الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّور بعد مَعْرفَتهَا فِي نَفسهَا، سَوَاء عرفت بِالنَّصِّ، كجهة الْقبْلَة الَّتِي هِيَ منَاط وجود استقبالها الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} [الْبَقَرَة: 144]، وَقَوله تَعَالَى:{وَأشْهدُوا ذوى عدل مِنْكُم} [الطَّلَاق: 2] ، أَو بِالْإِجْمَاع، أَو الاستنباط، كالشدة المطربة الَّتِي هِيَ منَاط تَحْرِيم شرب الْخمر، فالنظر فِي كَون هَذِه الْجِهَة جِهَة الْقبْلَة فِي حَال الِاشْتِبَاه، وَكَون الشَّخْص عدلا، وَكَون النَّبِيذ خمرًا للشدة المطربة المظنونة بِالِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيق الْمثل فِي قَوْله تَعَالَى:{فجزاء مثل مَا قتل من النعم} [الْمَائِدَة: 95] .
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيره: وَلَا نَعْرِف خلافًا فِي صِحَة الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا كَانَت الْعلَّة مَعْلُومَة بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع، إِنَّمَا الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ مدرك مَعْرفَتهَا الاستنباط.
وَذكر الْمُوفق وَالْفَخْر والطوفي من جملَة تَحْقِيق المناط اعْتِبَار الْعلَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي أماكنها لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم "، فَيعْتَبر الْأَمر فِي كل طائف
.
قَالَ الْمُوفق: وَهُوَ قِيَاس جلي أقرّ بِهِ جمَاعَة.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: وَلَيْسَ ذَلِك قِيَاسا للاتفاق عَلَيْهِ من منكري الْقيَاس انْتهى.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " نعم! هَل يشْتَرط الْقطع بتحقيق المناط أم يَكْتَفِي بِالظَّنِّ؟ فِيهِ أَقْوَال، حَكَاهَا ابْن التلمساني.
ثَالِثهَا: الْفرق بَين أَن تكون الْعلَّة وَصفا شَرْعِيًّا، فيكتفى فِيهِ بِالظَّنِّ، أَو حَقِيقِيًّا أَو عرفيا فَيشْتَرط الْقطع بِوُجُودِهِ.
قَالَ: وَهَذَا أعدل الْأَقْوَال ".
تَنْبِيه: حَاصِل الْفرق بَين الثَّلَاثَة أَن تَخْرِيج المناط اسْتِخْرَاج وصف مُنَاسِب يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِلّة ذَلِك الحكم.
وتنقيحه: أَن يبقي من الْأَوْصَاف مَا يصلح ويلغي بِالدَّلِيلِ مَا لَا يصلح.
وتحقيقه: أَن يَجِيء إِلَى وصف دلّ على عليته نَص أَو إِجْمَاع أَو غَيرهمَا من الطّرق، وَلَكِن / يَقع الِاخْتِلَاف فِي وجوده فِي صُورَة النزاع فيحقق وجودهَا فِيهِ.
ومناسبة التَّسْمِيَة فِي الثَّلَاثَة ظَاهِرَة؛ لِأَنَّهُ أَولا استخرجها من مَنْصُوص حكم من غير نَص على علته، ثمَّ جَاءَ فِي اوصاف قد ذكرت فِي التَّعْلِيل، فنقح النَّص وَنَحْوه فِي ذَلِك، وَأخذ مِنْهُ مَا يصلح عِلّة، وألغى غَيره، ثمَّ لم نوزع فِي كَون الْعلَّة لَيست فِي الْمحل الْمُتَنَازع فِيهِ بَين أَنَّهَا فِيهِ وحقق ذَلِك، وَالله أعلم.
قَوْله: (احْتج بِهِ الْأَكْثَر، وَقيل: لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا قِسْمَانِ، وَزَاد أَبُو هَاشم ثَالِثا) .
قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين والآمدي وأتباعهما: لَا نَعْرِف خلافًا فِي صِحَة الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَذكر أَبُو الْمَعَالِي أَن النهرواني والقاشاني لم يقبلا من النّظر فِي مسالك الظَّن إِلَّا تَرْتِيب الحكم على اسْم مُشْتَقّ، كآية السّرقَة، وَقَول الرَّاوِي:" زنا مَاعِز فرجم "، وَمَا يعلم أَنه فِي معنى الْمَنْصُوص بِلَا نظر، كالبول فِي إِنَاء ثمَّ صبه فِي مَاء.
وَوَافَقَهُمَا أَبُو هَاشم وَزَاد قسما ثَالِثا وَمثله بِطَلَب الْقبْلَة عِنْد الِاشْتِبَاه، والمثل فِي الصَّيْد.
ثمَّ رد عَلَيْهِم فِي [الْحصْر] .
وَقَالَ: إِنَّه لم يُنكر إِلْحَاق معنى الْمَنْصُوص إِلَّا حشوية لَا يبالى بهم، دَاوُد وَأَصْحَابه، وَأَن ابْن الباقلاني قَالَ: لَا يخرقون الْإِجْمَاع.
تَنْبِيه: ذكرنَا مسالك الْعلَّة سِتَّة تبعا لِابْنِ مُفْلِح، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهمَا، وَذكرهَا فِي " جمع الْجَوَامِع "، و " منظومة الْبرمَاوِيّ وَشَرحهَا "، وَغَيرهم عشرَة، فزادوا: إِلْغَاء الْفَارِق بَين الْفَرْع وَالْأَصْل، وتنقيح المناط، والطرد، والإيماء، وَهِي مَذْكُورَة ضمنا فِي المسالك السِّتَّة على مَا تقدم.
قَوْله: (الثَّانِيَة مدَار الحكم مُوجبَة أَو مُتَعَلّقه، ولازم الحكم مَا لَا يثبت الحكم مَعَ عَدمه، وملزوم الحكم مَا يسْتَلْزم وجوده وجود الحكم) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجَوْزِيّ فِي " الْإِيضَاح " فِي الجدل فَذكر مدَار الحكم، ولازمه، وملزومه فَقَالَ: مدَار الحكم: مُوجبه أَو مُتَعَلّقه، ولازم الحكم مَا لَا يثبت الحكم مَعَ عَدمه فَيكون أَعم من الشَّرْط لدُخُول الشَّرْط وَالْعلَّة / وَالسَّبَب وجزؤه وَمحل الحكم بِهِ، وملزوم الحكم: مَا يسْتَلْزم وجوده وجود الحكم. انْتهى.
يُقَال: مدَار الحكم على كَذَا، أَي: يتَوَقَّف الحكم على وجود كَذَا.
قَوْله: (الثَّالِثَة: الْقيَاس: جلي، وَهُوَ مَا قطع فِيهِ بِنَفْي الْفَارِق، كالأمة على العَبْد فِي السَّرَايَة، أَو علته منصوصة، أَو مجمع عَلَيْهَا، وخفي كالمثقل على المحدد) .
الْقيَاس لَهُ اعتبارات، فَتَارَة يكون بِاعْتِبَار قوته وَضَعفه، وَتارَة بِاعْتِبَار علته، وكل مِنْهُمَا لَهُ أَقسَام.
فَالْقِيَاس يَنْقَسِم بِاعْتِبَار قوته وَضَعفه إِلَى: جلي وخفي.