الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: [فصل] )
[شَرط الْفَرْع أَن تُوجد فِيهِ الْعلَّة بِتَمَامِهَا فِيمَا يقْصد من عين الْعلَّة، أَو جِنْسهَا، فَإِن كَانَت قَطْعِيَّة فقطعي، وَهُوَ قِيَاس الأولى والمساواة، أَو ظنية فظني وَهُوَ قِيَاس الأدون، وَعَن بعض الْحَنَفِيَّة يَكْفِي مُجَرّد الشّبَه] .
لما فَرغْنَا من شُرُوط الْعلَّة شرعنا فِي شُرُوط الْفَرْع، وَقد تقدم حَده وَأَن الصَّحِيح فِيهِ [أَنه] الْمحل الْمُشبه.
فَمن شُرُوطه أَن يشْتَمل على عِلّة حكم الأَصْل بِتَمَامِهَا حَتَّى لَو كَانَت ذَات أَجزَاء، فَلَا بُد من اجْتِمَاع الْكل فِي الْفَرْع، وَهَذِه الْعبارَة أحسن من عبارَة ابْن الْحَاجِب وَمن تبعه:" أَن يُسَاوِي الْفَرْع فِي الْعلَّة عِلّة الأَصْل "، لِأَن لفظ الْمُسَاوَاة قد يفهم منع الزِّيَادَة، فَيخرج قِيَاس الأولى، بِخِلَاف هَذِه الْعبارَة فَإِن الزِّيَادَة لَا تنافيه، وَهِي شَامِلَة لقياس الأولى، والمساوي، والأدون.
إِذا علم ذَلِك فَإِن كَانَ وجودهَا بِتَمَامِهَا فِيهِ قَطْعِيا كقياس الضَّرْب للْوَالِدين على قَول " أُفٍّ " بِجَامِع أَنه إِيذَاء، وكالنبيذ يُقَاس على الْخمر بِجَامِع الْإِسْكَار، وَيُسمى الأول قِيَاس الأولى، وَالثَّانِي قِيَاس الْمُسَاوَاة، وكل مِنْهُمَا قَطْعِيّ.
وَإِن كَانَ وجود الْعلَّة بِتَمَامِهَا ظنيا فَالْقِيَاس ظَنِّي، وَيُسمى قِيَاس الأدون كقياس التفاح على الْبر فِي أَنه لَا يُبَاع إِلَّا يدا بيد وَنَحْو ذَلِك بِجَامِع الطّعْم، فَالْمَعْنى الْمُعْتَبر وَهُوَ الطّعْم مَوْجُود فِي الْفَرْع بِتَمَامِهِ، وَإِنَّمَا سمي قِيَاس أدون؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْحقًا بِالْأَصْلِ / إِلَّا على تَقْدِير أَن الْعلَّة فِيهِ الطّعْم، فَإِن كَانَت فِيهِ تركب من الطّعْم مَعَ التَّقْدِير بِالْكَيْلِ، أَو كَانَت الْعلَّة الْقُوت أَو غير ذَلِك لم يلْحق بالتفاح.
وَظهر بذلك أَنه لَيْسَ المُرَاد بالأدون أَن لَا يُوجد فِيهِ الْمَعْنى بِتَمَامِهِ، بل أَن تكون الْعلَّة فِي الأَصْل ظنية.
قَالَ ابْن مُفْلِح تبعا لِابْنِ الْحَاجِب: " من شُرُوط الْفَرْع مُسَاوَاة عِلّة الأَصْل فِيمَا يقْصد من عين الْعلَّة أَو جِنْسهَا، كالشدة المطربة فِي النَّبِيذ، وكالجناية فِي قِيَاس قصاص طرف على النَّفس ". أما الْعين: فكقياس النَّبِيذ على الْخمر بِجَامِع الشدَّة المطربة، وَهِي بِعَينهَا مَوْجُودَة فِي النَّبِيذ.
وَأما الْجِنْس: فكقياس الْأَطْرَاف على الْقَتْل فِي الْقصاص بِجَامِع الْجِنَايَة الْمُشْتَركَة بَينهمَا، فَإِن جنس الْجِنَايَة هُوَ جنس لإتلاف النَّفس والأطراف، وَهُوَ الَّذِي قصد الِاتِّحَاد فِيهِ.
" وَعَن بعض الْحَنَفِيَّة يَكْفِي مُجَرّد الشّبَه ".
لنا: اعْتِبَار الصَّحَابَة الْمَعْنى الْمُؤثر فِي الحكم، ولاشتراك الْعَاميّ والعالم فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الشّبَه بِأولى من عَكسه، وكالقياس الْعقلِيّ.
قَالُوا: لم تعْتَبر الصَّحَابَة سوى مُجَرّد الشّبَه.
رد: بِالْمَنْعِ " انْتهى.
وَقد تقدّمت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قَوْلنَا: من شُرُوط الْعلَّة وَأَن تتَعَيَّن فِي الْأَصَح، فَالظَّاهِر أَنه وَقع فِيهِ منا تكْرَار.
قَوْله: [وَأَن تُؤثر فِي أَصْلهَا الْمَقِيس عَلَيْهِ عِنْد أَصْحَابنَا، وَالْحَنَفِيَّة،
وَالشَّافِعِيَّة، وَاكْتفى الْحلْوانِي وَأَبُو الطّيب بتأثيرها فِي أصل مَا، وَقيل فِي أَصْلهَا، (وَفِي بَقِيَّة الْمَوَاضِع كَقَوْل الْمَالِكِيَّة فِي الْكَلْب: حَيَوَان فَكَانَ طَاهِرا كالشاة، تَأْثِيره فِي الْحَيَوَان إِذا مَاتَ، وَلَا تَأْثِير لَهُ فِي الجماد، فالحياة تُؤثر فِي مَحل دون مَحل) وَتَأْتِي الْمُعَارضَة فِيهِ] .
نقلت ذَلِك من كَلَام ابْن مُفْلِح فِي أُصُوله.
قَالَ الْبرمَاوِيّ فِي أَوَائِل أَحْكَام الأَصْل. " إِن بَعضهم شَرط شُرُوطًا فِي
الأَصْل وَلَيْسَت شُرُوطًا فِيهِ، فَقَالَ: وَمِنْهُم من شَرط كَونه مؤثرا فِي كل مَوضِع كَمَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب: فِي إبِْطَال بيع الْغَائِب: بَاعَ عينا لم ير مِنْهَا شَيْئا فَبَطل كَبيع النَّوَى فِي الثَّمر.
فَقيل: إِذا كَانَ يرى بعضه يَصح؟
فَيُقَال: لَيْسَ من شَرط / تَأْثِيره فِي كل مَوضِع " انْتهى.
قَوْله: [وَأَن يُسَاوِي حكمه حكم الأَصْل فِيمَا يقْصد كَونه وَسِيلَة للحكمة من عين الحكم، أَو جنسه، وَيَأْتِي فِي الاعتراضات] .
وَذَلِكَ كَالْقصاصِ فِي النَّفس بالمثقل على المحدد، وكالولاية فِي نِكَاح الصَّغِيرَة على الْولَايَة فِي مَالهَا.
فالمثال الأول: مِثَال لعين الحكم فَالْحكم فِي الْفَرْع هُوَ الحكم فِي الأَصْل بِعَيْنِه وَهُوَ الْقَتْل.
وَمِثَال الثَّانِي مِثَال لجنس الحكم، فَإِن ولَايَة النِّكَاح مُسَاوِيَة لولاية المَال فِي جنس الْولَايَة لَا فِي عين تِلْكَ الْولَايَة، فَإِنَّهَا سَبَب لنفاذ التَّصَرُّف وَلَيْسَت عينهَا لاخْتِلَاف التصرفين.
وَلم يذكر بَعضهم هَذَا الشَّرْط هُنَا قَالَ: لِأَنَّهُ من إِثْبَات الحكم فِي الْفَرْع بِالْقِيَاسِ [أَي] تعْيين مَا يحكم على الْفَرْع بِهِ من حكم الأَصْل.
وَأما إِذا اخْتلف الحكم لم يَصح كَقَوْلي الْحَنْبَلِيّ: يُوجب الظِّهَار الْحُرْمَة فِي حق الذِّمِّيّ كَالْمُسلمِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّة: الْحُرْمَة فِي الْمُسلم متناهية بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحُرْمَة فِي الذِّمِّيّ مُؤَبّدَة؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة وَيخْتَلف الحكم فيهمَا.
وَجَوَابه: أَن يبين الْمُسْتَدلّ الِاتِّحَاد، فَيمْنَع كَون الذِّمِّيّ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة بل عَلَيْهِ الصَّوْم، بِأَن يسلم وَيَأْتِي بِهِ، وَيصِح إِعْتَاقه وإطعامه مَعَ الْكفْر اتِّفَاقًا، فَهُوَ من أهل الْكَفَّارَة، فَالْحكم مُتحد وَالْقِيَاس صَحِيح.
قَوْله: [وَأَن لَا يكون مَنْصُوصا على حكمه بموافق، خلافًا للغزالي،
والآمدي، وَجمع] .
لَا يشْتَرط انْتِفَاء نَص مُوَافق الحكم الَّذِي يُرَاد إثْبَاته بِالْقِيَاسِ عِنْد الْأَكْثَر، خلافًا للغزالي والآمدي.
قَالَا: للاستغناء بِالنَّصِّ، وَلِهَذَا فِي قصَّة معَاذ كَانَ الْقيَاس فِيهَا مُرَتبا بإن الشّرطِيَّة على فقدان النَّص، وَهِي أصل فِي مَشْرُوعِيَّة الْقيَاس.
وَأجِيب: أَن المُرَاد تعين الْقيَاس عِنْد الْفَقْد، وَأما عِنْد وجوده فَيكون من اجْتِمَاع دَلِيلين، إِذْ لَا يمْتَنع ترادف الْأَدِلَّة على مَدْلُول وَاحِد.
وَأَيْضًا: فبالقياس يعرف عِلّة الحكم /.
وَقد فهم من القيدين الْمَذْكُورين فِي الْمَسْأَلَة أَمْرَانِ: الأول: أَن يكون النَّص الدَّال على حكم الأَصْل هُوَ الدَّال على ذَلِك الْفَرْع بِعَيْنِه فَهَذَا قِيَاس بَاطِل؛ إِذْ لَيْسَ مَا ادعِي بِهِ أصل وَأَن الآخر فرع بِأولى من عَكسه، كَمَا لَو قيس السفرجل على الْعِنَب فِي جَرَيَان الرِّبَا فِيهِ بعلة الطّعْم، فَيُقَال: النَّهْي عَن بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ شَامِل للأمرين، فَجعل أَحدهمَا أصلا وَالْآخر فرعا تحكم.
الْأَمر الثَّانِي: أَن يكون النَّص فِي الْفَرْع على خلاف الحكم المُرَاد إثْبَاته
بِالْقِيَاسِ؛ لِأَن الْقيَاس حِينَئِذٍ بَاطِل إِذْ الْقيَاس لَا يقدم على النَّص، لَكِن الْقيَاس فِي نَفسه صَحِيح إِلَّا أَنه ملغي لَا يعْمل بِهِ، وَلذَلِك يُقَال: إِذا تعَارض النَّص وَالْقِيَاس فالنص مقدم؛ لِأَن التَّعَارُض إِنَّمَا يكون عِنْد صِحَة المتعارضين، ففائدة الْقيَاس التمرين ورياضة الذِّهْن.
قَالَ الْعَضُد: " وَمِنْهَا: أَن لَا يكون الْفَرْع مَنْصُوصا عَلَيْهِ لَا إِثْبَاتًا وَإِلَّا ضَاعَ الْقيَاس، وَلَا نفيا، وَإِلَّا لم يجز الْقيَاس ".
وَقَالَ الكوراني: " من شُرُوط الْفَرْع أَن لَا يكون حكمه مَنْصُوصا عَلَيْهِ بِنَصّ مُوَافق؛ لِأَن وجود النَّص يُغني عَن الْقيَاس لتقدمه عَلَيْهِ، خلافًا لمن يجوز قيام دَلِيلين على مَدْلُول وَاحِد، فَإِنَّهُ يجْتَمع عِنْده النَّص وَالْقِيَاس على حكم وَاحِد.
فالتحقيق: أَنه أَرَادَ أَن طَائِفَة جوزت قيام دَلِيلين، بِمَعْنى أَن كلا مِنْهُمَا يُفِيد الْعلم بالمدلول فَهَذَا غير مَعْقُول؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَإِن أَرَادَ إيضاحا واستظهرا، فَلم يُخَالف فِيهِ أحد أَلا تراهم يَقُولُونَ: الدَّلِيل على الْمَسْأَلَة الْإِجْمَاع وَالنَّص وَالْقِيَاس، وَأما إِذا كَانَ النَّص مُخَالفا فقد علمت أَنه مقدم على الْقيَاس " انْتهى.
قَوْله: [قَالَ الْحَنَفِيَّة، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَابْن
حمدَان: وَلَا مُتَقَدما على حكم الأَصْل، زَاد الْآمِدِيّ: إِلَّا أَن يذكرهُ إلزاما للخصم، وَقَالَ الرَّازِيّ: يجوز عِنْد دَلِيل آخر، والموفق، وَالْمجد، والطوفي: يشْتَرط لقياس الْعلَّة لَا لقياس الدّلَالَة] .
قَالَ من منع: لِأَن الْمُسْتَفَاد / لَا بُد من تَأَخره على الْمُسْتَفَاد مِنْهُ، وَإِلَّا لتناقض فرض مَعَ تَأَخره، فَلَا يُقَاس الْوضُوء على التَّيَمُّم فِي فِي وجوب النِّيَّة؛ لِأَن وُرُود التَّيَمُّم بعد الْهِجْرَة، وَالْوُضُوء قبلهَا.