الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد ..
فهذا تعليق لطيف على سنن أبي داود رحمه الله تعالى، فقلت فيه غالب حاشية السيوطي بالعين والاختصار، وزدت عليه غالب ما يحتاج إليه الإنسان وقت الدرس، ختمه الله تعالى الختم على الإيمان بعد التوفيق للإكمال.
قال الشيخ المؤلف أبو داود رحمه الله تعالى في رسالته إلى أهل مكة ما اختصاره وخلاصته: هو أني ذكرت في كتابي هذا مراسيل؛ لأن المراسيل قد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل: سفيان الثوري ومالك والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيه، وتابعه على ذلك أحمد وغيره، فإذا لم يوجد مسند يحتج بالمراسيل، وليس هو مثل المتصل بالقوة، وليس في كتابي هذا عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر.
وذكر أنه أجمع كتاب بالنظر إلى كتب المتقدمين، حتى غالب أحاديث الكتاب لا توجد في كتبهم، فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليست فيما أخرجته فاعلم أنه حديث واه، وكان الحسن بن علي قد جمع من الأحاديث قدر سبعمائة حديث وذكر ابن المبارك قال: السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو تسعمائة حديث، فقيل: إن أبا يوسف قال. هي ألف ومائة، قال ابن المبارك: أبو يوسف يأخذ من هنا
ومن هنا وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح وبعضها أصح من بعض، وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا وحي فيه، إلا أن يكون كلامًا استخرج من الحديث، ولا أعلم شيئًا من القرآن ألزم للناس أن يتعلموا من هذا الكتاب، ولا يضر رجلًا أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذا الكتاب شيء، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه يعلم متداره. وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي فهذه الأحاديث أصولها. انتهى.
قلت: أراد أنه يكفي هذا الكتاب -في الاجتهاد- مع القرآن، وهذا فيما يرى من كيف (1)، وهذا ابن المبارك من كبراء أهل الاجتهاد وعظمائهم وهو ممن لقي أبا حنيفة ومالكًا وغيرهما من العظماء، وكان يعتقد أن السنن كلها قدر تسعمائة، وكان ينكر على أبي يوسف في قوله: إننا ألف ومائة، وبه ظهر لك حال أبي يوسف، مع كونه من أعظم تلامذة الإمام أبي حنيفة بل هو أعظمهم على الإطلاق.
ولهذا كان الغزالى يقول: يكفي في الاجتهاد للمرء سنن أبي داود (2). وقد وافق أبا داود على ذلك غيره، فقال ابن الأعرابي: لو أن المرء لم يكن، عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه (3). وقال الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم
(1) هكذا بالمخطوطة.
(2)
المستصفى في علم الأصول 2/ 351.
(3)
هذا القول حكاه الخطابي سماعًا من ابن الأعرابي في مقدمة معالم السنن.
يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس وطبقات الفقهاء مع اختلاف مذاهبهم، وعليه معول غالب بلاد أهل الإسلام (1).
وكان تصنيف العلماء قبل ذلك مختلطا فيما بين أحكام ومواعظ وقصص، فأما السنن المحنسة (2) فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود.
وقال النووي: ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاستناد بسنن أبي داود، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه.
وقال أبو العلا: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: من أراد أن يتمسك بالسنن فليقرأ سنن أبي داود، وذكروا أن شرط أبي داود أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم، والله أعلم.
(1) معالم السنن، المقدمة 1/ 8.
(2)
هكذا بالمخطوطة، ولعلها "المحسنة".