المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ إنها من الطوافين "، أو مجمعا على جواز القياس عليه - التحبير شرح التحرير - جـ ٧

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌قَوْله: {بَاب الْقيَاس}

- ‌ قَالَ: " من مَاتَ يُشْرك بِهِ شَيْئا دخل النَّار، وَقلت أَنا: وَمن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة ".وَفِي بعض أصُول مُسلم رُوِيَ عَن النَّبِي

- ‌قَوْله: {فصل} {شَرط حكم الأَصْل كَونه إِن استلحق شَرْعِيًّا} .وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْقَصْد من الْقيَاس الشَّرْعِيّ.قَالَ فِي " الرَّوْضَة ": (والعقلي ومسائل الْأُصُول قَطْعِيَّة لَا تثبت بظني، وَكَذَا لَا يثبت بِهِ أصل الْقيَاس، وأصل خبر الْوَاحِد) انْتهى.قَالَ الْجُمْهُور: من شَرط

- ‌ لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا يدا بيد سَوَاء بِسَوَاء

- ‌ إِنَّهَا من الطوافين "، أَو مجمعا على جَوَاز الْقيَاس عَلَيْهِ

- ‌ إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فليتحالفا وليترادا)

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ دون غَيره، فَلَا يُعلل بِهِ.مِثَاله: الشّرف والخسة فِي [الْكَفَاءَة] وَعدمهَا، فَإِن الشّرف يُنَاسب التَّعْظِيم وَالْإِكْرَام، والخسة تناسب ضد ذَلِك فيعلل بِهِ بِالشّرطِ الْمُتَقَدّم. وَتَكون الْعلَّة أَيْضا وَصفا لغويا، مِثَاله: تَعْلِيل تَحْرِيم النَّبِيذ لِأَنَّهُ يُسمى خمرًا فَحرم كعصير

- ‌ إِنَّمَا ذَلِك عرق "، مَعَ

- ‌(قَوْله [فصل] )

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ بعد مَا أمره بالاستنجاء بِثَلَاثَة أَحْجَار: " وَلَا يستنجي برجيع وَلَا عظم "، فَدلَّ على أَنه أَرَادَ أَولا الْأَحْجَار وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَإِلَّا لم يكن فِي النَّهْي عَن الرجيع والعظم فَائِدَة. وَأما إِذا عَادَتْ عَلَيْهِ بالتخصيص فللعلماء فِيهِ قَولَانِ.قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَإِن عَادَتْ

- ‌ لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان " أَن الْعلَّة تشويش الْفِكر، فيتعدى إِلَى كل مشوش من شدَّة فَرح وَنَحْوه.الْعجب من قَول القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ: أَجمعُوا على أَنه لَيْسَ لنا عِلّة تعود على أَصْلهَا بالتعميم إِلَّا هَذَا الْمِثَال، وَذَلِكَ جَائِز بِالْإِجْمَاع.فقد وجد من ذَلِك

- ‌ أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ".وَمِثَال مُخَالفَة الْإِجْمَاع: أَن يُقَال: مُسَافر فَلَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة فِي السّفر، قِيَاسا على صَوْمه فِي عدم الْوُجُوب فِي السّفر بِجَامِع الْمَشَقَّة.فَيُقَال: هَذِه الْعلَّة مُخَالفَة، الْإِجْمَاع على عدم اعْتِبَارهَا فِي

- ‌[قَوْله] : (فصل))

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ مِنْهَا مَا هُوَ مُقَارن لنبوته، وَمِنْهَا مَا هُوَ بعد ذَلِك.وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِنَّمَا يشْتَرط هَذَا إِذا كَانَ طَرِيق حكم الْفَرْع مُتَعَيّنا فِي استناده للْأَصْل.وَقَالَ ابْن الْحَاجِب تبعا للآمدي: لَا يمْتَنع أَن يكون إلزاما للخصم.قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَلَا يخفى مَا فِي

- ‌(قَوْله: [مسالك الْعلَّة] )

- ‌ إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل الْبَصَر " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَقَوله

- ‌ لما ألْقى الروثة: " إِنَّهَا رِجْس "، وَقَوله

- ‌ فِي الشُّهَدَاء: " زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُم يبعثون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا ".فَهَذَا كُله صَرِيح فِي التَّعْلِيل عِنْد القَاضِي، وَأبي الْخطاب، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهم، خُصُوصا فِيمَا لحقته الْفَاء كَمَا تقدم.فَإِنَّهُ يبْعَث ويبعثون، فَإِنَّهَا

- ‌ فَسجدَ " كَقَوْل عمرَان بن حُصَيْن: " سَهَا رَسُول اللَّهِ

- ‌ بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا، يعْمل بِهِ حملا على الرّفْع لَا على الِاجْتِهَاد. إِذا علم ذَلِك: فَإِذا رتب الشَّارِع حكما عقب اوصف بالفاءء كَمَا تقدم من الْأَمْثِلَة إِذْ الْفَاء للتعقيب، فتفيد تعقيب الحكم الْوَصْف وَأَنه سَببه، إِذْ السَّبَب مَا ثَبت الحكم عقبه، وَلِهَذَا تفهم السببيه مَعَ عدم

- ‌ من اتخذ كَلْبا إِلَّا كلب مَاشِيَة أَو صيد نقص من أجره

- ‌ لما سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ " أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم، فَنهى عَنهُ ".وَالثَّانِي: كَقَوْلِه

- ‌ وَقد سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ: " أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: فَلَا إِذا "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالْحَاكِم.فَلَو لم يكن تَقْدِير نُقْصَان الرطب بالجفاف لأجل التَّعْلِيل لَكَانَ تَقْدِيره بَعيدا؛ إِذْ لَا فَائِدَة

- ‌ أَرْكَان الْقيَاس كلهَا.وَنَحْو ذَلِك فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول اللَّهِ

- ‌ إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: حجي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته، قَالَت: نعم، قَالَ: اقضوا اللَّهِ فَالله أَحَق بِالْوَفَاءِ " مُتَّفق عَلَيْهِ، وتابعناه فِي التَّمْثِيل بذلك، وَالْكل صَحِيح وَفِي الصَّحِيح.وَذكر أَبُو الْخطاب

- ‌ توهمه بالمضمضة؛ لِأَن ذَلِك تَعْلِيل لمنع الْإِفْسَاد.قَوْله: [وَمِنْهَا أَن يفرق

- ‌ للراجل سهم وللفارس سَهْمَان

- ‌ إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد

- ‌ لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان رَوَاهُ الشَّافِعِي بِلَفْظ: " لَا يحكم الْحَاكِم أَو لَا يقْضِي بَين اثْنَيْنِ "، وَرَوَاهُ أَصْحَاب الْكتب بِلَفْظ: " لَا يقضين حَاكم بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ".فالآية إِنَّمَا سيقت لبَيَان أَحْكَام الْجُمُعَة لَا لبَيَان أَحْكَام البيع، فَلَو لم يُعلل النَّهْي عَن البيع

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ ".وَقَالَ النَّبِي

- ‌ يَا أنس كتاب اللَّهِ الْقصاص

- ‌ كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يرتع فِيهِ "، ثمَّ قَالَ: " أَلا وَإِن حمى اللَّهِ مَحَارمه

- ‌ بعثوا لتَحْصِيل / مصَالح الْعباد، فَيعلم ذَلِك بالاستقراء، فمهما وجدنَا مصلحَة غلب على الظَّن أَنَّهَا مَطْلُوبَة للشَّرْع، فنعتبرها؛ لِأَن الظَّن منَاط الْعَمَل.وَقَالَ الْقَرَافِيّ: الْمصَالح بِالْإِضَافَة إِلَى شَهَادَة الشَّرْع لَهَا بِالِاعْتِبَارِ ثَلَاثَة أَقسَام:مَا شهد الشَّرْع

- ‌[فصل] )

- ‌(قَوْله: [فصل] )

- ‌(قَوْله: (فصل))

- ‌(قَوْله: (فصل))

- ‌(قَوْله: (فَوَائِد))

- ‌ إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم "، فَيعْتَبر الْأَمر فِي كل طائف

- ‌ من أعتق شركا لَهُ فِي عبد، وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ قيمَة عدل…... الحَدِيث ".، فَإنَّا نقطع بِعَدَمِ اعْتِبَار الشَّارِع الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة فِيهِ.وَمثل قَوْله

- ‌(قَوْله (فصل))

- ‌ إِذا اجْتهد

- ‌ عهد إِلَيْنَا فِيهِنَّ عهدا ننتهي إِلَيْهِ: الْجد، والكلالة، وأبواب من أَبْوَاب الرِّبَا ".وَصَحَّ عَن [ابْن] عمر: " أجرؤكم على الْجد أجرؤكم على جَهَنَّم "، وَصَحَّ عَن ابْن الْمسيب، عَن عمر وَعلي، وَرَوَاهُ سعيد فِي " سنَنه

- ‌ بَيَان على وَفقه مَعَ عُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي زَمَانه وَعُمُوم الْحَاجة إِلَى خِلَافه، هَل يعْمل بذلك الْقيَاس؟ فِيهِ خلاف وَذكر لَهُ صورا:مِنْهَا: ضَمَان الدَّرك وَهُوَ مِثَال للشق الثَّانِي من الْمَسْأَلَة.وَمِنْهَا وَهُوَ مِثَال الأول: صَلَاة الْإِنْسَان على من مَاتَ من الْمُسلمين فِي مَشَارِق

- ‌ للَّذي أَرَادَ الانتفاء من وَلَده لمُخَالفَة لَونه: " لَعَلَّه نَزعه عرق " وَهَذَا قِيَاس لجَوَاز مُخَالفَة الْوَلَد للوالد فِي

- ‌(قَوْله (فصل))

- ‌(قَوْله: (فصل القوادح)

- ‌ رخص فِي السّلم ".أما مُخَالفَة الْإِجْمَاع فكقول حَنَفِيّ: لَا يجوز للرجل أَن يغسل امْرَأَته؛ لِأَنَّهُ يحرم النّظر إِلَيْهَا كالأجنبية.فَيُقَال: هَذَا فَاسد الِاعْتِبَار لمُخَالفَة الْإِجْمَاع السكوتي، وَهُوَ أَن عليا غسل فَاطِمَة

- ‌ فَدلَّ على أَن رُتْبَة الْقيَاس بعد النَّص. وَلِأَن الظَّن الْمُسْتَفَاد من النَّص أقوى من الظَّن الْمُسْتَفَاد من الْقيَاس

- ‌ بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن

- ‌ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل المبدلين، لَكِن نحتج بِهِ على أهل الْكتاب لتصديقهم بِهِ. انْتهى.قَوْله: (وَإِن نقض أَحدهمَا عِلّة الآخر بِأَصْل نَفسه لم يجز عِنْد أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَقيل: بلَى، وَقَالَ الشَّيْخ: هُوَ كقياسه على أصل نَفسه) .لَو نقض الْمُعْتَرض أَو الْمُسْتَدلّ عِلّة

- ‌ فِي الْأَصَح، وَلَا بِرُخْصَة ثَابِتَة على خلاف مُقْتَضى الْقيَاس، وَلَا بموضوع اسْتِحْسَان عِنْد أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَعند الشَّيْخ: تنْتَقض المستنبطة إِن لم يبين مَانِعا) .قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَفِي قبُول النَّقْض بالمنسوخ وبخاص بِالنَّبِيِّ

- ‌ وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونا.وَمِنْهَا: الْمُطَالبَة بِكَوْن وصف الْمعَارض مؤثرا.يُقَال: وَلم قلت: إِن الْكَيْل مُؤثر وَهَذَا إِنَّمَا يسمع من الْمُسْتَدلّ إِذا كَانَ مثبتا للعلية بالمناسبة أَو الشّبَه، حَتَّى يحْتَاج الْمعَارض فِي معارضته إِلَى بَيَان مُنَاسبَة أَو شبه، بِخِلَاف مَا إِذا أثْبته

- ‌ الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ

- ‌ بِلَا كَيفَ وَلَا شرح، وَلَا يُقَال:

الفصل: ‌ إنها من الطوافين "، أو مجمعا على جواز القياس عليه

الْحَنَفِيَّة، وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق الْمَالِكِي، لِأَن الظَّن الْخَاص أرجح، وَلِهَذَا قدم أَصله.

وَمنع ذَلِك أَكثر الْحَنَفِيَّة، والمالكية، والمتكلمين، إِلَّا أَن يكون مُعَللا لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "‌

‌ إِنَّهَا من الطوافين "، أَو مجمعا على جَوَاز الْقيَاس عَلَيْهِ

ص: 3151

كالتحالف فِي الْإِجَارَة كَالْبيع ".

قَالَ مُحَمَّد بن شُجَاع من الْحَنَفِيَّة: إِن ثَبت الْمُسْتَثْنى بِدَلِيل قَطْعِيّ جَازَ الْقيَاس عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.

والكرخي إِن كَانَت عِلّة الْمُسْتَثْنى منصوصة أَو مجمعا عَلَيْهَا أَو مُوَافقَة لبَعض الْأُصُول جَازَ الْقيَاس وَإِلَّا فَلَا.

والرازي: يطْلب الرتجيح بَينه وَبَين غَيره.

" وَلنَا وَجه كأكثر الْحَنَفِيَّة، ذكره أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " قَالَ: وَلِهَذَا لَا نقيس على لحم الْإِبِل فِي نقض الْوضُوء وَغير ذَلِك من أصولنا.

قَالَ ابْن فلح: كَذَا قَالَ.

ص: 3152

وَفِيه نظر، لعدم فهم الْمَعْنى أَو مساواته، وَلِهَذَا نقيس فِي الْأَشْهر لنا: الْعِنَب على الْعَرَايَا، وَقد قَاس الْحَنَفِيَّة الْمُقدر كالموضحة على

ص: 3153

دِيَة النَّفس فِي حمل الْعَاقِلَة ".

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: لنا أَن الِاعْتِبَار لوُجُود الْقيَاس بِشُرُوطِهِ وَكَونه مَخْصُوصًا لَا يمْنَع إِلْحَاق مَا فِي مَعْنَاهُ بِهِ.

قَالُوا: لَا نَظِير.

قُلْنَا: لَا يَخْلُو من نَظِير.

وَقَالَ فِي " الرَّوْضَة ": المستثى عَن قَاعِدَة الْقيَاس يُقَاس عَلَيْهِ إِذا وجدت فِيهِ الْعلَّة، كقياس الْعِنَب على الرطب فِي الْعَرَايَا للْحَاجة، لِأَنَّهُ فِي / مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ إِيجَاب صَاع من تمر فِي لبن الْمُصراة، مُسْتَثْنى عَن قَاعِدَة الضَّمَان بِالْمثلِ، فنقيس على مَا لَو رد الْمُصراة بِعَيْب آخر، وكقياس بَقِيَّة الْمُحرمَات على أكل الْميتَة للضَّرُورَة.

وَأما [الثَّانِي] : فتجويز أَحْمد شِرَاء أَرض السوَاد لَا بيعهَا، قَالَ:

ص: 3154

اسْتِحْسَان، وَاحْتج بتجويز الصَّحَابَة شِرَاء الْمَصَاحِف لَا بيعهَا.

وَذكر القَاضِي فِي أثْنَاء الْمَسْأَلَة: لَا يُقَاس على غَيره فِي إِسْقَاط حكم النَّص، وَيُقَاس عَلَيْهِ غَيره.

ص: 3155

قَوْله: {وَكَونه غير فرع فِي ظَاهر كَلَام أَحْمد، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة، وَأكْثر الشَّافِعِيَّة.

وَاخْتَارَهُ القَاضِي، وَقَالَ يجوز أَن تستنبط من الْفَرْع الْمُتَوَسّط عِلّة لَيست فِي الأَصْل وَيُقَاس عَلَيْهِ.

وَقَالَ - أَيْضا -: " يجوز كَون الشَّيْء أصلا لغيره فِي حكم وفرعاً لغيره فِي حكم آخر ".

ص: 3156

وَجوزهُ الْفَخر، وَأَبُو الْخطاب، وَمنعه أَيْضا.

وَقَالَ - ايضاً - هُوَ، وَابْن عقيل، والبصري، وَبَعض الشَّافِعِيَّة: يُقَاس عَلَيْهِ بِغَيْر الْعلَّة الَّتِي يثبت بهَا، وَحكي عَن أَصْحَابنَا.

وَمنعه الْمُوفق، وَالْمجد، والطوفي، وَغَيرهم مُطلقًا إِلَّا بِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ، وَالشَّيْخ فِي قِيَاس الْعلَّة فَقَط} .

ص: 3157

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": (وَمِنْه كَونه غير فرع، اخْتَارَهُ القَاضِي فِي مُقَدّمَة " الْمُجَرّد "، وَقَالَ: هُوَ ظَاهر قَول أَحْمد، وَقيل لَهُ: يقيس الرجل بِالرَّأْيِ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ أَن يسمع الحَدِيث فيقيس عَلَيْهِ.

ثمَّ ذكر أَنه يجوز أَن يستنبط من الْفَرْع الْمُتَوَسّط عِلّة لَيست فِي الأَصْل وَيُقَاس عَلَيْهِ.

وَذكر - أَيْضا - فِي مَسْأَلَة الْقيَاس جَوَاز كَون الشَّيْء أصلا لغيره فِي حكم، وفرعاً لغيره فِي حكم آخر، لَا فِي حكم وَاحِد.

وَجوزهُ القَاضِي - أَيْضا -، وَأَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَا يخل بنظم الْقيَاس وَحَقِيقَته.

ص: 3158

وَكَذَا أَبُو الْخطاب، وَمنعه أَيْضا، وَقَالَ فِي سُؤال الْمُعَارضَة: يُقَاس عَلَيْهِ بِغَيْر الْعلَّة الَّتِي ثَبت بهَا وَإِلَّا كَانَ بَاطِلا.

وَقَالَهُ ابْن عقيل وَقَالَ: [على] أصلنَا، وَأَنه قَول أبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَأحد وَجْهي الشَّافِعِيَّة. كأصل ثَبت بِنَصّ لصِحَّة تَعْلِيله بعلتين، وَلِأَنَّهُ لَا مزية لأَحَدهمَا كمنصوص على مثله.

وَاخْتَارَ فِي " الرَّوْضَة ": مَنعه مُطلقًا إِلَّا بِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَن أَكثر الجدليين.

ص: 3159

وَقَالَ أَيْضا: إِن كَانَ قِيَاس عِلّة لم يجز، وَإِلَّا جَازَ.

وَالْمَنْع قَالَه الْكَرْخِي، والآمدي، وَذكره / عَن أَكثر أَصْحَابهم. وَالْجَوَاز قَالَه الرَّازِيّ، والجرجاني، وَأَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ.

وَقَالَ ابْن برهَان: يجوز عندنَا خلافًا للحنفية، والصيرفي من أَصْحَابنَا، قَالَ: وحرف الْمَسْأَلَة تَعْلِيل الحكم بعلتين) انْتهى كَلَام ابْن مُفْلِح.

لَكِن قَالَ الْبرمَاوِيّ: (الْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب الْمَنْع مُطلقًا، وَهُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي " الْأُم ") انْتهى.

ص: 3160

وَقَالَ التَّاج السُّبْكِيّ فِي " شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ": أطلق الأصوليون هَذَا الشَّرْط وَهُوَ مَخْصُوص عِنْدِي بِمَا إِذا لم يظْهر للوسط فَائِدَة، كقياس السفرجل على التفاح، والتفاح على الْبر، أما إِذا ظَهرت لَهُ فَائِدَة فَلَا يمْتَنع عِنْدِي أَن يُقَاس فرع على فرع، إِذا كَانَ حكم الْفَرْع الْمَقِيس عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ وسط أظهر وَأولى، بِحَيْثُ إِنَّه لَو قيس الْفَرْع الأول الَّذِي هُوَ فرع الْفَرْع على الأَصْل [لاستنكر] فِي بادئ الرَّأْي جدا. بِخِلَاف مَا إِذا جعل مندرجاً.

مِثَاله: التفاح رِبَوِيّ قِيَاسا على الزَّبِيب، وَالزَّبِيب رِبَوِيّ قِيَاسا على التَّمْر وَالتَّمْر رِبَوِيّ قِيَاسا على الْأرز، والأرز رِبَوِيّ قِيَاسا على الْبر، إِذا كَانَ الْجَامِع فِي قِيَاس التفاح على الزَّبِيب الطّعْم، وَفِي قِيَاس الزَّبِيب على التَّمْر الطّعْم مَعَ الْكَيْل، والتمرعلى الْأرز الطّعْم والكيل والقوت الْغَالِب. إِذْ لَو قيس ابْتِدَاء التفاح على الْبر لم يسلم من مَانع يمْنَع عِلّة الطّعْم وَحده.

وَكَذَا فِي الأقيسة الَّتِي بعده ليتخلص بِمَا يُزَاد فِيهَا من مَانع يمْنَع اسْتِقْلَال ذَلِك بِالْعِلَّةِ بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة. انْتهى.

وَجه الْمَنْع فِي أصل الْمَسْأَلَة: إِن اتّحدت الْعلَّة فالوسط لَغْو، كَقَوْل الشَّافِعِي: السفرجل مطعوم فَيكون ربوياً كالتفاح ثمَّ نقيس التفاح على الْبر.

ص: 3161

وَإِن لم تتحد فسد الْقيَاس، لِأَن الْجَامِع بَين الْفَرْع الْأَخير والمتوسط لم يثبت اعْتِبَاره، لثُبُوت الحكم فِي الأَصْل الأول بِدُونِهِ، وَالْجَامِع بَين الْمُتَوَسّط وَأَصله / لَيْسَ فِي فَرعه، كَقَوْلِه الشَّافِعِي: الجذام عيب يفْسخ بِهِ البيع فَكَذَا النِّكَاح كالرتق، ثمَّ يقيس الرتق على الْجب بِفَوَات الِاسْتِمْتَاع.

وَهَذَا الْمِثَال مثل بِهِ ابْن مُفْلِح تبعا لِابْنِ الْحَاجِب.

لَكِن قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ: هُوَ على سَبِيل ضرب الْمِثَال، وَإِلَّا فَرد الْمَجْبُوب عندنَا إِنَّمَا هُوَ لنُقْصَان عين الْمَبِيع نقصا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح، لَا لفَوَات الِاسْتِمْتَاع، وَأما إِثْبَات الْفَسْخ بالجب فِي النِّكَاح فلفوات الِاسْتِمْتَاع، فالعلتان متغايرتان على كل حَال.

ص: 3162

وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَجه كَلَام ابْن الْحَاجِب.

قَوْله: {فَإِن كَانَ فرعا يُخَالِفهُ الْمُسْتَدلّ، كَقَوْل حَنَفِيّ فِي صَوْم رَمَضَان بنية نفل: أَتَى بِمَا أَمر بِهِ فصح كحج ففاسد} .

مَا ذكرنَا قبل ذَلِك كَانَ فرعا يُوَافقهُ الْمُسْتَدلّ وَيُخَالِفهُ الْمُعْتَرض. وَأما إِذا كَانَ فرعا يُخَالِفهُ الْمُسْتَدلّ وَيُوَافِقهُ الْمُعْتَرض.

فمثاله: قَول الْحَنَفِيّ فِي الصَّوْم بنية النَّفْل: أَتَى بِمَا أَمر بِهِ فَيصح كفريضة الْحَج، وَهُوَ لَا يَقُول بِصِحَّة فَرِيضَة الْحَج بنية النَّفْل بل خَصمه هُوَ الْقَائِل بِهِ.

فَهَذَا قِيَاس فَاسد، لِأَنَّهُ اعْترف ضمنا بخطئه فِي الأَصْل وَهُوَ إِثْبَات الصِّحَّة فِي فَرِيضَة الْحَج، وَالِاعْتِرَاف بِبُطْلَان إِحْدَى مُقَدمَات دَلِيله اعْتِرَاف بِبُطْلَان دَلِيله، وَلَا يسمع من الْمُدَّعِي مَا هُوَ معترف بِبُطْلَانِهِ وَلَا يُمكن من دَعْوَاهُ.

ص: 3163

مِثَال آخر: أَن يَقُول حنبلي فِي قتل الْمُسلم بالذمي: تمكنت الشُّبْهَة، فَلَا يُوجب الْقصاص، كالمثقل، فَإِنَّهُ فرع يُخَالِفهُ الْمُسْتَدلّ، وَهُوَ على مَذْهَب الْمُعْتَرض وَفرع من فروعه، فَلَا يُمكن الْمُسْتَدلّ من تَقْرِير مذْهبه بِهِ مَعَ اعترافه بِبُطْلَانِهِ.

فَإِن قيل: فَذَلِك يصلح إلزاماً للخصم، إِذْ لَو لزمَه لزم الْمَقْصُود، وَإِلَّا كَانَ مناقضاً فِي مذْهبه [لعمله] بِالْعِلَّةِ فِي مَوضِع دون مَوضِع.

فَالْجَوَاب: أَن الْإِلْزَام مندفع بِوَجْهَيْنِ:

أَحدهمَا: أَن يَقُول: الْعلَّة فِي الأَصْل عِنْدِي غير ذَلِك وَلَا يجب ذكري لَهَا.

وَثَانِيهمَا: بِأَن يَقُول: يلْزم مِنْهُ خطؤك فِي الأَصْل أَو فِي الْفَرْع، وَلَا يلْزم مِنْهُ الْخَطَأ فِي الْفَرْع معينا وَهُوَ مطلوبك، وَرُبمَا اعْترف بخطئه فِي الأَصْل وَلَا يضر من / ذَلِك فِي الْفَرْع. قَالَ القَاضِي عضد الدّين وَغَيره قَوْله: {وَكَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ بَين الْخَصْمَيْنِ.

قَالَ الْآمِدِيّ: مَعَ اخْتِلَاف الْأمة، وَقيل: بَين الْأمة، وَسموا مَا اتّفق عَلَيْهِ قِيَاسا مركبا} .

ص: 3164

وَمن شُرُوط حكم الأَصْل - أَيْضا - توَافق الْخَصْمَيْنِ على حكم الأَصْل، فَإِن كَانَ أَحدهمَا يمنعهُ فَلَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ.

وَإِنَّمَا شَرط ذَلِك لِئَلَّا يحْتَاج القائس عِنْد الْمَنْع إِلَى إثْبَاته، فَيكون انتقالاً من مَسْأَلَة إِلَى أُخْرَى.

وَلَا يشْتَرط اتِّفَاق الْأمة، بل يَكْفِي اتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ لحُصُول الْمَقْصُود بذلك، هَذَا الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور.

وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه يشْتَرط اتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ وَاخْتِلَاف الْأمة، حَتَّى لَا يكون مجمعا عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَار الْآمِدِيّ.

وَالْقَوْل الثَّالِث: يشْتَرط اتِّفَاق الْأمة على ذَلِك مَعَ الْخَصْمَيْنِ، فَمنع قوم الْقيَاس على مُخْتَلف فِيهِ لنقل الْكَلَام إِلَى التسلسل.

وَضعف الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة " وَغَيره هَذَا القَوْل لندرة الْمجمع عَلَيْهِ، أَو

ص: 3165

بِأَن كلا مِنْهُمَا مقلد، فَلَيْسَ لَهُ منع حكم ثَبت مذهبا لإمامه، لِأَنَّهُ لَا يعلم مأخذه، ثمَّ لَا يلْزم من عَجزه عَجزه، ثمَّ لَا يتَمَكَّن أَحدهمَا من إِلْزَام مَا لم يجمع عَلَيْهِ.

وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيّ: " الْمُخْتَار - بعد إبِْطَال مُعَارضَة الْخصم فِي الأول وَتَحْقِيق وجود مَا يَدعِيهِ فِي الأَصْل فِي الثَّانِي - أَن الْمُقَلّد لَيْسَ لَهُ الْمَنْع وتخطئه إِمَامه " انْتهى.

قَوْله: {وَسموا مَا اتّفق عَلَيْهِ قِيَاسا مركبا} .

فَإِن كَانَ لعلتين مُخْتَلفين فمركب الأَصْل: العَبْد فَلَا يقتل بِهِ حر كَالْمكَاتبِ.

فَيَقُول الْحَنَفِيّ: الْعلَّة جَهَالَة الْمُسْتَحق من السَّيِّد وَالْوَرَثَة، فَإِن صحت بَطل قياسكم، وَإِن بَطل منعت حكم الأَصْل.

وَلَعَلَّه يمْنَع وجودهَا فِي الأَصْل فمركب الْوَصْف، كتعليق طَلَاق، فَلَا يَصح قبل النِّكَاح، كفلانة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق، فَيَقُول الْحَنَفِيّ: الْعلَّة

ص: 3166

تَعْلِيق وَفِي الأَصْل تَنْجِيز، فَإِن صَحَّ هَذَا بَطل قياسكم، وَإِن بطلت منعت حكم الأَصْل.

سمى بَعضهم مَا كَانَ مُتَّفقا بَين خصمين فَقَط قِيَاسا مركبا.

وَالصَّحِيح: أَن / الْقيَاس الْمركب إِنَّمَا هُوَ بِقَيْد أَن يتَّفق الخصمان، لَكِن لعلتين مختلفتين، أَو لعِلَّة يمْنَع الْخصم وجودهَا فِي الأَصْل، كَمَا قَالَه الْآمِدِيّ، وَغَيره.

فيكتفي الْمُسْتَدلّ بموافقة خَصمه فِي الأَصْل مَعَ مَنعه عِلّة الأَصْل، وَمنعه وجودهَا فِي الأَصْل.

فَالْأول [مركب الأَصْل] سمي بذلك لاختلافهما فِي تركيب الحكم، فالمستدل يركب الْعلَّة على الحكم، والخصم بِخِلَافِهِ.

قَالَ القَاضِي عضد الدّين: " وَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا سمي مركبا لإثباتهما الحكم كل بِقِيَاس فقد اجْتمع قياسهما.

ثمَّ إِن الأول اتفقَا فِيهِ على الحكم، وَهُوَ الأَصْل بالاصطلاح دون الْوَصْف، الَّذِي يُعلل بِهِ الْمُسْتَدلّ، فَسُمي مركب الأَصْل.

وَالثَّانِي: اتفقَا فِيهِ على الْوَصْف الَّذِي يُعلل بِهِ الْمُسْتَدلّ فَسُمي مركب الْوَصْف تمييزاً لَهُ عَن صَاحبه بِأَدْنَى مُنَاسبَة ".

ص: 3167

قَالَ ابْن مُفْلِح: " قيل: سمي مركبا لاختلافهما فِي علته، وَقيل: فِي تركيب الحكم عَلَيْهَا فِي الأَصْل، فَعِنْدَ الْمُسْتَدلّ هِيَ فرع لَهُ، والمعترض بِالْعَكْسِ، وَسمي مركب الأَصْل للنَّظَر فِي عِلّة حكمه " انْتهى. قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: " فَإِن كَانَ الْخصم يُوَافق على الْعلَّة وَلَكِن يمْنَع وجودهَا فِي الأَصْل الْوَصْف، فَسُمي بذلك لاختلافهما فِي نفس الْوَصْف الْجَامِع.

مِثَال الأول وَهُوَ مركب الأَصْل: قَول الْحَنْبَلِيّ فِيمَا إِذا قتل الْحر عبدا الْمَقْتُول عبد، فَلَا يقتل بِهِ الْحر، كَالْمكَاتبِ، إِذا قتل وَترك وَفَاء ووارثاً مَعَ الْمولى.

فَإِن أَبَا حنيفَة يَقُول هُنَا: إِنَّه لَا قصاص، فَيلْحق العَبْد بِهِ هُنَا بِجَامِع الرّقّ، فَلَا يحْتَاج الْحَنْبَلِيّ فِيهِ إِلَى إِقَامَة دَلِيل على عدم الْقصاص فِي هَذِه الصُّورَة لموافقة خَصمه.

فَيَقُول الْحَنَفِيّ فِي منع ذَلِك: إِن الْعلَّة إِنَّمَا هِيَ جَهَالَة الْمُسْتَحق من السَّيِّد وَالْوَرَثَة لَا الرّقّ، لِأَن السَّيِّد وَالْوَارِث وَإِن إجتمعا على طلب الْقصاص، لَا يَزُول الِاشْتِبَاه، لاخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي مكَاتب يَمُوت عَن وَفَاء:

قَالَ بَعضهم /: يَمُوت عبدا، وَتبطل الْكِتَابَة.

ص: 3168

وَقَالَ بَعضهم: تُؤَدّى [الْكِتَابَة] من أكسابه، وَيحكم بِعِتْقِهِ فِي آخر جُزْء من حَيَاته.

فقد اشْتبهَ الْوَلِيّ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف فَامْتنعَ الْقصاص. فَإِن اعْترض عَلَيْهِم: بأنكم لَا بُد أَن تحكموا فِي هَذِه الْحَالة بِأحد هذَيْن الْقَوْلَيْنِ إِمَّا بِمَوْتِهِ عبدا أَو حرا، وأيا مَا كَانَ فالمستحق مَعْلُوم.

فَيَقُول الْحَنَفِيّ: نَحن نحكم بِمَوْتِهِ حرا، بِمَعْنى أَنه يُورث، لَا بِمَعْنى وجوب الْقصاص على قَاتله الْحر، لِأَن حكمنَا بِمَوْتِهِ حرا ظَنِّي، لاخْتِلَاف الصَّحَابَة، وَالْقصاص يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ، فَهَذِهِ جَهَالَة تصلح لدرء الْقصاص، وَلَا يمْتَنع علمنَا بمستحق الْإِرْث ".

ص: 3169

وَمِثَال آخر: قِيَاس حلي الْبَالِغَة على حلي الصبية، فِي أَنه لَا زَكَاة فِيهِ، فَإِن ذَلِك مُتَّفق عَلَيْهِ فِي حلي الصبية لَكِن بعلتين مُخْتَلفين، فَعِنْدَ الْحَنَابِلَة وَالشَّافِعِيَّة لكَونه حليا مُبَاحا، وَعند الْحَنَفِيَّة لكَونه مَال صبية.

وَمِثَال الثَّانِي: وَهُوَ مركب الْوَصْف: أَن يُقَال فِي مَسْأَلَة تَعْلِيق الطَّلَاق قبل النِّكَاح: تَعْلِيق للطَّلَاق فَلَا يَصح، كَمَا لَو قَالَ: زَيْنَب الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق.

فَيَقُول الْحَنَفِيّ: الْعلَّة الَّتِي هِيَ كَونه تَعْلِيقا مفقودة فِي الأَصْل، فَإِن قَوْله: زَيْنَب الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق، تَنْجِيز لَا تَعْلِيق، فَإِن صَحَّ هَذَا بَطل إِلْحَاق التَّعْلِيق بِهِ لعدم الْجَامِع، وَإِلَّا منع حكم الأَصْل، وَهُوَ عدم الْوُقُوع فِي قَوْله: زَيْنَب الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق، لِأَنِّي إِنَّمَا منعت الْوُقُوع، لِأَنَّهُ تَنْجِيز، فَلَو كَانَ تَعْلِيقا لَقلت بِهِ.

وَحَاصِله: أَن الْخصم فِي هَذِه الصُّورَة لَا يَنْفَكّ عَن منع الْعلَّة فِي الأَصْل، كَمَا لَو لم يكن التَّعْلِيق ثَابتا فِيهِ، أَو منع حكم الأَصْل كَمَا إِذا كَانَ ثَابتا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يتم الْقصاص.

قَوْله: {وَلَيْسَ بِحجَّة عندنَا، وَعند الْأَكْثَر، وَجوزهُ الْأُسْتَاذ، وَالْقَاضِي وَابْن عقيل، وَجمع} .

ص: 3170

الْمَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: أَن هذَيْن النَّوْعَيْنِ غير مقبولين.

أما الأول: فَلِأَن الْخصم لَا يَنْفَكّ عَن منع الْعلَّة فِي الْفَرْع أَو منع الحكم فِي الأَصْل، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ / فَلَا يتم الْقيَاس.

وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ عَن منع الأَصْل، كَمَا لَو لم يكن التَّعْلِيق ثَابتا فِيهِ، أَو منع حكم الأَصْل إِذا كَانَ ثَابتا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يتم الْقيَاس كَمَا تقدم.

قَالَ الصفي الْهِنْدِيّ: وَخَالف الخلافيون فِي النَّوْعَيْنِ فَقَالُوا: يقبلان

قَالَ ابْن مُفْلِح: " أصل الْقيَاس الْمركب لَيْسَ بِحجَّة عِنْد محققي الشَّافِعِيَّة، وَالْحَنَفِيَّة، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو الْخطاب، وَجوزهُ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَجَمَاعَة من الطرديين، وَهُوَ كثير فِي كَلَام القَاضِي

ص: 3171

وَغَيره من أَصْحَابنَا ".

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": يجوز جعل وصف مركب عِلّة، وَهُوَ أولى من أصل مركب، نَحْو: الْحلِيّ لَا زَكَاة فِيهِ لصغير، فَكَذَا كَبِير كجوهر، لَكِن يقف صِحَة كَونه حجَّة على دَلِيل لغيره، وَهل تجب مُسَاوَاة كَبِير وصغير فِي زَكَاة؟ انْتهى.

قَوْله: {وَقَالَ جمع: لَو سلم الْعلَّة فَأثْبت الْمُسْتَدلّ وجودهَا، أَو سلمه انتهض الدَّلِيل، قَالَه ابْن الْحَاجِب، وَجَمَاعَة كَثِيرَة} .

أَي: لَو سلم الْخصم الْعلَّة للمستدل أَنَّهَا مَا ذكر، فَأثْبت الْمُسْتَدلّ وجودهَا حَيْثُ اخْتلفُوا فِيهِ، أَو سلمه، أَي: سلم وجودهَا المناظر، انتهض الدَّلِيل عَلَيْهِ لتسليمه فِي الثَّانِي وَقيام الدَّلِيل عَلَيْهِ فِي الأول.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: " نعم إِذا سلم الْخصم الْعلَّة فَأثْبت الْمُسْتَدلّ فِي الْقسم الثَّانِي أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الأَصْل، أَو سلم أَن الْعلَّة الَّتِي عينهَا الْمُسْتَدلّ فِي الأول هِيَ الْعلَّة، وَأَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْفَرْع انتهض الدَّلِيل عَلَيْهِ، فَيُصْبِح الْقيَاس لاعتراف الْخصم بالمقتضي لصِحَّته، وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ مُجْتَهدا، اَوْ غلب على ظَنّه صِحَة الْقيَاس، فَإِنَّهُ لَا يكابر نَفسه فِيمَا أوجبه عَلَيْهِ ".

ص: 3172

قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَجزم بَعضهم بِأَن الْمُقَلّد إِن سلم دَلِيل الْمُسْتَدلّ، أَو أثبت الْمُسْتَدلّ وجود الْعلَّة فِي الأَصْل فِي الثَّانِي، قَامَت الْحجَّة عِنْده لاعْتِرَافه كَمَا لَو كَانَ مُجْتَهدا " انْتهى.

وَإِنَّمَا قلت: (وَقَالَ: جمع) ، لكَلَام ابْن مُفْلِح، فَإِنَّهُ ذكر أَولا كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين / فِي " الرَّوْضَة "، وَكَلَام الْآمِدِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك:" وَجزم بَعضهم بِكَذَا ".

قَوْله: {وَلم يتَّفقَا، فَأثْبت الْمُسْتَدلّ حكمه بِنَصّ، ثمَّ أثبت الْعلَّة قبل ذَلِك بِإِجْمَاع} .

مَا تقدم فِيمَا إِذا كَانَ حكم الأَصْل مُتَّفقا عَلَيْهِ بَينهمَا، إِمَّا بِالْإِجْمَاع مُطلقًا، أَو بَين الْخَصْمَيْنِ، فَإِذا لم يكن مجتمعاً عَلَيْهِ مُطلقًا، وَلَا بَين الْخَصْمَيْنِ، بل حاول إِثْبَات حكم الأَصْل بِنَصّ، ثمَّ أثبت الْعلَّة بطرِيق من طرقها من إِجْمَاع أَو نَص أَو سبر أَو إخالة، فَكَذَلِك يقبل مِنْهُ فِي الْأَصَح.

وَقيل: لَا يقبل بل لَا بُد من إِجْمَاع إِمَّا مُطلقًا، أَو بَين الْخَصْمَيْنِ كَمَا ذكرنَا، وَذَلِكَ لضم نشر الْجِدَال.

قَالَ ابْن مُفْلِح: " لَو أثبت الْمُسْتَدلّ حكم الأَصْل بِنَصّ، ثمَّ أثبت الْعلَّة بِأحد طرقها جَازَ، ونهض دَلِيله على الْخصم، زَاد بَعضهم: " الْمُجْتَهد " لجَوَاز اعْتِقَاد الْمُقَلّد دفع إِمَامه دَلِيل الْمُسْتَدلّ. انْتهى ".

ص: 3173