الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم َ -
فِي الشُّهَدَاء: " زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُم يبعثون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا ".
فَهَذَا كُله صَرِيح فِي التَّعْلِيل عِنْد القَاضِي، وَأبي الْخطاب، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهم، خُصُوصا فِيمَا لحقته الْفَاء كَمَا تقدم.
فَإِنَّهُ يبْعَث ويبعثون، فَإِنَّهَا
يُزَاد بهَا تَأْكِيدًا لدلالتها على أَن مَا بعْدهَا سَبَب للْحكم قبلهَا. وَعند ابْن الْبناء وَغَيره: إِيمَاء.
قَالَ الطوفي: " وَعند غيرأبي الْخطاب: إِيمَاء، ثمَّ قَالَ: قلت: النزاع فِي هَذَا لَفْظِي؛ لِأَن أَبَا الْخطاب يَعْنِي بِكَوْنِهَا صَرِيحًا فِي التَّعْلِيل كَونه يُبَادر فِيهِ إِلَى الذِّهْن بِلَا توقف فِي عرف اللُّغَة، وَغير أبي الْخطاب يَعْنِي بِكَوْنِهِ لَيْسَ بِصَرِيح أَن حرف (إِن) لَيست مَوْضُوعَة للتَّعْلِيل فِي اللُّغَة.
قَالَ: وَهَذَا أقرب إِلَى التَّحْقِيق وَإِنَّمَا فهم التَّعْلِيل مِنْهُ فهما ظَاهرا متبادرا بِقَرِينَة سِيَاق الْكَلَام، وصيانة لَهُ عَن الإلغاء ".
وَعند الْبَيْضَاوِيّ، وَابْن السُّبْكِيّ، وَغَيرهمَا: ظَاهر، وَهُوَ فِي عبارَة الطوفي الْمُتَقَدّمَة، وَهُوَ الظَّاهِر والأقوى. وَعند ابْن الْمَنِيّ: أَنَّهَا توكيد.
فَإِن قيل لَهُ فِي زَوَال الْبكارَة بِالزِّنَا أَن " إِن " مَوْضُوعَة للتَّعْلِيل كَقَوْلِه: " إِنَّهَا من الطوافين ".
فَقَالَ: لَا نسلم، وَإِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَة للتَّأْكِيد، وَإِنَّمَا كَانَ الطّواف عِلّة لعسر الِاحْتِرَاز عَنهُ لَا لَفْظَة " إِن ".
وَكَذَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ: " أجمع عُلَمَاء الْعَرَبيَّة أَنَّهَا لم تأت للتَّعْلِيل بل للتَّأْكِيد، أَو بِمَعْنى نعم، وَإِنَّمَا جعلنَا الطّواف عِلّة لِأَنَّهُ قرنه بِحكم الطَّهَارَة وَهُوَ مُنَاسِب " انْتهى.
قَالَ التبريزي فِي " التَّنْقِيح ": وَالْحق أَن " إِن " لتأكيد مَضْمُون الْجُمْلَة، وَلَا إِشْعَار لَهَا بِالتَّعْلِيلِ، وَلِهَذَا يحسن اسْتِعْمَالهَا ابْتِدَاء من غير سبق حكم.
وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الْأَنْبَارِي.
قَوْله: [وَسبق بعض حُرُوف التَّعْلِيل] ك " إِذا " و " حَتَّى " و " على " و " فِي " و " من " وَغَيرهَا لما تكلمنا على الْحُرُوف.
قَوْله: [وَعند الْأَصْحَاب وَغَيرهم: إِن قَامَ دَلِيل أَنه لم يقْصد التَّعْلِيل فمجاز نَحْو: لم فعلت؟ فَيَقُول: لِأَنِّي أردْت] .
معنى هَذَا الْكَلَام / أَن الْفِعْل بِحكم الأَصْل فِي وضع اللُّغَة أَو اسْتِعْمَالهَا إِنَّمَا يُضَاف إِلَى علته وَسَببه، فَإِن أضيف إِلَى مَا لَا يصلح عِلّة فَهُوَ مجَاز، وَيعرف [ذَلِك][بِقِيَام] الدَّلِيل على عدم صلاحيته عِلّة، مثل أَن يُقَال للْفَاعِل لم فعلت؟ فَيَقُول: لِأَنِّي أردْت، فَإِن هَذَا لَا يصلح أَن يكون عِلّة فَهُوَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَحَله، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِن الْإِرَادَة لَيست عِلّة للْفِعْل [وَإِن] كَانَت هِيَ الْمُوجبَة لوُجُوده أَو المصححة لَهُ؛ لِأَن المُرَاد بِالْعِلَّةِ فِي الِاصْطِلَاح هُوَ الْمُقْتَضِي الْخَارِجِي للْفِعْل، أَي: الْمُقْتَضِي لَهُ من خَارج، والإرادة لَيست معنى خَارِجا عَن الْفَاعِل.
قَوْله: [وإيماء وتنبيه] .
قسمنا النَّص إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام:
إِلَى صَرِيح، وَظَاهر، وإيماء وتنبيه.
وتبعنا فِي ذَلِك ابْن الْبناء فِي " عقوده "، والبيضاوي، والسبكي، والبرماوي، وَغَيرهم.
وَلم يذكر أَكثر الْأَصْحَاب تَقْسِيم النَّص إِلَى: صَرِيح، وَظَاهر، وإيماء
بل يذكرُونَ النَّص ويقسمونه إِلَى صَرِيح وإيماء، كَأبي الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، والموفق فِي " الرَّوْضَة "، وَابْن حمدَان، والطوفي، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهم.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: وَغير الصَّرِيح، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِالْإِيمَاءِ والتنبيه، ولاشك أَن النَّص فِيهِ صَرِيح فِي الْعلَّة وَظَاهر فِيهَا، فإطلاق من أطلق النَّص أَرَادَ ذَلِك، وَأَنه مُشْتَمل عَلَيْهِمَا.
قَوْله [وَهُوَ أَنْوَاع: الْإِيمَاء: هُوَ اقتران الْوَصْف بِحكم لَو لم يكم هُوَ أَو نَظِيره للتَّعْلِيل لَكَانَ ذَلِك الاقتران بَعيدا من فصاحة كَلَام الشَّارِع، وإتيانه بالألفاظ [فِي غير] موَاضعهَا لتنزه كَلَامه عَن الحشو الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ.
وَهُوَ أَنْوَاع: مِنْهَا: ترَتّب حكم عقب وصف بِالْفَاءِ من كَلَام الشَّارِع وَغَيره.
فَإِنَّهَا للتعقيب ظَاهرا وَيلْزم مِنْهُ السببيه نَحْو: {قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا} [الْبَقَرَة: 222]" وسها فَسجدَ ".
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: صَرِيح، وَقوم: ظَاهر] . الْفَاء لَهَا ثَلَاثَة / أَحْوَال مرتبَة:
الأولى: أَن تكون فِي كَلَام الشَّارِع دَاخِلَة على الْعلَّة وَالْحكم مُتَقَدم، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ - فِي الْمحرم الَّذِي وقصته نَاقَته كَمَا تقدم.
الثَّانِيَة: أَن تدخل فِي كَلَام الشَّارِع على الحكم نَحْو {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا} [الْمَائِدَة: 38]، {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} [النُّور: 2] ، {قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا} [الْبَقَرَة: 222] .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَمَا ذكرته من أَن تقدم الْعلَّة ثمَّ مَجِيء الحكم بِالْفَاءِ أقوى من عَكسه هُوَ مَا قَالَه الرَّازِيّ: لِأَن إِشْعَار الْعلَّة بالمعلول أقوى من إِشْعَار الْمَعْلُول بِالْعِلَّةِ؛ لِأَن الطَّرْد وَاجِب فِي الْعِلَل دون الْعَكْس.
ونازعه النقشواني وَقَالَ: بل تَقْدِيم الْمَعْلُول على الْعلَّة أقوى؛ لِأَن الحكم إِذا تقدم طلبت النَّفس علته، فَإِذا ذكر وصف ركنت إِلَى أَنه هُوَ الْعلَّة، بِخِلَاف مَا لَو تقدّمت الْعلَّة ثمَّ جَاءَ الحكم فقد تكتفي النَّفس بِأَن مَا سبق [علته] ، وَقد تطلب لَهُ عِلّة بطرِيق أُخْرَى وَأطَال فِي ذَلِك.