الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا في نصارى بني تغلبَ، وهم قوم ذوو شوكةٍ من العرب، انتقلوا في الجاهليةِ إلى النصرانية، فطلب عمرُ رضي الله عنه منهم الجزية، فأبوا، وطلبوا أن يؤخذ منهم كالزكاةِ من المسلمين، فأبى عمرُ، ثمّ خاف أن يلحقوا بالرومِ، فصالحهم على أن يضاعفَ عليهم مثلَ زكاةِ المسلمين بمحضرٍ من الصَّحابةِ، فقال أبو حنيفةَ وأحمدُ؛ يؤخذ منهم مثلَ ما يؤخَذُ من زكاةِ المسلمين، والمأخوذُ منهم واجبٌ بشرط الزكاةِ وأسبابِها، فلا تؤخذُ من فقير، ولا ممَّنْ مالُه غيرُ زكويٍّ، ومصرفُه مصرفُ الجزيةِ، فأبو حنيفةَ خصَّ الأخذَ بالرجالِ منهم والنساءِ دونَ الصبيانِ، وأحمدُ قال: يؤخذ من نسائِهم ومن صبيانِهم أيضًا، ومجانيِنهم، وكذا الحكمُ عنده في نصارى العرب ويهودِهم ومجوسِهم، وقال مالكٌ والشّافعيُّ: لا يؤخذ من نسائِهم وصبيانِهم، وحكمُهم كغيرِهم في ذلك.
واختلفوا في سقوطِ الجزيةِ بالإسلام والموتِ بعدَ وجوبها، فقال أبو حنيفةَ: تسقطُ بهما، وقال مالكٌ وأحمدُ: تسقطُ بالإسلامِ دونَ الموتِ، وقال الشّافعيّ: لا تسقطُ بهما.
* * *
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
(30)}
.
[30]
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} قرأ عاصم، والكسائيُّ، ويعقوبُ:(عُزَيْرٌ) بالتنوين، وكسرِهِ حالةَ الوصل، ولا يجوز ضمُّه في مذهبِ الكسائيِّ، لأنّ الضمةَ في (ابن) ضمةُ إعرابٍ، فهيَ غيرُ لازمةٍ
لانتقالها، وقرأ الباقون: بغير تنوين (1)؛ لأنّه اسمٌ أعجميٌّ، ويشبه اسمًا مصغَّرًا، ومَنْ نوَّنَ قالَ: لأنّه اسمٌ خفيفٌ فوجهُه أن ينصرفَ وإنْ كانَ أعجميًّا مثل (نوحٍ وهودٍ وصالحٍ)، واسمُ عزيرٍ بالعبرانيةِ عَزْرا، وهو من ذريةِ هارونَ بنِ عمرانَ، وهو من أنبياءِ بني إسرائيلَ، فلما ظهر بُخْتَ نَصَّر على بني إسرائيل، وقتلَ من قتلَ، وأسرَ من أسرَ، وكان العزيرُ من جملةِ الأسرى وهو صغير، فلما رجعَ بنو إسرائيل من العراقِ إلى القدسِ، رجع العزيرُ من جملتِهم، وقدمَ معه من بني إسرائيل ما يزيدُ على الألفين من العلماءِ وغيرِهم، وتربى مع العزير في القدس مئةٌ وعشرون شيخًا من علماءِ بني إسرائيلَ، وكانت التوراةُ قد عدمت منهم، فمثَّلَها اللهُ تعالى في صدرِ العزيرِ، ووضعَها لبني إسرائيلَ يعرفونها بحلالها وحرامِها، فأحبوه حُبًّا شديدًا، وقالوا: إنَّ اللهَ لم يقذفِ التوراةَ في قلبِ رجلٍ إِلَّا أنّه ابنُه، فعندَ ذلكَ قالتِ اليهود: عُزيرٌ ابنُ الله، والذي قالَ هذه المقالةَ رجلٌ من اليهودِ اسمُه فنخاصُ بنُ عازورا الّذي قال: إنَّ اللهَ فقيرٌ ونحنُ أغنياءُ، ورُوي أنّه لم يبقَ يهوديٌّ يقولها، بل انقرضوا، قالَ ابنُ عطيةَ: فإذا قالها واحدٌ، فيتوجه أن يلزم الجماعة شنعة المقالة لأجلِ نباهةِ القائل فيهم، وأقوالُ النبهاءِ أبدًا مشهودة في النَّاس يُحتجُّ بها (2)، وأقامَ العزيرُ في بيتِ المقدس يدبِّرُ أمرَ بني إسرائيل حتّى تُوفي بعدَ مضيِّ أربعينَ سنة لعمارةِ بيتِ المقدسِ، فتكونُ وفاتُه سنةَ ثلاثين ومئةٍ لابتداءِ ولايةِ بُخْتَ نَصَّرَ.
(1) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: 313)، و"التيسير" للداني (ص: 118)، و"تفسير البغوي"(2/ 271)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 279)، و"معجم القراءات القرآنية"(3/ 14 - 15).
(2)
انظر: "المحرر الوجيز"(3/ 23).