الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن رجب في الفتح (3/ 418 - 421): "وأما أبو المثنى فاسمه: مسلم، ويقال: مهران، ذكره مسلم بن الحجاج في كتاب الكنى، وفي تسميته اختلاف، وهو مؤذن مسجد الكوفة، وهو عند ابن معين وابن عقدة: والد أبي جعفر، نقله عنه عباس الدوري، وهو عند الدارقطني وابن حبان: ابن ابنه. وعند أبي زرعة ومسلم وابن أبي حاتم: أنه ليس بينهما نسب. وثقه أبو زرعة وابن حبان. وقال الدارقطني: لا بأس به".
• وإذ قد صح حديث أنس في الباب [وهو حديث متفق عليه]، ففيه غنية عما لم يصح، وانظر فيما رُوي في الباب مما لم يصح أيضًا:
1 -
عن أبي رافع: عند ابن ماجه (732)، والدارقطني (1/ 241).
وفي إسناده: معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وهو: منكر الحديث.
2 -
عن السائب بن يزيد: عند ابن حبان (4/ 563/ 1673).
وهو: معلول، أصله في صحيح البخاري (912 و 913 و 915 و 916)، وفي السنن الأربعة، وسيأتي إن شاء الله تعالي في السنن برقم (1087 - 1090).
3 -
عن سلمة بن الأكوع: عند ابن أبي شيبة (1/ 187/ 2138)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 61/ 1237)، والطحاوي (1/ 136)، والدارقطني (1/ 241).
والصحيح عنه: موقوف.
4 -
عن علي: عند ابن أبي شيبة (1/ 187/ 2137)، والسهمي في تاريخ جرجان (88)، والدارقطني (1/ 241).
وفي إسناده: عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، وهو: متروك، ذاهب الحديث، كذبه ابن معين.
5 -
عن جابر: عند ابن عدي (6/ 158)، والدارقطني في الثاني من الأفراد (50)، والخطيب في التاريخ (13/ 17).
وفي إسناده: محمد بن عبد الملك الأنصاري: منكر الحديث، يروي عن ابن المنكدر الموضوعات [اللسان (7/ 314)].
6 -
عن بريدة بن الحصيب: عند ابن حبان في المجروحين (1/ 160).
وفي إسناده: أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر بن فضالة: أحد الوضاعين.
***
30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر
512 -
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا حماد بن خالد: ثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن زيد، قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أشياءَ، لم يصنع منها شيئًا، قال: فأُريَ عبدُ الله بن زيد الأذانَ
في المنام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:"أَلْقِهِ على بلال" فألقاه عليه، فأذَّن بلالٌ، فقال عبد الله: أنا رأيتُه، وأنا كنت أريدُه، قال:"فأقِمْ أنت".
• حديث منكر.
أخرجه من طريق أبي داود: الدارقطني (1/ 245)، وعلقه الحازمي في الاعتبار (1/ 285/ 61).
لكن قال ابن شاهين في الناسخ (172): حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا محمد بن عثمان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حماد بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن زيد، عن عمه عبد الله بن زيد، قال: أُرِيَ عبدُ الله بن زيد في المنام الأذانَ
…
فذكر الحديث.
فجعل: عبد الله بن محمد بن زيد، بدل: محمد بن عبد الله، فيحتمل عندي أن يكون الوهم فيه من عثمان بن أبي شيبة نفسه، فيكون حدَّث به أبا داود من حفظه فوهم، [وقد حُفظت عليه أوهام، انظر: ترجمته من التهذيب (3/ 77)]، وقد كانت كتبه عند ابنه محمد، ويحتمل أن يكون ابنه محمد حدث به من كتاب أبيه [انظر: ترجمته في اللسان (7/ 340)]، وذلك لأن رواية محمد هي الموافقة لرواية الجماعة كما سيأتي.
***
513 -
قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا محمد بن عمرو -شيخ من أهل المدينة من الأنصار-، قال: سمعت عبد الله بن محمد، قال: كان جدي عبد الله بن زيد يحدث بهذا الخبر، قال: فأقام جدي.
• حديث منكر.
أخرجه من طريق أبي داود: الدارقطني (1/ 245).
قال الدارقطني: "وقال أبو داود: محمد بن عمرو مدني، وابن مهدي لا يحدث عن البصري".
قلت: قد اختلف فيه على محمد بن عمرو هذا:
أ- فرواه حماد بن خالد الخياط [بصري، ثقة]، كما تقدم، فلم ينسب محمد بن عمرو، والأقرب أن إسناده كالجماعة.
ب- ورواه ابن مهدي [بصري، ثقة ثبت حافظ]، كما تقدم، فوقع محمد بن عمرو في روايته منسوبًا مدنيًّا أنصاريًّا، وشيخه يروي الحديث عن جده، لا عن عمه.
ج- ورواه زيد بن الحباب أبو الحسين العكلي [كوفي، صدوق يخطئ]، قال:
أخبرني أبو سهل محمد بن عمرو، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن زيد، عن عمه عبد الله بن زيد رائي الأذان،
…
فذكر الحديث، وهكذا كناه أبا سهل.
أخرجه أحمد (4/ 42)، ومن طريقه: ابن عساكر في التاريخ (4/ 339 - 340)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 312/ 384).
تابعه: سريج بن النعمان [بغدادي، ثقة]، قال: نا محمد بن عمرو أبو سهل، عن عبد الله بن محمد الأنصاري، عن عمه عبد الله بن زيد، به.
أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 34/ 1080).
د- ورواه عبد السلام بن مطهر [بصري، ثقة]، قال: حدثنا أبو سهل الأنصاري، عن عبد الله بن محمد بن زيد، عن عمه عبد الله بن زيد،
…
فذكره، وكناه أبا سهل، ونسبه أنصاريًّا.
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (171).
هـ- ورواه أبو داود الطيالسي [بصري، ثقة حافظ]، قال: حدثنا محمد بن عمرو الواقفي، عن عبد الله بن محمد الأنصاري، عن عمه عبد الله بن زيد، أنه رأى الأذان في المنام،
…
فذكره، ونسبه واقفيًّا.
أخرجه الطيالسي في مسنده (2/ 425/ 1199)، ومن طريقه: ابن شاهين في الناسخ (170)، والبيهقي (1/ 399).
لكن وقعت القصة لعمر عند ابن شاهين، ففيه: عن عمه عبد الله بن زيد، أنه رأى الأذان في المنام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، قال:"فأذن يا بلال" قال: فجاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أنا أرى الرؤيا، ويؤذن بلال! قال:"فأقِمْ أنت".
وهذا وهم فاحش، وتصحيف غريب، ففي رواية الطيالسي، ومن طريقه: البيهقي: عن عمه عبد الله بن زيد، أنه رأى الأذان في المنام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، قال: فأذَّنَ بلالٌ، قال: وجاء عمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أرى الرؤيا، ويؤذن بلال، قال:"فأقِمْ أنت" فأقام عمي.
هكذا تصحفت "عمي" إلى "عمر" ثم زيد النسب.
ولما كان الإسناد إلى الطيالسي صحيحًا، قال ابن شاهين:"وهذا حديث غريب، لا أعلم أن أحدًا قال فيه أن الذي أقام الصلاة عمر بن الخطاب، إلا في هذا الحديث، والمعروف أن الذي أقام: عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن زيد بن الحارث بن الخزرج بن جشم بن الحارث الخزرج".
ولا أستبعد أن يكون الوهم إما من ناسخ، أو مستملي، أو شيخ ابن شاهين، وهو: أبو بكر بن أبي داود، والله أعلم.
و- ورواه المعافى بن عمران الأزدي الفهمي [موصلي، ثقة]، عن محمد بن عمرو بن
عبيد الأنصاري، قال: أخبرني عبد الله بن محمد: أخبرني عمي أنه رأى النداء في المنام
…
فذكر الحديث، وأزال الإشكال في هذا الراوي.
أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 33/ 1079).
ز- ورواه معن بن عيسى [مدني، ثقة ثبت]، قال: حدثني محمد بن عمرو الواقفي الأنصاري، قال: حدثني محمد بن سيرين، عن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان شيئًا، فجاء عمي عبد الله بن زيد -من بني الحارث من الخزرج- فقال: أُريت الأذان، فقال:"قم فألقه على بلال" فأذن به بلال، فلما أذن، قال عمي: أنا رأيته، وأنا كانت أريد، قال:"فأقم أنت" قال: فأقام عمي.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 183).
وقال: "فيه نظر؛ لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض".
قلت: هكذا رواه معن، فنسب شيخه واقفيًّا أنصاريًّا، وزاد في الإسناد: محمد بن سيرين، وقال:"محمد بن عبد الله بن زيد"، بدل:"عبد الله بن محمد بن زيد"، وجعل صورته: مرسل، لم يذكر سماعًا لمحمد بن عبد الله بن زيد من عمه، ولا رواية، لذا قال البخاري:"فيه نظر".
• ومن مجموع هنه الطرق يتبين لنا أمور:
الأول: أن راوي هذا الحديث هو: محمد بن عمرو بن عبيد -ويقال: عبيد الله- بن حنظلة بن رافع الأنصاري الواقفي، أبو سهل البصري، ولا مرية في ذلك.
الثاني: أن المزي والذهبي ومن تبعهما قد أخطؤوا في تمييزه عن محمد بن عمرو المدني الأنصاري راوي حديث الأذان هذا، وهما في الحقيقة واحد، كما يظهر بجلاء من مجموع طرق الحديث، وعليه فقول الذهبي في الميزان (3/ 674) بناءً على هذا التفريق، ولرواية ابن مهدي عنه:"محله العدالة"، وإن كان قال قبل ذلك:"لا يكاد يُعرف": قول ضعيف، والحق مع من جعلهما واحدًا مثل ابن عبد الهادي [انظر: التهذيب (3/ 663)]، وابن القطان الفاسي [بيان الوهم (3/ 95 و 348/ 790 و 1094)]، وعلاء الدين مغلطاي [إكمال التهذيب (10/ 302)، وإن لم يجزم بذلك].
الثالث: أن قول أبي داود: "محمد بن عمرو مدني، وابن مهدي لا يحدث عن البصري"، فلعله صدر عنه لكون ابن مهدي لم يرو عن البصري هذا غير هذا الحديث، فحسب أنه غيره، وقد رواه غير ابن مهدي من ثقات البصريين وغيرهم فبيَّن أنه ابن عبيد الواقفي، أبو سهل البصري، ومن علم حجة على من يعلم.
الرابع: أن محمد بن عمرو هذا قد اضطرب في هذا الحديث، فمرارًا يقول:"عن عمه"، ومرة يقول:"عن جده"، ومرارًا يرويه عن عبد الله بن محمد بن زيد، ومرة يقول:"حدثني محمد بن سيرين، عن محمد بن عبد الله بن زيد"، ومرارًا يقول:"عن عبد الله بن محمد"، ومرة يقول:"عن محمد بن عبد الله"، ومرارًا يسند الحديث، ومرة يرسله، وهذا كله مما يؤكد كونه الواقفي البصري.
وبناءً على ما تقدم؛ فهذا حديث منكر، وقد اضطرب فيه الواقفي.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري: روى عنه اثنان أو ثلاثة، وذكره ابن حبان في الثقات، فهو في عداد المجهولين [التهذيب (2/ 423]، وذكره ابن عدي في الضعفاء (4/ 234)، وقال فيه البخاري:"فيه نظر؛ لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض"، فإن قيل: ذكر المعافي بن عمران سماعه من عمه، فيقال: فيكون هذا من جملة أوهام الواقفي، واضطرابه في هذا الحديث، وجماعة الثقات لم يذكروا له سماعًا، لا سيما والدارقطني يقول:"مرسل، لم يدركه"[تحفة التحصيل (280)]، والأقرب عندي أنه يرويه عن جده لا عن عمه، وروايته عن جده مرسلة، لم يسمع منه.
ومحمد بن عمرو بن عبيد -ويقال: عبيد الله- بن حنظلة بن رافع الأنصاري الواقفي، أبو سهل البصري: ضعيف، اضطرب في هذا الحديث، وقد خالف الثقات الذين رووا هذا الحديث عن عبد الله بن زيد، وليس فيه أن أحدًا طلب الإقامة بعد ما أذَّن بلال [انظر: الحديث المتقدم برقم (499)].
قال الحازمي في الاعتبار: "هذا حديث حسن، وفي إسناده مقال".
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطي (1/ 310): "إقامة عبد الله بن زيد ليست تجيء من وجه قوي فيما أعلم، وأما حديث الرؤيا فصحيح، وكذلك أذان بلال".
وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم (3/ 95/ 790) بقوله: "وترك دون من أعله به: محمد بن عمرو الواقفي، وهو: ضعيف"، وقال في موضع آخر (3/ 348/ 1094): "ومحمد بن عمرو: ضعيف، لا يساوي شيئًا، ومحمد بن عبد الله هذا الذي اقتصر على ذكره: لا تعرف أيضًا حاله، واضطرب فيه أيضًا،
…
".
وقد ضعفه النووي في الخلاصة (849)، وابن حجر في التلخيص (1/ 209/ 309)، وفي البلوغ (156).
• وقد خالف أبا سهل الواقفي البصري في إسناده، ومتنه:
أبو العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود [كوفي، ثقة]، فرواه عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده، أنه حين رأى الأذان أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذَّنَ، وأمر عبد الله بن زيد فأقام.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 183)، والضياء في المختارة (9/ 377/ 347)، والطحاوي (1/ 142)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 296)، وابن قانع في المعجم (2/ 112)، والدارقطني (1/ 242)، وابن شاهين في الناسخ (173)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1654/ 4157) وعنده زيادة منكرة. والبيهقي في السنن (1/ 399)، وفي الخلافيات (1/ 505 - مختصره)، وابن عساكر في التاريخ (4/ 340)، والحازمي في الاعتبار (1/ 285/ 60).
قال العقيلي: "الرواية في هذا الباب فيها لين، وبعضها أفضل من بعض".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 396): "وهذا الحديث أحسن إسنادًا من حديث الإفريقي" وقال في موضع آخر (2/ 310): "وإسناد حديث عبد الله بن زيد أثبت عند أهل العلم" يعني: من حديث أخي صداء الآتي.
وهذا من باب المقارنة والمفاضلة، لا التصحيح، إذ ضعفه ظاهر سندًا ومتنًا.
وأعله أيضًا الحاكم، كما في خلافيات البيهقي (1/ 505 - مختصره).
وقال البيهقي: "وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه يضعف هذا الحديث بما سبق ذكره [يعني: من الاضطراب]، وبما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
…
" ثم ساق حديث أبي عمير بن أنس قال: حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث، وقال فيه: وكان عبد الله بن زيد مريضًا يومئذٍ، والأنصار تزعم أنه لو لم يكن مريضًا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنًا، وتقدم برقم (498).
والخلاصة: أن حديث عبد الله بن زيد هذا: حديث ضعيف؛ لأجل عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، وتقدم الكلام عليه، وقد صحت القصة بدون هذه الزيادة في الإقامة، إذ لا يُعرف من وجه يصح أن الذي أقام هو عبد الله بن زيد، فقد كان يومئذ مريضًا، والله أعلم.
• فإن قيل: له شاهد من حديث ابن عباس، يرويه الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان أول من أذن في الإسلام بلال، وأول من أقام عبد الله بن زيد، فلما أذن بلال أراد أن يقيم، فقال عبد الله بن زيد: أنا الذي رأيت الرؤيا، فاذن بلال ويقيم أيضًا؟! قال:"فأقِمْ أنت".
عزاه ابن دقيق العيد في الإمام [البدر المنير (3/ 416)]، وابن حجر في التلخيص (1/ 210)، لأبي الشيخ في كتاب الأذان.
قال ابن حجر: "وإسناده منقطع بين الحكم ومقسم؛ لأن هذا من الأحاديث التي لم يسمعها منه"، وهو كما قال [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 536/ 1269)، الجرح والتعديل (1/ 130)، جامع الترمذي (880)، شرح علل الترمذي (2/ 850)، وغيرها].
***
514 -
. . . عبد الرحمن بن زياد -يعني: الأفريقي-، أنه سمع زياد بن نُعَيم الحضرمي، أنه سمع زياد بن الحارث الصُّدائي، قال: لما كان أولُ أذان الصبح أمرني -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فأذَّنتُ، فجعلتُ أقول: أقيم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول:"لا"، حتى إذا طلع الفجر نزل، فبَرَز، ثم انصرف إليَّ وقد تلاحق أصحابه -يعني: فتوضأ-، فأراد بلال أن
يقيم، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم:"إن أخا صدَاءٍ هو أذَّن، ومَنْ أذَّن فهو يُقيم" قال: فأقمتُ.
• حديث منكر.
وهذا الحديث طرف من حديث طويل، ولفظه:
سمعت زياد بن الحارث الصدائي -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحدث، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام، فأُخبرت أنه بعث جيشًا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! اردد الجيش، وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال لي:"اذهب فارددهم" فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن راحلتي قد كَلَّت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فردهم، قال الصدائي: وكتب إليهم كتابًا فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك" فقلت: بل الله هداهم بك للإسلام، [وأحسن إليهم]، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلا أؤمرك عليهم؟ " فقلت: بلى، يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب لي كتابًا فأمَّرني، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! مُر لي بشيء من صدقاتهم، فكتب لي كتابًا آخر.
قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا، فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، ويقولون: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو فعل ذلك؟، قالوا: نعم، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم، فقال: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن" قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فسأله، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس عن ظهر غنى؛ فصداع في الرأس، وداء في البطن" فقال الرجل: أعطني من الصدقات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله عز وجل لم يرض فيها بحكم نبي ولا غيره [في الصدقات]، حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك -أو: أعطيناك- حقك" قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني سألته وأنا غني.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتشى من أول الليل، فلزمته وكنت قويًّا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون، حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان أذان الصبح أمرني فأذَّنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول:"لا" حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم انصرف إليَّ وقد تلاحق أصحابه، فقال:"هل من ماء، يا أخا صداء؟ " قلت: لا؛ إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعله في إناء، ثم ائتني به" ففعلت، فوضع كفه في الإناء، قال: فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينًا تفور، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أخا صداء لولا أني أستحي من ربي سقينا واستقينا، فناد في أصحابي من له حاجة في الماء" فناديت، فأخذ من أراد منهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أخا صداء [هو] أذن، [ومن أذن فـ]، هو يقيم".
قال الصدائي: فأقمت الصلاة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أعفني من هذين الكتابين، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"وما بدا لك؟ " فقلت: سمعتك يا نبي الله تقول: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن" وأنا أؤمن بالله ورسوله، وسمعتك تقول للسائل:"من سأل الناس عن ظهر غنى؛ فهو صداع في الرأس، وداء في البطن" وقد سألتك وأنا غني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"هو ذاك، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فدع" فقلت: أدع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فدُلَّني على رجل أؤمِّره عليكم" فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمَّره علينا.
ثم قلنا: يا نبي الله! إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها، واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قلَّ ماؤها، وتفرقنا على مياهٍ حولنا، وقد أسلمنا، وكل من حولنا عدوٌ لنا، فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها؛ فنجتمع عليها، ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات، ففركهن في يده، ودعا فيهن، ثم قال:"اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة، واذكروا اسم الله" قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعدُ أن ننظر إلى قعرها -يعني: البئر-.
أخرجه بطوله، أو طرفًا منه: البخاري في التاريخ الكبير (3/ 344)، وأبو داود (514 و 1630)، والترمذي (199)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 18 - 19/ 183)، وابن ما جه (717)، وأحمد (4/ 169)، وعبد الرزاق (1/ 470 و 475/ 1817 و 1833)، وابن سعد في الطبقات (1/ 157 - 158) و (8/ 597 - متمم)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 196/ 2246)، وفي المسند (9/ 585/ 2096 - مطالب)، وابن زنجويه في الأموال (2041 و 2093)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (533)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 285)، والحارث بن أبي أسامة (2/ 626/ 598 - بغية الباحث)(15/ 537/ 3809 - مطالب)، وجعفر الفريابي في الدلائل (38 و 39)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 52/ 1217)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 142) و (2/ 17)، وفي أحكام القرآن (1/ 364/ 763)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1115/ 2406)، والآجري في الشريعة (1059)، والطبراني في الكبير (5/ 262 - 264/ 5285 - 5287)، والدارقطني (2/ 137)، وابن شاهين في الناسخ (167 - 169)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 400 و 401)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1206 - 1209/ 3041 - 3043)، وفي الدلائل (321)، والقضاعي في مسند الشهاب (526)، والبيهقي في السنن (1/ 381 و 399) و (4/ 173) و (7/ 6) و (10/ 96)، وفي المعرفة (1/ 428/ 564) و (5/ 183/ 4021)، وفي الدلائل (4/ 125) و (5/ 355)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 715)، وفي الأسماء المبهمة (85)، وإسماعيل الأصبهاني في الدلائل (7)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 345)، والحازمي في الاعتبار (1/ 287/ 62)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 307/ 373)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 319)، والمزي في التهذيب (9/ 446).
وانظر الاختلاف فيه على الثوري: معجم ابن قانع (1/ 235)، حلية الأولياء (7/ 114)، تاريخ أصبهان (1/ 317).
قال الترمذي: "وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الأفريقي، والأفريقي هو: ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، قال أحمد: لا أكتب حديث الأفريقي.
قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوِّي أمره، ويقول: هو مُقارِب الحديث.
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: أن من أذَّن فهو يقيم".
وقال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة الرازي (517): "وسئل عن حديث الصدائي في الأذان؟ فقال: الأفريقي! وحرك رأسه. قلت: فحديث عطاء عن ابن عمر؟ قال: لا ذا ولا ذاك".
وقال ابن المنذر: "وحديث الأفريقي: غير ثابت".
وقال ابن حبان في الثقات (3/ 141): "زياد بن الحارث الصدائي، والصداء من اليمن، بايع النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي في إسناد خبره".
وقال عن الأفريقي في المجروحين (2/ 50): "كان يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي عن الأثبات ما ليس من أحاديثهم، وكان يدلس عن محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب".
وقال ابن حزم في المحلى (3/ 127): "وجائز أن يقيم غير الذي أذن؛ لأنه لم يأت عن ذلك نهي يصح، والأثر المروي: "إنما يقيم من أذن" إنما جاء من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو: هالك".
وعلَّق البيهقي القول به على ثبوته، فقال في المعرفة (1/ 429):"وهذا إن ثبت: كان أولى مما روي في حديث عبد الله بن زيد: أن بلالًا أذن، فقال عبد الله: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أرى الرؤيا، ويؤذن بلال، قال: "فأقم أنت"، لما في إسناده ومتنه من الاختلاف، وإنه كان في أول ما شرع الأذان، وحديث الصدائي كان بعده".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 32): "عبد الرحمن بن زياد هو: الأفريقي، وأكثرهم يضعفونه، وليس يروي هذا الحديث غيره، والحديث الأول [يعني: حديث عبد الله بن زيد] أحسن إسنادًا إن شاء الله، والنظر يدل عليه لأن الأذان ليس مضمنًا بالإقامة، لأنه غيرها، وإن صح حديث الأفريقي -فإن من أهل العلم من يوثقه، ويثني عليه-: فالقول به أولى، لأنه نص في موضع الخلاف، وهو متأخر عن قصة عبد الله بن زيد مع بلال، والآخِر فالآخِر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع، ومع هذا فإني أستحب إذا كان المؤذن واحدًا راتبًا أن يتولى الإقامة، فإن أقامها غيره فالصلاة ماضية بإجماع، والحمد لله".
وقال أيضًا (21/ 102): "ورووا فيه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه لين، يدور على الأفريقي عبد الرحمان بن زياد".
وقال الحازمي في الاعتبار: "هذا حديث حسن" ثم قال: "فهذا الحديث أقوم إسنادًا من الأول كما ترى" يعني: من حديث عبد الله بن زيد، وذكر نحوًا من كلام البيهقي وابن عبد البر، ثم قال: "وطريق الإنصاف أن يقال: الأمر في هذا الباب على التوسع، وادعاء النسخ مع إمكان الجمع بين الحديثين على خلاف الأصل، إذ لا عبرة بمجرد التراخي على ما قرر في المقدمة.
ثم نقول في حديث عبد الله بن زيد: إنما فوض الأذان إلى بلال؛ لأنه أندى صوتًا من عبد الله، على ما ذكر في الحديث، والمقصود من الأذان الإعلام، ومن شرطه الصوت، وكلما كان الصوت أعلي كان أولى.
وأما زياد بن الحارث فكان جهوري الصوت، ومن صلح للأذان كان للإقامة أصلح، وهذا المعنى يؤكد قول من قال: من أذن فهو يقيم".
وقال البغوي في شرح السنة (2/ 83): "وفي إسناده ضعف، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم: أن من أذن فهو أولى بالإقامة".
وقال ابن عساكر: "هذا حديث حسن".
وانظر: المجموع شرح المهذب (3/ 128)، شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (4/ 1158).
قلت: هو حديث منكر، وفي بعض أطرافه ما يُنكر معناه ولا يُحتمل، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي: ضعيف، وقد أنكروا عليه أحاديث هذا منها، ومن مناكيره ما لا يُحتمل [التهذيب (2/ 505)، الميزان (2/ 561)].
• وهذا الحديث قد رواه ابن لهيعة مختصرًا، وخالف الأفريقي في إسناده، جعل صحابيه حِبَّان بن بُح:
قال ابن لهيعة: ثنا بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم الحضرمي، عن حِبَّان بن بُح الصدائي، قال: إن قومي كفروا فأُخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم جهز إليهم جيشًا، فأتيته، فقلت: إن قومي على الإسلام، قال:"أكذلك؟ " قلت: نعم، قال: فاتبعته ليلتي حتى الصباح، فأذَّنت بالصلاة لما أصبحت، وأعطاني ماءً فتوضأت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء فانفجر عيونًا، فقال:"من أراد منكم أن يتوضأ فليتوضأ" فتوضأت، وصليت، فأمَّرني عليهم، وأعطاني صدقاتهم، فقام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فلانًا ظلمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا خير في الإمارة لمسلم" ثم جاء رجل يسأل صدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الصدقة صداع في الرأس، وحريق في البطن -أو: داء-" فأعطيته صحيفتي؛ صحيفة إمرتي وصدقتي، فقال:"ما شأنك؟ " فقلت: كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت، قال:"هو ما سمعت".
هكذا رواه عن ابن لهيعة: الحسن بن موسى الأشيب، وسعيد بن أبي مريم.
أخرجه أحمد (4/ 168)، وابن أبي شيبة في المسند (635)، وابن عبد الحكم في
فتوح مصر (532)، والحارث بن أبي أسامة (15/ 507/ 3801 - مطالب)، والطبراني في الكبير (4/ 36/ 3575)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 877/ 2276 و 2277)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 97).
وابن لهيعة: ضعيف، وليس هذا الحديث من حديثه، إنما هو حديث الأفريقي؛ وذلك لأمور:
منها: أن العبادلة الثلاثة عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وهم أصح الناس سماعًا من ابن لهيعة، وأقدمهم، ممن كان ينظر في كتبه ويتتبع أصوله، قد رووا هذا الحديث من حديث الأفريقي، لا من حديث ابن لهيعة.
ومنها: أن هذا الحديث يُعرف بالأفريقي دون ابن لهيعة، كما قاله غير واحد.
ومنها: أن ابن لهيعة كان يُقرأ عليه من كتب الناس، فلا ينكر ما ليس من حديثه، وكان يُلقن فيتلقن، قال قتيبة بن سعيد:"كل شيء كان يُدفع إلى ابن لهيعة كان يقرؤه"، وقاله غير واحد، ولما عوتب في ذلك قال:"ما أصنع؟ يجيئوني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم"[التاريخ الأوسط (2/ 150 - 151/ 1321)، طبقات ابن سعد (7/ 358)، التهذيب (2/ 413)، وغيرها]، ولعل هذا من هذا النوع.
ومنها: أن قتيبة بن سعيد قد رواه عن ابن لهيعة فأبان عن علته:
قال قتيبة: ثنا ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم الحضرمي، عن حيان بن بح الصدائي، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضرت صلاة الصبح، فقال لي:"يا أخا صداء أذِّن" فأذّنت، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقيم إلا من أذّن". فعاد الحديث إلى الأفريقي.
أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 877/ 2275).
قال ابن الأثير في أسد الغابة (1/ 535): "هكذا في هذه الرواية، ورواه هَنَّاد، عن عبدة ويعلى، عن عبد الرحمن بن أنعم، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي، وذكر نحوه.
وهذا هو المشهور، على أن الحديث لا يعرف إلا عن الأفريقي، وهو ضعيف عند أهل الحديث.
…
ثم قال: قد رُوي حديث الأذان، وحديث:"لا خير في الإمارة" عن زياد بن الحارث الصدائي، ويبعد أن يكون هذان الحديثان لرجلين من صداء؛ مع قلة الوافدين من صداء على النبي صلى الله عليه وسلم، وزياد هو المشهور الأكثر".
فإن قيل: قال ابن حجر في التهذيب (1/ 644): "وروى الباوردي في كتاب الصحابة من طريق: محمد بن عيسى بن جابر الرشيدي، قال: وجدت في كتاب أبي: عن عبد الله بن سليمان، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن زياد الصدائي؛ فذكر طرفًا من حديثه" وعزاه إليه أيضًا في الإصابة (2/ 582) في ترجمة زياد بن
الحارث الصدائي، وعلاء الدين مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (4/ 1158).
فيقال: لا يثبت هذا عن عمرو بن الحارث المصري، الحافظ الفقيه، الثقة الثبت، إذ كيف يحتمل تفرد مثل هؤلاء الغرباء المجاهيل عنه، مع كثرة أصحابه، ولو كان من حديثه لاستغنى المصنفون به عن حديث هؤلاء الضعفاء: الأفريقي، وابن لهيعة.
وعبد الله بن سليمان هذا، هو: العبدي البعلبكي، الذي يروي عن الليث بن سعد، قال ابن عدي:"ليس بذاك المعروف"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في المغني:"ليس بذاك القوي"، وقال في الميزان:"فيه شيء"[لكامل (4/ 230)، الثقات (8/ 364 و 369)، تاريخ بغداد (9/ 463)، المغني (1/ 1 34)، الميزان (2/ 432)، اللسان (4/ 490)].
ومحمد بن عيسى بن جابر الرشيدي، وأبوه: لم أقف لأحد فيهما على جرح أو تعديل، ولهما غرائب، وروايته هنا عن أبيه وجادة [انظر: الأنساب (3/ 68)، الإكمال (4/ 139)].
• ولحديث الصدائي طريق أخرى:
قال أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 396): حدثنا الحسن بن علي بن يونس، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا ابن فضالة، عن داود بن ميسرة، عن الصدائى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما يقيم من يؤذن". وكان بلال غائبًا ولم يحضر، فأذَّن الصدائي، فجاء بلال فأراد أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا بلال إن أخا صداء قد أذن، وإنما يقيم من أذن".
هكذا في المطبوع: "داود بن ميسرة"، وذكر ابن حجر هذه الطريق في التهذيب (1/ 644)، والإصابة (2/ 582) فقال:"عبد الغفار بن ميسرة"، وهو الصواب.
قال ابن أبي حاتم في الجرح (6/ 54): "عبد الغفار بن ميسرة: روى عن رجل، عن الصدائي؛ في الأذان، روى عنه: المبارك بن فضالة، سألت أبي عنه؟ فقال: مجهول"[وانظر: اللسان (5/ 229)].
فهذا ليس بشيء؛ عبد الغفار بن ميسرة: مجهول، وبينه وبين الصدائي: رجل مبهم، ومبارك بن فضالة: صدوق، يدلس ويسوي، ولم يصرح بالتحديث، والمتفرد به عن أبي داود الطيالسي: علي بن يونس بن أبان بن علي بن مهران التميمي مولاهم، الأصبهاني: له ترجمة في تاريخ أصبهان (1/ 427)، وتاريخ الإسلام (18/ 363)، ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وفي تفرده عن الطيالسي نكارة ظاهرة، وابنه: الحسن، قال فيه أبو الشيخ الأصبهاني:"كان شيخًا فاضلًا"[طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 624)، تاريخ أصبهان (1/ 317)، تاريخ الإسلام (18/ 363)].
• ونقل مغلطاي في الإعلام بسنته (4/ 1158) أن العسكري أخرجه في كتاب الصحابة، قال: ثنا علي بن الحسين: ثنا علي بن عبيد العسكري: ثنا أيوب بن سليمان:
ثنا مبارك بن فضالة، عن عبد الغفار بن ميسرة، عن رجل، عن زياد الصدائي،
…
فذكره مختصرًا: "إنما يقيم من أذن".
وفي هذه الطريق ذكر الرجل المبهم بين الصدائي وعبد الغفار، وأيوب بن سليمان: الأقرب عندي أنه الحبطي البصري، وليس بالمشهور، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 128)، وترجم له الخطيب في المتفق والمفترق (1/ 461/ 211)، ومن دونه فلم أهتد إليه.
• والحاصل: أن حديث الصدائي لا يصح، وليس له شواهد معتبرة:
فقد روى سعيد بن راشد المازني السماك: ثنا عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير له، فحضرت الصلاة، فنزل القوم فطلبوا بلالًا، فلم يجدوه، فقام رجل فأذن، ثم جاء بلالٌ، فقال القوم: إن رجلًا قد أذن، فمكث القوم هونًا، ثم إن بلالًا أراد أن يقيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"مهلًا يا بلال، فإنما يقيم من أذن".
أخرجه عبد بن حميد (811)، وعباس الدوري في تاريخ ابن معين (4/ 90/ 3295)، وأبو أمية الطرسوسي في مسند ابن عمر (25)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 105)، وابن حبان في المجروحين (1/ 324)، والطبراني في الكبير (12/ 435/ 13590)، وابن عدي في الكامل (3/ 381)، وأبو الشيخ في الأذان (3/ 408 - البدر المنير)(1/ 209/ 308 - التلخيص)، وابن شاهين في الناسخ (166)، والبيهقي (1/ 399)، والخطيب في الأسماء المبهمة (85).
قال ابن معين: "وسعيد السماك الذي يروي: "من أذن فهو يقيم" ليس بشيء"[تاريخ الدوري (4/ 89/ 3294)].
وقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر، وسعيد: ضعيف الحديث" وقال مرة: "متروك الحديث"[علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 122/ 336)].
وقال أبو زرعة لما سئل عن حديث الصدائي وابن عمر: "لا ذا ولا ذاك"[سؤالات البرذعي (517)].
وقال الفسوي في المعرفة (2/ 74) في سعيد السماك بعد حديثه هذا: "وهو ضعيف، ليس حديثه بشيء".
وقال العقيلي: "وقد رُوي هذا المتن بغير هذا الإسناد من وجه صالح" يريد حديث الأفريقي، فهو وإن كان ضعيفًا إلا أنه أصلح من السماك هذا، ويصلح حديثه في الشواهد، بخلاف السماك.
وقال ابن حبان في المجروحين: "ينفرد عن الثقات بالمعضلات، وهو الذي يروي عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أذن فهو يقيم"".
وقال ابن عدي: "ولسعيد بن راشد غير ما ذكرت من الحديث شيء يسير، وراوياته عن عطاء وابن سيرين وغيرهما: لا يتابعه أحد عليه".
وقال البيهقي: "تفرد به سعيد بن راشد، وهو: ضعيف".
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 209): "وسعيد بن راشد هذا: ضعيف، وضعَّف حديثه هذا: أبو حاتم الرازي، وابن حبان في الضعفاء".
قلت: هذا حديث منكر، تفرد به سعيد بن راشد السماك به عن عطاء، والسماك هذا: متروك، منكر الحديث [انظر: اللسان (4/ 48)]، ولم يتابعه عليه إلا من حاله قريب منه:
فقد روى حسام بن مِصَك: ثنا عطاء، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا بلال لا يقيم إلا من أذن".
أخرجه ابن عدي (2/ 435).
وحسام هذا: يُترَك [انظر: التهذيب (1/ 378)].
• ثم رواه من هو أسوأ منهما حالًا، فجعله من مسند ابن عباس:
فقد روى محمد بن الفضل، عن مقاتل بن حيان، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أذن فهو الذي يقيم".
أخرجه ابن عدي (6/ 165).
ومحمد بن الفضل هو: ابن عطية: كذاب، يضع الحديث [انظر: التهذيب (3/ 674)، الميزان (4/ 6)].
• وله طريق أخرى عن ابن عمر:
يرويها الهيثم بن خلف: حدثنا الهيثم بن جميل: حدثنا عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أذن فهو يقيم".
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (14/ 60)، قال: أخبرنا البرقاني: حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعدل الهروي بها: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن المنكدر المنكدري: حدثنا أبو محمد عبدان بن محمد بن عيسى المروزي الفقيه: حدثنا الهيثم بن خلف ببغداد به.
قال عبدان: دخلت مع أحمد بن السكري على هذا الشيخ، فسأله عن هذا الحديث، وسمعته منه، واستغربه جدًّا.
وقال الخطيب: "وما أظنه إلا الهيثم بن خالد الذي ذكرته آنفًا، غير أن في الرواية الهيثم بن خلف بالفاء" قلت: يعني: الهيثم بن خالد القرشي، أبا الحسن البغدادي، فإنه يروي عن الهيثم بن جميل، وهو: لا بأس به، صاحب غرائب [انظر: التهذيب (4/ 297)، الميزان (4/ 321)]، وإن كان الهيثم بن خلف؛ فإنه: لا يعرف، وهو غير الدوري الحافظ، وعبدان: ثقة حافظ، فقيه زاهد [تاريخ بغداد (11/ 135)، تاريخ دمشق (37/ 356)، السير (14/ 13)، تذكرة الحفاظ (2/ 687)، طبقات الشافعية (2/ 297)]، والمنكدري هو: الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني نزل البصرة ثم أصبهان ثم الري ونيسابور: حافظ جوال، على لين
فيه، له أفراد ومناكير وعجائب [تاريخ دمشق (5/ 427)، السير (14/ 532)، التذكرة (3/ 793)، اللسان (1/ 638)]، وأما أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعدل الهروي: فلم أهتد إليه.
فهو حديث منكر، من حديث عبيد الله بن عمر العمري، لا يعرف عنه -فيما وقفت عليه- إلا من هذا الطريق، وفي هذا نكارة ظاهرة.
والمعروف في هذا: هو ما يرويه الهيثم بن أيوب الطالقاني [ثقة]، وعبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي [ثقة]: كلاهما عن عيسى بن يونس، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، عن زياد بن نُعَيم الحضرمي، عن زياد بن الحارث الصُّدائي، وتقدم [دلائل الفريابي. دلائل أبي نعيم. تلخيص المتشابه]، والله أعلم.
• وقد صح من فعل الصحابة في هذا الباب:
ما رواه حفص بن غياث: حدثني الشيباني، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: رأيت أبا محذورة جاء وقد أذن إنسان قبله، فأذن ثم أقام.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 196/ 2242)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 177)، وابن المنذر (3/ 51/ 1216)، والبيهقي (1/ 399).
وهذا إسناد صحيح، والشيباني هو: أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان.
قال يعقوب بن سفيان بعد هذا الحديث: "وعبد العزيز في عداد المكيين، وهو: ثقة، يقوم حديثه مقام الحجة".
وقال البيهقي: "وهذا إسناده صحيح".
واحتج به أحمد؛ قال ابن قدامة في المغني (1/ 249): "فإن سُبِق المؤذنُ بالأذان، فأراد المؤذن أن يقيم؟ فقال أحمد: لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة"، وحكاه ابن المنذر (3/ 52).
• وأخيرًا: فإنه لا يصح مرفوعًا في الباب شيء، والأمر في ذلك واسع، لكن الأفضل أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، لفعل أبي محذورة، فال ابن قدامة:"فإن أقام من غير إعادة فلا بأس، وبذلك قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي".
قال الشافعي: "وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة
…
، وإذا أقام غيره لم يكن يمتنع من كراهية ذلك، وإن أقام غيره أجزأه إن شاء الله تعالى" [الأم (2/ 189 - 190)].
وقال مالك: "لا بأس أن يؤذن رجل ويقيم غيره"[المدونة (1/ 59)].
وقال ابن المنذر (3/ 53) بعد أن سرد الأقوال في المسألة: "كل ذلك يجزئ، وحديث الأفريقي غير ثابت، وأحب إلينا أن يقيم من أذن"، وتقدم نقل كلام الأئمة قريبًا بعد حديث الأفريقي.
***