الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: [وَأَن لَا تخَالف نصا وَلَا إِجْمَاعًا] .
مِمَّا اشْترط فِي الْعلَّة أَن تكون عرية عَن مُخَالفَة كتاب أَو سنة، أَو مُخَالفَة إِجْمَاع؛ لِأَن النَّص وَالْإِجْمَاع لَا يقاومهما الْقيَاس، بل يكون إِذا خالفهما بَاطِلا.
مِثَال مُخَالفَة النَّص: أَن يَقُول حَنَفِيّ: امْرَأَة مالكة لبضعها، فَيصح نِكَاحهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا، قِيَاسا على مَا لَو باعت سلعتها.
فَيُقَال لَهُ: هَذِه عِلّة مُخَالفَة لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ".
وَمِثَال مُخَالفَة الْإِجْمَاع: أَن يُقَال: مُسَافر فَلَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة فِي السّفر، قِيَاسا على صَوْمه فِي عدم الْوُجُوب فِي السّفر بِجَامِع الْمَشَقَّة.
فَيُقَال: هَذِه الْعلَّة مُخَالفَة، الْإِجْمَاع على عدم اعْتِبَارهَا فِي
الصَّلَاة، وَأَن الصَّلَاة وَاجِبَة على الْمُسَافِر مَعَ وجود مشقة السّفر.
وَمِثَال آخر: لَو قيل الْملك لَا يعْتق فِي الْكَفَّارَة لسهولته عَلَيْهِ، بل يَصُوم، وَهُوَ يصلح مِثَالا لَهما، قَالَه الْعَضُد.
قَوْله: [وَلَا تَتَضَمَّن زِيَادَة على النَّص، وَقَالَ الْآمِدِيّ: إِن نافت مُقْتَضَاهُ] .
من شُرُوط الْعلَّة المستنبطة أَيْضا: أَن لَا تَتَضَمَّن زِيَادَة على النَّص، أَي حكما فِي الأَصْل غير مَا أثْبته النَّص؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تعلم مِمَّا أثبت فِيهِ.
مِثَاله: " لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء "، فتعلل الْحُرْمَة بِأَنَّهُ رَبًّا فِيمَا يُوزن كالنقدين، فَيلْزم التَّقَابُض مَعَ أَن النَّص لم يتَعَرَّض لَهُ، وَهَذَا قدمه ابْن الْحَاجِب، وشراحه وَغَيرهم.
وَقيل: لَا يشْتَرط، إِلَّا أَن تكون الزِّيَادَة مُنَافِيَة للنَّص، وَهَذَا / اخْتِيَار الْآمِدِيّ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَهُوَ الْمُخْتَار، لِأَنَّهَا إِذا لم تناف لَا يضر وجودهَا ".
قَالَ الْعَضُد: " وَقيل: إِن كَانَت الزِّيَادَة مُنَافِيَة لحكم الأَصْل، لِأَنَّهُ نسخ لَهُ فَهُوَ مِمَّا يكر على أَصله بالإبطال وَإِلَّا جَازَ ".
قَوْله: [وَأَن يكون دليلها شَرْعِيًّا] .
أَي: من شُرُوط عِلّة الأَصْل أَن يكون دليلها شَرْعِيًّا؛ وَذَلِكَ لِأَن دليلها لَو كَانَ غير شَرْعِي للَزِمَ أَن لَا يكون الْقيَاس شَرْعِيًّا، وَهَذَا فِي بعض نسخ " مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب "، وَلذَلِك شرحها الْأَصْفَهَانِي، وَبَعض النّسخ لَيْسَ هِيَ فِيهَا، وَلذَلِك لم يشرحها الْعَضُد.
قَوْله: [وَلَا يعم دليلها حكم الْفَرْع بِعُمُومِهِ أَو خصوصه] .
أَي: من شَرط صِحَّتهَا أَن لَا يكون دَلِيل الْعلَّة شَامِلًا لحكم الْفَرْع بِعُمُومِهِ، كقياس التفاح على الْبر بِجَامِع الطّعْم.
فَيُقَال: الْعلَّة دليلها حَدِيث: " الطَّعَام بِالطَّعَامِ مثلا بِمثل " رَوَاهُ مُسلم، وَأما تَمْثِيل ابْن الْحَاجِب ب " لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا مثلا بِمثل " فَلَا يعرف، بِهَذَا اللَّفْظ فالفرع دَاخل فِي الطَّعَام.
أَو بِخُصُوص لقَوْله عليه السلام: " من قاء أَو رعف فَليَتَوَضَّأ "، وَإِن
كَانَ الحَدِيث ضَعِيفا لَكِن يذكر للتمثيل.
فَلَو قيل فِي الْقَيْء: خَارج من غير السَّبِيلَيْنِ فينتقض كالخارج مِنْهُمَا، ثمَّ اسْتدلَّ على أَن الْخَارِج مِنْهُمَا ينْقض بِهَذَا الحَدِيث، لم يَصح؛ لِأَنَّهُ تَطْوِيل بِلَا فَائِدَة، بل فِي الثَّانِي مَعَ كَونه تَطْوِيلًا رُجُوع عَن الْقيَاس؛ لِأَن الحكم حِينَئِذٍ يثبت بِدَلِيل الْعلَّة لَا بِنَفس الْعلَّة، فَلم يثبت الحكم بِالْقِيَاسِ.
قَالَ الْعَضُد: " لنا: أَنه يُمكن إِثْبَات الْفَرْع بِالنَّصِّ كَمَا يُمكن إِثْبَات الأَصْل بِهِ، فالعدول عَنهُ إِلَى إِثْبَات الأَصْل ثمَّ الْعلَّة، ثمَّ بَيَان وجودهَا فِي الْفَرْع، ثمَّ بَيَان ثُبُوت الحكم: تَطْوِيل بِلَا فَائِدَة، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ رُجُوع من الْقيَاس إِلَى النَّص ".
ثمَّ ذكر الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب: أَنه قيل إِن هَذِه مناقشة جدلية وَهِي لَا تقدح فِي صِحَة الْقيَاس؛ لِأَن المناقشة الجدلية ترجع إِلَى بَيَان أوضاع / الْأَدِلَّة وَلَيْسَ فِيهَا بحث فقهي.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَلم يجيبا عَن ذَلِك، وَلَكِن جَوَابه: أَن لَهَا فَائِدَة فقهية، وَذَلِكَ لِأَن الحكم فِي الْمَسْأَلَة الأولى كَانَ مُسْتَندا [للنَّص] فَجعله المناظر مُسْتَندا للْقِيَاس، وَحكم العمومين وَالْقِيَاس مُخْتَلف، وَفِي الثَّانِي كَانَ قِيَاسا فَعَاد مَنْصُوصا، وَلَا يَخْلُو مثل ذَلِك من غَرَض، فَيُقَال: إِن كَانَ فِي التَّطْوِيل مقصد فقهي [قبل] وَإِلَّا فَلَا.
قلت: وَأَيْضًا فقد سبق أَن اجْتِمَاع النَّص وَالْقِيَاس فِي الْفَرْع اجْتِمَاع دَلِيلين، وَلَا يمْنَع من ذَلِك لما فِيهِ من التَّرْجِيح لَو عورض لِكَثْرَة الْأَدِلَّة " انْتهى.
وَقَالَ الْعَضُد: " وَقَالُوا إِنَّهَا مناقشة جدلية؛ إِذْ الْغَرَض الظَّن بِأَيّ طَرِيق حصل، فَلَا معنى لتعيين الطَّرِيق.
الْجَواب: أَنه رُجُوع عَن الْقيَاس.
وَاعْلَم أَنه رُبمَا يكون النَّص مُخَصّصا، والمستدل أَو الْمُعْتَرض لَا يرَاهُ حجَّة إِلَّا فِي أقل الْجمع، فَلَو أَرَادَ إدراج الْفَرْع فِيهِ تعسر، فَيثبت بِهِ الْعلَّة
فِي الْجُمْلَة، ثمَّ يعم بِهِ الحكم فِي جَمِيع موارد وجود الْعلَّة.
وَأَيْضًا: فقد يكون دلَالَته على الْعلية أظهر من دلَالَته على الْعُمُوم، كَمَا يَقُول: حرمت الرِّبَا فِي الطَّعَام للطعم، فَإِن الْعلَّة فِي غَايَة الوضوح، والعموم فِي الْمُفْرد الْمُعَرّف مَحل خلاف الظَّاهِر " انْتهى.
قَوْله: [وَأَن تتَعَيَّن فِي الْأَصَح] .
من الشُّرُوط أَن تكون الْعلَّة مُعينَة لَا مُبْهمَة، بِمَعْنى: شائعة، خلافًا لمن اكْتفى بذلك تعلقا بقول عمر رضي الله عنه:" اعرف الْأَشْبَاه والنظائر، وَقس الْأُمُور بِرَأْيِك "، فَيَكْفِي عِنْدهم كَون الشَّيْء مشبها
للشَّيْء شبها مَا.
قَالَ الْهِنْدِيّ: لَكِن أطبق الجماهير على فَسَاده. لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَن الْعَاميّ والمجتهد سَوَاء فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فِي الْحَوَادِث، إِذْ مَا من عَامي جَاهِل إِلَّا وَعِنْده معرفَة بِأَن هَذَا النَّوْع أصل من الْأُصُول فِي أَحْكَام كَثِيرَة.
وَأجْمع السّلف على أَنه لَا بُد فِي الْإِلْحَاق من الِاشْتِرَاك بِوَصْف خَاص. [قَوْله] : [وَلَا تكون وَصفا مُقَدرا خلافًا لقوم، وَتَكون حكما
شَرْعِيًّا عِنْد ابْن عقيل وَالْأَكْثَر، وَحكي عَن أَصْحَابنَا، وَمنع جمَاعَة وَحكي عَن ابْن عقيل وَابْن الْمَنِيّ، وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ الْجَوَاز بِمَعْنى الأمارة فِي غير أصل الْقيَاس.
وَتَكون صفة الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف عِلّة عِنْد أَصْحَابنَا،
وَالْأَكْثَر، وَمنعه القَاضِي وَغَيره.
ويتعدد الْوَصْف وَيَقَع عندنَا، وَعند الْأَكْثَر وَعند الْجِرْجَانِيّ:
إِلَى خَمْسَة، وَحكي: سَبْعَة، وَقيل: لَا] .