الْعلَّة. وَإِن قيل: يُحَال نَفْيه عَلَيْهِمَا مَعًا. رد: إِن اسْتَقل كل مِنْهُمَا بنفيه فَفِيهِ تَعْلِيل حكم وَاحِد فِي صُورَة بعلتين، وَإِلَّا امْتنع لِلْخُرُوجِ المستقل بِالنَّفْيِ.
وَهُوَ نفي الْمُقْتَضِي عِنْد نفي معارضه عِنْد الِاسْتِقْلَال.
قَالَ ابْن عقيل: هَل يَصح كَون الْعلَّة صُورَة الْمَسْأَلَة، نَحْو: يَصح رهن مشَاع كرهن من شَرِيكه؟ مَنعه بَعضهم لإفضائه إِلَى تَعْلِيل الْمَسْأَلَة وَعَدَمه. وَصَححهُ بَعضهم، وَقَالَ: وَهُوَ أصح.
قَالَ بَعضهم: يسْتَدلّ بِوُجُود الْعلَّة على الحكم لَا بعليتها لتوقفها عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نِسْبَة.
قَوْله: [تَنْبِيه: أَصْحَابنَا وَالْحَنَفِيَّة [حكم] الأَصْل ثَابت بِالنَّصِّ، وَالشَّافِعِيَّة بِالْعِلَّةِ وَهُوَ الْمُعَرّف، وَالْخلاف / لَفْظِي وَقيل: لَا] .
قَالَ ابْن مُفْلِح: " حكم الأَصْل ثَابت بِالنَّصِّ عندنَا، وَعند الْحَنَفِيَّة؛ لِأَنَّهُ قد يثبت تعبدا، فَلَو ثَبت بِالْعِلَّةِ لم يثبت مَعَ عدمهَا؛ وَلِأَنَّهَا مظنونة، وَفرع عَلَيْهِ ومرادهم أَنه معرف لَهُ.
وَعند الشَّافِعِيَّة: بِالْعِلَّةِ، ومرادهم الباعثة عَلَيْهِ، فَالْخِلَاف لَفْظِي " انْتهى.
ذكر التَّاج السُّبْكِيّ والبرماوي هَذِه الْمَسْأَلَة من أول أَحْكَام الْعلَّة عِنْد حَدهَا، فَقَالُوا: قَالَ أهل الْحق الْعلَّة الْمُعَرّف، وَحكم الأَصْل ثَابت بهَا لَا بِالنَّصِّ، خلافًا للحنفية.
(قَالُوا: وَوجه ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة بعد هَذَا التَّعْرِيف: التَّنْبِيه على خطأ ابْن الْحَاجِب فِي قَوْله: إِن أَصْحَابنَا بنوا قَوْلهم: إِن حكم الأَصْل ثَابت بِالْعِلَّةِ على تَفْسِيرهَا بالباعث.
فَأَشَارَ التَّاج فِي " جمع الْجَوَامِع " إِلَى أَنهم قَالُوا هَذَا مَعَ تفسيرهم الْعلَّة بالمعرف.
وَوجه توهم [ابْن الْحَاجِب] أَنه جعل الْعلَّة فرعا للْأَصْل أصلا للفرع، خوفًا من لُزُوم الدّور، فَإِنَّهَا مستنبطة من النَّص، فَلَو كَانَت معرفَة لَهُ، وَهِي إِنَّمَا عرفت بِهِ لزم الدّور.
وَالْحق تَفْسِيرهَا بالمعرف بِمَعْنى أَنَّهَا نصبت أَمارَة يسْتَدلّ بهَا الْمُجْتَهد على وجود الحكم إِذا لم يكن عَارِفًا بِهِ، وَيجوز تخلفه فِي حق الْعَارِف، كالغيم الرطب أَمارَة الْمَطَر، وَقد يتَخَلَّف، وتخلف التَّعْرِيف بِالنِّسْبَةِ للعارف لَا يُخرجهَا عَن كَونهَا أَمارَة، فاتضح أَن الْعلَّة هِيَ الْمُعَرّف فِي الأَصْل وَالْفرع، وَلَا يلْزم الدّور) هَذَا لفظ ابْن الْعِرَاقِيّ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " اقْتضى نقل الْحَنَفِيَّة عَن الشَّافِعِيَّة ذَلِك: أَنهم يفسرون الْعلَّة بالمؤثر أَو الْبَاعِث، حَتَّى لَا يكون النَّص على الحكم منافيا لتعليله، بِخِلَاف مَا لَو فسرت بالمعرف فَإِنَّهُ يُنَافِي النَّص؛ لِأَن النَّص أَيْضا معرف، وَهُوَ قد عرف من التَّعْلِيل فَأَي فَائِدَة فِي النَّص، وَلَكِن الشَّافِعِيَّة لَيْسَ عِنْدهم الْعلَّة إِلَّا معرفَة لَا مُؤثرَة، أَي: أَنَّهَا أَمارَة دَالَّة على الحكم، وغايته أَن / يكون للْحكم معرفان: النَّص، وَالْعلَّة ".
ثمَّ ذكر مَا قَالَه ابْن الْحَاجِب وَغَيره ثمَّ قَالَ: وللخلاف بَينهمَا فَوَائِد كَثِيرَة، يظْهر أثر اخْتِلَاف الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة فِيهِ، خلافًا لمن زعم أَن الْخلاف لَفْظِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْآمِدِيّ، وَابْن برهَان، وَابْن الْحَاجِب، والهندي.
- وَهُوَ الَّذِي قدمْنَاهُ تبعا لما جزم بِهِ ابْن مُفْلِح - مِنْهَا: التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ القاصرة، وَذكر غَيرهَا بِمَا يطول.