الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله [فصل] )
[الْكسر: وجود الْحِكْمَة بِلَا حكم، لَا يبطل الْعلَّة عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر، كَقَوْل حَنَفِيّ فِي عَاص بِسَفَرِهِ: مُسَافر فيترخص كَغَيْر العَاصِي، ثمَّ يبين مُنَاسبَة السّفر بالمشقة، فيعترض بِمن صَنعته شاقة حضرا لَا يترخص إِجْمَاعًا.
وَقَالَ القَاضِي: سُؤال الْكسر صَحِيح، وَجَوَابه بالتسوية يَصح اتِّفَاقًا.
قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره: فَإِن الْتزم الْمُعَلل الْكسر لزمَه أَن يُجيب عَنهُ بفرق تضمنته علته نطقا أَو معنى كجواب النَّقْض. وَقَالَ الشَّيْخ وَغَيره /: يَكْفِيهِ وَلَو لم تتضمنه] .
قد شَرط قوم فِي عِلّة الحكم إِذْ لم تكن حِكْمَة بل مَظَنَّة حِكْمَة أَن تكون حكمتها مطردَة، أَي: كلما وجدت الْحِكْمَة وجد الحكم، فَإِذا وجدت فِي مَحل بِدُونِ الْعلَّة وَلم يُوجد الحكم فِيهِ سمي كسرا، ويعبر عَنهُ بِأَن الْكسر يبطل الْعلَّة. وَالصَّحِيح أَن الْكسر لَا يبطل الْعلَّة عِنْد أَصْحَابنَا. وَذكره الْآمِدِيّ عَن الْأَكْثَر.
مِثَاله: أَن يَقُول الْحَنَفِيّ فِي الْمُسَافِر العَاصِي بِسَفَرِهِ مُسَافر فيترخص بِسَفَرِهِ كَغَيْر العَاصِي.
فَإِذا قيل لَهُ: لم قلت إِن السّفر عِلّة للترخص؟
قَالَ: الْمُنَاسبَة لما فِيهِ من الْمَشَقَّة الْمُقْتَضِيَة للترخص؛ لِأَنَّهُ تَخْفيف، وَهُوَ يَقع للمرخص.
فيعترض عَلَيْهِ: بصنعة شاقة فِي الْحَضَر كحمل الأثقال وَضرب المعاول. اسْتدلَّ للصحيح: بِأَنَّهُ قد سبق عدم التَّعْلِيل بالحكمة، وَالْعلَّة السّفر، وَلَا نقض عَلَيْهِ.
قَالُوا: الْحِكْمَة هِيَ الْمَقْصُودَة من شرع الحكم.
رد: مُسَاوَاة قدر حِكْمَة النَّقْض حِكْمَة الأَصْل مظنون؛ ثمَّ لَعَلَّ انْتِفَاء حِكْمَة لمعارض وَالْعلَّة فِي الأَصْل مَوْجُودَة قطعا، وَلَا تعَارض بَين قطع وَظن.
فَإِن قيل: وَلَو وجد قدرهَا قطعا.
قيل: إِن وَقع، يذكر الْآمِدِيّ عَن بعض أَصْحَابهم لَا أثر لَهُ لندرته وعسره، ثمَّ اخْتَار هُوَ وَمن تبعه أَنه يبطل لتعارضهما حِينَئِذٍ؛ لِأَن مَحْذُور نفي الحكم مَعَ وجود حكمته قطعا، وَالْعَكْس فَوق الْمَحْذُور اللَّازِم للمجتهد من
الْبَحْث عَن الْحِكْمَة فِي آحَاد الصُّور، إِلَّا أَن يثبت حكم آخر فِي مَحل النَّقْض أليق بالحكمة فَلَا يبطل.
كَمَا لَو علل قطع الْيَد قصاصا بحكمة الزّجر. فيعترض: بِأَنَّهَا فِي الْقَتْل الْعمد الْعدوان أعظم. فَيَقُول الْمُعْتَرض: ثَبت مَعهَا حكم أليق بهَا، وَهُوَ الْقَتْل، وَالله أعلم. وَذكر القَاضِي ضمن جَوَاب التَّسْوِيَة: أَن سُؤال / الْكسر صَحِيح، وَأَن جَوَابه بالتسوية يَصح وفَاقا.
قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره: فَإِن الْتزم الْمُعَلل الْكسر لزمَه أَن يُجيب عَنهُ بفرق تضمنته عِلّة [نطقا] أَو معنى لجواب النَّقْض، وَعند بَعضهم يَكْفِيهِ وَلَو تضمنه، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: اخْتلفُوا فِي الْكسر، قَالَ أَبُو الْخطاب: لَيْسَ بسؤال صَحِيح، وَذكر شَيخنَا فَسَاده.
قَالَ فِي " الرَّوْضَة ": " وَالْكَسْر غير لَازم، لِأَن الحكم مِمَّا لَا تنضبط بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَاد فَتعين النّظر إِلَى مرد الشَّارِع فِي ضبط مقدارها.
وَقيل: الْكسر: نقض على حِكْمَة الْعلَّة دون ضابطها " انْتهى.
قَوْله: [النَّقْض المكسور نقض بعض الْأَوْصَاف لَا يُبْطِلهَا عندنَا وَعند الْأَكْثَر، كمبيع مَجْهُول الصّفة عِنْد الْعَاقِد، فَلَا يَصح كبعتك عبدا، فيعترض بِمَا لَو تزوج امْرَأَة لم يرهَا] .
إِذا نقض الْعلَّة بترك بعض الصِّفَات سمي نقضا مكسورا.
وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ نقض بعض الصِّفَات، وَأَنه بَين النَّقْض وَالْكَسْر، كَأَنَّهُ قَالَ الْحِكْمَة الْمُعْتَبرَة تحصل بِاعْتِبَار هَذَا الْبَعْض، وَقد وجد فِي الْمحل وَلم يُوجد الحكم فِيهِ، فَهُوَ نقض لما ادَّعَاهُ عِلّة بِاعْتِبَار الْحِكْمَة.
تابعنا فِي هَذَا المصطلح - وَقد ذكرنَا النَّقْض المكسور بعد ذكر الْكسر - لِابْنِ مُفْلِح، وَهُوَ تَابع ابْن الْحَاجِب، وَابْن الْحَاجِب تَابع الْآمِدِيّ.
لَكِن قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَأما تَفْسِير ابْن الْحَاجِب الْكسر الَّذِي ذكرنَا مُسَمَّاهُ تبعا للآمدي: بِالنَّقْضِ المكسور، هِيَ تَسْمِيَة لَا يعرفهَا الجدليون.
وَذكر قبل ذَلِك الْكسر وَأَحْكَام الْكسر فَقَالَ: قَالَ أَكثر الْأُصُولِيِّينَ والجدليين: إِنَّه إِسْقَاط وصف من أَوْصَاف الْعلَّة المركبة، وإخراجه من الِاعْتِبَار بِبَيَان أَنه لَا أثر [لَهُ]، وَله صُورَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَن يُبدل ذَلِك الْوَصْف الْخَاص الَّذِي يبين أَنه لَغْو بِوَصْف أَعم مِنْهُ، ثمَّ ينْقضه على الْمُسْتَدلّ.
كَقَوْل الشَّافِعِي فِي إِثْبَات صَلَاة الْخَوْف: صَلَاة يجب قَضَاؤُهَا فَيجب أَدَاؤُهَا كَصَلَاة / الآمن.
فَيَقُول الْمُعْتَرض: خُصُوص كَونهَا صَلَاة ملغي لَا أثر لَهُ؛ لِأَن الْحَج وَالصَّوْم كَذَلِك، فَلم يبْق إِلَّا الْوَصْف الْعَام وَهُوَ كَونهَا عبَادَة، فينقضه عَلَيْهِ بِصَوْم الْحَائِض فَإِنَّهُ عبَادَة، يجب قَضَاؤُهَا وَلَا يجب أَدَاؤُهَا، بل يحرم.
الصُّورَة الثَّانِيَة: أَن لَا يُبدل خُصُوص الصَّلَاة فَلَا يبْقى عِلّة للمستدل إِلَّا قَوْله: يجب قَضَاؤُهَا، فَيُقَال عَلَيْهِ: وَلَيْسَ كل مَا يجب قَضَاؤُهُ يُؤدى، دَلِيله الْحَائِض فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهَا قَضَاء الصَّوْم دون أَدَائِهِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " الملخص ": " وَهُوَ سُؤال مليح والاشتغال بِهِ يَنْتَهِي إِلَى بَيَان الْفِقْه وَتَصْحِيح الْعلَّة، وَقد اتّفق أَكثر أهل الْعلم على صِحَّته وإفساد الْعلَّة بِهِ، ويسمونه النَّقْض من طَرِيق الْمَعْنى، والإلزام من طَرِيق الْفِقْه، وَأنكر ذَلِك طَائِفَة من الخراسانيين " انْتهى.
وَمن أمثله ذَلِك: أَن يَقُول شَافِعِيّ فِي بيع مَا لم يره المُشْتَرِي: بيع مَجْهُول الصّفة عِنْد الْعَاقِد فَلَا يَصح، كَمَا لَو قَالَ: بِعْتُك عبدا.
فَيَقُول الْمُعْتَرض: ينكسر بِمَا إِذا نكح امْرَأَة لم يرهَا، فَإِنَّهُ يَصح مَعَ كَونهَا مَجْهُولَة الصّفة عِنْد الْعَاقِد.
فَهَذَا كسر؛ لِأَنَّهُ نقض من جِهَة الْمَعْنى، إِذْ النِّكَاح فِي الْجَهَالَة كَالْبيع، بِدَلِيل أَن الْجَهْل بِالْعينِ فِي كل مِنْهُمَا يُوجب الْفساد، فوصف كَونه مَبِيعًا ملغى، بِدَلِيل أَن الرَّهْن وَنَحْوه كَذَلِك، وَيبقى عدم الرُّؤْيَة، فينتقض بِنِكَاح من لم يرهَا.
وَإِن نزلته على الصُّورَة الأولى وَهِي الْإِبْدَال بالأعم، فَيَقُول: عقد على من لم يره الْعَاقِد فينتقض بِالنِّكَاحِ.
ثمَّ قَالَ: هَذَا تَمام تَقْرِير الْكسر وَقد وضح أَنه نقض وَارِد على [الْمَعْنى] كَمَا ذكر الشِّيرَازِيّ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهمَا.
اسْتدلَّ لقَوْل أَصْحَابنَا وألأكثر: أَن الْعلَّة مَجْمُوع الْأَوْصَاف وَلم [ننقضها] .
فَإِن بَين الْمُعْتَرض بِأَنَّهُ لَا أثر لكَونه مَبِيعًا، / فَإِن أصر الْمُسْتَدلّ على التَّعْلِيل بالوصفين بَطل مَا علل بِهِ لعدم تَأْثِيره لَا بِالنَّقْضِ، وَإِن اقْتصر على الْوَصْف المنقوض بَطل النَّقْض؛ لِأَنَّهُ ورد على كل الْعلَّة، وَإِن أَتَى بِوَصْف لَا أثر لَهُ فِي الأَصْل ليحترز بِهِ عَن النَّقْض لم يجز.
وَفِي مُقَدّمَة " الْمُجَرّد " للْقَاضِي أبي يعلى: يحْتَمل أَن لَا يجوز وَيحْتَمل أَن يجوز، لِأَن الْأَوْصَاف يحْتَاج إِلَيْهَا للتأثير والاحتراز، وَالْحكم تعلق بالمؤثر فَكَذَا المحترز بِهِ.
رد: بِمَنْع مَا لَا تَأْثِير لَهُ.
وَأَجَازَهُ من صحّح الْعلَّة بالطرد وَبَعْضهمْ مُطلقًا، ذكره أَبُو الْمَعَالِي، ثمَّ اخْتَار تَفْصِيلًا.
قَوْله: [الْعَكْس عدم الحكم لعدم الْعلَّة، فأصحابنا وَالْأَكْثَر لَيْسَ شرطا، وَقيل بلَى، وَالْحق أَنه مَبْنِيّ على تَعْلِيل الحكم بعلتين فَمن مَنعه اشْتَرَطَهُ وَمن لَا فَلَا، قَالَ الشَّيْخ هَذَا إِن كَانَ التَّعْلِيل لنَوْع الحكم، فَأَما لجنسه فالعكس شَرط] .
اخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْعَكْس فِي صِحَة الْعلَّة وَهِي نفي الحكم لنفي الْعلَّة.
قَالَ فِي " المسودة ": لَيْسَ الْعَكْس شرطا فِي صِحَة الْعلَّة لجَوَاز الحكم بعلل، وَهَذَا قَول أَصْحَابنَا، وَمُقْتَضى قَول إمامنا، وَكَذَلِكَ قَول
الْجُمْهُور والأصوليين.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: الْعَكْس لُغَة: رد أول الشَّيْء إِلَى آخِره وَآخره إِلَى أَوله، وَأَصله شدّ رَأس الْبَعِير بخطامه إِلَى ذراعه.
وَفِي اصْطِلَاح الْحُكَمَاء: جعل اللَّازِم ملزوما والملزوم لَازِما مَعَ بَقَاء الْقَضِيَّة بِحَالِهَا من السَّلب والإيجاب.
كَقَوْلِنَا: لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر، فعكسه: لَا شَيْء من الْحجر بِإِنْسَان.
وَعند الْفُقَهَاء والأصوليين لَهُ اعتباران:
أَحدهمَا: مثل قَول الْحَنَفِيّ: لما لم يجب الْقصاص بصغير المثقل لم يجب بكبيره بِدَلِيل عَكسه فِي المحدد لما وَجب بكبيره وَجب بصغيره.
ثَانِيهمَا: انْتِفَاء الحكم عِنْد انْتِفَاء الْعلَّة وَهُوَ الْمَقْصُود هُنَا. أثْبته قوم، ونفاه أَصْحَابنَا.
وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الإِمَام أَحْمد، وَكَذَلِكَ جُمْهُور الْفُقَهَاء والأصوليين الشَّافِعِيَّة، / والمعتزلة.
وَالْحق أَن اشْتِرَاطه مَبْنِيّ على منع تَعْلِيل الحكم بعلتين إِلَى آخِره.
ثمَّ قَالَ: قَالَ شَيخنَا: لَا يرد الْعَكْس إِذا كَانَ تعليلا لنَوْع الحكم وَإِن كَانَ التَّعْلِيل لجنسه فالعكس شَرط.
مِثَال الأول قَوْلنَا: الرِّدَّة عِلّة لإباحة الدَّم، فَهُوَ صَحِيح فَلَيْسَ ينعكس.
وَمِثَال الثَّانِي قَوْلنَا: الرِّدَّة عِلّة لجنس إِبَاحَة الدَّم، فَلَيْسَ بِصَحِيح لفَوَات الْعَكْس. انْتهى كَلَام ابْن قَاضِي الْجَبَل.
تَنْبِيه: تابعنا فِي ذكر الْعَكْس ابْن مُفْلِح، وَابْن الْحَاجِب، وَصَاحب " الْمَحْصُول " وَغَيرهم.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَرُبمَا عبر عَن ذَلِك بِأَنَّهُ هَل يشْتَرط فِي الْعلَّة الانعكاس كَمَا يشْتَرط فِي الاطراد.
ثمَّ قَالَ: فتسمية صَاحب " الْمَحْصُول " ذَلِك بِالْعَكْسِ فِيهِ نظر إِلَّا أَن يؤول، وَأما هُوَ فسماها عدم الْعَكْس، فَقَالَ: فَأَما عدم الْعَكْس فَالْمُرَاد بِهِ أَن لَا يَنْتَفِي الحكم بِانْتِفَاء الْمُدَّعِي أَنه عِلّة فَهُوَ مُقَابل للطرد وَهُوَ أ، يُوجد بوجدوه، فالعلة إِن كَانَت مطردَة منعكسة فَوَاضِح، أَو غير مطردَة فَهُوَ الِاعْتِرَاض بِالنَّقْضِ، أَو غير منعكسة فَهُوَ المُرَاد هُنَا. انْتهى.
قَالَ الْعَضُد: شَرط قوم فِي عِلّة حكم الأَصْل الانعكاس وَهُوَ: أَنه كلما عدم الْوَصْف عدم الحكم، وَلم يَشْتَرِطه آخَرُونَ.
وَالْحق أَنه مَبْنِيّ على جَوَاز تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين مختلفتين؛ لِأَنَّهُ إِذا جَازَ ذَلِك صَحَّ أَن يَنْتَفِي الْوَصْف وَلَا يَنْتَفِي الحكم لوُجُود [الْوَصْف] الآخر وقيامه مقَامه.
وَأما إِذا لم يجز فثبوت الحكم دون الْوَصْف يدل على أَنه لَيْسَ عِلّة لَهُ وأمارة عَلَيْهِ وَإِلَّا لانتفى الحكم بانتفائه، لوُجُوب انْتِفَاء الحكم عِنْد انْتِفَاء دَلِيله، وَيَعْنِي بذلك انْتِفَاء الْعلم أَو الظَّن لَا انْتِفَاء نفس الحكم؛ إِذْ لَا يلْزم من انْتِفَاء دَلِيل الشَّيْء انتفاؤه، وَإِلَّا لزم من انْتِفَاء الدَّلِيل على الصَّانِع انْتِفَاء الصَّانِع تَعَالَى وَأَنه بَاطِل.
نعم يلْزم انْتِفَاء الْعلم أَو الظَّن بالصانع، فَإنَّا نعلم قطعا أَن الصَّانِع تَعَالَى لَو لم يخلق الْعَالم أَو لم يخلق فِيهِ الدّلَالَة لما لزم انتفاؤه قطعا. /
هَذَا بِنَاء على رَأينَا، يَعْنِي أَن بعض الْمُجْتَهدين مُصِيب وَبَعْضهمْ مخطىء.
وَأما عِنْد المصوبة فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْعذر؛ لِأَن منَاط الحكم عِنْدهم الْعلم أَو الظَّن، فَإِذا انتفيا انْتَفَى الحكم، وعَلى رَأينَا يُمكن أَن يُقَال بِسُقُوط الحكم؛ لِئَلَّا يلْزم تَكْلِيف الْمحَال، وَقد يُقَال: الْعلَّة الدَّلِيل الْبَاعِث على الحكم، وَقد يُخَالف مُطلق الدَّلِيل، فَيلْزم من عَدمه عدم الحكم، وَكَيف لَا وَالْحكم لَا يكون إِلَّا الْبَاعِث إِمَّا وجوبا وَإِمَّا تفضلا.
وَقَالَ ابْن مُفْلِح: " اشْتِرَاطه مَبْنِيّ على منع تَعْلِيل الحكم بعلتين.
فَمن مَنعه اشْتَرَطَهُ كَعَدم الحكم لعدم دَلِيله، وَالْمرَاد بِعَدَمِ الحكم عدم الظَّن، أَو الظَّن بِهِ لتوقفه على النّظر الصَّحِيح فِي الدَّلِيل وَلَا دَلِيل، وَإِلَّا فالصنعة دَلِيل وجود الصَّانِع وَلَا يلْزم من عدمهَا عَدمه.
وَمن جوزه لم يَشْتَرِطه لجَوَاز دَلِيل آخر هَذَا إِن كَانَ التَّعْلِيل لنَوْع آخر، هَذَا إِن كَانَ التَّعْلِيل لنَوْع الحكم نَحْو: الرِّدَّة عِلّة لإباحة الدَّم، فَأَما جنسه فالعكس شَرط نَحْو: الرِّدَّة عِلّة لجنس إِبَاحَة الدَّم فَلَا يَصح لفَوَات الْعَكْس.
وَظَاهر مَا سبق أَن الْخلاف فِي تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين مَعًا وعَلى الْبَدَل، وَكَذَا لم يُقيد جمَاعَة الْمَسْأَلَة بالمعية.
وقيدها الْآمِدِيّ وَقَالَ فِي الْعَكْس: أثْبته قوم ونفاه أَصْحَابنَا والمعتزلة ثمَّ اخْتَار أَنه [إِنَّمَا] يكون مُعَللا بعلة على الْبَدَل فَلَا يلْزم من نَفيهَا لجَوَاز بدلهَا " انْتهى كَلَام ابْن مُفْلِح.