الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (6/ 404)].
فتحصل من مجموع هذه النقول وغيرها: احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه، مع تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب ابن مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكرًا.
* وأما كونه موقوفًا؛ فقد جزم أبو العباس بن تيمية بأن له حكم الرفع، حيث قال: "وهذا الذي أخبر به ابن مسعود أمرٌ لا يعرفه إلا نبي، أو مَن أخذه عن نبي، فيُعلم بذلك أن ابن مسعود أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب، لوجوه:
أحدها: أن الصحابة قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به، فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي الله عنه بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكمًا.
الثاني: أن ابن مسعود رضي الله عنه خصوصًا كان من أشد الصحابة رضي الله عنهم إنكارًا لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.
الثالث: أن الجمعة لم تشرع إلا لنا، والتبكير فيها ليس إلا في شريعتنا، فيبعد أخذ أمثل هذا، عن الأنبياء المتقدمين، ويبعد أن اليهودي يحدث بمثل هذه الفضيلة لهذه الأمة، وهم الموصوفون بكتمان العلم والبخل به وحسد هذه الأمة، [مجموع الفتاوى (6/ 405)].
***
233 - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث
1109 -
. . . حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما، عليهما قميصانِ أحمرانِ، يعْثُرانِ ويقومانِ، فنزل فأخذهما، فصعِد بهما [المنبر]، ثم قال:"صدق الله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28]، رأيتُ هذينِ فلم أصبِر"، ثم أخذ في الخطبة.
* حديث غريب
أخرجه الترمذي (3774)، والنسائي في المجتبى (3/ 108/ 1413) و (3/ 192/ 1585)، وفي الكبرى (2/ 286/ 1743) و (2/ 359/ 1803) و (2/ 310/ 1804)، وابن ماجه (3600)، وابن خزيمة (2/ 355/ 1456) و (3/ 152/ 1801 و 1802)، وابن حبان (13/ 402/ 6038) و (13/ 403/ 6039)، والحاكم (1/ 287) و (4/ 189)، وأحمد في المسند (5/ 354)(10/ 5452/ 23461 - ط المكنز)، وفي فضائل الصحابة (2/ 770/ 1358)، وابن أبي شيبة (5/ 158/ 24729) و (6/ 379/ 32189)، وابن أبي الدنيا في العيال (179)، والبزار (10/ 292 - 293/ 4406)، وابن جرير الطبري في تفسيره (28/ 126)، والآجري في الشريعة (1651 و 1652)، وابن شاهين في شرح مذاهب أهل السُّنَّة
177 -
، وأبو الحسن الحمامي في الخامس من حديثه بتخريج ابن أبي الفوارس (12)(82 - مجموع مصنفاته)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 330)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء (133)، والبيهقي في السنن (3/ 218) و (6/ 165)، وفي الشعب (7/ 466/ 11016)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 308)، والبغوي في التفسير (4/ 354)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 214 و 215) و (14/ 161 و 162) و (43/ 215)، وفي المعجم (1127).
رواه عن الحسين بن واقد: زيد بن الحباب [ثقة]، والفضل بن موسى السيناني [ثقة ثبت]، وعلي بن الحسن بن شقيق [ثقة حافظ]، وأبو تميلة يحيى بن واضح [ثقة]، ويونس بن بكير [صدوق]، وعلي بن الحسين بن واقد [قال أبو حاتم:"ضعيف الحديث"، وقال النسائي:"ليس به بأس"، التهذيب (3/ 155)، السير (10/ 211)، وقال:"حسن الحديث"].
وهذا لفظ زيد بن الحباب عند أبي داود، ولفظه عند أحمد [وفيها إثبات سماع ابن بريدة من أبيه]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال:"صدق الله ورسوله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعتُ حديثي ورفعتُهما". وبمثله رواه أبو تميلة، وعلي بن الحسن، وعلي بن الحسين، وبنحوه رواه الفضل بن موسى، وفي رواية لأبي تميلة:
…
"حتى نزلتُ فحملتُهما"، وكذا لعلي بن الحسن، وفي رواية الفضل: فقطع كلامه فحملهما ثم عاد إلى المنبر، وفي رواية علي بن الحسن: إذ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فرفعهما إليه، وفي أخرى له: فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، وقد تابع زيدَ بن الحباب على قوله في آخر الحديث: ثم أخذ في الخطبة، تابعه علي بن الحسن في رواية.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب؛ إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق".
وقال أبو الفتح بن أبي الفوارس: "هذا حديث غريب من حديث ابن بريدة عن أبيه، لا أعلم حدَّث به إلا حسين بن واقد، وقع إلينا بعلو من حديث زيد بن الحباب".
وقال الحاكم في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وهو أصل في قطع الخطبة والنزول من المنبر عند الحاجة".
وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: الحسين بن واقد إنما أخرج له مسلم في موضعين متابعةً [صحيح مسلم (1814) و (2865/ 64)][والأول أصله في البخاري برقم (4473)]، وعلق له البخاري في موضع واحد متابعةً من غير روايته عن ابن بريدة أصحيح البخاري بعد الحديث رقم (5003)، هدي الساري (457)].
والحسين بن واقد: مروزي، ليس به بأس، له أوهام ومناكير عن عبد الله بن بريدة وأبي إسحاق السبيعي وعمرو بن دينار وغيرهم، وقد وثقه جماعة، فقال ابن معين [في رواية الدوري والدارمي وابن أبي خيثمة]:"ثقة"، وفي رواية ابن طهمان عنه:"ثقة، ليس به بأس"، وقال أبو زرعة والنسائي:"ليس به بأس"، وقال ابن سعد:"كان حسن الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"وربما أخطأ في الروايات"، واختلف فيه قول أحمد، فقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في الحسين بن واقد؟ فقال: "لا بأس به"، وأثنى عليه خيرًا، وقال عبد الله بن أحمد:"قال أبي: عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقد: ما أنكرها، وأبو المنيب أيضًا، يقولون: كأنها من قبل هؤلاء"، وقال في رواية له:"ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة"، وفي رواية المروذي:"ليس بذاك"، وفي رواية الميموني:"له أشياء مناكير"، وقال أيضًا:"وأحاديث حسين ما أرى أي شيء هي! "، ونفض يده، وسئل أحمد عن حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر في الملبقة [وهو عند أبي داود برقم (3818)]، فأنكره، وقال:"من روى هذا؟ "، قيل له: الحسين بن واقد، فقال بيده وحرك رأسه؛ كأنه لم يرضه، لكن أبا حاتم قال:"هذا حديث باطل"، وألحق التبعة فيه بأيوب بن خوط، وهو: متروك، ولم يحمل على الحسين بن واقد [طبقات ابن سعد (7/ 371)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 355/ 4750)، تاريخ ابن معين للدارمي (290)، سؤالات ابن طهمان (377)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 301/ 497) و (2/ 22/ 1420)، سؤالات المروذي والميموني (146 و 444)، ضعفاء العقيلي (1/ 251) و (2/ 238)، الجرح والتعديل (3/ 66) و (5/ 13)، علل الحديث (630 و 982 و 1531 و 1734)، الثقات (6/ 209)، علل الدارقطني (2/ 198/ 217) و (4/ 9/ 407) و (4/ 42/ 423) و (4/ 145/ 475) و (5/ 57/ 702) و (5/ 103/ 749) و (5/ 304/ 900) و (13/ 439/ 3331)، الميزان (1/ 549)، التهذيب (1/ 438)، وقد تقدم ذكره مرارًا، انظر مثلًا: ما تقدم برقم (896)].
وقد قمت بسبر مرويات الحسين بن واقد التي حكم عليها الأئمة، والنظر فيها واعتبارها، مع ملاحظة أحكام الأئمة عليها بالقبول والرد والتعليل والتوهيم، فتبين لي:
أن الحسين بن واقد: ليس به بأس، يخطئ أحيانًا في الروايات، ويخالف أحيانًا الثقات، وقد أنكر عليه أحمد ما رواه عن عبد الله بن بريدة خصوصًا، فدل ذلك على أنه مقبول الرواية حسن الحديث إذا لم يخالف غيره من الثقات؛ إلا عن عبد الله بن بريدة فإنه لا يقبل حديثه عنه حتى يتابع عليه في الجملة، كي تزول النكارة عن حديثه، فإذا لم يتابع رُدَّ حديثه، والله أعلم.
* وهذه القصة في فضيلة الحسن والحسين؛ في واقعة شهدها جمع من الصحابة، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يوم الجمعة، فلا يخفى مثل ذلك على الحاضرين، مع توافر الهمم والدواعي لنقل مثل هذه الحادثة، ثم لا ينقلها سوى بريدة بن الحصيب، ولا عنه