الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ذلك حديث عمارة بن رويبة، رواية بشر بن المفضل من حديث سهل بن سعد، والله أعلم.
* قال البيهقي بعد إيراد حديث عمارة بن رويبة وحديث سهل: "والقصد من الحديثين: إثبات الدعاء في الخطبة، ثم فيه من السنة: أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة، ويقتصر على أن يشير بإصبعه.
وثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ "أنه مد يديه ودعا"، وذلك حين استسقى في خطبة الجمعة، فروينا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ "أنه كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه".
وروينا عن الزهري أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة دعا فأشار بإصبعه وأمَّن الناس"، ورواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة موصولًا، وليس بصحيح، والله أعلم".
* وقد سبق أن تكلمت عن مسألة رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياضُ الإبطين، وذلك تحت الحديث رقم (746) فليراجع، وأن ذلك إنما كان في الاستسقاء، أو في الإشهاد، أو الاستنصار، والله أعلم.
وأما الدعاء في خطبة الجمعة فإنما يقتصر فيه بالإشارة بسبابة اليد اليمنى وحدها، كما سبق بيانه، والله أعلم.
***
231 - باب إقصار الخُطَب
1106 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير: حدثنا أبي: حدثنا العلاء بن صالح، عن عدي بن ثابت، عن أبي راشد، عن عمار بن ياسر، قال:"أَمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإقصارِ الخُطَب".
* حديث صحيح
أخرجه من طريق محمد بن عبد الله بن نمير:
الحاكم (1/ 289)، والبيهقي (3/ 208)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 19).
رواه عن محمد بن عبد الله بن نمير [وهو: ثقة حافظ]: أبو داود، ومطين محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي [وهما إمامان حافظان].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرط مسلم"، ثم ذكر حديث جابر بن سمرة الآتي.
* ورواه أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ إمام]، وأحمد بن حنبل [ثقة حجة، إمام فقيه]، ومحمد بن عبد الله بن نمير [ثقة حافظ، وعنه بهذا اللفظ: أبو يعلى الحافظ]:
قالوا: حدثنا [عبد الله] بن نمير: حدثنا العلاء بن صالح، عن عدي بن ثابت: حدثنا أبو راشد، قال: خطبنا عمار، فتجوَّز في خطبته، فقال له رجل من قريش: لقد قلت قولًا شفاءً، فلو أنك أطلتَ، فقال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نطيل الخطبة".
أخرجه أحمد (4/ 320)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 450/ 5201)، وفي المسند (434)، وأبو يعلى (3/ 193/ 1621).
* ورواه أبو أحمد الزبيري [ثقة ثبت]، قال: نا العلاء بن صالح، عن عدي بن ثابت، عن أبي راشد، عن عمار؛ أنه تكلم فأوجز، فقيل له: قد قلت قولًا، فلو أنك زدتنا، قال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بإقصار الخطب".
أخرجه البزار (4/ 257/ 1430)، وأبو يعلى (3/ 192/ 1618).
قال البزار: "ولا نعلم روى أبو راشد عن عمار إلا هذا الحديث".
قلت: رجال هذا الإسناد كلهم ثقات، عدا العلاء بن صالح الكوفي، فإنه: لا بأس به، وقال ابن المديني:"روى أحاديث مناكير"[التهذيب (3/ 344)، الميزان (3/ 101)]، وحديثه هذا معروف، ليس فيه ما يُنكر.
وأبو راشد: لم يُسمَّ، ولم يُنسب، قال البخاري في الكنى (29):"أبو راشد: سمع عمارًا، روى عنه عدي بن ثابت"، وكذا ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 370)، وابن حبان في الثقات (5/ 578)[وزاد عليًا مع عمار]، وقال الذهبي في الميزان (4/ 523):"لا يُعرف، وعنه عدي بن ثابت"، ويحتمل أن يكون هو الذي ترجم له العجلي في ثقاته (1945)، فقال:"كوفي تابعي، ثقة"، والراوي عنه: تابعي ثقة مشهور، وهذا مما يرفع من حاله، لا سيما وقد روى ما توبع عليه، ولم يأت في روايته بما ينكر، وعلى هذا فإن جهالته لا تمنع من تصحيح حديثه طالما أنه قد حفظ وضبط، وقد سبق الكلام مرارًا عن حديث المجهول، وأن حديثه إذا كان مستقيمًا فإنه يكون مقبولًا صحيحًا، وأقرب موضع تكلمت فيه عن ذلك عند الحديث رقم (1100).
* وقد ذكر الدارقطني في العلل (5/ 224/ 835)، أن العلاء بن صالح قد خولف فيه: خالفه مسعر بن كدام [ثقة ثبت]، فرواه عن عدي بن ثابت عن عمار مرسلًا.
قلت: لا أُراه يثبت من حديث مسعر لأمور:
الأول: اشتهار الحديث عن العلاء بن صالح، وقد رواه من طريقه أصحاب المصنفات والمسانيد والسنن.
الثاني: عدم اشتهار حديث مسعر، مع كونه أثبت بكثير من العلاء بن صالح، وحديثه مشهور متداول بين أصحابه، فكيف يُعرض عنه هؤلاء الأئمة الذين أخرجوا حديث العلاء، لا سيما ابن أبي شيبة في مصنفه فإنه يحرص على إيراد ما ورد في الباب متصلًا كان أم مرسلًا، كما أن البزار حريص على الإشارة إلى الخلاف الوارد في السند، فلما لم يُشِر إليه دل على عدم وقوفه على طريق مسعر، وعدم اشتهاره.
الثالث: أن الدارقطني في علله قد يُورد في ذكر الخلاف طرقًا لا تثبت إلى أصحابها، ولا يبين ذلك، بل قد يُعل حديثًا ثابتًا في الصحيحين أو أحدهما، بطريق لا يثبت أصلًا، فمن ذلك مثلًا:
قال الدارقطني في التتبع (203): "وأخرج مسلم حديث ابن عيينة، عن أبان، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء: لا يحنو أحد منا ظهره.
وخالفه ابن عرعرة قال: عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الله بن يزيد.
والحديث مشهور بعبد الله بن يزيد، رواه عنه أبو إسحاق ومحارب عنه، ولم يقل: عن ابن أبي ليلى غير أبان بن تغلب عن الحكم، وغير أبان أحفظ منه".
وقد بينت في تخريج السنن عند الحديث رقم (621) كيف أن هذه الرواية التي أعل بها الدارقطنيُّ روايةَ أبان هي رواية منكرة من وجهين، إذ لا تثبت عن محمد بن عرعرة أصلًا، فضلًا عن كون المحفوظ عن شعبة: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء، وليس عن الحكم.
وانظر أيضًا في هذا المعنى: فضل الرحيم الودود برقم (623 و 653)، وما تحت الحديث رقم (975)، الشاهد الخامس، والحديث رقم (1075)، ففيها بيان كيف أن الدارقطني قد يذكر متابعاتٍ: إما لا تصح عن أهلها، وإما رواتها ضعفاء أو متروكون، ثم لا يبين شيئًا من ذلك.
وسيأتي معنا في شاهد هذا الحديث شيئًا من ذلك، فقد أعل الدارقطني حديث عمار عند مسلم في التتبع، وجعله محفوظًا ثابتًا في العلل.
وعلى هذا: فلا نستطيع أن نعل الثابت بالمحتمل، كما أن الدارقطني لم يجزم في حديث عدي بن ثابت بشيء، بل تركه ومضى، فيبقى حديث العلاء بن صالح هو المحفوظ، حتى يثبت إعلاله، والله أعلم.
* ورواه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي [ثقة، مكثر عن ابن عيينة]، ومحمد بن أبي الوزير [محمد بن عمر بن مطرف: ثقة]:
عن سفيان بن عيينة [ثقة حافظ إمام]، عن عمر بن حبيب [المكي، ثقة حافظ]، عن عبد الله بن كثير [هو: المكي الداري، القارئ: ثقة]، عن عمار بن ياسر، قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقصر الخطبة، ونطيل الصلاة].
أخرجه أبو يعلى (3/ 211/ 1648)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 19).
قلت: رجاله ثقات؛ وإسناده منقطع؛ فإن عبد الله بن كثير من الطبقة السادسة: لم يدرك عمار بن ياسر، فإن بينهما في الوفاة ما يقرب من ثلاث وثمانين سنة، والله أعلم [وانظر: تاريخ ابن معين للدوري (3/ 108/ 448)].
* وله إسناد آخر: أخرجه البزار (4/ 236/ 1398)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 378) [لكنه منكر، ولا يصلح في المتابعات، تفرد به مسعود بن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت،
ومسعود: مجهول، ويقال: هو سَعَّاد بن سليمان، وسعاد: ضعيف. اللسان (8/ 45)، الجرح والتعديل (8/ 284)، التهذيب (1/ 688)، سؤالات البرذعي (2/ 358)].
* وقد جاء معناه في الصحيح من وجه آخر عن عمار بن ياسر:
رواه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، عن أبيه، عن واصل بن حيان الأحدب، عن أبي وائل، قال: خطبنا عمار رضي الله عنه فأبلغ وأوجز، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان! لقد أبلغتَ وأوجزتَ، فلو كنت تنفَّستَ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طولَ صلاةِ الرجل، وقِصَرَ خُطبته: مَئِنَّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصُرُوا الخُطَب، وإن من البيان لسحرًا".
أخرجه مسلم (869)، وأبو عوانة (11/ 719/ 14929 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 456/ 1955)، والدارمي (1/ 440/ 1556)، وابن خزيمة (3/ 142 و 143/ 1782)، وابن حبان (7/ 31/ 2791)، والحاكم (3/ 393)[ووهم في استدراكه]، وأحمد (4/ 263)، وابن أبي شيبة في المسند (445)، ويعقوب بن سفيان في مشيخته (161)، والبزار (4/ 241/ 1406)، وأبو يعلى (3/ 206/ 1642)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 873/ 1820)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 122)، وفي ذكر الأقران (173)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (93)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (97)(1116 - المخلصيات)، وفي السابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (219)(1550 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (3/ 208)، وفي الشعب (4/ 255/ 4989)، وفي الآداب (313)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 440)، وفي المعجم (1)، وقال:"صحيح".
رواه عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر: سريج بن يونس، وسعيد بن سليمان الواسطي، وأحمد بن إشكاب الصفار، ومعلى بن منصور الرازي، والعلاء بن عصيم الجعفي، وقريش بن إبراهيم الصيدلاني، وسعيد بن محمد الجرمي، وسهل بن عثمان، ويحيى بن عبد الرحمن بن مالك بن الحارث الأرحبي، وأبو عاصم أحمد بن أسد بن عاصم البجلي ابن بنت مالك بن مغول أوهم ثقات في الجملة].
* ورواه سعيد بن بشير [ضعيف]، عن عبد الملك بن أبجر، عن واصل، عن أبي وائل، عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل".
أخرجه أبو عوانة (11/ 719/ 14929 - إتحاف المهرة)، والبزار (4/ 242/ 1407)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 60/ 1797)[وفي سنده سقط]. وتمام في الفوائد (1037).
وخالف الأعمشُ واصلَ بن حيان في إسناده، وأوقفه:
فرواه سفيان الثوري، وزائدة بن قدامة:
عن الأعمش، عن أبي وائل، عن [أبي ميسرة] عمرو بن شرحبيل، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل، يقول: علامة.
أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (11/ 214)، والطبراني في الكبير (9/ 298/ 9493 و 9494)، والبيهقي في السنن (3/ 208)، وفي الشعب (4/ 4988/255).
* خالفهما: أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، فرواه عن الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله: إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (5/ 72)، وابن أبي شيبة (1/ 450/ 5199)، وأبو طاهر السلفي في معجم السفر (1554).
قلت: قصر به أبو معاوية، والحكم لمن زاد، لا سيما وهما اثنان من كبار الحفاظ المتقنين سفيان وزائدة.
وعليه: فهو موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
* خالفهم قيس فرفعه، ووهم في إسناده مرتين:
رواه قيس بن الربيع [ليس بالقوي]، مرة عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطب، وإن من البيان لسحرًا، وإنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب وبقصرون الصلاة".
أخرجه ابن قتيبة في عيون الأخبار (2/ 168)، والبزار (5/ 290/ 1908)، وابن عدي في الكامل (6/ 42).
رواه عن قيس به بهذا الوجه: يحيى بن آدم، وهو: ثقة حافظ، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو: حافظ، اتهم بسرقة الحديث.
* ورواه قيس أيضًا، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
أخرجه البزار (5/ 290/ 1909).
رواه عن قيس به بهذا الوجه: الحسن بن بشر بن سلم الكوفي، وهو: لا بأس به، روى عن زهير أحاديث منكرة، وقد روى عنه أبو حاتم وصدقه، وأبو زرعة الرازي، وروى عنه البخاري في الصحيح من غير روايته عن زهير [الجرح والتعديل (3/ 3)، التهذيب (1/ 384)، الميزان (1/ 481)].
وقد تفرد قيس بن الربيع عن الأعمش بهذين الوجهين، قاله البزار، وقال الدارقطني في الأفراد (2/ 16/ 3735 - أطرافه):"تفرد به قيس بن الربيع عن الأعمش".
قلت: والحمل فيه على قيس، خلط فيه، والمحفوظ: عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود؛ موقوفًا.
* وموقوف ابن مسعود هذا رواه أيضًا: جعفر بن عون، ووكيع بن الجراح، وزائدة بن قدامة، ويحيى بن سعيد القطان:
عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود، قال: أطيلوا هذه الصلاة، واقصروا هذه الخطبة؛ يعني: صلاة الجمعة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 450/ 5200)، والطبراني في الكبير (9/ 298/ 9492)، والدارقطني في العلل (5/ 225/ 835)، والحاكم (2/ 488)، والبيهقي في السنن (3/ 208).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: وهو كما قال، موقوفًا على ابن مسعود.
* وروى أبو إسحاق السبيعي: سمعت أبا الأحوص، عن ابن مسعود، قال: إنكم في زمان قليل خطباؤه، كثير علماؤه، يطيلون الصلاة، ويقصرون الخطبة، وإنه سيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه، قليل علماؤه، يطيلون الخطبة، ويؤخرون الصلاة، حتى يقال: هذا شرق الموتى، قلت له: ما شرق الموتى؟ قال: إذا اصفرت الشمس جدًّا، "فمن أدرك ذلك منكم فليصل الصلا لوقتها، فإن احتبس فليصل معهم، وليجعل صلاته وحده الفريضة، وصلاته معهم تطوعًا".
أخرجه عبد الرزاق (2/ 382/ 3787)، وابن نصر المروزي في الصلاة (1037 و 1038)، والطبراني في الكبير (9/ 108/ 8567) و (9/ 298/ 9496).
وهذا إسناد صحيح، على شرط مسلم.
* وروى قبيصة بن عقبة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والحسين بن حفص:
عن سفيان الثوري، عن أبي قيس [الأودي]، عن الهزيل بن شرحبيل، عن عبد الله، قال: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي، إنكم في زمانٍ كثيرٌ علماؤه، قليل خطباؤه، كثيرٌ معطوه، قليلٌ سُؤَّاله، الصلوات فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وإن من ورائكم زمانًا كثيرٌ خطباؤه، قليلٌ علماؤه، كثيرٌ سؤَّاله، قليلٌ معطوه، الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطب، إن من البيان سحرًا.
أخرجه ابن أبي شيبة في الأدب (73)، وفي المصنف (7/ 37378/479)، وهناد بن السري في الزهد (670)، والطبراني في الكبير (9/ 108/ 8566)، والحاكم (4/ 482).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: هذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط البخاري.
* والحاصل: فهذان حديثان، أحدهما: عن عمار مرفوعًا، وله طرق، والآخر: عن ابن مسعود موقوفًا عليه توله، وله طرق، ويحتمل من أبي وائل شقيق بن سلمة التعدد في الأسانيد، لا سيما وحديث واصل بن حيان الأحدب لم يسلك فيه الجادة، ولم يقل: عن ابن مسعود، مما يدل على أنه حفظه، كما أن فيه قصة تؤكد حفظه للحديث وضبطه له، وقد صححه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن عساكر وغيرهم.
بل قد صححه إمام الأئمة وجبل الأمة، الإمام البخاري؛ نقل ذلك عنه الترمذي في علله الكبير (142 - ترتيبه)، فقال: (قال محمد [يعني: البخاري]: حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اقصُرُوا الخُطَب": هو حديث صحيح".
* وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم في التتبع (32)، فقال:"هذا الحديث تفرد به: ابنُ أبجر عن واصل، حدث به عنه ابنه عبد الرحمن وسعيد بن بشير، وخالفه الأعمش، وهو أحفظ لحديث أبي وائل منه، رواه عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قوله، غير مرفوع، قاله الثوري وغيره عن الأعمش".
وكأنه استروح لهذا المعنى أيضًا في الأفراد، فقال: "غريب صحيح من حديث واصل بن حيان الأحدب عن أبي وائل عنه، تفرد به عبد الملك بن سعيد بن أبجر عنه، حدث به: ابنه عبد الرحمن وسعيد بن بشير، ورواه مسلم عن سريج بن يونس بهذا الإسناد، وهو عندنا بعلو عن سريج.
وروى هذا الحديث: سليمان الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله؛ في طول الصلاة، دون قوله:"إن من البيان سحرًا": موقوفًا غير مرفوع" [أطراف الغرائب والأفراد (2/ 101/ 4235)].
فكأنه مال إلى إعلال المرفوع بالموقوف، بعدما صرح بصحة المرفوع مع غرابته.
لكنه في العلل (5/ 224/ 835) ذهب إلى تصحيح الحديثين جميعًا، فجعلهما محفوظين عن أبي وائل، حيث قال:"والقولان عن أبي وائل: محفوظان، قول الأعمش، وقول واصل، جميعًا".
قلت: وهذا هو الصواب الموافق لقواعد الأئمة، كما سبق بيانه قبل قليل، والله أعلم.
***
1107 -
. . . الوليد: أخبرني شيبان أبو معاوية، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة السوائي، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطيلُ الموعظةَ يوم الجمعة، إنما هنَّ كلماتٌ يسيراتٌ".
* حديث صحيح غريب، مروي بالمعنى
أخرجه الحاكم (1/ 289)، والطبراني في الكبير (2/ 242/ 2015)، والبيهقي (3/ 208).
رواه عن الوليد بن مسلم: محمود بن خالد، وهشام بن عمار الدمشقيان.
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".
وصحح إسناده النووي في الخلاصة (2805)، وابن الملقن في البدر المنير (4/ 631).
هكذا رواه الوليد بن مسلم [دمشقي، ثقة، وقد رواه عنه الدمشقيون]، عن أبي معاوية
شيبان بن عبد الرحمن النحوي [كوفي ثقة، صاحب كتاب]، عن سماك بن حرب.
فهو حديث كوفي ثم شامي، وهو حديث غريب لم يُعرف في بلده، وإنما عرف خارجها، حيث لم يروه عن شيبان سوى الوليد بن مسلم الدمشقي، ثم اشتهر في دمشق، فأين أهل العراق على كثرتهم عن حديث شيبان هذا؟.
* وقد خالف شيبانَ في لفظه جماعةٌ من قدامى أصحاب سماك، ومن أثبت الناس فيه، ممن كان لا يقبل عنه ما لُقِّنه:
فقد رواه سفيان الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وأبو الأحوص، وزكريا بن أبي زائدة [وهم ثقات أثبات]، وشريك بن عبد الله النخعي، وقيس بن الربيع [وهما من أهل الصدق، متكلَّم في حفظهما]، وعمرو بن أبي قيس [ليس به بأس]، وأسباط بن نصر [ليس بالقوي]، وغيرهم:
عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم[الصلوات]، فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا. لفظ أبي الأحوص وزكريا بن أبي زائدة، وما بين المعكوفين له [كلاهما عند مسلم].
ولفظ الثوري وعمرو بن أبي قيس: وكانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا.
ولفظ شعبة: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا، وخطبته قصدًا.
ولفظ زائدة: وكانت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته قصدًا.
أخرجه مسلم (866)، وقد تقدم تخريجه مفصلًا برقم (1094 و 1095)، وقد سبق أيضًا أن خرجت طرفًا منه تحت الحديث رقم (795)، الشاهد الرابع، وخرجت بعض طرقه تحت الحديث رقم (805).
* ورواه أيضًا: وكيع: ثنا الأعمش، عن المُسيَّب بن رافع، عن تميم بن طَرَفَةَ، عن جابر بن سمرة، قال: كانت صلاة النيي صلى الله عليه وسلم قصدًا، وخطبته قصدًا.
أخرجه أحمد (5/ 107).
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وبهذا يتبين أن رواية شيبان مع غرابتها، فإنها مروية بالمعنى، ولا ندري هل وقع ذلك من شيبان، أم من سماك بن حرب نفسه؟ والله أعلم.
* وفي الباب أيضًا:
1 -
حديث الحكم بن حزن:
يرويه شهاب بن خِراش: حدثني شعيب بن رُزَيق الطائفي، قال: جلست إلى رجلٍ له صحبةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له: الحكم بن حَزْنٍ الكُلَفي، فأنشأ يحدثنا، قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابعَ سبعةٍ
…
فذكر الحديث، والشاهد منه: فحمد الله وأثنى عليه، كلماتٍ خفيفات طيباتٍ مباركاتٍ، ثم قال:"أيها الناس، إنكم لن تطيقوا" - أو: "لن تفعلوا" - "كلَّ ما أُمرتم به، ولكن سدِّدوا، وأبشروا".
تقدم برقم (1096)، وهو حديث حسن.
2 -
حديث عبد الله بن أبي أوفى:
يرويه الفضل بن موسى [السيناني: ثقة ثبت]، وعلي بن الحسين بن واقد [قال أبو حاتم:"ضعيف الحديث"، وقال النسائي:"ليس به بأس"، التهذيب (3/ 155)، السير (10/ 211)، وقال:"حسن الحديث"]، وعلي بن الحسن بن شقيق [ثقة حافظ، وهو غريب من حديثه]:
عن الحسين بن واقد، قال: حدثني يحيى بن عُقَيل، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكرَ، ويُقِلُّ اللغوَ، ويطيل الصلاة، ويُقصِّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة.
أخرجه الترمذي في العلل (670)، والنسائي في المجتبى (3/ 109/ 1414)، وفي الكبرى (2/ 280/ 1728)، والدارمي (74)، وابن حبان (14/ 333/ 6423) و (14/ 334/ 6424)، والحاكم (2/ 614)، والضياء في المختارة (13/ 208/130 و 209)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (193)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (47 - المنتقى)، والطبراني في الأوسط (8/ 135/ 8197)، وفي الصغير (405)، وفي الدعاء (1875)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (42)، وأبو عبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة (70)، والبيهقي في الشعب (6/ 269/ 8114)، وفي الدلائل (1/ 329)، والخطيب في التاريخ (8/ 4)، والبغوي في الشمائل (382)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 64/ 1160)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 56 و 57).
قال الترمذي: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن، وهو حديث الحسين بن واقد تفرد به".
وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن ابن أبي أوفى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: الفضل بن موسى".
قلت: قد توبع عليه.
* خالفهم زيد بن الحباب:
رواه عبد الله بن الحكم [هو: ابن أبي زياد القطواني، وهو: ثقة]: ثنا زيد بن الحباب [صدوق]: نا حسين بن واقد: حدثني أبو غالب، قال: قلت لأبي أمامة: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ويكثر الذكر ويقل اللغو، ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة، ولا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الضعيف والمسكين حتى يقضي حاجته".
أخرجه ابن خزيمة (6/ 272/ 6515 - إتحاف)(6/ 510/ 6898 - إتحاف)، والطبراني في الكبير (8/ 287/ 8103)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 57).
قلت: رواية الجماعة أشبه بالصواب، وكلام البخاري يدل على غرابة هذا الطريق وعدم اشتهاره.
وعليه: فهو كما قال البخاري، وهو حديث مروزي حسن [وانظر للفائدة: علل الترمذي الكبير (143)، البخاري (3230 و 3266 و 4819)، مسلم (871)].
* قال الحاكم في المستدرك (2/ 614): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب [ثقة حافظ]: ثنا هارون بن سليمان الأصبهاني: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت عبد الله بن أبي عتبة، يقول: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد والأرملة حتى يفرغ لهم من حاجتهم.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: هو حديث غريب جدًّا، ولا يثبت مثله؛ فإن الإسناد من لدن ابن مهدي فمن فوقه: على شرط الشيخين [انظر: تحفة الأشراف (3/ 357/ 4107)]، فقد أخرجا بهذا الإسناد حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها [البخاري (3562)، مسلم (2320)].
فأين أصحاب قتادة وشعبة وابن مهدي البصريين؛ حتى ينفرد بهذا الإسناد رجل أصبهاني، وهو أحد الثقات [الثقات (9/ 241)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 14 و 412)، تاريخ أصبهان (2/ 313)، تكملة الإكمال (1/ 301)]، ولا أُراه حفظه عن ابن مهدي، ولا أرى الوهم فيه إلا منه، وقد يكون دخل له حديث في حديث بانتقال بصر ونحوه، والله أعلم.
3 -
حديث أبى أمامة:
يرويه يحيى بن صالح الوحاظي [حمصي ثقة]: ثنا جميع بن ثُوَب، عن يزيد بن خمير، عن أبي أمامة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرًا، قال:"اقصُرِ الخطبة، وأقِلَّ الكلام، فإن من الكلام سحرًا".
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 144/ 7640) و (8/ 154/ 7662)، وتمام في الفوائد (1685)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 315)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 59).
تنبيه: أخطأ شيخ الطبراني في الموضع الأول، فتحرف عليه اسم الراوي عن أبي أمامة من يزيد بن خمير إلى زائدة بن حسين، وهو خطأ فاحش، والحمل فيه على أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة البتلهي، وهو: ضعيف، كان يروي المناكير، ويقبل التلقين [الثقات (9/ 74)، مسند أبي عوانة (5/ 138/ 8137)، فتح الباب (4471)، تاريخ دمشق (5/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 83)، اللسان (1/ 650)].
وهذا حديث منكر؛ جميع بن ثوب: متروك، منكر الحديث [اللسان (2/ 485)].