المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌260 - باب رفع اليدين في الاستسقاء - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌230 - باب رفع اليدين على المنبر

- ‌231 - باب إقصار الخُطَب

- ‌232 - باب الدنو من الإمام عند الموعظة

- ‌233 - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌234 - باب الاحتباء والإمام يخطب

- ‌235 - باب الكلام والإمام يخطب

- ‌236 - باب استئذانِ المحدثِ الإمامَ

- ‌237 - باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌238 - باب تخطِّي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌239 - باب الرجل ينعس، والإمام يخطب

- ‌240 - باب الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر

- ‌241 - باب من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌242 - باب ما يُقرأُ به في الجمعة

- ‌243 - باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌244 - باب الصلاة بعد الجمعة

- ‌245 - باب صلاة العيدين

- ‌246 - باب وقت الخروج إلى العيد

- ‌247 - باب خروج النساء في العيد

- ‌248 - باب الخطبة يوم العيد

- ‌249 - باب يخطب على قوس

- ‌250 - باب ترك الأذان في العيد

- ‌251 - باب التكبير في العيدين

- ‌ 22)].* * *252 -باب ما يُقرَأ في الأضحى والفطر

- ‌253 - باب الجلوس للخطبة

- ‌254 - باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق

- ‌255 - باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه

- ‌256 - باب الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌257 - باب يصلي بالناس [العيد] في المسجد إذا كان يومَ مطرٍ

- ‌ومن آداب العيد التي لم يتطرق إليها أبو داود أكل تمرات قبل الغدو لصلاة عيد الفطر

- ‌ومما روي مرفوعًا في التكبير ليلة العيد وأيام التشريق دبر الصلوات المكتوبات

- ‌258 - جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها

- ‌259 - باب في أيِّ وقتٍ يحوِّلُ رداءه إذا استسقى

- ‌260 - باب رفع اليدين في الاستسقاء

- ‌261 - باب صلاة الكسوف

- ‌262 - باب من قال أربع ركعات

- ‌263 - باب القراءة في صلاة الكسوف

- ‌264 - باب يُنادَى فيها بالصلاة

- ‌265 - باب الصدقة فيها

- ‌266 - باب العتق فيها

- ‌267 - باب من قال: يركع ركعتين

- ‌268 - باب الصلاة عند الظلمة ونحوها

- ‌269 - باب السجود عند الآيات

- ‌تفريع أبواب صلاة السفر

- ‌270 - باب صلاة المسافر

الفصل: ‌260 - باب رفع اليدين في الاستسقاء

وذكر في موضع آخر (2/ 549) أن الإمام يخطب خطبتين يجلس بينهما، ثم يحول وجهه إلى القبلة، ويحول رداءه، ويحول الناس أرديتهم.

وقال أحمد: "يصلي، ثم يدعو، ويجهر بالقراءة"[مسائل الكوسج (407)].

وقال الترمذي (559): "وهو قول الشافعي، قال: يصلي صلاة الاستسقاء نحو صلاة العيدين، يكبر في الركعة الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، واحتج بحديث ابن عباس، وروي عن مالك بن أنس، أنه قال: لا يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيدين، وقال النعمان أبو حنيفة: لا تُصلَّى صلاةُ الاستسقاء، ولا آمرهم بتحويل الرداء، ولكن يدعون ويرجعون بجملتهم؛ خالف السُّنَّة".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 172): "وقال الليث بن سعد: الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وقاله مالك، ثم رجع عنه إلى أن الخطبة فيها بعد الصلاة، وعليه جماعة الفقهاء".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (4/ 402): "السُّنَّة في الاستسقاء: أن يخرج إلى المصلى، فيبدأ بالصلاة، فيصلي ركعتين مثل صلاة العيدين، يكبر في الأولى سبعًا سوى تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة القيام، ويجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب،. . .، وهو قول الشافعي وأحمد!.

° وحاصل ما تقدم: أنه لم يصح عندي حديث صريح في إثبات الخطبة في الاستسقاء، وأن الروايات الراجحة تدل على تقديم الصلاة على الاستسقاء، واللَّه أعلم.

وانظر أيضًا: رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس [تاريخ ابن معين للدوري (4/ 495)، والمعرفة والتاريخ (1/ 390)]. معالم السنن (1/ 254)، وشرح ابن بطال (3/ 18)، وشرح مسلم للنووي (6/ 188)، والمجموع شرح المهذب (5/ 66).

* * *

‌260 - باب رفع اليدين في الاستسقاء

1168 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: أخبرنا ابن وهب، عن حيوة وعُمَرَ بن مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عُمَير مولى بني آبي اللحم؛ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت، قريبًا من الزوراء، قائمًا يدعو، يستسقي، رافعًا يديه قِبَل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه.

* حديث صحيح

* ورواه هارون بن معروف [ثقة حافظ]، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني حيوة وعمرُ بن مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم [التيمي]، عن عمير مولى آبي اللحم؛ أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[يستسقي] عند أحجار الزيت، قريبًا من الزوراء، [قائمًا]

ص: 304

يدعو، [يستسقي] رافعًا كفيه قبَل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه، [قال في الرواية الأخرى: مقبل بباطن كفيه إلى وجهه].

أخرجه ابن حبان (3/ 162/ 878)[واللفظ له]. وأحمد (5/ 223)(10/ 5145/ 22363 و 22364 - مكنز) و (10/ 5648/ 24195 و 24196 - مكنز)[وقد اضطربت نسخ المسند في إسناد هذه الرواية في الموضع الثاني (22364) والرابع (24196)، ففي نسخة: عن رجل وعمر بن مالك، وكذا هو في الإتحاف (12/ 532/ 16041)، وفي أطراف المسند (5/ 157/ 6849)، وفي نسخة أخرى: قال: وأخبرني حيوة عن عمر بن مالك، وفي أخرى: عن رجل وعمرو، وفي أخرى: وأخبرني حيوة عن عمرو، وفي أخرى: أخبرني حيوة وعمر بن مالك، وهو الصواب، الموافق لما عند ابن حبان وأبي داود، واللَّه أعلم].

وانظر أيضًا: تهذيب الكمال (22/ 212).

* ورواه حرملة بن يحيى [صدوق، كان راويةً لابن وهب]، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا حيوة، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير مولى آبي اللحم؛ أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت، قريبًا من الزوراء، قائمًا يدعو، يستسقي، رافعًا كفيه، لا يجاوز بهما رأسه، مقبلًا بباطن كفه إلى وجهه.

أخرجه ابن حبان (3/ 163/ 879).

قال النووي في الخلاصة (3108): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

قلت: هو إسناد مدني، ثم مصري، صحيح، رجاله كلهم ثقات، وعمر بن مالك الشرعبي المصري: فقيه، لا بأس به، روى له مسلم مقرونًا [التهذيب (3/ 249)]، وحيوة بن شريح التجيبي المصري: ثقة ثبت فقيه.

* وقد اختلف فيه على ابن الهاد:

أ - فرواه حيوة بن شريح التجيبي المصري [ثقة ثبت فقيه]، وعمر بن مالك الشرعبي [لا بأس به]:

عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير مولى آبي اللحم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ب - وخالفهما: سعيد بن أبي هلال، فأسقط ذكر التيمي من الإسناد، وزاد فيه آبي اللحم، فجعله من مسنده:

رواه قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، وعبد اللَّه بن صالح [كاتب الليث، صدوق، وكانت فيه غفلة]، ويحيى بن عبد اللَّه بن بكير [مصري، ثقة، ثبت في الليث بن سعد، وتكلم في سماعه من مالك]:

عن ليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن عمير مولى آبي اللحم، عن آبي اللحم؛ أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي، وهو مُقْنِعٌ بكفَّيه يدعو.

ص: 305

أخرجه الترمذي (557)، والنسائي في المجتبى (3/ 158 - 159/ 1514)، وفي الكبرى (2/ 320/ 1833)(3/ 296/ 2005 - ط. التأصيل). والحاكم (1/ 327)(1/ 155/ ب - رواق المغاربة)(1/ 134/ ب - جامع صنعاء)(2/ 120/ 1238 - ط. الميمان). وأحمد (5/ 223)(10/ 5144/ 22362 - مكنز)[في أكثر النسخ بإسقاط آبي اللحم من الإسناد، و (10/ 5647 - 5648/ 24194 - مكنز) [بإثبات آبي اللحم]. وابن أبي شيبة في المسند (698)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (159 - السفر الثاني). وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 313/ 240)، والطبراني في الكبير (7/ 165/ 6714)، وفي الدعاء (2177)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 368/ 1123) و (6/ 3055/ 6977)، وأبو موسى المديني في اللطائف (434).

قال الترمذي: "كذا قال قتيبة في هذا الحديث: عن آبي اللحم، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إِلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وله صحبة".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وعمير مولى آبي اللحم له صحبة".

• وخالفهم فاسقط آبي اللحم: عبد اللَّه بن عبد الحكم، وشعيب بن الليث [وهما مصريان ثقتان، من أصحاب الليث]:

قالا: ثنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة، عن عمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه؛ أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يدعو، وهو مقنع بكفيه.

أخرجه الحاكم (1/ 535)(1/ 245/ أ - رواق المغاربة)(2/ 548/ 1984 - ط. الميمان).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

° قلت: أيًا وإن المحفوظ عن الليث بن سعد؛ فإن هذا الاسناد غير محفوظ، فإنما يُعرف هذا الحديث من حديث عمير مولى آبي اللحم، وليس عن آبي اللحم نفسه، ووهم من أسقط من إسناده محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني، والصواب فيه: قول حيوة بن شريح وعمر بن مالك الشرعبي، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير مولى آبي اللحم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، واللَّه أعلم.

وسعيد بن أبي هلال: مصري، نشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر، وهو وإن وثقه: ابن سعد والعجلي وابن خزيمة والدارقطني وابن عبد البر والبيهقي والخطيب، وقال أبو حاتم:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات، واحتج به الشيخان، لكن قال الساجي:"صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث".

وقال أبو داود: "سمعت أحمد يقول: سعيد بن أبي هلال سمعوا منه بمصر القدماء،

ص: 306

فخرج -زعموا- إلى المدينة فجاءهم بعدل -أو قال: بوسق- كُتُبٍ كتبت عن الصغار، وعن كلٍ، وكان الليث بن سعد سمع منه، ثم شك في بعضه، فجعل بينه وبين سعيد خالدًا".

وقال البرذعي: "قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما"[سؤالات أبي داود لأحمد (254)، وسؤالات البرذعي (361)، وشرح علل الترمذي (2/ 867)، والفتح لابن رجب (4/ 367)، والميزان (2/ 162)، والتهذيب (2/ 48)، وانظر بعض أوهامه: علل الدارقطني (10/ 10/ 1819) و (12/ 35/ 2379)].

وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد في مواضع، انظر منها مثلًا: فضل الرحيم الودود (8/ 526 / 788) و (9/ 95/ 816).

* واختلف فيه أيضًا على محمد بن ابراهيم:

أ - فرواه ابن الهاد [مدني، ثقة]، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمير مولى آبي اللحم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المحفوظ عن ابن الهاد.

ب - وخالفه: عبد ربه بن سعيد بن قيس [مدني ثقة]، فأبهم الصحابي:

رواه محمد بن جعفر غندر، وحجاج بن محمد، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ويزيد بن هارون، والنضر بن شميل، وأبو داود الطيالسي، وشبابة بن سوار، وسعيد بن عامر الضبعي [وهم ثقات، من أصحاب شعبة]:

عن شعبة بن الحجاج، عن عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، قال: حدثني مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يدعو هكذا، وأشار بباطن كفيه نحو وجهه. لفظ يزيد. ولفظ النضر: يدعو بكفيه. وفي رواية الفراهيدي: باسطًا كفيه. وفي رواية حجاج: ورفع شعبة كفيه وبسطهما. وفي رواية سعيد بن عامر: يدعو هكذا، وباطن كفيه إلى السماء. وهي شاذة، ورواية يزيد المفسرة هي الأشبه في صفة اليدين لحفظه وإتقانه، ولموافقتها لرواية ابن الهاد، واللَّه أعلم.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (156)، وأبو داود (1172)، وأحمد (4/ 36) و (5/ 427)، وابن أبي شيبة في المسند (945)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 351/ 2931)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1576 و 1577)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3167/ 7289).

وهذا إسناد مدني، ثم بصري، صحيح، وإبهام الصحابي لا يضر، والصحابي المبهم هنا: هو عمير مولى آبي اللحم، كما صرح به يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، وهو ثقة مكثر، تقبل زيادته، ومَن حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد استفدنا من حديث عبد ربه إثبات السماع بين محمد بن إبراهيم وعمير مولى آبي اللحم، واللَّه أعلم.

ص: 307

وهذا الحديث قد صححه البخاري في جزء رفع اليدين ضمن أحاديث، فقال (164):"هذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لا يخالف بعضها بعضًا، وليس فيها تضاد؛ لأنها في مواطن مختلفة".

* وقد روي حديث عمير هذا من وجه آخر:

رواه أسد بن موسى، وحسن بن موسى الأشيب [وهم ثقتان]:

قالا: حدثنا ابن لهيعة: حدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن عمير مولى آبي اللحم، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أحجار الزيت يستسقي، رافعًا [بطن] كفيه.

أخرجه الحاكم (3/ 623)، وأحمد (11/ 5752 - 5753/ 24496 - ط. المكنز)(12/ 532/ 16041 - إتحاف المهرة)(5/ 157/ 6849 - أطراف المسند)، والطبراني في الكبير (17/ 126/65)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2098/ 5278).

وهذا إسناد مدني، ثم مصري، صالح في المتابعات؛ ابن لهيعة: ضعيف يعتبر به، وابن قنفذ: مدني ثقة، سمع من عمير مولى آبي اللحم [مصنف ابن أبي شيبة (7/ 395/ 36887)، ومسند أحمد (5/ 223)، وصحيح مسلم (1025/ 82)، وسنن أبي داود (2730)، وسنن ابن ماجة (2855)، وصحيح أبي عوانة (4/ 338/ 6898 و 6899)، وغيرها كثير]، فهو حديث حسن بمتابعاته، واللَّه أعلم.

* * *

1169 -

. . . محمد بن عبيد: حدثنا مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بَواكِيَ [وفي نسخة: بَوَادٍ]، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مُغيثًا، مَريئًا مَريعًا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلًا غيرَ آجلٍ"، قال: فأطبقت عليهم السماء.

* حديث شاذ، صوابه مرسل

أخرجه أبو عوانة (2/ 123/ 527 2)، وابن خزيمة (2/ 335/ 1416)، والحاكم (1/ 327)، وعبد بن حميد (1125)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (44)، وعبد اللَّه بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 347/ 5530)، والطبراني في الدعاء (2197)، والبيهقي في السنن (3/ 355)، وفي الدعوات (547)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 433)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 336).

رواه عن محمد بن عبيد الطنافسي: عبد بن حميد [وقال: بواكٍ]، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف [واللفظ له]، ومجاهد بن موسى [وقال: بواكي]، وعلي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر ابن إشكاب العامري [وقال: بواكي]، والحسن بن علي بن عفان [ووقع في روايته مرة: بواكي، ومرة: هوازن] [وهم ثقات].

ورواه البيهقي وابن عبد البر من طريق أبي داود، بلفظ: بواكي، ورواه الخطيب من

ص: 308

طريق ابن أبي خلف، بلفظ: بواكِ، وكذا ذكره عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 427)، والمزي في التحفة (3141)، وابن حجر في التلخيص (2/ 99)، وغيرهم [وبذا يظهر أنه لا يصح من جهة الرواية من ذكره بلفظ: يُواكي، بمعنى التحامل على اليدين. انظر: معالم السنن (1/ 220)، ومن تعقبه في ذلك].

هكذا روى الدعاء جماعة من الثقات عن محمد بن عبيد، ورواه أبو دواد هكذا عن ابن أبي خلف، وزاد فيه عبد اللَّه بن أحمد [وعنه: الطبراني في الدعاء]، فرواه بلفظ:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيًا مريًا، غدقًا طبقًا، نافعًا غيرَ ضار، عاجلًا غيرَ رايث".

قلت: جرى على ظاهر هذا السند فصححه: أبو عوانة، وابن خزيمة، والحاكم، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وهو معلول:

° قال عبد اللَّه بن أحمد: "فحدثت بهذا الحديث أبي، فقال أبي: أعطانا محمد بن عبيد كتابه عن مسعر، فنسخناه، ولم يكن هذا الحديث فيه، ليس هذا بشيء، كأنه أنكره من حديث محمد بن عبيد"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 347/ 5530)].

ثم قال عبد اللَّه (3/ 347/ 5531): " قال أبي: وحدثناه يعلى أخو محمد، قال: حدثنا مسعر، عن يزيد الفقير؟ مرسلًا، ولم يقل: بواكي؟ خالفه".

قلت: ولعله لهذا السبب امتنع أحمد من إخراجه في مسنده؛ لأنه لم يكن في كتاب محمد بن عبيد عن مسعر، واللَّه أعلم.

قال ابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 97): "فحاصله أنه رجح الإرسال على الوصل".

وقال الدارقطني في العلل (13/ 391/ 3284): "يرويه مسعر، واختلف عنه:

فرواه جعفر بن عون، ومحمد بن عبيد، عن مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر: أتت هوازن النبي صلى الله عليه وسلم.

وغيرهما يرويه عن مسعر، عن يزيد الفقير مرسلًا، وهو أشبه بالصواب".

وقال في الأفراد (1/ 1756/324 - أطرافه): "لا أعلم حدث به عن جعفر بن عون عن مسعر عن يزيد الفقير عن جابر؛ غير محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي، حدث به البزار وابن أبي داود، وتابعه محمد بن عبيد عن مسعر فأسنده، ورواه يعلى بن عبيد وأحمد بن بشير عن مسعر عن يزيد مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال الخطيب: "هكذا رواه محمد بن عبيد عن مسعر موصولًا، ورواه أخوه يعلى بن عبيد عن مسعر عن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكر فيه جابرًا".

قلت: فهو حديث معلول؛ حيث لم يكن في كتاب محمد بن عبيد عن مسعر، وقال أحمد:"ليس هذا بشيء"، ومتابعة جعفر بن عون لا تغني شيئًا، فهو غريب من حديث جعفر، تفرد به عنه: محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي: قال أبو حاتم: "شيخ"، وقال ابنه عبد الرحمن:"صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (8/ 25)، والثقات (9/ 120)، وتاريخ الإسلام (6/ 416)].

ص: 309

وقد أعله بالإرسال: أحمد، والدارقطني، والخطيب البغدادي، واللَّه أعلم.

* * *

1170 -

. . . سعيد، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إِلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرَى بياضُ إبطيه.

* حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (1031 و 3565)، ومسلم (7/ 896)، وأبو عوانة (2/ 110/ 2484)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 480/ 2016)، والنسائي في المجتبى (3/ 158/ 1513)، وفي الكبرى (2/ 169/ 1442) و (2/ 319/ 1830) و (2/ 320/ 1832)، وابن ماجة (1180)، والدارمي (1/ 433/ 1535)، وابن خزيمة (3/ 146/ 1791)، وابن حبان (7/ 113/ 2863)، وأحمد (3/ 181 و 282)، وابن أبي شيبة (2/ 231/ 8446) و (6/ 86/ 29673)، والبزار (13/ 391/ 7082)، وأبو يعلى (5/ 311/ 2935) و (5/ 333/ 2958) و (5/ 339/ 2966) و (5/ 346/ 2987) و (5/ 347/ 2988) و (5/ 399/ 3066 و 3067)، والطبراني في الدعاء (959 و 2175)، والدارقطني (2/ 68 - 69 و 76)، والبيهقي في السنن (3/ 356)، وفي المعرفة (3/ 101/ 2516)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 406/ 1163)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وفي الشمائل (657)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 81/ 954).

رواه عن سعيد بن أبي عروبة جماعة من ثقات أصحابه، وقد سمع بعضهم منه قبل الاختلاط: يزيد بن زريع [واللفظ له]، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وخالد بن الحارث، وعباد بن العوام، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وغندر محمد بن جعفر، وفي رواية الأكثر:"في شيء من دعائه"، بدل:"الدعاء"، وقد صرح قتادة بسماعه من أنس في رواية يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد.

* تابع ابن أبي عروبة عليه:

أبو عبيدة [مجاعة بن الزبير: ضعيف. اللسان (6/ 463)، وكنى مسلم (2399)، والجرح والتعديل (8/ 420) و (1/ 154)، والثقات (7/ 517)]، وسعيد بن بشير [ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات]:

عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.

أخرجه أبو عوانة (2/ 110/ 2485)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 321/ 2224).

* * *

1171 -

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني: حدثنا عفان:

ص: 310

حدثنا حماد: أخبرنا ثابت، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني:- ومدَّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرضَ، حتى رأيتُ بياضَ إبطيه.

* حديث صحيح

لم أقف على من أخرجه من طريق عفان بن مسلم هكذا، والإسناد إليه صحيح، وقد تابعه عليه جماعة من الثقات:

* فقد رواه الحسن بن موسى الأشيب، وحجاج بن منهال، وموسى بن إسماعيل، والأسود بن عامر شاذان، ويزيد بن هارون، ويونس بن محمد المؤدب، وسريج بن النعمان [وهم ثقات]، وعلي بن عثمان اللاحقي [ثقة. تاريخ الإسلام (16/ 284)، واللسان (5/ 563)]، ومؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط]:

عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء. لفظ الحسن [عند مسلم].

ولفظ حجاج [عند أبي عوانة]: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استسقى، فرفع يديه هكذا -بطونهما إلى الأرض-، حتى يُرى بياضُ إبطيه.

ولفظ يزيد [عند أحمد]: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض. وزاد علي بن عثمان: وهو على المنبر.

أخرجه مسلم (896/ 6)، والبخاري في رفع اليدين (151)، وصححه ضمن أحاديث. وأبو عوانة (2/ 110/ 2486 - 2488)، وابن خزيمة (2/ 334/ 1412)، والضياء في المختارة (5/ 32/ 1635)، وأحمد (3/ 123 و 153 و 241)(1/ 472/ 483 - إتحاف المهرة). وعبد بن حميد (1293 و 1338)، وأبو يعلى (6/ 240/ 3534)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 321/ 2225)، وأبو جعفر ابن البختري في ستة مجالس من أماليه (73)، والبيهقي (3/ 357)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 81/ 953).

• خالفهم: إبراهيم بن الحجاج: ثنا حماد، عن ثابت، وحميد، عن أنس بن مالك؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استسقى فمدَّ يده هكذا -فأومأ حماد بيده حيال ثندوته-، جعل بطونهما مما يلي الأرضَ، حتى رأينا بياضَ إبطيه وهو على المنبر.

أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 480/ 2015).

وهذه رواية شاذة؛ إبراهيم بن الحجاج السامي: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن قانع:"صالح"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وروى عنه أبو زرعة، وله أوهام [التهذيب (1/ 62)، والجرح والتعديل (2/ 93)، وعلل الحديث (2/ 39/ 1598)، وعلل الدارقطني (4/ 14/ 410) و (11/ 90/ 2139)، وراجع الحديثين المتقدمين برقم (71 و 509)].

• وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على حماد: ما أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (61)، والضياء في المختارة (5/ 32/ 1636).

ص: 311

* ورواه يحيى بن أبي بكير، ووهب بن جرير، وأبو داود الطيالسي، وأبو زيد الهروي سعيد بن الربيع، ويزيد بن هارون، ووكيع بن الجراح، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأسود بن عامر [وهم ثمانية من الثقات]:

عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء، حتى يُرى بياضُ ابطيه. لفظ ابن أبي بكير [عند مسلم]، وألفاظهم متقاربة.

وفي رواية وهب بن جرير [عند النسائي]، وأبي داود الطيالسي [عند أحمد وغيره]، وعبد الصمد [عند أحمد]، وأبي زيد [عند عبد بن حميد]: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء حتى يُرى بياضُ إبطيه.

قال شعبة: فأتيت عليَّ بن زيد، فذكرت له ذلك، فقال: إنما يريد في الاستسقاء [وفي رواية: إنما ذلك في الاستسقاء]، فقلت له: أسمعته من أنس؟ قال: سبحان اللَّه، قلت: أسمعته من أنس؟ قال: سبحان اللَّه.

أخرجه مسلم (895)، وأبو عوانة (2/ 109/ 2482) و (2/ 110/ 2483)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 480/ 2014)، والنسائي في الكبرى (2/ 169/ 1441)، وابن حبان (3/ 161/ 877)، وأحمد (3/ 184 و 209 و 216 و 259)، والطيالسي (3/ 528/ 2160)، وابن أبي شيبة (6/ 86/ 29678)، وعبد بن حميد (1304)، وأبو يعلى (6/ 221/ 3502)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1370)، وابن المظفر في حديث شعبة (86)، والبيهقي في السنن (3/ 357)، وفي الدعوات (308)، وفي الدلائل (1/ 247)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 407/ 1164)، وقال:"هذا حديث صحيح".

* خالفهم: عبد الرحمن بن مهدي، فرواه عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء.

قال شعبة: فقلتُ لثابت: أنتَ سمعتَه من أنس؟ قال: سبحان اللَّه، قلت: أنت سمعته من أنس؟ قال: سبحان اللَّه.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 249/ 1748)، وفي الكبرى (2/ 168/ 1440)، وابن خزيمة (2/ 333/ 1411)، والحاكم (1/ 327)(1/ 155/ أ - رواق المغاربة)(1/ 134/ ب - جامع صنعاء)(2/ 118/ 1235 - ط. الميمان). والبزار (13/ 281/ 6845)، و [وعزاه خلف الواسطي في الأطراف لمسلم في الصحيح، ولم أجد ذلك في شيء من نسخ الصحيح. انظر: التحفة (444)].

كلهم من طريق: محمد بن بشار [بندار: ثقة]، عن ابن مهدي به.

وزاد الحاكم [كما في المخطوطتين ومطبوعة الميمان] طريقًا أخرى، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي: أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: أخبرني أبي: ثنا عبد الرحمن به، لكنه ساق حديث ابن بشار عن ابن مهدي، وهذا الحديث لم أجده في مسند أحمد، وإنما يُعرف من حديث ابن بشار عن ابن مهدي، فكأنه المتفرد به عنه، واللَّه أعلم.

ص: 312

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد خرجه مسلم من حديث يحيى بن أبي بكير عن شعبة".

قلت: قد وقع إدراج في هذه الرواية فإن استثناء الاستسقاء في رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياضُ الإبطين إنما جاء من حديث قتادة عن أنس، وأما حديث ثابت فليس فيه هذا الاستثناء، وحماد بن سلمة هو أثبت الناس في ثابت، وقد خلت روايته من هذا الاستثناء، وأما الذي وقع منه الاستثناء في حديث شعبة، إنما هو علي بن زيد بن جدعان [وهو: ضعيف]، وظاهره أن ابن جدعان سمعه من أنس، كما جاء ذلك في رواية الجماعة عن شعبة، كما أن الذي قيل له: أنت سمعته من أنس؛ إنما هو علي بن زيد، وليس هو ثابت، وكأنه وقع اختصار في هذه الرواية بإسقاط قصة ابن جدعان، فحصل بسببه الإدراج، فوقع الوهم في هذه الرواية مرتين، واللَّه أعلم.

ومما يؤكد وقوع هذا الإدراج، وأن رواية وهب بن جرير ومن تابعه هي الصواب عن شعبة، أن النسائي في الكبرى بدأ بإيراد حديث ابن مهدي، ثم أتبعه بحديث وهب قائلًا:"خالفه وهب بن جرير"، وعادة النسائي البداءة بالحديث الذي وقع فيه الوهم والغلط والانتهاء بالصواب، ثم قال النسائي: قد روى هذا الحديث: قتادة عن أنس"؛ يعني: أن اسشاء الاستسقاء إنما يُعرف من حديث قتادة، لا من حديث ثابت عن أنس، واللَّه أعلم.

• وانظر فيمن وهم في إسناده على شعبة؛ فجعله عن قتادة عن أنس: ما أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 178).

• وستأتي بقية طرق أنس المطولة في وصف استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة، برقم (1174 و 1175)، إن شاء اللَّه تعالى.

* ومن شواهده:

ما رواه ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمُدُّ يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه.

وقال سليمان: يعني: في الاستسقاء.

وهذا إسناد بصري صحيح، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (746)(8/ 274/ 746 - فضل الرحيم).

° وقد سبق أن تكلمت عن مسألة رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياضُ الإبطين، وذلك تحت الحديث رقم (746) فليراجع، وأن ذلك إنما كان في الاستسقاء، أو في الإشهاد، أو الاستنصار، واللَّه أعلم.

قال النووي في الخلاصة (3106): "في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في دعائه في مواطن كثيرة، فيُتأول حديث أنس أنه لم يعلم، أو أنه أراد الرفع البليغ".

وقال في شرح مسلم (6/ 190): "هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إِلَّا في الاستسقاء، وليس الأمر كذلك؛ بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير

ص: 313

الاستسقاء، وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب، ويُتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يُرى بياضُ إبطيه إِلَّا في الاستسقاء، أو أن المراد: لم أره رفع، وقد رآه غيره رفع، فيقدَّم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات، على واحد لم يحضر ذلك، ولا بد من تأويله لما ذكرناه، واللَّه أعلم" [وانظر أيضًا: ناسخ الحديث للأثرم (149)، والفتح لابن رجب (6/ 300)، والبدر المنير (3/ 641)، والفتح لابن حجر (2/ 517) و (11/ 142)، وغيرها].

* * *

1172 -

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم: أخبرني مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت، باسطًا كفَّيه.

* حديث صحيح

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1168)، وهو حديث صحيح، صححه البخاري في جزء رفع اليدين.

* * *

1173 -

. . . خالد بن نِزار: حدثني القاسم بن مبرور، عن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناسُ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطر، فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المصلَّى، ووعد الناسَ يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم، وحمد اللَّه عز وجل، ثم قال:"إنكم شكوتم جدبَ دياركم، واستئخارَ المطرِ عن إِبَّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم اللَّه عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم"، ثم قال:"الحمد للَّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إِلَّا اللَّه، يفعل ما يريد، اللَّهُمَّ أنت اللَّه، لا اللَّه إِلَّا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِلْ علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَ لنا قوةً وبلاغًا إلى حين [في نسخة: خير] "، ثم رفع يديه، فلم يزَلْ في الرفعِ حتى بدا بياضُ إبطيه، ثم حؤَل إلى الناس ظهره، وقلبَ أو حوَّلَ رداءه، وهو رافعٌ يديه، ثم أقبل على الناس ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه سحابةً فرَعَدَت وبَرَقَت، ثم أمطرت بإذن اللَّه، فلم ياتِ مسجدَه حتى سالت السيول، فلما رأى سُرعتَهم إلى الكِن ضحك صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجِذُه، فقال:"أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير، وأني عبدُ اللَّه ورسوله".

ص: 314

قال أبو داود: وهذا حديث غريب، إسناده جيد، أهل المدينة يقرؤون "ملك يوم الدين"، وإن هذا الحديث حجة لهم.

* حديث غريب

أخرجه أبو عوانة (2/ 121/ 2519)، وابن حبان (3/ 271/ 991) و (7/ 109/ 2860)، والحاكم (1/ 328)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 325)، وفي المشكل (14/ 5/ 5404)، والطبراني في الدعاء (2170 - 2174 و 2185)، وأبو محمد الخلال في ذكر من لم يكن عنده إِلَّا حديث واحد (75)، والبيهقي في السنن (3/ 349)، وفي الدعوات (549)، وفي الأسماء والصفات (1/ 65)، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل (18)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 109).

رواه عن خالد بن نزار: هارون بن سعيد الأيلي [ثقة]، وطاهر بن خالد بن نزار [صدوق، وله ما ينكر. الجرح والتعديل (4/ 499)، والكامل (4/ 121)، وسؤالات السلمي (172)، وتاريخ بغداد (9/ 355)، والميزان (2/ 334)، واللسان (3/ 255)، والمغني (1/ 315)، ومجمع الزوائد (8/ 73)].

وهذا لفظ هارون، وفي رواية له عند الطبراني: فلما رأى لثق الثياب على الناس، وسُرعتَهم إلى الكِنِّ ضحك. . .

ولفظ طاهر [عند ابن حبان] بنحو لفظ هارون؛ إِلَّا أنه قال فيه: "إنكم شكوتم جدبَ جِنانكم، واحتباسَ المطر عن إبان زمانه عنكم"، وقال أيضًا: فلم نلبث في مسجده حتى سألت السيول، فلما رأى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَثَقَ الثياب على الناس ضحك حتى بدت نواجذه. . . الحديث.

قال أبو داود: "وهذا حديث غريب، إسناده جيد".

وقال أبو بكر ابن أبي داود: "لم يرو يونس بن يزيد عن هشام غير هذا الحديث، ولم يروه عن يونس إِلَّا القاسم".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال النووي في المجموع (5/ 86 و 92)، وفي الخلاصة (3070):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 152): "حديث صحيح".

قلت: هو حديث غريب؛ كما قال أبو داود، ويونس بن يزيد الأيلي غير معروف بالرواية عن هشام بن عروة، بل جزم الحافظ أبو بكر ابن أبي داود بأنه لم يرو عن هشام غير هذا الحديث [وقد وجدت له حديثًا آخر، لكنه غلط؛ إنما يرويه يونس عن ابن شهاب الزُّهري. راجع علل الدارقطني (14/ 127/ 3477)].

ص: 315

وقد تفرد به عن يونس دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم وشهرتهم، مثل: عبد اللَّه بن المبارك، وعبد اللَّه بن وهب، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، ووكيع بن الجراح، وسليمان بن بلال، وأنس بن عياض، وعثمان بن عمر بن فارس، والأوزاعي، وابن أخيه عنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي، ومحمد بن بكر البرساني، والمفضل بن فضالة القتباني، ونافع بن يزيد الكلاعي، وغيرهم كثير، تفرد به دونهم عن يونس: القاسم بن مبرور الأيلي، وهو: صدوق، ليس بالمكثر، وتفرد به عنه: خالد بن نزار الأيلي، والحمل عليه في هذا الحديث؛ فإنه لا يحتمل من مثله التفرد بمثل هذا، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يغرب ويخطئ"، وأطلق توثيقه الدارقطني، وبعض المغاربة مثل: ابن وضاح، وابن عبد البر، وقدمه ابن الجارود على حرمي بن عمارة [الثقات (8/ 223)، وسؤالات السلمي (188)، وجامع بيان العلم (1/ 396/ 570)، وتاريخ الإسلام (16/ 149)، والتهذيب (1/ 534)]، وله أوهام في الأسانيد، وغرائبه كثيرة [انظر: علل ابن أبي حاتم (71 و 85 و 2146)، وعلل الدارقطني (12/ 123/ 2508)، وأطراف الغرائب والأفراد (577 و 939 و 1599 و 447 2 و 2995 و 3527 و 4632 و 5266 و 5411 و 5577 و 5634 و 6001 و 6189 و 6241 و 6452 و 6486)، ومعرفة علوم الحديث (102)، وفضل الرحيم الودود (9/ 267/ 832)]، واللَّه أعلم.

* * *

1174 -

قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك،

ويونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس، قال: أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يومَ جمعةٍ، إذ قام رجل فقال: يا رسول اللَّه! هلك الكُراعُ، هلك الشاءُ، فادع اللَّه أن يسقينا، فمذَ يديه ودعا، قال أنس: وإن السماء لمثلُ الزجاجة، فهاجتْ ريحٌ، ثم أنشاتْ سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماءُ عَزَالِيَها، فخرجنا نخوضُ الماءَ، حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطرُ إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل، أو غيره، فقال: يا رسول اللَّه! تهدَّمت البيوت، فادع اللَّه أن يحبسه، فتبسَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"حوالينا ولا علينا"، فنظرتُ إلى السحاب يتصدَّع حول المدينة كأنه إكليل.

* حديث صحيح.

أخرجه من طريق مسدد بالإسنادين جميعًا: البخاري (932 و 3582)، وأبو عوانة (2/ 114/ 2496)، وسمويه في الثالث من فوائده (73)، والطبراني في الدعاء (2182)،

ص: 316

والبيهقي في السنن (3/ 356)، وفي الدلائل (6/ 140)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (4/ 71/ 3008).

• وأخرجه من طريق مسدد بماسناد يونس وحده: البزار (13/ 336/ 6955).

* تابع مسددًا عليه:

أ - إبراهيم بن محمد بن عرعرة [ثقة حافظ]، فرواه عن حماد بن زيد بالإسنادين جميعًا.

أخرجه أبو عوانة (2/ 114/ 2496).

ب - ورواه ابن المبارك [ثقة حافظ، إمام حجة]، قال: أخبرنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام إليه رجل وهو يخطب. . .، فذكره، فرفع يديه، وأشار عبد العزيز فجعل ظهرهما مما يلي وجهه.

أخرجه أحمد (3/ 257).

• ورواه زكريا بن يحيى بن عمارة الأنصاري [صدوق. التهذيب (1/ 634)، وسؤالات ابن أبي شيبة (69)، ومسند البزار (13/ 59/ 6385)، والتمهيد (12/ 242)]، قال: سمعت عبد العزيز، يحدث عن أنس، قال: أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فقام الناس إليه في جمعة وهو على المنبر يخطب، فقالوا: يا رسول اللَّه! غلت الأسعار، واحتبست الأمطار، فادع اللَّه أن يسقينا، قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه فاستسقى، قال: فمطرنا، فلم نزل نمطر حتى كانت الجمعة المقبلة، قال: فقام الناس إليه وهو على المنبر، فقالوا: يا رسول اللَّه! انقطعت الركبان، وانهدم البنيان، فادع اللَّه أن يكشفها لنا، قال: فتبسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، فقال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، قال: فتحرَّفت، فصارت المدينة في إكليل، وما حولها يمطر.

أخرجه أبو يعلى (7/ 28/ 3929)

وهذا إسناد بصري جيد.

* وله طرق أخرى عن ثابت البناني:

1 -

رواه معتمر بن سليمان، عن عبيد اللَّه بن عمر العمري، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة، فقام الناس، فصاحوا، فقالوا: يا رسول اللَّه! قحَطَ المطرُ، واحمَرَّتِ الشجرُ، [وفي رواية: وجهدت الأنفس]، وهلكتِ البهائمُ، فادعُ اللَّه يسقينا، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا" مرتين، وايمُ اللَّه! ما نرى في السماء قزعةً من سحاب، فنشأت سحابةٌ وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف، لم تزل تمطر إلى الجمعَة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، صاحوا إليه: تهدَّمتِ البيوتُ، وانقطعتِ السبلُ، فادع اللَّه يحبسها عنا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، فكُشِطَتِ المدينةُ [وفي رواية: فتقشَّعَت عن المدينة]، فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرةً، فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل.

ص: 317

أخرجه البخاري (1021)، ومسلم (897/ 10)، وأبو عوانة (2/ 113/ 2495)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 482/ 2019)، والنسائي في المجتبى (3/ 160/ 1517)، وفي الكبرى (2/ 321/ 1835)، وابن خزيمة (2/ 338 - 339/ 1423)، وابن حبان (7/ 105/ 2858)، والبزار (13/ 336/ 6954)، وأبو يعلى (6/ 82/ 3334)، والمحاملي في الأمالي (255 - رواية ابن مهدي الفارسي). والطبراني في الدعاء (2182)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (720)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (247)(1823 - المخلصيات). وفي العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (119)(2274 - المخلصيات). والبيهقي (353 - 354).

2 -

وروى أبو أسامة حماد بن أسامة، وبهز بن أسد، وحجاج بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعبد السلام بن مطهَّر، وعلي بن عبد الحميد، وخلف بن الوليد [وهم ثقات]:

عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، قال: قال أنس: إني لقاعد عند المنبر يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب، إذ قال بعض أهل المسجد: يا رسول اللَّه! حُبِس المطرُ، هلكت المواشي، ادع اللَّه أن يسقينا، قال أنس: فرفع يديه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَما أرى في السماء من سحابٍ فألف [اللَّه] بين السحاب، فوبلتنا، [سعينا] حتى رأيتُ الرجلَ الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله، فمُطرنا سبعًا، وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يخطب في الجمعة المقبلة، إذ قال بعض أهل المسجد: يا رسول اللَّه! تهدَّمت البيوت، حُبِس السُّفَّارُ، ادع اللَّه أن يرفعها عنا، قال: فرفع يديه فقال: "اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، قال: فتقوَّر ما فوق رأسنا منها، حتى كانا في إكليل، يمطر ما حولنا، ولا نمطر.

أخرجه مسلم (11/ 897)، وأبو عوانة (2/ 114/ 2498) و (2/ 115/ 2500)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 482/ 2020)، وأحمد في المسند (3/ 194)، وفي مسائل ابنه صالح (476)، وابن سعد في الطبقات (1/ 176)، وعبد بن حميد (1282)، والطحاوي (1/ 322)، والمحاملي في الأمالي (199 - رواية ابن مهدي الفارسي). والسهمي في تاريخ جرجان (246)، والطبراني في الدعاء (2182).

3 -

ورواه عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة: حدثنا ثابت، عن أنس؛ أن الناس قالوا: يا رسول اللَّه! هلك المالُ، أُقحطنا يا رسول اللَّه! وهلك المالُ، فاستسق لنا، فقام يوم الجمعة وهو على المنبر، فاستسقى -ووصف حماد: بسط يديه حيال صدره، وبطن كفيه مما يلي الأرض-، وما في السماء قزعةٌ، فما انصرف حتى أهمت الشاب القوي نفسه أن يرجع إلى أهله، فمطرنا إلى الجمعة الأخرى، فقالوا: يا رسول اللَّه! تهدَّم البنيان، انقطع الركبان، ادع اللَّه أن يكشطها عنا، فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، فانجابت حتى كانت المدينة كأنها في إكليل.

أخرجه أحمد (3/ 271)، وأبو يعلى (6/ 225/ 3509).

ص: 318

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

• ورواه معمر فأبهم ثابتًا ووهم في متنه: أخرجه عبد الرزاق (3/ 91/ 4910).

• وانظر أيضًا: ما أخرجه الطبراني في الدعاء (2182 و 2183)، وفي الأوسط (1/ 187/ 592).

* * *

1175 -

قال أبو داود: حدثنا عيسى بن حماد: أخبرنا الليث، عن سعيد المقبري، عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن أنس؛ أنه سمعه يقول:. . . فذكر نحو حديث عبد العزيز، قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه بحذاء وجهه، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا"، وساق نحوه.

* حديث صحيح؛ دون قوله: بحذاء وجهه، فإنه شاذ، وأصله متفق عليه من حديث شريك بدونها

رواه عن عيسى بن حماد [زغبة: ثقة، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات]: النسائي في المجتبى (3/ 159/ 1515)، وفي الكبرى (2/ 319/ 1831).

ولفظه بتمامه [عند النسائي]: بينا نحن في المسجد يوم الجمعة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه! تقطَّعت السبل، وهلكت الأموال، وأجدب البلاد، فادع اللَّه أن يسقينا، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا"، فواللَّه ما نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أُوسِعنا مطرًا، وأُمطِرنا ذلك اليوم إلى الجمعة الأخرى، فقام رجل لا أدري هو الذي قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استسق لنا أم لا، فقال: يا رسول اللَّه! انقطعت السبل، وهلكت الأموال من كثرة الماء، فادع اللَّه أن يمسك عنا الماء، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا، ولكن على [رؤوس] الجبال ومنابت الشجر"، قال: واللَّه ما هو إِلَّا أن تكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئًا.

* وأخرجه أيضًا من طريق الليث بن سعد به:

أبو عوانة (2/ 111/ 2491)، والطحاوي (1/ 322)، والمحاملي في الأمالي (203 - رواية ابن مهدي الفارسي). والطبراني في الدعاء (2187).

رواه عن الليث: ابنه شعيب، وكاتبه عبد اللَّه بن صالح، ويونس بن محمد المؤدب، وعمرو بن الربيع بن طارق [وهم ثقات].

قلت: روى هذا الحديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو: مدني ثقة، والليث بن سعد من أثبت الناس فيه، وقد تفرد فيه سعيد عن شريك بلفظتين لم يتابع عليهما: الأولى: في صفة رفع اليدين: حذاء وجهه، والثانية: حتى ما نرى منه شيئًا، وهما شاذتان؛ لا تُعرفان

ص: 319

إِلَّا في هذه الرواية عن شريك، وقد رواه عن شريك جماعة من أصحابه المدنيين الثقات، فلم يذكروهما، وكذلك مَن روى الحديث عن أنس من ثقات أصحابه، مثل: ثابت البناني، وعبد العزيز بن صهيب، وإسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، وقتادة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن عبيد اللَّه بن أنس بن مالك، وحميد بن أبي حميد الطويل، ففي رواية أكثرهم: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه، زاد حميد: حتى رأيت بياض إبطيه، وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت: ووصف حماد: بسط يديه حيال صدره، وبطن كفيه مما يلي الأرض-، وقد تقدم حديث قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إِلَّا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرَى بياضُ إبطيه [تقدم برقم (1170)، وهو حديث متفق عليه]، وحديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني:- ومدَّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرضَ، حتى رأيتُ بياضَ إبطيه، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفّيه إلى السماء [تقدم برقم (1171)، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (896/ 6)]، وحديث شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: رأيت رسول اللَّه ي يرفع يديه في الدعاء، حتى يُرى بياضُ إبطيه [تقدم تحت الحديث رقم (1171)، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (895)]، وأما حديث عمير مولى آبي اللحم؛ أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[يستسقي] عند أحجار الزيت، قريبًا من الزوراء، [قائمًا] يدعو، [يستسقي] رافعًا كفيه قبَل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه، [وفي رواية: مقبل بباطن كفيه إلى وجهه]؛ فلم يكن ذلك على المنبر يوم الجمعة، وإنما كان في الاستسقاء عند أحجار الزيت، قريبًا من الزوراء، فهما واقعتان مختلفتان، واللَّه أعلم.

وأما قول سعيد المقبري في هذا الحديث: تمزَّق السحاب حتى ما نرى منه شيئًا، فقد خولف فيه؛ فقد رواه أصحاب شريك بدون هذا النفي، وفي رواية أكثر أصحاب أنس أن السحاب تفرق عن سماء المدينة وصار حولها كالإكليل، ففي رواية: فجعل السحاب يتصدَّع حول المدينة كانه إكليل، وفي ثانية: فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرةً، فنظرت إلى المدينة، وانها لفي مثل الإكليل، وفي ثالثة: فتقوَّر ما فوق رأسنا منها، حتى كأنا في إكليل، يمطر ما حولنا، ولا نمطر، وفي رابعة: فانجابت حتى كانت المدينة كأنها في إكليل، وفي خامسة: فجعل السحاب يتقطَّع حول المدينة، ولا يمطر أهل المدينة، وفي سادسة: فتكشَّطت عن المدينة، وفي سابعة: وصارت المدينة مثل الجَوبة، أي: الفجوة أو الفرجة المستديرة المنكشفة.

ولا أستبعد أن يكون الوهم في ذلك من شريك نفسه، فإنه ليس به بأس، وله أوهام.

* وقد رواه أبو ضمرة أنس بن عياض، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وأخوه محمد بن جعفر، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وسليمان بن بلال [وهم ثقات مدنيون]، وغيرهم:

عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر؛ أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلًا دخل يوم

ص: 320

الجمعة من باب كان وُجاه المنبر [وفي رواية إسماعيل: كان نحو دار القضاء]، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبل رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قائمًا، فقال: يا رسول اللَّه! هلكت المواشي [وفي رواية إسماعيل: هلكتِ الأموالُ]، وانقطعتِ السُّبُل، فادعُ اللَّه يغيثُنا، قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا، اللَّهُمَّ اسقنا، اللَّهُمَّ اسقنا"[وفي رواية إسماعيل: "اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا"]، قال أنس: ولا واللَّه! ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعةً، ولا شيئًا، وما بيننا وبين سَلْعٍ من بيتٍ ولا دارٍ، قال: فطلعت من ورائه سحابةٌ مثل التُّرس، فلما توسطت السماءَ، انتشرت ثم أمطرت، قال: واللَّه! ما رأينا الشمس ستًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموالُ وانقطعت السبلُ، فادع اللَّه يمسكها [عنا]، قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا، اللَّهُمَّ على الآكام والجبال والآجام والظِّراب و [بطون] الأودية ومنابت الشجر"، قال: فانقطعت [وفي رواية إسماعيل: فأقلعت]، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري. لفظ أبي ضمرة [عند البخاري].

أخرجه البخاري (1013 و 1014)، ومسلم (8/ 897)، وأبو عوانة (2/ 111/ 2489)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 481/ 2017)، والنسائي في المجتبى (3/ 161/ 1518)، وفي الكبرى (2/ 322/ 1837)، وابن خزيمة (3/ 145/ 1788)، وابن حبان (3/ 272/ 992)، والشافعي في الأم (2/ 547/ 577)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (387)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (65)، والبزار (12/ 325/ 6188)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2291)، والطحاوي (1/ 321 - 322)، والمحاملي في الأمالي (202 - رواية ابن مهدي الفارسي). والطبراني في الدعاء (958 و 2187 و 2189)، والبيهقي في السنن (3/ 355)، وفي الدعوات (546)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 412/ 1166)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (4/ 70/ 3007).

وعلقه البخاري في الدعوات (6341).

• تنبيه: لفظة: الآجام، وهي بمعنى الحصون أو القصور: لم ترد إِلا في رواية أبي ضمرة عند البخاري (1513)، وفي بعض روايات الصحيح دون بعض، فليست هي في رواية: أبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت [صحيح البخاري (2/ 85/ 1023 - ط. التأصيل) (2/ 28 - ط. المنهاج). المختصر النصيح (1/ 461)، ولم ترد عند أكثر الشراح المتقدمين]، ورويت أيضًا في مطبوعة السراج من حديث الدراوردي، لكنها محرفة من الآكام، وهي على الصواب [أعني: الآكام] عند البزار.

• وانظر فيمن وهم فيه على شريك: ما تقدم تحت الحديث رقم (1167).

* ورواه الشافعي، وعبد اللَّه بن مسلمة القعنبي (353 م)، وعبد اللَّه بن يوسف

ص: 321

التنيسي، وأبو مصعب الزهري (611)، وعبد الرحمن بن القاسم (448 - بتلخيص القابسي)، وعبد اللَّه بن وهب، ويحيى بن يحيى الليثي (514)، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن عبد اللَّه بن بكير، وسويد بن سعيد الحدثاني (197):

عن مالك، عن شريك بن عبد اللَّه، عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! هلكت المواشي، وتقطعت السبل، فادع اللَّه، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فمُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة، قال: فجاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! تهدَّمت البيوت، وانقطعت السُّبل، وهلكت المواشي، [فادع اللَّه يمسكها، فقام صلى الله عليه وسلم]، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ [على ظهور الجبال [وفي رواية: رؤوس الجبال]، والآكام، [والظراب]، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، قال: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 265/ 514)، ومن طريقه: البخاري (1016 و 1017 و 1019)، والنسائي في المجتبى (3/ 154/ 1504)، وفي الكبرى (2/ 315/ 1818)، وأبو عوانة (2/ 111/ 2490)، وابن حبان (7/ 104/ 2857)، والشافعي في الأم (2/ 537/ 565)[وفي إسناده سقط]. وفي المسند (79)، والمحاملي في الأمالي (204 - رواية ابن مهدي الفارسي). والطبراني في الدعاء (2187)، والجوهري في مسند الموطأ (438)، وأبو نعيم في الدلائل (371)، والبيهقي في السنن (3/ 344)، وفي المعرفة (3/ 92/ 1995).

* وله طرق أخرى عن أنس، فمنها:

1 -

الوليد بن مسلم، وعبد اللَّه بن المبارك، والوليد بن مزيد، والمعافى بن عمران، ومحمد بن يوسف الفريابي [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب الأوزاعي]، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، صدوق]:

قال الوليد بن مسلم: حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: أصابتِ الناسَ سَنةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب [على المنبر] في يوم جمعةِ قام أعرابي، فقال: يا رسول اللَّه! هلك المالُ وجاع العيالُ، فادع اللَّه لنا [أن يسقينا]، فرفع [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] يديه وما نرى في السماء قَزَعةً، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثالَ الجبالِ، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي -أو قال: غيره- فقال: يا رسول اللَّه! تهدَّم البناءُ وغرِق المالُ، فادع اللَّه لنا، فرفع [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] يديه فقال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، فما أجعل، يشير بيده إلى ناحية من السحاب إِلَّا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوبة، وسأل الوادي قناة [وادي قناةَ] شهرًا، ولم يجئ أحد من ناحية إِلَّا حدَّث بالجود. وما بين المعكوفين لابن المبارك.

ص: 322

أخرجه البخاري (933 و 1018 و 1033)، ومسلم (897/ 9)، وأبو عوانة (2/ 112/ 2493) و (2/ 113/ 2494)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 481/ 2018)، والنسائي في المجتبى (3/ 166/ 1528)، وفي الكبرى (2/ 329/ 1852)، وابن الجارود (256)، وأحمد (3/ 256)، والطبراني في الدعاء (957)، والبيهقي في السنن (3/ 221 و 354)، وفي الدلائل (6/ 139)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 414/ 1167)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وفي الشمائل (123)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (4/ 72/ 3009).

2 -

سعيد بن أبي عروبة [وعنه: يزيد بن زريع، وروح بن عبادة]، وأبو عوانة، وهمام بن يحيى، وشيبان بن عبد الرحمن:

عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وهو يخطب بالمدينة، فقال: قحط المطر [وفي رواية شيبان: وأمحلت الأرض]، فاستسق ربك، فنظر إلى السماء وما نرى من سحاب، فاستسقى، فنشأ السحاب بعضه إلى بعض، ثم مطروا حتى سألت مَثَاعِبُ المدينة [وفي رواية أبي عوانة: فتغيَّمت السماءُ، ومُطِرنا، حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله]، فما زالت إلى الجمعة المقبلة ما تقلع، ثم قام ذلك الرجل أو غيره، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: غرقنا، فادع ربك يحبسها عنا، فضحك، ثم قال:"اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا" مرتين أو ثلاثًا، فجعل السحاب يتصدَّع عن المدينة يمينًا وشمالًا، يمطر ما حوالينا ولا يمطر منها شيء [وفي رواية أبي عوانة: فجعل السحاب يتقطَّع حول المدينة، ولا يمطر أهل المدينة]، يريهم اللَّه كرامةَ نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجابةَ دعوته.

أخرجه البخاري (1015 و 6093 و 6342)، وأبو عوانة (2/ 115/ 2501)، وأحمد (3/ 245 و 261)، والبزار (13/ 376/ 7042 و 7043)، وأبو يعلى (5/ 416/ 3104)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 313/ 2214)، والمحاملي في الأمالي (201 - رواية ابن مهدي الفارسي). وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1049/ 2256) [وسقط من إسناده: شيبان، بين قتادة وآدم بن أبي إياس، كما عند المحاملي والطبراني]. والطبراني في الدعاء (2181).

3 -

سليمان بن بلال، ووهيب بن خالد، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير:

عن يحيى بن سعيد: سمعت أنس بن مالك، قال: أتى رجلٌ أعرابيٌّ من أهل البدو إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الماشيةُ، هلك العيالُ، هلك الناسُ، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! بَشِقَ المسافرُ [وفي رواية: لثِق المسافر]، ومُنِعَ الطريقُ. لفظ سليمان بن بلال [عند البخاري].

ورواية وهيب مختصرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ اسقنا".

ص: 323

أخرجه البخاري (1029)، وأبو عوانة (2/ 114/ 2497)، والنسائي في المجتبى (3/ 160/ 1516)، وفي الكبرى (2/ 322/ 1836)، وابن خزيمة (2/ 336/ 1417)، والبزار (12/ 335/ 6208)، والمحاملي في الأمالي (206 و 207 - رواية ابن مهدي الفارسي). والطبراني في الدعاء (2188)، والبيهقي (3/ 357)، والخطيب في التاريخ (2/ 43)، وعلقه البخاري في الدعوات (6341).

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 194/ 2076): "سمعت أبي سئل عن حديث رواه: مغيرة بن سلمة المخزومي، عن وهيب، عن يحيى بن سعيد، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "اللَّهُمَّ اسقنا"؟

قال أبي: هذا خطأ، رواه يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

وقال البزار بعد أن أخرجه من طريق وهيب: "وهذا الحديث قد اختلف فيه عن يحيى بن سعيد، فرواه جماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه غير واحد عن يحمى بن سعيد مرسلًا".

قلت: ليس الحديث غريبًا من حديث وهيب بن خالد البصري [وهو: ثقة ثبت]، فقد رواه عنه به هكذا: أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي [ثقة ثبت]، وأحمد بن إسحاق الحضرمي [ثقة، كان يحفظ حديثه].

وتابع وهيبًا على أصله: ثقتان مدنيان، وهما سليمان بن بلال، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، فدل ذلك على كونه محفوظًا عن يحيى بن سعيد عن أنس، وأن طريق وهيب لم يكن سلوكًا للجادة، ويحيى بن سعيد الأنصاري: ثقة ثبت حافظ مكثر إمام، كان يُوازى بالزهري، يحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، واللَّه أعلم.

4 -

ابن وهب، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي؛ أن حفص بن عبيد اللَّه بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك، يقول: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الماشية فادع اللَّه أن يسقينا، قال أنس: فأنشأت سحابةٌ مثل رِجل الطائر، وأنا أنظر إليها، ثم انتشرت في السماء، ثم أمطرت، فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى، فقال: يا رسول! هلكت الماشية وسقطت البيوت، فادع اللَّه أن يكشفها عنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين يطوى.

أخرجه مسلم (897/ 12)، وأبو عوانة (2/ 115/ 2499)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 483/ 2021)، والمحاملي في الأمالي (205 - رواية ابن مهدي الفارسي). وأبو طاهر المخلص في السابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (3)(1334 - المخلصيات). والخطيب في التاريخ (4/ 181).

5 -

ابن أبي عدي، وإسماعيل بن جعفر، وسهل بن يوسف، وعَبيدة بن حميد،

ص: 324

ويزيد بن هارون، وخالد بن الحارث، وعبد اللَّه بن بكر، وغيرهم:

عن حميد، قال: سئل أنس: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه؟ فقال: قيل له يوم الجمعة [وفي رواية إسماعيل: قحط المطر عامًا، فقام بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة، فقال]: يا رسول اللَّه! قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، فاستسقى، ولقد رفع يديه، وما يُرى في السماء سحابة، فما قضينا الصلاة حتى إن قريب الدار الشاب ليهمه الرجوع إلى أهله [وفي رواية عبيدة: من شدة المطر]، قال:[في رواية إسماعيل: فدامت جمعة]، فلما كانت الجمعة التي تليها، قالوا: يا رسول اللَّه! تهدَّمت البيوت، واحتبس الركبان، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم، وقال [بيده]:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، فتكشَّطت عن المدينة.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (160)، وفي الأدب المفرد (612)، والنسائي في المجتبى (3/ 165/ 1527)، وفي الكبرى (2/ 328/ 1851)، وأبو عوانة (2/ 123/ 2526)، وابن خزيمة (3/ 145/ 1789)، وابن حبان (7/ 107/ 2859)، وأحمد (3/ 104 و 187)، وابن أبي شيبة (2/ 231/ 8448) و (6/ 73/ 29571) و (6/ 318/ 31737)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (55)، وعبد بن حميد (1417)، وأبو يعلى (6/ 462/ 3863)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 313/ 2215)، والطحاوي (1/ 322 و 323)، والمحاملي في الأمالي (197 و 198 - رواية ابن مهدي الفارسي). وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (118)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 176)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 415/ 1168)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل (17).

وهو حديث صحيح.

6 -

ورواه مبارك بن فضالة، وعمران بن داور القطان:

عن الحسن البصري، عن أنس، قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قام إليه رجل، فقال: يا رسول اللَّه! جهدت الأنفس. . . وساق الحديث بنحو مما تقدم، ولفظ عمران مطول.

أخرجه البزار (13/ 209 و 210/ 6681 و 6682)، وأبو عوانة (2/ 123/ 2525)، والطبراني في الدعاء (2183)، وفي الأوسط (1/ 187/ 592) و (3/ 96/ 2601).

قال البزار: "وهذا الحديث هذا لفظه أو قريبًا منه، ولا نعلم رواه عن الحسن عن أنس إِلَّا مبارك، وقد رواه ثابت وقتادة ويحيى بن سعيد وشريك بن أبي نمر، عن أنس بالفاظ متقاربة، ومعناه قريب من السواء".

وهذا إسناد بصري جيد؛ الحسن البصري سمع أنس بن مالك، قاله أحمد وأبو حاتم [المراسيل (151 و 153)]، والمبارك بن فضالة: صدوق، لازم الحسن بضع عشرة سنة، مكثر عنه، وقال أحمد:"ما روى عن الحسن يحتج به"[التهذيب (4/ 18)]، ولم أقف له

ص: 325

على تصريح بالسماع في هذا الحديث، لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه عليه: عمران بن داور القطان، وهو: صدوق، كثير الوهم، واللَّه أعلم.

7 -

ورواه محمد بن عبد الملك: نا عمر بن رُدَيح، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

أخرجه البزار (13/ 336/ 6956).

وإسناده ليس بالقوي، عمر بن رديح: ليس بالقوي [انظر: اللسان (6/ 102)، والاكتفاء في تنقيح كتاب الضعفاء لمغلطاي (3/ 400)، وسنن البيهقي (1/ 290)]، وشيخ البزار يغلب على ظني أنه: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وهو: ثقة.

8 -

عمر بن محمد بن الحسن الأسدي: حدثنا أبي: حدثنا شريك، عن منصور، عن سالم، عن أنس؛ قال: استسقى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا [مغيثًا]، [هنيًا] مريعا، [غدقًا] طبقًا، عاجلًا غير رائث، نافعًا غير ضار"، فما برحنا حتى أطبقت علينا سبعًا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إنه قد حبس -يعني: الركبان- فقال: "اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا"، فتفرَّجت.

أخرجه ابن أبي الدنيا في المطر والرعد (49)، والطبراني في الدعاء (2184).

سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال:"إنما هو: سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"[العلل (1/ 194/ 558)].

قلت: وهو كما قال، والحمل فيه على محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي، فإنه: لا بأس به، وله أوهام، وقد ضعفه بعضهم، وله أفراد لا يتابع عليها، فليس هو بالحافظ الذي يعتمد على حفظه [التهذيب (3/ 541)، وهدي الساري (438)، والميزان (3/ 512)][وقد تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (574) (6/ 475/ 574 - فضل الرحيم)]، وسيأتي ذكر حديث كعب بن مرة في الشواهد، تحت الحديث الآتي.

* وله طرق أخرى عن أنس: علل ابن أبي حاتم (1/ 195/ 559)، وتاريخ أصبهان (1/ 359).

• وانظر أيضًا فيما لا يصح إلى أنس: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 91/ 4910) و (3/ 92/ 4911).

* وانظر للفائدة: ما أخرجه البخاري (1007 - 1010 و 1020)، وابن ماجة (1273)، وابن خزيمة (2/ 337/ 1421)، وابن حبان (7/ 110/ 2861)، وأحمد (2/ 93)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (28 و 29 و 59 و 63)، والبيهقي في السنن (3/ 352 و 353)، وفي الدلائل (2/ 326)، وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 511)، والتغليق (2/ 390).

* * *

1176 -

قال أبو داود: حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول:

ص: 326

(ح) وحدثنا سهل بن صالح: حدثنا علي بن قادم: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استسقى، قال:"اللَّهُمَّ اسقِ عبادَك، وبهائمَك، وانشر رحمتَك، وأحي بلدَك الميت". هذا لفظ حديث مالك.

* المرسل هو الصواب

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في الدعوات (550)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 108).

وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 265/ 513) هكذا مرسلًا. ومن طريقه: أبو داود هنا في السنن (1176)، وفي المراسيل (69)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 108).

قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 432): "هكذا رواه مالك عن يحيى عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وتابعه جماعة على إرساله، منهم: المعتمر بن سليمان، وعبد العزيز بن مسلم القسملي، فرووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب مرسلًا.

ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندًا، منهم: حفص بن غياث، والثوري، وعبد الرحيم بن سليمان، وسلام أبو المنذر".

* قلت: تابع مالكًا على إرساله:

عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، والمعتمر بن سليمان التيمي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز بن مسلم القسملي [وهم ثقات]:

قال الثقفي: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرني عمرو بن شعيب؛ أنه بلغنا؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى يقول: "اللَّهُمَّ اسق عبادك، وبهيمتك، وانثر رحمتك، وأحي بلدك الميت"، وزعم أنه كان يرددها. لفظ الثقفي.

وقال التيمي: سمعت يحيى بن سعيد؛ أحسبه ذكره عن عمرو بن شعيب؛ أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي يقول:. . . فذكره.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 92/ 4912)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 93/ 423)، وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 79/ 212)(56/ 2/ 212 - ط. سعد الحميد). وذكره ابن عبد البر في التمهيد (23/ 432).

* وأخرجه من طريق سهل بن صالح الأنطاكي [وهو: ثقة]: ابن أبي حاتم في العلل (11/ 79/ 212)(2/ 55/ 212 - ط. سعد الحميد).

• وتابعه: أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور [لقبه كُربُزان: ليس بالقوي، حدث بأشياء لا يتابعه أحد عليها. الجرح والتعديل (5/ 283)، والكامل (4/ 319)، وسؤالات الحاكم (145)، والإرشاد (2/ 509)، وتاريخ بغداد (10/ 273)، والسير (13/

ص: 327

138)، واللسان (5/ 127)، والثقات لابن قطلوبغا (6/ 304)، وله أوهام تقدمت له معنا في السنن]، قال: حدثنا علي بن قادم: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال:. . . فذكره.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 957/ 2032)، وابن عدي في الكامل (4/ 319)(7/ 224 - ط. الرشد). والرافعي في التدوين (3/ 191).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن الثوري لا أعلم يرويه إِلا علي بن قادم، وعنه كربزان هذا، وقد روى هذا الحديث عن عمرو بن شعيب جماعة، فقالوا: عن عمرو بن شعيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى، ولم يذكروا في الإسناد: أباه ولا جده".

وتبعه على ذلك الذهبي فأورده في ترجمة كربزان من الميزان (2/ 586)، وأورده كذلك في ترجمة علي بن قادم (3/ 150).

قلت: هو غريب من حديث الثوري، ولا يثبت عنه؛ فقد تفرد به عنه: علي بن قادم، وهو: صدوق، ضعفه ابن معين، وروى عن الثوري أحاديث غير محفوظة، وهذا منها [التهذيب (3/ 188)، والميزان (3/ 150)، وبيان الوهم (3/ 203/ 918)].

* وروي موصلًا أيضًا من حديث عبد الرحيم بن سليمان الأشل الحافظ:

رواه إبراهيم بن عبد اللَّه بن مسلم أبو مسلم الكجي [ثقة حافظ. الإرشاد (2/ 529)، وتاريخ بغداد (7/ 36 - ط. الغرب). السير (13/ 423)، والثقات لابن قطلوبغا (2/ 256)]: ثنا سليمان بن داود المنقري: ثنا عبد الرحيم بن سليمان الأشل [ثقة]، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال:"اللَّهُمَّ اسق عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت".

أخرجه البيهقي (3/ 356)، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 701 - 702).

قلت: وهذا باطل من حديث الأشل، تفرد به عنه: سليمان بن داود الشاذكوني، وهو حافظ؛ إِلَّا أنه متروك، رماه الأئمة بالكذب [اللسان (4/ 142)].

* ورواه العقيلي، قال: حدثنا محمد بن يحيى العسكري: حدثنا سهل بن عثمان: حدثنا حفص بن غياث، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به مرفوعًا.

ذكره ابن عبد البر في التمهيد (23/ 432)، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 109):"وهي متابعة جيدة".

قلت: هو غريب من حديث حفص بن غياث؛ فإن سهل بن عثمان بن فارس الكندي العسكري: حافظ صدوق، كثير الغرائب [التهذيب (2/ 125)]، وشيخ العقيلي: محمد بن يحيى بن سهل بن محمد بن الزبير العسكري: روى عنه ابن قانع والطبراني، ولم أقف له على ترجمة، فهو مجهول الحال.

ص: 328

° وعلى هذا: فلا يثبت وصله من حديث سفيان الثوري، ولا من حديث حفص بن غياث، ولا من حديث الأشل، ولم أقف على رواية سلام أبي المنذر التي ذكرها ابن عبد البر، فسقط بذلك التعلق بالرواية الموصولة، ولم يبق إِلَّا ما رواه جماعة الثقات عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وعلى رأسهم مالك بن أنس: رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، وعليه: فالصواب مرسل، واللَّه أعلم.

* ورواه أبو بكردة [عمرو بن يزيد الكوفي، وهو: ضعيف، قال أبو حاتم: "ليس بقوي، منكر الحديث". التهذيب (3/ 313)، وضعفاء أبي زرعة (2/ 433)]، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء، فقال:"اللَّهُمَّ اسق عبادك، وبلادك، وبهائمك، وأنعامك، وأحي أرضك الميتة".

أخرجه ابن أبي الدنيا في المطر والرعد (27).

° والحاصل: فإن الصحيح فيه: ما رواه مالك بن أنس وجماعة من الثقات، عن يحبى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

° قال أبو حاتم: "يروونه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقل من يقول: عن جده.

قلت [القائل هو: ابن أبي حاتم]: فأيهما أصح؟

قال: عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".

وقال ابن عدي: "وقد روى هذا الحديث عن عمرو بن شعيب جماعة، فقالوا: عن عمرو بن شعيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى، ولم يذكروا في الإسناد: أباه ولا جده".

° ومما روي في دعاء الاستسقاء:

1 -

حديث ابن عباس:

روى عبد اللَّه بن إدريس [ثقة فقيه][وعنه: الحسن بن الربيع البجلي، ومصرف بن عمرو اليامي، وهما: ثقتان]: حدثنا حصين [هو: ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي، وهو: ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راعٍ، ولا يخطِر لهم فحلٌ، فصعد المنبر، فحمد اللَّه، ثم قال:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، مريعًا مريئًا، طبقًا غدقًا، عاجلًا غيرَ رائث"، ثم نزل، فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إِلا قال: قد أُحيينا.

أخرجه ابن ماجه (1270)، وأبو عوانة (2/ 120/ 2516)، والطبراني في الكبير (12/ 130/ 12677)، وفي الدعاء (2195)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 433)، والضياء في المختارة (9/ 527/ 510) و (9/ 528 / 511)، والمزي في التهذيب (26/ 575)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 99).

قال ابن حجر: "هذا حديث حسن، رجاله ثقات، ولولا عنعنة حبيب لقلت: صحيح"، وكذلك حسنه ابن الملقن في البدر (5/ 165).

ص: 329

وقال ابن رجب في الفتح (6/ 284): "وروي عن حبيب مرسلًا، وهو أشبه".

• قلت: خالفه فارسله: زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، وهشيم بن بشير [ثقة ثبت، أثبت الناس في حصين]:

عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! جئت من عند حي ما يتزود لهم راعٍ، ولا يخطِر لهم فحلٌ، فادع اللَّه لنا، فقال:"اللَّهُمَّ اسق بهائمك، وبلادك، وانشر رحمتك"، قال: ثم دعا، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، مريئًا مريعًا، طيبًا غدقًا، عاجلًا غيرَ رائث، نافعًا غيرَ ضار"، قال: فما نزل حتى ما جاء أحد من وجه من الوجوه إِلا قال: مُطرنا وأُحيينا.

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 324/ 31771)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (26).

قلت: وهذا هو الصواب مرسلًا.

* تابع حصينًا على إرساله:

ابن جريج [ثقة فقيه]، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت؛ أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ أعني على مضر بالسُّنَّة"، فجاءه مضريٌّ، فقال: يا نبي اللَّه! واللَّه ما يخطِر لنا جملٌ، ولا يتزود لنا راعٍ، فأعاد في قوله، فأعرض عنه، ثم مكث ما شاء اللَّه، ثم دعا المضري فقال: قلت ماذا؟ فأعاد عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ دعَوتُك فاستجبت لي، وسألتُك فأعطيتني، اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، مريئًا مريعًا، مطبقًا، عاجلًا غيرَ رائث، نافعًا غيرَ ضار"، فما كان عشي حتى ألبست السماء السحاب وأمطرت، فما أتى أحد من وجه إِلَّا خبر بالمطر.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 89/ 4907).

* خالفهم فوهم في إسناده: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى [ليس بالقوي، كان سيئ الحفظ جدًا]، رواه عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد اللَّه بن باباه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على مضر، فقال:"اللَّهُمَّ اكفنيهم"، فجاء رجل، فقال:. . .، فذكر الحديث بنحوه.

أخرجه الطبراني في الدعاء (2190).

° والحاصل: فإن هذا الحديث مرسل بإسناد صحيح.

* وله إسناد آخر: أخرجه البزار (11/ 400/ 5239)، والطبراني في الكبير (10/ 285/ 10673)، وفي الدعاء (2196) [وفي إسناده: داود بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وليسا بالقويين. التهذيب (1/ 567)، والميزان (2/ 14)، وكشف الأستار (2019)].

• ومعنى لا يخطِر لهم فحل: لا يحرك ذنبَه هزالًا لشدة القحط.

2 -

حديث كعب بن مرة:

يرويه أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن

ص: 330

شرحبيل بن السمط، قال: قال لكعب بن مرة: يا كعب بن مرة! حدثنا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحذر، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:. . .، فذكر أحاديث، منها:

وقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول، وجاءه رجل، فقال: استسق اللَّه لمضر، قال: فقال: "انك لجريء! ألمضر؟ "، قال: يا رسول اللَّه! استنصرت اللَّه فنصرك، ودعوت اللَّه فأجابك، قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه، يقول:"اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، مريعًا مريئًا، طبقًا غدقًا، عاجلًا غيرَ رائث، نافعًا غيرَ ضار"، قال: فأُحيوا، قال: فما لبثوا أن أتوه، فشكوا إليه كثرة المطر، فقالوا: قد تهدَّمت البيوت، قال: فرفع يديه، وقال:"اللَّهُمَّ حوالينا، ولا علينا"، قال: فجعل السحاب يتقطع يمينًا وشمالًا.

أخرجه ابن ماجة (1269)، وأحمد (4/ 235)، وابن أبي شيبة (6/ 28/ 29225)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 245/ 2855)، والمحاملي في الأمالي (341 - رواية ابن مهدي الفارسي).

قال ابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 100): "وسنده حسن".

• هكذا رواه إمامان حافظان من أحفظ أهل زمانهما: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، عن أبي معاوية به.

وخالفهما: أحمد بن منيع [ثقة حافظ]، فرواه عن أبي معاوية به؛ إِلَّا أنه لم يذى فيه شرحبيل بن السمط.

أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 245/ 2851).

والحكم للجماعة، ولمن زاد في الإسناد؛ لما معه من زيادة علم، واللَّه أعلم.

• تابع أبا معاوية: أبو حمزة محمد بن ميمون السكري [ثقة]، فرواه عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . مختصرًا.

أخرجه أبو طاهر السلفي في السادس من المشيخة البغدادية (48)(599 - المشيخة البغدادية)، بإسناد فيه جهالة إلى رَقَّاد بن إبراهيم [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو مسعود الدمشقي: "ثقة". الثقات (8/ 245)، وسؤالات حمزة السهمي (392)، والثقات لابن قطلوبغا (4/ 269)]، عن أبي حمزة به.

• هكذا رواه أبو معاوية عن الأعمش، وانظر فيمن وهم فيه على الأعمش: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 90/ 4958).

* ورواه غندر محمد بن جعفر، ووهب بن جرير، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود، وعفان بن مسلم، وحفص بن عمر الحوضي، وآدم بن أبي إياس، وبهز بن أسد، وشبابة بن سوار، ويحيى بن أبي بكير، وعمرو بن مرزوق [وهم ثقات]:

عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط،

ص: 331

قال: قلنا لكعب بن مرة، أو مرة بن كعب: حدثنا حديثًا سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، للَّه أبوك واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على مضر، فأتيته فقلت: يا رسول اللَّه! إن اللَّه قد نصرك، [وأعطاك]، واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا، فادع اللَّهَ لهم، [وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، فأعاد عليه ثلاثًا]، فقال:"اللَّهُمَّ اسقنا، غيثًا مغيثًا، مريئًا مريعًا، طبقًا غدقًا، عاجلًا غيرَ رائث، نافعًا غيرَ ضار"، قال: فما كان إِلَّا جمعة أو نحوها حتى مطروا. أخرجه الحاكم (1/ 328)(2/ 122/ 1241 و 1242 - ط. الميمان)(1/ 156/ أ - رواق المغاربة). وأحمد (4/ 235)، والطيالسي (2/ 523/ 1295)، وابن أبي شيبة في المسند (614)، وعبد بن حميد (372)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 93/ 425)، وإبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 860)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 89/ 1408)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 325/ 2228)، والطحاوي (1/ 323)، وابن قانع في المعجم (2/ 380)، والطبراني في الكبير (20/ 318/ 755)، وفي الدعاء (2191)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2374/ 5827)، والبيهقي في السنن (3/ 355 - 356)، وفي الدعوات (548)، وفي دلائل النبوة (6/ 146).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخين، فإن بهز بن أسد العمي الثقة الثبت قد رواه عن شعبة بإسناده عن مرة بن كعب، ولم يشك فيه، ومرة بن كعب البهزي: صحابي مشهور".

• ورواه بدل بن المحبر [ثقة ثبت]: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة وقتادة [كذا في الدعاء، وفي المعجم: أخبرني عمرو بن مرة ومنصور بن المعتمر وقتادة]، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 319/ 756)، وفي الدعاء (2192)، وقال: حدثنا عبدان بن أحمد [ثقة حافظ]: ثنا عبد اللَّه بن الصباح العطار [ثقة]: ثنا بدل به.

قلت: وهذا إسناد صحيح إلى بدل بن المحبر، لكنه غريب من حديث منصور بن المعتمر، ومن حديث قتادة، إنما يروى عن منصور باسقاط شرحبيل من الإسناد:

• رواه زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن منصور بن المعتمر [ثقة ثبت]، عن سالم بن أبي الجعد، عن كعب بن مرة، نحو حديث شعبة عن عمرو بن مرة، مطولًا.

أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2375/ 5829)، بإسناد صحيح إلى زائدة.

قال أبو نعيم: "حديث شعبة عن عمرو بن مرة: مشهور، رواه عنه الناس".

° قلت: عمرو بن مرة المرادي الكوفي: ثقة مأمون، متفق عليه، روى له الجماعة، وقد زاد في الإسناد رجلًا، والزيادة من الثقة مقبولة، وقد رواه:

الأعمش وشعبة، كلاهما عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد شامي ثم كوفي، رجاله ثقات، وهو منقطع، قال أبو داود في السنن

ص: 332

3967 -

: "سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفين"[تحفة التحصيل (120)].

وانظر أيضًا: ما رواه أحمد (4/ 235)، والطيالسي (2/ 524/ 1296)، ومن طريقه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2374/ 5828).

* وأما ما رواه ابن عيينة، عن عمرو بن سعيد، أو غيره، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! دعوت على مضر بالسنة،. . . فذكر الحديث بمعناه هكذا مرسلًا.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 91/ 4909).

قلت: المحفوظ: ما رواه عمرو بن مرة، كما تقدم ذكره، وابن عيينة قد شك في شيخه الذي حدثه بهذا الحديث، مما يجعل النفس لا تطمئن إليه، لا سيما وقد وصله غيره من الثقات، وشيخ ابن عيينة الذي أظهره الأقرب أنه: عمر بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو: ثقة، وهو من شيوخ ابن عيينة المعروفين، وأما عمرو بن سعيد أبو سعيد البصري فنادرًا ما يروي عنه ابن عيينة، وهو ثقة أيضًا، ثم إن ابن عيينة لم يجزم به، فقد يكون سمعه من مجروح ثم نسيه، والعمدة على ما رواه عمرو بن مرة، واللَّه أعلم.

* وقد روي بإسناد كوفي ثم شامي غريب، إلى أبي حجية الكندي الأجلح بن عبد اللَّه [لا بأس به، في حديثه لين. التهذيب (1/ 98)، والميزان (1/ 79)]، عن عبيد بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط؛ أنه دعا وهو أميرٌ على حمص كعبَ بن مرة، فقال: حدِّثنا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحذر،. . . فذكر حديثًا، ثم ذكر هذا الحديث بنحوه.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 28 - 29/ 6754).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد بن أبي الجعد إِلا الأجلح، ولا عن الأجلح إِلا شيبان، ولا عن شيبان إِلا محمد بن شعيب، تفرد به: هشام بن عمار، الأجلح هو أبو حجية يحيى بن عبد اللَّه".

قلت: هذا الحديث إنما يُعرف بسالم بن أبي الجعد، وذكر عبيد فيه ليس له معنى؛ لغرابة إسناده، وعدم اشتهاره في بلده أو خارجها، ولعله مما تلقنه هشام بن عمار، واللَّه أعلم.

* وخلاصة ما تقدم: أن هذه الواقعة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على مضر لما تأخر إسلامهم فأصابهم الجدب، ثم استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم فأُسقوا، استئلافًا لقلوبهم، رجاء إسلامهم: قد روي من حديث حبيب بن أبي ثابت مرسلًا، ومن حديث عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنده انقطاع، وهذا ضعف يسير ينجبر بالشواهد، وقد وجدت له شاهدًا صحيحًا:

° من حديث ابن مسعود في الصحيحين:

رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قال عبد اللَّه: إنما كان هذا [يعني: الدخان، والحديث مختصر]؛ لأن قريشًا لما استعصوا على

ص: 333

النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسنيِّ يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل اللَّه تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 10، 11]، قال: فأُتِيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول اللَّه! استسق اللَّه لمضر، فإنها قد هلكت، قال:"لمضر؟ إنك لجريء"، فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل اللَّه عز وجل:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16]، قال: يعني يوم بدر.

أخرجه البخاري (4821)، ومسلم (2798/ 40).

وانظر أطرافه عند: البخاري (1007 و 1020 و 4693 و 4774 و 4809 و 4821 و 4822 و 4823)، ومسلم (2798/ 39 - 41).

وفيه: جواز استسقاء الإمام للمشركين؛ إذا طلبوا منه ذلك رجاء إسلامهم.

3 -

عن أبي لبابة بن عبد المنذر [أخرجه أبو عوانة (2/ 120/ 2515)، والطبراني في الصغير (385)، وفي الدعاء (2186)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 247)، وأبو نعيم في الدلائل (372)، والبيهقي في السنن (3/ 354)، وفي الدلائل (6/ 145)، وأبو القاسم الحنائي في فوائده (203)، والخطيب في الموضح (2/ 140 و 141)، والبغوي في الشمائل (322)، وأبو إسماعيل الأصبهاني في الدلائل (81)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 200)، [وقد اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أصح، وقال ابن منده عن الموصول: "هذا حديث غريب، لا يُعرف إِلَّا من هذا الوجه موصولًا، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب مرسلًا"].

* وفي الباب أيضًا مما لاح ضعفه:

4 -

عن جابر وأنس [وفيه: "اللَّهُمَّ اسقنا سقيا وادعة نافعة، تسع الأموال والأنفس، غيثًا هنيئًا، مريًا مريعًا، طبقًا مجللًا، تسع به على باديتنا، وعلى حاضرتنا، تنزل لنا به من بركات السموات، وتخرج لنا به من بركات الأرض، وتجعلنا عندلى من الشاكرين، إنك سميع الدعاء"][أخرجه ابن أبي الدنيا في المطر والرعد (37)، والطبراني في الأوسط (8/ 248/ 8539)، ومن طريقه: ابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 98)][وفي إسناده: موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، وهو: متروك، منكر الحديث].

5 -

عن أنس بن مالك أوهو حديث طويل، وفيه:"اللَّهُمَّ اسقنا، وأغثنا، اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا، رحبًا ربيعًا، وجدًا فدقًا، طبقًا مندقًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا مرتعًا، وابلًا شاملًا، مسبلًا مجللًا، دائمًا دررًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير رائث، فيثًا، اللَّهُمَّ تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر منا والباد، اللَّهُمَّ أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها، اللَّهُمَّ أنزل علينا من السماء ماءً طهورًا، فأحي به بلدة ميتة، وأسقه مما خلقت لنا أنعامًا وأناسي كثيرًا"] [وهو حديث باطل موضوع، سبق تخريجه تحت ما تقدم برقم (1154 و 1167)].

ص: 334

6 -

عن أنس بن مالك، في حديث طويل، وسياق عجيب [أخرجه الطبراني في الدعاء (2180)، وفي الأحاديث الطوال (28)، وابن عدي في الكامل (3/ 408)، والبيهقي في الدلائل (6/ 141 و 142)، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل (238)][وهو حديث منكر؛ في إسناده: مسلم بن كيسان الملائي الأعور، وهو: منكر الحديث، واه. التهذيب (4/ 71)، والميزان (4/ 106)، وقال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة سعيد بن خثيم (3/ 409): "ولسعيد غير ما ذكرت من الحديث قليل، ومقدار ما يرويه غير محفوظ"].

7 -

عن سمرة بن جندب [وفيه: "اللَّهُمَّ أنزل في أرضنا زينتها وسكنها"][أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 93/ 424)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (82 و 83)، والبزار (10/ 422/ 4572 و 4573) و (10/ 467/ 4655)، وأبو عوانة (2/ 122/ 2523)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1026) (572 - المنتقى). والطبراني في الكبير (7/ 217/ 6904) و (7/ 223/ 6928) و (7/ 228/ 6952) و (7/ 268/ 7095)، وفي الأوسط (5/ 68/ 4692)، وفي مسند الشاميين (4/ 77/ 2774)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 77)، وتمام في الفوائد (80 - 84)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 364)].

[وله عن سمرة إسنادان: الأول: إسناد بنيه، وقد سبق الكلام عن إسناد صحيفة سمرة فيما تقدم برقم (456 و 675 و 845 و 975 و 1001 و 1057)، وحاصله: أنه إسناد صالح في الشواهد والمتابعات، لا ينهض على انفراده بإثبات حكم، أو تثبت به سنة، فإن جاء بمخالفة ما صح فهو منكر].

[والثاني: يرويه الحسن عن سمرة، ويرويه عن الحسن:

إسماعيل بن مسلم المكي، وهو: ضعيف.

ومطر الوراق، وهو: ضعيف، وعنه: سعيد بن بشير، وهو ضعيف أيضًا.

وقتادة، وهو: ثقة ثبت، لكنه لا يثبت من حديثه، رواه عنه: سويد بن إبراهيم الجحدري أبو حاتم الحناط: ليس بالقوي، حديثه عن قتادة ليس بذاك، روى عنه ما لم يتابع عليه، تقدم ذكره تحت الحديث رقم (390 و 442 و 570)، وتابعه: الحجاج بن أرطأة، وهو: ليس بالقوي] [ولو ثبت الإسناد إلى الحسن، لصح الحديث، ولكن تداوله الضعفاء].

[قال البزار: حديث قتادة عن الحسن عن سمرة: لا نعلم حدث به عن قتادة إِلَّا سويد بن إبراهيم أبو حاتم، شيخ من أهل البصرة، لا بأس به، وحديث مطر: لا نعلم رواه عنه إِلَّا سعيد بن بشير"، وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مطر الوراق إِلَّا سعيد بن بشير"، وقال أبو نعيم: "لم يرو هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم إِلَّا سمرة، وهو غريب من حديث مطر، تفرد به: سعيد بن بشير"].

8 -

عن سعد بن أبي وقاص، أو: سعد غير منسوب [وفيه: "اجثوا على الركب، وقولوا: يا رب، يا رب"] [أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 457)، وأبو عوانة (2/ 124/ 2530)، والدورقي في مسند سعد (84)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد (46)،

ص: 335

والبزار (4/ 64/ 1231)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 571/ 1336)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 308)، والطبراني في الأوسط (6/ 120/ 5981)، وفي الدعاء (2194)] [قال البخاري:"في إسناده نظر"، وقال ابن حبان في الثقات (5/ 194):"عامر بن خارجة بن سعد: يروى عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: حديثًا منكرًا في المطر، روى عنه حفص بن النضر السلمي، لا يعجبني ذكره"، وقال البزار:(وهذا الحديث لا نعلمه يروى إِلَّا عن سعد، ولا نعلم له عن سعد طريقًا إِلا هذا الطريق، ولا أحسب عامر بن خارجة سمع من جده شيئًا"، وقال أبو حاتم في الجرح (3/ 188) و (6/ 320): "هذا إسناد منكر"، وقال ابن عدي في الكامل (5/ 84) (7/ 472):"أنكره البخاري". وفي إسناده: عامر بن خارجة بن سعد، وقد أنكروا عليه هذا الحديث. اللسان (4/ 377)، والراوي عنه: حفص بن النضر السلمي: روى عنه جماعة من الثقات، منهم ابن المديني، وقال ابن معين:"صالح"، وقال مرة:"ليس به بأس"، وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الإسناد مرة في ترجمة حفص، ومرة في ترجمة عامر، فقال في الموضعين:"هذا إسناد منكر"، ولخص ذلك الذهبي في الميزان بقوله:"شيخ لقتيبة صدوق، قال أبو حاتم: روى حديثًا منكرًا". التاريخ الكبير (2/ 369)، والجرح والتعديل (3/ 188) و (6/ 320)، وتاريخ أسماء الثقات (293)، والميزان (1/ 569)، واللسان (3/ 239)، والثقات لابن قطلوبغا (3/ 477) و (5/ 420)].

9 -

عن سعد بن أبيٍ وقاص [وفيه: "اللَّهُمَّ جلِّلنا سحابًا كثيفًا، قصيفًا، دلوقًا، متلاحقًا، متلاصقًا، نشاصًا، حصاصًا، خصاصًا، تمطرنا منه رذاذًا، طشًا، بغاشًا، قطقطًا، سجلًا، وابلًا، فدقًا، بعاقًا"][أخرجه ابن أبي الدنيا في المطر والرعد (66)، وأبو عوانة (2/ 119/ 2514)، وفي المطبوع سقط وتحريف في الإسناد، صححته من الإتحاف (5/ 154/ 5107)، [وهو حديث موضوع، أخرجاه بإسناد رجاله رجال الصحيح، وشيخ أبي عوانة فيه: أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه الأنصاري البلوي، وهو الذي يُعرف بعبد اللَّه بن محمد البلوي، قال الدارقطني: "يضع الحديث"، وقال ابن ماكولا: "كان كذابًا"، وقال الذهبي: "روى عنه أبو عوانة في صحيحه في الاستسقاء خبرًا موضوعًا". الإكمال (4/ 173)، والميزان (2/ 491)، واللسان (4/ 563)، وهو نفسه الذي وقع في إسناد ابن أبي الدنيا هكذا: عبد اللَّه بن محمد بن العلاء بن عمارة بن عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، ولم أقف على ترجمة لهذا الراوي إِلا أن يكون هو نفسه البلوي، وشيخه: عمارة بن زيد الأنصاري: لا أستبعد أن يكون هو من اتهمه الأزدي بالوضع. ضعفاء ابن الجوزي (2/ 204)، واللسان (6/ 57)].

10 -

عن عبد اللَّه بن جراد [وفيه: "اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريًا، توسع به لعبادك، تغزر به الضَّرع، وتحيي به الزرع"][أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 70/ 4078 - أطرافه). والبيهقي (3/ 356)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 102)] [وراويه عن ابن جراد: يعلى بن الأشدق، وهو: كذاب. اللسان (4/ 447) و (8/ 539)، وقال ابن حجر: "حديث غريب،

ص: 336