المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ 680)].***61 -باب من أحق بالإمامة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٦

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌29 - باب في الإقامة

- ‌30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

- ‌31 - باب رفع الصوت بالأذان

- ‌32 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهُد الوقت

- ‌33 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌34 - باب في المؤذن يستدير في أذانه

- ‌35 - باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌37 - باب ما يقول إذا سمع الإقامة

- ‌38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌3).***39 -باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌40 - باب أخذ الأجر على التأذين

- ‌41 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌42 - باب الأذان للأعمى

- ‌43 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌44 - باب في المؤذن ينتطر الإمام

- ‌4).***45 -باب في التثويب

- ‌46 - باب في الصلاة تُقام ولم يأتِ الإمام ينتظرونه قعودًا

- ‌47 - باب في التشديد في ترك الجماعة

- ‌48 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌49 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌51 - باب ما جاء في الهدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌52 - باب في من خرج يريد الصلاة فسُبِقَ بها

- ‌53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌54 - باب التشديد في ذلك

- ‌55 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌56 - باب في الجَمع في المسجد مرتين

- ‌57 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

- ‌58 - باب إذا صلى في جماعةٍ ثم أدرك جماعةً، أيعيد

- ‌59 - باب في جماع الإمامة وفضلها

- ‌60 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌ 680)].***61 -باب مَن أحق بالإمامة

- ‌62 - باب إمامة النساء

- ‌63 - باب الرجل يَؤمُّ القوم وهم له كارهون

- ‌64 - باب إمامة البَرِّ والفاجر

- ‌65 - باب إمامة الأعمى

- ‌66 - باب إمامة الزائر

- ‌67 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفعَ من مكان القوم

- ‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

الفصل: ‌ 680)].***61 -باب من أحق بالإمامة

قال أبو داود: "خرشة بن الحر: له صحبة، وأخته سلامة بنت الحر: لها صحبة، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يقوم الناس لا يجدون من يصلي بهم" [سؤالات الآجري (248)].

قلت: هذا إسناد ضعيف.

عقيلة الفزارية: قال الذهبي في الميزان (3/ 88): "فيها جهالة، معدودة في التابعين"، وقال في موضع آخر (4/ 608):"لا تُعرف"، وقال ابن حجر في التقريب (767):"لا يُعرف حالها" "وانظر: المغني (2/ 438)، التهذيب (4/ 682)].

وطلحة أم غراب: قال ابن معين: "أم غراب التي روى عنها وكيع: هي جدة علي بن غراب"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 533/ 2609)]، وذكرها ابن حبان في الثقات، على عادته في توثيق المجاهيل، وقال ابن حجر في التقريب (766):"لا يُعرف حالها" [توضيح المشتبه (5/ 224)، [التهذيب (4/‌

‌ 680)].

***

61 -

باب مَن أحق بالإمامة

582 -

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا شعبة: أخبرني إسماعيل بن رجاء: سمعت أوس بن ضَمْعَجٍ يحدِّث عن أبي مسعود البدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، وأقدمُهم قراءةً، فإن كانوا في القراءة سواءً: فليؤمَّهم أقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءٌ: فليؤمَّهم أكبرهم سنًّا، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في بيته، ولا في سلطانه، ولا يُجلَسُ على تَكْرِمَتِه: إلا بإذنه".

قال شعبة: فقلت لإسماعيل: ما تَكْرِمتُه؟ قال: فِراشه.

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق أبي الوليد الطيالسي:

ابن حبان (5/ 516/ 2144)، والطبراني في الكبير (17/ 223/ 613)، والبيهقي في السنن (3/ 125)، والرافعي في التدوين (2/ 131) و (3/ 355).

***

583 -

قال أبو داود: حدثنا ابن معاذ: ثنا أبي: ثنا شعبة، بهذا الحديث، قال فيه:"ولا يؤُمُّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه".

قال أبو داود: وكذا قال يحيى القطان، عن شعبة:"أقدمُهم قراءةً".

• حديث صحيح.

• لم أقف على مَن أخرجه مِن طريق معاذ بن معاذ العنبري غير أبي داود.

ص: 514

• وأخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان:

النسائي في المجتبى (2/ 77/ 783)، وفي الكبرى (1/ 420/ 860)، وأحمد (4/ 121)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 266/ 1505).

• ورواه أيضًا عن شعبة به مثل ما تقدم:

محمد بن جعفر غندر، وأبو داود الطيالسي، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي، وعفان بن مسلم، وإسماعيل بن علية، ويزيد بن زريع، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن الجعد، ويزيد بن هارون، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وسعيد بن عامر، وحجاج بن المنهال، ومحمد بن كثير العبدي، وحجاج بن محمد الأعور، وعبد الله بن إدريس، وسليمان بن حرب، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو زيد الهروي سعيد بن الربيع، وسهل بن بكار [وهم: تسعة عشر رجلًا من أصحاب شعبة الثقات] [غير الثلاثة الذين تقدم ذكرهم]:

أخرجه مسلم (673/ 291)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 266/ 1505)، وابن ماجه (980)، وابن خزيمة (3/ 4 و 10/ 1507 و 1516)، وابن حبان (5/ 516/ 2144)، وأحمد (4/ 118 و 121)، والطيالسي (2/ 13/ 652)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 449)، والدولابي في الكنى (1/ 276/ 487)، وأبو العباس السراج في مسنده (1294)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1257)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (857 و 858)، والطحاوي في المشكل (2/ 154 - 155/ 773 - ترتيبه)(10/ 113/ 3958)، والطبراني في الكبير (17/ 223 و 224/ 613 و 616)، وابن عدي في الكامل (1/ 76)، وابن حزم في المحلى (4/ 207)، والبيهقي في السنن (3/ 125)، والجرجاني في جزئه (8)، وابن حجر في التغليق (2/ 292).

ولفظ غندر [عند مسلم]: "يَؤُمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءةً، فإن كانت قراءتهم سواءً: فليؤمَّهم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً: فليؤمَّهم أكبرهم سنًّا، ولا تَؤُمَّنَّ الرجلَ في أهله، ولا في سلطانه، ولا تجلسْ على تكرمته في بيته: إلا أن يأذن لك، أو: بإذنه".

• تنبيه:

قال أبو عوانة: وزاد حجاج [يعني: ابن محمد] أيضًا: "فليؤمهم أعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً فأقدمهم هجرةً".

قلت: إن كان محفوظًا عن حجاج هكذا [وهو: ثقة ثبت]، فقد دخل له حديث في حديث، فإن هذه الزيادة إنما تُحفظ من حديث الأعمش، وليست من حديث شعبة، لم يروها عنه أحد من أصحابه المقدَّمين فيه، وقد سميت منهم فيما تقدم: واحدًا وعشرين رجلًا من ثقات أصحابه.

***

ص: 515

584 -

. . . الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج الحضرمي، قال: سمعت أبا مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث، قال:"فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمُهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً، فأقدمُهم هجرةً"، ولم يقلْ:"فأقدمُهم قراءةً".

قال أبو داود: رواه حجاج بن أرطاة، عن إسماعيل، قال:"ولا تقعدْ على تَكرِمة أحدٍ إلا بإذنه".

• حديث صحيح.

• حديث الأعمش رواه عنه به هكذا:

سفيان الثوري، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، وزائدة بن قدامة، ومحمد بن فضيل، وزهير بن معاوية، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة، وحفص بن غياث، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي [وهم اثنا عشر رجلًا من ثقات أصحاب الأعمش، وفيهم أثبت أصحابه كالثوري وأبي معاوية]، وأبو بدر شجاع بن الوليد [لا بأس به]، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث [صدوق، كثير الخطأ]، وعمرو بن عبد الغفار [الفقيمي: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع. انظر: اللسان (6/ 215)، والراوي عنه: يحيى بن أبي طالب: وثقه بعضهم، وتكلم فيه آخرون. انظر: اللسان (8/ 452)]:

ورواه فضيل بن عياض، وجرير بن حازم، ومعمر بن راشد [غير أنهم قدموا الهجرة على العلم بالسنة، فوهموا، ولم يكونوا بالحفاظ من أصحاب الأعمش]:

ورواه أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان [صدوق، وقد اختلفت الرواية عنه، فمنهم من قال: "سِلْمًا"، ومنهم من قال: "سنًّا" كالجماعة، وهو الصواب]:

ورواه أبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع [صدوق يهم]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، ومندل بن علي [ضعيف] [وقد خلَّطوا في روايتهم]:

أخرجه مسلم (673/ 290)، وأبو عوانة (1/ 376 و 377/ 1363 و 1364 و 1366)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 266/ 1504)، وأبو داود (584)، والترمذي (235 و 2772)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(2/ 71/ 218 و 219)، والنسائي في المجتبى (2/ 77/ 780)، وفي الكبرى (1/ 418/ 857)، وابن خزيمة (3/ 4/ 1507)، وابن حبان (5/ 500 - 501/ 2127) و (5/ 505/ 2133)، وابن الجارود (308)، والحاكم (1/ 243)، وأحمد (4/ 121) و (5/ 272)، وعبد الرزاق (2/ 389/ 3808 و 3809)، والحميدي (457)، وابن أبي شيبة (1/ 301/ 3451)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 449)، وأبو العباس

ص: 516

السراج في مسنده (1293)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1256)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (861)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 148/ 1930)، والطحاوي في المشكل (10/ 110 و 111/ 3954 و 3955)، والطبراني في الكبير (17/ 218 - 222/ 600 - 612)، والدارقطني (1/ 280)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 114)، وأبو الفضل عبد الرحمن الرازي في فضائل القرآن (60)، وابن حزم في المحلى (4/ 207)، والبيهقي في السنن (3/ 90 و 119 و 125)، وفي المعرفة (2/ 397/ 1535)، وفي المدخل إلى السنن (54)، والبغوي في شرح السنة (3/ 395/ 832)، وقال:"هذا حديث صحيح". والجوزقاني في الأباطيل (2/ 32/ 400)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 219)، وابن الجوزي في التحقيق (716).

ولفظ أبي معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَؤُمَّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأكبرهم سنًّا، ولا يُؤَمَّنَّ رجلٌ في سلطانه، ولا يُجلَسْ على تَكرِمته: إلا أن يأذن" وفي رواية له: "ولا تَؤُمَّنَّ رجلًا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته: حتى يأذن لك"[أحمد].

• ومن الألفاظ التي وهم فيها رواتها، وخالفوا فيها الأثبات من أصحاب الأعمش:

أ - لفظ جرير بن حازم: "يؤم القوم أكثرهم قرآنًا، فإن كانوا في القرآن واحدًا فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة واحدًا فأفقههم فقهًا، فإن كان الفقه واحدًا فأكبرهم سنًّا"[الطبراني (606)، الدارقطني. المستدرك. سنن البيهقي].

قال الحاكم: "قد أخرج مسلم حديث إسماعيل بن رجاء هذا، ولم يذكر فيه: "أفقههم فقهًا"، وهذه لفظة غريبة عزيزة بهذا الإسناد الصحيح، وله شاهد من حديث الحجاج بن أرطأة".

وقال البيهقي: "كذا قاله جرير بن حازم عن الأعمش، ورواه جماعة عن الأعمش على اللفظ الأول".

قلت: هي لفظة منكرة، تفرد بها جرير بن حازم عن الأعمش دون أصحابه الثقات على كثرتهم، وقد تفرد به عن جرير بن حازم: الليث بن سعد، مما يدل على أنه إنما حدَّث بهذا الحديث بمصر، وعلى هذا فيُعدُّ من أوهام جرير مما حدث به بمصر على الوهم، قال الإمام أحمد:"جرير بن حازم: حدث بالوهم بمصر، ولم يكن يحفظ"[التهذيب (1/ 294)].

ب - رواه أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان [صدوق]، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسُّنة،

ص: 517

فإن كانوا في السُّنة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سِلْمًا، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعدْ في بيته على تكرمته: إلا بإذنه".

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 301/ 3451)، وعنه: مسلم (673/ 290)، وأبو نعيم في المستخرخ (2/ 266/ 1504).

هكذا رواه ابن أبي شيبة عن أبي خالد به، فقال:"سِلْمًا" بدل: "سنًّا".

واختلفت الرواية فيه عن ابن أبي شيبة:

فهكذا رواه في المصنف، وعنه مسلم في صحيحه، وعبيد بن غنام كما في المستخرج.

ورواه عنه: عبيد بن غنام أيضًا، والحسن بن سفيان، كلاهما عنه به، فقالا:"سنًّا"[والكل ثقات].

أخرجه ابن حبان (5/ 505/ 2133)، والطبراني في الكبير (17/ 222/ 611)، والبيهقي في السنن (3/ 125).

ورواه أبو سعيد الأشج عن أبي خالد به، فقال:"سنًّا"، كالجماعة، وهو الصواب.

أخرجه مسلم (673/ 290).

• وأما حديث حجاج بن أرطأة:

فأخرجه الطبراني في الكبير (17/ 224/ 617)، والدارقطني (1/ 280)، والحاكم (1/ 243).

من طريق: المنذر بن الوليد الجارودي: ثنا يحيى بن زكريا بن دينار الأنصاري: ثنا حجاج بن أرطأة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن عقبة بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ القوم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأفقههم في الدين، فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن، ولا يَؤُمُّ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه".

زاد عند الدارقطني: وكان يسوي مناكبنا في الصلاة، ويقول:"لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم".

هكذا رواه حجاج فوهم في متنه، ولم يضبطه، وأتى فيه بزيادة ليست من حديث إسماعيل بن رجاء، فلعله دخل له حديث في حديث، كما أنه قد عنعنه ولم يصرح فيه بسماع، فلعله دلسه عن مجروح، أو مجهول، وحجاج: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين [انظر: الحديث رقم (520)، الشاهد رقم (7)]، والذي يظهر لي -والله أعلم- أنه ليس محفوظًا من حديث حجاج، فإنه لم يروه عنه سوى يحيى بن زكريا بن دينار الأنصاري الكوفي، وهو في عداد المجهولين، لم يترجم له البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا ابن حبان، ولم أقف فيمن روى عنه سوى المنذر بن الوليد الجارودي وإسحاق بن إبراهيم الصواف ومحمد بن يحيى الصولي، والله أعلم.

ص: 518

• هكذا روى شعبة هذا الحديث عن إسماعيل بن رجاء، فقدم في صفات الإمام: القراءة، ثم الهجرة، ثم السن، ولم يذكر العلم بالسنة.

ورواه الأعمش فذكر الصفات على ترتيبها غير أنه زاد صفة بينها، ورتبها هكذا: القراءة، ثم العلم بالسنة، ثم الهجرة، ثم السن.

• وممن تابع شعبةَ على روايته:

أ - المسعودي، قال: حدثنا إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود البدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنًّا، ولا يُؤَم أميرٌ في بيته، ولا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته حتى يأذن لك".

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1295)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1258)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (863)، والطحاوي في المشكل (10/ 112/ 3957)، والطبراني في الكبير (17/ 223/ 614)، والبيهقي في السنن (3/ 125)، والمزي في التهذيب (3/ 392).

رواه عن المسعودي: أبو داود الطيالسي، وعبد الله بن المبارك، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ويعلى بن عبيد الطنافسي، وعلي بن عاصم.

قلت: أما أبو داود وعلي بن عاصم فسماعهما من المسعودي بعد الاختلاط، كما صرح بذلك الأئمة، وأما يعلى بن عبيد فمن أهل الكوفة، ومن طبقة وكيع وأبي نعيم ممن سمع من المسعودي قبل الاختلاط، وقد ذكر الإمام أحمد أن من سمع منه بالكوفة فقبل الاختلاط، وابن المبارك قديم الوفاة، وهو أكبر من وكيع وأبي نعيم، وكذا أبو عبد الرحمن المقرئ فمن طبقة أبي نعيم، ورواية المسعودي هذه مستقيمة، لم يهِم فيها لا في المتن ولا في الإسناد، فقد تابع فيها أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج، وفي ذلك دليل على أنها من صحيح حديثه، والله أعلم.

ب - إدريس بن يزيد الأودي [ثقة]، عن إسماعيل به، مثل رواية شعبة، غير أنه لم يذكر:"أقدمُهم قراءةً".

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 224/ 616)، بإسناد صحيح إلى إدريس، مقرونًا بشعبة.

• وممن تابع الأعمش على روايته:

أ - فطر بن خليفة [ثقة]، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت القراءة واحدةً فأعلمهم بالسنة، فإن كانت السنة واحدةً فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانت الهجرة واحدةً فليؤمهم أكبرهم سنًّا، ولا يؤُمَّنَّ رجلٌ رجلًا في بيته، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه".

ص: 519

أخرجه ابن خزيمة (3/ 4/ 1507)، والطبراني في الكبير (17/ 618/224 و 619)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2149/ 5402)، والبغوي في شرح السنة (3/ 395/ 833)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 219).

هكذا رواه عن فطر: سفيان الثوري [ثقة ثبت، حافظ إمام، أمير المؤمنين في الحديث]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، ومحمد بن يوسف الفريابي [ثقة]، وخلاد بن يحيى [صدوق][إلا أنه لم يذكر الهجرة]، وعمرو بن عبد الغفار [الفقيمي: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع. انظر: اللسان (6/ 215)، والراوي عنه: يحيى بن أبي طالب: وثقه بعضهم، وتكلم فيه آخرون. انظر: اللسان (8/ 452)].

وخالفهم: خالد بن عبد الرحمن الخراساني [لا بأس به]، فرواه عن فطر به؛ إلا أنه خالف في ترتيب الصفات، فقدم القراءة، ثم الهجرة، ثم العلم بالسنة، ثم السن.

أخرجه الطحاوي في المشكل (10/ 113/ 3959)، وتمام في الفوائد (1700).

قلت: رواية خالد هذه: خطأ محض، والصواب: رواية الجماعة، وفيهم الإمامان الحافظان الكبيران سفيان ووكيع، فإنهما أكثر حفظًا وضبطًا، وأعلى منزلة ومكانة، وأكبر سنًّا، وأقدم سماعًا من فطر بن خليفة.

ب - الحسن بن يزيد الأصم [لا بأس به]، قال: سمعت إسماعيل بن رجاء، يحدث عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة".

أخرجه يعقوب الفسوي في المعرفة (1/ 450)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (864).

ج - زيد بن أبي أنيسة [ثقة حافظ]، رواه عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره بنحو حديث الأعمش.

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 225/ 621)، بإسناد ضعيف إلى زيد، فيه: أبو فروة يزيد بن سنان بن يزيد التميمي الرهاوي، وهو: ضعيف، وابنه محمد: ليس بالقوي.

• وخالفهم:

محمد بن جحادة [ثقة]، فرواه عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن عقبة بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا في السن سواء فأقرؤهم".

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1297)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1260)، والطحاوي في المشكل (10/ 112/ 3956)، والطبراني في الكبير (17/ 223/ 615) [وتصحف في المطبوع: جحادة إلى عبادة]، وفي الأوسط (4/ 308/ 4282).

وهذه الرواية: وهمٌ بتأخير القراءة عن الهجرة والسن، وإنما هي مقدمة عليهما، وهو

ص: 520

المحفوظ، كما في رواية: شعبة، والأعمش، والمسعودي، وفطر بن خليفة، وإدريس بن يزيد الأودي، والحسن بن يزيد الأصم.

• وممن رواه أيضًا عن إسماعيل بن رجاء، ولا يثبث عنه: مسعر بن كدام، وأبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث.

انظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 247/ 4948).

• ورواه أيضًا عن أوس بن ضمعج، فتابع الأعمش ومن معه على الزيادة:

إسماعيل بن عبد الرحمن السدي [صدوق يهم]، رواه عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في العلم سواءً فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سنًّا، ولا يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعدْ على تكرمته في بيته: إلا بإذنه".

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (91 - 92)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (864)، والطبراني في الكبير (17/ 225/ 620)، وابن عدي في الكامل (2/ 326)، والخطيب في التاريخ (7/ 450).

من طرق عن الحسن بن يزيد الأصم: ثنا إسماعيل السدي به.

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 92/ 248): "أليس قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج؟ قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي، وهو شيخ! أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف ألا يكون محفوظًا".

يعني: من حديث السدي، وإلا فإن أبا حاتم يحتج بالحديث، وهو نفسه ممن وثق إسماعيل بن رجاء؛ فلا يضره تفرده.

وأنكره ابن عدي على الحسن بن يزيد، وقال: "ولم يرو هذا الحديث عن السدي غير الحسن بن يزيد هذا، ومدار هذا الحديث على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج، وكان شعبة يقول في هذا إذا حدث به عن إسماعيل بن رجاء: هو ثلث رأس مالي.

قال ابن عدي: ولا يقول في هذا الحديث: "فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة" إلا الحسن بن يزيد عن السدي عن أوس بن ضمعج، ورواه زهير عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج مثله".

قلت: هذه الزيادة ثابتة في هذا الحديث عن إسماعيل بن رجاء، رواها عنه: الأعمش، وفطر بن خليفة، وغيرهما، وأخرجها مسلم من طريق الأعمش، ولم أقف على طريق زهير عن إسماعيل.

وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أنكر على الحسن بن يزيد تفرده بقوله: أوس بن ضبعج، بالباء الموحدة بدل الميم، لا لأجل تفرده به عن السدي، قال الإمام أحمد لما سئل عنه: "ثقة، ليس به بأس؛ إلا أنه حدث عن السدي عن أوس بن ضبعج، كذا كان

ص: 521

يقول" [العلل ومعرفة الرجال (1/ 387/ 764)، التاريخ الكبير (2/ 17)، الجرح والتعديل (3/ 43)، تاريخ أسماء الثقات (200)، تاريخ بغداد (7/ 450)].

وانظر في الأوهام أيضًا: تاريخ أصبهان (2/ 223).

• وحاصل ما تقدم:

فإن حديث أبي مسعود هذا: حديث صحيح، قد صححه: مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، والبغوي، والجوزقاني.

وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، قبل الحديث رقم (692).

لكن سئل أبو حاتم عن هذا الحديث، فقال:"قد اختلفوا في متنه، رواه فطر والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة".

ورواه شعبة والمسعودي، عن إسماعيل بن رجاء، لم يقولوا:"أعلمهم بالسنة".

قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان، من حسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث، يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يشاركه أحد.

قال أبي: شعبة أحفظ من كلهم.

قال أبو محمد: أليس قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج؟ [قلت: يعني بهذه الزيادة]، قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي، وهو شيخ، أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف ألا يكون محفوظًا" [العلل (1/ 92/ 248)]، قلت: يعني: من حديث السدي.

قال ابن رجب في الفتح (4/ 134): "وفي ألفاظ هذا الحديث اختلاف، وقد توقف فيه أبو حاتم الرازي، وحكى عن شعبة، أنه كان يهابه؛ لتفرد إسماعيل بن رجاء به عن أوس".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 170): "وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري، وقد علق منه طرفًا بصيغة الجزم كما سيأتي، واستعمله هنا في الترجمة، وأورد في الباب ما يؤدى معناه".

وقال الدارقطني في الأفراد (2/ 247/ 4948): "قال نصر بن حماد الوراق: سمعت شعبة ينازع عبد الله بن إدريس حتى غضبا في حديث أوس عن أبي مسعود: "يؤم القوم"، قال شعبة: أنا والله أستخير الله فيه منذ سنة أن أدَعَه، قال عبد الله: اتقي، لا تُجَنّ، حديث رواه الناس عنه: إسماعيلُ بن أبي خالد وأبو إسحاق ومسعر، فقال شعبة: لا يكون هذا حديث سُنَّة، يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس في الدنيا شيء يشبهه، فلا يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو مسعود، ولا يسمعه منه إلا أوس".

وفي هذا إنكار صريح من شعبة لهذا الحديث، ولا ينبغي أن يصدر مثله عن شعبة،

ص: 522

ففي الصحيح من السنن من هذا كثير، والعبرة بضبط الرواة لما نقلوه، لا سيما وله شواهد، وليس في معناه ما يستنكر، ومثل هذا لا يصح عن شعبة، فراويه عنه: نصر بن حماد الوراق: متروك، ذاهب الحديث، منكر الحديث عن شعبة، له عنه أوابد، وكذبه ابن معين [الكامل (7/ 38)، تاريخ بغداد (13/ 281)، الميزان (4/ 250)، التهذيب (4/ 217)].

وأما ما نقله أبو حاتم عن شعبة من أنه كان يهاب هذا الحديث فلا يعني ذلك إنكاره له، وتضعيفه إياه، وإلا لصرح بذلك، ولما احتج أبو حاتم بعد ذلك بهذا الحديث لما سأله ابنه عن كيفية الجمع بين حديث أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم"، وبين حديث مالك بن الحويرث: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر، فقال:"إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم"، فقال لأبيه: قد اختلف الحديثان؛ فقال أبو حاتم: "حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين"[العلل (1/ 91/ 247)].

بل إن شعبة كان يعتد بهذا الحديث، ويعتبره ثلث رأسماله، قال أبو زيد الهروي: سمعت شعبة يقول: رأسمالي في الحديث أربعة أحاديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" حديث أبي مسعود الأنصاري، وحديث عبد الله بن دينار: نهى عن بيع الولاء وعن هبته، وحديث البراء في الأضاحي، قال أبو زيد: ونسيت الرابع [الجامع لأخلاق الراوي (1/ 225/ 428)، وانظر أيضًا (2/ 121/ 1364)].

وقال مرة أخرى: قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي، ولم يلق الثوري إسماعيل بن رجاء [الجعديات (858)].

ورواه ابن عدي من طريق أبي زيد الهروي، ثم قال: قال شعبة: وهذا الحديث ثلث رأس مالي [الكامل (1/ 76)، وانظر أيضًا (2/ 326)].

وهذه قرينة قوية تؤكد كون شعبة لم يكن ينكر هذا الحديث، ولم يكن يضعفه، بل كان يراه ثلث رأسماله يفتخر به على الثوري، حيث لم يحمله الثوري إلا عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، فنزل في إسناده درجة، وأما شعبة فكان إسناده أعلى من الثوري بدرجة، حيث يرويه عن إسماعيل بلا واسطة.

وقرينة أخرى وهي ثناء شعبة على حفظ أوس بن ضمعج، وهو المتفرد بهذا الحديث، فقد روى شبابة، قال: نا شعبة، وذُكر عنده أوس بن ضمعج، فقال: والله ما أراه كان إلا شيطانًا، يعني: لجودة حديثه [الجعديات (862)، الجرح والتعديل (1/ 133)، الجامع لأخلاق الراوي (2/ 101/ 1298)][وذكرها المزي في ترجمة أوس بن ضمعج من التهذيب (3/ 390)].

وعلى فرض أن شعبة أراد بذلك إعلال الحديث، فقد خالفه هؤلاء الأئمة الذين صححوه، وعلى رأسهم الإمام مسلم.

وأما زيادة: "أعلمهم بالسنة"، فقد رواها حافظ كبير، لو تفرد بزيادة أو بحديث أو

ص: 523

بسنة لم تأت إلا من طريقه لقبلناها، فإن الأعمش أحد من يدور عليهم إسناد الكوفة والعراق، قال ابن المديني:"حفظ العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستة: عمرو بن دينار بمكة، والزهري بالمدينة، وأبو إسحاق السبيعي والأعمش بالكوفة، وقتادة ويحيى بن أبي كثير بالبصرة"، وكان ثقة ثبتًا حافظًا، إمامًا في الحديث والقرآن والفرائض، بل إن شعبة كان يسميه المصحف لشدة ضبطه وإتقانه، فكيف ولم ينفرد بهذه الزيادة، بل تابعه عليها ثقتان.

وقد احتج الإمام أحمد بحديث الأعمش هذا وزيادته، ففي رواية ابنه صالح (536):"وقال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة"، فينبغي للذي يقرأ القرآن أن يتعلم من السنة ما يقيم به صلاته؛ فهو حينئذ أولى بالصلاة"، وقال مثله في رواية ابنه عبد الله (393).

• وقد روي بعض هذا الحديث من حديث:

1 -

أنس بن مالك:

يرويه: ابن جريج، قال: قال لي عبد الملك: أن أنس بن مالك قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَؤُمُّ القومَ أقرؤهم للقرآن".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 390/ 3810)، وعنه: أحمد (3/ 163).

وعبد الملك هذا، قال عنه أبو حاتم:"مجهول"، وذَكر له هذا الحديث، وقاله أيضًا في العلل لما سئل عن هذا الحديث وراويه [الجرح والتعديل (5/ 376)، العلل (1/ 167/ 476)].

فهو حديث ضعيف.

2 -

أبي هريرة:

يرويه معلى بن الفضل، قال: نا الحسن بن علي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله".

أخرجه البزار (15/ 314/ 8847).

قال البزار: "وهذان الحديثان لا نعلم رواهما عن الحسن بن علي عن الأعرج عن أبي هريرة إلا معلى بن الفضل، وهو: رجل بصري، لا بأس به، والحسن بن علي هذا لا نعلم روى عنه إلا: أبو قتيبة والمعلى بن الفضل، وكل ما رواه عن الأعرج عن أبي هريرة فلا نعلم أحدًا شاركه فيه إلا حديث "لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره"".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به الحسن بن علي النوفلي الهاشمي عن الأعرج دون أصحابه المشاهير الثقات على كثرتهم، والحسن بن علي هذا: منكر الحديث؛ قليل الحديث جدًّا، يروي عن الأعرج مناكير [انظر: التهذيب (2/ 280)، الميزان (1/ 505)، وتقدم له شاهد تحت الحديث رقم (167)]، ومعلى بن الفضل: قال ابن عدي: "وفي بعض رواياته نكرة"، وذكره ابن حبان في الثقات [اللسان (8/ 113)، الكامل (6/ 374)].

3 -

أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري:

ص: 524

يرويه عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز أبو خالد القاضي من ولد عتاب بن أسيد: أنبأ أبو عاصم: أنبأ عزرة بن ثابت، عن علباء بن أحمر، عن أبي زيد الأنصاري -وهو عمرو بن أخطب- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، فإن كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجهًا".

أخرجه ابن حبان في الثقات (8/ 397)، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (4/ 280)، والبيهقي (3/ 121).

قال ابن حبان: "هذا حديث منكر، لا أصل له، ولعله أُدخل عليه فحدث به".

وقال أبو أحمد الحاكم: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد، لا يحتمله أبو عاصم مع جلالته"، وكان قال قبلُ في عبد العزيز:"روى عن أبي عاصم ما لم يتابع عليه".

وأشار البيهقي إلى تضعيفه، فقال:"إن صح الخبر".

وذكره النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (2446).

4 -

ابن عمر:

وروى أبو عصمة نوح بن أبي مريم [متروك، ذاهب الحديث، متهم، كذبه غير واحد. التهذيب (4/ 247)]، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله".

أخرجه ابن عدي (7/ 41).

وهذا حديث موضوع.

5 -

عبد الله بن حنظلة الغسيل:

يرويه إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله: ثنا المسيب بن رافع ومعبد بن خالد، عن عبد الله بن يزيد الخطمي -وكان أميرًا على الكوفة-، قال: أتينا قيس بن سعد بن عبادة في بيته فأذن [المؤذن] بالصلاة، فقلنا لقيس: قم فصل لنا، قال: إني لم أكن لأصلي بقوم لم أكن عليهم أميرًا، فقال رجل ليس بدونه يقال له: عبد الله بن حنظلة الغسيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل أحق بصدر دابته، وبصدر فراشه، وأحق أن يؤم في رحله"، قال قيس عند ذلك لمولى له: قم فصل لهم.

أخرجه الدارمي (2/ 371/ 2666)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 243/ 2246)، والبزار (8/ 308/ 3380)، والطبراني في الأوسط (1/ 280/ 913)، والبيهقي (3/ 125)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 419).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم له طريقًا عن عبد الله بن حنظلة إلا هذا الطريق".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المسيب ومعبد إلا إسحاق، ولا يُروى عن عبد الله بن حنظلة إلا بهذا الإسناد".

قلت: هو حديث ضعيف جدًّا؛ إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 130)].

ص: 525

• ولحديث عبد الله بن حنظلة شواهد لا تصح أيضًا من حديث:

فاطمة رضي الله عنها[عند: ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 769/ 3323 - السفر الثاني)، والدولابي في الذرية الطاهرة (180)، والطبراني في الكبير (22/ 414/ 1025)، وابن حجر في الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع (36)، وفي التغليق (5/ 79)]، وجابر بن عبد الله [عند: ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 972/ 4169 - السفر الثاني)]، وجابر بن زيد [عند: أبي نعيم في الحلية (3/ 90)]، وابن عمر [عند: أبي نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 170)].

• وروي بعض حديث أبي مسعود أيضًا في أثناء حديث حطان الرقاشي عن أبي موسى الأشعري في صفة الصلاة وذكر التشهد، ويأتي تخريجه مطولًا في موضعه من السنن -إن شاء الله تعالى- برقم (972).

• وروي عن عائشة قولها، بزيادة منكرة، ولا يصح عنها:

قالت عائشة: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في ذلك سواءً فليؤمهم أحسنهم وجهًا.

أخرجه البخاري في الكنى من التاريخ (53)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (92).

من طريق هشيم بن بشير، قال: أخبرنا أبو عبد الجليل، عن عبد الله بن فروخ، عن عائشة.

وهذا منكر؛ تفرد به أبو عبد الجليل هذا عن عبد الله بن فروخ، وأبو عبد الجليل هو: عبد الله بن ميسرة [اتفقوا على تضعيفه، وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يتابع عليه". التهذيب (2/ 441)]، قال ابن معين:"أبو إسحاق الكوفي الذي روى عنه هشيم، هو: عبد الله بن ميسرة، وهو: ضعيف الحديث، وقد روى عنه وكيع، وربما قال هشيم: حدثنا أبو عبد الجليل، وهو عبد الله بن ميسرة، كان يدلسه بكنية أخرى لا أحفظها"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 264/ 1241)، وانظر أيضًا (1367 و 1622)]، وتبعه على ذلك العقيلي وابن عدي والخطيب [الضعفاء (2/ 308)، الكامل (4/ 171)، موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 214)]، وخفي هذا على غيرهم؛ فقال أحمد:"لا ندري من هو"، وقال أبو حاتم:"مجهول"، وذكره ابن حبان في الثقات [سؤالات أبي داود (74)، الجرح والتعديل (9/ 406)، الثقات (7/ 665)].

قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 25): "وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث سوء، ليس بصحيح".

• وروى محمد بن الحسين البُرجلاني في الكرم والجود (17)، وعنه: ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (185):

بإسناد جيد إلى سعيد بن أبي هلال: أن نفرًا أرادوا سفرًا، فأتوا عائشة رضي الله عنها، فقالوا:

ص: 526

يا أم المؤمنين من يؤمنا؟ قالت: أقرؤكم لكتاب الله، قالوا: كلنا في القراءة سواء، قالت: فأعلمكم بالسنة، قالوا: كلنا في السنة سواء، قالت: فأقدمكم في الهجرة، قالوا: كلنا في الهجرة سواء، قالت: فأحسنكم وجهًا، عسى أن يكون أحسنكم خلقًا.

وهذا موقوف على عائشة بإسناد منقطع؛ إن لم يكن معضلًا، فإن سعيد بن أبي هلال وُلد بعد وفاة عائشة بزمان [أكثر من عشر سنوات]، ولم يدرك أبا سلمة بن عبد الرحمن [وهو ممن يروي عن عائشة] [انظر: المراسيل (267)، التهذيب (2/ 48)، تحفة التحصيل (129)] [وانظر: علل ابن أبي حاتم (1/ 89 - 90/ 240)].

• وروي مرفوعًا، من طريقين عن هشام بن عروة:

الأول: يرويه الحضرمي، قال: حدثنا حسان بن يوسف التميمي، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يَؤُمُّ القوم أحسنهم وجهًا".

أخرجه الجوزقاني في الأباطيل (2/ 31/ 399)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 24).

قال الجوزقاني: "هذا حديث منكر، وإسناده ضعيف، والحضرمي الذي روى عن حسان: مجهول".

وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع، ومحمد بن مروان هو السدي الصغير، قال يحيى: ليس بثقة، والحضرمي مجهول".

قلت: هو كما قال ابن الجوزي، ومحمد بن مروان السدي الصغير: متهم بالكذب.

والثاني: يرويه حسين بن المبارك، عن إسماعيل بن عياش، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليؤمكم أحسنكم وجهًا؛ فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقًا".

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 364)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 326)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 25) معلقًا.

قال ابن عدي بعد أن أخرج عدة أحاديث بهذا الإسناد، فقال عن آخرها:"وهذا الحديث منكر المتن، وإن كان عن إسماعيل بن عياش؛ لأن إسماعيل يخلط في حديث الحجاز والعراق، وهو ثبت في حديث الشام، والبلاء في هذا الحديث من الحسين بن المبارك هذا، لا من إسماعيل بن عياش"، وقال أيضًا:"حدث بأسانيد ومتون منكرة عن أهل الشام".

وقال ابن الجوزي: "والبلاء فيه من حسين؛ فإنه يحدث بمنكرات".

قلت: هو حديث موضوع أيضًا، حسين بن المبارك الطبراني: متهم، روى أحاديث كذب [تاريخ دمشق (14/ 327)، تاريخ الإسلام (18/ 245)، اللسان (3/ 110 و 209)].

ثم وجدت ابن عساكر أخرجه في تاريخه (53/ 274)، بإسناد ثالث، لكنه إسناد مظلم.

ص: 527

قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الضعيفة (2/ 76/ 608) بعد أن حكم على الحديث بالوضع: "واعلم أنه ليس في الشرع ما يدل على أن هناك ارتباطًا بين حسن الوجه وحسن الخلق، فقد يتلازمان وقد ينفكان، وقد روى أحمد في مسنده (3/ 492) أن أبا لهب لعنه الله كان وضيء الوجه من أجمل الناس، بل قال ابن كثير: "وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه"، ومع ذلك فقد كان من أسوء خلق الله خُلُقًا، وأشدهم إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وازدراءً به كما هو مشهور عنه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، رواه مسلم وغيره".

***

585 -

. . . حماد: أخبرنا أيوب، عن عمرو بن سَلِمة، قال: كنا بحاضِرٍ يمرُّ بنا الناس إذا أَتَوُا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مَرُّوا بنا، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلامًا حافظًا، فحفظتُ من ذلك قرآنًا كثيرًا، فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من قومه، فعلَّمهم الصلاة، فقال:"يؤُمُّكم أقرؤكم"، وكنت أقرأَهم لما كنتُ أحفظُ، فقدَّموني، فكنت أَؤُمُّهم وعليَّ بردةٌ لي صغيرةٌ صفراءُ، فكنت إذا سجدتُ تَكَشَّفَتْ عني، فقالت امرأةٌ من النساء: وَارُوا عنا عورةَ قارئِكم، فاشترَوا لي قميصًا عُمَانيًا، فما فَرِحتُ بشيء بعد الإسلام فَرَحِي به، فكنت أَؤُمُّهم وأنا ابن سبعِ سنين أو ثمانِ سنين.

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق حماد بن سلمة:

ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 288/ 1041 - السفر الثاني)، والطحاوي في المشكل (10/ 120/ 3963)، والطبراني في الكبير (7/ 49/ 6350)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2023/ 5083)، وابن حزم في المحلى (4/ 218).

وفي رواية: قال حماد: قال أيوب: فكان أول من سمعت منه هذا الحديث أبو قلابة.

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي [ثقة ثبت][عند أبي داود وابن أبي خيثمة وابن حزم]، وحجاج بن المنهال [ثقة، مكثر عن حماد][عند الطبراني]، فقالا في روايتهما:"فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من قومه"، ورواه أبو عمر حفص بن عمر الضرير [ثقة][عند الطحاوي]، فقال في روايته:"فوفد أبي في ناس من قومه".

لكن وقع في رواية إبراهيم بن الحجاج السامي [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن

ص: 528

قانع: "صالح"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وروى عنه أبو زرعة، وله أوهام. التهذيب (1/ 62)، الجرح والتعديل (2/ 93)، علل الحديث (2/ 39/ 1598)، علل الدارقطني (4/ 14/ 410) و (11/ 90/ 2139)، وراجع الحديثين المتقدمين برقم (71 و 509)] [عند أبي نعيم]، قال في روايته:"فانطلقوا بي وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ"، والذي يظهر لي- والله أعلم - أن هذه اللفظة:"فانطلقوا بي" قد تصحفت عما رواه الحفاظ عن حماد بن سلمة: "فانطلق أبي".

وعليه: فلا ينبغي التعلق بهذا الوهم والتصحيف في إثبات الصحبة لعمرو بن سلِمة، إذ هي رواية شاذة عن حماد بن سلمة، لا سيما ورواية الحفاظ من أصحاب أيوب تؤيد رواية الجماعة عن حماد، فالصحيح أن الوفادة والصحبة والسماع إنما هي لأبيه سلِمة الجرمي، والله أعلم.

• ورواه أيضًا عن أيوب جماعة من أصحابه، منهم: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وشعبة، وسفيان الثوري، وحاتم بن وردان [وهم ثقات، فيهم اثنان من أثبت أصحاب أيوب: حماد بن زيد وابن علية]، والحارث بن عمير [ثقة من أصحاب أيوب، وله مناكير عن غيره. تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (69 و 486)، وانظر: التهذيب (1/ 335)، الميزان (1/ 440)، المجروحين (1/ 223)، التنكيل (1/ 220/ 68)، الفوائد المجموعة (297)]، وليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، وحماد بن زيد هو أحسنهم سياقة لهذا الحديث:

أخرجه البخاري (4302)، والنسائي في المجتبى (2/ 9 و 80/ 636 و 789)، وفي الكبرى (1/ 422/ 866) و (2/ 236/ 1612)، وابن خزيمة (3/ 6 - 7/ 1512)، وابن الجارود (309)، والحاكم (3/ 47)، وأحمد (5/ 30 و 71)، وابن سعد (1/ 336 و 337) و (7/ 89 و 90)، وابن أبي شيبة (1/ 3456/302)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 382/ 1346 - السفر الثاني)، والسرقسطي في الدلائل (3/ 1013/ 549)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1191)، وابن قانع في المعجم (1/ 279)، والطبراني في الكبير (7/ 49 و 50/ 6349 و 6351 و 6352)، وفي الأوسط (7/ 112/ 7007)، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (2/ 369)، والدارقطني في السنن (2/ 42)، وفي المؤتلف (3/ 1196)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2021 و 2022/ 5078 و 5079 و 5082)، وابن حزم في المحلى (3/ 123)، والبيهقي في السنن (3/ 91)، وفي المعرفة (2/ 373/ 1490)، وفي الدلائل (5/ 111)، والخطيب في التاريخ (2/ 245)، وابن الجوزي في التحقيق (718 و 735).

ولفظ حماد بن زيد [من رواية عارم عنه، عند ابن سعد وغيره]: عن أيوب، قال: حدثني عمرو بن سلمة أبو يزيد الجرمي، قال: كنا بحضرةِ ماءٍ ممرُّ الناسِ عليه، وكنا نسألهم ما هذا الأمر؟ فيقولون: رجل زعم أنه نبي، وأن الله أرسله، وأن الله أوحى إليه

ص: 529

كذا وكذا، فجعلت لا أسمع شيئًا من ذلك إلا حفظتُه، كأنما يُغرَى في صدري بغراء، حتى جمعت فيه قرآنًا كثيرًا، قال: وكانت العرب تَلَوَّمُ [أي: تنتظر] بإسلامها الفتحَ، يقولون: انظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق، وهو نبي، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام حِوائِنا ذلك، وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقيم، قال: ثم أقبل فلما دنا منا تلقيناه، فلما رأيناه، قال: جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا، ثم قال: إنه يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم عن كذا وكذا، وأن تصلوا صلاة كذا، في حين كذا، وصلاة كذا، في حين كذا، "وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمَّكم أكثركم قرآنًا"، قال: فنظر أهل حِوائِنا فما وجدوا أحدًا أكثر قرآنًا مني؛ للذي كنت أحفظه من الركبان، قال: فقدموني بين أيديهم، فكنت أصلي بهم وأنا ابن ست سنين، قال: وكان عليَّ بردةٌ كنت إذا سجدت تقلَّصَت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم! قال: فكسوني قميصًا من معقد البحرين، قال: فما فرحت بشيء أشد من فرحي بذلك القميص. ولفظ سليمان بن حرب عن حماد [عند البخاري والنسائي والدارقطني والحاكم وأبي نعيم والبيهقي] قريب منه، إلا أنه قال في أوله: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة، قال: قال لي أبو قلابة: [هو حيٌّ] ألا تلقاه فتسأله! قال: فلقِيتُه فسألته، فقال: كنا بماءٍ ممرَّ الناس

[قال الحميدي في تفسير الغريب (453): "يُغرى في صدري، أي: يُلصق بالغراء، وهو صمغ"، وانظر: مشارق الأنوار (2/ 133)، النهاية (3/ 364)][وقال الخطابي: "والحِواء: بيوت مجتمعة على ماء". غريب الحديث (1/ 403)، النهاية (1/ 465)].

ولفظ ابن علية: عن أيوب، عن عمرو بن سلمة، قال: كنا على حاضرٍ، فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأدنو منهم فأستمع، حتى حفِظت قرآنًا كثيرًا، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتحَ مكة، فلما فُتحت جعل الرجل يأتيه فيقول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وافد بني فلان، وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه، فلما رجع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قدِّموا أكثركم قرآنًا"، قال: فنظروا -وأنا لعلى حِواء عظيم - فما وجدوا فيهم أحدًا أكثر قرآنًا مني، فقدَّموني وأنا غلامٌ، فصليت بهم، وعليَّ بردةٌ، وكنتُ إذا ركعتُ أو سجدتُ قَلَصَتْ فتبدو عورتي، فلما صلينا، تقول عجوزٌ لنا دَهْرِيَّةٌ: غطُّوا عنا إست قارئكم، قال: فقطعوا لي قميصًا، فذكر أنه فرِح به فرحًا شديدًا [الحاضر: القوم النزول على ماءٍ، يقيمون به، ولا يرحلون عنه. معالم السنن (1/ 146)، النهاية (1/ 399)، لسان العرب (4/ 199)].

ورواية حاتم بن وردان بنحو رواية حماد بن زيد وابن علية، وأتى فيه بألفاظ محتملة، وأوله: كنا ثِنْي طريق المدينة، فكان يمر بنا القوم والركب، فتدركهم الصلاة، فيُصَلُّون عندنا، وإني حفظت سورًا من القرآن، ولم أُسلم، فلما فُتحت مكة بعثت العرب بإسلامها،

وساق الحديث.

ص: 530

ولفظ سفيان: عن أيوب، قال: حدثني عمرو بن سلمة الجرمي، قال: كان يمر علينا الركبان فنتعلم منهم القرآن، فأتى أبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"ليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا"، فجاء أبي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤمكم أكثركم قرآنًا"، فنظروا فكنت أكثرهم قرآنًا، فكنت أؤمهم، وأنا ابن ثماني سنين.

ولفظ شعبة: حدثني أيوب، قال: سمعت عمرو بن سلمة، قال: لما كان يومُ الفتح جعل الناس يمرون علينا قد جاؤوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أقرأ وأنا غلامٌ، فجاء أبي بإسلام قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤمكم أكثركم قرآنًا"[وفي رواية: "يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله"]، قال: فنظروا فكنت أكثرهم قرآنًا [فكنت أصغرَهم، فكنت أؤمهم]، فقالت امرأة: غطوا إست قارئكم، قال: فاشتروا له بردةً [فقطعوا لي قميصًا]، قال: فما فرِحت أشدَّ من فرحي بذلك [القميص].

هكذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة: أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وسليمان بن حرب، وعفان بن مسلم.

• وخالفهم أبو قتيبة سلم بن قتيبة [صدوق يهم]، فرواه عن شعبة، عن أيوب، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما، قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه، قال: وكان فيما أوصانا: "يؤمكم أكثركم قرآنًا"، قال: فكنت أكثرهم قرآنًا، وكنت أصلي بهم، وخلفي النساء، وعليَّ بردة، فإذا سجدت خرجت جاعِرتي، فقالت النساء: غطُّوا عنا جاعرتي قارئكم، فكسيت قميصًا، فما فرحت بشيء فرحتي بالقميص [قال الطبري في تهذيب الآثار (356 - الجزء المفقود):"الجاعرة من ابن آدم: عظم طرف الورك"، والجاعرتان من الحمار: لحمتان يكتنفان أصل الذنب، وهما من الإنسان في موضع رقمتي الحمار، ويقال للدبر أيضًا جاعرة. تهذيب اللغة (1/ 233)، النهاية (1/ 275)، القاموس المحيط (467)، اللسان (4/ 140)].

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 61/ 2597)، والدارقطني في المؤتلف (3/ 1196)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2023/ 5084).

وهذا منكر بذكر وفادة عمرو بن سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوفادة لأبيه.

• خالف جماعة أصحاب أيوب:

معمر بن راشد، فرواه عن أيوب، عن رجل، عن عمرو بن سلمة، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد جرم، فأمر عمرو بن سلمة أن يؤمهم، وكان أصغرَهم سنًّا؛ لأنه كان أكثرَهم قرآنًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 390/ 3811)، عن معمر به.

ثم رواه عبد الرزاق (2/ 391/ 3815) مرة ثانية، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن عمرو بن سلمة الجرمي، قال: جاءنا وفد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم الصلاة، ثم قال لنا:"ليؤمكم أكثركم قرآنًا"، فكان عمرو بن سلمة يؤمهم، ولم يكن احتلم.

ثم رواه عبد الرزاق (2/ 399/ 3849) مرة ثالثة، عن معمر، عن أيوب، قال: كانت العرب تقول: انظروا هذا ما يصنع وقومه، يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم، فلما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة

ص: 531

جاءه وفود الناس، فكان غلام من جرم، يقال له: عمرو بن سلمة كلما مر به أحد ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم منه القرآن، قال: وكان أكثر قومه قرآنًا، فكان يؤمهم وهو صبي لم يحتلم، وكان عليه خلق إزار، فتقول عجوز من الحي: ألا تكسون إمامكم، قال: فاشتروا لي إزارًا بثلاثة دراهم، قال: ففرحت به فرحًا شديدًا.

ورواية الجماعة هي الصواب، ورواية معمر بن راشد: وهم منه، وقد اضطرب فيه على أيوب كما ترى، فإن معمرًا وإن كان ثقة في الزهري وطاوس؛ إلا أنه كان يُصعَّف حديثه عن أهل العراق خاصة، وحديثه عن أهل البصرة فيه ضعف [انظر: تاريخ دمشق (59/ 414)، شرح علل الترمذي (2/ 774)].

***

586 -

. . . زهير: ثنا عاصم الأحول، عن عمرو بن سَلِمة، بهذا الخبر، قال: فكنتُ أؤُمُّهم في بُردَةٍ مُوَصَّلةٍ فيها فتقٌ، فكنتُ إذا سجدتُ خرجَت اسْتي.

• حديث صحيح.

• أخرجه من طريق أبي خيثمة زهير بن معاوية:

ابن نصر في قيام رمضان (43)، والطبراني في الكبير (7/ 50/ 6353)، وفي الأوسط (6/ 273/ 6395).

ولفظه: جاء نفرٌ من الحيِّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعوه يقول:"ليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا"، فقدَّموني بين أيديهم وأنا غلامٌ، فكنتُ أؤمهم في بردةٍ موصولةٍ، فكان فيها فتق، فكنتُ إذا سجدتُ خرجت استي، فقالوا لأبي: ألا تغطي عنا استه، وكنت أرغبهم في تعليم القرآن.

قال زهير: فلم يَزَلْ إمامَ قومه في الصلاة وعلى جنائزهم.

• وتابع زهيرًا عليه:

يزيد بن هارون، عن عاصم، عن عمرو بن سلمة، قال: لما رجع قومي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إنه قال: "ليؤمَّكم أكثرُكم قراءةً للقرآن" قال: فدعَوْني فعلَّموني الركوع والسجود، قال: فكنت أصلي بهم، وعليَّ بردةٌ مفتوقةٌ، فكانوا يقولون لأبي: ألا تغطي عنا استَ ابنك.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 71/ 767)، وفي الكبرى (1/ 414/ 845)، وابن سعد (1/ 337) و (7/ 90)، وابن أبي شيبة (1/ 302/ 3455)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 62/ 2599)، والطحاوي في المشكل (10/ 121/ 3964)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2022/ 5081)، والبيهقي في السنن (3/ 91)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 7).

وهذا إسناد صحيح.

***

ص: 532

587 -

. . . وكيع، عن مِسعَر بن حبيب الجَرْمي: ثنا عمرو بن سَلِمة، عن أبيه: أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا أن ينصرفوا، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يؤُمُّنا؟ قال: "أكثركم جمعًا للقرآن"، أو:"أخذًا للقرآن"، قال: فلم يكن أحدٌ من القوم جمعَ ما جمعتُه، قال: فقدَّموني وأنا غلامٌ وعليَّ شملةٌ لي، فما شهدتُ مجمعًا من جَرْمٍ إلا كنتُ إمامَهم، وكنتُ أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا.

قال أبو داود: ورواه يزيد بن هارون، عن مسعر بن حبيب الجرمي، عن عمرو بن سَلِمة، قال: لما وفد قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل: عن أبيه.

• حديث شاذ بزيادة "عن أبيه" في الإسناد، والمحفوظ بدونها.

• أخرجه من طريق وكيع:

أحمد (5/ 29)، وابن أبي شيبة (1/ 3458/302)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 60/ 2596)، والمزي في التهذيب (27/ 461).

• تابع وكيعًا عليه في إسناد، وخالف في متنه:

يوسف بن الغرق [كذبه الأزدي، وقال صالح بن محمد جزرة: "منكر الحديث"، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وقال محمود بن غيلان: "ضرب أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة علي حديثه وأسقطوه". الجرح والتعديل (9/ 227)، الثقات (9/ 279)، الكامل (7/ 167)، تاريخ بغداد (14/ 297)، تاريخ الإسلام (13/ 488)، اللسان (8/ 563)]، قال: أخبرنا مسعر بن حبيب الجرمي، عن عمرو بن سلمة، عن أبيه، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يصلي بنا؟ أو: يصلي لنا؟ فقال: "يصلي بكم - أو: يصلي لكم - أكثركم أخذًا - أو: جمعًا للقرآن" قال عمرو: فكان أبي يصلي بهم في مسجدهم، وعلى جنائزهم، لا ينازعه أحد حتى مات.

أخرجه ابن سعد (7/ 89).

وهذا حديث منكر سندًا ومتنًا، والمعروف أن عمرو بن سلِمة هو الذي كان يصلي بهم، وليس أباه.

• وأخرجه من طريق يزيد بن هارون:

أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (91)، وابن سعد في الطبقات (1/ 336) و (7/ 89)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2022/ 5080)، والبيهقي في السنن (3/ 225).

من طريق: يزيد بن هارون: أخبرنا مسعر بن حبيب: أخبرنا عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي: أن أباه ونفرًا من قومه وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم الناس، وتعلموا القرآن وقضوا حوائجهم، فقالوا له: من يصلي بنا -أو: لنا-؟ فقال: "ليصل بكم أكثركم جمعًا -

ص: 533

أو: أخذًا- للقرآن"، قال: فجاؤوا إلى قومهم، فسألوا فيهم فلم يجدوا فيهم أحدًا أكثر أخذًا أو جمع من القرآن أكثر مما جمعتُ أو أخذتُ، قال: وأنا يومئذ غلام عليَّ شملة، فقدموني فصليت بهم، فما شهدت مجمعًا من جرم إلا وأنا إمامهم إلى يومي هذا.

قال يزيد: قال مسعر: وكان يصلي على جنائزهم ويؤمهم في مسجدهم حتى مضى لسبيله.

• تابع يزيد عليه [وهو: ثقة ثبت]، فلم يقل: عن أبيه:

يحيى بن سعيد القطان، وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد [وهم: ثقات حفاظ]، وعبد الواحد بن واصل الحداد [ثقة]:

قالوا: حدثنا مسعر بن حبيب الجرمي، قال: حدثنا عمرو بن سلمة الجرمي: أن أباه ونفرًا من قومه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم،

فذكروا الحديث.

أخرجه أحمد (5/ 71)، والطيالسي في مسنده (2/ 702/ 1460)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 399/ 3081)، والطحاوي في المشكل (10/ 119 و 121/ 3962 و 3964)، والطبراني في الكبير (7/ 51/ 6354)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1341/ 3391)، والبيهقي في السنن (3/ 91)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 6 - 7).

وهذا هو المحفوظ، ورواية وكيع: وهم.

وهو حديث صحيح.

وانظر: كشف الأستار (1/ 230/ 468).

• وله طرق أخرى منها:

أ - حماد بن زيد، عن أيوب: حدثني أبو قلابة، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: كنا بماءٍ ممرًا من الناس

فذكر الحديث، وهو نفس لفظ حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن سلمة، المتقدم ذكره تحت الحديث الأسبق برقم (585).

أخرجه البخاري (4302)، والنسائي في المجتبى (2/ 9/ 636)، والحاكم (3/ 47)، وابن نصر في قيام رمضان (44)، والدارقطني (2/ 42)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2022/ 5079)، والبيهقي في السنن (3/ 91)، وفي المعرفة (2/ 373/ 1490).

ورواه أيضًا: حماد بن سلمة عن أيوب به، وتقدم.

ب - يزيد بن زريع، وأبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع، وعلي بن عاصم:

عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة الجرمي، قال: كنت أتلقى الركبان فيقرئوني الآية، فكنت أؤمُّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية: كان تأتينا الرُّكبانُ من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَستَقرِئُهم، فيحدِّثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لِيؤمَّكم أكثركم قرآنًا".

وفي رواية أخرى: كنت أتلقى الركبان تجوز من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستقرئ بهم، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا"، قال: فكنت أكثرهم قرآنًا، فكنت أؤمهم.

ص: 534

أخرجه أحمد (3/ 475) و (5/ 30 و 71)، وابن سعد في الطبقات (1/ 337) و (7/ 90)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 150/ 1934)، والطبراني في الكبير (7/ 51/ 6355).

قلت: يبدو لي أنه وقع وهم في هذه الرواية من جهة الاختصار، فإن الذي أسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا" هو سلمة الجرمي والد عمرو، وليس الركبان، وإنما كان عمرو يتعلم من الركبان القرآن حسب، وربما أخذ منهم بعض الأحكام مما تعلموه، حتى وفد والد عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فكان مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أن أمرهم أن يؤمهم أكثرهم قرآنًا، هكذا رواه عمرو بن سلمة، ورواه عنه هكذا: أيوب السختياني، وعاصم الأحول، ومسعر بن حبيب الجرمي، وهكذا رواه أيوب عن أبي قلابة عن عمرو، فدل ذلك أن في رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة: وهم، سببه اختصار الحديث، والله أعلم.

ج - أبو قتيبة سلم بن قتيبة، قال: حدثنا يحيى بن رباح، قال: سمعت عمرو بن سلمة، قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه، فكان فيما أوصانا:"ليؤمكم أكثركم قرآنًا"، فكنت أكثرهم قرآنًا، فقدموني.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 62/ 2598)، والطبراني في الكبير (17/ 30/ 55)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2023/ 5085).

وهذه الرواية وهمٌ من سلم بن قتيبة بذكر وفادة عمرو بن سلمة [كما وهم في روايته عن شعبة، وخالف فيه أصحابه الثقات، كما تقدم ذكره]، وإنما الوفادة والصحبة لأبيه، كما رواه الحفاظ فيما تقدم، ويحيى بن رباح، أو: ابن رياح الجرمي: مجهول [الثقات (7/ 594)، الإكمال (3/ 241)]، فالإسناد ضعيف، وهو حديث منكر.

• وحاصل ما تقدم: أن حديث عمرو بن سلِمة الجرمي: حديث صحيح، أخرجه البخاري، وهو حجة في جواز إمامة الصبي للبالغين إذا عقل الصلاة.

• وقد اختلف في صحبة عمرو بن سلِمة الجرمي:

فقال ابن معين: "من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"[تاريخ الدوري (3/ 532/ 2603) و (4/ 11/ 2883)].

وقال ابن حبان في الثقات (3/ 278): "له صحبة، روى عنه أهل البصرة، مات سنة خمس وثمانين"[وانظر أيضًا (5/ 451)].

وقال أبو نعيم في المعرفة (4/ 2021): "حديثه عند أبي قلابة وأيوب وعاصم، إمام بني جَرْم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَّهم سبع سنين في حياته، فلم يزل إمامهم في المكتوبة وفي جنائزهم إلى أن مات، وهو أول من كسي بالأمانة، وأكرم بها، ونال منها، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أيوب عنه".

وقال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (2/ 452): "ولعمرو هذا صحبة، وفد مع أبيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال في المحلى (4/ 218):"وقد وجدنا لعمرو بن سلمة هذا صحبة ووفادة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه".

ص: 535

وأثبت له الصحبة أيضًا: ابن عبد البر [جزم بها في موضع، وتردد في موضع آخر. الاستيعاب (2/ 687) و (3/ 1179)]، وابن منده [الفتح لابن حجر (8/ 23)، الإصابة (4/ 643)، وقال: "أخرج ابن منده من طريق: حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عمرو بن سلمة، قال: كنت في الوفد، وهو غريب مع ثقة رجاله"، لكنه عاد فقال في التهذيب (3/ 275): "طريق صحيحة"، قلت: هي رواية شاذة تقدم بيانها، ويأتي أيضًا]، والسمعاني [الأنساب (2/ 47)]، وابن الأثير [أسد الغابة (2/ 509) و (4/ 249)]، ومغلطاي [الإكمال (10/ 181)]، وابن حجر [التهذيب (3/ 275)، التقريب (464)].

قلت: ذكر وفادته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: شاذ، لا يصح، وإنما تصح الوفادة والسماع لأبيه، ثم هو قد سمع من أبيه بعد رجوعه إلى قومه، وقد أمَّ قومه بمن فيهم بعض الصحابة الذين وفدوا مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

لذا قال البخاري في عمرو بن سلمة: "روى عنه أبو قلابة وأيوب، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة"[التاريخ الكبير (6/ 313)].

وقال مسلم: "أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه أيوب وأبو قلابة"[الكنى (455)].

وقال ابن أبي حاتم: "عمرو بن سلمة الجرمي أبو يزيد: أَمَّ قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غلام ابن سبع سنين أو ثمان، روى عن أبيه أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "يؤمكم أكثركم جمعًا للقرآن"، وكان عمرو بن سلمة أكثرهم أخذًا للقرآن، فكان يؤم بهم في مسجدهم، ويصلي على جنائزهم، وروى بعضهم أن أباه ذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه: أبو قلابة، ومسعر بن حبيب الجرمي، وعاصم الأحول، سمعت أبي يقول بعض ذلك، وبعضه من قبلي"[الجرح والتعديل (6/ 235)].

وقال الدارقطني في المؤتلف (1/ 174): "أبو بريد عمرو بن سلمة الجرمي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأمَّ أصحابه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، روى عنه أبو قلابة وأيوب السختياني ومسعر بن حبيب الجرمي وعاصم الأحول وغيرهم"[وانظر أيضًا: المؤتلف (2/ 710) و (3/ 1195)].

وقال الخطيب في التاريخ (12/ 162): "وفي البصريين: عمرو بن سلمة أبو يزيد الجرمي: أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويختلف في لقائه إياه، وله حديث يرويه عنه: أبو قلابة الجرمي، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني، ومسعر بن حبيب".

وقال في تلخيص المتشابه (1/ 6): "أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه،

".

وقال النووي في المجموع (4/ 216): "وسلمة صحابي، وأما عمرو فاختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته إياه، والأشهر أنه لم يسمعه ولم يره، لكن كانت الركبان تمر بهم فيحفظ عنهم ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحفظ قومه لذلك، فقدموه ليصلي بهم".

وقال المزي في التهذيب (22/ 51): "كان يصلي بقومه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم

ص: 536

يثبت له سماع ولا رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي من وجه غريب أن عَمرًا أيضًا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بثابت".

وهذا الذي ذهب إليه المزي وتبع فيه عبد الغني المقدسي هو الصواب، لكن ابن حجر خالف في ذلك، على عادته في متابعة مغلطاي فيما تعقب به المزي، فقد ذهب مغلطاي إلى إثبات صحبة عمرو بن سلمة فلم يُصِب، واعتمد على روايات ضعيفة وشاذة وصفها هو بأنه لا بأس بإسناد بعضها، وقال:"ولئن سلمنا ضعفها، فليست من وجه غريب كما قال"[الإكمال (10/ 181)]، ثم ذكرها، وأولها: طريق ليث بن أبي سليم عن أيوب، وليث: ضعيف، ولا يثبت عنه ما نقل مغلطاي من المعرفة لأبي نعيم، فطريق ليث كالجماعة ليس فيه وفادة عمرو مع أبيه، وإنما روايته:"فانطلق أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فتصحفت في نسخة مغلطاي إلى:"فانطلقوا بي"، وعلى فرض ثبوتها فَلَيْثٌ على ضعفه قد خالف الأثبات من أصحاب أيوب في ذلك، والثانية: رواية إبراهيم بن الحجاج السامي عن حماد بن سلمة، وسبق بيان شذوذها عند الحديث رقم (585)، والثالثة: رواية أبي قتيبة سلم بن قتيبة [صدوق يهم]، عن شعبة، عن أيوب، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما، قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه، وتقدم بيان شذوذها، والرابعة: رواية أبي قتيبة سلم بن قتيبة، قال: حدثنا يحيى بن رباح، قال: سمعت عمرو بن سلمة، قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه، وتقدم بيان نكارتها، والخامسة: رواية النعمان [هو ابن عبد السلام الأصبهاني، وهو ثقة]، عن سفيان [هو الثوري]، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة، قال: خرجت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم . . . الحديث، وعزاه مغلطاي لأبي أحمد العسكري في كتاب الصحابة، بإسناد رجاله ثقات إلى محمد بن المغيرة: ثنا النعمان به، ولا يثبت هذا أيضًا، فقد رواه زائدة بن قدامة [وهو: ثقة متقن]، عن سفيان، عن أيوب، قال: حدثني عمرو بن سلمة الجرمي، قال: كان يمر علينا الركبان فنتعلم منهم القرآن، فأتى أبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:

فذكر الحديث، وتقدم سياقه بتمامه [النسائي (789)]، وهذا هو المحفوظ عن الثوري سندًا ومتنًا، ورواية النعمان شاذة، والراوي عنه: محمد بن المغيرة الأصبهاني: مجهول [الجرح والتعديل (8/ 92)، الثقات (9/ 105)]، والسادسة: رواية حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عمرو بن سلمة، قال: كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي رواية شاذة أيضًا تقدم بيانها، ورواية حجاج بن المنهال [عند الطبراني (6350)] كرواية الجماعة عن حماد بن سلمة.

فسقط بهذا البيان كل ما تمسك به من أثبت الصحبة لعمرو بن سلمة، وإنما الصحبة لأبيه، ثم سمع منه ابنه عمرو بعدما رجع أبوه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤثر هذا في صحة الحديث في شيء، بل هو حديث ثابت صحيح، أخرجه البخاري في صحيحه.

وممن نفى عنه الصحبة أيضًا: العلائي [جامع التحصيل (579)، تحفة التحصيل (243)]، وابن الملقن [البدر المنير (4/ 445)].

ص: 537

وانظر أيضًا: معرفة علوم الحديث (228)، تهذيب مستمر الأوهام (119)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 228) و (4/ 335)، الروض الأنف (2/ 248)، تهذيب الأسماء (2/ 344)، السير (3/ 523)، تاريخ الإسلام (6/ 166)، توضيح المشتبه (9/ 228)، الفتح لابن حجر (8/ 23)، التلخيص (2/ 34).

• فإن قيل: رُوي عن الإمام أحمد تضعيف هذا الحديث، أو ترك العمل به: فقد قال إسحاق الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (247): "قلت: يؤمُّ القومَ مَنْ لم يحتلم؟ فسكت.

قلت: حديث أيوب عن عمرو بن سلمة؟ قال: دعه ليس هو شيء بَيِّنٌ. جَبُنَ أن يقول فيه شيئًا.

قال إسحاق: كلما بلغ عشرًا، أو جاوز التسع؛ فقد عَلِمَ ما أُمِرَ به من الصلاة فصلى فهو جائز. قال إسحاق: يعني: تسع سنين".

وقال أبو داود في مسائله لأحمد (294): "سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا يؤم الغلام حتى يحتلم، فقيل لأحمد: حديث عمرو بن سلمة؟ قال: لا أدري، أي شيء هذا؟ وسمعته مرة أخرى وذكر هذا الحديث، قال: لعله كان في بدء الإسلام"[وانظر: مسائل عبد الله (394 و 407)].

وقال في المغني (2/ 32): "فأما حديث عمرو بن سلمة الجرمي: فقال الخطابي: كان أحمد يضعف أمر عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بَيِّن، وقال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سلمة؟ قال: لا أدري أي شيء هذا! ولعله إنما توقف عنه لأنه لم يتحقق بلوغ الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان بالبادية في حي من العرب بعيد من المدينة، وقوى هذا الاحتمال قوله في الحديث: وكنت إذا سجدت خرجت استي، وهذا غير سائغ".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 172) نقلًا عن الإمام أحمد: "قال في رواية أبي طالب: لا يصلي بهم حتى يحتلم، لا في المكتوبة ولا في التطوع، قيل له: فحديث عمرو بن سلمة، أليس أم بهم وهو غلام؟ فقال: لعله لم يكن يحسن يقرأ غيره. ونقل عنه جعفر بن محمد في حديث عمرو بن سلمة، قال: كان هذا في أول الإسلام من ضرورة، فأما اليوم فلا. وكذلك نقل عنه أبو داود، قال: لعله كان في بدء الإسلام، وهذا يشير إلى نسخ حكمه بالكلية".

قلت: لكن يعكر على هذا أمران: الأول: نقل أبو بكر الأثرم عن الإمام أحمد احتجاجه بحديث عمرو بن سلمة هذا في تقديم الأقرأ، حيث قال:"وحديث عمرو بن سلمة أمهم للقرآن"[السنة للخلال (367)]، وذكر أبو الخطاب رواية عن الإمام أحمد في صحة إمامة الصبي في الفرض [تنقيح التحقيق (2/ 24)].

والأمر الثاني: أن الثابت في رواية هذا الحديث أن هذه الواقعة إنما كانت بعد فتح

ص: 538

مكة، فلم تكن في بدء الإسلام، بل بعد أن انتشر ودخل الناس في دين الله أفواجًا، واستقرت أحكامه، وأصبحت معلومة عند عامة المسلمين، وما كان ليأخذ عمرو بن سلمة القرآن ممن كان يمر بهم من الركبان دون أن يعي منهم شيئًا من أحكامه، كما أن قومه لما وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم تعلموا منه أحكام الإسلام، ومنها ما يتعلق بالصلاة والإمامة، ولما رجعوا وقدموا عَمرًا لكثرة جمعه للقرآن استدلالًا منهم بعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"قدِّموا أكثركم قرآنًا": علَّموه كيفية الصلاة، والركوع والسجود، وما كان ليقع منهم ذلك إلا لما وجدوا فيه من النباهة والقدرة على إقامة صلاتهم، وإلا لكانوا مستهزئين بهذه الشعيرة من شعائر الإسلام إذا قدموا بين أيديهم صبيًّا صغيرًا لا يعقل ما يقول ولا يدرك ماذا يفعل، وإنما قدموه لما علموا أنه أولاهم بالإمامة لجمعه القرآن وعقله للصلاة وأحكامها، وأما بُدُوُّ عورته عند الركوع والسجود فقد كان يقع هذا من بعض فقراء الصحابة الذين كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث سهل بن سعد قال: لقد رأيت الرجال عاقدي أُزُرِهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأُزُر خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفعْنَ رؤوسكن حتى يرفعَ الرجالُ. وفي رواية: قال: كان رجال يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أُزُرَهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعْنَ رؤوسكن حتى يستويَ الرجالُ جلوسًا. وهو حديث متفق عليه [أخرجه البخاري (362 و 814 و 1215)، ومسلم (441)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (630)، إن شاء الله تعالى]، ثم إن بني جرم لم يستمروا على ذلك، ولم يُقروه على أن يصلي بهم مع انكشاف عورته، بل أنكرت امرأة منهم ذلك، حتى كسوه قميصًا يستره، وعليه فدعوى النسخ لا دليل عليها، والله أعلم.

• وأما ما رُوي في معارضة ذلك عن ابن عباس فلا يصح:

فقد روى حجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمجهولين]، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي [كذاب]:

عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لا يؤم الغلام حتى يحتلم.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 487/ 1872) و (2/ 398/ 3847)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 152/ 1937)، والبيهقي في السنن (3/ 225)، وفي المعرفة (2/ 509/ 1769).

قال البيهقي في الخلافيات (2/ 303 - مختصره): "وهو ضعيف سواء كان موقوفًا أو مرفوعًا".

قلت: وهو كما قال، فهو حديث منكر؛ داود بن الحصين: أحاديثه عن عكرمة مناكير [التهذيب (1/ 561)]، ولم يرو عنه هذا الحديث ثقة.

• وقد ذهب الطحاوي في المشكل (10/ 121)، وابن حزم في المحلى (4/ 218) إلى أن حديث عمرو بن سلمة وإمامته لقومه وهو صبي لم يبلغ الحُلُم: ليس بحجة في إمامة الصبي للبالغين، بدعوى عدم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك [كما قال ذلك ابن قدامة في المغني، كما تقدم نقله]، ومن ثم عدم إقراره صلى الله عليه وسلم، وكذلك بأن الصبي غير مكلف ولا

ص: 539

مأمور بتلك الصلاة التي أُمر بها المكلف؛ فإذا ائتم به والحال هذه بطلت صلاته.

قال الطحاوي: "إن ذلك الفعل من تقديم ذلك الصبي والائتمام به لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعينه، وإنما كان من فعل الذين قدموه مما قد دخل على قلة علمهم بأحكام الصلاة ائتمامهم بمكشوف العورة فيها، وذلك مما تمنع منه الشريعة، وليس لأنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون حجة إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عليه فيمضيه".

وقال ابن حزم: "ولو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف هذا وأقرَّه لقلنا به،

، ومن ائتمَّ بمن لم يُؤمر أن يؤتم به وهو عالم بحاله فصلاته باطل".

وقد أجيب عن ذلك بأن زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحدٍ من الصحابةِ التقريرُ على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل، وأيضًا فالوفد الذين قدَّموا عمرو بن سلِمة كانوا جماعة من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يُعلم لهم في ذلك مخالف منهم.

قال ابن حجر في الفتح (8/ 23): "ولم ينصف من قال: إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان منهيًّا عنه لنهي عنه في القرآن"[وانظر أيضًا: الفتح لابن حجر (2/ 185)].

وأما ما احتج به ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم، قال: فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور؛ لأن القلم رفع عنه فلا يؤم، فهذا لا يخفى فساده؛ لأن المأمورَ مَن يتوجه إليه الأمرُ من البالغين بأن يقدموا من اتصف بكونه أكثر قرآنًا، وقد فعلوا ذلك، فبطل ما احتج به.

وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضًا: الحسن البصري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وكرهها: عطاء، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومجاهد، ومالك، والثوري، وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان، والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض [انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 398)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 306)، الأوسط لابن المنذر (4/ 151)، الفتح لابن رجب (4/ 171)، الفتح لابن حجر (2/ 185)].

وسيأتي في آخر البحث ذكر كلام الأئمة في هذا المعنى، وأقوالهم في بيان جواز إمامة الصبي إذا عقل الصلاة، وأقامها.

***

588 -

قال أبو داود: حدثنا القعنبي: ثنا أنسٌ -يعني: ابنَ عياض-، ح، وثنا الهيثم بن خالد الجهني - المعنى -: ثنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن

ص: 540

ابن عمر أنه قال: لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العُصبةَ قبل مَقْدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمُّهم سالمٌ مولى أبي حذيفة، وكان أكثرَهم قرآنًا.

زاد الهيثم: وفيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد.

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق أنس بن عياض:

البخاري (692)، وزاد بعد قوله: العصبة: موضع بقباء. وابن سعد في الطبقات (2/ 352) و (3/ 87)، وفي الموضع الأول: والعصبة قريب من قباء. وابن المنذر في الأوسط (4/ 148/ 1932)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 177) [وزاد في آخره: فيهم أبو بكر وعمر، وهي زيادة شاذة تفرد بها هشام بن عمار]. وابن حزم في المحلى (4/ 208)، والبيهقي (3/ 89).

وأخرجه من طريق ابن نمير:

ابن خزيمة (3/ 6/ 1511)، وفيه: نزلوا إلى جنب قباء. وابن الجارود (307)، وفيه: نزلوا العصبة إلى جنب قباء. وابن سعد في الطبقات (2/ 352) و (3/ 87)، وابن أبي شيبة (1/ 302/ 3461)، والبيهقي (3/ 89).

ولفظ ابن أبي شيبة عن ابن نمير: أن المهاجرين حين أقبلوا من مكة نزلوا إلى جنب قباء، فأمَّهم سالمٌ مولى أبي حذيفة؛ لأنه كان أكثرَهم قرآنًا، وفيهم: أبو سلمة بن عبد الأسد، وعمر بن الخطاب.

وانظر فيمن وهم فيه على ابن نمير: علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 94/ 253).

• ورواه أيضًا عن عبيد الله بن عمر:

عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبيد الله به، ولفظه: قدمنا من مكة فنزلنا العصبة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا.

أخرجه البيهقي في الدلائل (2/ 463).

• ورواه أيضًا عن نافع:

1 -

هشام بن عروة، عن نافع، عن ابن عمر: أن سالمًا مولى أبي حديفة كان يؤم المهاجرين حين هاجروا إلى المدينة، فيهم عمر وغيره من المهاجرين؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا.

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 59/ 6372)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1362/ 3438)، بإسناد جيد إلى شعيب بن أبي الأشعث عن هشام به.

ولا يصح هذا عن هشام بن عروة؛ فقد تفرد به عنه شعيب بن أبي الأشعث، وهو مجهول، وله مناكير عن هشام [الجرح والتعديل (4/ 341)، علل الحديث (2/ 74

ص: 541

و 124/ 1714 و 1866)، الثقات (6/ 438)، أطراف الغرائب والأفراد (5/ 317/ 5572)، اللسان (4/ 248)].

قال الدارقطني في الأفراد (3/ 513 - 514/ 3416)(1/ 592/ 3466 - أطرافه) في ترجمة هشام بن عروة عن نافع: "غريب من حديثه عن نافع، تفرد به شعيب بن أبي الأشعث، ولم يروه منه غير محمد بن حمير"[وصححت ما فيه من تصحيف].

2 -

ابن جريج: أن نافعًا أخبرهم: أن عبد الله بن عمر أخبره، قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، في مسجد قباء، فيهم: أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد بن حارثة، وعامر بن ربيعة.

أخرجه البخاري (7175)، وابن وهب في الجامع (423)، وعبد الرزاق (2/ 388/ 3807)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (92)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 35/ 144 و 145)، والطحاوي في المشكل (14/ 398/ 5708 م)، والطبراني في الكبير (7/ 59/ 6371)، والبيهقي (3/ 89).

قال البيهقي: "كذا قال في هذا، وفيما قبله: وفيهم أبو بكر وعمر، ولعله في وقت آخر، فإنه إنما قدِم أبو بكر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون إمامته إياهم قبل قدومه وبعده، وقول الراوي: وفيهم أبو بكر، أراد: بعد قدومه، والله أعلم".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 175): "والمراد بهذا: أنه كان يؤمهم بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال: في مسجد قباء، ومسجد قباء إنما أسسه النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة، فلذلك ذكر منهم: أبا بكر، وأبو بكر إنما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في هذه الرواية: قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم"[وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 186) و (13/ 168)].

وقال ابن رجب أيضًا: "وإمامة سالم للمهاجرين بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد [قباء] في حكم المرفوع؛ لأن مثل هذا لا يخفى بل يشتهر ويبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر: أن سالمًا لم يعتق إلا بقدومه المدينة؛ فإنه عتيق لامرأة من الأنصار، أعتقته سائبة، وأذنت له أن يوالي من شاء، فوالى أبا حذيفة وتبناه".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 186): "ووجه الدلالة منه: إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم، وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق".

***

589 -

قال أبو داود: حدثنا مسدد: ثنا إسماعيل، ح، وثنا مسدد: ثنا مسلمة بن محمد - المعنى واحد -، عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحُوَيرِث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له - أو: لصاحب له -: "إذا حضرت الصلاة فأذِّنا، ثم أقيما، ثم لْيَؤُمَّكما أكبرُكما".

ص: 542

وفي حديث مسلمة قال: وكنا يومئذ متقاربَينِ في العلم.

وقال في حديث إسماعيل: قال خالد: قلت لأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربَينِ.

• حديث متفق على صحته.

• أخرجه من طريق إسماعيل بن علية:

النسائي في المجتبى (2/ 21/ 669)، وفي الكبرى (2/ 248/ 1645)، وابن خزيمة (3/ 5 - 6/ 1510)، وابن حبان (5/ 503/ 2129 و 2130)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 268/ 1509)، وأحمد (3/ 436)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 375/ 1401)، وأبو العباس السراج في مسنده (1296)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1259)، والطبراني في الكبير (19/ 289/ 640 و 641)، والبيهقي في السنن (3/ 120)، وفي المعرفة (2/ 395/ 1533).

• وأخرجه من طريق مسلمة بن محمد الثقفي:

البيهقي في السنن (3/ 120)، وفي المعرفة (2/ 395/ 1533).

هكذا أدرج مسلمة بن محمد الثقفي [وهو لين الحديث] في هذا الحديث هذه اللفظة: "وكنا يومئذ متقاربَينِ في العلم"، وقد رواها الحفاظ مرة من قول أبي قلابة [كما في رواية ابن علية]، ومرة من قول خالد الحذاء [كما في رواية حفص بن غياث].

قال ابن حجر في الفتح (2/ 170): "وأظن في هذه الرواية إدراجًا؛ فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد، قال: قلت لأبي قلابة: فأين القراءة؟ قال: إنهما كانا متقاربين، وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء، وقال فيه: قال الحذاء: وكانا متقاربين في القراءة، ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به، فينتفي الإدراج عن الإسناد، والله أعلم".

قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى: "وهذا جمع حسن، لو ثبتت رواية مسلمة؛ وإذ ليس، فلا مسوغ لهذا الجمع"[صحيح سنن أبي داود (3/ 140)].

• ورواه أيضًا عن خالد الحذاء:

سفيان الثوري، وشعبة، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع، وحفص بن غياث، وحماد بن سلمة:

رووه عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث به.

أخرجه البخاري (630 و 658 و 2848)، ومسلم (674/ 293)، وأبو عوانة (1/ 277

ص: 543

و 354/ 968 و 1267 و 1268) و (2/ 77/ 2383)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 268/ 1510)، والترمذي (205)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 28/ 187)، والنسائي في المجتبى (2/ 8 - 9 و 77/ 634 و 781)، وفي الكبرى (1/ 419/ 858) و (2/ 235/ 1610)، وابن ماجه (979)، وابن خزيمة (1/ 206/ 395 و 396) و (3/ 5 - 6/ 1510)، وابن حبان (5/ 502/ 2128)، وأحمد (5/ 53)، وابن أبي شيبة (1/ 197/ 2259)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 375/ 1400)، وأبو العباس السراج في مسنده (1291 و 1292)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1254 و 1255)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 24/ 1175) و (4/ 148/ 1931)، وابن قانع في المعجم (3/ 46)، والطبراني في الكبير (19/ 288/ 638 و 639)، وابن عدي في الكامل (3/ 130)، والدارقطني (1/ 346)، وقال:"هذا صحيح". وابن حزم في المحلى (3/ 124) و (4/ 189)، والبيهقي في السنن (1/ 411) و (3/ 67)، وفي المعرفة (2/ 395/ 1532)، والبغوي في شرح السنة (2/ 295/ 431)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن الجوزي في التحقيق (505).

ولفظ حديث الثوري عند البخاري وأبي عوانة: أتى رجلانِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أنتما خرجتما: فأذِّنا، ثم أقيما، ثم ليؤمَّكما أكبرُكما".

ولفظه عند الترمذي والنسائي: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عمٍّ لي [وقال مرة: أنا وصاحب لي]، فقال لنا:"إذا سافرتما فأذِّنا، وأقيما، ولْيؤمَّكما أكبرُكما".

ولفظ حديث الثقفي عند مسلم: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفالَ من عنده، قال لنا:"إذا حضرت الصلاة فأذِّنا، ثم أقيما، ولْيؤمَّكما أكبرُكما".

ولفظ حديث شعبة عند أحمد: "إذا حضرت الصلاة فأذِّنا، وأقيما، ولْيؤمَّكما أكبرُكما، وصلُّوا كما تروني أصلي".

ولفظ حفص بن غياث عند ابن خزيمة: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجل، فودَّعَنا، ثم قال:"إذا سافرتما وحضرت الصلاة: فأذِّنا، وأقيما، وليؤمَّكما أكبرُكما"، قال الحذاء: وكانا متقاربَين في القراءة.

ولفظ خالد بن عبد الله عند ابن حبان: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فقال:"إذا صلَّيتما فأذِّنا، وأقيما، وليؤمَّكما أكبركما"، قال: وكانا متقاربَين.

• ورواه أيضًا عن أبي قلابة:

أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي سليمان مالك بن الحويرث، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رقيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عن من تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال:"ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم، ومُرُوهم، [وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي]، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم لْيؤمَّكم أكبرُكم"، لفظ إسماعيل بن علية [عند البخاري ومسلم].

ص: 544

ولفظ حماد بن زيد: قدِمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ، فلبثنا عنده نحوًا من عشرين ليلةً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيمًا، فقال:"لو رجعتم إلى بلادكم فعلَّمتموهم، مروهم فلْيُصلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم، ولْيؤمَّكم أكبرُكم"[عند البخاري].

أخرجه البخاري في الصحيح (628 و 631 و 685 و 819 و 6008 و 7246)، وفي الأدب المفرد (213)، ومسلم (674/ 292)، وأبو عوانة (1/ 276/ 966 و 967)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 267/ 1506 - 1509)، والنسائي في المجتبى (2/ 9/ 635)، وفي الكبرى (2/ 235/ 1611)، والدارمي (1/ 318/ 1253)، وابن خزيمة (1/ 206 و 207 و 295/ 397 و 398 و 586)، وابن حبان (4/ 541/ 1658) و (5/ 190/ 1872) و (5/ 503/ 2131)، والشافعي في الأم (1/ 158)، وفي السنن (72)، وفي المسند (55)، وأحمد (3/ 436) و (5/ 53)، وابن سعد في الطبقات (7/ 44)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 375/ 1402) و (1/ 539/ 2201 و 2202 - السفر الثاني)، وأبو العباس السراج في مسنده (1290)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1252 و 1253)، والطحاوي في المشكل (4/ 428) و (15/ 357/ 6076)، وابن قانع في المعجم (3/ 45)، والطبراني في الكبير (19/ 287 و 288/ 635 - 637)[وفي بعضها وهم]. وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 444/ 164)، والدارقطني (1/ 272 و 273 و 346)، وقال:"هذا صحيح". وابن حزم في المحلى (3/ 234) و (4/ 189)، والبيهقي في السنن (2/ 17 و 345) و (3/ 54 و 120)، وفي المعرفة (2/ 177 و 395/ 1142 و 1530 و 1531)، والبغوي في شرح السنة (2/ 296/ 432)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 107)، وابن الجوزي في التحقيق (357).

رواه عن أيوب: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ووهيب بن خالد، وشعبة، وحماد بن سلمة [وقد اختصره فغلط في لفظه. انظر: فتح الباري لابن رجب (4/ 133)].

• ولا تعارض بين حديث مالك بن الحويرث، وبين الأحاديث المتقدمة في تقديم الأقرأ، فإن حديث مالك هو فيما إذا استووا في القراءة، والعلم بالسنة، والهجرة، فإن مالك بن الحويرث وأصحابه قدموا معًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم شببة متقاربون، فأقاموا عنده عشرين يومًا، فاستووا في القراءة، والعلم بالسنة، والهجرة، لكونهم شبابًا متقاربين في السن، ولتساوي مدة إقامتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي التفاضل بينهم بالسن، لذا قال لهم صلى الله عليه وسلم:"وليؤمكم أكبركم"، وهذا هو ما فهمه رواة الحديث، فلما سأل خالد الحذاء فقال: قلت لأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربَينِ.

وقال الشافعي: "هؤلاء قوم قدِموا معًا فاشتبهوا أن تكون قراءتهم وتفقههم سواءً، فأُمروا أن يؤمهم أكبرهم"[المعرفة للبيهقي (2/ 397)].

ص: 545

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن الحديث الذي رواه ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم".

ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر، فقال:"إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم".

قلت لأبي: قد اختلف الحديثان؟

فقال: حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين" [العلل (1/ 91/ 247)].

يعني: يُقدَّم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر سنًّا، ولكن لما استوت هذه الخصال في حديث مالك، صار التفضيل بالسن.

وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب: إذا استووا في القراءة فلْيؤمَّهم أكبرهم"، وبنحوه ترجم له البيهقي في السنن (3/ 120).

وترجم له ابن خزيمة بقوله: "باب ذكر استحقاق الإمامة بكبر السن إذا استووا في القراءة والسنة والهجرة".

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/ 255): "قال المهلب: وإنما اشترط السن في الإمامة لعلمه صلى الله عليه وسلم باستوائهم في القراءة والفقه، فطلب الكمال بالسن"، وقال أيضًا (2/ 307):"لا خلاف بين العلماء أنهم إذا استووا في القراءة والفقه والفضل، فالأسنُّ أولى بالتقديم"، وقد استدل على تساويهم في ذلك، بتقاربهم في السن وتساويهم في مدة التعليم.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 170): "وأجاب الزين ابن المنير وغيره بما حاصله: أن تساوي هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها، مع ما في الشباب غالبًا من الفهم، ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلِّموا مَن وراءَهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض: دالٌّ على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين".

• ومن فوائد رواية أيوب:

قال أبو عوانة في صحيحه (1/ 277): "وفي حديث أيوب: دليل على أنه يجب على من رحل في العلم إذا رجع إلى وطنه أن يقيم عندهم فليعلمهم ما استفاد في رحلته من علم يجب عليهم تعليمه".

***

590 -

. . . حسين بن عيسى الحنفي: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِيؤذِّنْ لكم خيارُكم ولْيؤمَّكم قُرَّاؤكم".

• حديث منكر.

أخرجه ابن ماجه (726)، وأبو يعلى (4/ 231/ 2343)، والطبراني في الكبير (11/ 237/ 11603)، وابن عدي في الكامل (2/ 355)، والدارقطني في الأفراد (1/ 463 -

ص: 546

464/ 2549 - أطرافه)، والبيهقي (1/ 426)، والبغوي في شرح السنة (3/ 399/ 837)، والمزي في التهذيب (6/ 464).

قال ابن عدي بعد أن ذكر حديثًا آخر بنفس هذا الإسناد: "وهذان الحديثان بمتنيهما يحتملان؛ لأن الحكم بن أبان فيه ضعف، ولعل البلاء فيه ليس من الحسين بن عيسى، وللحسين بن عيسى غير ما ذكرت من الحديث شيء قليل، وعامة حديثه غرائب، وفي بعض حديثه مناكير".

وقال الدارقطني: "تفرد به حسين بن عيسى أخو سليم المقرئ عن الحكم بن أبان".

قلت: هو حديث منكر، والحكم بن أبان بريء من عهدته عندي، وإن كان فيه لين، وإن كان قد تفرد عن عكرمة بأحاديث، فقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وابن حبان، وقال:"ربما أخطأ"، وقال أبو زرعة:"صالح"، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وابن المديني وأحمد، وقال البزار:"ليس به بأس"، وقال الحاكم:"صدوق"، وأثنى عليه آخرون، وقرنه ابن المبارك باثنين من الضعفاء، وقال:"ارم بهؤلاء"، وتكلم فيه آخرون مثل: ابن خزيمة، والعقيلي، وابن عدي، والخليلي، واعتذر له ابن حبان بأن المناكير التي وقعت في رواياته إنما هي من جهة من روى عنه من الضعفاء [العلل ومعرفة الرجال (3/ 10/ 3916)، الجرح والتعديل (3/ 113)، ثقات العجلي (282)، ضعفاء العقيلي (1/ 255)، ثقات ابن حبان (6/ 186)، تاريخ أسماء الثقات (215)، كشف الأستار (2640 و 3456)، المستدرك (2/ 204)، الإرشاد (1/ 325)، الميزان (1/ 569)، التهذيب (1/ 461)].

وإنما البلاء فيه من الحسين بن عيسى الحنفي، فإنه منكر الحديث، قال البخاري:"مجهول، وحديثه منكر"، وقال أبو حاتم:"ليس بالقوي، روى عن الحكم بن أبان أحاديث منكرة"، وقال أبو زرعة:"منكر الحديث"، وقال أبو داود:"بلغني أنه ضعيف"[الميزان (1/ 545)، التهذيب (1/ 434)]، والله أعلم.

• ومما صح في الباب غير ما تقدم:

حديث أبي سعيد الخدري:

يرويه قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهم أحدُهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم"، وفي رواية:"إذا اجتمع ثلاثة".

أخرجه مسلم (672)، وأبو عوانة (1/ 354 و 355/ 1269 - 1272)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 265/ 1501 و 1502)، والنسائي في المجتبى (2/ 77 و 103/ 782 و 840)، وفي الكبرى (1/ 420 و 442/ 859 و 916)، والدارمي (1/ 318/ 1254)، وابن خزيمة (3/ 4/ 1508)، وابن حبان (5/ 504/ 2132)، وأحمد (3/ 24 و 34 و 36 و 48 و 51 و 84)، والطيالسي (3/ 610/ 2266)، وابن أبي شيبة (1/ 302/ 3452)، وعبد بن حميد (878)، وأبو يعلى (2/ 468 و 486/ 1291 و 1319)، وأبو العباس السراج في

ص: 547

مسنده (1278 - 1280 و 1282 - 1284)، وفي البيتوتة (36)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1237 - 1240 و 1242 - 1245)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 157/ 1947)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 51/ 2706)، وابن حزم في المحلى (4/ 207) و (5/ 48)، وقال:"وهذا خبر صحيح". والبيهقي (3/ 89 و 119)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 525)، والبغوي في شرح السنة (3/ 399/ 836)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن الجوزي في التحقيق (717).

رواه عن قتادة به هكذا: شعبة، وهشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وأبو عوانة، وهمام بن يحيى، وسعيد بن بشير.

• واختلف فيه على سعيد بن أبي عروبة:

فرواه عنه به هكذا كالجماعة: يحيى بن سعيد القطان، وعبدة بن سليمان، وابن أبي عدي، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وغندر محمد بن جعفر، وأبو بدر شجاع بن الوليد، ومحمد بن بكر البرساني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وفيهم من أثبت أصحاب سعيد الذين رووا عنه قبل الاختلاط: يحيى بن سعيد، وعبدة بن سليمان، وابن المبارك. الكواكب النيرات (25)، شرح علل الترمذي (2/ 743)].

خالف هؤلاء:

إسماعيل بن علية [ثقة ثبت]، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مثله، ولم يرفعه.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1285)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1246).

هكذا رواه ابن علية عن ابن أبي عروبة به موقوفًا، ورفعه الجماعة من ثقات أصحاب ابن أبي عروبة ممن روى عنه قبل الاختلاط وبعده، فالرفع صحيح ثابت.

• تنبيه: زاد أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ] عن هشام الدستوائي: "في سفر"، فقال:"إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم"[عند الطيالسي في مسنده - في أكثر النسخ، وفي نسخة بدون الزيادة - ومن طريقه: أبو عوانة بدونها، والبيهقي بإثباتها]، وتابعه عليها: يزيد بن زريع [ثقة ثبت][عند ابن حبان]، وقد رواه جماعة من أصحاب هشام [مثل: يحيى بن سعيد القطان، وابنه معاذ، وأبي عامر العقدي، وابن أبي عدي] بدونها.

قال أبو عوانة في صحيحه (1/ 355): "أخرجوا أصحابنا حديث هشام الدستوائي؛ لأنه أتم، وذكر فيه السفر".

• ووقع في رواية ابن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة وشعبة [عند السراج، والخطيب]: "إذا اجتمع ثلاثة نفر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم"، بزيادة:"نفر".

ص: 548

وانظر فيمن وهم فيه على قتادة من الضعفاء: مسند السراج (1286)، حديث السراج (1247)، الكامل (4/ 113).

• ورواه أيضًا: سعيد بن إياس الجريري [من رواية: ابن المبارك، وسالم بن نوح عنه]، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اجتمع ثلاثة أمَّهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم".

أخرجه مسلم (672)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 265/ 1503)، وابن خزيمة (3/ 100/ 1701)، وأبو العباس السراج في مسنده (1281)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1241)، وابن عدي في الكامل (3/ 347)، والدارقطني (1/ 273).

• ولحديث أبي سعيد إسناد آخر:

يرويه أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سافر قوم ليس معهم أمير فليؤمَّهم أقرؤهم لكتاب الله".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/ 403/225)، وابن عدي في الكامل (5/ 79)، وتمام في الفوائد (687).

من طريقين عن أبي هارون العبدي به، وأبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري: متروك، كذبه جماعة [التهذيب (3/ 207)].

• ومما قد يحتج به بعضهم في هذا الباب:

1 -

حديث أبي هريرة:

يرويه البزار في مسنده (15/ 192/ 8577)، قال: حدثنا محمد بن حميد القطان الجنديسابوري، قال: نا عبد الله بن رُشَيد، قال: نا محمد بن الزبرقان، قال: نا ثور بن يزيد، عن مهاجر بن حبيب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم، وإن كان أصغركم، وإذا أمَّكم فهو أميركم".

قال البزار: "وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلمه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية أبي هريرة بهذا الإسناد، وقد روى أبو هريرة وغيره بعض هذا الكلام، فأما بهذا اللفظ فلا، ولا روى مهاجر بن حبيب عن أبي سلمة غير هذا الحديث".

وتساهل الهيثمي فقال في المجمع (2/ 64): "رواه البزار، وإسناده حسن"، ثم عاد إلى الصواب فقال في موضع آخر (5/ 255):"رواه البزار، وفيه من لم أعرفه".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد بوصله محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي، وهو: ليس به بأس [التهذيب (3/ 563)]، وفي الإسناد إليه: عبد الله بن رشيد الجنديسابوري، قال جعفر بن محمد الجوزي:"ثنا عبد الله بن رشيد، وكان ثقة"، وقال ابن حبان في الثقات:"مستقيم الحديث"، وقال البيهقي:"لا يحتج به"، وقال الذهبي:"ليس بقوي، وفيه جهالة"[صحيح أبي عوانة (4/ 386/ 7044)، الثقات (8/ 343)، سنن البيهقي (6/ 108)، الأنساب (2/ 95)، المغني (1/ 338)، ذيل الميزان (469)، اللسان (4/ 477)]،

ص: 549

وشيخ البزار: لم أهتد إليه بعد طول بحث، ولم يذكره السمعاني في ترجمة الجنديسابوري في كتابه الأنساب (2/ 94)، مع أنه ذكر جماعة من الضعفاء من أهل جنديسابور [وانظر: الأحكام الوسطى (1/ 322)].

وهذا الحديث قد رواه على الصواب مرسلًا:

سفيان الثوري، وعيسى بن يونس، ووكيع بن الجراح [وهم ثقات حفاظ]: عن ثور بن يزيد، عن مهاجر بن حبيب الزبيدي، قال: اجتمع أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير [وفي رواية: جلست إلى أبي سلمة وسعيد بن جبير]، فقال سعيد لأبي سلمة: حدِّث فإنا سنتبعك، فقال أبو سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم، وإن كان أصغرهم سنًّا، فإذا أمَّهم فهو أميرهم"، قال أبو سلمة: فذاكم أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 390/ 3812)(5/ 165/ 9256)، وابن أبي شيبة (1/ 302/ 3457)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (46).

هكذا وقع في المصادر التي عزوت لها الحديث: مهاجر [بالجيم] بن حبيب [عدا طبعة محمد عوامة لمصنف ابن أبي شيبة (3476)، ففيها: مهاصر بن حبيب][وفي الموضع الأول من مصنف عبد الرزاق: مهاجر بن ضمرة. (1/ 310 - مخطوط) (1/ 155/ أ)]، والذي في كتب الرجال: مهاصر [بالصاد] بن حبيب أبو ضمرة الزبيدي الشامي، أخو ضمرة بن حبيب، وهو: لا بأس به [الطبقات الكبرى (7/ 460)، التاريخ الكبير (8/ 66)، كنى مسلم (1718)، الأسماء المفردة (196)، الجرح والتعديل (8/ 439)، معرفة الثقات (1803)، الثقات (5/ 454) و (7/ 525)، فتح الباب (4040)، الإكمال (7/ 303)]، وعليه فإن الذي في المصادر المشار إليها مصحَّف، صوابه: مهاصر بن حبيب.

وتابع ثور بن يزيد عليه: معاوية بن صالح، وفرج بن فضالة، فروياه عن المهاصر بن حبيب، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.

ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 76/ 225 - ط سعد الحميد)(1/ 84/ 225).

وله إسناد آخر عن أبي سلمة يأتي ذكره والكلام عليه في موضعه من سنن أبي داود - إن شاء الله تعالى - برقم (2608 و 2609)، وانظر: علل ابن أبي حاتم (1/ 84/ 225)، علل الدارقطني (9/ 326/ 1795).

2 -

حديث جابر بن عبد الله:

يرويه: عبد الله بن محمد العدوي [متروك، منكر الحديث، رماه وكيع بالوضع.

الميزان (2/ 485)، التهذيب (2/ 428)] [والراوي عنه: الوليد بن بكير أبو خباب: لين الحديث، وقد اختلف فيه على فضيل بن مرزوق أحد من رواه عن الوليد بن بكير، فروي عنه عن الوليد على أوجه، هذا هو المحفوظ منها، والبقية أوهام من فضيل، أو ممن روى عنه، وانظر: علل الدارقطني (13/ 357/ 3244)].

ص: 550

وحمزة بن حسان [مجهول، وهو أحد شيوخ بقية المجهولين الذين لا يعرَّج عليهم، قاله ابن حجر. اللسان (3/ 288 و (8/ 184)][والراوي عنه: بقية بن الوليد، ولم يصرح بسماع].

وحماد بن سلمة [ثقة إمام؛ لكن لا يثبت عنه؛ ففي الإسناد إليه: محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وهو ممن يضع الحديث، وقد تلوَّن في إسناد هذا الحديث أشكالًا. اللسان (7/ 295)].

وسفيان بن سعيد الثوري [ثقة متقن، إمام حجة، لكنه ليس من حديثه؛ تفرد به عنه زيد بن أبي الزرقاء، وتفرد به مُهَنى بن يحيى الشامي عن زيد، قاله الدارقطني. اللسان (8/ 183)، أطراف الأفراد (1571)].

رواه أربعتهم: عبد الله بن محمد العدوي، وحمزة بن حسان، وحماد بن سلمة [ولا يصح عنه]، وسفيان الثوري [ولا يصح عنه]:

عن علي بن زيد بن جدعان [ضعيف]، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغَلوا، وَصِلُوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية؛ تُرزَقوا وتُنصَروا وتُجْبَروا، واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا، إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمامٌ عادلٌ أو جائرٌ، استخفافًا بها، أو جحودًا لها، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاةَ له، ولا زكاةَ له، ولا حَجَّ له، ولا صومَ له، ولا بِرَّ له، حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه، ألا لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلًا، ولا يؤُمَّ أعرابيٌّ مهاجرًا، ولا يؤُمُّ فاجرٌ مؤمنًا، إلا أن يقهره بسلطان، يخاف سيفه وسوطه".

أخرجه ابن ماجه (1081)، وعبد بن حميد (1136)، وأبو يعلى (3/ 382/ 1856)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 298)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 129/ 1878)، وابن حبان في المجروحين (2/ 305 - 306)، والطبراني في الأوسط (2/ 64/ 1261)، وابن عدي في الكامل (4/ 181)، والدارقطني في الأفراد (1/ 298/ 1571 - أطرافه)، وفي العلل (13/ 358/ 3244)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (6/ 1045/ 1933)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 295 - 296)، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 347)، والقضاعي في مسند الشهاب (723 و 724)، والبيهقي في السنن (3/ 90 و 171)، وفي الشعب (3/ 105/ 3014)، وفي فضائل الأوقات (261 و 262)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 266)، وأبو طاهر بن أبي الصقر في مشيخته (95)، والشجري في الأمالي الخميسية (2/ 406)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 311 و 312)، والمزي في التهذيب (16/ 103).

قال أبو حاتم: "هو حديث منكر"[العلل (2/ 129/ 1878)].

وقال العقيلي: "وقد روي هذا الكلام من وجه آخر بإسناد شبيه بهذا في الضعف".

ص: 551

وقال ابن عدي: "وعبد الله بن محمد العدوي له من الحديث شيء يسير، وهو معروف بحديث الجمعة الذي يرويه عنه الوليد بن بكير، والذي ذكرته".

وقال الدارقطني في العلل (9/ 210/ 1727): "غير ثابت".

وقال في الأفراد: "هذا حديث غريب من حديث سفيان الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، تفرد به زيد بن أبي الزرقاء عنه، وتفرد به مهنى بن يحيى عن زيد"[أطراف الغرائب (1571)، تاريخ بغداد (13/ 266)، تاريخ دمشق (61/ 311)].

وعلق عليه الخطيب بقوله: "وهذا الحديث إنما يحفظ من رواية بقية بن الوليد عن حمزة بن حسان عن علي بن زيد، ولا نحفظه عن الثوري بوجه من الوجوه".

وقال البيهقي: "عبد الله بن محمد هو العدوي: منكر الحديث، لا يتابع في حديثه، قاله محمد بن إسماعيل البخاري، وروى كاتب الليث، عن نافع بن يزيد، وأبو يحيى الوقار، عن خالد بن عبد الدائم، عن نافع بن يزيد، عن زهرة بن معبد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، معنى هذا في الجمعة، وهو أيضًا ضعيف".

وذكره النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (2427)، وضعفه.

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 190): "والعدوي هذا، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال الدارقطني: متروك، وقال العقيلي: وقد روي هذا من وجه آخر يشبه هذا في الضعف.

وذكر الدارقطني في العلل: أنه رواه أبو فاطمة مسكين بن عبد الله الطفاوي وحمزة بن حسان، عن علي بن زيد أيضًا، ورواه الثوري عن علي بن زيد أيضًا، ثم خرجه من طريق مهنأ بن يحيى الشامي -صاحب الإمام أحمد-: حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن علي بن زيد فذكره مختصرًا، وهذا إسناد قوي؛ إلا أن الحديث منكر؛ قاله أبو حاتم الرازي، وقال الدارقطني: هو غير ثابت، وقال ابن عبد البر: أسانيده واهية، قلت: وقد روي أوله من طرق متعددة، كلها واهية" [وانظر: علل الدارقطني (13/ 357/ 3244)].

وقال ابن رجب في موضع آخر (5/ 327): "وفي إسناده ضعف واضطراب واختلاف".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 434): "وهو حديث ضعيف".

وقال ابن حجر: "غير ثابت"[الإمتاع (98)، المقاصد الحسنة (1213)]، وقال في البلوغ (328):"إسناده واهٍ".

• قلت: ورواه العدوي [المتقدم ذكره، والمتهم بهذا الحديث]، بإسناد آخر، من حديث طلحة بن عبيد الله.

أخرجه أبو بكر الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (88).

• ورواه أيضًا: محمد بن عبد الرحمن بن غزوان الوضاع بثلاثة أسانيد أخرى، من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 552

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 305 - 306)، عن شيخه محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام بهذه الأسانيد الأربعة، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وأنا خائف أنه كذاب، .....

• وروي بعضه من حديث:

أ - أبي هريرة [عند ابن حبان في المجروحين (1/ 280)، وابن عدي في الكامل (3/ 44)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 456/ 781)، وهو حديث موضوع، في إسناده: خالد بن عبد الدائم: متروك الحديث، روى أحاديث موضوعة. اللسان (3/ 326)][والراوي عنه: زكريا بن يحيى الوقار: يضع الحديث، كذبه صالح جزرة. اللسان (3/ 517)][وقال الدارقطني في العلل (9/ 210/ 1727): "غير ثابت"].

ب - أبي سعيد الخدري [عند الطبراني في الأوسط (7/ 192/ 7246)، وإسناده واهٍ، ومداره على فضيل بن مرزوق، وهو وهم من راويه عنه عليه، حيث سلك فيه الجادة والطريق السهل، والحديث يرجع إلى العدوي المتقدم ذكره].

وانظر أيضًا: المغني عن حمل الأسفار (2/ 983)، مصباح الزجاجة (1/ 129/ 386)، التلخيص (2/ 32)، اللسان (8/ 183).

3 -

حديث ابن عمر:

يرويه محمد بن الفضل بن عطية، عن صالح بن حسان، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليؤمكم أقرؤكم، وإن كان ولد زنا".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 163)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 414)، وأبو طاهر السِّلَفي في معجم السفر (730)، وعلقه ابن حبان في المجروحين (1/ 368)، في ترجمة صالح بن حسان هذا، واتهمه بالوضع.

وقال ابن عدي بعد أن أورده في ترجمة محمد بن الفضل بن عطية، عن صالح بن حيان [كذا]، قال:"وهذا لا أعلم يرويه عن صالح بن حيان غير محمد بن الفضل".

ومحمد بن الفضل بن عطية: متروك الحديث، كذاب [التهذيب (3/ 675)، الميزان (4/ 6)][وانظر: الأحكام الوسطى (1/ 321)، بيان الوهم (2/ 350/ 346)]، وصالح بن حسان الأنصاري النضري المدني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (2/ 191)].

فهو حديث موضوع.

4 -

حديث أبي هريرة:

يرويه أبو الوليد المخزومي: ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن سرَّكم أن تزكُّوَ صلاتكم فقدِّموا خياركم".

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 42)، والدارقطني (1/ 346).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن ابن جريج بهذا الإسناد منكر".

وقال الدارقطني: "أبو الوليد هو خالد بن إسماعيل: ضعيف".

ص: 553

قلت: هو حديث موضوع، خالد بن إسماعيل بن الوليد المخزومي: كان يضع الحديث على الثقات [اللسان (3/ 314 و 344)، الأحكام الوسطى (1/ 322)].

• ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (2/ 51)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 418/ 709)، وفي التحقيق (719)، وفي المنتظم (14/ 159).

من طريق هوذة بن خليفة البكراوي عن ابن جريج به، لكن في الإسناد إليه: محمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون أبو الحسين الرازي المكتب، قال الخطيب:"وكان غير ثقة"، ثم قال:"هذا حديث منكر بهذا الإسناد، ورجاله كلهم ثقات، والحمل فيه على الرازي"، قلت: وهو متهم بالوضع [انظر: اللسان (6/ 574)، التنقيح (2/ 467/ 1142)].

5 -

حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي:

يرويه يحيى بن يعلى، عن عبد الله بن موسى [وفي رواية: عمر بن موسى]، عن القاسم السامي -من ولد سامة بن لؤي-، عن مرثد بن أبي مرثد الغنوي -وكان بدريًّا-، ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن شئتم [وفي رواية: إذا سرَّكم، أن تُقبل صلاُتكم فليؤمَّكم خياركم؛ فإنهم وفدكم إلى ربكم عز وجل".

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 317/244)، وابن قانع في المعجم (3/ 70)، والطبراني في الكبير (20/ 328/ 777)، والدارقطني (2/ 88)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2563/ 6187)، وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 299).

قال الدارقطني: "إسناد غير ثابت، وعبد الله بن موسى ضعيف".

هكذا رواه عن يحيى بن يعلى الأسلمي: حسين بن نصر بن مزاحم المنقري العطار [لم أقف له على ترجمة][وقال: عمر بن موسى]، والقاسم بن أبي شيبة [ضعيف. ضعفاء النسائي (520)، ضعفاء الدارقطني (441)، سؤالات البرذعي (371)، اللسان (6/ 372)]، وإسماعيل بن أبان الوراق [ثقة]، وسليمان بن داود الشاذكوني [حافظ؛ إلا أنه متروك، رماه الأئمة بالكذب. انظر: اللسان (4/ 142)].

وخالفهم: عبيد الله بن موسى [ثقة]: أنا يحيى بن يعلى، عن القاسم الشيباني، عن مرثد بن أبي مرثد الغنوي -وكان بدريًّا-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه الحاكم (3/ 222).

قال ابن حجر في الإتحاف (13/ 16535/164): "فيه انقطاع".

وخالفهم: موسى بن هشام البجلي [لم أقف له على ترجمة]، فرواه عن يحيى بن يعلى: ثنا عبد الله بن زيد، عن حرملة بن عمر، عن عبد العزيز بن حكيم، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقدِّموا سفهاءكم في صلاتكم، ولا على جنائزكم، فإنهم وفدكم إلى ربكم".

ضعف إسناده البيهقي في الخلافيات (2/ 303 - مختصره).

ص: 554

وذكره ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 469/ 1145)، وقال:"رُوي بإسناد مظلم"، وقال أيضًا:"قال شيخنا أبو الحجاج: في إسناده غير واحد من المجهولين".

قلت: الوجه الثالث: منكر جدًّا، والوجهان الأول والثاني يدلان على اضطراب يحيى بن يعلى الأسلمي في إسناد هذا الحديث؛ فإنه ضعيف، مضطرب الحديث، فكان مرة يذكر الواسطة، ومرة يحذفها، وعبد الله بن موسى هذا هو: عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي الحمصي، وهو: متروك، منكر الحديث، بل قال أبو حاتم وابن عدي:"يضع الحديث"، وقال ابن معين:"كذاب، ليس بشيء"[اللسان (5/ 24) و (6/ 149)]، وأخاف أن تكون نسبة القاسم ساميًا من كيس أحدهما، ولعله القاسم أبو عبد الرحمن الشامي صاحب أبي أمامة، وهو الأقرب، فيكون الحديث أيضًا مرسلًا.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1384): "هكذا في هذا الحديث بهذا الإسناد: عن القاسم أبي عبد الرحمن، قال: حدثني مرثد بن أبي مرثد، وهو عندي وهم وغلط؛ لأنه قد قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه، لم يدركه القاسم المذكور، ولا رآه، فلا يجوز أن يقال فيه: حدثني؛ لأنه منقطع، أرسله القاسم أبو عبد الرحمن عن مرثد بن أبي مرثد هذا، إلا أن يكون رجل آخر وافق اسمه اسم أبيه وشهد أيضًا بدرًا".

فتعقبه ابن حجر في الإصابة (6/ 70)، فقال:"الوهم ممن قال عن القاسم: حدثني مرثد، وإنما الصواب أنه قال: عن مرثد، كذا عند جمهور من أخرج الحديث المذكور بالعنعنة، والله تعالى أعلم".

والحاصل: أن هذا الحديث باطل.

• ورواه الحسين بن نصر المؤدب: ثنا سلام بن سليمان: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن يزيد، عن محمد بن واسع، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله عز وجل".

أخرجه الدارقطني (2/ 87)، والبيهقي (3/ 90)، وابن الجوزي في التحقيق (720).

قال البيهقي: "إسناد هذا الحديث ضعيف".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 322): "قال الدارقطني: عمر هذا هو عندي: عمر بن يزيد قاضي المدائن. ولم يقل فيه أكثر من هذا، ولم أجد عمر بن يزيد هذا، ولا وجدت فيما رأيت أكثر من عمر بن يزيد المدائني: يروي عن عطاء وغيره، ذكره ابن عدي، وقال فيه: منكر الحديث، وذكر له أحاديث، ولم يذكر هذا فيها [انظر: الكامل (5/ 29)، اللسان (6/ 161)]، ولعل عمر بن يزيد المدائني غير قاضي المدائن، والله أعلم، وسلام بن سليمان أيضًا مدائني: ليس بقوي".

قلت: سلام الطويل: متروك، وتعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 149/ 857)، فقال:"وردَّه بعمر بن يزيد قاضي المدائن، وسلام بن سليمان، وأعرض من إسناده عن الحسين بن نصر المؤدب، راويه عن سلام بن سليمان المذكور وهو لا يعرف".

ص: 555

وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 468/ 1143): "هذا الحديث منكر، ولو صح حمل على الأولوية".

قلت: هو كما قال: حديث منكر.

• ورواه الحارث بن أبي أسامة (3/ 779/ 434 - مطالب)(144 - بغية الباحث)، قال: حدثنا داود بن المحبر: ثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن علاق بن أبي مسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إمام القوم وافدهم إلى الله عز وجل، فقدموا أفضلكم".

وهذا حديث موضوع؛ علاق بن أبي مسلم: مجهول، قال فيه ابن حبان:"شيخ يروي عن أنس وأبان بن عثمان: ما ليس يشبه حديث الأثبات؛ على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وهو الذي روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ترك العشاء مهرمة"، وهذا لا أصل له"[المجروحين (2/ 174)، التهذيب (3/ 350)، التقريب (483)]، وعنبسة بن عبد الرحمن الأموي: متروك، منكر الحديث، قال أبو حاتم:"كان يضع الحديث"، واتهمه أيضًا: الأزدي وابن حبان [التهذيب (3/ 333)]، وداود بن المحبر: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع [انظر: التاريخ الكبير (3/ 244)، التهذيب (1/ 570)، إكمال مغلطاي (4/ 263)، الميزان (2/ 20)].

6 -

حديث ابن عمر:

يرويه سليمان بن توبة النهرواني [صدوق]، قال: حدثنا علي بن يزيد الصدائي، قال: حدثنا الهيثم بن عُقاب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمَّ قومًا وفيهم أقرأ لكتاب الله منه وأعلم: لم يزل في سفال إلى يوم القيامة".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 355).

قال العقيلي: "الهيثم بن عقاب: كوفي، مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به"، ونقله عبد الحق في أحكامه الوسطى (1/ 322).

خالفه الحسين بن علي بن يزيد الصدائي [صدوق]، قال: حدثنا أبي، عن حفص بن سليمان، عن الهيثم بن عقاب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر به مرفوعًا.

أخرجه ابن السماك في الثاني من أماليه (18)، والطبراني في الأوسط (5/ 28 - 29/ 4582)، وابن عدي في الكامل (2/ 381).

قال الطبراني: "لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسين بن علي".

وقال ابن عدي: "قال لنا عبدان: والناس يقولون: إن هذا الهيثم المذكور في هذا الإسناد، هو الهيثم بن حبيب الصراف، وليس كما يقولون".

والوجه الثاني هو الأشبه بالصواب؛ لأمور: الأول: أن من زاد في الإسناد معه زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، لا سيما وهم متقاربان في الضبط، والثاني: أن حفص بن سليمان هو المتفرد بهذا الحديث، وهو ما يُشعر به كلام الطبراني، وقال ابن

ص: 556

عدي: "وهذا الحديث لا يرويه عن الهيثم غير حفص هذا"، الثالث: أن هذا الاختلاف من علي بن يزيد الصدائي نفسه، فإنه: منكر الحديث عن الثقات، عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقد أنكر الذهبي في الميزان هذا الحديث على الصدائي هذا [الميزان (3/ 162)، التهذيب (3/ 199)].

لكني وجدت له متابعًا:

فقد رواه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 2018/ 1670) بإسناده إلى آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا أبو عمر البزاز حفص بن سليمان الغاضري، عن الهيثم بن أبي الهيثم الفقيه، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر به مرفوعًا.

قال الدارقطني: "تفرد به آدم عن أبي عمر عن الهيثم بن أبي الهيثم، وهو الصيرفي".

قلت: فإن كان هذا محفوظًا عن آدم بن أبي إياس، فالهيثم المذكور في هذا الإسناد هو: الهيثم بن حبيب الصيرفي كما قال الدارقطني، وهو ثقة مشهور، ولا أظنه محفوظًا عن آدم، فالمتفرد به عنه: أبو ذهل عبيد بن الغازي العسقلاني، وليس بذاك المشهور، ذكره ابن حبان في الثقات [الثقات (8/ 433)، تكملة الإكمال (4/ 361)]، وفي تفرد مثله عن آدم بن أبي إياس ما فيه، ولو كان من حديث آدم لاشتهر عنه بحيث لا يخفى مثل هذا الإسناد على عبدان الأهوازي والعقيلي والطبراني وابن عدي، بل جزم عبدان بأن الهيثم المذكور في إسناد هذا الحديث ليس هو ابن حبيب الصيرفي، وعليه فيبقى أنه الهيثم بن عقاب، حيث ورد مصرحًا به في رواية الصدائي، والله أعلم.

وعليه: فهو حديث منكر، تفرد به عن محارب بن دثار: الهيثم بن عقاب، وهو مجهول [اللسان (8/ 363)]، وتفرد به عنه: حفص بن سليمان الغاضري القارئ، وهو: متروك الحديث، وإن كان إمامًا في القراءة.

وانظر أيضًا: التنقيح (2/ 470 - 480/ 1147 - 1159).

***

• ومن فقه أحاديث الباب:

قال الترمذي: "وحديث أبي مسعود: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: أحق الناس بالإمامة: أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة، وقالوا: صاحب المنزل أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أذِن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي به، وكرهه بعضهم، وقالوا: السنة أن يصلي صاحب البيت، قال أحمد بن حنبل: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يُؤَمُّ الرجلُ في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه" فإذا أذِن فأرجو أن الإذن في الكُلِّ، ولم ير به بأسًا إذا أذِن له أن يصلى به".

وقال الإمام الشافعي في الأم (2/ 300/ 280) بعد حديث مالك بن الحويرث: "هؤلاء قومٌ قدِموا معًا فأشبهوا أن تكون قراءتُهم وتفقُّهُهم سواءً فأُمِروا أن يؤمَّهم أكبرُهم، وبذلك آمرهم، وبهذا نأخذ، فنأمر القوم إذا اجتمعوا في الموضع ليس فيهم والٍ، وليسوا

ص: 557

في منزل أحدٍ، أن يقدِّموا أقرأَهم وأفقهَهم وأسنَّهم، فإن لم يجتمع ذلك في واحد فإن قدَّموا أفقههم إذا كان يقرأ القرآن فقرأ منه ما يُكتفى به في صلاته فحسنٌ، وإن قدَّموا أقرأَهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسنٌ، ويقدِّموا هذين معًا على من هو أسنُّ منهما، وإنما قيل -والله تعالى أعلم-: أن يؤمَّهم أقرؤهم أن من مضى من الأئمة كانوا يسلمون كبارًا، فيتفقهون قبل أن يقرؤوا القرآن، ومَن بعدهم كانوا يقرؤون القرآن صغارًا قبل أن يتفقهوا، فأشبه أن يكون من كان فقيهًا إذا قرأ من القرآن شيئًا أولى بالإمامة؛ لأنه قد ينوبه في الصلاة ما يعقل كيف يفعل فيه بالفقه، ولا يعلمه من لا فقهَ له، وإذا استووا في الفقه والقراءة أَمَّهم أسنُّهم، وأمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمَّهم أسنُّهم -فيما أرى والله تعالى أعلم- أنهم كانوا مشتبهي الحال في القراءة والعلم، فأمَر أن يؤمَّهم أكبرُهم سنًّا، ولو كان فيهم ذو نسب فقدَّموا غير ذي النسب أجزأهم، وإن قدَّموا ذا النسب اشتبهت حالهم في القراءة والفقه كان حسنًا؛ لأن الإمامةَ منزلةُ فضلٍ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قَدِّموا قريشًا ولا تقدَّموها"[قلت: قال البيهقي في السنن (3/ 121): "هذا مرسل، وروي موصولًا، وليس بالقوي"]، فأُحبُّ أن يُقَدَّمَ من حضر منهم اتِّباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان فيه لذلك موضعٌ

قال الشافعي: وصاحب المسجد كصاحب المنزل، فأكره أن يتقدَّمه أحدٌ إلا السلطان.

ومَن أمَّ من الرجال ممن كَرِهْتُ إمامَتَه فأقام الصلاة أجزأتْ إمامَتُه، والاختيار ما وصفتُ من تقديم أهل الفقه والقرآن والسن والنسب.

وإن أمَّ أعرابيٌّ مهاجرًا، أو بدويٌّ قرويًّا فلا بأس إن شاء الله تعالى؛ إلا أني أحب أن يتقدَّم أهلُ الفضل في كل حالٍ في الإمامة، ومَن صلى صلاةً من بالغٍ مسلمٍ يقيم الصلاة أجزأته ومَن خلفَه صلاتُهم، وإن كان غير محمود الحال في دينه، أَيَّ غايةٍ بلغ يخالف الحمد في الدين، وقد صلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون فعاله من السلطان وغيره".

وقال محمد بن الحسن الشيباني في الآثار (159): "وإنما قيل: "أقرؤهم لكتاب الله"؛ لأن الناس كانوا في ذلك الزمان أقرأهم للقرآن أفقههم في الدين، فإذا كانوا في هذا الزمان على ذلك، فليؤمهم أقرؤهم، فإن كان غيره أفقه منه وأعلم بسنة الصلاة وهو يقرأ نحوًا من قراءته، فأفقههما وأعلمهما بسنة الصلاة أولاهما بالإمامة، وهو قول أبي حنيفة".

وقال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح (536): "قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة"، فينبغي للذي يقرأ القرآن أن يتعلم من السنة ما يقيم به صلاته؛ فهو حينئذ أولى بالصلاة".

وقال ابنه عبد الله: "سألت أبي عمن يتقدم في الصلاة: رجل يحفظ القرآن لا يرفع يديه إذا ركع، أو رجل يرفع لا يحفظ القرآن؟ قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، وينبغي له أن يرفع يديه لأنه السنة"[مسائل عبد الله (252)].

ص: 558

وقال في موضع آخر (393): "سألت أبي عن الرجل يصلي بالناس هل له في ذلك من ثواب؟ قال: إن كان في قرية وهو أقرأ القوم، أو في موضع: فليتقدمهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله".

قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة"، قال أبي: فينبغي لهذا أن يقرأ القرآن، وأن يتعلم من السنة ما يقيم به صلاته، فهو أولى بالصلاة" [وانظر أيضًا:(399)].

وقال في مسائل إسحاق الكوسج (155)، لما سأله: يؤم الرجل أباه؟ قال: "إي والله! يؤم القومَ أقرؤهم"[وانظر أيضًا: مسائل ابن هانئ (305 - 307)، مسائل أبي داود (298)].

وقال الكوسج (244): "قلت: قوله: "ولا يُؤمَّ الرجل في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه"؟ قال: أرجو أن يكون الاستثناء على كله، وأما التكرمة: فلا بأس إذا أذن له. قال إسحاق: كما قال".

وقال أيضًا (247): "قلت: يؤمُّ القومَ مَنْ لم يحتلم؟ فسكت.

قلت: حديث أيوب عن عمرو بن سلمة؟ قال: دعه ليس هو شيء بَيِّنٌ. جَبُنَ أن يقول فيه شيئًا.

قال إسحاق: كلما بلغ عشرًا، أو جاوز التسع؛ فقد عَلِمَ ما أُمِرَ به من الصلاة فصلى فهو جائز. قال إسحاق: يعني: تسع سنين".

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن الحديث الذي رواه ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم".

ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر، فقال:"إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم".

قلت لأبي: قد اختلف الحديثان؟

فقال: حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين" [العلل (1/ 91/ 247)].

يعني: يُقدَّم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر سنًّا.

وقال ابن المنذر: "القول بظاهر خبر أبي مسعود يجب؛ فيقدَّم الناسُ على سبيل ما قدَّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجاوَز ذلك، ولو قُدِّم إمامٌ غير هذا المثال كانت الصلاة مجزيةً، ويُكره خلافُ السنة"[الأوسط (4/ 150)].

وقال أيضًا: "إمامة غير البالغ جائزة إذا عقل الصلاة وقام بها؛ لدخوله في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم"، لم يذكر بالغًا ولا غير بالغ، والأخبار على العموم؛ لا يجوز الاستثناء فيها إلا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع، لا أعلم شيئًا يوجب بدفع حديث عمرو بن سلمة، ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" تقديم الابن علي الأب إذا كان أقرأ منه"[الأوسط (4/ 152)].

ص: 559

وقال أيضًا: "إمامة الأعمى كإمامة البصير لا فرق بينهما، وهما داخلان في ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، فأيهم كان أقرأ كان أحق بالإمامة، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديثًا"، ثم ذكر حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس، ثم قال:"وإباحة إمامة الأعمى كالإجماع من أهل العلم"[الأوسط (4/ 154)].

وقال أيضًا: "إمامة العبد جائزة، وإذا استووا في القراءة فالحر أحق بالإمامة من العبد، وإن كان العبد أقرأ فهو أولى بالإمامة؛ لحديث أبي سعيد"، ثم أسنده ثم قال:"ولم يذكر حرًّا ولا عبدًا، ويدل حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم" على مثل ما دل عليه حديث أبي سعيد، والله أعلم"[الأوسط (4/ 157)].

وقال أيضًا: "اختلف أهل العلم في الرجل يؤم أباه،

، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"يؤم القوم أقرؤهم" يدخل في ذلك الآباء والأبناء" [الأوسط (4/ 162)][وبمثل هذا الذي تقدم من قول ابن المنذر قال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 4 - 7 و 100)].

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/ 319): "أما العبد، والمولى، وولد البغي، والأعرابي، والصبي الذي لم يحتلم: فإمامتهم جائزة؛ لأنهم كلهم دخلوا في قوله: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"".

وقال البغوي في شرح السنة (3/ 395): "لم يختلف أهل العلم في أن القراءة والفقه يقدمان على قدم الهجرة، وتقدم الإسلام، وكبر السن في الإمامة.

واختلفوا في الفقه مع القراءة: فذهب جماعة إلى أن القراءة مقدمة على الفقه لظاهر الحديث، فالأقرأ أولى من الأعلم بالسنة، وإن استويا في القراءة، فالأعلم بالسنة -وهو الأفقه- أولى، وبه قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

وذهب قوم إلى أن الأفقه أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تصح بها الصلاة، وهو قول عطاء بن أبي رباح، وبه قال الأوزاعي، ومالك، وأبو ثور، وإليه مال الشافعي، فقال: إن قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفى به للصلاة فحسن، وإن قدم أقرؤهم إذا علم ما يلزمه فحسن، وإنما قدم هؤلاء الأفقه، لأن ما يجب من القراءة في الصلاة محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي في صلاته ما يفسد عليه صلاته، إذا لم يعرف حكمه، وإنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة لأنهم كانوا يسلمون كبارًا، فيفقهون قبل أن يقرؤوا، فلم يكن فيهم قارئ إلا وهو فقيه، ومن بعدهم يتعلمون القرآن صغارًا قبل أن يتفقهوا، فكل فقيه فيهم قارئ، وليس كل قارئ فقيهًا.

فإن استووا في القراءة والسنة: قال: "فأقدمهم هجرة، فإن الهجرة اليوم منقطعة، غير أن فضيلتها موروثة، فمن كان من أولاد المهاجرين، أو كان في آبائه وأسلافه من له سابقة في الإسلام والهجرة، فهو أولى ممن لا سابقة لأحد من آبائه وأسلافه، فإن استووا فالأكبر سنًّا أولى، لأنه إذا تقدم أصحابَه في السن، فقد تقدمهم في الإسلام.

ص: 560

قوله: "ولا يؤم الرجل في سلطانه" قيل: أراد به في الجمعات والأعياد، السلطان أولى لتعلق هذه الأمور بالسلاطين، فأما الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم، وقيل: السلطان أو نائبه إذا كان حاضرًا فهو أولى من غيره بالإمامة، وكان أحمد يرى الصلاة خلف أئمة الجور، ولا يراها خلف أهل البدع، ويُروى:"ولا يُؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه"، وأراد به أن صاحب البيت أولى بالإمامة إذا أقيمت الجماعة في بيته، وإن كانت الخصال في غيره إذا كان هو يحسن من القراءة والعلم ما يقيم به الصلاة،

"، وقد نقل أكثره من معالم السنن للخطابي (1/ 144).

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 5): "لا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه على غيرهما.

واختلف في أيهما يقدم على صاحبه، فمذهب أحمد رحمه الله: تقديم القارئ، وبهذا قال ابن سيرين والثوري وأصحاب الرأي، وقال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة؛ لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه، فيكون أولى كالإمامة الكبرى والحكم.

ولنا: ما روى أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله

"" فذكر الحديث، واحتج أيضًا بحديث أبي سعيد، وإمامة سالم مولى أبي حذيفة للمهاجرين الأوَل، وبحديث عمرو بن سلمة.

ثم قال: "فإن قيل: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ لأن أصحابه كان أقرؤهم أفقههم، فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه، قال ابن مسعود: كنا لا نجاوز عشر آيات، حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها.

قلنا: اللفظ عام؛ فيجب الأخذ بعمومه دون خصوص السبب، ولا يخص ما لم يقم دليل على تخصيصه، على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فإن استووا فأعلمهم بالسنة" ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة، ولو قدم القارئ لزيادة علم؛ لما نقلهم عند التساوي فيه إلى الأعلم بالسنة، ولو كان العلم بالفقه على قدر القراءة للزم من التساوي في القراءة التساوي فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أقرؤكم أبي، وأقضاكم علي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضكم زيد بن ثابت"، فقد فضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة، وفضل بالقراءة من هو مفضول بالقضاء والفرائض وعلم الحلال والحرام. قيل لأبي عبد الله: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، أهو خلاف حديث أبي مسعود [عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يؤم القوم أقرؤهم"]؟ قال: لا؛ إنما قوله لأبي بكر عندي: "يصلي بالناس" للخلافة، يعني: أن الخليفة أحق بالإمامة، وإن كان غيره أقرأ منه، فأمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه"، وما بين المعكوفين زدته على المغني من السنة للخلال (367)، والذي سأل الإمام أحمد هو أبو بكر الأثرم، وتتمة كلام

ص: 561

الإمام أحمد: "إنما أراد الخلافة بذلك، وقد كان لأبي بكر فضل بَيِّنٌ على غيره، وإنما الأمر في [الإمامة إلى] القراءة، فأما أبو بكر فإنما أراد به الخلافة، ثم قال أبو عبد الله: ألا ترى أن سالمًا مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم لأنه جمع القرآن، وحديث عمرو بن سلمة أمهم للقرآن"[وانظر: الاستذكار (2/ 353)].

وقد جاء أيضًا في السنة للخلال (365)، قال:"أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: قيل لأبي عبد الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم"، فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قدموا أبا بكر يصلي بالناس"، وقد كان في القوم مَن أقرأ مِن أبي بكر؟ فقال أبو عبد الله: إنما أراد الخلافة"[وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 299)].

وممن ذكر هذا المعنى أيضًا في الجمع بين الحديثين: أبو عوانة الإسفراييني، فقد قال في صحيحه (1/ 447):"يقال: إن في هذه الأحاديث إباحة البكاء في الصلاة، وبيان خلافة أبي بكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليؤمكم أقرؤكم"، وقد كان في أصحابه من هو أقرأ منه، وفيهم من هو أرفع وأبين صوتًا منه للقراءة، وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مر غيره يصلي بالناس؛ فإنه لا يستطيع، وإنه أَسيف، وإنه رقيق، وإنه يبكي في صلاته، فلم يأمر غيره، ولم يرضى بغيره؛ فدل قوله في خبر أبي مسعود حيث قال: "ولا يُؤَمَّنَّ رجلٌ في سلطانه" أنه الخليفة عليهم بعده، والله أعلم".

وقد ترجم البخاري في صحيحه لحديث أبي موسى: "مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"(678)، بقوله: بابُ أهلِ العلم والفضل أحقُّ بالإمامة، فقال ابن رجب في الفتح (4/ 117):"وهذا مما يستدل به من قال: إن الأفقه والأعلم مُقدَّم على الأقرأ؛ فإن أبي بن كعب كان أقرأ الصحابة، كما قال عمر: أبي أقرؤنا، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، أنه قال: "أقرأ أمتي لكتاب الله أبي بن كعب"،

، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على أبي بن كعب في الصلاة بالناس دل على أن الأعلم والأفقه والأفضل مقدم على الأقرأ.

وقد اختلف العلماء: هل يقدم الأقرأ على الأفقه، أم الأفقه على الأقرأ؟

فقالت طائفة: يقدم الأفقه، وهو قول عطاء والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور. وقال الليث: يؤمهم أفضلهم وخيرهم، ثم أقرؤهم، ثم أسنهم.

وقالت طائفة: يقدم الأقرأ على الأفقه، وحُكي عن الأشعث بن قيس وابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، حكاه عنهم ابن المنذر واختاره، وما حكيناه عن الثوري، حكاه أصحابه عنه في كتبهم المصنفة على مذهبه، ونص أحمد على أنه يُقدَّم الأقرأ إذا كان يعرف ما يحتاج إليه الصلاة من الفقه، وكذلك قال كثير من المحققين من أصحابه، وحكوا مذهبه على هذا الوجه.

واستدل من قدم الأقرأ بما خرجه مسلم في صحيحه من حديث أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري

" فذكره، وذكر أحاديث الباب في تقديم الأقرأ، ثم قال: "وقد تأوَّل الشافعي وغيره هذه الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب أصحابه، وكان

ص: 562

أكثرهم قرآنًا أكثرهم فقهًا؛ فإن قراءتهم كانت علمًا وعملًا بخلاف من بعدهم.

وأجيب عن هذا بوجهين:

أحدهما: أن هذا خطاب عام للأمة كلهم، فلا يختص بالصحابة.

والثاني: أنه فرق بين الأقرأ والأعلم بالسنة، وقدم الأقرأ عليه.

وأجاب الإمام أحمد عن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على أبي بن كعب وغيره، بأنه أراد بذلك التنبيه على خلافته، فلهذا المعنى قدمه في الصلاة على الناس كلهم.

وقد منع بعضهم أن يكون أبي بن كعب أقرأ من أبي بكر، لأن المراد بالأقرأ في الإمامة الأكثر قرآنًا، وقال: كان أبو بكر يقرأ القرآن كله، فلا مزية لأبي بن كعب عليه في ذلك، وامتاز أبو بكر بالعلم والفضل

".

قلت: وقد ذهب جماعة إلى أن أبا بكر لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإمامة كان حينئذ أقرأ الناس، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/ 299):"قالوا: وحديث أبي مسعود معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"؛ لأنه كان فيهم من كان أقرأ منه للقرآن، قيل: لا تعارض بينهما بحمد الله، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم" في أول الإسلام حين كان حفاظ القرآن قليلًا وقتَ قُدِّم عمرو بن سلمة، وهو صبي، للصلاة في مسجد عشيرته وفيه الشيوخ، وكان تنكشف عورته عند السجود، فدل أن إمامته بهم في مثل هذه الحال كانت لعدم من يقرأ من قومه، ولهذا المعنى كان يؤم سالم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء، حين أقبلوا من مكة مهاجرين، لعدم الحُفَّاظ حينئذ، فأما وقت قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" فقد كان تقرر الإسلام وكثر حفاظ القرآن وتفقهوا فيه، فلم يكن الصديق رضي الله عنه على جلالته وثاقب فهمه، وتقدمه في كل خير، يتأخر عن مساواة القُرَّاء، بل فضلهم بعلمه، وتقدمهم في أمره، ألا ترى قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا، وقال الطبري: لما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه على الصلاة بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله؛ صح أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان أقرأ أمته لكتاب الله وأعلمهم وأفضلهم؛ لأنهم كانوا لا يتعلمون شيئًا من القرآن حتى يتعلموا معانيه وما يراد به، كما قال ابن مسعود: كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يتعلم معانيهن والعمل بهن، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستحق أن يتقدمه أحد في الصلاة، وجعل ما كان إليه منها بمحضر جميع الصحابة لأبي بكر رضي الله عنه كان جميع أمور الإسلام تبعًا للصلاة، ولهذا قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، والصلاة لا يقوم بها إلا الدعاة ومن إليه السياسة وعقد الخلافة؛ كصلاة الجُمَع والأعياد التي لا يصلح القيام بها إلا لمن إليه القيام بأمر الأمة وسياسة الرعية، وصح أنه أفضل الأمة بعده لقيام الحجة بأن أولى البرية بعقد الخلافة أفضلهم وأقومهم بالحق وأعدلهم وأوفرهم أمانة وأحسنهم على محجة الحق استقامة، وكذلك كان الصديق رضي الله عنه".

قلت: لكن إسلام قوم عمرو بن سلمة إنما كان بعد فتح مكة، كما صح ذلك في

ص: 563