الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[فصل] )
( [إِذا اشْتَمَل وصف على مصلحَة ومفسدة راجحة أَو مُسَاوِيَة، لم تنخرم مناسبته عِنْد الْمُوفق، وَالْفَخْر، وَالْمجد /، والجوزي، والرازي، والبيضاوي.
وَعند الْآمِدِيّ، وَأَتْبَاعه، وَابْن قَاضِي الْجَبَل: بلَى] ) .
[قَالَ ابْن قدامَة فِي " الرَّوْضَة "] : [" مَتى لزم من تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف المتضمن للْمصْلحَة مفْسدَة مُسَاوِيَة للْمصْلحَة أَو راجحة عَلَيْهَا:
فَقيل: إِن الْمُنَاسبَة تَنْتفِي، فَإِن تَحْصِيل الْمصلحَة على وَجه يتَضَمَّن فَوَات مثلهَا أَو أكبر مِنْهَا لَيْسَ من شَأْن الْعُقَلَاء؛ لعدم الْفَائِدَة على تَقْدِير التَّسَاوِي وَكَثْرَة الضَّرَر على تَقْدِير الرجحان فَلَا يكون مناسبا، إِذْ الْمُنَاسب إِذا عرض على الْعُقُول السليمة تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ، فَيعلم أَن الشَّارِع لم يرد بالحكم تحصيلا للْمصْلحَة فِي ضمن الْوَصْف الْمعِين.
وَهَذَا غير صَحِيح: فَإِن الْمُنَاسب المتضمن للْمصْلحَة والمصلحة أَمر حَقِيقِيّ لَا يَنْعَدِم بمعارض، إِذْ يَنْتَظِم من الْعَاقِل أَن يَقُول: لي مصلحَة فِي كَذَا يصدني عَنهُ مَا فِيهِ من الضَّرَر من وَجه آخر، وَقد أخبر اللَّهِ - تَعَالَى - أَن فِي الْخمر وَالْميسر مَنَافِع، وَأَن إثمهما أكبر من نفعهما، فَلم ينف منافعهما مَعَ رُجْحَان إثمهما، والمصلحة جلب الْمَنْفَعَة أَو دفع الْمضرَّة، وَلَو أفردنا النّظر إِلَيْهَا غلب على الظَّن ثُبُوت الحكم من أجلهَا] .
وَإِنَّمَا يخْتل ذَلِك الظَّن مَعَ النّظر إِلَى الْمفْسدَة اللَّازِمَة من اعْتِبَار الْوَصْف الآخر فَيكون هَذَا مُعَارضا، إِذْ هَذَا حَال كل دَلِيل لَهُ معَارض، ثمَّ ثُبُوت الحكم مَعَ وجود / الْمعَارض لَا يعد بَعيدا، وَنَظِيره مَا لَو ظفر الْملك بجاسوس لعَدوه فَإِنَّهُ يتعارض فِي النّظر اقتضاءان:
أَحدهمَا: قَتله دفعا لضرره.
وَالثَّانِي: إحسانا إِلَيْهِ استمالة لتكشف حَال عدوه، فسلوكه أحد الطَّرِيقَيْنِ لَا يعد عَبَثا جَريا على مُوجب الْعقل.
وَلذَلِك ورد الشَّرْع بِالْأَحْكَامِ الْمُخْتَلفَة فِي الْفِعْل الْوَاحِد نظرا إِلَى الْجِهَات الْمُخْتَلفَة، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، فَإِنَّهَا سَبَب للثَّواب من حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاة، وللعقاب من حَيْثُ إِنَّه غصب، نظرا إِلَى الْمصلحَة والمفسدة مَعَ أَنه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يتساويا أَو يرجح أَحدهمَا، فعلى تَقْدِير التَّسَاوِي لَا تبقى الْمصلحَة مصلحَة وَلَا الْمفْسدَة مفْسدَة، فَيلْزم انْتِفَاء الصِّحَّة وَالْحُرْمَة، وعَلى تَقْدِير رُجْحَان الْمصلحَة يلْزم انْتِفَاء الْحُرْمَة، وعَلى تَقْدِير رُجْحَان الْمفْسدَة يلْزم انْتِفَاء الصِّحَّة، فَلَا يجْتَمع الحكمان مَعًا، وَمَعَ ذَلِك اجْتمعَا فَدلَّ على بطلَان مَا ذَكرُوهُ.
ثمَّ لَو قَدرنَا توقف الْمُنَاسبَة على رُجْحَان الْمصلحَة فدليل الرجحان أَنا لم نجد فِي مَحل الْوِفَاق مناسبا سوى مَا ذكرنَا، فَلَو قَدرنَا الرجحان يكون الحكم ثَابتا معقولا، وعَلى تَقْدِير عَدمه يكون تعبدا، وَاحْتِمَال التَّعَبُّد أبعد وأندر، فَيكون احْتِمَال الرجحان أظهر.
وَمِثَال ذَلِك: تعليلنا وجوب الْقصاص على المشتركين فِي الْقَتْل بحكمة الردع والزجر؛ كَيْلا يُفْضِي إِسْقَاطه إِلَى فتح بَاب الدِّمَاء.
فيعارض الْخصم بِضَرَر إِيجَاب الْقَتْل الْكَامِل على من لم يصدر مِنْهُ ذَلِك، فَيكون جَوَابه مَا ذَكرْنَاهُ " انْتهى كَلَامه فِي " الرَّوْضَة ".
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ وَغَيره: " الْخلاف فِي ذَلِك لَفْظِي يرجع إِلَى أَن هَذَا الْوَصْف هَل يبْقى فِيهِ مَعَ ذَلِك مُنَاسبَة أم لَا، مَعَ الِاتِّفَاق على أَنَّهَا غير مَعْمُول بهَا " انْتهى.
قَوْله: (وللمعلل / تَرْجِيح وَصفه بطرِيق تفصيلي يخْتَلف باخْتلَاف الْمسَائِل، وإجمالي: وَهُوَ لَو لم يقدر رُجْحَان الْمصلحَة ثَبت الحكم تعبدا) .
قَالَ ابْن مُفْلِح بعد مَا ذكر مَا قُلْنَا هُنَا: " ذكره بعض أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَسبق فِي السبر.
وَذكر الْآمِدِيّ: أَن لقَائِل أَن يُعَارضهُ [بِعَدَمِ] الِاطِّلَاع على مَا بِهِ يكون راجحا مَعَ الْبَحْث عَنهُ.
فَإِن قيل: بحثنا عَن وصف صَالح للتَّعْلِيل لَا يتَعَدَّى مَحل الحكم فَهُوَ أولى.
قيل: إِن خرج مَا بِهِ التَّرْجِيح عَن مَحل الحكم يتَحَقَّق بِهِ تَرْجِيح وَإِلَّا اتَّحد مَحلهمَا فَلَا تَرْجِيح، وَإِن سلم اتِّحَاد مَحل بحث الْمُسْتَدلّ فَقَط، فَإِنَّمَا يتَرَجَّح ظَنّه بِتَقْدِير كَون ظَنّه راجحا لَا الْعَكْس وَلَا مُسَاوِيا، وَوُقُوع احْتِمَال من اثْنَيْنِ أقرب.
قَالَ: وَاشْتِرَاط التَّرْجِيح فِي تحقق الْمُنَاسبَة إِنَّمَا هُوَ عِنْد من يخصص الْعلَّة وَإِلَّا فَلَا ".