الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، يَقُولُ: لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، وَكَانَ يَقُولُ:«رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي» ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقَرَأَ فِيهِنَّ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ، أَوِ الْأَنْعَامَ، شَكَّ شُعْبَةُ.
بَابٌ [فِي] الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
875 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
===
بَابٌ [فِي] الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
ما سبق بيان أذكار الركوع والسجود وهذا بيان حكم الدعاء فيهما وما ورد من ذلك، وحاصل ما تشير إليه أحاديث الباب من الحكم هو جواز الدعاء فيهما لكن السجود أولى بالدعاء من الركوع، والركوع أولى بالتعظيم والأذكار والله تعالى أعلم.
875 -
قوله: "أقرب ما يكون العبد من ربه" الظاهر أن "ما" مصدرية وكان تامة والجار متعلقة بالقرب، وليست "من" تفضيلية، والمعنى شاهد لذلك فلا يرد أن اسم التفضيل لا يستعمل إلَّا بأحد أمور ثلاثة لا بأمرين كالإضافة ومن، فكيف استعمل هاهنا بأمرين فافهم؟ وخبر "أقرب" محذوف أي حاصل له،
مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».
876 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، وَإِنِّي
===
وجملة "وهو ساجد" حال من ضمير حاصل أو من ضمير له والمعنى أقرب أكوان العبد من ربه تبارك وتعالى حاصل له حين كونه ساجدًا، ولا يرد على الأول أن الحال لا بد أن يرتبط بصاحبه ولا ارتباط هاهنا؛ لأنَّ ضمير "هو ساجد" للعبد لا لأقرب، لأنا نقول يكفي في الارتباط وجود الواو من غير حاجة إلى الضمير، مثل جاء زيد والشمس طالعة، وقوله:"فأكثروا الدعاء" أي في السجود، وقيل: في وجه الأقربية أن العبد في السجود داع لأنَّه أمر به والله تعالى قريب، ولأنَّ السجود غاية في الذل والانكسار وتعفير الوجه، وهذه الحالة أحب أحوال العبد، كما رواه الطبراني في الكبير بسند حسن عن ابن مسعود (1)، ولأن السجود أول عبادة أمر الله تعالى بها بعد خلق آدم فالمتقرب بها أقرب ولأن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصى الله به والله تعالى أعلم.
876 -
قوله: "من مبشرات النبوة" أي ممَّا يظهر للنبي من المبشرات حالة النبوة، وهي بكسر الشين ما اشتمل على الخبر السَّار من وحي وإلهام ورؤيا وغيرها، ولا يخفى أن الإلهام للأولياء أيضًا باق، فكأن المراد لم يبق في الغالب
(1) سبق تخريجه قريبًا.
نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا الرَّبَّ فِيهِ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
877 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» .
===
إلَّا الرؤيا الصالحة، وقوله:"يراها المسلم" أي المبشر بها أو يرى غيره لأجله، وقوله:"وإني نهيت" إلخ قيل ذلك لما في الركوع والسجود من الذكر والتسبيح فلو كانت قراءة القرآن فيهما لزم الجمع بين كلام الله وكلام غيره في محل واحد وكأنه كره ذلك، وفيه أن الركعة الأولى لا تخلو عن دعاء استفتاح فلزم من القراءة فيها الجمع فتأمل.
وقوله: "فعظموا فيه الرَّبَّ" أي اللائق به تعظيم الرَّبّ فهو أولى من الدعاء وإن كان الدعاء، جائزًا أيضًا، فلا ينافي أنه كان يقول في ركوعه:"اللَّهم اغفر لي"(1)، وقوله:"فاجتهدوا" إلخ أي أنه محل لاجتهاد الدعاء وأن الاجتهاد فيه جائز بلا ترك أولوية، وكذلك التسبيح فإنَّه محل له أيضًا، و"قمن" بكسر الميم وفتحها أي جدير وخليق، قيل بفتح الميم مصدر وبكسرها صفة.
877 -
قوله: "يتأول القرآن" أي يرى أن ذلك معنى قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (2) الآية وعمل بمقتضاه.
(1) النسائي في التطبيق 2/ 157، 183 وابن ماجه في إرثاث الصَّلاة 1/ 289.
(2)
سورة الحجر: الآية (98).
878 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» ، زَادَ ابْنُ السَّرْحِ: عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.
879 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ
===
878 -
قوله: "دقه وجله" بكسر الدال وتشديد القاف وبكسر الجيم وتشديد اللام أي صغيره وكبيره.
879 -
قوله: "فلمست المسجد" أي مسجد البيت أو موضع سجوده على العادة قيل: وعلى الثَّاني بفتح الجيم كما هو القياس لكن هذا القياس لم يسمع وإن جوزوه، ومعنى:"أعوذ برضاك" أي متوسلًا برضاك من أن تسخط وتغضب عليَّ، ومعنى:"أعوذ بك منك" أي أعوذ بصفات جمالك من صفات جلالك، فهذا إجمال بعد شيء من التفصيل وتعوذ بتوسل جميع صفات الجمال من صفات الجلال، وإلا فالتعوذ من الذّات مع قطع النظر عن شيء من الصفات لا يظهر، ومعنى:"لا أحصي ثناء عليك" أي لا أستطيع فردًا من ثنائك على شيء من نعمائك، وهذا بيان لكمال عجز البشر عن أداء حقوق الرَّبّ تعالى، ومعنى "أنت كما أثنيت" إلخ أي أنت الذي أثنيت على ذاتك ثناء يليق بك فلا
بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».
===
يقدر على أداء حق ثنائك، فالكاف زائدة، والخطاب في عائد الموصول بملاحظة المعني، نحو: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، ويحتمل أن الكاف بمعني على والعائد إلى الموصول محذوف، أي ثابت دائم على الأوصاف الجليلة التي أثنيت بها على نفسك، والجملة على الوجهين في موضع التعليل، وفيه إطلاق لفظ النَّفس على ذاته تعالى بلا مشاكلة، وقيل:"أنت" تأكيد للمجرور في "عليك" فهو من استعارة المرفوع المنفصل موضع المجرور المتصل، إذ لا منفصل في المجرور، وما في "كما" مصدرية والكاف بمعنى مثل صفة ثناء، ويحتمل أن يكون "ما" على هذا التقدير موصولة أو موصوفة، والتقدير مثل ثناء أثنيته أي مثل الثّناء الذي أثنيته على أن العائد المقدر ضمير المصدر ونصبه على كونه مفعولًا مطلقًا، وإضافة المثل إلى المعرفة لا يضر في كونه صفة نكرة لأنَّه متوغل في الإبهام فلا يتعرف بالإضافة هذا، قال السيوطي: سئل عز الدين بن عبد السلام كيف يشبه ذاته بثنائه وهما في غاية التباين، فأجاب، : أن في الكلام حذفًا تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف من المبتدأ، فصار الضمير المجرور مرفوعًا. اهـ وما ذكرنا مغن عن هذا، نعم الجواب وجه من الوجوه التي يمكن ذكرها في تحقيق الحديث، بقي أن السؤال غير ظاهر إذ كثيرًا ما يشبه أحد المتباينين بالآخر كالإنسان بالأسد لاشتراكهما في وجه الشبه، فيمكن اعتبار التشبيه بين الذّات والثناء بأن يقال كما أن الذّات، لا يشبهه ذات كذلك ثناؤه لا يشبهه ثناء، نعم اللائق حينئذ تشبيه الثّناء بالذات، والحاصل أن مجرد التباين لا يقتضي عدم استقامة التشبيه، فالسؤال قاصر، والله تعالى أعلم.