المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بخلاف غيرهما فإن - التحبير شرح التحرير - جـ ٧

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌قَوْله: {بَاب الْقيَاس}

- ‌ قَالَ: " من مَاتَ يُشْرك بِهِ شَيْئا دخل النَّار، وَقلت أَنا: وَمن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة ".وَفِي بعض أصُول مُسلم رُوِيَ عَن النَّبِي

- ‌قَوْله: {فصل} {شَرط حكم الأَصْل كَونه إِن استلحق شَرْعِيًّا} .وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْقَصْد من الْقيَاس الشَّرْعِيّ.قَالَ فِي " الرَّوْضَة ": (والعقلي ومسائل الْأُصُول قَطْعِيَّة لَا تثبت بظني، وَكَذَا لَا يثبت بِهِ أصل الْقيَاس، وأصل خبر الْوَاحِد) انْتهى.قَالَ الْجُمْهُور: من شَرط

- ‌ لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا يدا بيد سَوَاء بِسَوَاء

- ‌ إِنَّهَا من الطوافين "، أَو مجمعا على جَوَاز الْقيَاس عَلَيْهِ

- ‌ إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فليتحالفا وليترادا)

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ دون غَيره، فَلَا يُعلل بِهِ.مِثَاله: الشّرف والخسة فِي [الْكَفَاءَة] وَعدمهَا، فَإِن الشّرف يُنَاسب التَّعْظِيم وَالْإِكْرَام، والخسة تناسب ضد ذَلِك فيعلل بِهِ بِالشّرطِ الْمُتَقَدّم. وَتَكون الْعلَّة أَيْضا وَصفا لغويا، مِثَاله: تَعْلِيل تَحْرِيم النَّبِيذ لِأَنَّهُ يُسمى خمرًا فَحرم كعصير

- ‌ إِنَّمَا ذَلِك عرق "، مَعَ

- ‌(قَوْله [فصل] )

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ بعد مَا أمره بالاستنجاء بِثَلَاثَة أَحْجَار: " وَلَا يستنجي برجيع وَلَا عظم "، فَدلَّ على أَنه أَرَادَ أَولا الْأَحْجَار وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَإِلَّا لم يكن فِي النَّهْي عَن الرجيع والعظم فَائِدَة. وَأما إِذا عَادَتْ عَلَيْهِ بالتخصيص فللعلماء فِيهِ قَولَانِ.قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَإِن عَادَتْ

- ‌ لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان " أَن الْعلَّة تشويش الْفِكر، فيتعدى إِلَى كل مشوش من شدَّة فَرح وَنَحْوه.الْعجب من قَول القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ: أَجمعُوا على أَنه لَيْسَ لنا عِلّة تعود على أَصْلهَا بالتعميم إِلَّا هَذَا الْمِثَال، وَذَلِكَ جَائِز بِالْإِجْمَاع.فقد وجد من ذَلِك

- ‌ أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ".وَمِثَال مُخَالفَة الْإِجْمَاع: أَن يُقَال: مُسَافر فَلَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة فِي السّفر، قِيَاسا على صَوْمه فِي عدم الْوُجُوب فِي السّفر بِجَامِع الْمَشَقَّة.فَيُقَال: هَذِه الْعلَّة مُخَالفَة، الْإِجْمَاع على عدم اعْتِبَارهَا فِي

- ‌[قَوْله] : (فصل))

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ مِنْهَا مَا هُوَ مُقَارن لنبوته، وَمِنْهَا مَا هُوَ بعد ذَلِك.وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِنَّمَا يشْتَرط هَذَا إِذا كَانَ طَرِيق حكم الْفَرْع مُتَعَيّنا فِي استناده للْأَصْل.وَقَالَ ابْن الْحَاجِب تبعا للآمدي: لَا يمْتَنع أَن يكون إلزاما للخصم.قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَلَا يخفى مَا فِي

- ‌(قَوْله: [مسالك الْعلَّة] )

- ‌ إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل الْبَصَر " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَقَوله

- ‌ لما ألْقى الروثة: " إِنَّهَا رِجْس "، وَقَوله

- ‌ فِي الشُّهَدَاء: " زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُم يبعثون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا ".فَهَذَا كُله صَرِيح فِي التَّعْلِيل عِنْد القَاضِي، وَأبي الْخطاب، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهم، خُصُوصا فِيمَا لحقته الْفَاء كَمَا تقدم.فَإِنَّهُ يبْعَث ويبعثون، فَإِنَّهَا

- ‌ فَسجدَ " كَقَوْل عمرَان بن حُصَيْن: " سَهَا رَسُول اللَّهِ

- ‌ بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا، يعْمل بِهِ حملا على الرّفْع لَا على الِاجْتِهَاد. إِذا علم ذَلِك: فَإِذا رتب الشَّارِع حكما عقب اوصف بالفاءء كَمَا تقدم من الْأَمْثِلَة إِذْ الْفَاء للتعقيب، فتفيد تعقيب الحكم الْوَصْف وَأَنه سَببه، إِذْ السَّبَب مَا ثَبت الحكم عقبه، وَلِهَذَا تفهم السببيه مَعَ عدم

- ‌ من اتخذ كَلْبا إِلَّا كلب مَاشِيَة أَو صيد نقص من أجره

- ‌ لما سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ " أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم، فَنهى عَنهُ ".وَالثَّانِي: كَقَوْلِه

- ‌ وَقد سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ: " أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: فَلَا إِذا "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالْحَاكِم.فَلَو لم يكن تَقْدِير نُقْصَان الرطب بالجفاف لأجل التَّعْلِيل لَكَانَ تَقْدِيره بَعيدا؛ إِذْ لَا فَائِدَة

- ‌ أَرْكَان الْقيَاس كلهَا.وَنَحْو ذَلِك فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول اللَّهِ

- ‌ إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: حجي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته، قَالَت: نعم، قَالَ: اقضوا اللَّهِ فَالله أَحَق بِالْوَفَاءِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وتابعناه فِي التَّمْثِيل بذلك، وَالْكل صَحِيح وَفِي الصَّحِيح.وَذكر أَبُو الْخطاب

- ‌ توهمه بالمضمضة؛ لِأَن ذَلِك تَعْلِيل لمنع الْإِفْسَاد.قَوْله: [وَمِنْهَا أَن يفرق

- ‌ للراجل سهم وللفارس سَهْمَان

- ‌ إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد

- ‌ لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان رَوَاهُ الشَّافِعِي بِلَفْظ: " لَا يحكم الْحَاكِم أَو لَا يقْضِي بَين اثْنَيْنِ "، وَرَوَاهُ أَصْحَاب الْكتب بِلَفْظ: " لَا يقضين حَاكم بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ".فالآية إِنَّمَا سيقت لبَيَان أَحْكَام الْجُمُعَة لَا لبَيَان أَحْكَام البيع، فَلَو لم يُعلل النَّهْي عَن البيع

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ ".وَقَالَ النَّبِي

- ‌ يَا أنس كتاب اللَّهِ الْقصاص

- ‌ كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يرتع فِيهِ "، ثمَّ قَالَ: " أَلا وَإِن حمى اللَّهِ مَحَارمه

- ‌ بعثوا لتَحْصِيل / مصَالح الْعباد، فَيعلم ذَلِك بالاستقراء، فمهما وجدنَا مصلحَة غلب على الظَّن أَنَّهَا مَطْلُوبَة للشَّرْع، فنعتبرها؛ لِأَن الظَّن منَاط الْعَمَل.وَقَالَ الْقَرَافِيّ: الْمصَالح بِالْإِضَافَة إِلَى شَهَادَة الشَّرْع لَهَا بِالِاعْتِبَارِ ثَلَاثَة أَقسَام:مَا شهد الشَّرْع

- ‌[فصل] )

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌(قَوْله: (فصل))

- ‌(قَوْله: (فصل))

- ‌(قَوْله: (فَوَائِد))

- ‌ إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم "، فَيعْتَبر الْأَمر فِي كل طائف

- ‌ من أعتق شركا لَهُ فِي عبد، وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ قيمَة عدل…... الحَدِيث ".، فَإنَّا نقطع بِعَدَمِ اعْتِبَار الشَّارِع الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة فِيهِ.وَمثل قَوْله

- ‌(قَوْله (فصل))

- ‌ إِذا اجْتهد

- ‌ عهد إِلَيْنَا فِيهِنَّ عهدا ننتهي إِلَيْهِ: الْجد، والكلالة، وأبواب من أَبْوَاب الرِّبَا ".وَصَحَّ عَن [ابْن] عمر: " أجرؤكم على الْجد أجرؤكم على جَهَنَّم "، وَصَحَّ عَن ابْن الْمسيب، عَن عمر وَعلي، وَرَوَاهُ سعيد فِي " سنَنه

- ‌ بَيَان على وَفقه مَعَ عُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي زَمَانه وَعُمُوم الْحَاجة إِلَى خِلَافه، هَل يعْمل بذلك الْقيَاس؟ فِيهِ خلاف وَذكر لَهُ صورا:مِنْهَا: ضَمَان الدَّرك وَهُوَ مِثَال للشق الثَّانِي من الْمَسْأَلَة.وَمِنْهَا وَهُوَ مِثَال الأول: صَلَاة الْإِنْسَان على من مَاتَ من الْمُسلمين فِي مَشَارِق

- ‌ للَّذي أَرَادَ الانتفاء من وَلَده لمُخَالفَة لَونه: " لَعَلَّه نَزعه عرق " وَهَذَا قِيَاس لجَوَاز مُخَالفَة الْوَلَد للوالد فِي

- ‌(قَوْله (فصل))

- ‌(قَوْله: (فصل القوادح)

- ‌ رخص فِي السّلم ".أما مُخَالفَة الْإِجْمَاع فكقول حَنَفِيّ: لَا يجوز للرجل أَن يغسل امْرَأَته؛ لِأَنَّهُ يحرم النّظر إِلَيْهَا كالأجنبية.فَيُقَال: هَذَا فَاسد الِاعْتِبَار لمُخَالفَة الْإِجْمَاع السكوتي، وَهُوَ أَن عليا غسل فَاطِمَة

- ‌ فَدلَّ على أَن رُتْبَة الْقيَاس بعد النَّص. وَلِأَن الظَّن الْمُسْتَفَاد من النَّص أقوى من الظَّن الْمُسْتَفَاد من الْقيَاس

- ‌ بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن

- ‌ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل المبدلين، لَكِن نحتج بِهِ على أهل الْكتاب لتصديقهم بِهِ. انْتهى.قَوْله: (وَإِن نقض أَحدهمَا عِلّة الآخر بِأَصْل نَفسه لم يجز عِنْد أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَقيل: بلَى، وَقَالَ الشَّيْخ: هُوَ كقياسه على أصل نَفسه) .لَو نقض الْمُعْتَرض أَو الْمُسْتَدلّ عِلّة

- ‌ فِي الْأَصَح، وَلَا بِرُخْصَة ثَابِتَة على خلاف مُقْتَضى الْقيَاس، وَلَا بموضوع اسْتِحْسَان عِنْد أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَعند الشَّيْخ: تنْتَقض المستنبطة إِن لم يبين مَانِعا) .قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَفِي قبُول النَّقْض بالمنسوخ وبخاص بِالنَّبِيِّ

- ‌ وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونا.وَمِنْهَا: الْمُطَالبَة بِكَوْن وصف الْمعَارض مؤثرا.يُقَال: وَلم قلت: إِن الْكَيْل مُؤثر وَهَذَا إِنَّمَا يسمع من الْمُسْتَدلّ إِذا كَانَ مثبتا للعلية بالمناسبة أَو الشّبَه، حَتَّى يحْتَاج الْمعَارض فِي معارضته إِلَى بَيَان مُنَاسبَة أَو شبه، بِخِلَاف مَا إِذا أثْبته

- ‌ الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ

- ‌ بِلَا كَيفَ وَلَا شرح، وَلَا يُقَال:

الفصل: ‌ بخلاف غيرهما فإن

الصَّوْم بِدُونِ تبييت النِّيَّة، [لِأَنَّهَا] مُطلقَة، وقيدناها بِحَدِيث:" لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من اللَّيْل ".

أَو يَقُول: إِنَّهَا دلّت على أَن الصَّائِم يُثَاب، وَأَنا أَقُول بِهِ، لَكِنَّهَا لَا تدل على أَنه لَا يلْزمه الْقَضَاء والنزاع فِيهِ. أَو يَقُول: إِنَّهَا دلّت على ثَوَاب الصَّائِم، وَأَنا لَا أسلم أَن الممسك بِدُونِ تبييت النِّيَّة صَائِم.

وَمِثَال الثَّانِي: أَن يَقُول فِي مَسْأَلَة السّلم: لَا نسلم صِحَة الترخيص فِي السّلم، وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم أَن اللَّام فِيهِ للاستغراق، فَلَا يتَنَاوَل الْحَيَوَان وَإِن صَحَّ السّلم فِي غَيره.

وَأما مَسْأَلَة غسل الزَّوْجَة: فبأن يمْنَع صِحَة ذَلِك عَن عَليّ، وَإِن سلم فَلَا نسلم أَن ذَلِك اشْتهر، وَإِن سلم فَلَا نسلم أَن الْإِجْمَاع السكوتي حجَّة، وَإِن سلم فَالْفرق بَين عَليّ وَغَيره / أَن فَاطِمَة زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فالموت لم يقطع النِّكَاح بَينهمَا " بِإِخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - "،‌

‌ بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن

ص: 3558

الْمَوْت يقطع نِكَاحهمَا.

الْوَجْه الثَّانِي: أَن يبين الْمُسْتَدلّ أَن مَا ذكره من الْقيَاس يسْتَحق التَّقْدِيم على النَّص، إِمَّا لضَعْفه فَيكون الْقيَاس أولى مِنْهُ، أَو لكَون النَّص عَاما فَيكون الْقيَاس مُخَصّصا لَهُ جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ،، أَو لكَون مَذْهَب الْمُسْتَدلّ يَقْتَضِي تَقْدِيم الْقيَاس على ذَلِك النَّص لكَونه حنفيا يرى تَقْدِيم الْقيَاس على الْخَبَر [إِذا خَالف الْأُصُول أَو فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، أَو مالكيا يرى تَقْدِيم الْقيَاس على الْخَبَر] إِذا خَالفه خبر الْوَاحِد) .

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": اعْتِبَار مَا بِنَاؤُه على التَّوسعَة والتضييق على الآخر، أَو الِابْتِدَاء بالدوام، أَو الرّقّ بِالْعِتْقِ، أَو الْعتْق بِالْبيعِ، أَو الْمَرْأَة بِالرجلِ فِي الْقَتْل بِالرّدَّةِ مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي كفر أُصَلِّي.

ص: 3559

قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: " يحصل الْجَواب [بِوُجُوه] : مِنْهَا: الطعْن فِي النَّص الَّذِي ادّعى أَن الْقيَاس على خِلَافه، إِمَّا بِمَنْع صِحَّته لضعف إِسْنَاده، أَو منع دلَالَته، أَو غير ذَلِك.

وَمِنْهَا: الْمُعَارضَة بِنَصّ آخر فَيسلم الْقيَاس حِينَئِذٍ.

وَمِنْهَا: أَن يبين الْمُسْتَدلّ رُجْحَان قِيَاسه على النَّص الَّذِي ذكر أَنه معَارض بِمَا ذكر فِي خبر الْوَاحِد.

كَقَوْلِنَا فِي مَتْرُوك التَّسْمِيَة: ذبح صَار من أَهله فِي مَحَله فَيحل كذبح ناسي التَّسْمِيَة.

فيورد الْمُعْتَرض: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم اللَّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} [الْأَنْعَام: 121]، وَيَقُول: قياسهم فَاسد الِاعْتِبَار لمعارضته هَذَا النَّص.

فَيَقُول الْمُسْتَدلّ: هَذَا مَحْمُول على تَحْرِيم مَذْبُوح عَبدة الْأَوْثَان، فَإِن عدم ذكر اللَّهِ غَالب على أهل الشّرك.

ص: 3560

وَمِنْهَا: عدم ظُهُور دلَالَته على مَا يلْزم مِنْهُ فَسَاد الْقيَاس.

وَمِنْهَا: أَن يَدعِي أَن النَّص الْمعَارض بِهِ مؤول بِدَلِيل يرجحه على الظَّاهِر.

وَمِنْهَا: أَن يَقُول بِمُوجبِه، أَي: يبقيه على ظَاهره، وَيَدعِي أَن مَدْلُوله لَا يُنَافِي الْقيَاس، إِلَى غير ذَلِك من الطّرق " انْتهى.

قَوْله: (فَسَاد الْوَضع بِأَن يكون الْجَامِع ثَبت اعْتِبَاره بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي نقيض الحكم، كَقَوْل شَافِعِيّ فِي مسح الرَّأْس: مسح فسن تكراره كالاستجمار، فيعترض / بِكَرَاهَة تكْرَار مسح الْخُف) .

قَالَ الطوفي وَغَيره: " إِنَّمَا سمي هَذَا فَسَاد الْوَضع؛ لِأَن وضع الشَّيْء جعله فِي مَحل على هَيْئَة أَو كَيْفيَّة، فَإِذا كَانَ ذَلِك الْمحل أَو تِلْكَ الْهَيْئَة لَا تناسبه كَانَ وَضعه على خلاف الْحِكْمَة يكون فَاسِدا.

فَنَقُول هُنَا: إِن الْعلَّة إِذا اقْتَضَت نقيض الحكم الْمُدعى أَو خِلَافه كَانَ ذَلِك مُخَالفا للحكمة؛ إِذْ من شَأْن الْعلَّة أَن تناسب معلولها، لَا أَنَّهَا تخَالفه، فَكَانَ ذَلِك فَاسد الْوَضع بِهَذَا الِاعْتِبَار: " انْتهى.

أَي: من القوادح فَسَاد الْوَضع، وَهُوَ اعْتِبَار الْجَامِع فِي نقيض

ص: 3561

الحكم، أَو بَيَان [أَن] الدَّلِيل مَوْضُوع على غير هَيئته الَّتِي يجب اعْتِبَارهَا فِي تَرْتِيب الحكم عَلَيْهِ واستنتاجه مِنْهُ، فَالْأول كَمَا مثلنَا.

قَالَ الْمحلي: (مِثَال الْجَامِع ذِي النَّص قَول الْحَنَفِيَّة: الْهِرَّة سبع ذُو نَاب، فَيكون سؤره نجسا كَالْكَلْبِ.

فَيُقَال السبعية اعتبرها الشَّارِع عِلّة للطَّهَارَة، حَيْثُ " دعِي إِلَى دَار فِيهَا كلب فَامْتنعَ، ودعي إِلَى أُخْرَى فِيهَا سنور فَأجَاب فَقيل لَهُ، فَقَالَ: السنور سبع "، رَوَاهُ أَحْمد، وَغَيره.

ص: 3562

وَمِثَال ذِي الْإِجْمَاع: قَول الشَّافِعِيَّة فِي مسح الرَّأْس فِي الْوضُوء: يسْتَحبّ تكراره كالاستجمار حَيْثُ اسْتحبَّ الإيتار فِيهِ.

فَيُقَال: الْمسْح فِي الْخُف لَا يسْتَحبّ تكراره كالاستجمار إِجْمَاعًا، وَإِن حكى ابْن كج اسْتِحْبَاب تثليثه كمسح الرَّأْس) انْتهى.

وَهَذَا الْمُعْتَمد.

وَجَوَاب الْمُسْتَدلّ: بِبَيَان الْمَانِع لتعرضه لتلف الْخُف.

وسؤال فَسَاد الْوَضع نقض خَاص لإثباته نقيض الحكم، فَإِن ذكر الْمُعْتَرض نقيض الحكم مَعَ أَصله فَقَالَ: لَا يسن تكْرَار مسح الرَّأْس كالخف، فَهُوَ الْقلب، لَكِن اخْتلف أَصلهمَا.

وَإِن بَين الْمُعْتَرض مُنَاسبَة الْجَامِع للنقيض وَلم يذكر أَصله، فَإِن بَينهمَا من جِهَة دَعْوَى الْمُسْتَدلّ فَهُوَ: الْقدح فِي الْمُنَاسبَة، وَإِلَّا لم يقْدَح لجَوَاز أَن للوصف جِهَتَيْنِ، كمحل مشتهى يُنَاسب حلّه لإراحة الْقلب، وتحريمه لكف النَّفس.

وَفسّر أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ فَسَاد الْوَضع: بجعله الْقيَاس دَلِيلا على منكره فيمنعه.

ص: 3563

وَجَوَابه بَيَان كَونه / حجَّة، ورد التَّفْسِير السَّابِق إِلَى الْقلب.

قَوْله: (وَمِنْه أَن لَا يكون الدَّلِيل على الْهَيْئَة الصَّالِحَة لاعتباره من تَرْتِيب الحكم) .

كَأَن يكون صَالحا لضد ذَلِك الحكم أَو نقيضه.

اقْتصر عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهمَا، على هَذَا هُوَ خطاب الْوَضع فَقَط

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: وَمن فَسَاد الْوَضع فرع آخر، وَهُوَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب ".

فَدلَّ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ لخطاب الْوَضع، وَقد ذكرهمَا فِي " جمع الْجَوَامِع "، وَغَيره، فَلذَلِك جمعتهما.

ص: 3564

قَوْله: (كتلقي التَّخْفِيف من التَّغْلِيظ، كَقَوْل حَنَفِيّ: الْقَتْل جِنَايَة عَظِيمَة فَلَا تجب فِيهِ الْكَفَّارَة كَبَقِيَّة الْكَبَائِر، فجناية عَظِيمَة تناسب التَّغْلِيظ.

أَو التوسيع من التضيق كَقَوْلِه فِي الزَّكَاة: مَال وَجب إرفاقا لدفع الْحَاجة، فَكَانَ على التَّرَاخِي كالدية على الْعَاقِلَة، فَدفع الْحَاجة يَقْتَضِي الْفَوْر.

أَو الْإِثْبَات من النَّفْي: كالمعاطاة فِي الْيَسِير: بيع لم يُوجد فِيهِ سوى الرضى فَوَجَبَ أَن يبطل كَغَيْرِهِ، فالرضى يُنَاسب الِانْعِقَاد) . وَهَذَا هُوَ النَّوْع الثَّانِي.

وَإِنَّمَا سمي هَذَا فَسَاد الْوَضع؛ لِأَن وضع الْقيَاس أَن يكون على هَيْئَة صَالِحَة لِأَن يَتَرَتَّب على ذَلِك الحكم الْمَطْلُوب إثْبَاته، فَمَتَى خلا عَن ذَلِك فسد وَضعه.

قَوْله: (وجوابهما بتقرير كَونهمَا كَذَلِك) .

ص: 3565

أَي: جَوَاب نَوْعي فَسَاد الْوَضع بتقرير كَونه كَذَلِك، فيقرر كَون الدَّلِيل صَالحا لاعتباره فِي تَرْتِيب الحكم عَلَيْهِ، كَأَن يكون لَهُ جهتان ينظر الْمُسْتَدلّ فِيهِ من إِحْدَاهمَا، والمعترض من الْأُخْرَى، كالارتفاق وَدفع الْحَاجة فِي مَسْأَلَة الزَّكَاة.

وَيُجَاب عَن الْكَفَّارَة فِي الْقَتْل: بِأَنَّهُ غلظ فِيهِ بِالْقصاصِ فَلَا يغلظ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ.

وَعَن المعاطاة: بِأَن عدم الِانْعِقَاد بهَا مُرَتّب على عدم الصِّيغَة لَا على الرضى.

وتقرر النَّوْع الأول فِيمَا تابعنا فِيهِ ابْن الْحَاجِب كَون الْجَامِع مُعْتَبرا فِي ذَلِك الحكم، وَيكون تخلفه عَنهُ بِأَن وجد مَعَ نقيضه لمَانع كَمَا فِي مسح الْخُف / فَإِن تكراره يُفْسِدهُ تغسيله.

قَوْله: (منع حكم الأَصْل يسمع فِي الْأَصَح فَلَا يَنْقَطِع بِمُجَرَّدِهِ عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر، فَيدل عَلَيْهِ كمنع الْعلَّة أَو وجودهَا، وَقيل: بلَى. وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذ مَعَ ظُهُور الْمَنْع، وَاخْتَارَ الْغَزالِيّ اتِّبَاع عرف الْمَكَان.

وَفِي " الْوَاضِح ": إِن اعْترض على حكم الأَصْل: بِأَنِّي لَا أعرف مذهبي فِيهِ، فَإِن أمكن الْمُسْتَدلّ بَيَانه وَإِلَّا دلّ على إثْبَاته) .

ص: 3566

من القوادح منع حكم الأَصْل، فَيمْنَع الْمُعْتَرض حكم الأَصْل.

كَأَن يَقُول حنبلي: الْخلّ مَائِع لَا يرفع الْحَدث فَلَا يزِيل النَّجَاسَة كالدهن.

فَيَقُول حَنَفِيّ: لَا أسلم الحكم فِي الأَصْل فَإِن الدّهن عِنْدِي يزِيل النَّجَاسَة، فَهَل يسمع منع حكم الأَصْل أم لَا؟

فالجمهور قَالُوا: يسمع.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: لَا يسمع أصلا، وَلَا يلْزم الْمُسْتَدلّ ذكر دَلِيل الأَصْل، بل يَقُول: قست على أُصَلِّي وَهُوَ بعيد، فَإِن الْقيَاس على أصل لَا يُقَام عَلَيْهِ دَلِيل وَلَا يَعْتَقِدهُ الْخصم، لَا ينتهض دَلِيلا على الْخصم.

ص: 3567

لَكِن الَّذِي فِي " الملخص " لَهُ، أَن لَهُ سَماع الْمَنْع.

فعلى الأول هُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَمد هَل يَنْقَطِع الْمُسْتَدلّ بذلك أم لَا؟ على مَذَاهِب: أَصَحهَا: لَا يَنْقَطِع بِمُجَرَّد ذَلِك، اخْتَارَهُ الْأَصْحَاب، وَالْأَكْثَر؛ لِأَنَّهُ منع مُقَدّمَة من مُقَدمَات الْقيَاس، فَلهُ إثْبَاته كَسَائِر الْمُقدمَات وكمنع الْعلَّة، أَو وجودهَا بِأَنَّهُ إِجْمَاع، ذكره الْآمِدِيّ.

ص: 3568

وَالثَّانِي: يَنْقَطِع [للانتقال] عَن إِثْبَات حكم الْفَرْع الَّذِي هُوَ بصدده إِلَى غَيره وَهُوَ حكم الأَصْل.

وَالثَّالِث: إِن كَانَ الْمَنْع ظَاهرا يعرفهُ أَكثر الْفُقَهَاء صَار مُنْقَطِعًا؛ لبنائه الْمُخْتَلف فِيهِ على الْمُخْتَلف فِيهِ، وَإِن كَانَ خفِيا بِحَيْثُ لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص فَلَا، وَهَذَا اخْتِيَار الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ.

وَنقل ابْن برهَان فِي " الْأَوْسَط " عَنهُ: أَنه اسْتثْنى من الظَّاهِر مَا إِذا قَالَ فِي نفس الِاسْتِدْلَال: إِن سلمت، وَإِلَّا انْقَلب الْكَلَام عَلَيْهِ فَلَا يعد مُنْقَطِعًا.

وَالرَّابِع - وَبِه قَالَ الْغَزالِيّ -: يعْتَبر عرف ذَلِك الْمَكَان، فَإِن عدوه مُنْقَطِعًا فَذَلِك، وَإِلَّا لم يَنْقَطِع، / فَإِن للجدل عرفا ومراسم فِي كل مَكَان فَيتبع.

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": فَإِن اعْترض على حكم الأَصْل: بِأَنِّي لَا أعرف مذهبي فِيهِ، فَإِن أمكن الْمُسْتَدلّ بَيَانه، وَإِلَّا دلّ على إثْبَاته.

ص: 3569

هَذَا الْكَلَام زَائِد على مَا نَحن فِيهِ؛ لِأَن الْكَلَام هُنَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا اعْترض على الْمُسْتَدلّ وَمنع حكم أَصله؟ هَل يدل الْمُسْتَدلّ على حكم أَصله، وَكَلَام ابْن عقيل إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَرض إِذا قَالَ: لَا أعرف مذهبي فِيمَا قست عَلَيْهِ، فَأَما إِن بَينه الْمُسْتَدلّ فالأدلة على إثْبَاته.

قَوْله: (ثمَّ الْأَصَح لَا يَنْقَطِع الْمُعْتَرض بِدلَالَة الْمُسْتَدلّ فَلهُ الِاعْتِرَاض، وَلَيْسَ بِخَارِج عَن الْمَقْصُود) .

يَعْنِي: إِذا فرعنا على سَماع الْمَنْع، وَأَنه لَا يَنْقَطِع الْمُسْتَدلّ، بل لَهُ إِقَامَة الدَّلِيل على حكم الأَصْل، فَإِذا أَقَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ فَهَل يَنْقَطِع الْمُعْتَرض أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا: لَا يَنْقَطِع بِمُجَرَّد دلَالَة الْمُسْتَدلّ، فَلهُ الِاعْتِرَاض على ذَلِك الدَّلِيل بطريقه، إِذْ لَا يلْزم من وجود صُورَة دَلِيل صِحَّته.

وَالْقَوْل الثَّانِي: يَنْقَطِع؛ لِأَن اشْتِغَاله بذلك خُرُوج عَن الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَعْتَرِضهُ.

قَوْله: (فَيتَوَجَّه [سَبْعَة] [منوع] مترتبة) .

ص: 3570

فِي هَذِه الْجُمْلَة [سَبْعَة] اعتراضات: ثَلَاثَة تتَعَلَّق بِالْأَصْلِ، وَثَلَاثَة بِالْعِلَّةِ، وَوَاحِد بالفرع:

فَيُقَال فِي الْإِثْبَات بمنوع مرتبَة: لَا نسلم حكم الأَصْل. سلمنَا ذَلِك، وَلَا نسلم أَنه مِمَّا يُقَاس فِيهِ، لم لَا يكون مِمَّا اخْتلف فِي جَوَاز الْقيَاس فِيهِ؟

سلمنَا ذَلِك، وَلَا نسلم أَنه مُعَلل، لم لَا يُقَال إِنَّه تعبدي؟

سلمنَا ذَلِك / وَلَا نسلم أَن هَذَا الْوَصْف علته، لم لَا يُقَال: الْعلَّة غَيره؟

سلمنَا ذَلِك، وَلَا نسلم وجود الْوَصْف فِي الأَصْل.

سلمنَا ذَلِك، وَلَا نسلم أَن الْوَصْف مُتَعَدٍّ، لم لَا يُقَال: إِنَّه قَاصِر؟ سلمنَا ذَلِك، وَلَا نسلم وجوده فِي الْفَرْع.

وَظَاهر إيرادها على هَذَا / التَّرْتِيب وُجُوبه لمناسبة ذَلِك التَّرْتِيب الطبيعي، فَيقدم مِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِالْأَصْلِ من منع حكمه، أَو كَونه مِمَّا لَا يُقَاس عَلَيْهِ، أَو كَونه غير مُعَلل، ثمَّ مَا يتَعَلَّق بِالْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا فَرعه، لاستنباطها مِنْهُ من منع كَون ذَلِك الْوَصْف عِلّة أَو منع وجوده فِي الأَصْل، أَو منع كَونه مُتَعَدِّيا، ثمَّ مَا يتَعَلَّق بالفرع لابتنائه عَلَيْهِمَا، كمنع وجود الْوَصْف الْمُدعى عليته فِي الْفَرْع.

وَجَوَاب هَذِه الاعتراضات بِدفع مَا يُرَاد دَفعه مِنْهَا بطريقة المفهومة.

ص: 3571

وَقد أَجَاد فِي ذَلِك الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد الْجَوْزِيّ فِي كتاب " الْإِيضَاح "، فَإِنَّهُ فِي فن الجدل، وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن.

وَيَأْتِي بعد تَمام القوادح فِي الخاتمة حكم تعدد الاعتراضات من جنس أَو أَجنَاس.

قَوْله: (قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم: للمستدل أَن يسْتَدلّ بِدَلِيل عِنْده فَقَط، كمفهوم وَقِيَاس، فَإِن مَنعه خَصمه دلّ عَلَيْهِ وَلم يَنْقَطِع، خلافًا لأبي عَليّ إِن كَانَ الأَصْل خفِيا، وَأطلق قوم الْمَنْع، وَلَيْسَ للمعترض أَن يلْزمه مَا يَعْتَقِدهُ هُوَ، وَلَا أَن يَقُول: إِن سلمت وَإِلَّا دللت عَلَيْهِ، خلافًا للكيا، وَقَالَ الشَّيْخ: لم يَنْقَطِع وَاحِد مِنْهُمَا) . هَذَا من تَمام الْمَسْأَلَة.

قَالَ ابْن مُفْلِح: " قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم: للمستدل أَن

ص: 3572

يحْتَج بِدَلِيل عِنْده فَقَط كمفهوم وَقِيَاس، فَإِن مَنعه خَصمه دلّ عَلَيْهِ وَلم يَنْقَطِع خلافًا لأبي عَليّ الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي إِن كَانَ الأَصْل خفِيا.

وَأطلق أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ الْمَنْع عَن قوم.

وَلَيْسَ للمعترض أَن يلْزمه مَا يَعْتَقِدهُ هُوَ فَقَط، وَلَا أَن يَقُول: إِن سلمته وَإِلَّا دللت عَلَيْهِ، خلافًا لبَعض الشَّافِعِيَّة.

قَالَ: لِأَنَّهُ بالمعارضة كالمستدل - وعنى بِهِ الكيا -.

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا - وعنى بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين - لَا يَنْقَطِع وَاحِد مِنْهُمَا فَيكون الِاسْتِدْلَال فِي مهلة النّظر فِي الْمُعَارضَة " انْتهى كَلَام ابْن مُفْلِح.

قَوْله: (التَّقْسِيم: احْتِمَال لفظ الْمُسْتَدلّ لأمرين فَأكْثر على السوَاء، بَعْضهَا مَمْنُوع / [وَهُوَ] وَارِد عندنَا وَعند الْأَكْثَر، وَبَيَانه على الْمُعْتَرض: كَالصَّحِيحِ فِي الْحَضَر وجد السَّبَب بتعذر المَاء فَجَاز التَّيَمُّم، فَيُقَال: السَّبَب تعذره مُطلقًا، أَو فِي سفر، أَو فِي مرض. الأول مَمْنُوع فَهُوَ منع بعد تَقْسِيم، وَجَوَابه كالاستفسار.

ص: 3573

من جملَة القوادح التَّقْسِيم. وَهُوَ كَون اللَّفْظ مترددا بَين احْتِمَالَيْنِ متساويين:

أَحدهمَا: مُسلم لَا يحصل الْمَقْصُود.

وَالْآخر: مَمْنُوع وهوالذي يحصل الْمَقْصُود.

وأهملنا هَذَا الْقَيْد الْأَخير تبعا لِابْنِ الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، والتاج السُّبْكِيّ، وَلَا بُد مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا مُسلمين يحصلان الْمَقْصُود أَو لَا يحصلان لم يكن للتقسيم معنى؛ لِأَن الْمَقْصُود حَاصِل أَو غير حَاصِل على التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا وَمَعَ زِيَادَته.

فَيرد عَلَيْهِ مَا لَو حصلا الْمَقْصُود وَورد على أَحدهمَا من القوادح مَا لَا يرد على الآخر، فَإِنَّهُ من التَّقْسِيم - أَيْضا - لحُصُول غَرَض الْمُعْتَرض بِهِ.

قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: " وَقَوْلنَا على السوَاء لِأَنَّهُ لَو كَانَ ظَاهرا فِي أَحدهمَا لوَجَبَ تَنْزِيله عَلَيْهِ ".

ومثاله فِي اكثر من اثْنَيْنِ لَو قيل: امْرَأَة بَالِغَة عَاقِلَة يَصح مِنْهَا النِّكَاح كَالرّجلِ.

ص: 3574

فَيَقُول الْمُعْتَرض: إِمَّا بِمَعْنى أَن لَهَا تجربة، أَو أَن لَهَا حسن رَأْي وتدبير، أَو أَن لَهَا عقلا غريزيا، فَالْأول وَالثَّانِي ممنوعان، وَالثَّالِث مُسلم، لَكِن لَا يَكْفِي؛ لِأَن الصَّغِيرَة لَهَا عقل غريزي، وَلَا يَصح مِنْهَا النِّكَاح.

وَذكرنَا فِي الْمَتْن مِثَال الْأَمريْنِ.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي قبُول هَذَا السُّؤَال.

وَالصَّحِيح: أَنه يقبل، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر، لَكِن بعد مَا يبين الْمُعْتَرض مَحل التَّرَدُّد.

وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن سُؤال الاستفسار يُغني عَنهُ، فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ.

وَجَوَاب هَذَا الِاعْتِرَاض: أَن يَقُول الْمُسْتَدلّ لَفْظِي الَّذِي ذكرته مَحْمُول على الْمَعْنى الَّذِي يُؤَدِّي للدلالة، وَالدَّال لَهَا على حمله على ذَلِك: اللُّغَة، أَو الْعرف الشَّرْعِيّ، اَوْ الْعرف الْعَام، أَو كَونه مجَازًا راجحا بعرف الِاسْتِعْمَال، أَو يكون / أحد الِاحْتِمَالَات ظَاهرا بِسَبَب مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْقَرِينَة من لفظ الْمُسْتَدلّ، إِن كَانَ هُنَاكَ قرينَة لفظية أَو حَالية أَو عقلية، بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته لُغَة وَلَا عرفا.

قَالَ ابْن مُفْلِح بعد ذَلِك: " وَلَو نذْكر الْمُعْتَرض احْتِمَالَيْنِ لم يدل عَلَيْهِمَا لفظ الْمُسْتَدلّ كَقَوْل الْمُسْتَدلّ: وجد سَبَب اسْتِيفَاء الْقصاص فَيجب، فَيَقُول: مَتى منع مَانع الالتجاء إِلَى الْحرم أَو عَدمه؟ الأول مَمْنُوع.

فَإِن أوردهُ على لفظ الْمُسْتَدلّ لم يقبل لعدم تردد لفظ السَّبَب بَين الِاحْتِمَالَيْنِ، وَإِن أوردهُ على دَعْوَاهُ الْمُلَازمَة بَين الحكم وَدَلِيله فَهُوَ مُطَالبَة

ص: 3575

بِنَفْي الْمَانِع، وَلَا يلْزم الْمُسْتَدلّ. فَإِن اسْتدلَّ الْمُعْتَرض مَعَ ذَلِك على وجود الْمعَارض فيعارضه " انْتهى.

قَوْله: (منع وجود الْمُدعى عِلّة فِي الأَصْل، كَالْكَلْبِ حَيَوَان يغسل من ولوغه سبعا، فَلَا يطهر بدبغ كخنزير فَيمْنَع، وَجَوَابه: ببيانه بِدَلِيل من عقل أَو حس أَو شرع بِحَسب حَال الْوَصْف، وَله تَفْسِير لَفظه بمحتمل) .

من الأسئلة والقوادح: منع كَون مَا يدعى عِلّة لحكم الأَصْل مَوْجُودا فِي الأَصْل، فضلا عَن أَن تكون هِيَ الْعلَّة.

مِثَال أَن يَقُول فِي الْكَلْب: حَيَوَان يغسل من ولوغه سبعا فَلَا يقبل جلده الدّباغ كالخنزير.

فَيَقُول الْمُعْتَرض: لَا نسلم أَن الْخِنْزِير يغسل من ولوغه سبعا.

وَالْجَوَاب عَن هَذَا الِاعْتِرَاض: بِإِثْبَات وجود الْوَصْف فِي الأَصْل بِمَا هُوَ طَرِيق ثُبُوت مثله، لِأَن الْوَصْف قد يكون حسيا فبالحس، أَو عقليا فبالعقل، أَو شَرْعِيًّا فبالشرع.

مِثَال لجَمِيع الثَّلَاثَة: إِذا قَالَ فِي الْقَتْل بالمثقل: قتل عمد عدوان، فَلَو قَالَ: لَا نسلم أَنه قتل، قَالَ: بالحس، وَلَو قيل: لَا نسلم أَنه عمد، قَالَ: مَعْلُوم عقلا بأمارته، وَلَو قيل: لَا نسلم أَنه عدوان، قَالَ: لِأَن الشَّرْع حرمه.

ص: 3576

وَله تَفْسِير لَفظه بمحتمل.

وَذكر الْآمِدِيّ عَن بَعضهم: يقبل بِمَالِه وجوده فِي الأَصْل وَلَو لم يحْتَملهُ. وَلَيْسَ بِشَيْء.

قَوْله: (منع كَونه / عِلّة: أعظم الأسئلة، وَيقبل عندنَا وَعند الْأَكْثَر، وَجَوَابه ببيانه باحد مسالك الْعلَّة) .

وَهُوَ هُنَا منع الْعلَّة فِي الْوَصْف الَّذِي علل بِهِ الْمُسْتَدلّ، والمطالبة بتصحيح ذَلِك.

قَالَ الْآمِدِيّ وَمن تبعه: هُوَ أعظم الأسئلة؛ لعُمُوم وُرُوده وتشعب مسالكه. وَيقبل؛ لِئَلَّا يحْتَج الْمُسْتَدلّ بِكُل طرد، وَهُوَ لعب، وَلِأَن الأَصْل عدم دَلِيل الْقيَاس.

ص: 3577

خُولِفَ فِي مَا نقل عَن الصَّحَابَة وَأفَاد الظَّن.

وَلَيْسَ الْقيَاس رد فرع إِلَى أصل بِجَامِع " مَا "، بل بِجَامِع مظنون، وَلَيْسَ عجز الْمعَارض دَلِيل صِحَّته للُزُوم صِحَة كل صُورَة دَلِيل لعَجزه.

فَهَذَا السُّؤَال يعم كل مَا يدعى أَنه عِلّة.

فطرقه كَثِيرَة مُخْتَلفَة، وَيُقَال لَهُ: سُؤال الْمُطَالبَة، وَحَيْثُ أطلقت الْمُطَالبَة فَلَا يقْصد فِي الْعرف سوى ذَلِك، وَمَتى أُرِيد غَيره ذكر مُقَيّدا، فَيُقَال: الْمُطَالبَة بِكَذَا.

وَلَو لم يقبل لَأَدَّى الْحَال إِلَى اللّعب فِي التَّمَسُّك بِكُل طرد من الْأَوْصَاف كالطول وَالْقصر، فَإِن الْمُسْتَدلّ يَأْمَن الْمَنْع فَيتَعَلَّق بِمَا شَاءَ من الْأَوْصَاف.

وَقيل: لَا يقبل؛ لِأَن الْقيَاس رد فرع إِلَى أصل بِجَامِع، وَقد وجد، فَفِيمَ الْمَنْع؟

ورده: أَن ذَلِك مظنون الصِّحَّة، وَالْوَصْف الطردي مظنون الْفساد.

وَجَوَاب هَذَا السُّؤَال: بِأَن يثبت الْمُسْتَدلّ علية الْوَصْف بِأحد الطّرق المفيدة لِلْعِلَّةِ: من إِجْمَاع، أَو نَص، أَو مُنَاسبَة، أَو غير ذَلِك من مسالك الْعلَّة.

قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (وَلما ظهر أَن هَذَا الْمَنْع مسموع.

فَالْجَوَاب: إِثْبَات الْعلية بمسلك من مسالكها الْمَذْكُورَة من قبل، وكل مَسْلَك تمسك بهَا فَيرد عَلَيْهِ مَا هُوَ شَرطه، أَي: بِمَا يَلِيق بِهِ من الأسئلة الْمَخْصُوصَة بِهِ، وَقد نبه - أَي: ابْن الْحَاجِب - هَهُنَا على اعتراضات الْأَدِلَّة

ص: 3578

الْأُخْرَى [بتبعية] اعتراضات الْقيَاس على سَبِيل الإيجاز، وَلَا بَأْس أَن نبسط فِيهِ الْكَلَام بعض الْبسط؛ لِأَن الْبَحْث كَمَا يَقع فِي الْقيَاس يَقع فِي سَائِر الْأَدِلَّة، وَمَعْرِفَة هَذِه الأسئلة نافعة فِي الْمَوْضِعَيْنِ

فَنَقُول: الأسئلة بِحَسب مَا يرد عَلَيْهِ من الْإِجْمَاع وَالْكتاب / وَالسّنة وَتَخْرِيج المناط أَرْبَعَة أَصْنَاف: الصِّنْف الأول: على الْإِجْمَاع، وَلم يذكرهُ ابْن الْحَاجِب لقلته.

مِثَاله: مَا قَالَت الْحَنَفِيَّة فِي وَطْء الثّيّب: الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز الرَّد مجَّانا، فَإِن عمر وزيدا أوجبا نصف عشر الْقيمَة وَفِي الْبكر عشرهَا، وعَلى منع الرَّد، من غير نَكِير، وَهُوَ ظَنِّي فِي دلَالَته وَفِي نَقله، وَلَوْلَا أَحدهمَا لما تصور فِي مَحل الْخلاف.

والاعتراض على وُجُوه:

الأول: منع وجود الْإِجْمَاع بِصَرِيح مُخَالفَة، أَو منع دلَالَة السُّكُوت على الْمُوَافقَة.

الثَّانِي: الطعْن فِي السَّنَد بِأَن نَقله فلَان وَهُوَ ضَعِيف إِن أمكنه.

ص: 3579

الثَّالِث: الْمُعَارضَة، وَلَا يجوز بِالْقِيَاسِ، مثل: الْعَيْب يثبت الرَّد، وَيثبت عَلَيْهِ الْعَيْب للرَّدّ بالمناسبة أَو غَيرهَا، وَلَا بِخَبَر وَاحِد إِلَّا إِذا كَانَت دلَالَته قَاطِعَة، وَلَكِن بِإِجْمَاع آخر أَو بمتواتر.

الصِّنْف الثَّانِي: على ظَاهر الْكتاب كَمَا إِذا اسْتدلَّ فِي مَسْأَلَة بيع الْغَائِب بقوله: {وَأحل اللَّهِ البيع} [الْبَقَرَة 275] ، وَهُوَ يدل على صِحَة كل بيع.

والاعتراض على وُجُوه:

الأول: الاستفسار، وَقد عَرفته.

الثَّانِي: منع ظُهُوره فِي الدّلَالَة، فَإِنَّهُ خرج صور لَا تحصى، أَو لَا نسلم أَن اللَّام للْعُمُوم فَإِنَّهُ يَجِيء للْعُمُوم وَالْخُصُوص.

الثَّالِث: التَّأْوِيل، وَهُوَ أَنه وَإِن كَانَ ظَاهرا فِيمَا ذكرت، لَكِن يجب صرفه عَنهُ إِلَى محمل مَرْجُوح بِدَلِيل يصيره راجحا، نَحْو قَوْله:" نهى عَن بيع الْغرَر "، وَهَذَا أقوى؛ لِأَنَّهُ عَام لم يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَخْصِيص أَو التَّخْصِيص [فِيهِ أقل] .

ص: 3580

الرَّابِع: الْإِجْمَال، فَإِن مَا ذَكرْنَاهُ من وَجه التَّرْجِيح وَإِن لم يصيره راجحا فَإِنَّهُ يُعَارض الظُّهُور، فَيبقى مُجملا.

الْخَامِس: الْمُعَارضَة بِآيَة أُخْرَى نَحْو قَوْله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} [الْبَقَرَة: 188] ، وَهَذَا لم يتَحَقَّق فِيهِ الرضى فَيكون بَاطِلا، أَو لحَدِيث متواتر كَمَا ذكرنَا.

السَّادِس: منع القَوْل بِمُوجبِه، وَهُوَ تَسْلِيم مُقْتَضى النَّص مَعَ بَقَاء الْخلاف، مثل أَن يَقُول: سلمنَا حل البيع وَالْخلاف فِي صِحَّته بَاقٍ، فَإِنَّهُ مَا أثْبته.

[الصِّنْف] الثَّالِث / مَا يرد على ظَاهر السّنة، كَمَا إِذا اسْتدلَّ بقوله:" أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن "، على أَن النِّكَاح لَا يَنْفَسِخ.

ص: 3581

والاعتراض عَلَيْهِ بالوجوه السِّتَّة الْمَذْكُورَة:

الأول: الاستفسار.

الثَّانِي: منع الظُّهُور، إِذْ لَيْسَ فِيمَا ذكرت من الْخَبَر صِيغَة عُمُوم، أَو لِأَنَّهُ خطاب لخاص، أَو لِأَنَّهُ ورد على سَبَب خَاص.

الثَّالِث: التَّأْوِيل بِأَن المُرَاد: تزوج مِنْهُنَّ أَرْبعا بِعقد جَدِيد، فَإِن الطَّارِئ كالمبتدأ فِي إِفْسَاد النِّكَاح كالرضاع.

الرَّابِع: الْإِجْمَال، كَمَا ذكرنَا.

الْخَامِس: الْمُعَارضَة بِنَصّ آخر.

السَّادِس: بِالْمُوجبِ.

وَهَهُنَا أسئلة تخْتَص بأخبار الْآحَاد، وَهُوَ الطعْن فِي السَّنَد بِأَن يَقُول: هَذَا الْخَبَر مُرْسل، أَو ضَعِيف، أَو فِي رِوَايَته قدح، فَإِن رَاوِيه ضَعِيف لخلل فِي عَدَالَته، أَو ضَبطه، أَو بِأَنَّهُ كذبه الشَّيْخ فَقَالَ: لم يرو عني.

ص: 3582

مِثَاله: إِذا قَالَ الْأَصْحَاب: " الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا " قَالَ الْحَنَفِيَّة: لَا يَصح لِأَن رَاوِيه مَالك وَقد خَالفه.

وَإِذا قُلْنَا: " أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا، فنكاحها بَاطِل " قَالُوا: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ يرويهِ سُلَيْمَان بن مُوسَى الدِّمَشْقِي عَن الزُّهْرِيّ، فَسئلَ؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ.

ص: 3583

الصِّنْف الرَّابِع: مَا يرد على تَخْرِيج المناط، وَهُوَ مَا تقدم من عدم الْإِفْضَاء والمعارضة، أَو عدم الظُّهُور، أَو عدم الانضباط لَهُ، وَمَا تقدم مِنْهُ أَنه مُرْسل أَو غَرِيب أَو شبه) انْتهى كَلَام الْعَضُد وَقد أَجَاد.

وَهَذَا بِعَيْنِه كُله فِي " الْإِيضَاح " لأبي مُحَمَّد الْجَوْزِيّ.

قَوْله: (عدم التَّأْثِير بِأَن الْوَصْف لَا مُنَاسبَة لَهُ، لَا يُؤثر فِي قِيَاس الدّلَالَة فِي الْأَصَح، وَفِي " الِانْتِصَار " لَا يرد على قِيَاس ناف للْحكم) .

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَا يُؤثر فِي قِيَاس الدّلَالَة على الصَّحِيح فِيهِ.

ص: 3584

وَقَالَ ابْن عقيل: لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم الدَّلِيل عدم الْمَدْلُول.

وَذكره أَبُو الْخطاب فِي " الِانْتِصَار " فِي مَسْأَلَة عَدَالَة الشُّهُود وَالنِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة.

وَقَالَ أَيْضا: لَا يرد على الْقيَاس النَّافِي للْحكم، لتَعَدد سَبَب انتفائه لعدم الْعلَّة، أَو جزئها، أَو وجود مَانع، / أَو فَوَات شَرط، بِخِلَاف سَبَب ثُبُوته؛ لِأَن عدم التَّأْثِير إِنَّمَا يَصح إِذا لم تخلف الْعلَّة عِلّة أُخْرَى؛ وَلِأَنَّهُ يرجع إِلَى قِيَاس الدّلَالَة، وَالْقَاضِي يفْسد كثيرا الْجمع وَالْفرق بِعَدَمِ التَّأْثِير فِي النَّفْي، وَهُوَ ضَعِيف، كالفرق فِي لبن الآدميات بَين الْحَيَّة وَالْميتَة بِالنَّجَاسَةِ.

فَيَقُول: لَا تَأْثِير لهَذَا، فَإِن لبن الرجل وَالصَّيْد طَاهِر، وَلَا يجوز بَيْعه. وكالفرق بَين اللَّبن وَبَين الدمع والعرق لعدم الْمَنْفَعَة.

فَيَقُول: الْوَقْف وَأم الْوَلَد فِيهِ مَنْفَعَة، وَلَا يجوز بَيْعه.

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: " من القوادح فِي الْعلَّة عدم التَّأْثِير، كَأَن يَقُول الْمُعْتَرض: هَذَا الَّذِي علل بِهِ غير مُنَاسِب للتَّعْلِيل؛ لكَونه طرديا، أَو لاختلال شَرط من شُرُوط الْعلَّة فِيهِ، فَلَا يكْتَفى بِهِ فِي التَّعْلِيل.

ص: 3585

وَوجه تَسْمِيَته بذلك أَن المُرَاد بالتأثير هُنَا اقتضاؤه ذَلِك إِمَّا بِمَعْنى [الْمُعَرّف] أَو الْمُؤثر على مَا سبق من الْخلاف؛ فَإِذا لم يفد أثرا فَلَا تَأْثِير لَهُ.

وعرفه الرَّازِيّ، والبيضاوي: بِثُبُوت الحكم بِدُونِ الْوَصْف فِي ذَلِك الأَصْل بِخُصُوصِهِ بِخِلَاف عدم الْعَكْس فَإِنَّهُ فِي صُورَة أُخْرَى، لَكِن تَعْرِيفه بِمَا ذكرنَا أَعم من هَذَا التَّفْسِير؛ لِأَن تفسيرنا أَن يُوجد الْوَصْف وَلكنه غير مُنَاسِب سَوَاء وجد الحكم أَو لم يُوجد، مَعَ أَن الحكم إِذا وجد قد لَا يُوجد مَعَه الْوَصْف، وَيَنْبَنِي على التعريفين بَيَان مَا يقْدَح فِيهِ من الْعِلَل، فعلى تفسيرنا لَا يكون قادحا إِلَّا فِي قِيَاس الْمَعْنى دون قِيَاس الشّبَه والطرد، وَأَن لَا يكون إِلَّا فِي الْعلَّة المستنبطة الْمُخْتَلف فِيهَا دون المنصوصة أَو المستنبطة الْمجمع عَلَيْهَا " انْتهى.

قَوْله: (وَقسم أَرْبَعَة أَقسَام) .

أَي: قسم الجدليون عدم التَّأْثِير أَرْبَعَة أَقسَام: مَا لَا تَأْثِير لَهُ أصلا.

ص: 3586

وَمَا لَا تَأْثِير لَهُ فِي حكم ذَلِك الأَصْل.

وَمَا اشْتَمَل على قيد لَا تَأْثِير لَهُ.

وَمَا لَا يظْهر فِيهِ شَيْء من ذَلِك، وَلَكِن لَا يطرد فِي مَحل النزاع.

فَيعلم / من ذَلِك عدم تَأْثِيره، وَلكُل قسم اسْم يعرف بِهِ. فَالْأول قَوْلنَا:(عدم التَّأْثِير فِي الْوَصْف) .

أَي: فِي ذَلِك الْوَصْف، أَي: لَا تَأْثِير لَهُ أصلا لكَونه طرديا.

مِثَاله: صَلَاة الصُّبْح صَلَاة لَا تقصر فَلَا يقدم أذانها على وَقتهَا كالمغرب، فَعدم الْقصر هُنَا بِالنِّسْبَةِ لعدم التَّقْدِيم طردي، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يقدم الْأَذَان على الْفجْر لِأَنَّهَا لَا تقصر، واطرد ذَلِك فِي الْمغرب، لكنه لم ينعكس فِي بَقِيَّة الصَّلَوَات، إِذْ مُقْتَضى هَذَا الْقيَاس أَن مَا يقصر من الصَّلَوَات يجوز تَقْدِيم أَذَانه على وقته من حَيْثُ انعكاس الْعلَّة، وَيرجع حَاصله إِلَى سُؤال الْمُطَالبَة بصلاحية كَونه عِلّة، كَمَا سبق.

وَالثَّانِي قَوْلنَا: (عدم التَّأْثِير فِي الأَصْل) .

ص: 3587

بِأَن يسْتَغْنى عَنهُ بِوَصْف آخر لثُبُوت حكمه بِدُونِهِ.

مِثَال فِي بيع الْغَائِب: بيع غير مرئي فَبَطل كالطير فِي الْهَوَاء. فيعارض بِأَن الْعلَّة الْعَجز عَن التَّسْلِيم، وَهُوَ كَاف فِي الْبطلَان.

وَعدم التَّأْثِير هُنَا جِهَة الْعَكْس، لِأَن [تَعْلِيل عدم] صِحَة بيع الْغَائِب بِكَوْنِهِ غير مرئي، يَقْتَضِي أَن كل مرئي يجوز بَيْعه، وَقد بَطل بيع الطير فِي الْهَوَاء، وَحَاصِله مُعَارضَة فِي الأَصْل، أَي: بإبداء عِلّة أُخْرَى وَهِي الْعَجز عَن التَّسْلِيم.

وَلذَلِك بناه الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره على جَوَاز التَّعْلِيل بعلتين، فَإِن قُلْنَا بِجَوَازِهِ لم يقْدَح وَإِلَّا قدح.

قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره (وقبوله ورده مَبْنِيّ على تَعْلِيل الحكم بعلتين

وَلم يقبله أَبُو مُحَمَّد الْفَخر إِسْمَاعِيل؛ بِنَاء على هَذَا.

وَقَبله الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة "، وَغَيره.

ص: 3588

وَهُوَ مُعَارضَة فِي الأَصْل) .

وَقرر الْمِثَال القَاضِي أَبُو الطّيب بتقرير آخر فَقَالَ: " لنا أَنه بَاعَ عينا لم ير مِنْهَا شَيْئا فَلَا يَصح، كَمَا لَو بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْر.

قَالَ: فَإِن قيل: قَوْلكُم لم ير مِنْهَا شَيْئا لَا تَأْثِير لَهُ فِي الأَصْل؛ لِأَن بعض النَّوَى إِذا كَانَ ظَاهرا يرى، وَبَعضه غير ظَاهر، فَلَا يَصح البيع.

فَالْجَوَاب: أَنه لَيْسَ من شُرُوط التَّأْثِير أَن يكون مَوْجُودا فِي كل مَوضِع، وَإِنَّمَا يكون وجود التَّأْثِير فِي مَوضِع وَاحِد، [وتأثيره] فِي بيع الْبِطِّيخ واللوز / فَإِنَّهُ يرى بَعْضهَا وَيكون بيعهَا صَحِيحا ".

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي " الْبُرْهَان ": عدم التَّأْثِير فِي الأَصْل هُوَ تَقْيِيد عِلّة الأَصْل بِوَصْف لَا أثر لأَجله فِي الأَصْل. كَقَوْل الشَّافِعِي فِي منع نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة: أمة كَافِرَة فَلَا تنْكح كالأمة الْمَجُوسِيَّة، فَلَا أثر للرق فِي الأَصْل قَالَ: والمحققون على فَسَاد الْعلَّة بذلك.

وَقيل بِصِحَّتِهَا؛ إِذْ الرّقّ فِي الْجُمْلَة أثر فِي الْمَنْع، وَشبهه بِالشَّاهِدِ الثَّالِث المستظهر بِهِ، وَهُوَ ضَعِيف؛ إِذْ الثَّالِث مبقى لوُقُوعه ركنا عِنْد تعذر أحد الشَّاهِدين بِخِلَاف الرّقّ.

ص: 3589

ثمَّ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِذا لم يكن لذَلِك الْوَصْف أثر وَلَا غَرَض فِيهِ فَهُوَ لَغْو، وَلَا تبطل الْعلَّة لاستقلالها مَعَ حذف الْقَيْد.

قَوْله: (وَعَدَمه فِي الحكم) .

أَي: عدم التَّأْثِير فِي الحكم، فَيكون من جملَة مَا علل بِهِ قيد لَا تَأْثِير لَهُ فِي حكم الأَصْل الَّذِي قد علل لَهُ، وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع:

أَحدهَا قَوْلنَا: (أَن لَا يكون لذكره فَائِدَة) .

مِثَاله: فِي الْمُرْتَدين مشركون أتلفوا مَالا فِي دَار الْحَرْب، فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم كالحربي فقيد دَار الْحَرْب طردي لَا فَائِدَة فِي ذكره، فَإِن من أوجب الضَّمَان أوجبه مُطلقًا، وَمن نَفَاهُ نَفَاهُ مُطلقًا، فَيرجع إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ الْقسم الأول، وَهُوَ الْمُطَالبَة بتأثير كَونه فِي دَار الْحَرْب.

وَمثله بعض أَصْحَابنَا بقولنَا فِي تَخْلِيل الْخمر: مَائِع لَا يطهر بِالْكَثْرَةِ؛ فَلَا يطهر بالصنعة: كالدهن وَاللَّبن.

فَقيل للْقَاضِي: قَوْلك لَا يطهر بالصنعة لَا أثر لَهُ فِي الأَصْل.

فَقَالَ: هَذَا حكم الْعلَّة، والتأثير يعْتَبر فِي الْعلَّة دون الحكم.

قَالَ بعض أَصْحَابنَا: هَذَا ضَعِيف.

ص: 3590

وَذكر أَبُو الْخطاب فِيهِ مذهبين، وَمثله بِهَذَا.

قَوْلنَا: (أَوله فَائِدَة ضَرُورِيَّة) .

هَذَا هُوَ النَّوْع الثَّانِي: لَا تَأْثِير لذَلِك الْقَيْد، وَلَكِن لَهُ فَائِدَة فِي الْقيَاس.

كَمَا يُقَال فِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي الْأَحْجَار المستجمر بهَا: عبَادَة مُتَعَلقَة بالأحجار لم يتقدمها مَعْصِيّة، فَاعْتبر فِيهَا الْعدَد كرمي الْجمار، وَقيد لم يتقدمها مَعْصِيّة لَا تَأْثِير لَهُ، لَكِن لذكره فَائِدَة إِذْ لَو حذفه لانتقضت علته بِالرَّجمِ.

وَهَذَا أَيْضا رَاجع إِلَى الأول كَالَّذي قبله.

قَوْلنَا: (أَو غير ضَرُورِيَّة) .

هَذَا هُوَ النَّوْع / الثَّالِث.

ص: 3591

وَهُوَ أَن لَهُ فَائِدَة، لَكِن الْمُعَلل لَا يضْطَر إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْقيَاس، وَلِهَذَا يُسمى الحشو، كَمَا لَو قيل /: إِن الْجُمُعَة تصح بِغَيْر إِذن الإِمَام: صَلَاة مَفْرُوضَة، فَلم تفْتَقر إِقَامَتهَا إِلَى إِذْنه كالظهر.

فَذكر الْفَرْض لَا فَائِدَة فِيهِ؛ لِأَن النَّفْل كَذَلِك، وَإِنَّمَا ذكر لتقريب الْفَرْع من الأَصْل وتقوية الشّبَه بَينهمَا؛ إِذْ الْفَرْض بِالْفَرْضِ أشبه من غَيره.

وَقيل: لَا يضر، للتّنْبِيه على أَن غير الْمَفْرُوض أولى أَن لَا يفْتَقر.

قَالَ فِي " التَّمْهِيد ": فمفروضة، قيل: يضر دُخُوله؛ لِأَنَّهُ بعض الْعلَّة.

وَقيل: لَا، فَإِن فِيهِ تَنْبِيها على أَن غير الْفَرْض أولى أَن لَا يفْتَقر، وَلِأَنَّهُ يزِيد تقريبه من الأَصْل فَالْأولى ذكره انْتهى.

قَوْلنَا: (الرَّابِع: عَدمه) .

أَي: عدم التَّأْثِير فِي الْفَرْع لَكِن لَهُ تَأْثِير، وَلَا يطرد فِي ذَلِك الْفَرْع وَنَحْوه من محَال النزاع.

مِثَاله فِي ولَايَة الْمَرْأَة: زوجت نَفسهَا فَلَا يَصح، كَمَا لَو زَوجهَا وَليهَا بِغَيْر كُفْء.

فالتزويج من غير كُفْء وَإِن ناسب الْبطلَان، إِلَّا أَنه لَا اطراد لَهُ فِي صُورَة النزاع الَّتِي هِيَ تَزْوِيجهَا نَفسهَا مُطلقًا، فَبَان أَن الْوَصْف لَا أثر لَهُ فِي الْفَرْع الْمُتَنَازع فِيهِ.

ص: 3592

وَحَاصِل هَذَا أَنه كالثاني، من حَيْثُ إِن حكم الْفَرْع هُنَا مُضَاف إِلَى غير الْوَصْف الْمَذْكُور، قَالَه ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، والتاج السُّبْكِيّ.

وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي " الْمُخْتَصر الْكَبِير ": إِنَّه كالثالث.

وَقيل: إِنَّه الصَّوَاب.

قَالَ الْآمِدِيّ: عدم التَّأْثِير فِي مَحل النزاع رده قوم، لمنعهم جَوَاز الْفَرْض فِي الدَّلِيل، وَقَبله من لم يمنعهُ، وَهُوَ الْمُخْتَار.

وَمَعَ ذَلِك كُله فالوصف قد يُقيد لقصد دفع النَّقْض، أَو لقصد الْفَرْض فِي الدَّلِيل.

ص: 3593

قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ.

قَوْله: (وَهَذَا مَبْنِيّ على جَوَاز الْفَرْض فِي بعض صور الْمَسْأَلَة، من جوزه رده، وَمن مَنعه قبله، فالجواز للموفق، وَالْمجد، وَالْأَكْثَر، وَالْجَوَاز بِشَرْط بِنَاء مَا خرج عَن مَحل الْفَرْض عَلَيْهِ لقوم، وَالْمَنْع لِابْنِ فورك، أَي: الْمَنْع مُطلقًا، وَالْمَنْع إِن كَانَ الْوَصْف طردا لِابْنِ الْحَاجِب) .

وَاعْلَم / أَن هَذَا الْقسم الرَّابِع كَيفَ كَانَ مَبْنِيا على قبُول الْفَرْض، من قبل الْفَرْض رد هَذَا، وَمن مَنعه قبل هَذَا.

كَمَا لَو قَالَ الْمَسْئُول عَن نُفُوذ عتق الرَّاهِن: أفرض الْكَلَام فِي الْمُعسر، أَو عَمَّن زوجت نَفسهَا، أَو أفرض فِي من زوجت بِغَيْر كُفْء، فَإِذا خص الْمُسْتَدلّ تَزْوِيجهَا نَفسهَا من غير الْكُفْء بِالدَّلِيلِ فقد فرض دَلِيله فِي بعض صور النزاع.

إِذا علم ذَلِك فحاصل الْخلاف فِي الْفَرْض مَذَاهِب:

ص: 3594

أَحدهَا: الْجَوَاز، وَبِه قَالَ الْمُوفق، وَالْمجد، وَالْفَخْر إِسْمَاعِيل، وَجُمْهُور الْعلمَاء.

قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين: يجوز الْفَرْض فِي بعض صور الْمَسْئُول عَنْهَا عِنْد عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ.

وَلذَلِك قَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة ": لَهُ أَن يخص الدَّلِيل، فيقيد لغَرَض الْفَرْض بِبَعْض صور الْخلاف إِلَّا أَن يعم الْفتيا فَلَا. انْتهى.

وَقَالَ الْفَخر إِسْمَاعِيل: وَالْمُخْتَار جَوَاز الْفَرْض من غير بِنَاء، وعلته الِاصْطِلَاح لإرفاق الْمُسْتَدلّ وتقريب الْفَائِدَة.

وَاسْتدلَّ للْجُوَاز بِأَنَّهُ قد لَا يساعده الدَّلِيل على الْكل، أَو يساعده غير أَنه لَا يُعلل على دفع كَلَام الْخصم بِأَن يكون كَلَامه فِي بعض الصُّور أشكل، فيستفيد بِالْفَرْضِ غَرضا صَحِيحا، وَلَا يفْسد بذلك جَوَابه؛ لِأَن من سَأَلَ عَن الْكل فقد سَأَلَ عَن الْبَعْض.

الْمَذْهَب الثَّانِي: الْجَوَاز بِشَرْط بِنَاء مَا خرج عَن مَحل الْفَرْض إِلَى الْفَرْض، أَي: يَبْنِي غير مَا فَرْضه، اخْتَارَهُ جمَاعَة.

ص: 3595

الْمَذْهَب الثَّالِث: الْمَنْع، وَبِه قَالَ ابْن فورك.

فَشرط أَن يكون الدَّلِيل عَاما لجَمِيع مواقع النزاع ليَكُون مطابقا للسؤال ودافعا لاعتراض الْخصم.

الْمَذْهَب الرَّابِع: وَبِه قَالَ ابْن الْحَاجِب: الْمَنْع إِن كَانَ الْوَصْف المجعول فِي الْفَرْض طردا وَإِلَّا قبل.

وَقَالَ ابْن التلمساني: الْوَجْه أَن يُقَال قد يُسْتَفَاد بِالْفَرْضِ تضييق مجاري الِاعْتِرَاض على الْخصم، وَهُوَ من مَقْصُود الجدل، أَو وضوح التَّقْرِير.

وَلِهَذَا الْمَعْنى عدل الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فِي تَقْرِير الِاسْتِدْلَال / على نمْرُود بالأثر على الْمُؤثر، أَي: الأوضح عِنْد نمْرُود بقوله تَعَالَى: {فَإِن اللَّهِ يَأْتِي بالشمس من الْمشرق} الْآيَة [الْبَقَرَة: 258] .

وَيَأْتِي ذَلِك فِي فَائِدَة الجدل قبيل الاستدال.

ص: 3596

قَوْله: (فعلى الْجَوَاز يكفى قَوْله: ثَبت الحكم فِي بعض الصُّور فَلَزِمَ ثُبُوته فِي الْبَاقِي، وَقيل: لَا، فلابد من رد مَا خرج عَن مَحل الْفَرْض إِلَيْهِ بِجَامِع، وَقيل: إِن كَانَ الْفَرْض فِي صُورَة السُّؤَال لم يحْتَج إِلَيْهِ، وَإِلَّا احْتِيجَ، وَاخْتَارَ الْفَخر جَوَاز الْفَرْض من غير بِنَاء، ومطابقة الْجَواب السُّؤَال، وَيجوز أَعم) .

على جَوَاز الْفَرْض اخْتلف فِي كَيْفيَّة الْبناء:

فَقيل: يَكْفِي أَن يَقُول: ثَبت الحكم فِي بعض الصُّور فَيلْزم القَوْل بِثُبُوتِهِ فِي الْبَاقِي ضَرُورَة أَن لَا قَائِل بِالْفرقِ، وَهَذَا الَّذِي قدمْنَاهُ فِي الْمَتْن.

وَقيل: لَا يَكْفِيهِ ذَلِك، بل يحْتَاج إِلَى رد مَا خرج عَن مَحل الْفَرْض إِلَى مَحل الْفَرْض بِجَامِع صَحِيح، كَمَا هُوَ قَاعِدَة الْقيَاس.

وَقيل: إِن كَانَ الْفَرْض فِي صُورَة السُّؤَال فَلَا يحْتَاج إِلَى الْبناء، وَإِن عدل عَن الْفَرْض إِلَى غير مَحل السُّؤَال فَلَا بُد حِينَئِذٍ من بِنَاء السُّؤَال على مَحل الْفَرْض بطرِيق الْقيَاس، وَالله أعلم.

وَاخْتَارَ الْفَخر أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ: مُطَابقَة الْجَواب للسؤال وَيجوز أَعم، وَإِن كَانَ أخص.

فَمنع ابْن فورك الْفَرْض فِي الْجَواب وَالدَّلِيل، وَجوزهُ غَيره.

مثل: السُّؤَال عَن فسخ النِّكَاح بالعيوب الْخمس، فَيعرض فِي وَاحِد مِنْهَا؛ لِأَن الدَّلِيل قد يساعده فِي الرتق دون غَيره وَله غَرَض صَحِيح.

ص: 3597

وَجوز قوم الْفَرْض فِي الدَّلِيل لَا الْجَواب ليطابق، وَهُوَ خطأ، انْتهى كَلَام الْفَخر.

قَوْله: (وَعِنْدنَا وَعند الْأَكْثَر: إِن أَتَى بِمَا لَا أثر لَهُ فِي الأَصْل لدفع النَّقْض لم يجز، وَقيل: بِلَا وَقيل إِن صححت لعِلَّة بالطرد، وَفِي " التَّمْهِيد " مَا يقتضى منع الْإِتْيَان [بِهِ] تَأْكِيدًا، وَقَالَ ابْن عقيل: لَهُ ذكره تَأْكِيدًا، أَو لتأكيد الْعلَّة فيتأكد الحكم، وللبيان، ولتقريبه من الأَصْل، وَقَالَ: إِن جعل الْوَصْف مُخَصّصا لحكم الْعلَّة لم يَصح فِي الْأَصَح) . /

وَقَالَ ابْن مُفْلِح: (وَعِنْدنَا الْأَكْثَر: إِن أَتَى بِمَا [لَا] أثر لَهُ فِي الأَصْل لقصد دفع النَّقْض لم يجز.

وَفِي مُقَدّمَة " الْمُجَرّد ": يحْتَمل أَن لَا يجوز، وَيحْتَمل أَن يجوز؛ لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِ لتعليق الحكم بِالْوَصْفِ الْمُؤثر.

وَذكر أَبُو الْمَعَالِي: أَنه أجَازه من صحّح الْعلَّة بالطرد، وَبَعْضهمْ مُطلقًا، ثمَّ اخْتَار تَفْصِيلًا) .

ص: 3598

قَالَ ابْن مُفْلِح: " فَإِن أَتَى بِهِ تَأْكِيدًا فَكَلَامه فِي " التَّمْهِيد " يَقْتَضِي مَنعه بِخِلَافِهِ لزِيَادَة بَيَان.

وَيَقْتَضِي كَلَام ابْن عقيل أَن لَهُ ذكره تَأْكِيدًا، أَو لتأكيد الْعلَّة فيتأكد الحكم، وللبيان، ولتقريبه من الأَصْل.

وَقَالَ: إِن جعل الْوَصْف مُخَصّصا لحكم الْعلَّة: كتخليل الْخمر: مَائِع لَا يطهر بِكَثْرَة فَكَذَا بصنعة آدَمِيّ كخل نجس، فَلَا يطهر الأَصْل مُطلقًا.

فصححه بعض الجدليين وَبَعض الشَّافِعِيَّة؛ لِأَن التَّأْثِير يُطَالب بِهِ فِي الْعلَّة لَا الحكم.

ص: 3599

وَقيل: الحكم عدم الطَّهَارَة، وتعلقه بالصنعة من الْعلَّة فَيجب بَيَان تَأْثِيره، قَالَ: وَهَذَا أصح: انْتهى نقل ابْن مُفْلِح.

وتابعناه على ذَلِك، وَهَذَا الْكَلَام لابد فِيهِ بعض التّكْرَار من النَّوْع الثَّالِث، من عدم التَّأْثِير فِي الحكم، وَمن عَدمه فِي الأَصْل فَليُحرر، فَإِنِّي نقلت هَذَا الْأَخير من كَلَام ابْن مُفْلِح، ونقلت ذَلِك من غَيره.

قَوْله: (فَائِدَة الْفَرْض أَن يسْأَل عَاما فيجيب خَاصّا، أَو يُفْتِي عَاما وَيدل خَاصّا، وَقيل: تخصص بعض [الصُّور] النزاع بِالدَّلِيلِ، وَالتَّقْدِير: إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم وَعَكسه، وَمحل النزاع: الْمحل الْمُفْتى بِهِ فِي الْمَسْأَلَة الْمُخْتَلف فِيهَا) .

هَذِه فَائِدَة تدل على مَعَاني أَلْفَاظ متداولة بَين الجدليين لَا بَأْس بذكرها، نقلتها من " الْإِيضَاح " لأبي مُحَمَّد الْجَوْزِيّ.

فَقَالَ: الْفَرْض آكِد من الْوَاجِب، وَالْفَرْض: أَن يسْأَل عَاما فيجيب خَاصّا، أَو يُفْتِي عَاما وَيدل خَاصّا.

وَقَالَ فِي " جمع الْجَوَامِع ": الْفَرْض: وَهُوَ تَخْصِيص بعض صور النزاع بالحجاج، أَي: وَإِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهِ.

ص: 3600

وَإِنَّمَا تعرضنا لحد الْفَرْض هُنَا لقولنا قبل: وَهَذَا مَبْنِيّ على جَوَاز الْفَرْض، وَلذَلِك ذكره التَّاج السُّبْكِيّ وَغَيره هُنَا.

وَهُوَ معنى كَلَام أبي مُحَمَّد / الْجَوْزِيّ: فَمَا فِي ذكر الْخلاف فَائِدَة.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجَوْزِيّ - أَيْضا -: " التَّقْدِير: هُوَ إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود، وَالْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم ".

وَهُوَ مُقَارن الْفَرْض؛ فَإِنَّهُ يُقَال: يقدر الْفَرْض فِي كَذَا، وَالْفَرْض مُقَدّر فِي كَذَا.

مِثَال إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم: المَاء للْمَرِيض الَّذِي يخَاف على نَفسه بِاسْتِعْمَالِهِ فَتَيَمم وَتَركه مَعَ وجوده حسا.

وَمِثَال إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود: الْمَقْتُول تورث عَنهُ الدِّيَة، وَإِنَّمَا تجب بِمَوْتِهِ وَلَا تورث عَنهُ إِلَّا إِذا دخلت فِي ملكه، فَيقدر دُخُولهَا قبل مَوته.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد: " مَحل النزاع هُوَ الحكم الْمُفْتى بِهِ فِي الْمَسْأَلَة الْمُخْتَلف فِيهَا "، وَهُوَ - أَيْضا - كالمقارن للْفَرض، وَالتَّقْدِير بِمحل النزاع هُوَ الْمُتَكَلّم فِيهِ من الْجَانِبَيْنِ بَين الْخَصْمَيْنِ، وَذَلِكَ كُله وَاضح، وَلَكِن لما كَانَ لَهُ بعض تعلق بِهَذَا الْموضع ذكرنَا ذَلِك فَائِدَة.

قَوْله: (الْقدح فِي مُنَاسبَة الْوَصْف بِمَا يلْزم من مفْسدَة راجحة، أَو مُسَاوِيَة.

وَجَوَابه بالترجيح الْقدح فِي إفضاء الحكم إِلَى الْمَقْصُود، كتعليل حُرْمَة الْمُصَاهَرَة أبدا بِالْحَاجةِ إِلَى رفع الْحجاب، فَإِذا تأبد انسد بَاب القمع، فَيُقَال:

ص: 3601

سَده يُفْضِي إِلَى الْفُجُور، وَجَوَابه: أَن التَّأْبِيد يمْنَع عَادَة، فَيصير طبعيا كرحم محرم) .

من القوادح [فِي] الْعلَّة - أَيْضا - مَا اشْتهر باسم الْقدح، وَذكرت مِنْهُ أَرْبَعَة أَنْوَاع، اثْنَان فِي هَذِه الْجُمْلَة، والاثنان الْآخرَانِ الآتيان بعد هَذَا، وَهَذِه الْأَرْبَعَة الْمَخْصُوصَة بالمناسبة، وَيخْتَص باسم الْقدح فِي الْمُنَاسبَة أحد القدحين الْأَوَّلين.

الْقدح فِي مُنَاسبَة الْوَصْف للْحكم الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ بِمَا يلْزم فِيهِ من مفْسدَة راجحة على الْمصلحَة الَّتِي من أجلهَا قضي عَلَيْهِ بالمناسبة، أَو مُسَاوِيَة لَهَا، وَذَلِكَ لما سبق من أَن الْمُنَاسبَة تنخرم بالمعارضة، وَإِنَّمَا أعيدها لأجل التَّقْسِيم، وَبَيَان أَن ذَلِك من جملَة القوادح الْوَارِدَة / على الْمُسْتَدلّ حَتَّى يحْتَاج إِلَى الْجَواب عَنْهَا.

وَالْجَوَاب عَن ذَلِك: بِبَيَان تَرْجِيح تِلْكَ [الْمصلحَة] الَّتِي هِيَ فِي الْعلَّة، على تِلْكَ الْمفْسدَة الَّتِي يعْتَرض بهَا تَفْصِيلًا وإجمالا.

أما تَفْصِيلًا فبخصوص الْمَسْأَلَة بِأَن هَذَا ضَرُورِيّ وَذَلِكَ حاجي، أَو بِأَن هَذَا إفضاء قَطْعِيّ أَو أكثري وَذَلِكَ ظَنِّي أَو أقلي، أَو أَن هَذَا اعْتبر نَوعه فِي نوع الحكم، وَذَلِكَ اعْتبر نَوعه فِي جنس الحكم، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تنبهت لَهُ.

ص: 3602

وَأما إِجْمَالا فبلزوم التَّعَبُّد لَوْلَا اعْتِبَار الْمصلحَة، وَقد أبطلناه. مِثَاله: أَن يَقُول فِي الْفَسْخ فِي الْمجْلس: وجد سَبَب الْفَسْخ فيوجد الْفَسْخ، وَذَلِكَ دفع ضَرَر للمحتاج إِلَيْهِ من الْمُتَعَاقدين.

فَيُقَال: معَارض بِضَرَر آخر.

فَيَقُول: الآخر يجلب نفعا وَهَذَا يدْفع ضَرَرا، وَدفع الضَّرَر أهم عِنْد الْعُقَلَاء، وَلذَلِك يدْفع كل ضَرَر وَلَا يجلب كل نفع.

مِثَال آخر: إِذا قُلْنَا: التخلي لِلْعِبَادَةِ أفضل لما فِيهِ من تَزْكِيَة النَّفس.

فَيُقَال: لكنه يفوت أَضْعَاف تِلْكَ الْمصلحَة، مِنْهَا: إِيجَاد الْوَلَد، وكف النّظر، [وَكسر] الشَّهْوَة، وَهَذِه أرجح من مصَالح الْعِبَادَة.

فَيَقُول: بل مصلحَة الْعِبَادَة أرجح؛ لِأَنَّهَا لحفظ الدّين، وَمَا ذكرْتُمْ لحفظ النَّسْل.

القادح الثَّانِي: فِي صَلَاحِية إفضاء الحكم إِلَى الْمَقْصُود، وَهُوَ الْمصلحَة من شرع الحكم.

كَمَا لَو علل الْمُسْتَدلّ حُرْمَة الْمُصَاهَرَة على التَّأْبِيد فِي حق الْمَحَارِم إِلَى ارْتِفَاع الْحجاب بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء الْمُؤَدِّي إِلَى الْفُجُور، فَإِذا تأبد التَّحْرِيم انسد بَاب الطمع المفضي إِلَى مُقَدمَات الْهم وَالنَّظَر المفضي إِلَى ذَلِك.

فَيَقُول الْمُعْتَرض: بل سد بَاب النِّكَاح أَشد إفضاء للفجور؛ لِأَن النَّفس تميل إِلَى الْمَمْنُوع، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

ص: 3603

(وَالْقلب يطْلب من يجور ويعتدي

وَالنَّفس مائلة إِلَى الْمَمْنُوع)

(وَلكُل شَيْء تشتهيه طلاوة

مدفوعة إِلَّا عَن الْمَدْفُوع)

وَالْجَوَاب عَن ذَلِك تَبْيِين أَن التَّأْبِيد يمْنَع عَادَة من ذَلِك، بانسداد بَاب الطمع، فَيصير بتطاول الْأَمر وتماديه / كالطبيعي، بِحَيْثُ لَا يبْقى الْمحل مشتهى كالأمهات.

قَوْله: (كَون الْوَصْف خفِيا كتعليله صِحَة النِّكَاح بالرضى، فَيُقَال: خَفِي، والخفي لَا يعرف الْخَفي، وَجَوَابه: ضَبطه بِمَا يدل عَلَيْهِ من صِيغَة كإيجاب وَقبُول أَو فعل، كَونه غير منضبط كتعليله بالحكم والمقاصد كرخص السّفر بالمشقة، فيعترض: باختلافهما بالأشخاص والأزمان وَالْأَحْوَال، وَجَوَابه: بِأَنَّهُ منضبط بِنَفسِهِ أَو بضابط للحكمة) .

هَذَانِ القادحان الْآخرَانِ.

أَحدهمَا، وَهُوَ الثَّالِث: الْقدح فِي كَون الْوَصْف ظَاهرا بل هُوَ خَفِي.

ص: 3604

كالرضى فِي الْعُقُود، وَالْقَصْد فِي الْأَفْعَال الدَّالَّة على إزهاق النَّفس فِي وجوب الْقصاص، فَإِن حكم الشَّرْع خَفِي، والخفي لَا يعرف الْخَفي.

وَجَوَابه: بِأَن يبين ظُهُوره بِصفة ظَاهِرَة: كضبط الرضى بِمَا يدل عَلَيْهِ من الصِّيَغ، وَضبط الْعمد بِفعل يدل عَلَيْهِ عَادَة: كاستعمال الْجَارِح والمثقل، أَو غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَبْسُوط فِي الْفِقْه.

القادح الثَّانِي، وَهُوَ الرَّابِع: الْقدح فِي أَن الْوَصْف منضبط بل هُوَ مُضْطَرب: كالتعليل بالحكمة والمصالح، كالمشقة فِي الْقصر /، والزجر فِي التَّعْزِير، والحرج فِي الْفطر.

فَإِنَّهَا لَا تتَمَيَّز وتختلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال والأزمان، فَلَا يُمكن تعْيين الْقدر الْمَقْصُود مِنْهَا.

وَجَوَابه: بِبَيَان أَنه منضبط،، إِمَّا بِنَفسِهِ: كَمَا تَقول فِي الْمَشَقَّة والمضرة: إِنَّه منضبط عرفا بِنَاء على [جَوَاز] التَّعْلِيل بالحكمة إِذا انضبطت، وَقد سبق بَيَان ذَلِك، وَإِمَّا بوصفه بِأَن تكون الْعلَّة هِيَ الْوَصْف المنضبط الْمُشْتَمل على الْحِكْمَة: كالمشقة فِي السّفر، والزجر بِالْحَدِّ، وَنَحْو ذَلِك.

قَوْله: (النَّقْض) .

سبق من جملَة القوادح النَّقْض، وَقد سبق بَيَانه فِي أَحْكَام الْعلَّة، وَهل يقْدَح فِي الْعلَّة مُطلقًا أم لَا؟ ذكرنَا فِيهِ عشرَة أَقْوَال.

ص: 3605

مِثَال ذَلِك إِذا قُلْنَا: الْحلِيّ مَال غير نَام فَلَا زَكَاة فِيهِ كثياب البذلة.

فيعترض: / بالحلي الْمحرم.

وَجَوَابه: منع وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض، أَو منع الحكم فِيهَا، فَجَوَابه بِأحد وَجْهَيْن:

إِمَّا أَن يمْنَع وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض؛ لِأَن النَّقْض إِنَّمَا يتَحَقَّق بِوُجُود الْعلَّة وتخلف الحكم عَنْهَا، فَإِذا منع وجود الْعلَّة لم يتَحَقَّق النَّقْض، وَإِنَّمَا تخلف الحكم فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة لعدم علته فَهُوَ يدل على صِحَة علتي عكسا، وَهُوَ انْتِفَاء الحكم لانتفائها، كَقَوْلِه: لَا نسلم أَن الْحلِيّ كثياب البذلة، ويبرهن على ذَلِك.

وَإِمَّا أَن يمْنَع الحكم فِيهَا فَيَقُول: حكم ثِيَاب البذلة مُخَالف لحكم الْحلِيّ، وَيبين الْفرق بَينهمَا.

فَإِذا منع الْمُسْتَدلّ وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض، فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي تَمْكِين الْمُعْتَرض من الدّلَالَة على وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض على أَقْوَال:

أَحدهَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِك.

وَهُوَ قَوْلنَا: (وَلَيْسَ للمعترض الدّلَالَة على وجود الْعلَّة فِيهَا، قَالَه الْمُوفق والطوفي، وَقَالَهُ القَاضِي وَأَبُو الطّيب إِلَّا أَن يبين مَذْهَب الْمَانِع، وَقيل: بلَى، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ إِن تعذر الِاعْتِرَاض بِغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ بَعضهم إِن لم يكن طَرِيق أولى بالقدح، وَمنعه بَعضهم فِي الحكم الشَّرْعِيّ) .

ص: 3606

أحد الْأَقْوَال: لَا يُمكن الْمُعْتَرض من الدّلَالَة على وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض.

وَهَذَا صَحِيح وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، مِنْهُم: الشَّيْخ الْمُوفق، والطوفي من أَصْحَابنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِقَال، وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون الْمُعْتَرض مستدلا فَهُوَ قلب لقاعدة المصطلح؛ لكَونه يبْقى مستدلا والمستدل مُعْتَرضًا.

وَذكره القَاضِي أَبُو يعلى، وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب الشَّافِعِي، إِلَّا أَن يبين مَذْهَب الْمَانِع.

وَقيل: لَهُ ذَلِك فَيمكن؛ لِأَن فِيهِ تَحْقِيق اعتراضه بِالنَّقْضِ فَهُوَ من تَمَامه وَإِنَّمَا يتفرد بِالْمَنْعِ بِالدّلَالَةِ.

وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ إِن تعذر الِاعْتِرَاض بِغَيْرِهِ، فَقَالَ: يُمكن مَا لم يكن للمعترض دَلِيل، فَإِن أمكنه الْقدح بطرِيق آخر لم يُمكن.

وَاخْتَارَهُ بَعضهم إِن لم يكن طَرِيق أولى بالقدح، حَكَاهُ ابْن الْحَاجِب،

ص: 3607

وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهمَا.

وَكَأن هَذَا القَوْل أخص من قَول الْآمِدِيّ، فَعِنْدَ الْآمِدِيّ: يُمكن إِن تعذر الِاعْتِرَاض بِغَيْرِهِ مُطلقًا، وَعند صَاحب هَذَا القَوْل: إِن لم يكن طَرِيق أولى بالقدح. /

قَالَ الْأَصْفَهَانِي: وَرَابِعهَا: يُمكن مَا لم تكن للمعترض طَرِيق أُخْرَى أولى بالقدح من النَّقْض، تَحْقِيقا لفائدة المناظرة، وَإِن كَانَ لَهُ طَرِيق أُخْرَى فَلَا يُمكن، وَلَكِن لم يذكر قَول الْآمِدِيّ.

وَحكى ابْن الْحَاجِب وَغَيره قولا: يُمكن للمعترض فِي الحكم الْعقلِيّ؛ لِأَنَّهُ يقْدَح فِيهِ فَتحصل فَائِدَة، وَلَا يُمكن فِي الحكم الشَّرْعِيّ.

لِأَن التَّمْكِين فِيهِ انْتِقَال من الِاعْتِرَاض إِلَى الِاسْتِدْلَال، وَلَا تَجِد بِهِ نفعا؛ لِأَنَّهُ بعد بَيَان الْمُعْتَرض وجود الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض يَقُول الْمُسْتَدلّ: يجوز أَن يكون تخلف الحكم لوُجُود مَانع أَو انْتِفَاء شَرط، فَيجب الْحمل عَلَيْهِ جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ: دَلِيل الاستنباط، وَدَلِيل التَّخَلُّف، فَلَا يبطل الْعلَّة بجلاوة الحكم الْعقلِيّ فَإِنَّهُ لَا يتمشى فِيهِ ذَلِك.

" وَكَذَا ذكر أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ لَهُ الْجَواب بِجَوَاب: تخلف الحكم فيهمَا لمَانع أَو انْتِفَاء شَرط.

ص: 3608

وَإِن قيل: انْتِفَاء الحكم مَعَ علته خلاف الأَصْل.

قيل: وانتفاؤها مَعَ دليلها خلاف الأَصْل.

قيل: وَهَذَا أرجح؛ لِإِمْكَان إِحَالَة الحكم على مَانع أَو انْتِفَاء شَرط، فَهُوَ ترك للدليل وَأخذ بِغَيْرِهِ، وَإِذا لم يعْمل بِدَلِيل الْعلية ترك بِالْكُلِّيَّةِ من غير عدُول إِلَى غَيره.

قَالَ: وَإِن أجَاب بِأَن انْتِفَاء الحكم لمَانع أَو انْتِفَاء شَرط لزمَه تَحْقِيقه؛ لِأَنَّهُ كَانَ من حَقه أَن يحْتَرز عَنهُ أَولا فَلَزِمَهُ ثَانِيًا " انْتهى.

قَوْله: (قَالَ أهل الجدل وَقوم: لَو دلّ الْمُسْتَدلّ على وجود الْعلَّة بِدَلِيل مَوْجُود فِي صُورَة النَّقْض /، فَقَالَ الْمُعْتَرض: ينْتَقض دليلك فقد انْتقل من نقض الْعلَّة إِلَى نقض دليلها فَلَا يقبل، وَفِي " الرَّوْضَة ": انْتقل، وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ دَلِيل يَلِيق بِأَصْلِهِ) .

قَالَ أهل الجدل، والآمدي، وَجمع غَيره: لَو اسْتدلَّ الْمُسْتَدلّ على وجود الْعلَّة فِي مَحل التَّعْلِيل بِدَلِيل مَوْجُود فِي مَحل النَّقْض فنقض الْمُعْتَرض الْعلَّة؛ فَمنع الْمُسْتَدلّ وجود الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض.

فَقَالَ الْمُعْتَرض: ينْتَقض دليلك حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي مَحل النَّقْض، وَالْعلَّة غير مَوْجُودَة فِيهِ على زعمك.

لم يسمع؛ / لِأَن الْمُعْتَرض انْتقل من نقض الْعلَّة إِلَى نقض دَلِيل الْعلَّة.

ص: 3609

قَالَ فِي " الرَّوْضَة ": انْتقل، وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ دَلِيل يَلِيق بِأَصْلِهِ.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: لِأَنَّهُ انْتِقَال من نقض الْعلَّة نَفسهَا إِلَى نقض دليلها.

ومثلوا لذَلِك: قَول الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة تبييت النِّيَّة: أَتَى بمسمى [الصَّوْم] فَيصح كَمَا فِي مَحل الْوِفَاق، وَاسْتدلَّ على وجود الصَّوْم بِأَنَّهُ إمْسَاك مَعَ النِّيَّة، وَهُوَ مَوْجُود فِي مَحل النزاع.

فَيَقُول الْمُعْتَرض: تنْتَقض الْعلَّة بِمَا إِذا نوى بعد الزَّوَال. فَيَقُول الْمُسْتَدلّ: لَا نسلم وجود الْعلَّة فِيمَا إِذا نوى بعد الزَّوَال فَيَقُول الْمُعْتَرض: ينْتَقض دليلك الَّذِي استدللت بِهِ على وجود الْعلَّة فِي مَحل التَّعْلِيل.

قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره ": وَفِيه نظر.

لِأَن الْمُعْتَرض فِي معرض الْقدح فِي الْعلَّة فَتَارَة يقْدَح فِيهَا، وَتارَة يقْدَح فِي دليلها، والانتقال من الْقدح فِي الْعلَّة إِلَى الْقدح فِي دليلها جَائِز.

والانتقال الَّذِي لَا يكون جَائِزا هُوَ الِانْتِقَال من الِاعْتِرَاض إِلَى الِاسْتِدْلَال. ورد ذَلِك - أَيْضا -.

قَوْله: (وَلَو قَالَ الْمُعْتَرض ابْتِدَاء: يلزمك انْتِقَاض علتك أَو دليلها قبل) .

ص: 3610

مَا تقدم إِذا ادّعى انْتِقَاض دَلِيل الْعلَّة مَعًا، أما لَو ادّعى أحد الْأَمريْنِ فَقَالَ: يلْزم إِمَّا انْتِقَاض الْعلَّة أَو انْتِقَاض دليلها، وَكَيف كَانَ فَلَا تثبت الْعلَّة، كَانَ مسموعا بالِاتِّفَاقِ.

قَالَ الْأَصْفَهَانِي: " أما إِذا قَالَ الْمُعْتَرض ابْتِدَاء: يلزمك إِمَّا انْتِقَاض علتك أَو انْتِقَاض دَلِيل علتك، لِأَنَّك إِن اعتقدت وجود الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض انْتقض علتك، وَإِن اعتقدت عدم الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض انْتقض دليلك، كَانَ متجها مسموعا ".

قَوْله: (وَلَو منع الْمُسْتَدلّ تخلف الحكم فِي صُورَة النَّقْض، فَفِي تَمْكِين الْمُعْتَرض من الدّلَالَة الْخلاف فِي تَمْكِينه ليدل على وجود الْعلَّة فِيهَا، وَقَالَ ابْن برهَان: إِن منع الحكم انْقَطع الناقض، وَإِن منع الْوَصْف فَلَا، وَحكي عَن أبي الْخطاب وَابْن عقيل: وَيَكْفِي الْمُسْتَدلّ، لَا أعرف الرِّوَايَة فِيهَا عِنْد الْأَصْحَاب، وَقيل: لَا، وَفِي " التَّمْهِيد ": إِن قَالَ: أَنا أحملها على مُقْتَضى الْقيَاس / وَأَقُول فِيهَا كَمَسْأَلَة الْخلاف، فَإِن كَانَ إِمَامه يرى تَخْصِيص الْعلَّة لم يجز، وَإِلَّا الْأَظْهر الْمَنْع _ أَيْضا -، وَفِي " الْوَاضِح ": [لَيْسَ] لَهُ إِلَّا أَن ينْقل عَنهُ أَنه علل بهَا فيجريها) .

إِذا منع الْمُسْتَدلّ تخلف الحكم فِي صُورَة النَّقْض، فقد اخْتلفُوا فِي تَمْكِين الْمُعْتَرض من الدّلَالَة على تخلف الحكم فِي صُورَة النَّقْض على مَذَاهِب

ص: 3611

كالأقوال الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْلنَا: وَلَيْسَ للمعترض الدّلَالَة على وجود الْعلَّة فِيهَا، على مَا تقدم.

أَحدهَا: يُمكن مُطلقًا.

وَالثَّانِي: لَا يُمكن مُطلقًا.

وَالثَّالِث: يُمكن مَا لم يكن للمعترض طَرِيق أولى بالقدح من النَّقْض. وَدَلَائِل هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة مَا تقدم.

مِثَاله: قَول الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة الثّيّب الصَّغِيرَة: ثيب فَلَا تجبر كالثيب الْكَبِيرَة.

فَيَقُول الْمُعْتَرض: ينْتَقض بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَة.

فَيَقُول الْمُسْتَدلّ: لَا نسلم جَوَاز إِجْبَار الثّيّب الْمَجْنُونَة.

وَذكر ابْن برهَان: إِن منع الحكم انْقَطع الناقض، وَإِن منع الْوَصْف فَلَا، فَيدل عَلَيْهِ.

وَحَكَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الْخطاب، وَابْن عقيل.

وَعلله فِي " التَّمْهِيد " بِأَنَّهُ بَيَان للنقض لَا من جِهَة الدّلَالَة عَلَيْهِ فَجَاز.

ص: 3612

وَيَكْفِي قَول الْمُسْتَدلّ فِي دفع النَّقْض: لَا أعرف الرِّوَايَة فِيهَا، ذكره أَصْحَابنَا للشَّكّ فِي كَونهَا من مذْهبه؛ إِذْ دَلِيله صَحِيح فَلَا يبطل بمشكوك فِيهِ.

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": " لقَائِل أَن يُجيب عَنهُ: لَا يثبت أَنه قِيَاس حَتَّى يعلم سَلَامَته من النَّقْض، بِخِلَاف اسْتِصْحَاب الْحَال، فَإِنَّهُ تمسك بِأَصْل مَوْضُوع ".

وَكَذَا اخْتَارَهُ بعض الشَّافِعِيَّة.

" وَإِن قَالَ: أَنا أحملها على مُقْتَضى الْقيَاس، وَأَقُول فِيهَا كَمَسْأَلَة الْخلاف، فَإِن كَانَ إِمَامه يرى تَخْصِيص الْعلَّة لم يجز، لِأَنَّهُ لَا يجب الطَّرْد عِنْده، وَإِلَّا احْتمل الْجَوَاز؛ لِأَنَّهُ طرد علته، وَاحْتمل الْمَنْع؛ لِئَلَّا يثبت لإمامه مذهبا بِالشَّكِّ، وَهُوَ الْأَظْهر عِنْدِي " ذكره فِي " التَّمْهِيد ".

وَقَالَ فِي " الْوَاضِح ": " لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إِثْبَات مَذْهَب بِقِيَاس، إِلَّا أَن ينْقل عَنهُ أَنه علل بهَا فيجريها ".

ص: 3613

قَوْله: (وَإِن فسر الْمُسْتَدلّ لَفظه بِمَا يدْفع النَّقْض بِخِلَاف ظَاهره: كتفسير عَام بخاص، لم يقبل فِي الْأَصَح) .

الصَّحِيح أَن الْمُسْتَدلّ لَو فسر لَفظه بِمَا يدْفع النَّقْض / لَكِن هُوَ خلاف ظَاهر لَفظه: كتفسير عَام بخاص وَنَحْوه مِمَّا هُوَ بعيد عَن اللَّفْظ لكنه مُحْتَمل، لم يقبل.

ذكره القَاضِي، وَأَبُو الْخطاب، وَابْن عقيل، وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَغَيرهم؛ لِأَنَّهُ يزِيد وَصفا لم يكن، وَذكره لِلْعِلَّةِ وَقت حَاجته فَلَا يُؤَخر عَنهُ بِخِلَاف تَأْخِير الشَّارِع الْبَيَان عَن وَقت خطابه.

وَظَاهر كَلَام بعض أَصْحَابنَا: يقبل، كَقَوْل بَعضهم.

وَكَذَا ذكر أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، تَفْسِيرا للفظ بِمَا يحْتَملهُ: إِن قَالَ الْمُسْتَدلّ عللت لما سَأَلتنِي عَنهُ، فَيجْعَل سُؤَاله عَن تَمام الْعلَّة لوُجُوب استقلالها فَلَا يحْتَاج إِلَى قرينَة وَنِيَّة.

ص: 3614

قَوْله: (وَإِن أجَاب بالتسوية بَين الأَصْل وَالْفرع لدفع النَّقْض قبل، عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَالْحَنَفِيَّة، وَخَالف ابْن عقيل وَالشَّافِعِيَّة، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخطاب إِن جَازَ تَخْصِيص الْعلَّة) .

إِذا أجَاب الْمُسْتَدلّ بالتسوية بَين الأَصْل وَالْفرع لدفع النَّقْض، جَازَ عِنْد القَاضِي، والحلواني، وَالْحَنَفِيَّة.

وَمنعه الشَّافِعِيَّة، وَابْن عقيل وَذكره عَن الْمُحَقِّقين.

وَالْأول عَن أَصْحَابنَا، وَعلل بِاشْتِرَاط الطَّرْد.

وَأَجَازَهُ أَبُو الْخطاب إِن جَازَ تَخْصِيص الْعلَّة؛ لِأَن الطَّرْد لَيْسَ شرطا لِلْعِلَّةِ إِذا، وَإِلَّا لم يجز لاشتراطه فقد وجد النَّقْض، وَهُوَ وجود الْعلَّة بِلَا حكم فِي الأَصْل وَالْفرع.

ص: 3615

فَإِن قيل: من شَرطه أَن لَا يَسْتَوِي الأَصْل وَالْفرع.

رد: هَذَا بَاطِل.

مِثَاله فِي الْمسْح على الْعِمَامَة: عُضْو يسْقط فِي التَّيَمُّم فَمسح حائله كالقدم.

فينتقض بِالرَّأْسِ فِي الطَّهَارَة الْكُبْرَى.

فَيُجِيبهُ: يَسْتَوِي فِيهَا الأَصْل وَالْفرع.

وَمثل ذَلِك: بَائِن مُعْتَدَّة فلزمها الْإِحْدَاد كالمتوفى عَنْهَا زَوجهَا، فينتقض بالذمية وَالصَّغِيرَة.

فَيُجِيبهُ: بالتسوية.

قَوْله: (وَلَا يلْزم الْمُسْتَدلّ بِمَا لَا يَقُول بِهِ الْمُعْتَرض: كمفهوم وَقِيَاس، وَقَول صَحَابِيّ، إِلَّا النَّقْض وَالْكَسْر على قَول من التزمهما، قَالَه: أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَجوز بَعضهم معارضته بعلة منتقضة على أصل الْمُعْتَرض، وَقَالَهُ الشَّيْخ إِن قصد إبِْطَال دَلِيل الْمُسْتَدلّ لإثباته مذْهبه، وَقَالَ ابْن عقيل: إِن احْتج بِمَا [لَا يرَاهُ: كحنفي] بِخَبَر وَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، فَقَالَ: أَنْت / لَا تَقول بِهِ، أجَاب: أَنْت تَقول بِهِ فيلزمك، فَهَذَا قد اسْتمرّ عَلَيْهِ اكثر الْفُقَهَاء. وَعِنْدِي لَا يحسن) .

ص: 3616

لَيْسَ للمعترض أَن يلْزم الْمُسْتَدلّ مَا لَا يَقُول بِهِ الْمُعْتَرض، كمفهوم وَقِيَاس، وَمذهب صَحَابِيّ؛ لِأَنَّهُ احْتج وَأثبت الحكم بِلَا دَلِيل، ولاتفاقهما على تَركه؛ لِأَن أَحدهمَا لَا يرَاهُ دَلِيلا وَالْآخر لما خَالفه دلّ على دَلِيل أقوى مِنْهُ إِلَّا النَّقْض وَالْكَسْر على قَول من التزمهما؛ لِأَن الناقض لم يحْتَج بِالنَّقْضِ وَلَا أثبت الحكم بِهِ، ولاتفاقهما على فَسَاد الْعلَّة على أصل الْمُسْتَدلّ بِصُورَة الْإِلْزَام، وعَلى أصل الْمُعْتَرض بِمحل النزاع، ذكره أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم.

وَجوز بعض الشَّافِعِيَّة معارضته بعلة منتقضة على أصل الْمُعْتَرض.

وَقَالَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: " إِن قصد إبِْطَال دَلِيل الْمُسْتَدلّ لإِثْبَات مذْهبه، لِأَن الْمُسْتَدلّ إِنَّمَا يتم دَلِيله إِذا سلم عَن الْمُعَارضَة والمناقضة فَكيف يلْزم بِهِ غَيره ".

وَقَالَ ابْن عقيل: إِن احْتج بِمَا لَا يرَاهُ: كحنفي بِخَبَر وَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى.

فَاعْترضَ عَلَيْهِ: لَا تَقول بِهِ.

فَأجَاب: أَنْت تَقول بِهِ فيلزمك، فَهَذَا قد اسْتمرّ عَلَيْهِ أَكثر الْفُقَهَاء.

وَعِنْدِي لَا يحسن مثل هَذَا لِأَنَّهُ إِذا إِنَّمَا هُوَ مستدل صُورَة.

ص: 3617