المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌270 - باب صلاة المسافر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌230 - باب رفع اليدين على المنبر

- ‌231 - باب إقصار الخُطَب

- ‌232 - باب الدنو من الإمام عند الموعظة

- ‌233 - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌234 - باب الاحتباء والإمام يخطب

- ‌235 - باب الكلام والإمام يخطب

- ‌236 - باب استئذانِ المحدثِ الإمامَ

- ‌237 - باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌238 - باب تخطِّي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌239 - باب الرجل ينعس، والإمام يخطب

- ‌240 - باب الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر

- ‌241 - باب من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌242 - باب ما يُقرأُ به في الجمعة

- ‌243 - باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌244 - باب الصلاة بعد الجمعة

- ‌245 - باب صلاة العيدين

- ‌246 - باب وقت الخروج إلى العيد

- ‌247 - باب خروج النساء في العيد

- ‌248 - باب الخطبة يوم العيد

- ‌249 - باب يخطب على قوس

- ‌250 - باب ترك الأذان في العيد

- ‌251 - باب التكبير في العيدين

- ‌ 22)].* * *252 -باب ما يُقرَأ في الأضحى والفطر

- ‌253 - باب الجلوس للخطبة

- ‌254 - باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق

- ‌255 - باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه

- ‌256 - باب الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌257 - باب يصلي بالناس [العيد] في المسجد إذا كان يومَ مطرٍ

- ‌ومن آداب العيد التي لم يتطرق إليها أبو داود أكل تمرات قبل الغدو لصلاة عيد الفطر

- ‌ومما روي مرفوعًا في التكبير ليلة العيد وأيام التشريق دبر الصلوات المكتوبات

- ‌258 - جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها

- ‌259 - باب في أيِّ وقتٍ يحوِّلُ رداءه إذا استسقى

- ‌260 - باب رفع اليدين في الاستسقاء

- ‌261 - باب صلاة الكسوف

- ‌262 - باب من قال أربع ركعات

- ‌263 - باب القراءة في صلاة الكسوف

- ‌264 - باب يُنادَى فيها بالصلاة

- ‌265 - باب الصدقة فيها

- ‌266 - باب العتق فيها

- ‌267 - باب من قال: يركع ركعتين

- ‌268 - باب الصلاة عند الظلمة ونحوها

- ‌269 - باب السجود عند الآيات

- ‌تفريع أبواب صلاة السفر

- ‌270 - باب صلاة المسافر

الفصل: ‌270 - باب صلاة المسافر

‌تفريع أبواب صلاة السفر

‌270 - باب صلاة المسافر

1198 -

. . . مالك، عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: فُرِضَتِ الصلاةُ ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقِرَّت صلاةُ السفر، وزِيدَ في صلاة الحضر.

* حديث متفق على صحته

أخرجه مالك في الموطأ (390)، ومن طريقه: البخاري (350)، ومسلم (685)، وأبو عوانة (1/ 368/ 1335)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 280/ 1540)، وأبو داود (1198)، والنسائي في المجتبى (1/ 225/ 455)، وفي الكبرى (2/ 196/ 391 - ط. التأصيل). وابن حبان (6/ 446/ 2736)، وأبو العباس السراج في مسنده (1380)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1786)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 422)، وفي المشكل (1/ 281/ 4261) و (11/ 29/ 4262)، وفي أحكام القرآن (300 و 301)[وفي سنده تحريف]. والجوهري في مسند الموطأ (445)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 346)، والبيهقي (4/ 259).

رواه عن مالك: عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي (208)، وعبد اللَّه بن يوسف التنيسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وعبد اللَّه بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم (273 - تلخيص القابسي)، وأبو مصعب الزهري (376)، ويحيى بن يحيى الليثي (390)، وسويد بن سعيد (119)، ومحمد بن الحسن الشيباني (189)، وغيرهم.

وفي رواية عبد اللَّه بن يوسف التنيسي [ثقة متقن، من أثبت الناس في الموطأ][عند البخاري]: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين. . . الحديث.

قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 293): "هذا حديث صحيح الإسناد عند جماعة أهل النقل، لا يختلف أهل الحديث في صحة إسناده".

وقال أيضًا: "ولم يروه مالك عن ابن شهاب ولا عن هشام"، ثم ذكر من وهم فيه على مالك.

* تابع مالكًا عليه عن صالح بن كيسان:

1 -

ابن إسحاق، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة،

ص: 430

زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قالت: كان أول ما افتُرِض على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتان ركعتان، إلا المغرب، فإنها كانت ثلاثًا، ثم أتم اللَّه الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعًا في الحضر، وأقرَّ الصلاة على فرضها الأول في السفر. لفظ إبراهيم بن سعد.

وفى رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق [عند الطحاوي]: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم أُكملت أربعًا، وأُثبتت للمسافر. قال صالح: فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز، فقال: عروة حدثني، عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها كانت تصلي في السفر أربعًا.

أخرجه أحمد (6/ 272)، وابن إسحاق في السيرة (2/ 117/ 170)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 173/ 411)، وأبو العباس السراج في مسنده (1381)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1788)، والطحاوي (1/ 424).

وهذا إسناد مدني جيد.

2 -

محمد بن عجلان [صدوق]، عن صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة، قالت: فرض اللَّه الصلاة ركعتين، ثم زادها في الحضر، وأقرَّها في السفر.

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 174/ 413)، والطبراني في الأوسط (8/ 42/ 7901).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عجلان إلا ابن المبارك".

قلت: مثله لا يضره تفرده، فهو ثقة حجة، والحديث صحيح.

3 -

سليمان بن بلال [مدني، ثقة]، عن صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة به.

أخرجه أبو عوانة (1/ 368/ 1331)، وأبو العباس السراج في مسنده (1381)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1787).

وهذا إسناد مدني صحيح.

4 -

إسحاق بن عبد اللَّه [هو: ابن أبي طلحة المدني: تابعي ثقة، من الرابعة]، عن طلحة بن كيسان [كذا، وقد تحرفت عن صالح بن كيسان، وهو أيضًا من الطبقة الرابعة]، عن عروة، عن عائشة، قالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزبد في صلاة الحضر، وتُرِكت صلاة السفر.

أخرجه أبو يعلى (5/ 48/ 2638)، قال: قرئ على بشر بن الوليد: أخبركم أبو يوسف، عن عبد اللَّه بن علي [هو: أبو أيوب الأفريقي]، عن إسحاق بن عبد اللَّه به.

قلت: لا يثبت هذا من حديث اسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة المدني؛ وأبو أيوب عبد اللَّه بن علي الأفريقي ثم الكوفي: ليس بالقوي، لين الحديث [راجع ترجمته مفصلة تحت الحديث رقم (300) (3/ 383/ 300 - فضل الرحيم)]، ولا يحتمل تفرده عن إسحاق بن عبد اللَّه.

والراوي عنه: أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم: صدوق، كثير الخطأ [اللسان (6/ 368)، وتاريخ بغداد (14/ 242 - 262)، وصحيح ابن خزيمة (1/ 265)، والإرشاد

ص: 431

(2/ 569)، وطبقات ابن سعد (7/ 330)] [وانظر في أوهامه مما تقدم معنا: الأحاديث (300 و 440)، وما قبل (534)].

وبشر بن الوليد الكندي الفقيه: صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به [تاريخ بغداد (7/ 80)، واللسان (2/ 316)].

5 -

ربيعة بن أبي عبد الرحمن [المعروف بربيعة الرأي، وهو: مدني تابعي، ثقة فقيه]، عن صالح بن كيسان؛ أن عروة بن الزبير حدثه، عن عائشة،. . . فذكر الحديث.

أخرجه أبو بكر الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (55)، والبيهقي (3/ 143).

من طريق: عبد اللَّه بن صالح: حدثني الليث بن سعد: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال: حدثني ربيعة به.

ثم قال: فأخبرتها عمر بن عبد العزيز، فقال: إن عروة قد أخبرني أن عائشة كانت تصلي أربع ركعات في السفر، قال: فوجدت يومًا عروة عند عمر بن عبد العزيز، فقلت: كيف أخبرتني عن عائشة؟ فحدث به كما حدثني، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنت حدثتني أنها كانت تصلي في السفر أربعًا؟ فقال: بلى.

قلت: لا أظنه يثبت من حديث ربيعة الرأي، قال البرذعي:"قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما"[وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد بتفصيل في مواضع، انظر منها مثلًا: فضل الرحيم الودود (8/ 526/ 788) و (9/ 95/ 816)، وما تقدم قريبًا برقم (1168)].

* تابع صالحَ بن كيسان عليه: الزهريُّ، وهشامُ بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري:

1 -

فرواه معمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد، والأوزاعي، وابن جريج:

عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأُقرَّت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر.

قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأوَّلت ما تأوَّل عثمان [زاد في رواية: فلم أسأله: ما تأوَّل عثمان؟].

هذا لفظ ابن عيينة، ولفظ معمر [عند البخاري (3935) من طريق يزيد بن زريع عنه]: فُرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففُرضت أربعًا، وتُرِكت صلاة السفر على الأولى.

ولفظ عبد الرزاق عنه [عند عبد بن حميد وغيره]: فُرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فُرضت أربعًا، وأُقرَّت صلاة السفر ركعتين.

ص: 432

قال الزهري: فقلت لعروة: فما كان يحمل عائشة على أن تتم في السفر، وقد علمت أن اللَّه عز وجل إنما فرضها ركعتين؛ فقال: تأولت من ذلك ما تأول عثمان من إتمام الصلاة بمنى. وفي رواية له: أن عائشة كانت تصوم في السفر، وتصلي أربعًا، وكانت تتم.

ولفظ يونس [عند مسلم]: نرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.

وتابعه الأوزاعي: فرض اللَّه الصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أول ما فرضها ركعتين، ثم أتمت في الحضر أربعًا [وفي رواية: ثم أتمها اللَّه في الحضر]، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.

ولفظ ابن جريج [عند عبد الرزاق]: أن الصلاة أول ما فُرضت فُرضت ركعتين، ثم أتم اللَّه الصلاة في الحضر، وأُقرت الركعتان على هيئتهما في السفر.

قال: فقلت لعروة: فما كان يحمل عائشة على أن تصلي أربع ركعات في السفر، وقد علمَتْ أنها فرضها اللَّه ركعتين؟ قال عروة: تأولت من ذلك ما تأول عثمان من إتمام الصلاة بمنى.

أخرجه البخاري (1090 و 3935)، ومسلم (685)، وأبو عوانة (1/ 367/ 1324) و (1/ 368/ 1325 و 1326 و 1328 و 1329)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 281/ 1541 و 1542)، والنسائي في المجتبى (1/ 225/ 453 و 454)، وفي الكبرى (1/ 201/ 313)(2/ 195/ 389 و 390 - ط. التأصيل). والدارمي (1/ 424/ 1509)، وابن خزيمة (1/ 156/ 303)، والشافعي في اختلاف الحديث (49)، وفي المسند (156)، وإسحاق بن راهويه (2/ 105/ 573) و (2/ 107/ 574)، وابن وهب في الجامع (203)، وعبد الرزاق (2/ 515/ 4267) و (2/ 561/ 4461)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ (28)، وابن أبي شيبة (2/ 206/ 8182) و (7/ 270/ 35992)، وعبد بن حميد (1477)، وابن أبي عاصم في الأوائل (25)، وأبو العباس السراج في مسنده (1376 - 1379)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1780 - 1785)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 333/ 2236) و (4/ 335/ 2239)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 427)، وفي المشكل (11/ 29 - 30/ 4263)، وابن حزم في المحلى (4/ 265)، والبيهقي في السنن (1/ 362 و 363) و (3/ 135 و 143)(6/ 150/ 5498 - ط. هجر). وفي المعرفة (2/ 427/ 1597)، وفي الدلائل (2/ 406)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 35)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 61/ 915) و (2/ 62/ 916).

2 -

ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد فيها فجعل للمقيم أربعًا.

أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 107/ 575)، وابن أبي شيبة (2/ 204/ 8166)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 174/ 412)، وأبو العباس السراج في مسنده (1384

ص: 433

و 1385 و 1404)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1791 و 1792 و 1818)، والطبراني في الأوسط (9/ 111/ 9275).

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، رواه عن هشام جماعة من أصحابه، منهم: وكيع بن الجراح، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس.

قال الدارقطني في العلل (14/ 278/ 3620): "وهو صحيح: عن صالح بن كيسان، وعن الزهري، وعن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة".

• ثم روى هشام بن عروة أيضًا، عن أبيه، عن عائشة، أنها كانت تتم الصلاة في السفر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 561/ 4462)، وابن أبي شيبة (2/ 206/ 8189)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (88)، والبيهقي (3/ 143).

هكذا رواه عن هشام: سفيان الثوري، وعبدة بن سليمان.

ورواه وهب بن جرير: نا شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أنها كانت تصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليتِ ركعتين؟ قالت: يا ابن أختي إنه لا يشق عليَّ [كذا هو عند: أبي بكر النيسابوري، ومن طريقه: رواه البيهقي][قال ابن حجر في الفتح (2/ 571): "إسناده صحيح"].

قلت: هذا التعليل بأنه لا يشق عليها، لم أقف عليه إلا من رواية وهب بن جرير عن شعبة عن هشام به، ولم أقف عليه عند أحد من المصنفين قبل أبي بكر النيسابوري، فقد رواه عن عروة فلم يذكر هذا التعليل: صالح بن كيسان، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ورواه عن هشام بدونه أيضًا: سفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس، ولم يروه عن هشام إلا شعبة، تفرد به عنه: وهب بن جرير، وهو: ثقة، فهو غريب من حديث شعبة، ثم من حديث هشام، ثم من حديث عروة.

بل ثبت أن الزهري سأل عروة، فقال له: ما بال عائشة تتم؟ فقال عروة: تأوَّلت ما تأوَّل عثمان، وفي رواية: فلم أسأله: ما تأوَّل عثمان؟.

وقال في رواية: فما كان يحمل عائشة على أن تتم في السفر، وقد علمت أن اللَّه عز وجل إنما فرضها ركعتين؟ فقال عروة: تأولت من ذلك ما تأول عثمان من إتمام الصلاة بمنى.

فأبهم عروة تأويلها، وأحاله على تأول عثمان، ولم يقل له إنها أخبرته بأن الإتمام لا يشق عليها، فاللَّه أعلم.

• وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه الخطيب في الكفاية (343).

3 -

ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عروة، عن عائشة، قالت: أول ما فُرضت صلاةُ السفر ركعتان، ثم زيد في الحضر ركعتان، وتركت صلاة السفر كما هي ركعتان.

أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 108/ 576)، وأبو عوانة (1/ 368/ 1327)، وابن حبان (6/ 447/ 2737)، وأبو العباس السراج في مسنده (1382)، وفي حديثه بانتقاء

ص: 434

الشحامي (1789)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 319/ 929 و 930).

هكذا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري: جرير بن عبد الحميد، والليث بن سعد، ومحمد بن فضيل، وعبيد اللَّه بن عمرو الرقي، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عون [وهم ثقات].

وذكر الدارقطني في العلل (14/ 277/ 3620) فيمن تابعهم على هذا الوجه: حماد بن زيد، وعبد الرحيم بن سليمان، وزفر بن الهذيل، وعباد بن العوام، وأبو حمزة السكري [وهم ثقات]، ومحبر بن قحذم [ضعيف. اللسان (6/ 465)].

وزاد أبو موسى المديني في اللطائف (376) فيمن تابعهم على هذا الوجه: زهير بن معاوية [وهو: ثقة ثبت][وصار مجموعهم: ثلاثة عشر رجلًا].

• خالفهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرت عن عروة، عن عائشة مثله.

أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 108/ 577)، قال: أخبرنا الثقفي به.

واختلف على الثقفي في ذلك:

• فرواه محمد بن المثنى [ثقة ثبت]، وعبد الأعلى بن حماد النرسي [ثقة]:

عن عبد الوهاب بن عبد المجيد: حدثنا يحيى بن سعيد، أن عروة بن الزبير حدثه، عن عائشة،. . . فذكره. لفظ النرسي.

وقال محمد بن المثنى: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى، يقول: أخبرني عروة، عن عائشة،. . . فذكره.

أخرجه أبو يعلى (8/ 107/ 4645)، وأبو موسى المديني في اللطائف (375).

وفي هذه الرواية إثبات سماع يحيى بن سعيد من عروة هذا الحديث، وفيه رد لرواية ابن راهويه، فلعلها تصحفت على ناسخها، والمحفوظ إثبات السماع بما يتفق مع رواية الجماعة التي ظاهرها الاتصال، واللَّه أعلم.

• وانظر فيمن وهم في إسناده على يحيى بن سعيد وهمًا فاحشًا [ما أخرجه الطبراني في الصغير (364)، والدارقطني في الثاني من الأفراد (33)، وأبو موسى المديني في اللطائف (376)][والوهم فيه من عثمان بن مقسم البري، وهو: متروك، كذبه جماعة].

* وله طرق أخرى عن عائشة:

1 -

روى محبوب بن الحسن [هو: محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب، لقبه: محبوب، وهو: ليس به بأس، لينه أبو حاتم، وضعفه النسائي. التهذيب (3/ 542)، والميزان (3/ 514)]: نا داود -يعني: ابن أبي هند-، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: فرض صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين، فلما أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب؛ لأنها وتر النهار.

ص: 435

أخرجه ابن خزيمة (1/ 157/ 305) و (2/ 71/ 944)، وابن حبان (6/ 447/ 2738)، وأبو العباس السراج في مسنده (1398)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1811 و 1812).

قال ابن خزيمة: " هذا حديث غريب لم يسنده أحد أعلمه غير محبوب بن الحسن، رواه أصحاب داود فقالوا: عن الشعبي عن عائشة، خلا محبوب بن الحسن"، وكان قال قبل ذلك في أثناء الإسناد:"خبر غريب غريب"[الإتحاف (17/ 538/ 22756)].

* قلت: تابع محبوبًا عليه:

مرجى بن رجاء [صالح الحديث، لا بأس به، لكن روى ما لا يتابع عليه، فضعِّف لأجل ذلك. تقدمت ترجمته قريبًا بعد الحديث (1160) في أكل تمرات قبل الغدو لصلاة عيد الفطر. وعنه: أبو عمر حفص بن عمر الحوضي، وهو: ثقة ثبت، لكن الشأن في مرجى]، وعلي بن عاصم [الواسطي: كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم، واختلف عليه فيه]:

عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة صلى إلى كل صلاة مثلها، غير المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الصبح لطول قراءتها، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى. لفظ مرجى، ولفظ علي بن عاصم [عند الدارقطني] مطول، وفيه: وإلا الجمعة للخطبة، وفي رواية له [عند ابن الأعرابي]: وصلاتها ركعتين من أجل الخطبة.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 331/ 2230)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 183 و 415)، وفي المشكل (11/ 27/ 4260)، وفي أحكام القرآن (302)[وفي سنده تحريف]. وابن الأعرابي في المعجم (2/ 734/ 1490)، والدارقطني في الأفراد (2/ 491/ 6423 - أطرافه). وفي الثالث والثمانين من الأفراد (13).

قال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث الشعبي عنه [يعني: عن مسروق]، تفرد به داود بن أبي هند، واختلف عنه، وهو غريب من حديث مرجى بن رجاء عن داود، تفرد به: أبو عمر الحوضي حفص بن عمر عنه".

وقال في الثالث والثمانين: "تفرد به علي بن عاصم، عن داود بهذا الإسناد".

وذكر الدارقطني في العلل (14/ 276/ 3620) فيمن تابعهم على ذكر مسروق: القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم [وهو: ثقة، لكن هل يصح الإسناد إليه؟]، وبكار بن يونس أبو يونس الرام [قال الأزدي:"منكر الحديث". علل الدارقطني (14/ 276)، والميزان (1/ 342)، واللسان (2/ 334)].

• وأخرجه البيهقي (1/ 363)(3/ 19/ 1719 - ط. هجر)(1/ 353/ 1529 - تهذيب السنن)، من طريق محمد بن سنان القزاز [وهو: ضعيف، كذبه غير واحد. التهذيب (3/ 582)، والميزان (3/ 575)]: حدثنا بكار بن عبد اللَّه بن محمد بن سيرين [ذاهب الحديث. اللسان (2/ 332)]، عن داود به.

ص: 436

* خالفهم فلم يذكر في إسناده مسروقًا:

محمد بن أبي عدي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وزفر بن الهذيل، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير [وهم ثقات]:

فرووه عن داود بن أبي هند، عن الشعبي؛ أن عائشة قالت: قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين؛ إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها، قال: وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى. لفظ ابن أبي عدي.

ولفظ أبي معاوية: أول ما نرضت الصلاة ركعتين، فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيدت ركعتان أخريان، وتُرك الركعتان الأوليان في السفر، إلا الفجر فإنه يطال فيهما القراءة.

أخرجه أحمد (6/ 241 و 265)، وإسحاق بن راهويه (3/ 933/ 1635)، وابن أبي شيبة (2/ 81/ 6710)، والدارقطني في العلل (14/ 278/ 3620)، والبيهقي (3/ 145).

• وذكر الدارقطني في العلل (14/ 276/ 3620) فيمن تابعهم على عدم ذكر مسروق: علي بن عاصم، والثوري [ثقة حجة، إمام فقيه، لكن لا يثبت من حديثه]، ووهيب بن خالد [ثقة ثبت]، وزهير بن إسحاق السلولي البصري [صدوق يخطيء، قال ابن عدي: "أحاديثه الممسندة عامتها مستقيمة"، وإنما أنكروا عليه حديثًا مقطوعًا. انظر: اللسان (3/ 526)، والتعجيل (337)، والكامل (3/ 223)، ومختصر الكامل (716)، والثقات (8/ 256)، والتاريخ الكبير (3/ 428) و (7/ 124)].

ثم أسنده الدارقطني من طريق الثوري، وزفر بن الهذيل، ولا يثبت من حديث الثوري، فقد رواه بإسناد فيه جهالة إلى عامر بن مدرك عن الثوري به.

وعامر بن مدرك بن أبي الصفيراء، قال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"[التهذيب (2/ 271)]، وقال ابن حجر في التقريب (299):"لين الحديث"، وله أوهام وإفرادات [انظر ترجمته وبعض أوهامه: فضل الرحيم الودود (6/ 192/ 532)(8/ 195/ 728)].

والراوي عنه: معمر بن سهل بن معمر الأهوازي: شيخ لابن أبي عاصم والبزار، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"شيخ متقن، يُغرب"، وله أفراد وغرائب ذكر بعضها الطبراني في معجمه الأوسط، والدارقطني في أفراده [انظر ترجمته: فضل الرحيم الودود (8/ 195/ 728)].

• ورواه عَبِيدة [هو: ابن حميد الكوفي الحذاء، وهو: ليس به بأس، ولم يكن من الحفاظ المتقنين]، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين؛ إلا المغرب.

أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 271/ 36004)(19/ 594/ 37156 - ط. عوامة).

ص: 437

قلت: الأشبه بالصواب رواية جماعة الثقات، بإسقاط مسروق من الإسناد.

وعليه: فإن هذا الإسناد: رجاله ثقات، وهو مرسل؛ فإن الشعبي لم يسمع من عائشة، ما روى عنها فهو مرسل، قاله ابن المديني وابن معين وأبو حاتم، وزاد:"إنما يحدث عن مسروق عن عائشة"[تاريخ الدوري (2372)، والمراسيل (589 و 591)، والمعرفة والتاريخ (2/ 152)، وتحفة التحصيل (163)].

ومراسيل الشعبي قوية، فقد قال العجلي:"مرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحًا"، وقال الآجري لأبي دواد:"مراسيل الشعبي أحب إليك أو مراسيل إبراهيم؟ قال: مراسيل الشعبي"[معرفة الثقات (2321)، وسؤالات الآجري (1/ 219)، وتاريخ دمشق (25/ 346)].

ولم يأت في هذا الحديث بما يُنكر، بل توبع على أصله، فهو صحيح إن شاء اللَّه تعالى [وانظر فيما ضعفته من مراسيل الشعبي: فضل الرحيم الودود (3/ 202/ 244)].

2 -

وروى أبو أحمد محمد بن عبد اللَّه بن الزبير [ثقة ثبت]، وأبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، وعبد اللَّه بن فروخ [منكر الحديث عن ابن جريج. انظر: الكامل (4/ 199)، وفضل الرحيم الودود (6/ 419/ 568)]:

عن أسامة بن زيد الليثي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: فرضت الصلاة ركعتين، فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صلاة الحضر، وترك صلاة السفر على نحوها.

أخرجه أحمد (6/ 234)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(896 و 897)، وأبو موسى المديني في اللطائف (465).

* وقد اختلف في إسناده على أسامة بن زبد:

أ- فرواه أبو أحمد الزبيري، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد اللَّه بن فروخ: عن أسامة بن زيد الليثي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.

ب- ورواه عبد اللَّه بن موسى التيمي، قال: أخبرنا أسامة [بن زيد الليثي]، قال: سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحى بن سعيد، يحدثان عن القاسم، عن عائشة. أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(898)، والطبراني في الأوسط (4/ 368/ 4454).

وهذا غلط من عبد اللَّه بن موسى بن إبراهيم التيمي، فإنه وإن وثقه العجلي، ومشاه ابن معين وأبو حاتم، فقال ابن معين:"صدوق، وهو كثير الخطأ"، وقال أبو حاتم:"ما أرى بحديثه بأسًا"، فقال له ابنه: يحتج بحديثه؛ فقال: "ليس محله بذاك"، فقد ضعفه أحمد وابن حبان والعقيلي، قال أحمد:"كل بلية منه"، نقله عنه أبو داود في سؤالات الآجري له، وقال ابن حبان:"في أحاديثه رفع الموقوف وإسناد المرسل كثيرًا؛ حتى يخطر ببال من الحديث صناعته أنها معمولة من كثرتها، لا يجوز الاحتجاج به عند الانفراد، ولا الاعتبار عند الوفاق"، وقال العقيلي:"لا يتابع" [الجرح والتعديل (5/ 166)، والعلل لابن

ص: 438

أبي حاتم (694)، وضعفاء العقيلي (2/ 307)، والمجروحين (2/ 16)، والتهذيب (2/ 439)].

ج- ورواه حاتم بن إسماعيل، ووكيع بن الجراح، والأوزاعي، وروح بن عبادة [وهم ثقات]:

عن أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن التطوع في السفر؟ فقال: وما يمنعك؟ فقال الحسن بن مسلم: أنا أحدثك، أنا سألت طاوسًا عن هذا فقال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قد فرض لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين،. . . الحديث، ويأتي ذكره في حديث ابن عباس.

قلت: أسامة بن زيد الليثي مولاهم: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)].

ولا أستبعد أن يكون الحديث محفوظًا بالوجهين عن أسامة بن زيد؛ حيث رواه عنه بالوجه الأول والثالث ثقات حفاظ، وفي الثالث قصة تدل على حفظه له، وفي المتنين تغاير، واللَّه أعلم.

لكن الإسناد الأول غريب، حيث تفرد به أسامة عن القاسم بن محمد، ولم يتابع عليه، وقد روى عن القاسم جماعات من الثقات.

وأما الإسناد الثالث: فهو إسناد جيد، واللَّه أعلم.

وانظر في الأوهام أيضًا: علل الدارقطني (14/ 277/ 3620)، وأطراف الغرائب والأفراد (2/ 472/ 6306).

3 -

وروى سليمان بن داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [ثقة]، وداود بن شبيب [ثقة]:

عن حبيب بن يزيد الأنماطي: حدثنا عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، قال: قالت عائشة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة ركعتين -يعني: الفرائض-، فلما قدم المدينة وفرضت عليه الصلاة أربعًا وثلاثًا صلى، وترك الركعتين اللتين كان يصليهما بمكة تمامًا للمسافر.

وفي رواية أبي عامر: عن جابر بن زيد؛ أنه سئل عن مواقيت الصلاة؛ فقال: سألت عائشة عن ذلك، فقالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة قبل الهجرة ركعتين، فلما قدم المدينة وفرضت الصلاة عليه أربعًا وثلاثًا، جعل صلاته بمكة للمسافر تامة [كذا في مسند إسحاق، ورواه ابن عدي من طريقه فقال فيه: أنه سئل عن مواقيت الصلاة؟ فقال: سئلت عائشة عن ذلك، فقالت:. . .، فأبهم السائل، ولم يجعله جابر بن زيد، وهو الأشبه بالصواب].

أخرجه الطيالسي (3/ 123/ 1639)، وإسحاق بن راهويه (1/ 77/ 4) و (3/ 732/

ص: 439

1337)، وابن عدي في الكامل (2/ 400 و 401)(3/ 104/ 5575 - ط. الرشد) و (4/ 104/ 5577 - ط. الرشد) و (4/ 106/ 5579 - ط. الرشد). وابن عبد البر في التمهيد (16/ 304).

قلت: جابر بن زيد أبو الشعثاء: لا يُعرف بالرواية عن عائشة، فضلًا عن السماع منها، وحبيب بن أبي حبيب يزيد الجرمي البصري الأنماطي: ليِّن الحديث، وهذا الحديث الذي تفرد به عن عمرو بن هرم حديث طويل في أحكام الصلاة، من المواقيت، والتكبير، والتشهد، وصلاة التطوع، وصلاة المسافر، وقد رواه عن ابن عباس، وعن عائشة، وعن أبي هريرة، وهو مما يحتاج إلى حفظ وضبط، ولا يُعتمد في مثل هذا على من ليَّنه الأئمة، وتوسطوا فيه، وعباراتهم فيه تدل على أنه ممن يكتب حديثه ولا يحتج به، ومسلم إنما أخرج له متابعة، ولم يحتج به على انفراده [راجع ترجمته: فضل الرحيم الودود (5/ 347/ 447)، وانظر هناك ما وقع له من الوهم في حديث ابن عباس].

قلت: وظاهر هذه الرواية أن المغرب لم تفرض ثلاثًا إلا بعد الهجرة، وهذا منكر؛ فقد ثبت من حديث عائشة أن المغرب فرضت ثلاثًا بمكة، كما تقدم من حديث ابن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة، ومن حديث الشعبي عن عائشة، وكما سيأتي من حديث السائب بن يزيد.

° قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: "فهذه عائشة تخبر بأن صلاة السفر ركعتان، وابن أختها عروة أعلم الناس بها يذكر أنها أتمت بالتأويل، لم يكن عندها بذلك سنة"[مجموع الفتاوى (24/ 8)].

* وله شاهدان:

• الأول: من حديث ابن عباس:

أ- يرويه أبو عوانة، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. وفي رواية لأحمد: إن اللَّه عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: على المقيم أربعًا، وعلى المسافر ركعتين، وعلى الخائف ركعة.

أخرجه مسلم (687/ 5)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (216)، وفي التاريخ الكبير (2/ 112)، وأبو عوانة (1/ 369/ 1333) و (2/ 65/ 2333) و (2/ 84/ 2410)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 282/ 1545) و (2/ 283/ 1546)، وأبو داود (1247)، والنسائي في المجتبى (1/ 226/ 456) و (3/ 169/ 1532)، وفي الكبرى (1/ 201/ 314) و (2/ 366/ 1933)، وابن ماجه (1068)، وابن خزيمة (1/ 156/ 304) و (2/ 70/ 943) و (2/ 294/ 1346)، وابن حبان (7/ 119/ 2868)، وأحمد (1/ 237 و 254 و 355)، وإسحاق بن راهويه (872 و 873 - مسند ابن عباس). وسعيد بن منصور (2/ 240/ 2508)، وابن أبي شيبة (2/ 215/ 8282)، والبزار (11/ 183/ 4925)، وأبو يعلى (4/ 234/

ص: 440

2346)، وابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 576) و (5/ 248)، وأبو العباس السراج في مسنده (1386)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1793)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 319/ 931) و (4/ 331/ 2229) و (5/ 27/ 2340)، والطحاوي (1/ 309 و 421)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (354)، والطبراني في الكبير (11/ 59/ 11041)، وأبو محمد الخلال في ذكر من لم يكن عنده إلا حديث واحد (2)، وابن حزم في المحلى (4/ 271)، والبيهقي في السنن (3/ 135)، وفي المعرفة (3/ 12/ 1840)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 45) و (16/ 297)، وفي الاستذكار (2/ 221)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 165/ 1022).

قال أبو حاتم: "روى أبو عوانة عن بكير بن الأخنس حديثًا واحدًا"، ثم ذكر هذا الحديث، وقال أيضًا:"بكير قديم، لم يرو عنه الثوري ولا شعبة، إنما روى عنه الأعمش وأبو إسحاق الشيباني ومسعر، فلا أدري أين لقيه؟ وكيف أدركه؟ "[العلل (306 أو 323 و 1563)].

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس، ولا نعلم له إسنادًا غير هذا الإسناد، ولا نعلم روى بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس غير هذا الحديث".

وقال أبو عوانة الإسفراييني: "حكى بعض أصحابنا، قال علي بن حرب: سمعت سويد بن عمرو، قال: قلت لأبي عوانة: سمعت من بكير بن الأخنس غير حديث ابن عباس: فرض اللَّه الصلاة؟ قال: لا".

وقال الدارقطني: "لم يحدث أبو عوانة عن بكير بن الأخنس بغير هذا الحديث".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 297): "وهذا أيضًا حديث انفرد به بكير بن الأخنس، وليس بحجة فيما انفرد به".

قلت: بكير بن الأخنس، قال أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الآجري عن أبي داود:"شيخ، جائز الحديث"، وقال ابن سعد:"قليل الحديث"[سؤالات أبي داود (380)، والجرح والتعديل (2/ 345 و 401)، والتهذيب (1/ 247)، وذيل الميزان (227)].

قلت: فلو وثقه أقل من هؤلاء عددًا وشأنًا لكان حجة فيما انفرد به، فكيف مَن اجتمع على توثيقه أشد الناس تعنتًا في الرجال؟! واثنان من المعتدلين، بل قال فيه أبو حاتم:"وبكير: ثقة عند أهل العلم".

وأبو عوانة: ثقة ثبت حجة، ولم يُذكر بتدليس، وقد أدرك جماعة من التابعين، وروى عنهم، فالأصل سماعه من بكير، حتى يأتي دليل بخلاف ذلك؛ بل إن أبا حاتم قد حمل رواية من روى عن بكير على السماع حتى أتاه ما يدل على عدم الاتصال، فقد قال في المراسيل (721):"كنت أرى أن أبا حمزة السكري أدرك بكير بن الأخنس، حتى قيل لي: إن المراوزة يدخلون بينهما أيوب بن عائذ".

ص: 441

قلت: وأبو عوانة ومحمد بن ميمون أبو حمزة السكري: من طبقة واحدة، ولم يُدخل بين أبي عوانة وبكير أحد، فالأصل فيه الاتصال، وقد ذكر أبو حاتم في الجرح والتعديل (9/ 40) بكير بن الأخنس في شيوخ أبي عوانة الذين روى عنهم، ولم يقل شيئًا، وقد صحح حديثهما هذا: مسلم، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، واحتج به: أبو داود والنسائي وابن المنذر وغيرهم، ولم ينفرد به أبو عوانة عن بكير، بل توبع عليه:

ب- فقد رواه قاسم ين مالك المزني، وزيد بن أبي أنيسة، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي [وهم ثقات]، وغيرهم:

عن أيوب بن عائذ الطائي [ثقة]، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن اللَّه فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا، وفي الخوف ركعة.

أخرجه مسلم (6/ 687)، وأبو عوانة (1/ 369/ 1334) و (2/ 65/ 2334) و (2/ 84/ 2410)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 283/ 1546)، والنسائي في المجتبى (3/ 118/ 1441) و (3/ 119/ 1442)، وفي الكبرى (1/ 278/ 514) و (1/ 281/ 523) و (2/ 359/ 1912) و (2/ 360/ 1913)، وأحمد (1/ 243)، وابن أبي شيبة (2/ 215/ 8283)، وأبو يعلى في المعجم (268)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 248)، والطبراني في الكبير (11/ 60/ 11042)، والبيهقي (3/ 263).

ج- ورواه سعيد بن منصور [ثقة ثبت]، وعلي بن مسلم الطوسي [ثقة]، ومهدي بن جعفر الرملي [لا بأس به، روى عنه جمع كبير من الثقات والأئمة والمصنفين، قال ابن عدي: "يروي عن الثقات أشياء لا يتابعه عليها أحد". سؤالات ابن الجنيد (551)، والجرح والتعديل (8/ 338)، والثقات (9/ 201)، والكامل (3/ 33)، وتاريخ دمشق (61/ 277 والميزان (4/ 194)، والتكميل في الجرح والتعديل (1/ 218)، والتهذيب (4/ 166)].

عن هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا الحارث الغنوي، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: صلاة المقيم أربعًا، وصلاة المسافر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة. لفظ سعيد، هكذا موقوفًا، وتابعه على وقفه: علي بن مسلم.

ورفعه مهدي، فقال: افترض اللَّه الصلوات الخمس على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 279)، وسعيد بن منصور (2/ 241/ 2511)، والطبراني في الكبير (11/ 430/ 1106)، وفي الصغير (776).

قال الطبراني: "لم يروه عن الحارث الغنوي إلا هشيم، تفرد به مهدي"؛ يعني: تفرد برفعه، والأشبه الوقف؛ فإن من أوقفه أحفظ وأكثر عددًا.

قال البخاري بعد رواية علي بن مسلم: "وقال أبو عوانة وغيره: على لسان نبيكم".

ص: 442

قلت: الرفع زيادة أتى بها اثنان من الثقات، فوجب قبولها، لاسيما وأحدهما من المتقنين الأثبات، وهو أبو عوانة، فلا يضره تقصير من قصر في رفعه، ممن هو دون أبي عوانة وأيوب بن عائذ، فإن الحارث الغنوي، قال فيه أحمد:"أرجو أن لا يكون به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات [العلل ومعرفة الرجال (860)، والجرح والتعديل (3/ 95)، والثقات (8/ 182)، والمحلى (9/ 403)، والثقات لابن قطفوبغا (3/ 264)]، وتصرف البخاري يدل على تقديم رواية الرفع، واللَّه أعلم.

د- وروى حاتم بن إسماعيل، ووكيع بن الجراح، والأوزاعي، وروح بن عبادة، وسفيان الثوري [تفرد به عنه: قبيصة بن عقبة]:

قال حاتم: ثنا أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن التطوع في السفر. فقال: وما يمنعك؟ فقال الحسن بن مسلم: أنا أحدثك، أنا سألت طاوسًا عن هذا فقال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قد فرض لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، فكما يتطوع هاهنا قبلها ومن بعدها، فكذلك يصلى في السفر قبلها وبعدها.

وقال وكيع: حدثنا أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن السبحة في السفر، قال: والحسن بن مسلم بن يناق جالس، فقال الحسن بن مسلم، وطاوس يسمع: حدثنا طاوس، عن ابن عباس، قال: فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر والسفر، فكما تصلِّي في الحضر قبلها وبعدها، فصل في السفر قبلها وبعدها. قال وكيع مرة: وصلِّها في السفر [هذا لفظ وكيع عند أحمد (2/ 515/ 2093 - ط. المكنز)، والسراج (1423)، وهو المحفوظ عن وكيع، وأما الرواية التي وقعت عند ابن ماجه من طريق وكيع: فكنا نصلي في الحضر قبلها وبعدها، وكنا نصلي في السفر قبلها وبعدها، فهي وهم، والمحفوظ ما ذكرته، واللَّه أعلم].

وقال الأوزاعي [والإسناد إليه صحيح]: حدثني أسامة بن زيد الليثي: حدثني حسن بن مسلم: حدثني طاوس اليماني: حدثني عبد اللَّه بن عباس، قال: سن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ يعني: صلاة السفر ركعتين، وسن صلاة الحضر أربع ركعات، فكما الصلاة قبل صلاة الحضر وبعدها حسن، فكذلك الصلاة في السفر قبلها وبعدها.

أخرجه ابن ماجه (1072)، وأحمد (1/ 232)، وعبد بن حميد (618)، والبزار (11/ 126/ 4851 و 4852)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 422)، وفي المشكل (11/ 31/ 4264)، وأبو العباس السراج في مسنده (1395 و 1418 و 1423)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1674 و 1681 و 1682 و 1808)، والطبراني في الكبير (11/ 35/ 10982)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 118) و (10/ 28)، والبيهقي في السنن (3/ 158)، وفي المعرفة (2/ 443/ 1627)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 102).

قال البزار: "وهو أسامة بن زيد الليثي، وهو: مدني ثقة، والآخر أسامة بن زيد بن أسلم، وأسامة بن زيد الليثي: أثبت من أسامة بن زيد".

ص: 443

وقال أيضًا: "وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس بنحو منه من غير هذا الوجه، وبغير هذا اللفظ، وهذا الإسناد أحسن وأصح من الإسناد الآخر الذي يروى عنه، ولا نعلم أسند الأوزاعي عن أسامة بن زيد الليثي عن الحسن بن مسلم إلا هذا الحديث".

قلت: هذا إسناد جيد؛ أسامة بن زيد الليثي مولاهم: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، وقد سبق أن ذكرت الاختلاف على أسامة في طرق حديث عائشة قريبًا، وذكرت بأن أسامة قد حفظ هذا الإسناد، واللَّه أعلم.

هـ- وروى الليث بن سعد: حدثني أبو عبد اللَّه الخراساني، عن أيوب السختياني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: افترض اللَّه الصلاة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 46/ 12463).

قلت: أبو عبد اللَّه الخراساني: لعله محمد بن عون، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (3/ 667)]، ويحتمل أن يكون نهشل بن سعيد بن وردان، وهو: متروك، متهم [التهذيب (4/ 243)]، فإن كان أحد هذين المذكورين؛ فهو باطل من حديث أيوب السختياني وسعيد بن جبير، ويحتمل أن يكون زياد بن سعد صاحب الزهري، وهو: ثقة ثبت، لكنه لا يُعرف بالرواية عن أيوب، ولا عنه الليث بن سعد [ويبعد أن يكون: محمد بن أسد الخشي، المترجم له في تاريخ بغداد (2/ 428)، ولا محمد بن الفضل بن عطية المتهم، وذلك لاختلاف الطبقة]، واللَّه أعلم.

• الثاني: من حديث السائب بن يزيد:

يرويه سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وأبو أسامة حماد بن أسامة [وهم ثقات]:

عن سعد بن سعيد الأنصاري، قال: سمعت السائب بن يزيد الكندي ابن أخت النمر، يقول: فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين [زاد الدراوردي: إلا المغرب]، ثم زيد في صلاة الحضر، وأُقرَّت صلاة السفر.

أخرجه إسحاق بن راهويه (5/ 92/ 733 - مطالب). وأبو العباس السراج في مسنده (1393 و 1394)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1806 و 1807)، والطبراني في الكبير (7/ 155/ 6676 و 6677)، وفي الأوائل (46).

وهذا إسناد جيد؛ سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، وهو: صدوق، له أوهام، تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (816).

* وفي الباب مما فيه مقال:

• عن أبي بكر الصديق [يرويه حكام بن سلم [ثقة]، وهارون بن المغيرة [ثقة]، عن عنبسة بن سعيد [الرازي: ثقة]، عن عثمان الطويل، عن رفيع أبي العالية، قال: خطبنا أبو

ص: 444

بكر الصديق رضي الله عنه فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "للظاعن ركعتان، وللمقيم أربع، مولدي بمكة، ومهاجري بالمدينة، فإذا خرجت من المدينة مصعدًا من ذي الحليفة صليت ركعتين حتى أرجع"] [أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (4/ 6/ 2297)، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (135)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 231/ 367 - مسند عمر). وابن عدي في الكامل (3/ 165)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 314)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 222)][قال ابن عدي: "وهذا لا يرويه عن عنبسة غير حكام، وعثمان الطويل: عزيز المسند، إنما له هذا، وآخر عن أنس بن مالك". وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب، تفرد به عنبسة بن سعيد من حديث رفيع أبي العالية الرياحي". قلت: لا يثبث، والحمل فيه على عثمان الطويل؛ فإنه لا يُعرف بغير ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، وروى حديثين عن أنس، قال البخاري: "ولا يُعرف لعثمان سماع من أنس"، أحدهما: حديث الطير، وهو حديث باطل، والثاني: في اتقاء حر الرمضاء بالثوب، والطويل هذا: قال فيه أبو حاتم: "شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "ربما أخطأ"، فإذا كان يخطئ على قلة ما يروي، فحري به أن يضعَّف. التاريخ الكبير (2/ 2) و (6/ 258)، والجرح والتعديل (6/ 173)، والثقات (5/ 157)، واللسان (5/ 418)].

• وعن أبي هريرة [أخرجه أحمد (2/ 400)][من طريق: عبيد اللَّه بن زحر؛ أن أبا هريرة قال:. . . فذكره بنحو حديث ابن عباس، دون ركعة الخوف، وعبيد اللَّه بن زحر عن أبي هريرة: مرسل، وهو صاحب علي بن يزيد الألهاني، وابن زحر: ليس به بأس، والأكثر على تضعيفه. التعجيل (684)، والتهذيب (3/ 9)].

• وعن أبي هريرة [أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 236/ 378 و 379 - مسند عمر). وابن عدي في الكامل (5/ 64)، والدارقطني في الأفراد (2/ 365/ 5705 - أطرافه)][وهو حديث منكر؛ تفرد به: عمر بن عبد اللَّه بن أبي خثعم اليمامي عن يحيى بن أبي كثير، وعمر: واهي، منكر الحديث. التهذيب (3/ 236)].

• وعن سلمان الفارسي [أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 313/ 5409)][وهو حديث باطل، تفرد به: عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، وهو: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع. اللسان (6/ 215)].

• وعن عمر بن الخطاب [أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 106)][وفي إسناده الدجين بن ثابت، وهو: ضعيف. اللسان (3/ 415)].

* * *

1199 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ومسدد، قالا: حدثنا يحيى، عن ابن جريج،

(ح) وحدثنا خُشَيشٌ -يعني: ابنَ أصرمَ-: حدثنا عبد الرزاق، عن ابن

ص: 445

جريج، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، عن عبد اللَّه بن بابَيْهِ، عن يعلى بن أُميَّة، قال: قلت لعمر بن الخطاب: [أرأيت] إقصارَ الناسِ الصلاةَ، وإنما قال تعالى:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، فقد ذهب ذلك اليومُ، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فذكرتُ ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"صدقة تصدَّق اللَّه صلى الله عليه وسلم بها عليكم، فاقبلوا صدقته".

* حديث صحيح

* أخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان:

مسلم (686)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 282/ 1544)، والنسائي في الكبرى (10/ 71/ 11055)، وابن خزيمة (2/ 71/ 945)، وابن حبان (6/ 449/ 2740) و (6/ 450/ 2741)، وأحمد (1/ 36)، وأبو يعلى (181)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 207/ 6 - مسند عمر). وأبو طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (232)(2736 - المخلصيات). والبيهقي (3/ 134)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 299)، وفي الاستذكار (2/ 217)، والخطيب في الموضح (1/ 305)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 61/ 914).

رواه عن يحيى بن سعيد القطان: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وبندار محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وشعيب بن يوسف [وقال: عبد اللَّه بن باباه]، وعبيد اللَّه بن عمر القواريري [وقال: عبد اللَّه بن بابي]، وحفص بن عمرو بن ربال [وهم ثقات]، وغيرهم.

* وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 517/ 4275) بهذا الوجه.

ومن طريقه: أبو داود (1199)، والترمذي (3034)، وأحمد (1/ 36).

هكذا رواه عن عبد الرزاق: أحمد بن حنبل، وعبد بن حميد، وخشيش بن أصرم [وهم ثقات حفاظ، وفيهم: أحمد بن حنبل، وهو إمام فقيه، ثقة ثبت، حافظ حجة، وهو من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره. شرح العلل لابن رجب (2/ 753)]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [ممن سمع من عبد الرزاق بأخرة بعدما عمي وأضر، كما أن الدبري كان يصحف، ويحرف. شرح العلل لابن رجب (2/ 754)، واللسان (2/ 36)]، فقالوا: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار.

وقال عبد بن حميد: عبد اللَّه بن باباه.

وخالفهم: أحمد بن منصور الرمادي [ثقة حافظ]، فقال: عبد اللَّه بن أبي عمار.

رواه عن أحمد بن منصور به: ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 207/ 7 - مسند عمر).

ص: 446

قال بعده ابن منصور: "كان عبد الرزاق حدثنا بهذا الحديث، فقال: أنبأنا ابن جريج، قال: سمعت عبد اللَّه بن أبي عمار، ثم رجع فقال: ابن أبي عامر"، كذا، ولعله: ابن أبي عمار، واللَّه أعلم.

قال ابن جرير: "والصواب في ذلك عندنا ما قال ابن أبي عدي عن ابن جريج، وهو: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، وهو رجل من قريش، من أهل مكة، معروف فيهم، روى عنه ابن جريج وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير وغيرهما".

ثم قال ابن جرير: "وهذا الحديث عندنا صحيح سنده، لا علة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه،. . . ".

وقال ابن المديني: "صحيح من حديث عمر، ولا يُحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون"[مسند الفاروق (1/ 276/ 145)].

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

* تابعهما على هذا الوجه:

روح بن عبادة، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وعبد اللَّه بن وهب، ومحمد بن أبي عدي، وعثمان بن عمر بن فارس [وهم ثقات]، ومسلم بن خالد الزنجي، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، ويحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهوذة بن خليفة [وهم من أهل الصدق، وقد تكلم في حفظهم]:

عن ابن جريج، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، يحدث عن عبد اللَّه بن باباه، عن يعلى بن منية، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما قال اللَّه عز وجل: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فقد أمن الناس؟ فقال: إني عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"صدقةٌ تصدَّق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته".

كذا وقع في رواية روح بن عبادة وابن وهب والزنجي وابن أبي رواد: عن عبد اللَّه بن باباه عن يعلى بن منية، وقال الثلاثة الأواخر: ابن أمية، وفي رواية أبي عاصم وابن أبي عدي: عبد اللَّه بن بابيه عن يعلى بن أمية، ويعلى بن أمية هو يعلى بن مُنْيَة، وهو صحابي مشهور.

أخرجه الدارمي (1/ 423/ 1505)، وأبو عوانة (1/ 369/ 1332)، والشافعي في الأم (1/ 179)، وفي اختلاف الحديث (46)، وفي السنن (15)، وفي المسند (24 و 48)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 121)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 207/ 5 - مسند عمر). وفي التفسير (5/ 243)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 340/ 2246)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 415)، وفي المشكل (4/ 334/ 1646) و (4/ 335/ 1647) و (9/ 357/ 3739)، وفي أحكام القرآن (368 - 370)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (354)، وابن الأعرابي في المعجم (932)، وابن قانع في المعجم (2/ 223)، والبيهقي في السنن (3/ 134 و 141)، وفي المعرفة (2/ 415/ 1537)،

ص: 447

والخطيب في الموضح (1/ 304 و 305)، والواحدي في تفسيره الوسيط (2/ 108)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 168/ 1024).

لكن وقع في رواية لأبي عاصم [عند ابن المنذر]، عن ابن جريج: أخبرني عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي عمار، وهو مقلوب، والمحفوظ عن أبي عاصم: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار [كما عند أبي عوانة والبيهقي].

قال البيهقي (3/ 141) بعد رواية ابن وهب: "كذا قال: ابن باباه، وكذلك قاله الشافعي عن عبد المجيد ومسلم بن خالد عن ابن جريج، وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن جريج كما مضى، وقال: عن عبد اللَّه بن بابيه، وكذلك قاله جماعة عن ابن جريج في هذا الحديث، وزعم يحيى بن معين أنه ثلاثة: ابن بابي وابن باباه وابن بابيه، والذي يروي عنه ابن أبي عمار: عبد اللَّه بن بابيه، وذهب يعقوب بن سفيان إلى أنهم واحد، وهو مكي، وعلى مثل قوله دل كلام البخاري"[وانظر: المعرفة (2/ 416)].

وممن فرَّق بينهم أيضًا: إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو القاسم الطبراني.

وممن جعلهم واحدًا: ابن المديني، والبخاري، ويعقوب بن سفيان، وابن عمار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن عبد البر، والخطيب، وغيرهم [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 87/ 364)، والتاريخ الكبير (5/ 48)، وتاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 226 - 227/ 682 - 685)، والجرح والتعديل (5/ 12)، والثقات (5/ 13)، والاستذكار (2/ 217)، والموضح (1/ 299)، والتهذيب (2/ 305)]، وهذا هو الصواب، وهو: مكي تابعي ثقة، من الثالثة.

قال الخطيب عمن فرق بينهم: "وقد وهموا جميعًا؛ لأن عبد اللَّه بن باباه وابن بابي وابن بابيه: رجل واحد، وهو مولى أبي حجير بن أبي إهاب المكي".

* * *

1200 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق، ومحمد بن بكر، قالا: أخبرنا ابن جريج: سمعت عبد اللَّه بن أبي عمار، يحدث فذكره نحوه.

قال أبو داود: رواه أبو عاصم وحماد بن مسعدة، كما رواه ابن بكر.

* حديث صحيح

رواه أحمد في المسند (1/ 36)(251 - ط. المكنز) عن عبد الرزاق وحده به، فقال: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، وقد سبق ذكره في الحديث السابق، ولم أقف على من رواه من طريق ابن بكر.

وأما رواية أبي عاصم عن ابن جريج، فالمحفوظ عنه كالجماعة: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، وقد سبق ذكره في الحديث السابق، ولم أقف على من رواه من طريق حماد بن مسعدة.

ص: 448

• ورواه عبد اللَّه بن إدريس، عن ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن عبد اللَّه بن بابيه، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"صدقةٌ تصدَّق اله بها عليكم، فاقبلوا صدقته".

أخرجه مسلم (686)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 281/ 1543)، والنسائي في المجتبى (1/ 117/ 1433)، وفي الكبرى (2/ 357/ 1904)، وابن ماجه (1065)، وابن خزيمة (2/ 71/ 945)، وابن حبان (6/ 448/ 2739)، وابن الجارود (146)، وأحمد (1/ 25)، وابن أبي شيبة (2/ 203/ 8159)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 206/ 4 - مسند عمر). وفي تفسيره (5/ 243)، وأبو العباس السراج في مسنده (1383)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1790 و 2388)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 1051/ 5892)، وابن حزم في المحلى (4/ 266)، والبيهقي (3/ 134)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 323).

قال ابن حبان: "ابن أبي عمار هذا هو: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، من ثقات أهل مكة".

• ورواه أيضًا أبو إسحاق الفزاري [إبراهيم بن محمد بن الحارث: ثقة حافظ]، عن ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن ابن بابيه، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب:. . . فذكر مثله.

أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 216).

° وحديث عمر هذا قد صححه: مسلم، وابن المديني، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وابن جرير الطبري.

* وقد ورد نحو هذا التساؤل على ابن محمر:

• فقد روى مالك، عن ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد؛ أنه سأل عبد اللَّه بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر؛ فقال ابن عمر: يا ابن أخي! إن اللَّه عز وجل بعث إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل.

أخرجه مالك في الموطأ (389)، ومن طريقه: أحمد (2/ 65)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (185)، والجوهري في مسند الموطأ (229)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 290).

• تابع مالكًا على إسقاط عبد اللَّه بن أبي بكر من الإسناد، غير أنه سمى الرجل المبهم:

ابن أبي ذئب [ثقة وفي روايته عن الزهري شيء]، عن ابن شهاب، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن أَسِيد؛ أنه قال لعبد اللَّه بن عمر:. . . فذكر نحوه.

ص: 449

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 218/ 338 - مسند عمر).

• خالف مالكلًا فوصله، وعيَّن المبهم:

الليث بن سعد، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد [في رواية جماعة عنه]، وفليح بن سليمان:

رووه عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد؛ أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن، فقال له ابن عمر: يا ابن أخي! إن اللَّه عز وجل بعث إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، وإنما نفعل كما رأينا محمدًا صلى الله عليه وسلم يفعل. حديث الليث.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 117/ 1434)، وفي الكبرى (2/ 357/ 1905)، وابن ماجه (1066)، وابن خزيمة (2/ 72/ 946)، وابن حبان (4/ 301/ 1451) و (6/ 444/ 2735)، والحاكم (1/ 258)(1/ 617/ 959 - ط. الميمان)(2/ 140/ 961 - ط. التأصيل). والضياء في المختارة (13/ 137 و 138/ 219 و 221)، وأحمد (2/ 94 و 148)(3/ 1340/ 6464 - ط. المكنز). وعبد الرزاق (2/ 518/ 4276)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 341/ 2247)، والجوهري في مسند الموطأ (229)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 163)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (317)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 289).

[وانظر ما وقع لمعمر وغيره من الوهم في هذا الإسناد: التاريخ الكبير (5/ 55)].

• تابعهم على وصله، وخالفهم في اسم شيخ ابن شهاب الزهري فوهم:

عبد اللَّه بن وهب، فرواه عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد؛ أنه سأل ابن عمر، قلت: أرأيت قصر الصلاة في السفر. . .، فذكر الحديث بنحوه، وفي آخره: وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 372)، والجوهري في مسند الموطأ (229)، والبيهقي (3/ 136)(6/ 128/ 5454 - ط. هجر). وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 290)، والضياء في المختارة (13/ 137/ 220).

والوهم فيه من عبد اللَّه بن وهب، فإن البخاري ذكر في التاريخ الكبير (5/ 55) اختلافًا على يونس، فذكر الإسناد المحفوظ، فقال:"قاله الليث، وحسان بن إبراهيم عن يونس، عن الزهري، وتابعه فليح بن سليمان، وقال ابن وهب، والزبيدي: عبد الملك بن أبي بكر: ولا يصح، وقال معمر: عبد اللَّه بن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد اللَّه: ولا يصح"، واللَّه أعلم.

هكذا حمل البخاري معمرًا تبعة الوهم في هذا الإسناد، وكذلك فعل الدارقطني، فقال في العلل (13/ 196/ 3087): "وقال معمر: عن الزهري، عن عبد اللَّه بن أبي بكر،

ص: 450

عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد اللَّه، عن ابن عمر، ووهم"، لكن ابن عبد البر رأى أن الوهم فيه من الكاتب، حيث قال في التمهيد (11/ 162): "وهذا الحديث يرويه ابن شهاب، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن عبد اللَّه بن أسيد، عن ابن عمر، كذلك رواه معمر، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد من غير رواية ابن وهب، وقال ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد، فجعل موضع عبد اللَّه بن أبي بكر: عبد الملك بن أبي بكر؛ فغلط ووهم.

. . .، فأما حديث معمر: فذكر عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد اللَّه؛ أنه قال لابن عمر:. . . "، فذكره، ثم قال: "هكذا في كتاب عبد الرزاق: عبد اللَّه بن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن أمية، وإنما هو عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد اللَّه، وهو من غلط الكاتب، واللَّه أعلم.

وإنما قلنا أن ذلك في كتاب عبد الرزاق؛ لأنا وجدناه في كتاب الدبري وغيره عنه كذلك، وكذلك ذكره الذهلي محمد بن يحيى، وقال: لا أدري هذا الوهم أمن معمر جاء؟ أم من عبد الرزاق؟ قال أبو عمر: هو عندي من كتاب عبد الرزاق، واللَّه أعلم".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 215): "وقد أقام إسناد هذا الحديث جماعة من رواة ابن شهاب، وسموا الرجل، منهم: معمر، ويونس، والليث بن سعد، فرووه عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف، وذكروا الحديث".

ونقل ابن عساكر عن أحمد بن صالح قوله: "القول: قول عنبسة [يعني: الذي رواه عن يونس كالجماعة]، ورواه مالك عن الزهري فأفسده؛ أسقط عبد اللَّه، ولم يسمِّ أمية".

وقال الحاكم: "هذا حديث رواته مدنيون ثقات، ولم يخرجاه".

وقال الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك (6): "خالفه جماعة من أصحاب الزهري، منهم: يونس، وعقيل، ومعمر، والليث بن سعد، وفليح بن سليمان، وغيرهم، فرووه عن الزهري، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد؛ أنه سأل ابن عمر، وهو الصواب".

وقال في العلل (13/ 196/ 3087): "والصواب: قول الليث ومن تابعه عن الزهري"، وقال بأن مالكًا لم يقم إسناده.

وقال الجوهري في مسند الموطأ (229): "وقد رواه الليث عن الزهري فجوَّده".

وقال أيضًا: "وحديث الليث أولى بالصواب عندنا من حديث ابن وهب هذا عن يونس، وباللَّه التوفيق".

ص: 451

وممن صوب أيضًا رواية الليث ومن تابعه: الخطيب البغدادي في غنية الملتمس (264)، وأبو العباس الداني في كتاب الإيماء (2/ 518)، والقاضي عياض في مشارق الأنوار (2/ 334).

• ورواه حجاج بن محمد [ثقة ثبت]، قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الشعيثي [صدوق]، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد؛ أنه قال لابن عمر: كيف تُقصَر الصلاة؟ وإنما قال اللَّه عز وجل: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} ، فقال ابن عمر: يا ابن أخي! إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن ضُلال فعلَّمنا، فكان فيما علَّمنا أن اللَّه عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر.

قال الشعيثي: وكان الزهري يحدث بهذا الحديث عن عبد اللَّه بن أبي بكر.

أخرجه النسائى فى المجتبى (1/ 226/ 457)، وفى الكبرى (2/ 196/ 393 - ط. التأصيل).

قلت: وهذا الحديث رجاله ثقات؛ عدا شيخ الزهري، ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (5/ 55)، فقال:"عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي القرشي: سمع أمية بن عبد اللَّه، قاله الليث وحسان بن إبراهيم عن يونس عن الزهري، وتابعه فليح بن سليمان، وقال ابن وهب والزبيدي: عبد الملك بن أبي بكر؛ ولا يصح، وقال معمر: عبد اللَّه بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد اللَّه؛ ولا يصح"، وترجم له البخاري في موضع آخر (5/ 261)، وقال:"هو أخو الحارث وعمر وعبد الملك"، وقول البخاري:"لا يصح"، إنما هو حكم بالوهم على رواية من سماه: عبد الملك، إنما هو عبد اللَّه، وكذلك مَن غيَّر موضع "بن"، فجعلها موضع "عن"، وقال:"عبد اللَّه بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد اللَّه"، إنما هو: عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد اللَّه، وبناء على ذلك؛ فإن قول ابن عدي في الكامل (4/ 231) (7/ 28 - ط. الرشد) نقلًا عن البخاري:"لا يصح حديثه"، نقل غير دقيق، فقد اختصر ابن عدي ترجمته، وخالف عادته فلم يورد في ترجمته شيئًا من حديثه مما ينكر عليه، فترجم له ترجمة مقتضبة جدًا، واختصر فيها أيضًا كلام البخاري فأوهم معنى جديدًا، قال ابن عدي:"قال البخاري: عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، ويقال: عبد الملك بن أبي بكر؛ لا يصح حديثه"، هكذا نقل ابن عدي عن البخاري كلامه مختصرًا، وكان ينبغي أن يكون آخر كلامه:"ولا يصح" فقط، دون لفظة: حديثه، وبهذا يستقيم المعنى، وهو أن البخاري خطَّأ من سماه: عبد الملك؛ إنما هو عبد اللَّه، ولم يقل البخاري بأن حديثه لا يصح، كما سبق أن بينت آنفًا.

وبناءً على هذا فإني لم أقف على جارح لعبد اللَّه بن أبي بكر، بل وقفت على تعديله فيما نقله مغلطاي في الإكمال (7/ 267) فقال:"ذكره ابن خلفون فى الثقات، وقال: قال ابن عبد الرحيم: عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: ثقة"، ونقله عنه ابن

ص: 452

حجر في التهذيب (2/ 310) مختصرًا، ويبدو أن ابن حجر تنبه للنكتة المشار إليها فأغفل ما وقع فيه ابن عدي من الوهم في النقل عن البخاري، واعتمد توثيق ابن عبد الرحيم، فقال عنه في التقريب:"صدوق"، واللَّه أعلم.

كذلك فقد وثقه الحاكم ضمن رجال هذا الإسناد، حيث قال:"هذا حديث رواته مدنيون ثقات".

وقد روى عنه: الزهري، ومحمد بن عبد اللَّه بن المهاجر الشعيثي، وغيرهما [الجرح والتعديل (5/ 18)، والتهذيب (2/ 310)]، وصحح له هذا الحديث: ابن خزيمة، وابن حبان، والضياء، واحتج به النسائي، ففي ذلك توثيق ضمني لهذا الرجل، ولم يثبت فيه جرح، ولم يأت بما ينكر، بل توبع على أصل حديثه، فالأصل عندئذ قبول حديثه.

والحاصل: فإن حديث ابن عمر هذا: حديث صحيح، واللَّه أعلم.

* وقد روي عن ابن عمر من وجه آخر فيه ضعف، وهو صالح في المتابعات:

يرويه إسماعيل بن عياش [روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذه منها]، عن مجاهد بن فرقد الصنعاني، عن أبي منيب الجرشي، قال: قيل لابن عمر: قول اللَّه عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} الآية، فنحن آمنون لا نخاف، أفنقصر الصلاة؟ فقال: لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة.

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 246/ 393 - مسند عمر)، بإسناد صحيح إلى ابن عياش.

أبو المنيب الجرشي: شامي ثقة، لم يُذكر له سماع من ابن عمر [الكنى للبخاري (70)، والجرح والتعديل (9/ 440)، والثقات (5/ 564)، والتمهيد (11/ 76)، وتاريخ دمشق (67/ 257)، والتهذيب (4/ 594)]، ومجاهد بن فرقد أبو الأسود الصنعاني، من صنعاء دمشق، وقيل: الطرابلسي: روى حديثًا منكرًا [الجرح والتعديل (8/ 320)، وفتح الباب (468)، وتاريخ دمشق (57/ 44)]، وقد قيل: لم يرو إسماعيل بن عياش عن مجاهد بن فرقد غير حديثين ولم يسمع منه غيرهما [تاريخ دمشق (57/ 46)]، ولم يذكره المزي، وبيض له ابن حجر في التهذيب (4/ 26).

وقد ترجم له الذهبي في الميزان (3/ 440)، وقال عن حديثه الآخر:"حديثه منكر، تكلم فيه"، وقال في المغني (3/ 145):"روى حديثًا منكرًا"، وكذا قال في تاريخ الإسلام (9/ 586).

قلت: وأما حديثه هذا فهو حديث معروف، فيقال إذًا عن مجاهد بن فرقد بأنه أخطأ في حديث، وأصاب في حديث، واللَّه أعلم.

° قال ابن المنذر بعد حديث عمر: "فدل هذا الحديث على أن اللَّه قد يبيح في كتابه الشيء بشرط، ثم يبيح ذلك الشيء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الشرط، ألا ترى أن القصر إنما أبيح على ظاهر الكتاب لمن كان خائفًا، فلما أباح النبي صلى الله عليه وسلم القصر في حال

ص: 453

الأمن كانت الإباحة في القصر قائمة في حال الخوف بكتاب اللَّه، وفي حال الأمن بالأخبار الثابتة عن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن حبان بعد حديث ابن عمر: "أباح اللَّه جل وعلا قصر الصلاة عند وجود الخوف في كتابه، حيث يقول: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وأباح المصطفى صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر عند وجود الأمن بغير الشرط الذي أباح اللَّه جل وعلا قصر الصلاة به، فالفعلان جميعًا مباحان من اللَّه، أحدهما إباحة في كتابه، والآخر إباحة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 299): "فكان القصر في السفر مع الأمن: زيادة بيان على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإن لم ينزل به وحي يتلى، ومثله كثير في الشرع".

* وفي الباب أيضًا مما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين ركعتين على الدوام، وهي أحاديث كثيرة، منها:

1 -

حديث أنس [ويأتي برقم (1201 و 1202)].

2 -

حديث ابن عمر [ويأتي برقم (1223)].

3 -

حديث عمران بن حصين [ويأتي برقم (1229)].

4 -

حديث ابن عباس [ويأتي برقم (1230 - 1232)].

5 -

حديث أنس [ويأتي برقم (1233)].

6 -

حديث ابن مسعود [ويأتي برقم (1960)].

7 -

حديث حارثة بن وهب [ويأتي برقم (1965)].

8 -

حديث أبي جحيفة [تقدم برقم (520)][وهو في الصحيحين. راجع فضل الرحيم الودود (6/ 130/ 520)].

9 -

حديث ابن عباس:

يرويه شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وعفان بن مسلم، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وسليمان بن حرب، وأبو حفص عمر بن حفص الحوضي، وحجاج بن محمد، ومحمد بن كثير العبدي، وبشر بن عمر الزهراني، وعمرو بن مرزوق، والربيع بن يحيى الأشناني]، وسعيد بن أبي عروبة [وعنه ممن سمع منه قبل الاختلاط: يزيد بن زريع]، وهشام الدستوائي [وهو ثابت عنه]، وهمام بن يحيى [وهو ثابت عنه]، وأيوب السختياني [وعنه: الحارث بن عمير، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي]:

قال شعبة: سمعت قتادة، يحدث عن موسى بن سلمة الهذلي، قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنتُ بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.

ولفظ ابن أبي عروبة [عند النسائي]، قال: حدثنا قتادة؛ أن موسى بن سلمة حدثهم؛

ص: 454

أنه سأل ابن عباس، قلت: تفوتني الصلاة في جماعة وأنا بالبطحاء، ما ترى أن أصلي؟ قال: ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم (688)، وأبو عوانة (2/ 69/ 2345 و 2346)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 283/ 1547 و 1548)، والنسائي في المجتبى (3/ 119/ 1443 و 1444)، وفي الكبرى (1/ 278/ 515) و (2/ 360/ 1914 و 1915)، وابن خزيمة (2/ 73 - 74/ 951)، وابن حبان (6/ 461/ 2755)، وأحمد (1/ 216 و 226 و 290 و 337 و 369)، والطيالسي (4/ 461/ 2865)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 215/ 331 و 332 - مسند عمر) و (1/ 216/ 333 - مسند عمر). وأبو العباس السراج في مسنده (1397)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1810)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 342/ 2250)، والطحاوي (1/ 422)، والطبراني في الكبير (12/ 202/ 12894 و 12895) و (12/ 203/ 12896)، وفي الأوسط (4/ 311/ 4294) و (5/ 19/ 4555) و (6/ 255/ 6334)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (117)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 188)، والبيهقي (3/ 153)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 681) و (16/ 308).

* تنبيه: انفرد محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، فقال: حدثنا أيوب، عن قتادة، عن موسى بن سلمة، قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (1/ 216)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (333 - مسند عمر). وأبو العباس السراج في مسنده (1397)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1810)، والطبراني في الكبير (12895)، وفي الأوسط (4294).

• خالفه في لفظه: الحارث بن عمير [ثقة من أصحاب أيوب، وله مناكير عن غيره. تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (69 و 486)، وانظر: التهذيب (1/ 335)، والميزان (1/ 440)، والمجروحين (1/ 223)، والتنكيل (1/ 220/ 68)، والفوائد المجموعة (297)]، فرواه عن أيوب السختياني، عن قتادة، عن موسى بن سلمة، قال: قلت لابن عباس: إنا كنا معكم، فخرجنا ورجعنا، فصلينا ركعتين؟ فقال: سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وإن رغمتم.

أخرجه الطبراني في الأوسط (6334)، بإسناد صحيح إلى الحارث.

وكذلك رواية أثبت أصحاب قتادة: شعبة، وابن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وهمام، وقع فيها جواب ابن عباس: ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، على صلاة المسافر وحدها، دون صلاة المسافر خلف المقيم، فلم يعُد لها حكم الرفع في هذا الحديث، وإنما رواه الطفاوي بالمعنى، فأدرج صلاة المسافر خلف المقيم في المرفوع، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي: صدوق، ليس به بأس، كما قال جماعة من الأئمة، وله أوهام ضُعِّف لأجلها؛ فقال فيه أبو زرعة:"منكر الحديث"، وقال مرة: "صدوق؛ إلا أنه يهم

ص: 455

أحيانًا"، وقال فيه أبو حاتم: "ليس به بأس، صدوق صالح، إلا أنه يهم أحيانًا"، وقال مرة: "ضعيف الحديث" [لتهذيب (3/ 631)، والجرح والتعديل (7/ 324)].

وعليه: فإن رواية الطفاوي هذه شاذة، حيث أدرج صلاة المسافر خلف المقيم في المرفوع، ورواه بالمعنى، واللَّه أعلم.

فإن قيل: قد روي معناه من وجه آخر من حديث أيوب السختياني [عند الطبراني في الأوسط (4555)]؛ فيقال: إسناده واهٍ، ليس بشيء، تفرد به عن عبيد اللَّه بن عمر عن أيوب عن قتادة به: القاسم بن عبد اللَّه بن عمر العمري، وهو: متروك، منكر الحديث، كذبه أحمد [التهذيب (3/ 413)].

وانظر أيضًا: تاريخ أصبهان (2/ 170).

10 -

حديث ابن عباس:

يرويه هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، عن ابن عباس؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا [اللَّه] رب العالمين، فصلي ركعتين [ركعتين، حتى رجع].

أخرجه الترمذي (547)، والنسائي في المجتبى (3/ 117/ 1435)، وفي الكبرى (2/ 358/ 1906)، وأحمد (1/ 215)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 211/ 318 - مسند عمر). والطبراني في الكبير (12/ 149/ 12863).

قال الترمذي: "هذا حديث صحيح".

• ورواه خالد بن عبد اللْه الواسطي، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، ومعاذ بن معاذ، ومحمد بن أبي عدي، وبشر بن المفضل، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي [وهم ثقات]:

عن عبد اللَّه بن عون، عن محمد، عن ابن عباس، قال: كنا نسير مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة لا نخاف إلا اللَّه عز وجل نصلي ركعتين. لفظ خالد، وفي رواية يزيد: ونحن آمنون لا نخاف شيئًا.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 117/ 1436)، وفي الكبرى (2/ 358/ 1907)، وأحمد (1/ 226 و 354 و 362 و 369)، وابن أبي شيبة (2/ 204/ 8164)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 210/ 316 - مسند عمر). وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (136)(632 - مجموع مصنفاته). والطبراني في الكبير (12/ 147/ 12855)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 217).

• ورواه أيضًا: أيوب السختياني [وعنه: عبد الوهاب الثقفي، ومعمر بن راشد]، وهشام بن حسان، ويزيد بن إبراهيم التستري، وقرة بن خالد السدوسي، وخالد بن مهران الحذاء، وسعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حرة [وهم ثقات]، وأبو هلال الراسبي [محمد بن

ص: 456

سليم: ليس بالقوي]، وأشعث بن سوار [ضعيف]، ويونس بن عبيد [ثقة ثبت؛ لكنه هو غريب من حديثه]، وغيرهم:

عن ابن سيرين، عن ابن عباس بنحوه.

أخرجه أحمد (1/ 355)، والشافعي في اختلاف الحديث (47)، وفي المسند (48 و 156)، والطيالسي (4/ 386/ 2786)، وعبد الرزاق (2/ 516/ 4270 و 4271)، وعبد بن حميد (663 و 664)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 210/ 317 - مسند عمر) و (1/ 211/ 319 - مسند عمر) و (1/ 212/ 320 - 325 - مسند عمر). وابن الأعرابي في المعجم (20 و 31 و 824)، والطبراني في الكبير (12/ 148/ 12856 - 12862) و (12/ 149/ 12864)، وفي الأوسط (6/ 93/ 5900)، وابن عدي في الكامل (3/ 390)، وأبو بكر القطيعي في الألف دينار (143)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 584)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (188)، وفي الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (15)(630 - المخلصيات). وتمام في فوائده (1364)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 280)، والبيهقي في السنن (3/ 135)(6/ 126/ 5450 - ط. هجر) و (6/ 127/ 5451 - ط. هجر). وفي المعرفة (2/ 416/ 1576)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 235)، والواحدي في تفسيره الوسيط (2/ 109)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 169/ 1025)، وقال:"صحيح".

° هكذا روى هذا الحديث عن ابن سيرين، عن ابن عباس:

منصور بن زاذان، وابن عون، وأيوب السختياني، وهشام بن حسان، ويزيد بن إبراهيم، وقرة بن خالد، وخالد الحذاء، وسعيد بن عبد الرحمن، وأبو هلال الراسبي، وأشعث بن سوار.

وقد اختلف فيه على يزيد بن إبراهيم:

• فرواه وكيع بن الجراح، قال: حدثنا قرة بن خالد، ويزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن ابن عباس [كما عند أحمد (1/ 355) وغيره].

• وخالفه: حجاج بن منهال، وسليمان بن حرب، وموسى بن إسماعيل [وهم ثقات]: فرووه عن يزيد بن إبراهيم: ثنا محمد بن سيرين، قال: نُبِّئتُ أن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ما بين مكة والمدينة لا يخاف إلا اللَّه؛ فيقصر الصلاة.

أخرجه البيهقي (3/ 135)(6/ 127/ 5452 - ط. هجر). وابن عبد البر في التمهيد (16/ 300 - 301).

قلت: ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئًا، وأحاديثه عن ابن عباس إنما ثبته فيها عكرمة، لقيه أيام المختار فسمع منه أحاديث ابن عباس [راجع فضل الرحيم الودود (2/ 385/ 190)] ، وإذا علمنا الواسطة، وأنه ثقة، وليس في المتن ما يستنكر، مع العلم بشدة احتياط ابن سيرين في الرواية، وأنه كان لا يأخذ إلا عن ثقة، قال ابن عبد البر في التمهيد

ص: 457

(8/ 301): "أجمع أهل العلم بالحديث: أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة، وأن مراسله صحاح كلها؛ ليس كالحسن وعطاء في ذلك، واللَّه أعلم".

فهو حديث صحيح؛ كما قال الترمذي، واللَّه أعلم.

وانظر في الأوهام: المعجم الصغير للطبراني (73)، وتاريخ أصبهان (2/ 9).

11 -

حديث ابن عباس:

يرويه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وزهير بن معاوية، وعنبسة بن سعيد [وهم ثقات]:

عن أبي إسحاق، عن سعيد بن شُفَي، قال: جعل الناس يسألون ابن عباس رضي الله عنهما عن الصلاة، فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خرج من أهله، لم يصل إلا ركعتين حتى يرجع إليهم. لفظ إسرائيل.

أخرجه أحمد (1/ 241 و 356)، وابن أبي شيبة (2/ 203/ 8157)(5/ 364/ 8241 - ط. عوامة). وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 213/ 326 و 327 - مسند عمر) و (1/ 214/ 328 - مسند عمر). والطحاوي (1/ 417)، والضياء في المختارة (10/ 405/ 428)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 482).

قلت: هذا الحديث قد دلسه أبو إسحاق، وأسقط فيه الواسطة بينه وبين سعيد بن شفي، بيَّن ذلك شعبة، وهو من أثبت أصحاب أبي إسحاق، وأقدمهم منه سماعًا:

• رواه غندر محمد بن جعفر، وعبد الرحمن بن مهدي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو الوليد الطيالسي، وحجاج بن محمد، ووهب بن جرير، وغيرهم:

عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: حدثني أبو السفر، عن سعيد بن شُفَي، عن ابن عباس، قال: جعلوا يسألونه عن الصلاة في السفر، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خرج من أهله لم يزد على ركعتين حنى يرجع [إلى أهله].

أخرجه أحمد (1/ 241)، وعبد اللَّه بن أحمد في المسند (1/ 285) وجادة في كتاب أبيه. والطيالسي (4/ 457/ 2860)، وعبد بن حميد (696)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 214/ 329 - مسند عمر). وأبو العباس السراج في مسنده (1420)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1677 و 1678)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 358/ 2283)، والطحاوي (1/ 417)، والطبراني في الكبير (12/ 143/ 12711 و 12712)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 188)، والبيهقي (3/ 153)، والضياء في المختارة (10/ 405/ 427) و (10/ 406/ 429)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 482).

وهذا إسناد كوفي صحيح، سعيد بن شُفَي: سمع ابن عباس، وهو: كوفي همداني، تابعي ثقة، وثقه أبو زرعة والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (4/

ص: 458

32)، ومعرفة الثقات (601)، والثقات (4/ 283)، والتعجيل (377)، والثقات لابن قطلوبغا (4/ 489)]، وأبو السفر سعيد بن يُحمِد الهمداني الكوفي: ثقة، من الثالثة [التهذيب (2/ 49)].

• وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على أبي إسحاق، أو اختلف عليه في إسناده من المتروكين المتهمين:

ما أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 215/ 330 - مسند عمر) و (1/ 233/ 372 - مسند عمر). والطبراني في الكبير (12/ 143/ 12712).

12 -

حديث ابن عباس:

يرويه ابن جريج، قال: سال حميدٌ الضمريُّ ابنَ عباس، فقال: إني أسافر أفأقصر الصلاة في السفر أم أتمها؟ فقال ابن عباس: ليس بقصرها، ولكن تمامها، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آمنًا لا يخاف إلا اللَّه، فصلى اثنتين حتى رجع، ثم خرج أبو بكر لا يخاف إلا اللَّه، فصلى ركعتين حتى رجع، ثم خرج عمر آمنًا لا يخاف إلا اللَّه فصلى اثنتين حتى رجع، ثم فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها، ثم صلاها أربعًا، ثم أخذ بها بنو أمية.

قال ابن جريج: فبلغني أنه أوفى أربعًا بمنى قطُّ من أجل أن أعرابيًا ناداه في مسجد الخيف بمنى: يا أمير المؤمنين، ما زلت أصليهما ركعتين منذ رأيتك عام أول صليتها ركعتين، فخشي عثمان أن يظن جهال الناس إنما الصلاة ركعتين، وإنما كان أوفاها بمنى قط.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 518/ 4277)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (11/ 131/ 11268)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 168).

قلت: حميد الضمري: لم أعرفه، إلا أن يكون تصحف عن حميد الحميري، وهو: حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري، وهو: ثقة فقيه، من الثالثة، وهو معروف بالرواية عن ابن عباس، فإن كان هو فالأقرب أن ابن جريج لم يسمع منه، لتقدم طبقته، ولأجل الصيغة التي استعملها ابن جريج الدالة على الإرسال، وإن كان الأول فالإسناد لا يصح من جهتين: الأولى: جهالة حال التابعي، والثانية: الانقطاع فيما بينه وبين ابن جريج، فإن عادة ابن جريج أن يستعمل نحو هذه الصيغ إذا لم يكن ثم سماع، كان يقول: ذكر، وقال، وسأل، ثم هو هنا يحكي واقعة لم يشهدها، وأمارات الإرسال عليها ظاهرة، وعليه فالأشبه أن ابن جريج دلس هذا الحديث، ولم يسمعه من حميد المذكور، وكان ابن جريج قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، واللَّه أعلم.

وأما قصة تأول عثمان فقد أرسلها ابن جريج بغير خطام ولا زمام، وبين ابن جريج وعثمان مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي؛ فلا تثبت هذه القصة.

13 -

حديث ابن عباس:

يرويه حميد بن علي العقيلي: حدثنا الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين سافر ركعتين، وحين أقام أربعًا.

ص: 459

قال: قال ابن عباس: فمن صلى في السفر أربعًا كمن صلى في الحضر ركعتين.

قال: وقال ابن عباس: لم تقصر الصلاة إلا مرة واحدة، حيث صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين، وصلى الناس ركعةً ركعةً.

أخرجه أحمد (1/ 251 و 349)، ومسدد بن مسرهد (5/ 94/ 734 - مطالب). وابن المنذر في الأوسط (4/ 334/ 2238).

وهذا إسناد ضعيف؛ الضحاك بن مزاحم: لم يسمع من ابن عباس، ولم يره [المراسيل لابن أبي حاتم (338 - 343 و 346)، والجرح والتعديل (1/ 131) و (4/ 458)، والضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 218)].

وحميد بن علي العقيلي، قال البخاري:"حميد بن علي العقيلي: عن الضحاك؛ مرسل"، وقال أبو زرعة:"كوفي لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:"لا يستقيم حديثه، ولا يحتج به"[التاريخ الكبير (2/ 353)، والجرح والتعديل (3/ 226)، والثقات (8/ 195)، وسؤالات البرقاني (94)، والتعجيل (241)، واللسان (3/ 301)، والثقات لابن قطلوبغا (4/ 52)].

14 -

حديث ابن عباس، وابن عمر:

يرويه شعبة، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وشريك بن عبد اللَّه النخعي:

عن جابر الجعفيِ، قال: سمعت الشعبي، يحدِّث عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهم، قالا: سنَّ رسول اللَّه الصلاة في السفر ركعتين، وهي تمام [غير قصر]، والوتر في السفر سنة.

ورواه شريك أيضًا، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سن رسول صلى الله عليه وسلم ركعتين في السفر، وهما تمام، والوتر في السفر سنة.

أخرجه ابن ماجه (1194)، وأحمد (1/ 241)، وابن أبي شيبة (2/ 96/ 6899)(6971 - ط. عوامة). والبزار (11/ 57/ 4752) و (11/ 476/ 5357)، والطحاوي (1/ 422)، والسهمي في تاريخ جرجان (400)، والطبراني في الكبير (12/ 72/ 12570) و (13/ 70/ 13700)، وأبو بكر الإسماعيلي في المعجم (1/ 461)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 315)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 37).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه عن الشعبي إلا جابر".

قلت: وجابر بن يزيد الجعفي: متروك، يكذب؛ فالإسناد تالف.

15 -

حديث ابن عمر:

يرويه مسعر بن كدام [وعنه: وكيع، وأبو نعيم]، عن سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عمر، يقول: الركعتان في السفر تمام غير قصر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 204/ 8167)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 333/ 2234)، والطبراني في الكبير (13/ 285/ 14054).

ص: 460

• ورواه شعبة [وعنه: غندر]، عن سماك الحنفي، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتانِ تمامٌ غيرُ قصر، إنما القصر صلاة المخافة، فقلت: وما صلاة المخافة؟ قال: يصلي الامام بطائفة ركعة، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء، ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فتكون للإمام ركعتين، ولكل طائفة ركعة ركعة.

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 238/ 380 - مسند عمر). وفي التفسير (5/ 247).

وهذا موقوف بإسناد صحيح، له حكم الرفع؛ إذ لا مجال للرأي فيه، وسماك هو: ابن الوليد الحنفي، أبو زُميل: ثقة.

16 -

حديث ابن عمر:

يرويه إسماعيل بن أبي خالد [وعنه: يحيى بن سعيد القطان، ويعلى بن عبيد، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وجرير بن عبد الحميد، ومروان بن معاوية، ومحمد بن يزيد الواسطي]، ومالك بن مغول:

عن أبي حنظلة، قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان، قلت: إنا آمنون لا نخاف أحدًا؟ [وفي رواية: فاين قول اللَّه عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ} ونحن آمنون؟]، قال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (2/ 20 و 31 و 57 و 135)، وابن أبي شيبة (2/ 203/ 8158)، والدولابي في الكنى (2/ 496/ 901 و 902)، وأبو العباس السراج في مسنده (1391 و 1392)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1800 - 1805)، والطبراني في الكبير (13/ 219/ 13944)، وابن المقرئ في المعجم (730)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 186)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 302)، وفي الاستذكار (2/ 216).

• ورواه شعبة، عن إسماعيل: سمعت حكيمًا لحذاء: سمعت ابن عمر، سئل عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتين، سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (2/ 84)، والطبراني في الكبير (13/ 220/ 13945).

قال الدارقطني في العلل (13/ 241/ 3138): "وغير شعبة يقول: عن أبي حنظلة، وهو أصح".

وقال في سؤالات البرقاني له (602): "وأبو حنظلة: لا يعرف اسمه، ولا بأس به".

وخالفه ابن منده فاعتمد قول شعبة في تسمية أبي حنظلة، فقال في الكنى:"أبو حنظلة: حكيم الحذاء".

قلت: هو حديث صحيح، رجاله ثقات مشاهير؛ غير أبي حنظلة: روى عنه اثنان من الثقات، وقال أبو زرعة:"كوفى، لا أعرف اسمه"، وقال الدارقطني:"لا بأس به"، وذكره ابن خلفون في الثقات [كنى البخاري (26)، وكنى مسلم (960)، والجرح والتعديل (9/ 363)، وسؤالات البرقاني (602)، والأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (4/ 229/

ص: 461

1903)، وفتح الباب (2425)، والتعجيل (1260)]، ولم يرو منكرًا، بل تابع الثقات فيما رووه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في السفر، ركعتين ركعتين.

17 -

حديث ابن عمر:

يرويه شعبة [وعنه: أبو الوليد الطيالسي، وروح بن عبادة]، وهشام الدستوائي، وأبو عوانة، وأبان بن يزيد العطار:

عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1442)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1702)، والطحاوي (1/ 422)، والطبراني في الكبير (13/ 260/ 14010)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 185)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 175)، وفي جامع بيان العلم (2/ 1207/ 2372)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (422)، وذكره الدارقطني في العلل (13/ 161/ 3042).

* ثم رواه شعبة أيضًا [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو الوليد الطيالسي، وحفص بن عمر الحوضي، وروح بن عبادة، وعمرو بن حكام]، قال: ثنا أبو التياح، عن مُؤرِّق العجلي، قال: سأل صفوانُ بن محرز ابنَ عمر رضي الله عنه، فذكر مثله.

أخرجه الطحاوي (1/ 422)، والطبراني في الكبير (13/ 296/ 14074)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 185)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (421).

وهذان الوجهان هما المحفوظان عن شعبة، فقد رواه بعض أصحاب شعبة بالوجهين.

وقد تابعه على الوجه الأول: هشام الدستوائي، وأبو عوانة، وأبان بن يزيد العطار.

• وتابعه على الوجه الثاني، لكن زاد في الإسناد صفوان بن محرز:

عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]: ثنا أبو التياح، عن مُورِّق العجلي، عن صفوان بن محرز، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ قال: ركعتان، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه البيهقي (3/ 140)، بإسناد صحيح إلى عبد الوارث.

* وقد رواه جماعة عن شعبة بخلاف ما تقدم، من طرق لا تثبت إلى رواتها عن شعبة، أو هي غريبة عنهم، مثل:

• ما رواه خالد بن الحارث: حدثنا شعبة، عن قتادة؛ أن مورقًا حدثهم، قال: سأل صفوان بن محرز ابنَ عمر عن الصلاة في السفر؟. . . فذكره.

أخرجه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (421)[غريب].

• وما رواه حجاج بن محمد: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن مورق العجلي، قال: سأل صفوان بن محرز ابن عمر عن الصلاة في السفر؟. . . فذكره.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 185)[غريب].

ص: 462

• وما رواه عفان: ثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت مطرفًا يقول: سأل صفوان بن محرز ابن عمر عن الصلاة في السفر؟. . . فذكره.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 185)[لا يثبت من حديث عفان].

• وما رواه عبد الرحمن بن زياد الرصاصي: ثنا شعبة، عن قتادة وأبي التياح وعاصم الأحول، كلهم عن مورق العجلي، عن ابن عمر، قال: صلاة السفر ركعتان، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 185 - 186)[لا يثبت من حديث الرصاصي].

• وروى سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: ثنا مورق العجلي، قال: سألت ابن عمر عن صلاة المسافر؟. . . فذكره.

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 295/ 14073)[غريب].

• ورواه معمر بن راشد، عن قتادة، عن مؤرق العجلي، قال: سئل ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتين ركعتين، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 519 - 520/ 4281)، ومن طريقه: عبد بن حميد (829)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 333/ 2235)، والطبراني في الكبير (13/ 295/ 14072).

ومعمر بن راشد: ثقة، لكنه سيئ الحفظ لحديث قتادة؛ لأنه إنما جلس إليه وهو صغير فلم يحفظ عنه [انظر: شرح علل الترمذي (698)].

• والصواب قول من قال: قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر رضي الله عنه.

ومن قال: أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي، عن مُورِّق بن مشمرج، قال: سأل صفوانُ بن محرز ابنَ عمر رضي الله عنه.

قاله الدارقطني في العلل (13/ 161/ 3042).

والأول: إسناد صحيح، أخرج به الشيخان حديث النجوى:"إن اللَّه يدني المؤمن فيضع عليه كنفه،. . . "[البخاري (2441) وأطرافه. مسلم (2768)].

والثاني: إسناد صحيح أيضًا، رجاله رجال الصحيح.

18 -

حديث ابن عمر:

يرويه محمد بن الصباح [الجرجرائي: صدوق]، عن عبد اللَّه بن رجاء [المكي: ثقة، تغير حفظه قليلًا]، عن هشام، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صلاة المسافر ركعتان، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1440)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1700)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (129)، وأبو الحسن الحربي في الفوائد المنتقاة (13)، وابن حزم في المحلى (4/ 266).

قلت: هو حديث غريب من حديث أيوب السختياني، ثم من حديث هشام بن حسان، واللَّه أعلم.

ص: 463

• وممن رواه عن نافع عن ابن عمر مثله:

عبد اللَّه بن محرر [وهو: متروك]، ومحمد بن عون الخراساني [وهو: متروك، منكر الحديث]، ومطر بن طهمان الوراق [ضعيف، وهو غريب من حديثه]، وعلي بن ثابت [صدوق، وهو غريب من حديثه]، وعبيد اللَّه بن عمر [ولا يثبت عنه؛ تفرد به عنه: محمد بن حيان الأنماطي، وهو: مجهول. الثقات (9/ 58)].

أخرجه البزار (12/ 221 و 222/ 5928 م و 5929)، وابن حبان في الثقات (9/ 58)، وابن عدي في الكامل (4/ 134) و (6/ 244)، والدارقطني في الأفراد (1/ 590/ 3447 - أطرافه). وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (420).

• وروي بهذا اللفظ من وجه آخر عن ابن عمر [أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 301/ 14082)][وفي إسناده: جميل بن زيد الطائي، وهو: متروك، واهي الحديث. اللسان (2/ 488)، والراوي عنه: عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي، وهو: لين الحديث].

19 -

حديث ابن عمر:

روى محمد بن جعفر غندر، وعبد الرحمن بن مهدي، ووهب بن جرير [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب شعبة]، وأبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي [ليس بقوي]:

عن شعبة، عن أبي فروة الهمداني، قال: سمعت عونًا الأزدي [وفي رواية وهب: عن رجل من الأزد يقال له: عون بن عبد اللَّه]، قال: كان عمر بن عبيد اللَّه بن معمر أميرًا على فارس، فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصلاة في السفر؟ فكتب إليه ابن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 14)، وأحمد (2/ 45)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (161)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 186)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 287).

قال أبو نعيم: "تفرد به عن شعبة غندر"، قلت: تابعه عليه من قد رأيت.

• وروى أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وعمرو بن حكام [ضعيف. اللسان (6/ 200)]:

عن شعبة، قال: سمعت إسحاق بن سويد، يحدث عن عبد الرحمن بن عياش؛ أن عمر بن عبيد اللَّه بن معمر كتب إلى عبد اللَّه بن عمر، يسأله عن الصلاة في السفر [وهو بفارس]، كيف أصلي؟ فقال: ركعتان، من خالف السُّنَّة كفر.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 186).

قلت: وهذا غريب من حديث شعبة، ومن حديث الطيالسي، والمحفوظ: الأول.

وعليه: فإن عون بن عبد اللَّه الأزدي: مجهول [التاريخ الكبير (7/ 14)، والجرح والتعديل (6/ 385)، والثقات (5/ 264)]، وأبو فروة عروة بن الحارث الهمداني الكوفي: ثقة [التهذيب (3/ 91)]، والمتن صحيح، جاء عن ابن عمر من طرق متعددة، ويأتي ذكرها تحت الحديث رقم (1223).

ص: 464

• وروي من وجه آخر عن ابن عمر [أخرجه الطيالسي (3/ 455/ 2061)]، [وشيخ الطيالسي: عبد اللَّه بن بدر؛ فلم أعرفه؛ إلا أن يكون تحرف عن الربيع بن بدر المتروك، فإن يُعرف بالرواية عن سوار بن شبيب راويه عن ابن عمر، واللَّه أعلم].

20 -

حديث عمر بن الخطاب:

يرويه عبد الرحمن بن مهدي، وغندر محمد بن جعفر، والنضر بن شميل، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ومحمد بن أبي عدي، وعبيد بن سعيد الأموي، وعاصم بن علي، وغيرهم:

عن شعبة، عن يزيد بن خمير الهمداني، قال: سمعت حبيب بن عبيد، يحدث عن جبير بن نفير، عن ابن السمط، قال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي بذي الحليفة ركعتين [وفي رواية عبيد بن سعيد: كأنه يريد مكة]، فسألته عن ذلك، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعل.

وفي رواية ابن مهدي [عند مسلم]: عن جبير بن نفير، قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلًا، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعل.

وفي رواية الطيالسي: عن ابن السمط؛ أنه سمع عمر يقول: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة ركعتين.

أخرجه مسلم (692)، وأبو عوانة (2/ 75/ 2369)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 284/ 1550 و 1551)، والنسائي في المجتبى (3/ 118/ 1437)، وفي الكبرى (2/ 358/ 1908)، وأحمد (1/ 29 و 30)، والطيالسي (35)، وابن أبي شيبة (2/ 202/ 8143)(8227 - ط. عوامة). ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 179)، والبزار (316)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 209/ 314 و 315 - مسند عمر) و (2/ 894 و 895/ 43 - 46 - مسند عمر). وأبو العباس السراج في مسنده (1419)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1675 و 1676)، والطحاوي (6/ 411)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 187 - 188)، والبيهقي (3/ 146).

قال ابن المديني: "هذا من صالح حديث أهل الشام"[مسند الفاروق (1/ 277)]. وانظر فيمن وهم فيه على شعبة: علل الدارقطني (2/ 162/ 190).

21 -

حديث عمر بن الخطاب:

يرويه سفيان الثوري [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم، وأبو داود الطيالسي، وزائدة بن قدامة، وأبو عامر العقدي، ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة، وعبد الرزاق بن همام، وعبد اللَّه بن الوليد العدني، ويزيد بن هارون]، وشعبة [وتفرد به عنه: سفيان بن حبيب، وهو: بصري ثقة، عالم بحديث شعبة]، وشريك بن

ص: 465

عبد اللَّه النخعي، ويحيى بن أبي أنيسة [متروك، والراوي عنه: يوسف بن خالد السمتي، وهو: متروك، متهم]، وجماعة غيرهم:

عن زبيد الإيامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر، قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان؛ تمامٌ غيرُ قصر، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية للثوري: عن زبيد، عن عبد الرحمن، قال: قال عمر، وفي أخرى عن الثوري: قال زبيد مرة: أراه عن عمر، وفي أخرى: ذكره عن عمر، ووقع في رواية يزيد بن هارون: عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عمر بن الخطاب [عند أحمد والهيثم بن كليب].

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 111/ 1420) و (3/ 118/ 1440) و (3/ 183/ 1566)، وفي الكبرى (1/ 270 - 271/ 494) و (1/ 273/ 500) و (2/ 286/ 1745) و (2/ 302/ 1784) و (2/ 359/ 1911)، وابن ماجه (1063)، وابن حبان (7/ 22 - 23/ 2783)، والضياء في المختارة (1/ 346 و 238/ 347 - 240)، وأحمد (1/ 37)، والطيالسي (48)، وعبد الرزاق (2/ 519/ 4278)، وابن أبي شيبة (2/ 8/ 5851) و (2/ 203/ 8156)، وعبد بن حميد (29)، والبزار (331)، وأبو يعلى (241)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 332/ 2231)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 421 و 422)، وفي أحكام القرآن (217)، والهيثم بن كليب في مسنده (1/ 279 - مسند الفاروق). والطبراني في الأوسط (3/ 211/ 2943) و (5/ 181/ 5010)، وأبو الشيغ في طبقات المحدثين (2/ 198)، والدارقطني في الأفراد (160 - أطرافه). وأبو الحسن الحربي في الفوائد المنتقاة (14)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 187)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 190)، والبيهقي (3/ 200)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 296)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 98/ 1286).

• وانظر فيمن وهم فيه على الثوري: ما أخرجه ابن بشران في الأمالي (932)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 215).

° قال ابن معين عن هذا الحديث: "سمعت عمر: ليس بشيء"[التعديل والتجريح (2/ 882)، والبدر المنير (4/ 648)، والتلخيص (2/ 66)، وتحفة التحصيل (204)].

وقال النسائي: "عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يسمع من عمر".

وقال مرة أخرى: "أدخل يزيد بن زياد بن أبي الجعد بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وبين عمر: كعب بن عجرة".

وقال البزار: "وهذا الحديث رواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر، وشعبة والثوري فلم يذكرا كعب بن عجرة، وهما حافظان، ويزيد بن زياد فغير حافظ".

ص: 466

يعني: أن الزيادة إنما تُقبل من الحافظ الذي يُعتمد على حفظه، مثل شعبة وسفيان، فإذا كانت الزيادة من غير حافظ، وخالفه حافظان فرويا الحديث بدونها، دل على أنها غير محفوظة، واللَّه أعلم.

وقال الدارقطني في العلل (150): "ولم يتابع يزيد بن هارون على قوله هذا"؛ يعني: إثبات سماع ابن أبي ليلى من عمر في هذا الحديث.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 296): "روى هذا الحديث يزيد بن هارون، عن الثوري، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: سمعت عمر، فخطَّؤوه فيه، لقوله: سمعت عمر".

وقال الطبراني وأبو نعيم: "تفرد به سفيان بن حبيب عن شعبة".

• ورواه محمد بن طلحة بن مصرف، عن زبيد اليامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر [وقال مرة: خطبنا عمر]، وذكر مثله.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 421)، وفي أحكام القرآن (216)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 353) و (5/ 37).

قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 296): "فوهم أيضًا فيه".

قلت: نعم؛ وهم فيه محمد بن طلحة بن مصرف، بدليل تردده فيه، فمرة يقول: قال عمر، ومرة يقول: عن عمر، ومرة يقول: خطبنا عمر، ومحمد: ليس به بأس، لينه بعضهم، وضعفه آخرون [التهذيب (3/ 597)، والضعفاء للعقيلي (4/ 85)، والجرح والتعديل (7/ 292)، والكامل (6/ 237)، وسؤالات ابن بكير (24)].

قلت: هو مرسل، عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يسمع من عمر، جزم به جماعة من الأئمة، منهم: شعبة، وابن المديني، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، قال أبو بكر ابن أبي خيثمة:"وقد روي سماعه من عمر من طرق، وليست بالصحيحة"، وقال الخليلي:"والحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر"[انظر: المراسيل (450 و 451)، والإرشاد (2/ 548)، والتعديل والتجريح (2/ 882)، والبدر المنير (4/ 648)، والتهذيب (2/ 548)، وتحفة التحصيل (204)].

ويؤيد قولهم: ما رواه شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى؛ أنه قال:"ولدت لست سنين بقين من خلافة عمر"[التاريخ الكبير (5/ 368)، والمراسيل (454)، وتاريخ بغداد (10/ 200)، والتعديل والتجريح (2/ 882)، والبدر المنير (4/ 649)].

وأما دعوى أن مسلمًا أثبت في مقدمة صحيحه سماعَ ابن أبي ليلى من عمر [انظر: نصب الراية (2/ 189)، ومسند الفاروق (1/ 277)، وغيرهما]، فدعوى لا برهان عليها، وإنما صنيع مسلم: الاحتجاج برواية ابن أبي ليلى عن عمر، وغيرها من الأسانيد التي لم يحفظ لأصحابها سماع بعضهم من بعض، ولا أنهم لقوهم في خبر بعينه، والاكتفاء في ذلك بمجرد المعاصرة، ثم قال: "وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من

ص: 467

صحاح الأسانيد،. . . " إلى آخر كلامه المعروف في هذه المسألة الشائعة، وغاية قصدي هنا بيان أن مسلمًا لم يثبت السماع، وإنما ذكر أن من أهل العلم من يحتج بهذا الإسناد، ويراه صحيحًا، واللَّه أعلم.

° قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 295): "وهو حديث رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر، وقال ابن معين وعلي بن المديني: لم يسمعه من عمر، ورجاله ثقات".

• ويؤيد ذلك: ما رواه يحيى بن سعيد القطان [ثقة ثبت، إمام حجة، من أثبت الناس في الثوري، وعنه: عبيد اللَّه بن عمر القواريري، وهو: ثقة ثبت]، عن سفيان الثوري، قال: ثنا زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر رضي الله عنه، مثله.

أخرجه الطحاوي (1/ 422).

ورواه يحيى بن سعيد مرة أخرى [وعنه: إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه التيمي البصري، وهو: ثقة]، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال عمر. . . فذكره.

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 271/ 496) و (2/ 286 - 287/ 1746).

• ورواه أيضًا: معاذ بن معاذ [وهو: ثقة متقن]، عن الثوري، عن زبيد، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، عن عمر،. . . فذكره.

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 244/ 8528)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 38)، وذكره الدارقطني في العلل (150)، وفي الأفراد (176 - أطرافه).

قال الطبراني: "لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث: عن سفيان، عن زبيد، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه؛ إلا معاذ بن معاذ".

ووهَّم الدارقطني هذا القول في العلل والأفراد.

* ورواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي، عن زبيد اليامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قال عمر: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان؛ تمام غير قصر، على لسان نبيكم رضي الله عنه، وقد خاب من افترى.

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 271/ 495)، وابن ماجه (1064)، وابن خزيمة (2/ 340/ 1425)، وبحشل في تاريخ واسط (217)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 98/ 1847) و (4/ 336/ 2242)، والدارقطني في الأفراد (176 - أطرافه). والبيهقي (3/ 199).

قلت: يزيد بن زياد بن أبي الجعد: صدوق، وثقه: أحمد وابن معين والعجلي [تقدم ذكره تحت الحديث (682)]، ورواية الإمامين الحافظين سفيان الثوري وشعبة ومن تابعهما أولى من روايته؛ مرسلة بدون الزيادة.

قال أبو حاتم في العلل (381) لما سئل عن حديث الثوري وحديث ابن أبي الجعد: "الثوري أحفظ"، وسئل مرة أخرى (585) عن حديث ابن أبي الجعد، فقال: "رواه

ص: 468

الثوري، عن زبيد، عن ابن أبي ليلى، عن عمر،. . . الحديث، ليس فيه كعب، وسفيان أحفظ".

وقال البزار: "وشعبة والثوري فلم يذكرا كعب بن عجرة، وهما حافظان، ويزيد بن زياد فغير حافظ".

وقال الدارقطني في العلل (150) بتصويب رواية من قال: زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر، بغير واسطة بينهما، وذكر في الأفراد الاختلاف على الثوري، ثم قال:"وغيرهم يقول: عن ابن أبي ليلى عن عمر"[أطراف الغرائب والأفراد (176)].

والحاصل: فإن حديث عمر هذا: رجال إسناده ثقات، وهو مرسل: لم يسمعه ابن أبي ليلى من عمر، ولا تثبت الرواية بالواسطة بينهما.

• وقد قال به جماعة من أهل العلم، وأثبتوه:

قال ابن المنذر: "قالوا: فهذا الخبر يصرح بأن الركعتين في السفر تمام غير قصر، وهو خبر ثابت".

وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 295): "وليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد، ومن أهل الحديث من يعللَه ويضعفه، ومنهم من يصحح إسناد يزيد بن أبي الجعد هذا فيه، قال علي بن المديني: هو أسندها وأحسنها وأصحها"؛ يعني: أصح وأحسن ما جاء فيه متصلًا، وإلا فالذين أرسلوه أثبت وأحفظ.

وقال النووي في المجموع (4/ 450): "حديث حسن".

وممن صححه أيضًا: ابن تيمية [كما في المجموع (22/ 542) و (24/ 8 و 20 و 107)]، وابن كثير [كما في التفسير (1/ 546)، ومسند الفاروق (1/ 277)].

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 467): "وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه".

• وله إسناد آخر عن عمر شديد الوهاء [أخرجه البزار (330)][وفيه: ياسين بن معاذ الزيات، وهو: متروك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن الأعمش. اللسان (8/ 411)].

وانظر في الغرائب: ما أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 539/ 3090 و 3091 - أطرافه).

22 -

حديث عمر بن الخطاب:

يرويه عفيف بن سالم الموصلي [ثقة]، قال: حدثنا بقية بن الوليد: حدثنا أبان بن عبد اللَّه، عن خالد بن عثمان، عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله، أو يموت".

أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (51)(295 - مجموع مصنفاته). والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 312).

قلت: هو حديث باطل؛ إسناده مجهول، خالد بن عثمان: لم أقف له على ترجمة،

ص: 469

ممن هو في طبقته ممن يروي عن أنس، وأبان بن عبد اللَّه: شيخ لبقية، وبقية مشهور بالرواية عن المجاهيل الذين لا يُعرفون إلا من طريقه، ولا أراه إلا واحدًا منهم، وليس هو الشامي المترجم له في اللسان (1/ 224)؛ فإنه من طبقة شيوخ شيوخ بقية، ولا أظنه أبان بن عبد اللَّه بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي، المترجم له في التهذيب (1/ 54)، فإنه قريب من طبقة بقية، ويروي عنه تلاميذ بقية، ولا يُعرف بقية بالرواية عنه، فهو إسناد مجهول، واللَّه أعلم.

23 -

حديث أبي هريرة:

يرويه بقية بن الوليد، عن أبي يحيى المدني، عن عمرو بن شعيب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المتم في السفر، كالمقصر في الحضر".

أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 359/ 5657 - أطرافه). وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 417)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (757)، وفي التحقيق (766).

قال الدارقطني: "غريب من حديث عمرو بن شعيب عن أبي سلمة، تفرد به: بقية بن الوليد عن أبي يحيى المدني".

وهذا حديث منكر، من أفراد بقية بن الوليد، ومناكيره التي يرويها عن شيوخه المجاهيل، وهو غريب من حديث أبي سلمة، حيث تفرد به عنه: عمرو بن شعيب، ولا يُعرف بالرواية عنه، ولم يروه عن عمرو بن شعيب على كثرة أصحابه والرواة عنه؛ إلا أبو يحيى المدني، وهو شيخ لبقية لا يُعرف؛ إلا أن يكون هو فليح بن سليمان المدني، ولا أظنه هو؛ فإنه لا يُعرف بالرواية عن عمرو بن شعيب، ولا عنه بقية.

• ثم رواه بقية مرة أخرى على وجه آخر:

بقية بن الوليد، عن عبد العزيز بن عبيد اللَّه، عن عمر بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المتم الصلاة في السفر، كالمقصر في الحضر".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 162)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (756)، وفي التحقيق (767).

قال العقيلي: "عمر بن سعيد عن أبي سلمة: مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ".

ثم قال: "وليس في هذا المتن شيء يثبت، فإنما روي هذا الحديث: بأن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، فخالف هذا أيضًا لفظ الحديث، على ضعف الرواية فيه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يثبت: أنه سئل عن الصوم في السفر؟ فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر"".

وهذا مثل سابقه، وشيخ بقية أيضًا لا يُعرف، والمعروف بهذا الاسم هو شيخ لإسماعيل بن عياش تفرد بالرواية عنه، وهو: عبد العزيز بن عبيد اللَّه بن حمزة بن صهيب الحمصي: متروك، منكر الحديث [التهذيب (2/ 590)، والميزان (2/ 632)، والكامل (5/ 285)].

ص: 470

ويغلب على ظني أن عمر بن سعيد المذكور في هذا الإسناد هو عمرو بن شعيب المذكور في الإسناد السالف، تصحف على الراوي، ولعل الحمل فيه على شيخ العقيلي، واللَّه أعلم.

24 -

حديث أبي هريرة:

يرويه حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، قال: كان أبو هريرة يقول: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، وعمر [من المدينة إلى مكة]، كلهم صلى حين خرج من المدينة، إلى أن يرجع إليها، ركعتين في المسير والمقام بمكة.

أخرجه الطيالسي (4/ 303/ 2699)، وإسحاق بن راهويه (4)، وأبو يعلى (10/ 25/ 5862)، والطبراني في الأوسط (5/ 21/ 4562)، وابن عدي في الكامل (2/ 400 و 401).

وهذا طرف من حديث طويل، رواه جابر بن زيد أبو الشعثاء عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة، وتقدم الكلام عن حديث ابن عباس تحت الحديث رقم (447) [راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 347/ 447)، وانظر هناك ما وقع لحبيب بن أبي حبيب من الوهم في حديث ابن عباس]، وتقدم الكلام عن حديث عائشة تحت الحديث رقم (1198)[وفيه ما يُنكر].

وجابر بن زيد أبو الشعثاء: لا يُعرف بالرواية عن أبي هريرة، فضلًا عن السماع منه، وحبيب بن أبي حبيب يزيد الجرمي البصري الأنماطي: ليِّن الحديث، وهذا الحديث الذي تفرد به عن عمرو بن هرم حديث طويل في أحكام الصلاة، من المواقيت، والتكبير، والتشهد، وصلاة التطوع، وصلاة المسافر، وقد رواه عن ابن عباس، وعن عائشة، وعن أبي هريرة، وهو مما يحتاج إلى حفظ وضبط، ولا يُعتمد في مثل هذا على من ليَّنه الأئمة، وتوسطوا فيه، وعباراتهم فيه تدل على أنه ممن يكتب حديثه ولا يحتج به، ومسلم إنما أخرج له متابعة، ولم يحتج به على انفراده.

وأما حديثه هنا عن أبي هريرة فلم يأت فيه بما ينكر، فهو صالح في الشواهد.

25 -

حديث أنس بن مالك الكعبي:

• رواه عبد اللَّه بن المبارك، وشيبان بن فروخ، ووكيع بن الجراح، وعفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وسليمان بن حرب، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي النمري، ومسلم بن إبراهيم، وهدبة بن خالد، وكامل بن طلحة الجحدري، وعبيد اللَّه بن موسى، وعاصم بن علي، وعبد الرحمن بن المبارك، وطالوت بن عباد الصيرفي، وعبد اللَّه بن عاصم الحماني البصري [وهم (17) رجلًا من الثقات]:

عن محمد بن سليم أبي هلال الراسبي: حدثنا عبد اللَّه بن سوادة [القشيري]، عن أنس بن مالك -من بني عبد اللَّه بن كعب [بن مالك] إخوة بني قشير [قال عفان وموسى

ص: 471

وغيرهما: وليس بالأنصاري]-، قال: أغارت علينا خيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانتهيتُ، أو قال: فانطلقتُ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يأكل، فقال:"اجلس فأصب من طعامنا هذا"[وفي رواية وكيع: "اُدنُ فكل"]، فقلت: إني صائم، قال:"اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام، إن اللَّه تعالى وضع شطرَ الصلاة -أو: نصفَ الصلاةِ- والصومَ عن المسافرِ، وعن المرضعِ، أو الحبلى"، واللَّه لقد قالهما جميعًا أو أحدهما، قال: فتلهفت نفسي أن لا أكون أكلت من طعام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية لوكيع [عند أحمد]، وبنحوه موسى بن إسماعيل [عند ابن أبي خيثمة]:"اجلس أحدثك عن الصوم -أو: الصيام-، إن اللَّه عز وجل وضع عن المسافر شطرَ الصلاةِ، وعن المسافر والحامل والمرضعِ الصومَ -أو: الصيام-".

وفي رواية لشيبان: "أحدثك عن الصلاة وعن الصيام؛ إن اللَّه عز وجل وضع شطرَ الصلاةِ -أو: نصفَ الصلاةِ- عن المسافرِ، ووضع الصوم عن المسافر، وعن المرضعِ، والحبلى".

أخرجه أبو داود (2408)، والترمذي (715)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 346/ 660)، وابن ماجه (1667 و 3299)، وابن خزيمة (3/ 268 / 2044)، وأحمد (4/ 347) و (5/ 29)، وابنه عبد اللَّه في زيادات المسند (4/ 347)، وابن سعد في الطبقات (7/ 45)، وابن أبي شيبة في المسند (566)، وعبد بن حميد (431)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 471)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 56/ 83 - السفر الثاني). وإسماعيل بن إسحاق القاضي في حديث أيوب السختياني (43)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 162/ 1493)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 220/ 97)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي أحكام القرآن (365 و 931)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 16)، والطبراني في الكبير (1/ 263/ 765)، وابن عدي في الكامل (6/ 215)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 240/ 832)، والبيهقي (4/ 231)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 315/ 1769).

قال الترمذي: "حديث أنس بن مالك الكعبي: حديث حسن، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد".

وقال الطوسي: "حديث أنس بن مالك الكعبي: حديث حسن، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد"، هكذا قال الطوسي، ولم يشر إلى أن القائل هو الترمذي، كعادته أن يقول: يقال.

وقال أبو القاسم البغوي (1/ 221): "ولا أعلم روى غير حديث الصوم هذا".

وقال ابن عدي: "وأنس بن مالك المذكور: ليس هو أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو أنس بن مالك آخر له صحبة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يروي هذا الحديث، وهو رجل من بني قشير"، ثم قال ابن عدي: "سمعت ابن أبي داود يقول: أنس أربعة: أحدهم هذا، والثاني: أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنس بن مالك والد مالك بن

ص: 472

أنس بن مالك، والرابع: أنس بن مالك الصيرفي، يحدث عنه أهل البصرة؛ أبو داود الطيالسي وابن المهدي وغيرهما".

• تابع أبا هلال الراسبي: أشعث بن سوار، فرواه عن ابن سوادة القشيري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أغارت علينا خيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال:"اجلس، فاصب من طعامنا"، فقلت إني صائم، فقال:"اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام؛ إن اللَّه وضع شطر الصلاة عن المسافر، ووضع الصيام عن المسافر، وعن المرضع"، فلُمت نفسي ألا أكون أكلتُ من طعام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 263/ 766)، بإسناد صحيح إلى أشعث.

وله فيه إسناد آخر يأتي ذكره في آخر الطرق.

* قلت: أبو هلال الراسبي: ليس بالقوي [فضل الرحيم الودود (6/ 482/ 574)]، وأشعث بن سوار: ضعيف، وقد خالفهما من هو أحفظ وأثبت منهما فزاد في الإسناد رجلًا، وحفظ الإسناد:

• خالفهما: وهيب بن خالد [ثقة ثبت، وعنه به ثقتان ثبتان: مسلم بن إبراهيم، والمعلى بن أسد]: ثنا عبد اللَّه بن سوادة القشيري، عن أبيه، عن أنس بن مالك -رجل منهم-؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتغذَّى، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلم للغداء"، فقلت: يا نبي اللَّه! إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه وضع عن المسافر الصومَ، وشطرَ الصلاةِ، وعن الحبلى والمرضع".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 190/ 2315)، وفي الكبرى (3/ 163/ 2636)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 471)، والروياني (1526)، والبيهقي في السنن (3/ 154) و (4/ 231)، وفي المعرفة (3/ 379/ 2490)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 46).

قلت: وهذا هو المحفوظ، وهو إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، سوادة بن حنظلة: تابعي، روى عنه جماعة من الثقات، منهم شعبة بن الحجاج، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، واحتج به مسلم (1094)، وثقه الدارقطني ضمن إسناد حديث مسلم، فقال:"إسناد صحيح، كلهم ثقات"، وحسن له الترمذي، وصحح له ابن خزيمة، وروى أبو هلال الراسبي، قال: حدثني سوادة بن حنظلة القشيري، قال:"رأيت عليًا أصفر اللحية"، وقال ابن حبان في الثقات:"وقد سمع من علي بن أبي طالب"[راجع فضل الرحيم الودود (6/ 197/ 533)، وطبقات ابن سعد (3/ 26)، والتاريخ الكبير (4/ 185)، والآحاد والمثاني (151)، والجرح والتعديل (4/ 292)، والثقات (4/ 340)].

وعبد اللَّه بن سوادة القشيري: ثقة [التهذيب (2/ 350)، والتقريب].

وأنس بن مالك الكعبي: صحابي مقل، أثبت له الصحبة: البخاري وأبو حاتم وابن أبي خيثمة وابن حبان، وقال:"سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا في الصوم"، وتبعهم الناس على ذلك [التاريخ الكبير (2/ 29)، والجرح والتعديل (2/ 286)، والتاريخ الكبير لابن أبي

ص: 473

خيثمة (1/ 56 - السفر الثاني). الثقات (3/ 5)، ومشتبه أسامي المحدثين (2)، والمؤتلف لابن القيسراني (212)، والأنساب (5/ 79)، وأسد الغابة (1/ 192)، والإصابة (1/ 129 و 257)، وغيرها].

قال ابن تيمية: "رواه أحمد وغيره بإسناد جيد"[مجموع الفتاوى (24/ 106)].

* وله طرق أخرى:

أ- روى روح بن عبادة، وحجاج بن المنهال، وحفص بن عمر الحوضي [وهم ثقات]:

عن حماد [هو: ابن زيد]، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر [زاد الحوضي: يقال له: أنس بن مالك]؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطعم، فقال:"هلمَّ فكُل"، فقال: إني صائم، فقال:"اُدْنُ حتى أخبرَك عن الصوم، إن اللَّه عز وجل وضع شطر الصلاة عن المسافر، والصوم عن الحبلى والمرضع".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 469)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 56/ 83 - السفر الثاني). والطحاوي في شرح المعاني (1/ 422)، وفي المشكل (11/ 33/ 4265)، وفي أحكام القرآن (363).

• وخالفهم: أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، وسليمان بن حرب، ولوين محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي [وهم ثقات]:

فرووه عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، قال أيوب: قال لي أبو قلابة: هو حي فالْقَه، واسمع منه الحديث، قال أيوب: فلقيت العامري، فحدثني أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث خيلًا فأغارت على إبل جار لنا، فذهبت بها، فانطلق في ذلك إما قال: أبي، وإما قال: عمي، أو قال: قرابة قريبة منه، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذاك، قال: فأتيته وهو يأكل، فقال:"هلم الغداء"، فقلت: إني صائم، قال:"هلم أحدثك عن ذلك، إن اللَّه عز وجل وضع عن المسافر الصيامَ وشطرَ الصلاة، وعن الحبلى"، أو قال:"المرضع"، وأمر بالإبل فرُدَّت، فكان إذا حدث بهذا الحديث تلفَّف، ويقول: ألا كنتُ أكلتُ من طعام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. لفظ أبي الربيع. وقال سليمان: "وعن الحبلى والمرضع".

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 262/ 764)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (139)(2294 - المخلصيات). وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3116/ 7186).

ب- وروى قبيصة بن عقبة، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبيد اللَّه بن عبيد الرحمن الأشجعي، والحسين بن حفص الأصبهاني [وهم ثقات]، ومحمد بن الحسن بن الزبير الأسدي المعروف بالتل [لين الحديث]، ومهران بن أبي عمر الرازي [لا بأس به، يغلط في حديث الثوري]:

ص: 474

عن سفيان الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس [وفي رواية الفريابي: عن رجل من قومه يقال له: أنس بن مالك]، قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يتغذَّى، فقال:"تعال أحدثك، إن اللَّه وضع عن المسافرِ، والحاملِ والمرضعِ، الصومَ وشطرَ الصلاة".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 29)، والنسائي في المجتبى (4/ 180/ 2274)، وفي الكبرى (3/ 151/ 2595)، وابن خزيمة (3/ 268/ 2043)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 469)، وابن جرير الطبري في التفسير (2/ 140)، وعبد الجبار الخولاني في تاريخ داريا (70)، والخطيب في المتفق والمفترق (7 - 9).

ج- ورواه عبد اللَّه بن المبارك، وعلي بن المديني:

عن ابن عيينة، عن أيوب، قال: حدثني أبو قلابة، عن شيخ من بني قشير، عن عمه.

ثم لقيناه يومًا فقال له أبو قلابة: حدَّثه -يعني: أيوبَ-، فقال الشيخ: حدثني عمي، أنه ذهب في [طلب] إبل له، فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يأكل -أو قال: يطعم-، فقال:"ادن فكل" -أو قال: "ادن فاطعم"-، فقلت: إني صائم، فقال:"إن اللَّه عز وجل وضع عن المسافر شطرَ الصلاةِ والصيامَ، وعن الحامل والمرضع".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 180/ 2275)، وفي الكبرى (3/ 151/ 2596)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في حديث أيوب السختياني (42)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي المشكل (11/ 40/ 4268)، وفي أحكام القرآن (930)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 312).

د- ورواه إسماعيل ابن علية، عن أيوب، قال: حدثني أبو قلابة هذا الحديث، ثم قال: هل لك في صاحب الحديث؟ فدلني عليه فلقيته، فقال: حدثني قريبٌ لي يقال له: أنس بن مالك، قال: أتيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في إبلٍ كانت لي [وفي رواية: لجارٍ لي] أُخِذَت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم، فقال:"اُدنُ أخبرك عن ذلك، إن اللَّه وضع عن المسافرِ الصومَ وشطرَ الصلاة [وعن الحبلى والمرضع] "[فكان بعد ذلك يقول: ألا أكلت من طعام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين دعاني إليه].

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 181/ 2276)، وفي الكبرى (3/ 151/ 2597)، وابن خزيمة (3/ 267/ 2042)، وأحمد (5/ 29)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ (95)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 344/ 659)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 224).

قال الطوسي: "هذا حديث حسن جامع".

هـ- ورواه وهيب بن خالد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، قال أيوب: فلقيته فسألته، فحدثنيه عن رجل منهم؛ أنه أتى المدينة في طلب إبل له، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه وهو يتغذَّى، فقال له:"هلم إلى الغداء"، قال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الصيامَ قد وُضع عن المسافر، وشطرَ الصلاة، وعن الحبلى أو المرضع".

ص: 475

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 469)، ومن طريقه: البيهقي (4/ 231).

و- ورواه معمر بن راشد [ثقة ثبت، وفي حديثه عن أهل البصرة ضعف]، وعبد اللَّه بن محرر [متروك، منكر الحديث]:

عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر؛ أن رجلًا يقال له: أنس بن مالك حدثه؛ أنه قدم المدينة. . . فذكر الحديث.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 565/ 4478) و (2/ 566/ 4479) و (4/ 217/ 7560)[وسقط من الموضع الأخير ذكر أنس]. ومن طريقه: البخاري في التاريخ الكبير (2/ 29)، والطبراني في الكبير (1/ 262/ 763).

° هكذا روى هذا الحديث عن أيوب السختياني جماعة من أصحابه الثقات، فضبطوا إسناده وحفظوه على وجهه، فرووه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر [وفي رواية: عن شيخ من بني قشير]، عن رجل منهم يقال له أنس بن مالك به.

ثم إن أبا قلابة قد دل أيوب على العامري، فلقيه أيوب، وسمع منه هذا الحديث.

وممن قال ذلك أو بعضه: حماد بن زيد في رواية، وابن علية [وهما أثبت الناس في أيوب]، ووهيب بن خالد، وابن عيينة، ومعمر بن راشد.

وعليه: فإن في رواية سفيان الثوري سقطًا في الإسناد بين أبي قلابة وأنس بن مالك الكعبي، بينته رواية الجماعة عن أيوب، كذلك فقد رواه شعبة عن أيوب فاختصر القصة، ولم يذكر أبا قلابة في الإسناد؛ حيث إن أيوب قد سمعه من العامري حين دله عليه أبو قلابة، وأمره أن يحدث أيوب بهذا الحديث.

ز- رواه شعبة [وعنه: آدم بن أبي إياس، والنضر بن شميل، وبقية بن الوليد]: حدثنا أيوب السختياني، عن رجل من بني عامر، عن رجل من قومه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، أو قال: يتغدى، قال:"ادن" أو: "انزل فاطعم"، فقلت: إني صائم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه وضع الصيامَ عن المسافر، وشطرَ الصلاة، وعن الحبلى والمرضع".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 468)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1205 و 1206).

* والحاصل: فإن حديث أيوب، عن أبي قلابة، عن القشيري أو العامري، عن أنس بن مالك؛ لهو متابعة قوية لحديث: عبد اللَّه بن سوادة بن حنظلة القشيري، عن أبيه، عن أنس بن مالك.

ولا أستبعد أن يكون شيخ أبي قلابة هو سوادة بن حنظلة القشيري، واللَّه أعلم.

ح- وروى ابن المبارك، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن رجل، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة، فإذا هو يتغذَّى، قال:"هلم إلى الغداء"، فقلت: إني صائم، فقال:"هلم أخبرك عن الصوم؛ إن اللَّه وضع عن المسافر نصفَ الصلاةِ والصومَ، ورخص للحبلى والمرضع".

ص: 476

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 181/ 2277)، وفي الكبرى (3/ 152/ 2598)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي أحكام القرآن (929).

وهذا إسناد صحيح إلى أبي قلابة، لكن في إسناده سقط، فإنما يرويه أبو قلابة عن رجل عن أنس بن مالك، كما رواه أيوب، وكما رواه هشيم عن الحذاء:

ط- فقد رواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا خالد، عن أبي قلابة، ويزيد بن عبد اللَّه بن الشخير، عن رجل من بني عامر؛ أن رجلًا منهم أتى النبي وهو على بَكرٍ له، فدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوافقه يتغدى، فقال:"هلم"،. . . فذكر الحديث.

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 470).

• لكنه زاد في هذا الإسناد شيخًا آخر لخالد الحذاء، وليس بغريب:

ي- فقد رواه سويد بن نصر [المروزي: ثقة، وهو راوية ابن المبارك]، قال: أنبأنا عبد اللَّه [هو: ابن المبارك، وهو: ثقة ثبت، إمام حجة]، عن خالد الحذاء، عن أبي العلاء بن الشخير، عن رجل، نحوه.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 181/ 2278)، وفي الكبري (3/ 152/ 2599).

وأبو العلاء هو: يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير العامري، لكن هل قصر في إسناده، أم أن أبا العلاء يرويه عن رجل عن آخر؟، والأول هو الأشبه:

ك- فقد رواه روح بن عبادة، وحجاج بن المنهال:

عن حماد [هو: ابن زيد، وهو ممن سمع من سعيد بن إياس الجريري قبل التغير]، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل من قومه؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم هو يطعم، فقال له:"هلم فكل"، قال: إني صائم، فقال:"ادن حتى أخبرك عن الصوم؛ إن اللَّه وضع شطر الصلاة عن المسافر، والصوم عن الحبلى والمرضع".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 469)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي أحكام القرآن (364).

هكذا يرويه أبو العلاء يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير العامري، عن رجل من قومه؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطعم. . . .

وهذا إسناد ثالث لهذا الحديث.

ل- ورواه إسرائيل [هو: ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو: ثقة]، عن موسى -وهو ابن أبي عائشة-[ثقة]، عن غيلان [هو: ابن جرير المعولي، وهو: ثقة]، قال: خرجت مع أبي قلابة في سفر، فقرَّب طعامًا، فقلت: إني صائم، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج في سفر، فقرَّب طعامًا، فقال لرجل:"اُدنُ فاطعم"، قال: إني صائم، قال:"إن اللَّه وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام في السفر، فادن فاطعم"، فدنوت فطعمت.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 182/ 2282)، وفي الكبرى (3/ 153/ 2603)، وبإسناد صحيح إلى إسرائيل.

ص: 477

وهذا مرسل بإسناد صحيح غريب، ووصله صحيح عن أبي قلابة، وإنما أرسله هنا للحاجة والتخفف في الفتوى والاستدلال.

م- ورواه أبو بكرة بكار بن قتيبة [صدوق]، وإبراهيم بن مرزوق [لا بأس به، كان يخطئ فلا يرجع]، وعبد الرحمن بن محمد بن سلام [لا بأس به]:

قالوا: حدثنا أبو داود [الطيالسي، وهو: ثقة حافظ]، عن أبي عوانة، عن أبي بشر [جعفر بن أبي وحشية، وهو: ثقة]، عن هانئ بن عبد اللَّه بن الشخير، عن رجل من بلحريش، [زاد ابن سلام: عن أبيه]، قال: كنا نسافر، فأتينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يطعم، فقال:"هلمَّ فاطعم"، فقلت: إني صائم، فقال:"هلمَّ أحدثك عن الصيام، إن اللَّه وضع عن المسافر الصيامَ وشطرَ الصلاة".

أخرجه النسائي فىِ المجتبى (4/ 181/ 2280)، وفي الكبرى (3/ 152/ 2601)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي المشكل (11/ 33/ 4266).

• خالفه: قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن هانئ بن الشخير، عن رجل من بلحريش، عن أبيه، قال: كنت مسافرًا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صائم وهو يأكل، قال:"هلم"، فلت: إني صائم، قال:"تعال، ألم تعلم ما وضع اللَّه عن المسافر؟ " قلت: وما وضع عن المسافر؟ قال: "الصوم ونصف الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 181/ 2279)، وفي الكبرى (3/ 152/ 2600).

• خالفهما: سهل بن بكار [بصري ثقة]، وعبد الواحد بن غياث [بصري صدوق]:

قالا: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن هانيء بن عبد اللَّه بن الشخير، عن أبيه، قال: كنت مسافرًا. . . فذكر نحوه.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 182/ 2281)، وفي الكبرى (3/ 153/ 2602)، والضياء في المختارة (9/ 477/ 460)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 154/ 1485).

قلت: وهذه الرواية وهم بكلا الوجهين، وهانيء بن عبد اللَّه بن الشخير: إنما يُعرف برواية أبي بشر عنه، وذكره ابن حبان في الثقات، فهو في عداد المجاهيل [الجرح والتعديل (9/ 101)، والثقات (7/ 582)، والميزان (4/ 290)، والتهذيب (4/ 262)].

* الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث:

رواه عنه الأوزاعي واضطرب فيه اضطرابًا شديدًا؛ فإن الأوزاعي لم يكن يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، لم يكن عنده في كتاب، ضاع كتابه عن يحيى، فكان يحدث به من حفظه، ويهم فيه [شرح علل الترمذي (2/ 677)]، وهذا الحديث من الأمثلة على صدق ذلك.

ن- فقد روى عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي [ثقة]، وداود بن رُشَيد [نزيل بغداد، ثقة]:

ص: 478

ثنا الوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الأوزاعي]، عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، قال: قدمتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ألا تنتظر الغداء يا أبا أمية"، إني صائم، فقال:"تعال أخبرك عن المسافر! إن اللَّه وضع عنه الصيامَ ونصفَ الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 178 - 179/ 2268)، وفي الكبرى (3/ 149/ 2589)، وأبو العباس السراج في مسنده (1439)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1699)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (246)(861 - المخلصيات).

ص- ورواه أيضًا عمرو بن عثمان الحمصي، ومحمد بن عبد اللَّه بن ميمون [الإسكندراني: صدوق]، ومحمود بن خالد الدمشقي [ثقة]، وغيرهم:

قالوا: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، قال: ثنا أبو قلابة، قال: حدثني أبو أمية، أو: عن رجل، عن أبي أمية، قال: قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر؛. . . ثم ذكر مثله.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 423)، وفي المشكل (11/ 39/ 4267)، وفي أحكام القرآن (362)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 156/ 1488).

ع- ورواه الوليد بن مزيد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الأوزاعي]، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو قلابة الجرمي، قال: حدثني أبو أمية، أو: أبو المهاجر، عن أبي أمية، قال: قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"ألا تنتظر الغداء؟ "، قال:"إني صائم، قال: "تعال أخبرك عن المسافر؛ إن اللَّه وضع عنه الصيام ونصف الصلاة".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 470).

قال أبو حاتم: "والصحيح: ما يقوله أيوب السختياني: عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك القشيري"[العلل (1/ 266/ 784)].

ف- ورواه شعيب بن إسحاق [دمشقي، ثقة]، وصدقة بن خالد [دمشقي، ثقة]:

قال شعيب: حدثني الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، قال: حدثني أبو قلابة الجرمي؛ أن أبا أمية الضمري حدثهم؛ أنه قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر، فقال:"انتظر الغداء يا أبا أمية"، قلت: إني صائم، قال:"اُدنُ أخبرك عن المسافر: إن اللَّه وضع عنه الصيامَ ونصفَ الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 179/ 2271)، وفي الكبرى (3/ 150/ 2592) ، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (447).

قال أبو حاتم: "إنما هو عن أبي قلابة عن أنس بن مالك الكعبي"[العلل (1/ 158/ 447)].

ص: 479

وقال النسائي: "وهذا خطأ، قوله: أن أبا أمية حدثهم خطأ، هذا القول نفسه".

• تابع الأوزاعي على هذا الوجه:

معاوية بن سلام [دمشقي، ثقة]، وأبان بن يزيد العطار [ثقة، من أصحاب يحيى]:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة؛ أن أبا أمية الضمري أخبره؛ أنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر وهو صائم. . .، فذكره.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 29)، والنسائي في المجتبى (4/ 180/ 2272)، وفي الكبرى (3/ 150/ 2593)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 468)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 156/ 1489)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 221/ 98)، وابن قانع في المعجم (1/ 273)، والطبراني في الكبير (1/ 262/ 762) و (22/ 361/ 906)، وفي مسند الشاميين (4/ 92/ 2819)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2828/ 6682).

قال النسائي: "وهذا أيضًا خطأ".

وقال الخطيب في المتفق (1/ 137): "وهذا القول وهم؛ لأن أبا قلابة لم يسمع هذا الحديث من أبي أمية، بل بينهما فيه رجل".

س- ورواه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن حرب [الخولاني الحمصي: ثقة]، وبقية بن الوليد [صدوق، مشهور بالتدليس]:

عن الأوزاعي، قال: أخبرني يحيى، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني أبو المهاجر، قال: حدثني أبو أمية الضمري، قال: قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر فسلمت عليه، فلما ذهبت لأخرج، قال:"نتظر الغداء يا أبا أمية"، قال: فقلت: إني صائم يا نبي اللَّه، فقال:"تعال أخبرك عن المسافر؛ إن اللَّه وضع عنه الصيام، ونصف الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 179/ 2269 و 2270)، وفي الكبرى (3/ 149/ 2590 و 2591)، والدارمي (2/ 17/ 1712)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 155/ 1486 و 1487)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 221/ 99)، والطبراني في الكبير (22/ 361/ 907).

° وهذا خطأ، فقد جزم الأئمة بخطأ ما رواه الأوزاعي فقال فيه: عن أبي المهاجر، قال ابن معين:"الذي يُروى: الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر؛ إنما هو أبو المهلب، ولكن الأوزاعي قلب كنيته، والذي يروي: عن أبي المهلب أثبت من الأوزاعي"، وقال أحمد عن الأوزاعي:"وكان يروي عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب"، وقال البخاري:"وروى الأوزاعي أيضًا أحاديث عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر، ولا يصح من أبي قلابة عن أبي المهاجر شيء"، وقال ابن حبان في ترجمة أبي المهلب من ثقاته: "وهو الذي روى

ص: 480

الأوزاعي في نسخته عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب"، وكذلك قال يعقوب بن سفيان [تاريخ الدوري (4/ 467/ 5330)، والتاريخ الكبير (6/ 449)، والمعرفة والتاريخ (2/ 468)، والثقات (5/ 110)، وشرح علل الترمذي (2/ 678 و 799)، وإتحاف المهرة (2/ 659)].

ق- ورواه عقبة بن علقمة المعافري [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]: أخبرني الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو قلابة الجرمي عبد اللَّه بن زيد: حدثني رجل، عن أبي أمية الضمري، قال: قدمنا من سفر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . .، فذكر الحديث.

أخرجه الدولابي في الكنى (2/ 914/ 1604)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (29 - رواية أبي بكر الطوسي).

• تابع الأوزاعي على هذا الوجه:

علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، ويحيى بن عبد العزيز [لا بأس به]:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة؛ أن رجلًا أخبره؛ أن أبا أمية أخبره؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في سفر،. . . فذكر نحوه.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 29)، والنسائي في المجتبى (4/ 180/ 2273)، وفي الكبرى (3/ 150/ 2594)، والدولابي في الكنى (1/ 37/ 97).

ر- ورواه محمد بن شعيب بن شابور [دمشقي، ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي؛ إلا أنه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف الحديث في معمر خاصة. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (236)، وفي الحديث (386)]:

عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: حدثني عمرو بن أمية الضمري، قال: قدمت على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر، فقال:"انتظر الغداء يا أبا أمية"، فقلت: إني صائم، قال:"اُدنُ منى حتى أخبرك عن المسافر، إن اللَّه وضع عنه الصيام ونصف الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 178/ 2267)، وفي الكبرى (3/ 148/ 2588)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 232/ 368 - مسند عمر)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 221/ 100)، وابن حزم في المحلى (5/ 32)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 313).

وانظر بقية وجوه الاختلاف على الأوزاعي: عند الخطيب في المتفق (1/ 138).

* هكذا اختلف ثقات أصحاب الأوزاعي عليه اختلافًا شديدًا، وقد اضطرب في إسناده الأوزاعي، ولم يضبطه، فإنه لم يكن يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، ضاع كتابه عن يحيى، فكان يحدث به من حفظه، ويهم فيه، واللَّه أعلم.

ص: 481

قال يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 468): "وقد اضطربت الرواية في هذا الحديث".

وقال الخطيب في المتفق (1/ 138): "ورواه أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى، واختلف عليه فيه اختلافًا متباينًا".

° وأشبه الوجوه بالصواب في الاختلاف على يحيى بن أبي كثير: هو الوجه الأخير الذي رواه علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة؛ أن رجلًا أخبره؛ أن أبا أمية أخبره؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في سفر،. . . فذكر الحديث.

وهذا أقرب الوجوه لحديث أيوب السختياني عن أبي قلابة، لكن أيوب جعله عن أنس بن مالك، ولم يكنه.

وكان أبا حاتم أنكر هذه الكنية، وأن الحديث إنما هو لأنس بن مالك الكعبي، لذا قال أبو حاتم:"إنما هو عن أبي قلابة عن أنس بن مالك الكعبي"[العلل (1/ 158/ 447)].

وقال في موضع آخر: "والصحيح: ما يقوله أيوب السختياني: عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك القشيري"[العلل (1/ 266/ 784)].

وقد كنت ذكرت هناك أن الأقرب في شيخ أبي قلابة أنه سوادة بن حنظلة القشيري، وقد روي عن أبي قلابة من وجه آخر بواسطة أخرى، ولا يصح:

ش- فقد روى أبو صالح عبد اللَّه بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح؛ أن عصام بن يحيى حدثه، عن أبي قلابة، عن عبيد اللَّه بن زيادة، عن أبي أميمة أخي بني جعدة؛ أنه قال: كان رسول اللَّه يتغدَّى في سفر، وأنا قريب منه جالس، فقال:"هلم إلى الغداء"، فقلت: إني صائم، فقال:"هلم أحدثك ما للمسافر؛ إن اللَّه وضع عن أمتي نصفَ الصلاة والصيامَ في السفر".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 71)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 468)، والدولابي في الكنى (1/ 37/ 98)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 221/ 101)، والطبراني في الكبير (22/ 362/ 909)، وفى مسند الشاميين (3/ 189/ 2053)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2830/ 6686)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 434 و 435).

قال ابن عساكر: "وهذه الرواية غريبة".

• خالفه: الليث بن سعد، فرواه عن معاوية بن صالح، عن عصام بن يحيى، عن أبي أميمة أخي بني جعدة، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتغدى فى سفر. . .، فذكر نحوه. وليس فيه: أبو قلابة، ولا عبيد اللَّه بن زيادة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 71)، والدولابي في الكنى (1/ 37/ 99)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2831/ 6687).

ص: 482

قال ابن حجر في الإصابة (7/ 20): "سقط بين عصام والصحابي رجلان، وقد ترجم له ابن منده أبو أمية الضمري، وساقه من طريق الليث فذكرهما، وهما أبو قلابة الجرمي عن عبيد اللَّه بن زياد، لكن قال: عن أبي أمية أخي بني جعدة، ثم أخرجه من طريق أخرى كرواية قتيبة، لكن قال: عن أبي أمية".

قلت: ورواية الليث هي الصواب؛ فإنه أثبت وأقدم سماعًا من أبي صالح، وعصام بن يحيى هذا: مجهول، لم يرو عنه سوى معاوية بن صالح صاحب الغرائب، ولا يُعرف إلا بهذا الحديث وآخر عند الطبراني في مسند الشاميين، وذِكر ابن حبان له في الثقات لا يرفع من حاله شيئًا [التاريخ الكبير (7/ 71)، والجرح والتعديل (7/ 25)، والثقات (7/ 301)، والثقات لابن قطلوبغا (7/ 126)]، فيسقط بذلك حديثه، وشيخ شيخه في الرواية غير المحفوظة، وهو عبيد اللَّه بن زيادة: لا يُعرف أيضًا [انظر: تاريخ دمشق (37/ 435)].

ومعاوية بن صالح، هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)].

وهذا الحديث بهذا الإسناد من أفراده، وقد اختلف عليه في إسناده، فوصله أبو صالح، وأرسله الليث، والليث بن سعد أكبر من أبي صالح، وأقدم منه وفاة بقرابة خمسين سنة، فالليث من طبقة مالك ونظرائه [الطبقة السابعة]، كما أن الليث من شيوخ أبي صالح، وأبو صالح متأخر الطبقة، ولا مقارنة بين الليث وأبي صالح في الحفظ والضبط، فالليث: ثقة ثبت، وأبو صالح: كثير الغلط والأوهام، وكانت فيه غفلة.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1603): "وهذا حديث مضطرب الإسناد، ولا يُعرف أبو أميمة هذا، ومنهم من يقول فيه: أبو تميمة، ولا يصح أيضًا، ومنهم من يقول فيه: أبو أمية، ولا يصح شيء من ذلك من جهة الإسناد".

ت- ورواه أشعث بن سوار مرة أخرى [ضعيف، وعنه: عبثر بن القاسم، وهو ثقة، والخليل بن موسى، وفي حديثه بعض الإنكار. اللسان (3/ 383)]:

عن علي بن زيد بن جدعان [ضعيف]، عن زرارة بن أوفى، عن رجل من قومه يقال له: عامر بن مالك رضي الله عنه[كذا قال عبثر، وقال الخليل: عن أبي أمية]، قال: كنت عند نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سائل فسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"تعال فلأحدثك؛ أن اللَّه عز وجل وضع عن المسافر الصومَ وشطرَ الصلاة". لفظ أشعث.

ولفظ الخليل [عند الطبراني في الأوسط]: عن أبي أمية، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال:"هلم"، قلت: إني صائم، قال:"هلم أحدثك، إن اللَّه وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة".

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 151/ 1480)، وابن قانع في المعجم

ص: 483

(1/ 273)، والطبراني في الكبير (1/ 263/ 767)، وفي الأوسط (7/ 17/ 6724) [وسقط من إسناده: أشعث، بين الخليل وعلي بن زيد].

وهذا حديث ضعيف.

قال الخطيب في المتفق (1/ 139): "وطرق هذا الحديث لا تكاد تنحصر".

° وأخيرًا فإن المحفوظ في هذا الحديث ما رواه:

• وهيب بن خالد: ثنا عبد اللَّه بن سوادة القشيري، عن أبيه، عن أنس بن مالك -رجل منهم-؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتغدَّى، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلم للغداء"، فقلت: يا نبي اللَّه! إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه وضع عن المسافر الصومَ، وشطرَ الصلاةِ، وعن الحبلى والمرضع".

وهو إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات.

• أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر [وفي رواية: عن شيخ من بني قشير]، عن رجل منهم يقال له أنس بن مالك.

وفي لفظ له: "إن اللَّه عز وجل وضع عن المسافر شطرَ الصلاةِ والصيامَ، وعن الحامل والمرضع".

وفي آخر: "اُدنُ أخبرك عن ذلك، إن اللَّه وضع عن المسافرِ الصومَ وشطرَ الصلاة، وعن الحبلى والمرضع".

• خالد الحذاء، عن أبي قلابة، ويزيد بن عبد اللَّه بن الشخير، عن رجل من بني عامر؛ أن رجلًا منهم أتى النبي وهو على بَكرٍ له، فدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوافقه يتغدى، فقال:"هلم"،. . . فذكر الحديث.

فهو حديث صحيح، وله طرق يعضد بعضها بعضًا، وله طرق أخرى واهية، وقد اضطرب في إسناده الأوزاعي على وجوه كثيرة جعلت بعض الحفاظ يردون الحديث لأجل اضطرابه فيه، وقد سبق نقل كلامهم في موضعه.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 234): "في إسناد هذا الحديث اختلاف كثير".

وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم (5/ 460/ 2639) بأن قال: "ولا يكاد يوجد حديث لم يختلف في إسناده، وانتشار الطرق أدل على صحة الحديث منها على ضعفه، إذا كان في بعض طرقه طريق سالم من الضعف".

قلت: وهو الحاصل هنا، فإن له طريقًا صحيحة سالمة من الضعف، يعتمد عليها في تصحيح الحديث، ويعضدها بعض الطرق وقد أسلفنا ذكرها باختصار.

° وأما من احتج بهذا الحديث على رد حديث عائشة المتفق عليه، أو تأويله [انظر مثلًا: التمهيد (8/ 46) و (16/ 312)، والاستذكار (1/ 18) و (2/ 221)، والقبس شرح الموطأ (1/ 331)]، بدعوى أن هذا الحديث نص قولي من النبي صلى الله عليه وسلم على أن الأصل في

ص: 484

الصلاة الأربع، ثم حُطَّ منها ركعتان لأجل التخفيف على المسافر، فمما قيل في الرد على ذلك، ما قاله الطحاوي في المشكل (11/ 40):"أن معنى الوضع منه عز وجل تركه فرض ما وضعه عن من وضعه عنه، وإن لم يكن مفروضًا عليه قبل ذلك، ومثل ذلك: ما قد روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما قد أجمع المسلمون على تثبيتهم ذلك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه فيما تقدم منا من كتابنا هذا، من قوله: "رُفِع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق"، ولم يكلن ما ذكر رفعه عنهم من ذلك كان مكتوبًا عليهم قبل ذلك، وإنما المعنى: رُفِع عنهم فلم يكتب عليهم، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى: وضع عن المسافر شطر الصلاة، أي: لم يكتبه عليه، لا أنه كان مكتوبًا عليه قبل وضعه إياه عنه ثم وضعه عنه".

فإن قيل: ينتقض ذلك بوضعه الصيام عن المسافر وعن الحبلى والمرضع، وقد كان مكتوبًا عليهم قبل ذلك، فيقال: الرد من وجهين:

الأول: أن وضع شطر الصلاة عن المسافر حال سفره لا يتبعه المطالبة بالقضاء عند زوال وصف السفر، حيث إنه قد أتى بما أمر به، ولم يأت دليل على مطالبته بالقضاء، وذلك بخلاف الصيام فإنه مطالب بقضائه بمجرد زوال عذره الذي أباح له الفطر، فهو مكتوب عليه قبل قيام العنر به، وزوال العذر بعد ذلك لم يسقط عنه المطالبة بالقضاء، بل النص صريح في ذلك، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فإذا زال العذر لزمه القضاء.

الثاني: أن عطف بعض الأفراد على بعض لا يعني اشتراكها في جميع الأحكام، فقد يعطف الخاص على العام، والمندوب على الواجب، والمكروه على المحرم، وذلك لاشتراكها في أمر دلّت عليه القرينة في النص، كعطف العمل الصالح على الإيمان وهو أحد أفراده، وايتاء ذي القربى على العدل والإحسان، وكعطف العمرة على الحج، وإتمام الوضوء على غسل الجنابة، وعطف إضاعة المال على كثرة السؤال، ونحو ذلك مما ليس هذا موضع تفصيل القول فيه، واللَّه أعلم.

* فإن اعتُرض على هذه الأدلة المتكاثرة: الدالة على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على قصر الرباعية في السفر، والمقترنة بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:"إن اللَّه وضع عن المسافر شطر الصلاة"؛ فقيل: لقد نُقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر، أو أقر ذلك، أو أنه إنما قصر لأجل الخوف:

* فمن ذلك: اقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إتمامها في السفر:

فقد روى محمد بن يوسف الفريابي [ثقة]: ثنا العلاء بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عمرة فى رمضان، فأفطر رسول صلى الله عليه وسلم وصمتُ، وقصر وأتممتُ، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت

ص: 485

وأمي! أفطرتَ وصمتُ، وقصرتَ وأتممتُ، فقال:"أحسنت يا عائشة".

أخرجه أبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (84)، والدارقطني (2/ 188)، والبيهقي (3/ 142).

• ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، والقاسم بن الحكم العريني [صدوق]:

عن العلاء بن زهير الأزدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، عن عائشة؛ أنها اعتمرت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمي! قصرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ، قال:"أحسنت يا عائشة"، وما عاب عليَّ.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 122/ 1456)، وفي الكبرى (2/ 364/ 1927)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (81)، والدارقطني (2/ 188)، والبيهقي في السنن (3/ 142)، وفي المعرفة (2/ 425/ 1593).

قال الدارقطني: "الأول متصل، وهو إسناد حسن، وعبد الرحمن قد أدرك عائشة فدخل عليها وهو مراهق، وهو مع أبيه، وقد سمع منها".

قال أبو بكر النيسابوري: "هكذا قال أبو نعيم: عن عبد الرحمن عن عائشة [لم يذكر أباه]، ومن قال: عن أبيه في هذا الحديث فقد أخطأ"[سنن البيهقى][وإليه مال الدارقطني في العلل، فقال: "والمرسل أشبه".التلخيص (2/ 92)].

قال البيهقي: "وصحيح عن عائشة أنها كانت تتم؛ مع قولها: فرضت الصلاة ركعتين".

وقال في المعرفة: "وهو إسناد صحيح موصول؛ فإن عبد الرحمن بن الأسود أدرك عائشة، وقد رواه محمد بن يوسف عن العلاء بن زهير عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة".

قلت: رواية أبي نعيم والقاسم هي الصواب.

ورواية الفريابي: منكرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه اعتمر في رمضان قط، قال ابن القيم في الزاد (2/ 93):"فهدا الحديث غلط؛ فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قطُّ، وعمره مضبوطة العدد والزمان".

وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 48): "هذا حديث منكر، وقوله: "في عمرة رمضان": باطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قطُّ".

وقال النووي في الخلاصة: "في هذا الحديث إشكال، فإن المعروف أنه عليه السلام لم يعتمر إلا أربع عُمَر كلهن في ذي القعدة"[نصب الراية (2/ 192)].

وقد أخطأ أيضًا في زيادة: عن أبيه، في الإسناد كما قال أبو بكر النيسابوري، وذهب إليه الدارقطني في العلل.

وبناء على هذا؛ فأقول: أما إدراك عبد الرحمن لعائشة، وسماعه منها: فصحيح؛ وهو إسناد متصل.

ص: 486

فقد روى العلاء بن زهير، وأخوه الصقعب بن زهير [وهو: ثقة]، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: كان أبي يبعثني إلى عائشة أسألها، فلما كان عام احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب، فقلت: يا أم المؤمنين ما يوجب الغسل؟ فقالت: أفعلتها يا لكع، إذا التقت المواسي، [وألقت بيني وبينها الحجاب].

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 252)، وابن سعد في الطبقات (6/ 289)، وجعفر الفريابي في الصيام (39)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 92)، والطحاوي (1/ 60)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (82 و 83)، والدارقطني (2/ 189)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 226).

وهذا إسناد صحيح، يثبت سماع عبد الرحمن بن الأسود من عائشة.

وقد أثبت سماعه منها بهذا أو بغيره: مسلم، والدارقطني، والبيهقي، وأبو أحمد الحاكم، وابن عساكر، وهو ما يقتضيه صنيع البخاري في تاريخه [انظر: كنى مسلم (1/ 200 و 260)، وتاريخ ابن معين للدوري (4/ 5/ 2851)، والثقات (5/ 78)، وتاريخ دمشق (34/ 225)، والسير (5/ 11)، وجامع التحصيل (221)، وتحفة التحصيل (194)].

وأما قول أبي حاتم الذي نقله عنه ابنه في المراسيل (464): "عبد الرحمن بن الأسود: أدخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها"[ونقل عنه الجملة الأولى فقط دون نفي السماع في الجرح والتعديل (5/ 209)]، فهو مجرد نفي، وقد قوبل بإثبات مشتمل على زيادة علم من جماعة من الأئمة، والمثبت مقدم على النافي.

• لكن يبقى أن يقال: هل تفرد العلاء بن زهير بهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الأسود مما يحتمل أم لا؟

العلاء بن زهير الأزدي: قال ابن معين: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولكن أعاده في المجروحين، وقال:"كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج به فيما لا يوافق الثقات"، ومعلوم أن الجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل، وهذا منه؛ فإن العلاء بن زهير هنا قد تفرد بهذا الحديث في معناه؛ أعني: صيام عائشة وإتمامها الصلاة في السفر، خلافًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها، بقوله:"أحسنت يا عائشة"، فلم يتابع العلاء على ذلك؛ وليس هو بذاك الحافظ الذي يعتمد على حفظه، بل قد صحت الرواية عن عائشة من فعلها بدون إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم ذكره تحت الحديث رقم (1198).

وفي التهذيب (3/ 343): "قال ابن حزم: مجهول، ورد عليه عبد الحق، وقال: بل ثقة مشهور، والحديث الذي رواه في القصر صحيح".

قلت: توثيق عبد الحق الإشبيلي اعتمادًا منه على توثيق ابن معين، ولعل مرجعه إلى نظرهم لأحاديثه التي وافق فيها الثقات، ومنها:

حديث العلاء بن زهير، قال: حدثنا وبرة بن عبد الرحمن، قال: كان ابن عمر لا

ص: 487

يزيد في السفر على ركعتين، لا يصلي قبلها، ولا بعدها، فقيل له: ما هذا؟ قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصنع.

أخرجه النسائي (3/ 122/ 1457).

وهذا هو الحديث الذي رواه في القصر، وصححه عبد الحق الإشبيلي، وهو حديث صحيح؛ ووبرة بن عبد الرحمن: ثقة، سمع ابن عمر، له عن ابن عمر حديث عند البخاري (1746)، وآخر عند مسلم (1233).

• ولم ينفرد به العلاء بن زهير، فقد روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة من أصحابه، وله عنه طرق؛ فمنها:

ما رواه عيسى بن حفص بن عاصم، قال: حدثني أبي، قال: كنت مع ابن عمر في سفر، فصلى الظهر والعصر ركعتين، ثم انصرف إلى طنفسة له، فرأى قومًا يسبحون، قال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مصليًا قبلها أو بعدها لأتممتها، صحبت رسول اللَّه فكان لا يزيد في السفر على الركعتين، وأبا بكر حتى قبض، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم كذلك.

أخرجه البخاري (1102)، ومسلم (689/ 8)، وأبو داود (1223).

ويأتي تخريجه بطرقه في موضعه من السنن، إن شاء اللَّه تعالى.

قلت: فلعل يحيى بن معين نظر إلى حديثه هذا وغيره مما وافق فيه الثقات، فأطلق القول بتوثيقه، ونظر ابن حبان نظرًا موافقًا لابن معين فأدخله في ثقاته، ونظر إلى حديثنا هذا، والذي تفرد به، فضعفه لأجله؛ لاسيما والعلاء بن زهير هذا قليل الرواية جدًا، ولعله لقلة مروياته قال ابن حزم في المحلى (4/ 269):"انفرد به العلاء بن زهير الأزدي، لم يروه غيره، وهو مجهول".

فإذا تقرر هذا: تبين أن العلاء بن زهير لا يحتمل تفرده عن عبد الرحمن بن الأسود بهذا الحديث؛ وعليه: فهو حديث منكر؛ لمخالفته ما صح عن عائشة رضي الله عنها رواية وفعلًا، كما تقدم معنا في السنن برقم (1198).

وبهذا التقرير يتبين صحة نظر شيخ الإسلام ابن تيمية في حكمه على هذا الحديث مشيرًا إلى نكارة متنه، فيقول:"وهذا الحديث خطأ قطعًا" فإنه قال فيه: إنها خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان، ومعلوم باتفاق أهل العلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط، ولا خرج من المدينة في عمرة في رمضان، بل ولا خرج إلى مكة في رمضان قط، إلا عام الفتح؛ فإنه كان حينئذ مسافرًا في رمضان، وفتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان باتفاق أهل العلم، وفي ذلك السفر كان أصحابه منهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يكن يصلي بهم إلا ركعتين، ولا نقل أحد من أصحابه عنه أنه صلى في السفر أربعًا" [مجموع الفتاوى (24/ 147)].

ثم أطال في بيان الحجة في ذلك إلى أن قال (24/ 150): "وإذا ثبت بالأحاديث

ص: 488

الصحيحة أنه لم يعتمر إلا في ذى القعدة، وثبت أيضًا أنه لم يسافر من المدينة إلى مكة ودخلها إلا ثلاث مرات: عمرة القضية، ثم غزوة الفتح، ثم حجة الوداع، وهذا مما لا يتنازع فيه أهل العلم بالحديث والسيرة وأحوال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يسافر في رمضان إلى مكة إلا غزوة الفتح؛ كان كل من هذين دليلًا قاطعًا على أن هذا الحديث الذي فيه: أنها اعتمرت معه في رمضان، وقالت: أتممتُ وصمتَ، فقال:"أحسنت": خطأ محض، فعُلم قطعًا أنه باطل، لا يجوز لمن علم حاله أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله:"من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"،. . . ".

ثم قال (24/ 151): "وأيضًا: فعائشة كانت حديثة السن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم،. . .، وأيضًا فلو كانت كبيرة؛ فهي إنما تتعلم الاسلام وشرائعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يتصور أن تصوم وتصلي معه في السفر خلاف ما يفعله هو وسائر المسلمين وسائر أزواجه، ولا تخبره بذلك حتى تصل إلى مكة، هل يُظَنُّ مثل هذا بعائشة أم المؤمنين؟ وما بالها فعلت هذا في هذه السفرة دون سائر أسفارها معه؟ وكيف تطيب نفسها بخلافه من غير استئذانه، وقد ثبت عنها في الصحيحين بالأسانيد الثابتة باتفاق أهل العلم أنها قالت: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأُقرَّت صلاة السفر على الفريضة،. . . ".

ثم قال (24/ 152 و 153): "وأيضًا: فهي لما أتمت الصلاة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم تحتجَّ بأنها فعلت ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكر ذلك أخبر الناس بها عروة بن أختها،. . .، فهذا عروة يروي عنها أنها اعتذرت عن إتمامها بأنها قالت: لا يشقُّ عليَّ، وقال: إنها تأولت كما تأول عثمان، فدل ذلك على أن إتمامها كان بتأويل من اجتهادها، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسَّن لها الإتمام أو كان هو قد أتم؛ لكانت قد فعلت ذلك اتباعًا لسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان، ولم يكن ذلك مما يُتأول بالاجتهاد".

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 465): "وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس وغيره: إنها تأولت كما تأول عثمان، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائمًا فركَّب بعض الرواة من الحديثين حديثًا، وقال: فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقصر وتتم هي، فغلط بعض الرواة فقال: كان يقصر ويتم؛ أي: هو".

وقال شيخ الإسلام: "وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه صلى أربعًا، أو أقر من صلى أربعًا: فإنه كذب"[المجموع (24/ 97)].

* ومن ذلك أيضًا: ما نقلته عائشة من الإتمام في السفر من فعله صلى الله عليه وسلم:

أ- فقد روى المغيرة بن زياد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في السفر، وأتم.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلاة في السفر ويقصر، ويصوم ويفطر، ويؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء.

ص: 489

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 206/ 8187) و (2/ 210/ 8238)، ومسدد (5/ 75/ 727 - مطالب). والبزار (682 - كشف الأستار). وأبو يعلى (5/ 75/ 727 - مطالب). وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 122/ 170 - مسند ابن عباس). والطحاوي (1/ 415) و (2/ 69)، والدارقطني (2/ 189)، والبيهقي (3/ 142)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 172) و (16/ 303)، وفي الاستذكار (2/ 226).

وقد سأل عبد اللَّه بن أحمد أباه عن حديث المغيرة هذا، فقال:"له أحاديث منكرة، وأنكر هذا الحديث"[مسائل عبد اللَّه (426)].

وقال عبد اللَّه بن أحمد في العلل عن أبيه (3/ 28/ 4011)، وهو يعدد مناكير المغيرة:"وروى عن عطاء، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة في السفر ويُتِمُّ، قال: وهذا يرويه الناس عن عطاء، عن رجل آخر: "ليس هو عن عائشة"، وذكره في موضع آخر من العلل (1/ 405/ 835)، وقال أحمد في آخره: "والناس يروونه عن عطاء مرسل".

ونقله العقيلي في الضعفاء (4/ 176)، ثم قال في آخره: "هذا يروى عن عائشة موقوف [يعني: من فعلها].

حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: كانت عائشة توفي الصلاة في السفر وتصوم".

وقال الأثرم في الناسخ (236) بعد أن ذكر أحاديث القصر عن عائشة وعمر وابن عباس، ثم أعقبها بحديث الإتمام من حديث المغيرة عن عطاء عن عائشة، ومن حديث زيد العمي عن أنس، قال:"وتلك الأحاديث الأولى هي أثبت، وليس هذان بشيء".

وأنكره عليه ابن المنذر في الأوسط (4/ 336).

وقال الدارقطني: "المغيرة بن زياد: ليس بالقوي".

قلت: هو حديث منكر، المغيرة بن زياد البجلي الموصلي: ليس بالقوي، له أحاديث أُنكرت عليه، حتى ضعفه بسببها بعضهم، وقالوا بأنه منكر الحديث، بل قال أحمد:"كل حديث رفعه مغيرة فهو منكر"، ونظر بعضهم إلى أحاديثه المستقيمة التي وافق فيها الثقات فقووه بها، وهو عندي ليس ممن يحتج به، لا سيما إذا خالف الثقات [التهذيب (4/ 132)، والميزان (4/ 160)، والعلل ومعرفة الرجال (1/ 400/ 815) و (2/ 45/ 1501) و (2/ 510/ 3361) و (3/ 29/ 4012) و (3/ 35/ 4054 - 4056) و (3/ 163/ 4729)، وتاريخ دمشق (60/ 4)].

وقد خالف في ذلك ابن جريج [وهو أثبت الناس في عطاء، وراويته] حيث رواه عن عطاء عن عائشة من فعلها موقوفًا عليها، ويأتي.

ب- ورواه دلهم بن صالح الكندي، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجنا الى مكة أربعًا حتى نرجع.

ص: 490

أخرجه أبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (87)، وابن عدي في الكامل (3/ 108)، والبيهقي (3/ 141).

وهذا حديث منكر؛ ودلهم بن صالح: ضعيف [راجع ترجمته فيما تقدم برقم (155)].

وقد خالف في ذلك ابن جريج [وهو أثبت الناس في عطاء، وراويته] حيث رواه عن عطاء عن عائشة من فعلها موقوفًا عليها، ويأتي.

ج- ورواه طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كل ذلك قد فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قد أتم وقصر، وصام وأفطر في السفر.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 356/ 363)، وفي اختلاف الحديث (10/ 52/ 48 - أم). وفي المسند (25)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 298/ 192 - بغية الباحث). وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (85 و 86)، والدارقطني (2/ 189)، والبيهقي في السنن (3/ 142)، وفي المعرفة (2/ 424/ 1591)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 173) و (16/ 304)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 166/ 1023).

قال الدارقطني: "طلحة: ضعيف".

قلت: هو حديث منكر؛ طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي: متروك، قال ابن عدي:"عامة ما يرويه لا يُتابع عليه"[التهذيب (2/ 242)].

وقد خالف في ذلك ابن جريج [وهو أثبت الناس في عطاء، وراويته] حيث رواه عن عطاء عن عائشة من فعلها موقوفًا عليها، ويأتي.

د- وروى سعيد بن محمد بن ثواب: ثنا أبو عاصم: ثنا عمر بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم.

أخرجه الدارقطني (2/ 189)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (3/ 141)، وفي المعرفة (2/ 425/ 1592)، وابن الجوزي في التحقيق (764).

قال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح".

وقال البيهقي في السنن: "ولهذا شاهد من حديث دلهم بن صالح، والمغيرة بن زياد، وطلحة بن عمرو، وكلهم ضعيف"، وقال في المعرفة بأنه أصح إسناد فيه.

وقال ابن حجر في البلوغ (431): "رواته ثقات؛ إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها".

قلت: وهذا حديث منكر؛ عمر بن سعيد، هو: ابن أبي حسين النوفلي، وهو ثقة، من رجال الشيخين، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت مكثر، روى له الجماعة؛ إلا أن سعيد بن محمد بن ثواب الحصري البصري؛ قال عنه ابن حبان:"مستقيم الحديث"، وأخرج له في صحيحه (2670 و 2672)، وصحح الدارقطني إسناد حديثه هذا، لكن له أوهام وغرائب وأفراد كثيرة، منها ما نص عليه الدارقطني في العلل (3/ 155/

ص: 491

355)، حيث قلب اسم الشعبي، فقال:"عن محمد"، وإنما هو الشعبي، وقد أورد له الخطيب حديثًا في ترجمته، من طريق ابن صاعد عنه، ثم ذكر ابن صاعد أنه وهم في إسناده، فقال:"وغيره يخالفه في الإسناد"، ولم يوثقه الخطيب، ولم ينقل فيه جرحًا ولا تعديلًا سوى توهيم ابن صاعد له، وحديثه هذا في الأول من فوائد المخلص [الثقات (8/ 272)، وسنن الدارقطني (2/ 189)، وعلل الدارقطني (3/ 155/ 325) و (10/ 50/ 1852)، وأطراف الغرائب والأفراد (2/ 169/ 1039) و (3/ 23 و 154/ 1985 و 2290)، والمخلصيات (1/ 202/ 237)، وتاريخ بغداد (9/ 94)، وتاريخ الإسلام (19/ 155)، والبدر المنير (2/ 502)].

ومثل هذا في مثل هذه الطبقة المتأخرة، ممن لم ينص على توثيقه صراحة إمام معتبر، لا يحتمل تفرده بهذا عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، الثقة المشهور، كثير الأصحاب.

وقد خالف في ذلك ابن جريج [وهو أثبت الناس في عطاء، وراويته] حيث رواه عن عطاء عن عائشة من فعلها موقوفًا عليها، ويأتي.

° قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ذكر عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل أن أباه سئل عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر، وهو كما قال الإمام أحمد، وإن كان طائفة من أصحابه قد احتجوا به موافقة لمن احتج به كالشافعي، ولا ريب أن هذا حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم"[مجموع الفتاوى (24/ 145)].

وقال شيخ الإسلام: "وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه صلى أربعًا، أو أقر من صلى أربعًا: فإنه كذب"[المجموع (24/ 97)].

ثم حكم في موضع آخر (24/ 153) بأنه أشد بطلانًا من الحديث السابق ذكره عن عائشة.

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 464): "وأما حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، وبفطر ويصوم؛ فلا يصح، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

* قلت: والمحفوظ في هذا عن عائشة إنما هو من فعلها، موقوفًا عليها، والظاهر أنه كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اجتهادًا منها:

أ- فقد روى ابن جريج [ثقة فقيه، أحد الأعلام، وهو أثبت الناس في عطاء، لزمه سبع عشرة سنة. التهذيب (2/ 616)]، عن عطاء، قال: لا أعلم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يوفي في السفر إلا سعد بن أبي وقاص، قال: وكانت عائشة توفي الصلاة في السفر، وتصوم. . . الحديث.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 560/ 4459)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 245)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 335/ 2240)، والطحاوي (1/ 424)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 176).

ص: 492

ب- وروى عفر بن ذر المرهبي [كوفي، ثقة]، قال: أخبرنا عطاء بن أبي رباح؛ أن عائشة كانت تصلي في السفر المكتوبة أربعًا.

أخرجه البيهقى (3/ 142).

قال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 48): "والصحيح عن عائشة أنها كانت تتم: موقوفًا".

* وقد روي اتمامها في السفر من طرق أخرى:

أ- معمر بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: كانت تصوم في السفر، وتصلي أربعًا، وكانت تتم.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 561/ 4461)[راجع تخريجه تحت الحديث رقم (1198)].

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، موقوف عليها من فعلها.

ب- وروى ابن عون، قال: قدمت المدينة فأدركت ركعة من العشاء، فصنعت شيئًا برأي، فسألت القاسم بن محمد؟ فقال: أكنت ترى أن اللَّه يعذبك لو صليت أربعًا؟ كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصلى أربعًا، وتقول للمسلمون [كذا] يصلون أربعًا.

أخرجه الطحاوي (1/ 424).

وإسناده صحيح، موقوف على عائشة.

ج- وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أنها كانت تصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليتِ ركعتين؟ قالت: يا ابن أختي إنه لا يشق عليَّ.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1198)، وهو حديث غريب.

• والذي صح في ذلك: أن عائشة تأولت ما تأول عثمان، وأنه لم يكن عندها في ذلك سنة، وإنما كان اجتهادًا منها، أخبر بذلك أحد أثبت أصحابها وابن أختها:

فقد سأل الزهريُّ عروةَ بن الزبير، فقال: ما بال عائشة تتم في السفر [وقد علمت أن اللَّه عز وجل إنما فرضها ركعتين]؟ قال: إنها تأولت ما تاول عثمان [من إتمام الصلاة بمنى].

روى ذلك عن الزهري جماعة من أصحابه، منهم: معمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وتقدم ذكر طرقهم تحت الحديث رقم (1198).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: "فهذه عائشة تخبر بأن صلاة السفر ركعتان، وابن أختها عروة أعلم الناس بها يذكر أنها أتمت بالتأويل، لم يكن عندها بذلك سنة"[مجموع الفتاوى (24/ 8)].

* ومن ذلك: ما حكته عائشة من أن ذلك كان لأجل الخوف:

فقد روى أبو عاصم عمران بن محمد الأنصاري: حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد: حدثنا عمر بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة، تقول في السفر: أتموا صلاتكم، فقالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان

ص: 493

يصلي في السفر ركعتين، فقالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في حرب، وكان يخاف، هل تخافون أنتم؟

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 262/ 437 - مسند عمر). وفي التفسير (5/ 245).

قلت: عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق المدني المعروف بابن أبي عتيق: ثقة، روايته عن عائشة في الصحيحين [البخاري (5687)، ومسلم (560)]، وابنه عمر هذا: لم أجد من ترجم له، ويبدو أنه لا يُعرف حيث لم يذكره المزي فيمن روى عن أبيه، ولم أجد من روى عنه سوى: أبي بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد [وهو: بصري ثقة]، ومحمد بن عمر الواقدي [وهو: متروك، روايته عنه في طبقات ابن سعد (8/ 64)]، مع قلة روايته جدًا، وشيخ الطبري: أبو عاصم عمران بن محمد الأنصاري: ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 499)، وروى عنه جماعة سوى ابن جرير الطبري، وقال مسلمة:"بصري، لا بأس به"[الثقات لابن قطلوبغا (7/ 389)]، وانقلب اسمه عند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 41)، فقال:"محمد بن عمران بن الحكم الأنصاري، أبو عاصم: بصري، روى عن أبي بكر الحنفي وسلم بن قتيبة وحماد بن مسعدة، سمع منه أبي بسامرا، وروى عنه،. . . سئل أبي عنه، فقال: صدوق"، فاللَّه أعلم.

ولا يحتمل من عمر هذا التفرد عن ابن أبي عتيق عن عائشة بهذا الحديث المنكر المخالف للمعهود من سنة النبي صلى الله عليه وسلم من قصره الصلاة في السفر حال الأمن، وفي حجة الوداع آمن ما كان الناس وأكثره [كما في حديث حارثة بن وهب، المشار إليه في الشواهد برقم (7)، وهو حديث متفق عليه، عند البخاري (1083)، ومسلم (696)، وأحد ألفاظه: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم أمن ما كان بمنى ركعتين]، والمخالف لما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أتقدم برقم (1099 و 1200)، وفيه:"صدقةٌ تصدَّق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته"]، والمخالف لما أجاب به ابن عمر من سأله عن الصلاة في السفر حال الأمن [وهو حديث صحيح، تقدم تحت الحديث رقم (1200)، وفيه أن السائل قال لعبد اللَّه بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن، فقال له ابن عمر: يا ابن أخي! إن اللَّه عز وجل بعث إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، وإنما نفعل كما رأينا محمدًا صلى الله عليه وسلم يفعل]، والمخالف لما رواه جمع غفير من الصحابة، من قصر النبي صلى الله عليه وسلم الرباعية في السفر وهم آمنون، لا يخافون إلا اللَّه، وتواترت به الرواية، وانتشرت به السُّنَّة بين المسلمين علمًا وعملًا من القصر في السفر حال الأمن؛ حتى إنها لا تخفى على أحد من عامة المسلمين فضلًا عن علمائهم، فكيف تخفى بعد ذلك على عائشة، وهي التي روت حديث: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأُقرَّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر، وعلى هذا: فهذا الحديث من أبطل الباطل [وقد حكم ببطلانه في الضعيفة (9/ 156/ 4141) العلامة الألباني رحمه اللَّه تعالى]، واللَّه أعلم.

ص: 494

* ويلحق بدلك ما يشعر بإجماع الصحابة على عدم النكير على من أتم في السفر:

فقد روى عمران بن زيد التغلبي، عن زيد العمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: إنا معاشر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كنا نسافر، فمنا الصائم ومنا المفطر، ومنا المتم ومنا المقصر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولا المقصر على المتم، ولا المتم على المقصر.

أخرجه البيهقي (3/ 145).

قال الأثرم في الناسخ (236) بعد أن ذكر أحاديث القصر عن عائشة وعمر وابن عباس، ثم أعقبها بحديث الإتمام من حديث المغيرة عن عطاء عن عائشة، ومن حديث زيد العمي عن أنس، قال:"وتلك الأحاديث الأولى هي أثبت، وليس هذان بشيء".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو كذب بلا ريب"[مجموع الفتاوى (24/ 154)].

قلت: هذا حديث منكر؛ زيد بن الحواري العمي: ضعيف، وروايته عن أنس مرسلة [التهذيب (1/ 664)، وتحفة التحصيل (118)]، وعمران بن زيد: ليس بالقوي.

والحديث رواه جماعة من الثقات من أصحاب حميد بن أبي حميد الطويل، عنه، عن أنس بن مالك، قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم[وفي رواية: أن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون]، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.

أخرجه البخاري (1947)، ومسلم (1118)، وأبو داود (2405)[ويأتي تخريجه في موضعه من السنن إن شاء اللَّه تعالى].

قال ابن الجوزي في حديث زيد العمي: "لا يصح، تفرد به زيد العمي، وليس بشيء، وإنما الحديث المعروف: فمنا الصائم ومنا المفطر"[التحقيق (1/ 494)، والتنقيح (2/ 49)].

* وممن روي عنه الإتمام في السفر: عائشة [وقد صح عنها، ونص عروة على أنها تأولت في ذلك ما تأول عثمان]، وعثمان بن عفان [وقد صح عنه في إتمامه بمنى، وقد تأوله الأئمة، ونص عروة على أنه كان متأولًا]، وسعد بن أبي وقاص [وقد اختلف النقل عنه، قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 309): "كأنه كان يتم مرة، ويقصر أخرى"]، وحذيفة بن اليمان [وقد اختلف النقل عنه أيضًا].

قلت: وقد اختلف الأئمة في وجه تأول عثمان وعائشة اختلافًا كثيرًا، ومن أقوى ما نسب إلى عثمان في ذلك أنه تأهَّل بمكة، واحتجاجه في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا تأهل الرجل في بلد فليُصلِّ به صلاة المقيم"[أخرجه أحمد (1/ 62 و 75)، والحميدي (36)، والطحاوي في أحكام القرآن (2/ 140/ 1398 و 1399)، وفي المشكل (10/ 416/ 4221) و (10/ 417/ 4222)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 305)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 256)، والضياء في المختارة (1/ 504 و 505/ 372 - 374)]، ولا يثبت هذا؛ فإن مداره على عكرمة بن إبراهيم الأزدي الموصلي، وليس هو بشيء، منكر الحديث [اللسان

ص: 495

(5/ 460)] [قال أبو حاتم في الجرح (5/ 94): "مرسل"، وقال البيهقي في المعرفة (2/ 429): "فهذا منقطع، وعكرمة بن إبراهيم: ضعيف"، وقال ابن حجر في الفتح (2/ 570): "فهذا الحديث لا يصح؛ لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به"].

وسيأتي بعض وجوه تأول عثمان عند أبي داود برقم (1961 - 1964)، وكلها ضعيفة.

قال ابن القيم في الزاد (1/ 473): "وكلاهما تأول تاويلًا، والحجة في روايتهم، لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له، واللَّه أعلم".

* وقد سبق أن نبهت على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ رباعية بمكة، لما نزل جبريل فعلمه المواقيت، وجمل ما جاء فيه ذكر عدد الركعات فهو شاذ مردود أو منكر [راجع: فضل الرحيم الودود (4/ 382/ 394) و (4/ 393 و 394)].

° قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: "فهذه عائشة تخبر بأن صلاة السفر ركعتان، وابن أختها عروة أعلم الناس بها يذكر أنها أتمت بالتأويل، لم يكن عندها بذلك سنة"[مجموع الفتاوي (24/ 8)].

ثم قال: "وأيضًا فإن المسلمين قد نقلوا بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ في السفر إلا ركعتين، ولم ينقل عنه أحد أنه صلى أربعًا قط".

وقال أيضًا (24/ 19): "وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره كان يصلي الرباعية ركعتين، ولم ينقل أحد أنه صلى في سفره الرباعية أربعًا، بل وكذلك أصحابه معه، والحديث الذى يروى عن عائشة أنها أتمت معه وأفطرت: حديث ضعيف، بل قد ثبت عنها في الصحيح: أن الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر، وثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب أنه قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان؛ تمام غير قصر على لسان نبيكم".

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 464): "وكان يقصر الرباعية، فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة، وأما حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم؛ فلا يصح، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

* والحاصل: فإنه لا يصح شيء في أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم رباعية في سفر، أو أقر من صلى أربعًا، ولما كان ثابتًا عن عدد من الصحابة أنهم أتموا في السفر متأولين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المعلوم أنهم ما كانوا ليزيدوا في فرضهم -ما ليس منه عامدين- ما يفسد عليهم صلاتهم.

وكذلك فإن المسافر إذا ائتم بمقيم كان عليه أن يتم، وفرض الصلاة لا يزيد بالائتمام.

ص: 496

دل ذلك على أن المسافر إذا أتم صلاته في السفر لم تبطل، ولم يؤمر بالإعادة.

لكن يكره له الإتمام لما ثبت عن عدد من الصحابة مرفوعًا أن فرض الصلاة في السفر ركعتان، كما في حديث عائشة [تقدم برقم (1198)]، وحديث ابن عباس، وحديث السائب بن يزيد [تقدما تحت الحديث رقم (1198)].

والقول بكراهة التربيع في السفر هو الراجح من أقوال الأئمة في ذلك، واللَّه أعلم، قال شيخ الإسلام:"وهذا القول -وهو القول بكراهة التربيع في السفر-: أعدل الأقوال"[مجموع الفتاوى (24/ 93)].

وانظر في فقه هذه المسألة: الأم (2/ 355)، واختلاف الحديث (10/ 50)، والأوسط (4/ 331)، وشرح المعاني (1/ 416)، والمحلى (م 512)، والاستذكار (2/ 223)، والتمهيد (11/ 173) و (16/ 303)، والمغني (2/ 54)، ومجموع الفتاوى (24/ 7 و 85)، وزاد المعاد (1/ 464).

* * *

ص: 497