الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيعْتَبر أَمْرَانِ: أحداهما: أَن يكون ظَاهرا لَا خفِيا. الثَّانِي: أَن يكون / منضبطا أَي: يتَمَيَّز عَن غَيره. وَلَا خلاف فِي التَّعْلِيل بِهِ.
وَتَكون الْعلَّة أَيْضا وَصفا عرفيا وَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مطردا لَا يخْتَلف بِحَسب الْأَوْقَات، وَإِلَّا لجَاز أَن يكون ذَلِك الْعرف فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
دون غَيره، فَلَا يُعلل بِهِ.
مِثَاله: الشّرف والخسة فِي [الْكَفَاءَة] وَعدمهَا، فَإِن الشّرف يُنَاسب التَّعْظِيم وَالْإِكْرَام، والخسة تناسب ضد ذَلِك فيعلل بِهِ بِالشّرطِ الْمُتَقَدّم. وَتَكون الْعلَّة أَيْضا وَصفا لغويا، مِثَاله: تَعْلِيل تَحْرِيم النَّبِيذ لِأَنَّهُ يُسمى خمرًا فَحرم كعصير
الْعِنَب. وَفِي التَّعْلِيل بِهِ خلاف، وَالصَّحِيح صِحَة التَّعْلِيل بِهِ.
قطع بِهِ ابْن الْبَنَّا فِي " الْعُقُود والخصال " قَالَ كَقَوْلِنَا فِي النباش: هُوَ سَارِق فَيقطع، وَفِي النَّبِيذ خمر فَيحرم.
وَصَححهُ غَيره من الْعلمَاء.
قَالَ الْمحلي: بِنَاء على ثُبُوت اللُّغَة بِالْقِيَاسِ، وَمُقَابل الْأَصَح قَول بِأَنَّهُ لَا يُعلل الحكم الشَّرْعِيّ بِالْأَمر اللّغَوِيّ. [وَلَعَلَّ] هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ الَّتِي تقدّمت قَرِيبا قبيل أَحْكَام الْعلَّة فَينْظر فِيهَا وَيُحَرر لاحْتِمَال التّكْرَار.
قَوْله: [فَلَا يَصح التَّعْلِيل بحكمة مُجَرّدَة عَن وصف ضَابِط لَهَا عِنْد ابْن حمدَان وَابْن قَاضِي الْجَبَل وَالْأَكْثَر، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا والرازي والبيضاوي: يَصح، و [قَالَ] بعض أَصْحَابنَا والمالكية والآمدي وَغَيرهم: يَصح بحكمة ظَاهِرَة منضبطة وَإِلَّا فَلَا] .
مَا سبق هُوَ الْوَصْف الْمُشْتَمل على الْحِكْمَة، أما نفس الْحِكْمَة فَهَل يجوز التَّعْلِيل بهَا أم لَا؟ وَهِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وفيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنه لَا يَصح التَّعْلِيل بهَا مُطلقًا لخفائها كالرضى فِي البيع، وَلذَلِك أنيطت صِحَة البيع بالصيغ الدَّالَّة عَلَيْهِ، وَلعدم انضباطها كالمشقة؛ فَلذَلِك أنيطت بِالسَّفرِ.
اخْتَارَهُ ابْن حمدَان وَابْن قَاضِي الْجَبَل من أَصْحَابنَا.
قَالَ الْآمِدِيّ: مَنعه الْأَكْثَر. وَظَاهر الْكَلَام " جمع الْجَوَامِع ": تَرْجِيحه وَالْقَوْل الثَّانِي: يجوز التَّعْلِيل بهَا مُطلقًا؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُود فِي التَّعْلِيل، وَهَذَا / اخْتِيَار بعض أَصْحَابنَا، قَالَه ابْن مُفْلِح، وَالْفَخْر الرَّازِيّ، والبيضاوي.
وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ، والمالكية، وَصَححهُ
ابْن الْحَاجِب، وَاخْتَارَهُ الْهِنْدِيّ، والبرماوي: التَّفْصِيل بَين أَن تكون الْحِكْمَة أَي الْمصلحَة الْمَقْصُودَة لشرع الحكم ظَاهِرَة منضبطة فَيجوز التَّعْلِيل بهَا، وَبَين أَلا تكون كَذَلِك فَيمْتَنع.
وَوجه ذَلِك: أَنا نعلم أَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَة للشارع، وَإِنَّمَا عدل عَن اعْتِبَارهَا لخفائها واضطرابها فِي الْأَغْلَب، فَإِذا زَالَ هَذَا الْمَانِع لظهورها وانضباطها صَحَّ أَن يُعلل بهَا.
قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: " وَجه الأول وَهُوَ الْمَنْع: رد الشَّارِع فِي ذَلِك إِلَى المظان الظَّاهِرَة دفعا للعسر وَاخْتِلَاف الْأَحْكَام؛ وَلِهَذَا لم يرخص للحمال وَنَحْوه للْمَشَقَّة.
وَلِأَنَّهُ يكون الْوَصْف الظَّاهِر المنضبط عديم التَّأْثِير اسْتغْنَاء بِأَصْل الْحِكْمَة.
وَلِأَن فِيهِ حرجا بالبحث عَنْهَا فتنتفي بقوله تَعَالَى: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} [الْحَج: 78] .
ورد: بِأَنَّهُ يلْزم فِي الْوَصْف للُزُوم مَعْرفَتهَا فِي جعله عِلّة.
بل الْمَشَقَّة أَكثر، والإطلاع على الْوَصْف أسهل فَلَا يمْنَع مِنْهُ الْمَنْع.
وَأجِيب: يعْتَبر معرفَة كميتها وخصوصيتها؛ لِئَلَّا يخْتَلف الأَصْل وَالْفرع فِيهَا وَلَا يُمكن، بِخِلَافِهِ فِي الْوَصْف، لذا قيل: وَيلْزم من كَونه أسهل تَأْخِير الحكم لَو علل بهَا وَهُوَ مُمْتَنع.
وَوجه الثَّالِث: أَنَّهَا مَعَ ظُهُورهَا وانضباطها كالوصف أَو أولى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَة من شرع الحكم كَمَا تقدم فِي تَعْلِيله.
ورد: لَا يُمكن ذَلِك لرجوعها إِلَى الْحَاجة إِلَى الْمصلحَة وَدفع الْمفْسدَة، وَهِي مُخْتَلفَة، ثمَّ نَادِر، وَفِيه حرج فَيَنْتَفِي بِالْآيَةِ.
أُجِيب: الْفَرْض أَنَّهَا [ظَاهِرَة] منضبطة فَلَا مَحْذُور فِيهِ وَفِيه نظر " انْتهى.
قَوْله: [ويعلل الثبوتي بِالْعدمِ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَقَالَهُ الشَّيْخ فِي قِيَاس الدّلَالَة، وَمنعه الْحَنَفِيَّة والآمدي وَغَيرهم] .
يَصح تَعْلِيل / الحكم الثبوتي بِالْعدمِ عِنْد أَصْحَابنَا، والرازي، وَأَتْبَاعه، وَذكره ابْن برهَان عَن الشَّافِعِيَّة.
وَالْمَنْع عَن الْحَنَفِيَّة، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهمَا.
وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي " المعالم ".
وَلم يذكرهُ فِي " التَّمْهِيد " إِلَّا عَن بعض الشَّافِعِيَّة.
وَاسْتثنى بعض الْحَنَفِيَّة مثل قَول مُحَمَّد بن الْحسن فِي ولد الْمَغْصُوب: لم يغصب، وَفِيمَا لَا خمس فِيهِ من اللُّؤْلُؤ، لم يوجف عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب. اسْتدلَّ للْأولِ وَهُوَ الصَّحِيح: بِأَنَّهُ كنص الشَّارِع عَلَيْهِ.
وكالأحكام تكون نفيا.
وكالعلة الْعَقْلِيَّة مَعَ أَنَّهَا مُوجبَة.
وكتعليل الْعَدَم بِهِ ذكره بَعضهم اتِّفَاقًا، نَحْو: لم أفعل لعدم الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَلم أسلم على فلَان لعدم رُؤْيَته؛ لِأَن نفي الحكم لنفي مقتضيه أَكثر من
نَفْيه لوُجُود منافيه، وَلِأَنَّهُ يَصح تَعْلِيل ضربه لعَبْدِهِ بِعَدَمِ امتثاله.
وَلِأَن الْعلَّة أَمارَة فالعدمية تعرف الحكم كالوجودية، وَإِن اعْتبر الْبَاعِث فالعدم الْمُقَابل للوصف الوجودي الظَّاهِر المنضبط الْمُشْتَمل على مصلحَة أَو دفع مفْسدَة مُشْتَمل على نقيض مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ، فَإِن اشْتَمَل الوجودي على مصلحَة فَعدم عدمهَا وَهُوَ مُشْتَقّ، وَإِلَّا فَعدم الْمفْسدَة مصلحَة وَهُوَ مَقْدُور على الْمُكَلف، فَيصح التَّعْلِيل بِهِ كالوجودي.
وَقد نجيب عَن الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث: بالمطالبة بِصِحَّة الْقيَاس، وبالمانع، أَو بِالْمَنْعِ.
وَأجَاب الْآمِدِيّ عَن الرَّابِع: بِأَن وجود الْعلَّة والداعي شَرط لَا عِلّة، وأضيف عدم الْأَثر إِلَيْهِ بلام التَّعْلِيل مجَاز، لافتقار الْأَمر إِلَى كل مِنْهُمَا جمعا بَين الْأَدِلَّة.
وَعَن الْخَامِس: بِأَن تَعْلِيله بامتناعه وكف نَفسه عَنهُ وَهُوَ ثبوتي.
وَعَن السَّادِس: بِأَنَّهُ تَعْلِيل بالإعدام الْمَقْدُور وَهُوَ جودي، لَا عدم مَحْض لَا قدرَة للمكلف عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَحل النزاع، كَذَا قَالَ.
وَخَالفهُ ابْن الْحَاجِب فاحتج بِهِ للْمَنْع فَقَالَ: لَو كَانَ عدما لَكَانَ مناسبا [أَو مظنته] ، وَتَقْرِير الثَّانِيَة أَن الْعَدَم إِن كَانَ مُطلقًا فَبَاطِل؛ لِأَنَّهُ لَا يخْتَص بِبَعْض الْأَحْكَام الثبوتية، وَإِن كَانَ / مُخَصّصا بِأَمْر أَي مُضَافا إِلَيْهِ، فَإِن كَانَ وجوده منشأ مصلحَة فَبَاطِل؛ لِأَن عَدمه عدمهَا، وَإِن كَانَ منشأ مفْسدَة فمانع وَعدم الْمَانِع لَيْسَ عِلّة، زَاد بَعضهم اتِّفَاقًا، وَإِن كَانَ وجوده يُنَافِي وجود الْمُنَاسب للْحكم الثبوتي لم يصلح عَدمه مَظَنَّة وَإِلَّا لنقيضها الْمُنَاسب؛ لِأَن الْمُنَاسب إِن كَانَ ظَاهرا فَهُوَ عِلّة بِلَا مَظَنَّة وَإِلَّا لَا جتمع عِلَّتَانِ على مَعْلُول وَاحِد، وَإِن كَانَ خفِيا فنقيضه الْأَمر الْعَدَم خَفِي والخفي لَيْسَ مَظَنَّة للخفي وَإِن لم يناف وجوده وجود الْمُنَاسبَة فوجوده كَعَدَمِهِ فَلَيْسَ مناسبا وَإِلَّا مَظَنَّة.
وَجَوَابه: بِمَنْع الْمُقدمَة الأولى، وَبِأَن الْمُنَاسب هُوَ الظَّاهِر المنضبط، فَكيف يَقُول: فَإِن كَانَ خفِيا، وَلَا يلْزم من خَفَاء أحد المتقابلين خَفَاء الآخر، وَإِنَّمَا يلْزم فِي المتضايفين يلْزم من تصور أَحدهمَا تصور الآخر.
فَإِن ادّعى أَنه المُرَاد بَطل قَوْله: وَإِن لم يكن فوجوده كَعَدَمِهِ، وَقد جعل فِي الدَّلِيل النَّافِي للمناسب قسما لما هُوَ منشأ مفْسدَة وَهُوَ مِنْهُ.
قَالُوا: لَا عِلّة عدم، فنقيضه وجود، فَلَو كَانَ الْعَدَم عِلّة اتّصف بالوجودي. رد: سبق مثله فِي التحسين.
قَالُوا: فَيلْزم سبر الأعدام.
أجَاب بعض أَصْحَابنَا: يلْزم، ثمَّ لعدم تناهيها لَا لعدم صلاحيتها عِلّة.
وَجزم بِهِ بَعضهم قَالُوا: الأعدام لَا تتَمَيَّز.
رد: بِالْمَنْعِ لتميز عدم لَازم عَن عدم ملزوم، فعلى هَذَا لَا يكون الْعَدَم جُزْءا مِنْهَا، لما سبق.
قَالُوا: انْتِفَاء مُعَارضَة المعجزة جُزْء من الْمُعَرّف بهَا، لِأَنَّهَا فعل خارق مَعَ التَّحَرِّي، وَنفي الْمعَارض والدوران جزؤه وَهُوَ الْعَكْس عدم. رد: شَرط لَا جُزْء.
قَالَ بعض الْعلمَاء: الْعَدَم عِلّة فِي قِيَاس الدّلَالَة لَا قِيَاس الْعلَّة.
ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي قَاعِدَة لَهُ فِي التَّوْحِيد وَقَالَ ك هَذَا فصل الْخطاب، فَلَا يكون الْعَدَم عِلّة تَامَّة فِي قِيَاس الْعلَّة بل جُزْءا مِنْهَا.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ شَارِح " جمع الْجَوَامِع ": " فِي ثُبُوت الْخلاف بَين الرَّازِيّ / والآمدي نظر لعدم تواردهما على مَحل وَاحِد، فَإِن الرَّازِيّ بناه على رَأْيه: أَن الْعلَّة بِمَعْنى الْمُعَرّف، وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِير لَا يَنْبَغِي أَن يَقع فِيهِ خلاف، إِذْ لَا امْتنَاع فِي أَن يكون الْمَعْدُوم عِلّة للموجود، والآمدي بناه على أَنَّهَا بِمَعْنى الْبَاعِث ". انْتهى.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ والبرماوي: على كل حَال الْخلاف بَينهمَا ثَابت وَلَو كَانَ مدركهما مُخْتَلف.
وَقَالَ ابْن التلمساني: الْمَسْأَلَة مَبْنِيَّة على تَخْصِيص الْعلَّة، فَمن منع التَّخْصِيص جوز هُنَا، وَمن جوز التَّخْصِيص يَقُول: الْعلَّة ضَابِط الْمصلحَة وَهِي شَيْء، والعدم لَا شَيْء، فَكيف يُعلل بِهِ الشَّيْء.
تَنْبِيه: يدْخل فِي الْخلاف مَا إِذا كَانَ الْعَدَم لَيْسَ تَمام الْعلَّة بل جُزْءا مِنْهَا، فَإِن العدمي أَعم من أَن يكون كلا أَو بَعْضًا.
وَمن جملَة العدمي أَيْضا: إِذا كَانَ الْوَصْف إضافيا وَهُوَ مَا تعلقه بِاعْتِبَار غَيره كالبنوة، والأبوة، والتقدم، والتأخر، والمعية، والقبلية، والبعدية، فَفِيهِ الْخلاف، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه عدمي؛ لِأَن وجوده إِنَّمَا هُوَ فِي الأذهان لَا فِي الْخَارِج، وَالصَّحِيح أَنه عدمي.
قَوْله: (وَمِنْهَا أَن لَا تكون مَحل الحكم وَلَا جزءه الْخَاص عِنْد الْأَكْثَر،
وَجوزهُ قوم، وَمنع الْآمِدِيّ الْمحل من الْعِلَل القاصرة) .
مَحل الحكم: كَقَوْلِنَا: الذَّهَب رِبَوِيّ لكَونه ذَهَبا، وَالْخمر حرَام؛ لِأَنَّهُ مُسكر معتصر من الْعِنَب.
وجزء الْمحل الْخَاص بِهِ: كالتعليل باعتصاره من الْعِنَب فَقَط.
وَالْوَصْف اللَّازِم: كالتعدية فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِنَّهُ وصف لَازم لَهما.
وَقَيَّدنَا الْجُزْء بالخاص تَحَرُّزًا من الْمُشْتَرك بَين الْمحل وَغَيره، فَإِن ذَلِك لَا يكون إِلَّا فِي النقدية كتعليل إِبَاحَة البيع بِكَوْنِهِ عقد مُعَاوضَة، فَإِن جزءه الْمُشْتَرك وَهُوَ عقده الَّذِي هُوَ شَامِل للمعاوضة وَغَيرهَا لَا يُعلل بِهِ.
وَجعل الْهِنْدِيّ الْخلاف هُنَا مَبْنِيا على جَوَاز التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ القاصرة، فَمن منع هُنَاكَ منع هُنَا، وَمن أجَاز هُنَاكَ أجَاز هُنَا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " لَكِن الْمُتَّجه أَنه من صور القاصرة، فَلَا حَاجَة لجعله مَبْنِيا عَلَيْهِ، فَإِن ذَلِك مشْعر بالمغايرة وَلَيْسَ كَذَلِك ".
اسْتدلَّ للْأولِ: بِأَنَّهَا لَو كَانَت للمحل كَانَت قَاصِرَة؛ لِأَنَّهُ لَو تحقق بِخُصُوصِهِ فِي الْفَرْع اتحدا، وَكَذَا جزؤه، أطلقهُ بَعضهم.
قَالَ / ابْن مُفْلِح: " وَلَعَلَّ مُرَاده الْخَاص بِهِ كَقَوْل بَعضهم قلت: صَرَّحُوا بِهِ كَمَا تقدم لِإِمْكَان وجود الْجُزْء الْمُشْتَرك فِي الْفَرْع، وَتجوز القاصرة لجَوَاز استلزام مَحل الحكم لحكمة دَاعِيَة إِلَيْهِ، زَاد الْآمِدِيّ: كاستلزام التَّعْلِيل بِهِ لاحْتِمَال عُمُومه للْأَصْل وَالْفرع.
وَقَالَ بعض الْحَنَفِيَّة فِي القاصرة: نَحن منعناه مُطلقًا.
وَأطلق بَعضهم: لَا يُعلل بِالْمحل؛ لِأَن الْقَائِل لَا يفعل.
رد: بِالْمَنْعِ ثمَّ الْعلَّة الْمُعَرّف.
قَوْله (وَلَا قَاصِرَة مستنبطة عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَالْحَنَفِيَّة، وَعنهُ: يَصح كمالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأكْثر أصحابهما، وَأبي الْخطاب، وَالْمجد، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَغَيرهم كالثابتة بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي الْأَصَح) .
الْعلَّة لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون متعدية أَو قَاصِرَة، فَإِن كَانَت متعدية عمل بهَا، وَإِن كَانَت قَاصِرَة لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون عليتها ثَابِتَة بِنَصّ أَو إِجْمَاع، اَوْ تكون مستنبطة.
فَأَما الأول فأطبق الْعلمَاء كَافَّة على جَوَاز التَّعْلِيل بهَا، وَأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي المستنبطة.
وَأغْرب القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي فِي " الملخص " بحكاية قَول يمْنَع التَّعْلِيل بهَا مُطلقًا منصوصة كَانَت أَو مستنبطة.
وَقَالَ: إِنَّه قَول أَكثر فُقَهَاء الْعرَاق.
وَأما الثَّانِي وَهُوَ أَن تكون مستنبطة، فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهَا على قَوْلَيْنِ هما رِوَايَتَانِ عَن الإِمَام أَحْمد.
أَحدهمَا: أَنه لَا يُعلل بهَا وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابنَا، قَالَه ابْن مُفْلِح، وَأَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه، مِنْهُم الْكَرْخِي، وَبِه قَالَ أَبُو عبد اللَّهِ الْبَصْرِيّ.
قَالَ ابْن مُفْلِح: " مَنعه أَبُو حنيفَة " وَأكْثر أَصْحَابه ".
وَهُوَ وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يُعلل بهَا، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، مِنْهُم: مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأكْثر أصحابهما، وَأَبُو بكر الباقلاني، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَعبد الْجَبَّار، وَأَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ، والرازي، وَأَتْبَاعه،
والآمدي وَذكره عَن أَكثر الْفُقَهَاء والمتكلمين، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد، واختارها أَبُو الْخطاب، وَالْمجد، وَابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيرهم من أَصْحَابنَا.
قَالَ الْمجد: ثَبت مذهبا لِأَحْمَد حَيْثُ علل الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بالثمنية.
اسْتدلَّ لصِحَّة التَّعْلِيل بهَا: بِحُصُول الظَّن بِأَن الحكم لأَجلهَا، وَلَا معنى للصِّحَّة سوى ذَلِك كالثابتة بِنَصّ أَو إِجْمَاع.
ورده الْآمِدِيّ بتحققها إِذا وَبِأَنَّهُ / قِيَاس فِي الْأَسْبَاب.
وَأجِيب: بِأَن الظَّن كَاف، وَهُوَ إِلْحَاق بِعَدَمِ الْفَارِق؛ وَلِأَن دوران الحكم مَعَ الْوَصْف الْقَاصِر عِلّة كالمتعدي.
وَاسْتدلَّ: لَو وقفت صِحَّتهَا على تعديتها لم تنعكس للدور، وتنعكس اتِّفَاقًا.
رد: إِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ التَّوَقُّف مَشْرُوطًا بتقدم كل مِنْهُمَا على الآخر لَا فِي توقف الْمَعِيَّة كالمتضايفين.
قَالُوا: لَو صحت لأفادت، وَالْحكم فِي الأَصْل بِنَصّ أَو إِجْمَاع وَلَا فرع لتصورها.
رد: يلْزم فِي القاصرة بِنَصّ. وَبِأَن فَائِدَته معرفَة الْبَاعِث ليَكُون أسْرع قبولا. وَبِأَنَّهُ يمْتَنع لأَجلهَا تَعديَة الحكم إِلَى الْفَرْع، وَبِأَنَّهُ إِذا قدر فِي محلهَا وصف آخر مُتَعَذر اعْتبر دَلِيل لاستقلاله.
وَقَالَ فِي " التَّمْهِيد ": " وَرُبمَا حدث جنس يَجْعَل ثمنا فَتكون تِلْكَ علته ".
وَقيل: ثَبت حكم الأَصْل بهَا، وَالنَّص أَو الْإِجْمَاع دَلِيل الدَّلِيل. ورد: ثَبت بِالنَّصِّ ثمَّ هِيَ بِهِ فَلَو ثَبت بهَا دَار. قَوْله: (وفائدتها معرفَة الْمُنَاسبَة، وَمنع الْإِلْحَاق، وتقوية النَّص، قَالَ السُّبْكِيّ: وَزِيَادَة الْأجر عِنْد قصد الِامْتِثَال لأَجلهَا) .
إِنَّمَا قيل ذَلِك؛ لِأَن الْمَانِع احْتج بِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيل بهَا؛ لِأَن الحكم مُقَرر بِالنَّصِّ، وَغير النَّص لَا تُوجد فِيهِ تِلْكَ الْعلَّة، فَأَي فَائِدَة بهَا؟ !
فَقيل فِي الْجَواب: إِن القاصرة المنصوصة، أَو الْمجمع عَلَيْهَا مُتَّفق عَلَيْهَا، وَمَا قَالُوهُ مَوْجُود فِيهَا، فَلَو صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ النَّص عَلَيْهَا عَبَثا وَالْإِجْمَاع عَلَيْهَا خطأ، وَنفي الْفَائِدَة أَو حصرها فِيمَا نفوه مَمْنُوع.
وَلها فَوَائِد مِنْهَا: معرفَة مُنَاسبَة الحكم للحكمة إِذْ بِالتَّعْلِيلِ تعرف الْحِكْمَة، وَأَن الحكم على وفْق الْحِكْمَة والمصلحة، فَيكون أدعى إِلَى الْقبُول والانقياد مِمَّا لم تعلم مناسبته.
لَكِن قَالَ فِي " المقترح ": إِن السَّبَبِيَّة إِنَّمَا جعلت لتعريف الحكم لَا لما ذكر. وَجَوَابه: إِنَّه لَا يُنَافِي فِي الْإِعْلَام طلب الانقياد لحكمته. وَمِنْهَا: إِفَادَة الْمَنْع لإلحاق فرع بذلك لعدم حُصُول الْجَامِع الَّذِي هُوَ عِلّة فِي الأَصْل.
وَاعْترض: بِأَن ذَلِك من الْمَعْلُوم وموضوع الْقيَاس فَأَيْنَ الْفَائِدَة المتجددة.
وَأجِيب / بِأَنَّهُ لَو وجد وصف آخر مُتَعَدٍّ لَا يُمكن الْقيَاس بِهِ حَتَّى يقوم دَلِيل على أَنه أرجح من تِلْكَ الْعلَّة القاصرة، بِخِلَاف مَا لَو لم يكن سوى الْعلَّة المتعدية، فَإِنَّهُ لَا يفْتَقر الْإِلْحَاق بهَا إِلَى دَلِيل على تَرْجِيح.
وَسَيَأْتِي فِي التَّرْجِيح إِذا تَعَارضا من غير مُرَجّح: قدمت المتعدية، وَقيل: القاصرة، وَقيل: بِالْوَقْفِ.
فَلَا يعْتَرض بِهِ على مَا قرر للْحكم بِسَبَب تِلْكَ الْعلَّة الْمَقْصُودَة للشارع من شَرعه، فَيكون لَهُ أَجْرَانِ: أجر فِي امْتِثَال النَّص، وَأجر بامتثال الْمَعْنى فِيهِ.
وَذكر بَعضهم معنى خَامِسًا: أَن معرفَة الْعلَّة زِيَادَة فِي الْعلم، وَلَا شكّ أَنه فضل على من لم يعلم.
وَفِيه نظر؛ لِأَن الْمَانِع يمْنَع أَن يكون هَذَا علية حَتَّى يكون الْعلم بِهِ فَضِيلَة، بِخِلَاف الْفَوَائِد الْمَذْكُورَة.
لِأَن الْقَصْد أَنَّهَا إِذا رجحت القاصرة بِدَلِيل قدمت، أَو كَانَ للقاصرة مُرَجّح يُقَابل المتعديلة تعادلا، فظهرت الْفَائِدَة.
وَمِنْهَا: أَن النَّص يزْدَاد قُوَّة بهَا، فيصيران كدليلين يتقوى كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ، قَالَه الباقلاني.
وَهُوَ مَخْصُوص بِمَا يكون دَلِيل الحكم فِيهِ ظنيا، اما الْقطعِي فَلَا يحْتَاج لتقوية، نبه عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي.
وَمِنْهَا: مَا قَالَه السُّبْكِيّ: أَن الْمُكَلف يزْدَاد أجرا بانقياده.
وَذكر أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ من الْفَوَائِد: لَو حدث فرع فِيهِ تِلْكَ الْعلَّة ألحق بِالْأَصْلِ لأَجلهَا، فَلَو لم تكن مَعْلُومَة من قبل حُدُوثه لما ألحقناه.
وَضعف: بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يتَبَيَّن أَن الْعلَّة غير قَاصِرَة، وَالْكَلَام فِي القاصرة، فَلذَلِك لم يتَعَرَّض لَهما.
قَوْله: [النَّقْض وجود الْعلَّة بِلَا حكم، وَسَماهُ الْحَنَفِيَّة: تَخْصِيص الْعلَّة، فَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخطاب، وَأكْثر الْحَنَفِيَّة، والمالكية، وَحكي عَن أَكثر أَصْحَابنَا: لَا قدح مُطلقًا، وَيكون حجَّة فِي غير مَا خص. وَالشَّافِعِيّ، وَأكْثر أَصْحَابه، وَابْن حَامِد، والخرزي، وَالْقَاضِي، والماتريدي: يقْدَح مُطلقًا. والموفق: فِي مستنبطة فَقَط إِلَّا لمَانع أَو فَوَات شَرط، وَقوم عَكسه، وَابْن الْحَاجِب: فِي منصوصة إِلَّا بِظَاهِر عَام، وَفِي مستنبطه إِلَّا إِن تخلف لمَانع أَو انْتِفَاء شَرط، وَالْفَخْر: إِلَّا فِي منصوصة أَو مَا اسْتثْنِي / من الْقَوَاعِد، كالمصراة، والعاقلة والرازي: إِلَّا أَن يرد على سَبِيل الِاسْتِثْنَاء، والبيضاوي والهندي: إِلَّا لمَانع أَو فقد شَرط وَبَعض الْمُعْتَزلَة: فِي عِلّة حظر، والآمدي: إِلَّا لمَانع أَو فقد شَرط، أَو فِي معرض الِاسْتِثْنَاء، أَو فِي منصوصة لَا تقبل التَّأْوِيل] .
قد يعد من شُرُوط الْعلَّة أَن تكون مطردَة، أَي: كلما وجدت وجد الحكم، وَعدم الاطراد يُسمى نقضا.
وَهُوَ: أَن يُوجد الْوَصْف الَّذِي يدعى أَنه عِلّة فِي مَحل [مَا، مَعَ] عدم الحكم وتخلف عَنْهَا.
وَاعْلَم أَن النَّقْض وَالْكَلَام فِيهِ من مشكلات علم الْأُصُول والجدل، فلنقتصر على مَا يتَبَيَّن بِهِ الْمَقْصُود.
وَهُوَ أَن الْوَصْف الْمُدعى عِلّة يُوجد فِي بعض الصُّور ويتخلف عَنهُ الحكم، فَهَل يكون ذَلِك قادحا فِي عليته أَو لَا؟
مِثَاله: أَن يُقَال فِي تَعْلِيل وجوب تبييت النِّيَّة فِي الصَّوْم الْوَاجِب: صَوْم عري أَوله عَن النِّيَّة فَلَا يَصح كَالصَّلَاةِ، فتنتقص الْعلَّة وَهِي: العري، فِي
أَوله بِصَوْم التَّطَوُّع، فَإِنَّهُ يَصح من غير تبييت.
ثمَّ تخلف الحكم عَن الْوَصْف، إِمَّا فِي وصف ثبتَتْ عليته بِنَصّ قَطْعِيّ، أَو ظَنِّي، أَو باستنباط، والتخلف إِمَّا لمَانع، أَو فقد شَرط، أَو غَيرهمَا، فَهِيَ تِسْعَة من ضرب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي بَقَاء الْعلَّة حجَّة بعد النَّقْض، فلأحمد رِوَايَتَانِ، وللقاضي أبي يعلى قَولَانِ، وَفِي الْمَسْأَلَة عشرَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن النَّقْض لَا يقْدَح ملطقا، بل يكون حجَّة فِي غير مَا خص كالعام إِذا خص بِهِ، وَهَذَا قَول القَاضِي، وَأبي الْخطاب، وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن أَكثر أَصْحَابنَا.
قَالَ القَاضِي: وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَكثر الْحَنَفِيَّة، والمالكية، وشهرته عَن الْحَنَفِيَّة أَكثر، غير أَنهم مَا سمحوا بتسميته نقضا، وسموه بتخصيص الْعلَّة. لَكِن قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: إِنَّه قَول الْعِرَاقِيّين مِنْهُم. وَقَالَ أَبُو زيد: إِنَّه مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يقْدَح، اخْتَارَهُ / من أَصْحَابنَا: ابْن حَامِد، وَأَبُو الْحسن الخرزي، وَالْقَاضِي أَبُو يعلى أَيْضا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي،
وَأَصْحَابه إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم، وَهُوَ قَول كثير من الْمُتَكَلِّمين، وَاخْتَارَهُ من الْحَنَفِيَّة الماتريدي.
وَقَالَ: تَخْصِيص الْعلَّة بَاطِل، قَالَ: وَمن قَالَ بتخصيصها فقد وصف اللَّهِ - تَعَالَى - بالسفه والعبث، فَأَي فَائِدَة فِي وجود الْعلَّة وَلَا حكم.
وَنَقله أَبُو زيد عَن الخراسانيين.