الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: [فصل] )
(الْمُنَاسب إِن اعْتبر بِنَصّ كتعليل الْحَدث بِمَسّ الذّكر، أَو إِجْمَاع كتعليل ولَايَة المَال بالصغر، فالمؤثر إِن اعْتبر بترتب الحكم على الْوَصْف فَقَط، إِن ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم، أَو بِالْعَكْسِ، أَو جنسه فِي جنس الحكم، فالملائم وَهُوَ حجَّة عِنْد الْمُعظم، وَإِلَّا فالغريب وَهُوَ حجَّة، وَمنعه أَبُو الْخطاب وَالْحَنَفِيَّة، وَإِن اعْتبر الشَّارِع جنسه الْبعيد فِي جنس الحكم فمرسل ملائم، وَإِلَّا فمرسل غَرِيب مَنعه الْجُمْهُور، أَو مُرْسل ثَبت إلغاؤه كإيجاب الصَّوْم على واطىء قَادر فِي رَمَضَان، مَرْدُود اتِّفَاقًا) .
لابد فِي كَون الْوَصْف الْمُنَاسب الْمُعَلل بِهِ أَن يعلم من الشَّارِع الْتِفَات إِلَيْهِ، وَيظْهر ذَلِك بتقسيم الْمُنَاسب، وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى: مُؤثر، وملائم، وغريب، ومرسل.
وَهُوَ: مُرْسل ملائم، ومرسل غَرِيب، ومرسل ثَبت إلغاؤه؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يعلم أَن الشَّرْع اعْتَبرهُ / أَو يعلم أَنه ألغاه، أَو لَا يعلم أَنه اعْتَبرهُ وَلَا ألغاه.
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا ": مَا هُوَ أَعم من الْيَقِين وَالظَّن، وَذَلِكَ إِمَّا بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع.
وَالْمرَاد بِاعْتِبَار الشَّرْع أَن يُورد الْفُرُوع على وَفقه لَا أَن ينص على الْعلَّة أَو يُومِئ إِلَيْهَا، وَإِلَّا لم تكن الْعلَّة مستفادة بالمناسبة.
وَالْمرَاد بِالْعينِ النَّوْع لَا الشَّخْص من النَّوْع، فَالْمُعْتَبر بِنَصّ كتعليل الْحَدث بِمَسّ الذّكر، اعْتبر عينه فِي عين الحكم وَهُوَ الْحَدث لحَدِيث:" من مس ذكره " فَليَتَوَضَّأ "، وَمثله تعْيين السكر عِلّة التَّحْرِيم فِي الْخمر، اعْتبر عينه فِي عين الحكم وَهُوَ التَّحْرِيم، حَيْثُ حرم الْخمر فَيلْحق بِهِ النَّبِيذ.
وَالْمُعْتَبر بِالْإِجْمَاع كتعليل ولَايَة المَال بالصغر فَإِنَّهُ اعْتبر عين الصغر فِي عين الْولَايَة فِي المَال بِالْإِجْمَاع.
فهذان النوعان يسميان مؤثرا، وَسمي مؤثرا لحُصُول التَّأْثِير فِيهِ عينا وجنسا فَظهر تَأْثِيره فِي الحكم. وَالْمُعْتَبر بترتب الحكم على الْوَصْف فَقَط أَن يثبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم، أَو بِالْعَكْسِ، أَو جنسه فِي جنس الحكم، يُسمى ملائما؛ لكَونه مُوَافقا لما اعْتَبرهُ الشَّارِع، وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع:
مِثَال مَا اعْتبر الشَّارِع عين الْوَصْف فِي جنس الحكم من الملائم: امتزاج النسبين فِي الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ، اعْتبر تَقْدِيمه على الْأَخ من الْأَب فِي الْإِرْث،
وقسنا عَلَيْهِ تَقْدِيمه فِي ولَايَة النِّكَاح وَغَيرهَا من الْأَحْكَام الَّذِي قدم عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ وَإِن لم يعتبره الشَّارِع فِي عين هَذِه الْأَحْكَام، لَكِن اعْتَبرهُ فِي جِنْسهَا وَهُوَ التَّقْدِيم فِي الْجُمْلَة.
وَمِثَال مَا اعْتبر فِيهِ جنس الْوَصْف فِي عين الحكم عكس الَّذِي قبله، مِنْهُ: الْمَشَقَّة الْمُشْتَركَة بَين الْحَائِض وَالْمُسَافر فِي سُقُوط الْقَضَاء، فَإِن الشَّارِع اعتبرها فِي عين سُقُوط الْقَضَاء فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الرّبَاعِيّة، فَسقط بهَا الْقَضَاء فِي صَلَاة الْحَائِض قِيَاسا.
وَإِنَّمَا جعل [الْوَصْف] هُنَا جِنْسا والإسقاط نوعا؛ لِأَن مشقة السّفر نوع مُخَالف لمَشَقَّة / الْحيض، وَأما السُّقُوط فَأمر وَاحِد وَإِن اخْتلف محاله.
وَمِثَال مَا اعْتبر جنس الْوَصْف فِي جنس الحكم مِنْهُ: مَا رُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه فِي شَارِب الْخمر: " أَنه إِذا شرب هذى وَإِذا هذى افترى، فَيكون عَلَيْهِ حد المفتري "، أَي: الْقَاذِف.
وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة عَلَيْهِ، فأوجبوا حد الْقَذْف على الشَّارِب، لَا لكَونه شرب بل لكَون الشّرْب مَظَنَّة الْقَذْف، فأقاموه مقَام الْقَذْف قِيَاسا على إِقَامَة الْخلْوَة بالأجنبية مقَام الْوَطْء فِي التَّحْرِيم؛ لكَون الْخلْوَة مَظَنَّة لَهُ.
فَظهر أَن الشَّارِع إِنَّمَا اعْتبر المظنة الَّتِي هِيَ جنس لمظنة الْوَطْء، ومظنة الْقَذْف فِي الحكم الَّذِي هُوَ جنس لإِيجَاب حد الْقَذْف وَحُرْمَة الْوَطْء.
وَقَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره:
" الأول: كالتعليل بالصغر فِي قِيَاس النِّكَاح على المَال فِي الْولَايَة، فَإِن الشَّرْع اعْتبر عين الصغر فِي عين ولَايَة المَال بِهِ، منبها على الصغر، وَثَبت اعْتِبَار عين الصغر فِي جنس حكم الْولَايَة إِجْمَاعًا.
وَالثَّانِي: كالتعليل بِعُذْر الْحَرج فِي قِيَاس الْحَضَر بِعُذْر الْمَطَر على السّفر فِي الْجمع، فجنس الْحَرج مُعْتَبر فِي عين رخصَة الْجمع إِجْمَاعًا.
وَالثَّالِث: كالتعليل بِجِنَايَة الْقَتْل الْعمد الْعدوان فِي قِيَاس المثقل على
المحدد فِي الْقصاص، فجنس الْجِنَايَة مُعْتَبرَة فِي جنس قصاص النَّفس، لاشْتِمَاله على قصاص [النَّفس] وَغَيرهَا كالأطراف " انْتهى.
وَأما الْغَرِيب من الْمُعْتَبر فَهُوَ كالتعليل بالإسكار فِي قِيَاس النَّبِيذ على الْخمر بِتَقْدِير عدم نَص بعلية الْإِسْكَار، فعين الْإِسْكَار مُعْتَبر فِي عين التَّحْرِيم بترتيب الحكم عَلَيْهِ فَقَط، كاعتبار جنس الْمَشَقَّة الْمُشْتَركَة بَين الْحَائِض وَالْمُسَافر فِي جنس التَّخْفِيف.
وَهَذَا الْمِثَال دون مَا قبله لرجحان النّظر بِاعْتِبَار الْخُصُوص لِكَثْرَة مَا بِهِ الِاخْتِصَاص، قَالَه ابْن مُفْلِح، والأصبهاني. /
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَمِثَال الْغَرِيب - وَسمي بذلك؛ لِأَنَّهُ لم يشْهد لَهُ غير أَصله بِالِاعْتِبَارِ: الطّعْم فِي الرِّبَا فَإِن نوع الطّعْم مُؤثر فِي حُرْمَة الرِّبَا وَلَيْسَ جنسه مؤثرا فِي جنسه ".
وَمِثَال الملائم الْمُرْسل: تَعْلِيل تَحْرِيم قَلِيل الْخمر بِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى كثيرها، فجنسه الْبعيد مُعْتَبر فِي جنس الحكم كتحريم الْخلْوَة بِتَحْرِيم الزِّنَا.
وَمِثَال الْغَرِيب الْمُرْسل: التَّعْلِيل بِالْفِعْلِ الْمحرم لغَرَض فَاسد فِي قِيَاس البات فِي مَرضه، على الْقَاتِل فِي الحكم بالمعرضة بنقيض مَقْصُوده، وَصَارَ تَوْرِيث المبتوتة كحرمان الْقَاتِل.
وَإِنَّمَا كَانَ غَرِيبا مُرْسلا؛ لِأَنَّهُ [لم] يعْتَبر الشَّارِع عين الْفِعْل الْمحرم لغَرَض فَاسد فِي عين الْمُعَارضَة بنقيض الْمَقْصُود بترتيب الحكم عَلَيْهِ، وَلم يثبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي جنس الْمُعَارضَة بنقيض الْمَقْصُود وَلَا جنسه فِي عينهَا، وَلَا جنسه فِي جِنْسهَا.
وَمِثَال الْمُرْسل الملغى وَهُوَ الَّذِي علم من الشَّارِع إلغاؤه مَعَ أَنه [متخيل] : الْمُنَاسبَة، وَلَا يجوز التَّعْلِيل بِهِ.
وَذَلِكَ كإيجاب صَوْم شَهْرَيْن ابْتِدَاء فِي الظِّهَار، أَو الْوَطْء فِي رَمَضَان على من يسهل عَلَيْهِ الْعتْق، كَمَا أفتى يحيى بن يحيى بن كثير اللَّيْثِيّ صَاحب [مَالك، إِمَام أهل الأندلس حَيْثُ أفتى بعض مُلُوك المغاربة بذلك وَهُوَ] . الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن الحكم الْأمَوِي الْمَعْرُوف بالربضي، صَاحب الأندلس، وَكَانَ قد [نظر] فِي [رَمَضَان] إِلَى جَارِيَة لَهُ كَانَ يُحِبهَا حبا شَدِيدا، [فعبث] بهَا، فَلم يملك نَفسه أَن وَقع عَلَيْهَا، ثمَّ نَدم ندما شَدِيدا، فَسَأَلَ الْفُقَهَاء عَن تَوْبَته وكفارته فَقَالَ يحيى بن يحيى: تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فَلَمَّا بدر يحيى بذلك [سكت] بَقِيَّة الْفُقَهَاء حَتَّى خَرجُوا.
فَقَالُوا ليحيى: مَالك لم تفته بِمذهب مَالك وَهُوَ التَّخْيِير بَين الْعتْق وَالْإِطْعَام، [وَالصِّيَام] ؟ فَقَالَ: لَو فتحنا لَهُ هَذَا الْبَاب سهل عَلَيْهِ أَن يطَأ كل يَوْم وَيعتق رَقَبَة، وَلَكِن حَملته على أصعب الْأُمُور؛ لِئَلَّا يعود.
فَهَذَا أَمر مَرْدُود إِجْمَاعًا، ذكره جمَاعَة.
لَكِن رَأَيْت الطوفي فِي " شَرحه " قَالَ: " أما تعين الصَّوْم فِي كَفَّارَة رَمَضَان على الْمُوسر / فَلَيْسَ يبعد إِذا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد مُجْتَهد، وَلَيْسَ ذَلِك من بَاب وضع الشَّرْع بِالرَّأْيِ بل من بَاب الِاجْتِهَاد بِحَسب الْمصلحَة، أَو من بَاب تَخْصِيص الْعَام الْمُسْتَفَاد من ترك الاستفصال فِي حَدِيث الْأَعرَابِي، وَهُوَ عَام ضَعِيف فيخص بِهَذَا الِاجْتِهَاد المصلحي الْمُنَاسب وَتَخْصِيص الْعُمُوم طَرِيق مهيع،
وَقد فرق الشَّرْع بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي غير مَوضِع فَلْيَكُن هَذَا من تِلْكَ الْمَوَاضِع " انْتهى.
إِذا علم ذَلِك فَالْمُرَاد بِالْجِنْسِ دَائِما هُوَ الْقَرِيب لَا الْبعيد، وَأَعْلَى الملائم الثَّلَاثَة مَا أثر عين الْوَصْف فِي جنس الحكم، لِأَن الْإِبْهَام فِي الْعلَّة أَكثر محذورا من الْإِبْهَام فِي الْمَعْلُول ثمَّ عَكسه ثمَّ الْجِنْس فِي الْجِنْس. وأقسام الملائم كلهَا يسوغ التَّعْلِيل بهَا عِنْد الْجُمْهُور.
لِأَن اللَّهِ - تَعَالَى - شرع أَحْكَامه لمصَالح الْعباد وَعلم ذَلِك بطرِيق الاستقراء، وَذَلِكَ من فضل اللَّهِ تَعَالَى وإحسانه، فَإِذا وجد وصف صَالح للعلية وَقد اعْتَبرهُ الشَّرْع بِوَجْه من الْوُجُوه السَّابِقَة [غلب] على الظَّن أَنه عِلّة للْحكم.
قَوْله: (والمرسل الملائم لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْأَكْثَر، وَقيل: فِي الْعِبَادَات، وَقَالَ مَالك: حجَّة، وَأنْكرهُ أَصْحَابه، وَقَالَهُ الْغَزالِيّ بِشَرْط كَون الْمصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كُلية كتترس كفار بِمُسلم، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ لاعتباره فَهُوَ حق قطعا، وَمعنى كَلَام الْمُوفق وَالْفَخْر والطوفي [أَن]
غير الملغي حجَّة، وَقيل: لَا يشْتَرط [فِي] الْمُؤثر كَونه مناسبا) .
قَالَ ابْن مُفْلِح: قَالَ الْآمِدِيّ: (الملائم الأول مُتَّفق عَلَيْهِ مُخْتَلف فِيمَا عداهُ.
[وَاخْتَارَ] اعْتِبَار الرَّابِع وَهُوَ الْغَرِيب من الْمُعْتَبر.
وَأَن مَا بعده وَهُوَ الْمُنَاسب الْمُرْسل لم يشْهد الشَّرْع بِاعْتِبَارِهِ وإلغائه لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَهُوَ الْحق لتردده بَين مُعْتَبر وملغى، فَلَا بُد من شَاهد قريب بِالِاعْتِبَارِ.
فَإِن قيل: هُوَ من جنس مَا اعْتبر.
قيل: وَمن جنس مَا ألغي، فَيلْزم اعْتِبَار وصف وَاحِد وإلغاؤه بِالنّظرِ إِلَى حكم وَاحِد، وَهُوَ محَال.
وَعَن مَالك: القَوْل بِهِ وَأنْكرهُ أَصْحَابه. /
قَالَ: فَإِن صَحَّ عَنهُ فالأشبه أَنه فِي مصلحَة ضَرُورِيَّة كُلية قَطْعِيَّة كَمَسْأَلَة التترس.
وَمعنى اخْتِيَاره فِي " الرَّوْضَة "، وَاخْتِيَار أبي مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ من أَصْحَابنَا: أَن غير الملغي حجَّة، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَنْهُمَا. وَيُوَافِقهُ مَا احْتج بِهِ الْأَصْحَاب فِي الْفُرُوع كَالْقَاضِي، وَأَصْحَابه بالقسم الْخَامِس، وَالسَّادِس، لما سبق، وَلما يَأْتِي.
وَمنع فِي " الِانْتِصَار " - فِي أَن عِلّة الرِّبَا الطّعْم - التَّعْلِيل بالقسم الرَّابِع وَهُوَ الْغَرِيب الْمُعْتَبر، غير الْغَرِيب الْمُرْسل، كَقَوْل الْحَنَفِيَّة.
ثمَّ قَالَ: الْأَقْوَى أَن لَا تنَازع فِي الْمُنَاسبَة وَمَا يظنّ تَعْلِيق الحكم عَلَيْهِ. وَسبق قَول ابْن حَامِد فِي السبر.
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا يشْتَرط فِي الْمُؤثر كَونه مناسبا وَجعله فِي " الرَّوْضَة " من قسم الْمُنَاسب.
قَالَ: وَنَظِيره تَعْلِيق الحكم بِوَصْف مُشْتَقّ فِي [اشْتِرَاط مناسبته] وَجْهَان.
قَالَ: وَكَلَام القَاضِي والعراقيين: يَقْتَضِي أَنه لَا يحْتَج بالمناسب الْغَرِيب ويحتج بالمؤثر مناسبا أَو لَا.
قَالَ: فَصَارَ الْمُؤثر الْمُنَاسب لم يُخَالف فِيهِ إِلَّا ابْن حَامِد، والمؤثر غير الْمُنَاسب، أَو الْمُنَاسب غير الْمُؤثر فيهمَا أوجه.
وذكرن ابْن الْحَاجِب: أَن الْقسم السَّادِس وَهُوَ الْغَرِيب الْمُرْسل مَرْدُود اتِّفَاقًا، وَتَبعهُ شراحه، لَكِن فِيهِ خلاف ضَعِيف.
وَقيل أَبُو الْمَعَالِي الْقسم الْخَامِس، وَذكره عَن الْمُحَقِّقين.
وَيذكر عَن مَالك، وَالشَّافِعِيّ. ورده بَعضهم.
وَقَبله الْغَزالِيّ بِشَرْط كَون الْمصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كُلية، كتترس كفار بمسلمين مَعَ الْجَزْم لَو لم نقتلهم ملكوا جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام، وَقتلُوا جَمِيع الْمُسلمين حَتَّى الترس، فَقتل الترس مصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كُلية.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْفَتْح: " قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِه الْمصلحَة لَا يَنْبَغِي أَن نَخْتَلِف فِيهَا، وَنَفر من لم يمعن النّظر للمفسدة " انْتهى.
وَيجوز قتل الترس عِنْد إمامنا أَحْمد، وَالْأَكْثَر، للخوف على الْمُسلمين، ومذهبه من مَاتَ بِموضع لَا حَاكم فِيهِ، فلرجل مُسلم بيع مَا فِيهِ مصلحَة؛ / لِأَنَّهُ ضَرُورَة كولاية تكفينه) .
فتخلص لنا فِي الْمُرْسل الملائم أَرْبَعَة أَقْوَال:
أَحدهَا: الْمَنْع مُطلقًا وَعَلِيهِ الْأَكْثَر.
وَالثَّانِي: الْقبُول مُطلقًا؛ لإفادته ظن الْعلية، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن مَالك، وَبَالغ أَبُو الْمَعَالِي فِي الرَّد عَلَيْهِ.
وَالثَّالِث: الْقبُول فِي غير الْعِبَادَات كَبيع وَنِكَاح وحدود وقصاص نَحْوهَا، لِأَن الملاحظ فِيهَا المناسبات اللائحة من مصالحها، وَعدم الْقبُول فِي الْعِبَادَات فَلَا يجوز التَّعْلِيل بِهِ لما فِيهَا من مُلَاحظَة التَّعَبُّد؛ وَلِأَنَّهُ لَا نظر فِيهَا للْمصْلحَة اخْتَارَهُ [الأبياري] فِي " شرح الْبُرْهَان "، وَزعم أَنه يَقْتَضِيهِ مَذْهَب مَالك.
وَالرَّابِع: قَول الْغَزالِيّ، وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيّ أَنه يُعلل بِهِ بِثَلَاثَة قيود: أَن يشْتَمل ذَلِك الْمُنَاسب الْمُرْسل على مصلحَة ضَرُورِيَّة كُلية قَطْعِيَّة - كَمَا تقدم -، فَإِن فَاتَ من الثَّلَاثَة لم يعْتَبر، فالضرورية: مَا يكون من الضروريات الْخمس السَّابِقَة، والكلية: مَا تكون وَاجِبَة لفائدة تعم الْمُسلمين، والقطعية: مَا يجْزم بِحُصُول الْمصلحَة فِيهَا كَمَسْأَلَة التترس.
تَنْبِيه: تَقْسِيم الْمُرْسل إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام.
مُرْسل ملائم، ومرسل غَرِيب، ومرسل ثَبت إلغؤه. تابعنا فِيهِ ابْن مُفْلِح، وَتبع هُوَ ابْن الْحَاجِب، وَجَمَاعَة كَثِيرَة. وَأكْثر الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم إِنَّمَا يذكرُونَ الْمُؤثر والملائم بأقسامه.
والمرسل وَهُوَ مَا لم يعلم أَن الشَّرْع ألغاه وَلَا اعْتَبرهُ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة فَهُوَ مَحل الْخلاف، وَهُوَ الَّذِي يُسمى بالمصالح الْمُرْسلَة، ويذكرون الملغى، فَلَيْسَ عِنْدهم تَقْسِيم الْمُرْسل إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام كَمَا ذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره.
قَوْله: (فَائِدَة: أَعم الجنسية فِي الْوَصْف: كَونه وَصفا، ثمَّ مناطا، ثمَّ مصلحَة [خَاصَّة] ، وَفِي الحكم: كَونه حكما، ثمَّ وَاجِبا وَنَحْوه، ثمَّ عبَادَة، ثمَّ صَلَاة، ثمَّ ظهرا، وتأثير الْأَخَص فِي الْأَخَص أقوى، وتأثير الْأَعَمّ فِي الْأَعَمّ / يُقَابله، والأخص فِي الْأَعَمّ وَعَكسه واسطتان) .
اعْلَم أَن كلا من الْوَصْف وَالْحكم نوع، وَمَا هُوَ أَعم مِنْهُ: جنس، وَله مَرَاتِب: عَال، وسافل، ومتوسط، وَالْعبْرَة دَائِما بالأسفل الْقَرِيب من الْمعِين فِي الْوَصْف وَفِي الحكم.
فأعم الْأَوْصَاف وصف يناط بِهِ الحكم، ثمَّ كَونه مناسبا، ثمَّ كَونه مثلا ضَرُورِيًّا، ثمَّ كَونه لحفظ النُّفُوس.
وأعم أَجنَاس الحكم كَونه حكما شَرْعِيًّا، ثمَّ كَونه وَاجِبا، ثمَّ كَونه عبَادَة، ثمَّ كَونه صَلَاة، ثمَّ كَونه ظهرا.
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": " لما تقرر أَن الْوَصْف مُؤثر فِي الحكم، وَالْحكم
ثَابت بِالْوَصْفِ، [ومسمى] الْوَصْف وَالْحكم جنس تخْتَلف أَنْوَاع مَدْلُوله بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص، كاختلاف أَنْوَاع مَدْلُول الْجِسْم وَالْحَيَوَان، وَلِهَذَا اخْتلف تَأْثِير الْوَصْف فِي الحكم تَارَة بِالْجِنْسِ، وَتارَة بالنوع، احتجنا إِلَى بَيَان مَرَاتِب جنس الْوَصْف وَالْحكم، وَمَعْرِفَة الْأَخَص مِنْهَا من الْأَعَمّ ليتَحَقَّق لنا معرفَة أَنْوَاع تَأْثِير الْأَوْصَاف فِي الْأَحْكَام.
فأعم مَرَاتِب الْوَصْف كَونه وَصفا؛ لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون مناطا للْحكم أَو لَا يكون، إِذْ بِتَقْدِير أَن يكون طرديا غير مُنَاسِب لَا يصلح أَن يناط بِهِ حكم، فَكل منَاط وصف وَلَيْسَ كل وصف مناطا، ثمَّ كَونه مناطا أَعم من أَن يكون مصلحَة أَو لَا، فَكل مصلحَة منَاط الحكم وَلَيْسَ كل منَاط مصلحَة، لجَوَاز أَن يناط الحكم بِوَصْف تعبدي، لَا يظْهر وَجه الْمصلحَة فِيهِ، ثمَّ كَون الْوَصْف مصلحَة؛ لِأَنَّهَا قد تكون عَامَّة بِمَعْنى أَنَّهَا متضمنة لمُطلق النَّفْع، وَقد تكون خَاصَّة بِمَعْنى كَونهَا من بَاب الضرورات والحاجات والتكملات.
وَأما الحكم فأعم مراتبه كَونه حكما؛ لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون وجوبا أَو تَحْرِيمًا، أَو صِحَة، أَو فَسَادًا، ثمَّ كَونه وَاجِبا وَنَحْوه، أَي من الْأَحْكَام الْخَمْسَة، وَهِي: الْوَاجِب، وَالْحرَام، وَالْمَنْدُوب، وَالْمَكْرُوه، والمباح، وَمَا يلْحق / بذلك من الْأَحْكَام الوضعية، إِذْ الْوَاجِب أَعم من أَن يكون عبَادَة اصطلاحية أَو غَيرهَا، ثمَّ كَونه عباده؛ لِأَنَّهُ أَعم من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا من الْعِبَادَات، ثمَّ كَونهَا صَلَاة؛ إِذْ كل صَلَاة عبَادَة وَلَيْسَ كل عبَادَة صَلَاة ". انْتهى.
ثمَّ كَونهَا ظهرا؛ لِأَن الصَّلَاة أَعم من الظّهْر، إِذْ كل ظهر صَلَاة وَلَيْسَ كل صَلَاة ظهرا.
إِذا علم ذَلِك أَعنِي الْأَعَمّ والأخص من الْأَوْصَاف وَالْأَحْكَام، فَليعلم أَن تَأْثِير بَعْضهَا فِي بعض يتَفَاوَت فِي الْقُوَّة والضعف.
فتأثير الْأَخَص فِي الْأَخَص أقوى أَنْوَاع التَّأْثِير، كمشقة التّكْرَار فِي سُقُوط الصَّلَاة، والصغر فِي ولَايَة النِّكَاح.
وتأثير الْأَعَمّ فِي الْأَعَمّ يُقَابل ذَلِك، فَهُوَ أَضْعَف أَنْوَاع التَّأْثِير.
وتأثير الْأَخَص فِي الْأَعَمّ، وَعَكسه وَهُوَ تَأْثِير الْأَعَمّ فِي الْأَخَص بَين ذَيْنك الطَّرفَيْنِ؛ إِذْ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا قُوَّة من جِهَة الأخصية، وَضعف من جِهَة الأعمية، بِخِلَاف الطَّرفَيْنِ؛ إِذْ الأول تمحضت فِيهِ الأخصية، فتمحضت لَهُ الْقُوَّة، وَالثَّانِي تمحضت فِيهِ الأعمية فتمحض لَهُ الضعْف
قَالَ فِي " الرَّوْضَة ": فَمَا ظهر تَأْثِيره فِي الصَّلَاة الْوَاجِبَة أخص مِمَّا ظهر فِي الْعِبَادَة، وَمَا ظهر فِي الْعِبَادَة أخص مِمَّا ظهر فِي الْوَاجِب، وَمَا ظهر فِي الْوَاجِب أخص مِمَّا ظهر فِي الْأَحْكَام.
ثمَّ قَالَ: فلأجل تفَاوت دَرَجَات الجنسية فِي الْقرب والبعد تَتَفَاوَت دَرَجَات الظَّن، والأعلى مقدم على مَا دونه انْتهى.
تَنْبِيه: للْعُلَمَاء خلاف فِي التَّسْمِيَة لَا فَائِدَة فِيهِ إِلَّا مُجَرّد اصْطِلَاح.
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (قلت: مَا تضمنه " الْمُخْتَصر " وَأَصله - أَي " الرَّوْضَة " -: أَن الْوَصْف الْمُنَاسب ثَلَاثَة أَنْوَاع: مُؤثر، وملائم، وغريب، وَفِي جَمِيعهَا خلاف.
أما الْمُؤثر فَفِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه مَا تُؤثر عينه فِي عين الحكم أَو فِي جنسه بِنَصّ أَو إِجْمَاع. الثَّانِي: أَن الْمُؤثر هَذَانِ / القسمان وَقسم ثَالِث: وَهُوَ مَا ظهر [تَأْثِير جنسه] فِي عين الحكم.
والملائم فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا ظهر تَأْثِير جنسه فِي عين الحكم. وَالثَّانِي: مَا ظهر تَأْثِير جنسه فِي جنس الحكم.
والغريب فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا ظهر تَأْثِير جنسه فِي جنس الحكم. وَالثَّانِي: مَا لم يظهره تَأْثِيره وَلَا ملاءمته لجنس تَصَرُّفَات الشَّارِع.
وَذكر [البروي] فِي " المقترح ": أَن الْمُؤثر مَا دلّ النَّص أَو الْإِجْمَاع على اعْتِبَار عينه فِي عين الحكم، والملائم هُوَ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْأُخْرَى) انْتهى.