الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراشدين، وهو قول إبراهيم النخعي، وعزاه لمن أدركهم، فقال: كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قيامًا، وكان يُقال: هو السُّمود، وهو قول الإمام أحمد وإسحاق، قالا:"ينتظرونه قعودًا".
وكذلك إذا أُقيمت الصلاة، ثم عرض للإمام ما يشغله وهو في المسجد، ينتظرونه قعودًا؛ لحديث أَنس، والله أعلم.
***
47 - باب في التشديد في ترك الجماعة
547 -
. . . زائدة: ثنا السائب بن حُبَيْش، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قريةٍ ولا بَدْوٍ لا تقام فيهم الصلاة؛ إلا قد استحوذ عليهم الشيطان؛ فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئبُ القاصيةَ".
قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة.
• حديث حسن.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 106 / 847)، وفي الكبرى (1/ 445/ 922)، وابن خزيمة (2/ 371/ 1486)، وابن حبان (5/ 458/ 2101)، والحاكم (1/ 211 و 246) و (2/ 482)، وأحمد (5/ 196) و (6/ 446)، وابن المبارك في المسند (73)، وفي الزهد (1306)، وابن أبي شيبة في المسند (31)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 189 - 190)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1187)، والبيهقي في السنن (3/ 54)، وفي المعرفة (2/ 336/ 1425)، وفي الشعب (3/ 57/ 2859)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 281) و (18/ 337)، والبغوي في شرح السنة (2/ 369/ 794)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (20/ 97 و 98)، وابن العديم في بغية الطلب (9/ 4184)، والمزي في التهذيب (10/ 183).
وفي رواية: "قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ فقلت: في قرية دون حمص"، وفيها أيضًا:"لا يُؤذَّن ولا تُقام فيهم الصلاة"، وفي رواية:"فإنما يأكل الذئبُ من الغنمِ القاصيةَ".
قال الحاكم: "هذا حديث صدوق رواته، شاهد لما تقدمه، متفق على الاحتجاج برواته؛ إلا السائب بن حبيش، وقد عُرف من مذهب زائدة أنَّه لا يحدث إلا عن الثقات"، وقال في الموضع الثاني والثالث:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
وهو حديث مشهور من حديث زائدة بن قدامة، رواه عنه جماعة من أصحابه الثقات،
مثل ابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن يونس، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعاوية بن عمرو، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو سعيد مولى بني هاشم، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومروان بن معاوية، ويحيى بن أبي بكير، وغيرهم.
• ورواه أيضًا: أبو سعيد بن حفص بن رواحة الأنصاري، عن أبيه، أنَّه حدثه عن السائب بن حبيش، عن معدان بن أبي طلحة، قال: لقيت أبا الدرداء، فسألني عن منزلي، فأخبرته، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية، ولا في بدو، ولا يقيمون الصلاة؛ إلا استحوذ عليهم الشيطان؛ فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية".
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (20/ 98)، قال: أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان [قال ابن عساكر: "كتبت عنه، وكان شيخًا سليم الصدر". تاريخ دمشق (16/ 434)، تاريخ الإسلام (37/ 141)، السير (20/ 222)]: أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن المبارك الفراء [شيخ. تاريخ دمشق (54/ 239)، تاريخ الإسلام (33/ 159)]: أنا عبد الله بن الحسين بن عبيد الله الصفار [قال عبد العزيز الكتاني: (كان ثقة مأمونًا". تاريخ دمشق (27/ 405)، تاريخ الإسلام (30/ 78)]: أنا عبد الوهاب [هو: ابن الحسن بن الوليد الكلابي، المعروف بأخي تبوك العدل، قال عبد العزيز الكتاني: "كان ثقة نبيلًا مأمونًا"، ووثقه غير واحد، ونعته الذهبي بالمحدث الصادق. ذيل مولد العلماء (105)، تاريخ دمشق (37/ 314)، شذرات الذهب (3/ 147)، العبر (3/ 63)، تاريخ الإسلام (27/ 333)، السير (16/ 557)]: أنبأ أبو الجهم [هو: أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب المشغراني، قال ابن عساكر وياقوت الحموي: "كان ثقة"، ونعته الذهبي بقوله: "الشيخ العالم الخطيب الصدوق". مختصر تاريخ دمشق (3/ 45)، الأنساب (5/ 305)، معجم البلدان (5/ 134)، تاريخ الإسلام (23/ 578)، السير (14/ 512)]: نا هشام بن عمار [صدوق، لما كبر صار يتلقن]: نا أبو سعيد بن حفص بن رواحة الأنصاري [هو: عمر بن حفص بن عمر بن ثابت، أبو سعد الأنصاري الحلبي: قال أبو حاتم: "ما أرى بحديثه بأسًا"، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (6/ 149)، الجرح والتعديل (9/ 379)، الثقات (8/ 439)، كنى الدولابي (2/ 576)، تاريخ الإسلام (13/ 316)، التهذيب (4/ 528)]، عن أبيه [هو: حفص بن عمر بن ثابت بن زرارة الأنصاري: قال علي بن الحسين بن الجنيد: "هو منكر الحديث". الجرح والتعديل (3/ 178 و 180)، بغية الطلب (6/ 2847) وقد خلط بينه وبين قاضي حلب. اللسان (3/ 233)، به.
وأخرجه من طريق ابن عساكر: ابن العديم في بغية الطلب (6/ 2847).
• لكن اختلف فيه على هشام بن عمار:
فرواه عنه أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب المشغراني به هكذا.
وخالفه: محمد بن مروان، قال: نا هشام بن عمار: نا عمرو بن واقد [القرشي
الدمشقي: متروك، منكر الحديث، كذبه أهل بلده. التهذيب (3/ 311)، الميزان (3/ 291) وقال:"وهو هالك"]: نا حفص بن عمر الأنصاري [هو: ابن ثابت، المتقدم ذكره]، عن معدان بن أبي طلحة، قال: قدمت دمشق على أبي الدرداء، فكان أول ما سألني: عن منزلنا والقرآن؟ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في بدو ولا حضر، لا يقيمون الصلاة؛ إلا كان الشيطان رابعهم، فعليكم بالجماعة؛ فإن الذئب إنما يأخذ القاصية".
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (59/ 340)، قال: قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر [الشحامي: ثقة في الحديث، صحيح السماع، لكنه كان يخل بالصلوات، واعتذر عن ذلك، بأنه كان يجمع. المنتخب من السياق (724)، التقييد (1/ 329)، السير (20/ 9)، اللسان (3/ 489)]، عن أبي سعد محمد بن عبد الرحمن [هو: ابن محمد بن أحمد النيسابوري الكنجروذي: ثقة مشهور. المنتخب من السياق (67)، الأنساب (5/ 100)، السير (18/ 101)]: أنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ [هو: محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الكرابيسي، أبو أحمد الحاكم الكبير، صاحب كتاب الكنى: إمام حافظ ثبت. تاريخ نيسابور (830)، تاريخ دمشق (55/ 154)، السير (16/ 370)، المنتظم (7/ 146)، اللسان (6/ 9)]: أنا محمد بن مروان [هو: محمد بن خريم بن محمد بن عبد الملك بن مروان، أبو بكر العقيلي الدمشقي، نسبه الحاكم إلى جد جده: قال الذهبي: "صدوق مشهور"، ونعته في السير بقوله: "الإمام المحدث الصدوق، مسند دمشق"، ثم قال: "وقد كان أبو أحمد الحاكم يغلط في نسبه، وينسبه إلى جد جده". تاريخ دمشق (52/ 396)، إكمال ابن ماكولا (3/ 133)، تاريخ الإسلام (23/ 523)، السير (14/ 428)، المعجم المفهرس (202 و 1619)، اللسان (7/ 116)، وقال: "مشهور بالرواية عن هشام بن عمار، ولم أر فيه تضعيفًا"]: نا هشام بن عمار به.
وهذا أقرب إلى الصواب، إذ الإسناد فيه إلى هشام بن عمار: أصح، ومحمد بن خريم أشهر بالرواية عن هشام من أبي الجهم، وأعرف به منه، لكونه من أهل بلده، وقد روى عنه بعض كتبه.
وعلى هذا: فلا تثبت متابعة حفص بن عمر الأنصاري لزائدة بن قدامة، ويبقى زائدة هو المتفرد به عن السائب بن حبيش، وهذا يؤكد ما جزم به أحمد والدارقطني من تفرد زائدة عن السائب بن حبيش، حيث قال كل منهما:"ما أعلم حدث عنه إلا زائدة"، كما أن الذين ترجموا للسائب من المتقدمين [مثل: ابن معين والبخاري وأبي حاتم] لم يذكروا له راويًا سوى زائدة.
ومن جهة أخرى فإن متابعة حفص بن عمر الأنصاري للسائب بن حبيش: لا تثبت أيضًا؛ إذ الراوي عنه: عمرو بن واقد الدمشقي، أحد الهلكى.
وبناءً على ما تقدم من كون الحديث إنما يعرف من حديث زائدة بن قدامة - أحد
الثقات المتقنين -: فإن الحديث رجاله ثقات مشهورون، غير السائب بن حبيش الكلاعي الشامي: حدث عن معدان بن أبي طلحة وغيره، وتفرد بالرواية عنه: زائدة بن قدامة، وذكره أبو الحسين الرازي في تسمية كتاب أمراء دمشق، وقال:"كان على دواوين قنسرين في خلافة بني مروان"، ووثقه العجلي وابن حبان، وقال الدارقطني:"صالح الحديث"، ورواية زائدة عنه تقوي أمره، لا سيما وقد قال الحاكم:"وقد عُرف من مذهب زائدة أنَّه لا يحدث إلا عن الثقات"، واحتج بحديثه هذا: أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وأما قول أحمد وقد سأله ابنه عبد الله، قال: قلت لأبي: أثقة هو؟ قال: "لا أدري" فليس هذا بجرح، إذ لو كان يرى فيه جرحة لما سكت عنه [العلل ومعرفة الرجال (3/ 110/ 4445)، تاريخ الدوري (3/ 562/ 2757)، التاريخ الكبير (4/ 153)، الجرح والتعديل (4/ 244)، سؤالات البرقاني (213)، تاريخ دمشق (20/ 97)، بغية الطلب في تاريخ حلب (9/ 4182)، التهذيب (1/ 681)].
وعليه: فهو حديث حسن.
قال النووي في الخلاصة (784 و 2261): "رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح"، وصححه في المجموع (4/ 162)، وحسن إسناده في الرياض (1070).
وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 387): "هذا الحديث صحيح".
• وللحديث طريق أخرى يرويها:
أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو القيسي [ثقة]، وعلي بن ثابت [صدوق]: كلاهما: عن هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر [وقال أبو عامر:"ابن أبي نضرة" فوهم، قال ابن عساكر:"كذا قال، وإنما هو: ابن أبي نصر، بغير هاء، وبالصاد المهملة"]، عن عبادة بن نُسَيٍّ، قال: كان رجل بالشام يقال له: معدان، كان أبو الدرداء يقرئه القرآن، ففقده أبو الدرداء، فلقيه يومًا وهو بدابق، فقال له أبو الدرداء: يا معدان! ما فعل القرآن الَّذي كان معك؟ كيف أنت والقرآن اليوم؟ قال: قد علم الله منه فأحسن. قال: يا معدان! أفي مدينة تسكن اليوم، أو في قرية؟ قال: لا بل في قرية قريبة من المدينة. قال: مهلًا، ويحك يا معدان! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من خمسة أهل أبيات لا يؤذن فيهم بالصلاة، وتقام فيهم الصلوات؛ إلا استحوذ عليهم الشيطان، وإن الذئب يأخذ الشاذة، فعليك بالمدائن"، ويحك يا معدان!
لفظ علي بن ثابت.
أخرجه أحمد (6/ 445)، وابن عساكر في تاريخه (59/ 340).
• خالفهما: الفرج بن فضالة [ضعيف، لا سيما فيما روى عن أهل الحجاز، وهشام بن سعد: مدني]، عن هشام بن سعد، عن أبي بشر، عن معدان، عن أبي الدرداء، أنَّه لقيه بدابق،
…
فذكر القصة، والحديث.
أخرجه أبو العباس الأصم في الثاني والثالث من حديثه (184)، قال: أخبرنا أبو
عتبة [أحمد بن الفرج الحمصي: ضعفه أهل بلده، واغتر به الغرباء، قال محمد بن عوف: "ليس له في حديث بقية أصل، هو فيها أكذب الخلق". التهذيب (1/ 40)، اللسان (1/ 575)]: نا بقية: نا الفرج بن فضالة به.
وعليه فالصواب: رواية أبي عامر العقدي وعلي بن ثابت، فالإسناد ضعيف؛ لأجل حاتم بن أبي نصر القِنَّسريني: ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه غير هشام بن سعد، وقال ابن القطان الفاسي:"لا تعرف حاله"، لكن سئل الإمام أحمد عن عبادة بن نسي؟ فقال:"شامي ثقة". قيل: يحدث عنه حاتم بن أبي نصر، يعني: أحاديث مناكير؟ فقال: "من حاتم بن أبي نصر، عبادة بن نسي: ثقة"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 286 / 5273)، الثقات (6/ 236)، بيان الوهم (3/ 413)، التهذيب (1/ 325)، الميزان (1/ 429)].
• ومن شواهده:
1 -
عن ابن عمر:
يرويه عبد الله بن هانئ المقدسي: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن مسرة بن معبد اللخمي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع ثلاثة [وفي رواية: ما من أهل ثلاثة أبيات] في حضر ولا بدو، لا تُقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان".
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 274 / 1329)، وابن المقرئ في المعجم (71)، وتمام في الفوائد (1650)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 405)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 815).
قلت: هو منكر من حديث نافع؛ تفرد به عنه: مسرة بن معبد اللخمي الفلسطيني، أحد الغرباء، وليس من أصحاب نافع، وهو وإن مشاه أبو حاتم فقال فيه:"شيخ، ما به بأس"، لكن قال ابن حبان في ثقاته:"كان ممن يخطئ"، وقال في المجروحين:"كان ممن ينفرد عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات، على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"[الجرح والتعديل (8/ 423)، الثقات (7/ 524)، المجروحين (3/ 42)، مشاهير علماء الأمصار (1436)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (2125)، التهذيب (4/ 58)، الميزان (4/ 96)]، والإسناد إليه لا يصح؛ فإن عبد الله بن هانئ المقدسي هو: ابن عبد الرحمن بن أبي عبلة: قال أبو حاتم: "قدمت الرملة فذُكر لي أن في بعض القرى هذا الشيخ، وسألت عنه، فقيل: هو شيخ يكذب، فلم أخرج إليه، ولم أسمع منه"، وقال ابن أبي حاتم: ووى عنه محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد الهروي، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي عبلة: أحاديث بواطيل"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (5/ 194)، الثقات (8/ 357)، اللسان (5/ 29)].
2 -
عن معاذ بن جبل، وله طرق عنه، منها:
أ - ما رواه يزيد بن زريع، وروح بن عبادة، قالا [واللفظ لروح]: ثنا سعيد بن أبي عروبة [وفي بعض المصادر: عن شعبة، وهو تصحيف]، عن قتادة، قال: ثنا العلاء بن
زياد، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاة الشاذة والقاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة [وفي رواية: والمسجد] ".
أخرجه أحمد (5/ 232 - 233)، والحارث بن أبي أسامة (2/ 635/ 606 - زوائده)، والهيثم بن كليب في مسنده (3/ 282 / 1387)، والطبراني في الكبير (20/ 165/ 345)، وابن بطة في الابانة (102)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 107/ 156)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 247)، وأبو طاهر السلفي في الوجيز في ذكر المجاز والمجيز (137 - 138)، وابن الجوزي في التلبيس (14).
قال أبو نعيم: "رواه يزيد بن زريع وعنبسة بن عبد الواحد عن سعيد مثله، وقال: يعني: شعاب الأهواء".
وهذا إسناد صحيح إلى قتادة، فإن ابن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة، ويزيد بن زريع ممن روى عن سعيد قبل الاختلاط [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 694 و 743) وغيره].
• خالف سعيدًا من هو دونه:
فرواه عمر بن إبراهيم: حدثنا قتادة، عن العلاء بن زياد، عن رجل حدثه يثق به، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
أخرجه أحمد (5/ 243)[انظر: الإتحاف (13/ 275/ 16715)]، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا عمر بن إبراهيم به.
لكن لا يثبت هذا عن قتادة؛ فإن عمر بن إبراهيم العبدي، صاحب الهروي: وإن كان صدوقًا؛ إلا أنَّه يروي عن قتادة أحاديث مناكير، وقد ضُعِّف فيه [التهذيب (3/ 214)، الميزان (3/ 178)]، والمحفوظ عن قتادة: ما رواه ابن أبي عروبة عنه.
• تابع قتادة على هذا الوجه المحفوظ:
القاسم [هو: ابن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن: صدوق، له غرائب]، عن العلاء بن زياد، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ القاصية والشاردة، وإياكم والشِّعاب، وعليكم بالعامة والجماعة والمساجد".
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 164/ 344)، قال: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي [ضعفه النسائي، وقال الذهبي: "حمله الناس، وهو مقارب الحال"، وحمل عليه العلامة المعلمي اليماني فقال: "ضعفه النسائي، وله زلات تثبت وهنه"، وقال أيضًا: "ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك؛ فإن له أوابد". الميزان (1/ 346)، اللسان (2/ 344)، تاريخ دمشق (10/ 379)، السير (13/ 425)، المعرفة (255)، الفوائد المجموعة ص (226 و 244)]: ثنا عبد الله بن صالح [أبو صالح المصري: صدوق، كثير الغلط]: حدثني
يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق، سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا]، عن عبيد الله بن زحر [تصحف في المطبوع إلى عبد الله بن حر][ليس به بأس، وقد ضُعِّف]، عن القاسم به.
قلت: إسناده غريب، وليس بذاك، وفيه انقطاع، فإن عبيد الله بن زحر إنما يروي عن القاسم بواسطة علي بن يزيد الألهاني، وهو: منكر الحديث، قال الدارقطني في العلل (2/ 137/ 160):"وعبيد الله بن زحر إنما يروي عن علي بن يزيد عن القاسم".
وحديث معاذ ضعيف بهذا الإسناد؛ لانقطاعه بين معاذ، والعلاء بن زياد العدوي [التهذيب (3/ 343)، تحفة التحصيل (251)].
قال العراقي في المغني (2094): "ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا".
وقال الهيثمي في المجمع (2/ 23): "والعلاء بن زياد لم يسمع من معاذ"، وانظر أيضًا:(5/ 219).
ج - وروى فضيل بن عياض [إمام ثقة عابد]، عن أبان، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم، وإن ذئب الغنم يأخذ من الغنم الشاة المهزولة والقاصية، ولا يدخل في الجماعة، فالزموا العامة والجماعة والمساجد".
أخرجه عبد بن حميد (114).
• وخالفه: معمر بن راشد [ثقة ثبت، في روايته عن أهل العراق شيء]، فرواه عن أبان، عن شهر بن حوشب، عن عطاء، قال: إن الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم، يأخذ الشاة الناحية والقاصية، فعليكم بالجماعة والمساجد.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 521 / 1997).
قلت: اضطرب فيه أبان، وهو: ابن أبي عياش؛ فإنه: متروك.
• واختلف فيه على شهر أيضًا:
فهكذا رواه عنه أبان واضطرب فيه.
ورواه عمران بن بشر أبو بشر الحلبي [قال أبو حاتم: "صالح". التاريخ الكبير (6/ 409)، الجرح والتعديل (6/ 294)، فتح الباب (1225)، الأنساب (2/ 246)، بغية الطلب (10/ 4335)]، عن شهر بن حوشب، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم، فإن الذئب يجيء فيأخذ الشاذة والناحية والمنفردة، فالزموا العامة".
أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 348/ 1564 - أطرافه)، وأبو بكر بن خلاد النصيبي في فوائده (191).
قال الدارقطني: "تفرد به عمران أبو بشر الحلبي عن شهر، وتفرد به وكيع عن عمران".
قلت: توبع عليه وكيع، وإنما المتفرد به عمران هذا.
وإسناده صالح، على أنَّه من حديث جابر، لا من حديث معاذ، لكن يبقى أن يقال: هل سمع شهر من جابر؟ فإن شهرًا كثير الإرسال.
ج - وروى حماد بن سلمة: ثنا برد أبو العلاء [هو: ابن سنان: صدوق]، عن عطية - رجل من أهل الشام -[مولى سلم بن زياد: قال العجلي: "شامي ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، روى عنه ثور بن يزيد وبرد بن سنان وعبد الرحمن بن ميسرة. التاريخ الكبير (7/ 12)، الجرح والتعديل (6/ 384)، الثقات (5/ 262)، معرفة الثقات (1254)، الإكمال (4/ 346)، تاريخ دمشق (40/ 476)، تاريخ الإسلام (7/ 173)]، عن حزام [لم أقف على من ترجم له]، عن معاذ بن جبل، أنَّه قال: إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاذة القاصية والناحية، فعليكم بالمسجد والجماعة، فإن دعوة الجميع محيطة من ورائهم. موقوف.
أخرجه البيهقي في الشعب (3/ 57/ 2860)، بإسناد صحيح إلى حماد.
وهو: موقوف بإسناد ضعيف.
3 -
عن أسامة بن شريك:
يرويه عبد الأعلى بن أبي المساور، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يد الله على الجماعة؛ فإذا شذ الشاذ منهم اختطفه الشيطان، كما يختطف الذئب الشاة من الغنم].
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 186/ 489).
وهذا إسناد واهٍ؛ فإن ابن أبي المساور: متروك، منكر الحديث.
• ورواه ابن الجوزي في التلبيس (14)، من طريق: محمد بن يعلى: ثنا سليمان العامري، عن الشيباني، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
فذكره.
وهذا باطل من حديث أبي إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان، وضعه عليه: سليمان بن عمرو أبو داود النخعي الكذاب: مشهور بالكذب ووضع الحديث [اللسان (4/ 163)]، وقد عمَّى أمره محمد بن يعلى السلمي الملقب: زنبور، فنسبه عامريًّا، وقد فعل ذلك في حديث آخر [انظر: الموضح (2/ 125)]، وزنبور: جهمي، متروك، ذا هب الحديث [التهذيب (3/ 738)، الميزان (4/ 70)].
***
548 -
. . . أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هَمَمْتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقامَ، ثم آمرَ رجلًا فيصليَ بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم بالنار".
• حديث متفق عليه.
هذا الحديث رواه عن الأعمش جماعة، فمنهم:
أبو معاوية، وهذا لفظه، وزاد بعضهم في أوله عند مسلم وغيره: "إن أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا،
…
".
أخرجه مسلم (651)، وأبو عوانة (1/ 351/ 1256 و 1257)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 247 و 248/ 1454 و 1455)، وأبو داود (548)، وابن ماجة (791 و 797)، وابن خزيمة (2/ 370/ 1484)، وابن حبان (5/ 452/ 2098)، وأحمد (2/ 424 و 531)، وابن أبي شيبة (1/ 292/ 3351)، وأبو العباس السراج في مسنده (691)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (865 و 1001)، وابن البختري في ستة مجالس من أماليه (29)، وفي الرابع من حديثه (129)[مجموع مصنفاته (29 و 373)]، وأبو نعيم في صفة النفاق (62)، والبيهقي في السنن (3/ 55)، وفي الشعب (3/ 55 / 2853)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده (120)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 347)، وابن الجوزي في التحقيق (701).
• وتابعه عليه: شعبة، والثوري، وزائدة بن قدامة، وحفص بن غياث، وعبد الله بن نمير، وأبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد، وأبو إسحاق الفزاري، ومحمد بن ميمون أبو حمزة السكري، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ووكيع بن الجراح، ومعمر بن راشد، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر.
ولفظ زائدة أتم، وتابعه عليه شعبة، قال زائدة: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا، ولو علم أحدكم أنَّه إذا وجد عَرْقًا من شاة سمينة، أو مِرْمَاتَين حسنتين، لأتيتموها أجمعين، لقد هَمَمْتُ أن آمُرَ بالصلاة فتُقامَ، ثم آمُرَ رجلًا يصلي بالناس، ثم آخذَ حُزَمًا من حطب فآتى الذين تخلفوا عن الصلاة؛ فأُحَرِّقَ عليهم بيوتهم".
وقال حفص بن غياث: حدثنا الأعمش، قال: حدثني أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره دون جملة: "ولو علم أحدكم
…
".
[المرماة: ما بين ظلفي الشاة من اللحم، وقيل غير ذلك. غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 202)، غريب الحديث للحربي (1/ 96)، تهذيب اللغة (15/ 199)، النهاية (1/ 272) و (2/ 269)، مشارق الأنوار (1/ 292)][قال البغوي في شرح السنة (2/ 368): "معنى الكلام التوبيخ، يقول: إن أحدكم يجيب إلى ما هذه صفته في الحقارة وعدم النفع، ولا يجيب إلى الصلاة"، وقال ابن رجب في الفتح (4/ 13): "وذكر العرق والمرماتين على وجه ضرب المثال بالأشياء التافهة الحقيرة من الدنيا، وهو توبيخ لمن رغب عن فضل شهود الجماعة للصلاة، مع أنَّه لو طمع في إدراك يسير من عرض الدنيا لبادر إليه، ولو نودي إلى ذلك لأسرع الإجابة إليه، وهو يسمع منادي الله فلا يجيبه"].
أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651)، وأبو عوانة (1/ 351 و 352/ 1256 - 1258)،
وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 247/ 1454)، وابن خزيمة (2/ 370 / 1484)، وابن حبان (5/ 452/ 2097)، وأحمد (2/ 424 و 466 و 472 و 479 و 531)، وعبد الرزاق (1/ 518/ 1987)، والبزار (16/ 123 و 124 و 165/ 9206 و 9207 و 9270)، وأبو العباس السراج في مسنده (691)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (846 و 864 - 867 و 1002)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 169)، وفي المشكل (15/ 105 / 5873)، وأبو نعيم في صفة النفاق (62)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 103)، والبغوي في شرح السنة (2/ 368/ 793)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 196) و (52/ 347)، والذهبي في السير (17/ 311).
• وللأعمش فيه إسناد آخر؛ لكنه غريب:
يرويه: سعيد بن عمرو [هو: ابن سهل الكندي الأشعثي، الكوفي: ثقة]، قال: ثنا عَبْثَر بن القاسم [كوفي، ثقة]، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما، ولو حبوًا".
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 134/ 1895)، والطحاوي في المشكل (3/ 30)، والطبراني في الكبير (10/ 99/ 10082)، وأبو نعيم في صفة النفاق (171).
تفرد به عبثر عن الأعمش بهذا الإسناد؛ فهو إسناد صحيح غريب.
• وانظر فيمن أخطأ فيه أيضًا على الأعمش: المعجم الأوسط للطبراني (2/ 138/ 1552)، علل الدارقطني (8/ 178/ 1494).
• تابع الأعمش عليه: عاصم بن بهدلة:
رواه شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وحماد بن سلمة، وأبو بكر بن عياش، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وزيد بن أبي أنيسة:
خمستهم: عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: أَخَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء حتَّى تَهوَّرَ الليل، فذهب ثلثه أو قرابته، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس عِزُونَ، وإذا هم قليل، قال: فغضِب غضبًا ما أعلم أني رأيته غضِب غضبًا قَطٌّ أشدَّ منه، ثم قال:"لو أن رجلًا دعا الناس إلى عَرْق، أو مرماتين، أتوه لذلك، ولم يتخلفوا، وهم يتخلفون عن هذه الصلاة، لقد هممت أن آمرَ رجلًا يصلي بالناس، وأتبع هذه الدُّورَ التي تخلف أهلوها عن هذه، فأضرمها عليهم بالنيران". لفظ شيبان.
أخرجه الدارمي (1/ 298/ 1212)، وأحمد (2/ 377 و 416 و 526 و 537)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 83)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (850 و 851)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 169)، وفي المشكل (15/ 106 و 107/ 5874 و 5875).
هكذا رواه هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]، عن شيبان، وخالفه: عبيد الله بن موسى
[ثقة]، فقال: ثنا شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال أَخَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ حتَّى تَهوَّرَ اللَّيْلُ
…
فذكره مثله.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (688)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (862).
وهذا اللفظ إنما هو لعاصم بن بهدلة، وليس من حديث الأعمش، فلعل راويه وهم فجعل الأعمش بدل عاصم، والله أعلم.
وانظر فيمن وهم فيه على عاصم: علل ابن أبي حاتم (1/ 184/ 529)، المعجم الأوسط للطبراني (7/ 182/ 7221).
***
549 -
قال أبو داود: حدثنا النفيلي: ثنا أبو المليح: حدثني يزيد بن يزيد: حدثني يزيد بن الأصم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمرَ فتيتي فيجمعوا حُزَمًا من حطب، ثم آتيَ قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علَّةٌ فأُحَرِّقَها عليهم".
قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف! الجمعةَ عَنَى أو غيرَها؟ قال: صُمَّتا أذُنايَ إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثُرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما ذكر جمعة ً ولا غيرها.
• حديث صحيح، دون زيادة "ليست بهم علَّةٌ"، فإنها شاذة.
أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (4/ 191)، والبيهقي (3/ 56).
وأخرجه من طريق أبي جعفر النفيلي: الطبراني في الأوسط (2/ 10/ 1061)، ومن طريقه: المزي في التهذيب (32/ 279).
قال الطبراني: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا أبو المليح الرقي، قال: حدثنا يزيد بن يزيد بن جابر شيخ من أهل الرقة،
…
وشيخ الطبراني، هو: أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني، قال فيه ابن عدي:"هو ممن يكتب حديثه"، وأنكر عليه حديثًا، لكن قال فيه بلديُّه الحافظ أبو عروبة الحراني:"لم يكن بمؤتمن على نفسه ولا دينه"، وبلدي الرجل أعلم به من الغرباء، وقال الهيثمي:"ضعيف"[الكامل (1/ 203)، اللسان (1/ 523)، مجمع الزوائد (5/ 48)]، وعليه: فلا يوثَق بهذه الزيادة، وهي نسبة يزيد بن يزيد إلى الرقة، فقد رواه أبو داود عن النفيلي، فلم يزد على قوله:"يزيد بن يزيد".
وقد تابع أبا جعفر النفيلي عليه: مخلد بن الحسن بن أبي زميل [وهو: صدوق]، قال: ثنا أبو المليح الحسن بن عمرو الرقي عن يزيد بن يزيد الأزدي به، فأزال بذلك الإشكال، حيث نسبه أزديًا.
أخرجه الدولابي في الكنى (2/ 793/ 1360)، والطبراني في الأوسط (7/ 299/ 7551).
وعليه: فإن يزيد بن يزيد هذا هو ابن جابر الأزدي الشامي، بغير شك، وهو: ثقة.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن يزيد إلا أبو مليح الرقي".
قلت: أبو المليح الرقي، الحسن بن عمر، أو: عمرو: ثقة، لكن يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الشامي، وإن كان ثقة، إلا أنَّه قد زاد في هذا الحديث لفظة لم يتابع عليها، حيث قال:"ليست بهم علَّةٌ".
وهذه لفظة شاذة في هذا الحديث؛ تفرد بها أحد الغرباء عن أهل الرقة، فقد رواه عن يزيد بن الأصم الرقي: بلديُّه، وأحد الأثبات فيه: جعفر بن برقان الرقي، وهو وإن ضُعِّف في الزهري؛ إلا أنَّه ثقة ثبت في يريد بن الأصم، ضابط لحديثه، حديثه عنه ثابت صحيح، قاله أحمد ومسلم والدارقطني [التهذيب (1/ 301)، سؤالات الميموني (355)، التمييز (218)، سؤالات البرقاني (81)].
• رواه جعفر بن بُرْقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم أخرجَ بفتيان معهم حُزَم حطب؛ فأحرق على قوم بيوتهم؛ يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة".
أخرجه مسلم (651/ 253)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 248/ 1457)، والترمذي (217)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 45/ 201)، وأحمد (2/ 472 و 539)، وإسحاق بن راهويه (1/ 326 و 327/ 310 و 311 و 312)، والبزار (16/ 223 / 9379)، والسراج في حديثه بانتقاء الشحامي (999 و 1000)، والبيهقي (3/ 55)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 140)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (63/ 59).
رواه عن جعفر بن برقان هكذا: جمع من الثقات، بعضهم حفاظ، مثل: وكيع بن الجراح، وأبي نعيم الفضل بن دكين، والفضل بن موسى السيناني، وعمرو بن قيس الملائي، وعبد الله بن داود الخريبي، وكثير بن هشام الكلابي:
زاد كثير بن هشام: فقيل ليزيد بن الأصم: إلى جمعة؟ قال: ما سمعت أبا هريرة ذكر جمعةً ولا غيرها.
وقد توبع عليها كثير، في رواية ابن جابر المتقدمة.
قال الترمذي: "حديث أبي هريرة: حديث حسن صحيح".
• خالفهم فوهم: معمر بن راشد، فرواه عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لقد هممتُ أن آمرَ فتياني أن يجمعوا حزمًا من حطب، ثم أنطلق فأحرق على قوم بيوتهم؛ لا يشهدون الجمعة".
أخرجه عبد الرزاق (1/ 518/ 1985)، ولم يذكر لفظه، بل أحال على لفظ ابن محرر الآتي، وليس فيه الجمعة. والبيهقي (3/ 56)، واللفظ له.
قال البيهقي: "كذا قال: "الجمعة"، وكذلك رُوي عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن
مسعود، والذي يدل عليه سائر الروايات: أنَّه عبر بالجمعة عن الجماعة، والله أعلم".
قلت: بغض النظر عن حديث ابن مسعود [عند مسلم، ويأتي]، فإن لفظة "الجمعة": شاذة، لا تثبت من حديث جعفر بن برقان، ولا من حديث ابن الأصم، ولا من حديث أبي هريرة، تفرد بها معمر، وهو وإن كان ثبتًا في الزهري وطاووس، لكنه يهم في حديث أهل العراق خاصة، وقد خالفه الحفاظ من أهل العراق في روايتهم عن جعفر بن برقان، فأبهموا هذه الصلاة، وهو: المحفوظ، بل جاء في رواية كثير بن هشام عن جعفر، ورواية ابن جابر عن ابن الأصم: نفي كونها الجمعة، حيث قال يزيد بن الأصم:"ما ذكر جمعةً ولا غيرها"، وصح من طرق أخرى عن أبي هريرة أي سيأتي في الصحيحين وغيرهما، تعيين هذه الصلاة المبهمة بأنها العشاء، ولذلك أشار البيهقي إلى ضعف زيادة معمر، وجزم ابن حجر في الفتح (2/ 128) بشذوذها، وقال:"فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعة"، وقال:"وأما حديث ابن مسعود: فأخرجه مسلم، وفيه الجزم بالجمعة، وهو حديث مستقل؛ لأنَّ مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة، ولا يقدح أحدهما في الآخر، فيحمل على أنهما واقعتان، كما أشار إليه النووي والمحب الطبري". وانظر: الفتح لابن رجب (4/ 18).
• ورواه أيضًا فتابع جعفر بن برقان على روايته:
عبد الله بن محرر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد هممت أن آمر فتياني فيجمعوا لي حزمًا من حطب، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون الصلاة".
أخرجه عبد الرزاق (1/ 518/ 1985)، عن ابن محرر به؛ لكن عبد الله بن محرر: متروك، منكر الحديث، لا يصلح مثله في المتابعات.
• وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة:
1 -
مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمرَ بحطب فيُحطبَ، ثم آمرَ بالصلاة فيُؤذَّنَ لها، ثم آمرَ رجلًا فيؤمَّ الناس، ثم أُخالفَ إلى رجال فأُحَرِّقَ عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنَّه يجد عَرْقا سمينًا، أو مِرْماتَين حسنتين لشهد العشاء".
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 189/ 343).
ومن طريقه: البخاري (644 و 7224)، وأبو عوانة (1/ 352/ 1260)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 247/ 1453)، والنسائي في المجتبى (2/ 107/ 848)، وفي الكبرى (1/ 446/ 923)، وابن حبان (5/ 451 / 2096)، والشافعي في الأم (2/ 291 / 267)، وفي السنن (157)، وفي المسند (52)، وأبو العباس السراج في مسنده (683)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (857)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 133 / 1894)، وفي الإقناع (23)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 168 و 169)، وفي المشكل (15/ 103
و 105/ 5871 و 5872)، والجوهري في مسند الموطأ (522)، وابن حزم في المحلى (4/ 190)، والبيهقي في السنن (3/ 55)، وفي المعرفة (2/ 337/ 1426)، وفي الشعب (3/ 56/ 2854)، والبغوي في شرح السنة (2/ 367/ 792).
2 -
سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناسًا في بعض الصلوات؛ فقال:"لقد هممتُ أن آمرَ رجلًا يصلي بالناس، ثم أخالفَ إلى رجال يتخلفون عنها، فآمرَ بهم فيُحَرِّقُوا عليهم بحُزَم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنَّه يجد عظمًا سمينًا لشهدها" يعني: صلاة العشاء. وفي رواية: "ولو علم أحدهم أنَّه يجد مرماتين حسنتين، أو عظمًا سمينًا لشهد الصلاة". وفي رواية: "لشهد العشاء".
أخرجه مسلم (651/ 251)، وأبو عوانة (1/ 352/ 1260)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 247/ 1452)، وابن خزيمة (2/ 369/ 1481)، وابن الجارود (304)، وأحمد (2/ 244)، والحميدي (956).
• ورواه أيضًا عن أبي الزناد به: شعيب بن أبي حمزة، وورقاء بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي الزناد [وهم: ثقات]، وابن أبي سبرة [وهو: متروك].
أخرجه عبد الرزاق (1/ 522/ 1998)، وأبو يعلى (11/ 222/ 6338)، وأبو العباس السراج في مسنده (684 و 685)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (849 و 858 و 859)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 169)، وفي المشكل (15/ 105/ 5872)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 273/ 3259).
3 -
محمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لقد هممتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقامَ، ثم أخالفَ إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فَأُحَرِّقَ عليهم".
أخرجه البخاري (2420)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 44/ 200)، والبزار (14/ 375/ 8095).
4 -
عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن همام بن مُنَبِّه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمرَ فتياني أن يَسْتَعِدُّوا لي بحُزَم من حطب، ثم آمرَ رجلًا يُصلِّي بالناس، ثم تُحَرَّقُ بيوتٌ على من فيها".
أخرجه عبد الرزاق (1/ 517/ 1984).
ومن طريقه: مسلم (651/ 253)، وأبو عوانة (1/ 352/ 1259)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 248/ 1456)، وأحمد (2/ 314)، والبيهقي في السنن (3/ 55)، وفي الأسماء والصفات (2/ 51)، وهو في صحيفة همام برقم (36).
5 -
محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمرَ فتياني فيجمعوا حطبًا، ثم آمرَ رجلًا يَؤُمُّ الناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون على الصلاة، فَأُحَرِّقَ عليهم بيوتهم، وايْمُ الله! لو يعلم أحدهم أن له بشهودها
عَرْقًا سمينًا، أو مرماتين لشهدها، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبوًا".
أخرجه الدارمي (1/ 327/ 1274)، وابن خزيمة (2/ 369/ 1482)، وأحمد (2/ 376)، والبزار (15/ 90/ 8349)، وأبو العباس السراج في مسنده (686)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (860).
وهذا إسناد حسن.
هكذا رواه عن ابن عجلان: صفوان بن عيسى [ثقة]، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد [ثقة ثبت]، وأبو سعد محمد بن ميسر الصاغاني [ضعيف].
وخالفهم: سفيان بن عيينة [ثقة حافظ إمام]، فرواه عن ابن عجلان عن أبي هريرة به، مرسلًا.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 369/ 1481).
قلت: يحتمل أن يكون ابن عجلان حدث به مرة هكذا، ومرة هكذا، هذا إن كانت رواية ابن عيينة محفوظة، والله أعلم.
6 -
زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم آخذ حزمًا من حطب، ثم آتي أقوامًا في دورهم لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم".
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 138/ 435)، قال: حدثنا أحمد بن خليد، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عدي بن ثابت إلا زيد بن أبي أنيسة".
قلت: زيد ثقة لا يضر تفرده، لكن الإسناد صحيح غريب، رجاله ثقات مشهورون، وشيخ الطبراني: أحمد بن خليد بن يزيد الكندي الحلبي: قال الدارقطني: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [مختصر تاريخ دمشق (3/ 93)، الثقات (8/ 53)، السير (13/ 489)، تاريخ الإسلام (21/ 56)، مجمع الزوائد (8/ 210)]، فإن كان رواته فيمن دون زيد بن أبي أنيسة قد توبعوا، كما يشير إليه كلام الطبراني، فهو إسناد صحيح.
ثم وجدت أبا العباس السراج قد أخرجه في مسنده (687)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (861)، قال: ثنا أحمد بن محمد بن الجنيد الدقاق [انقلب اسمه في الرواية، وهو: محمد بن أحمد بن الجنيد أبو جعفر الدقاق: قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه مع أبي، وهو: صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل (7/ 183)، الثقات (9/ 140)، تاريخ بغداد (1/ 285)]: ثنا الوليد بن القاسم [هو: ابن الوليد الهمداني الكوفي: صدوق يخطئ، يروي عن يزيد بن كيسان]، ثنا أبو إسماعيل يزيد بن كيسان [اليشكري، كوفي: لم يكن به بأس، وليس بالحافظ، وهو من أصحاب أبي حازم الأشجعي. التهذيب (4/ 427)، الميزان (4/ 439)، سؤالات أبي داود (398)]، ثنا أبو
حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمرَ فتيتي إذا سمعوا الإقامة من تخلف أن يحرقوا عليهم، إنكم لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوًا".
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات.
7 -
معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو أن أحدكم يعلم أنه إذا شهد الصلاة معي كان له أَعْظَمُ من [وفي رواية: خير له أن يُدعى إلى] شاة سمينة أو شاتين لفعل، فما يصيب من الأجر أفضلُ".
أخرجه أحمد (2/ 299)، وإسحاق بن راهويه (1/ 122/ 40)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 96) ووقع عنده:"عظم من شاة سمينة، أو سهم"، وفي سنده سقط. والبيهقي في الشعب (3/ 56/ 2855).
وهذا إسناد صحيح غريب [أخرج به البخاري (291)، ومسلم (348) حديثًا واحدًا، توبع فيه هشام]، وقد وهِمَ أحد رواة هذا الحديث في متنه، ولا أستبعد أن يكون الغلط من معاذ بن هشام فقد كان يغلط في الشيء بعد الشيء مع صدقه [انظر: التهذيب (4/ 102) وغيره]، والمحفوظ في هذا الحديث: ما رواه الثقات بالأسانيد الصحيحة المتقدم ذكرها "عَرْقا -أو: عظمًا- سمينًا، أو مِرْماتَين حسنتين"، على سبيل ضرب المثال بالشيء التافه الحقير، والله أعلم.
وللحديث أسانيد أخرى لا تخلو من مقال، انظر: التاريخ الكبير (8/ 308)، أخبار القضاة (3/ 11 - 12)، المعجم الأوسط للطبراني (5/ 134/ 4877) و (6/ 5688/26)، المعجم الصغير له (2/ 143/ 931)، الحلية (9/ 319).
• ومن شواهده:
1 -
عن عبد الله بن مسعود:
رواه زهير بن معاوية، وأخوه: الرحيل بن معاوية، ومعمر بن راشد:
ثلاثتهم: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص سمعه منه [وفي رواية لزهير: قال: ثنا أبو إسحاق: أنه سمعه من أبي الأحوص]، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة:"لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أحرِّق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
أخرجه مسلم (652)، وأبو عوانة (2/ 125/ 2531)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 248/ 1458)، وابن خزيمة (3/ 174 و 175/ 1853 و 1854)، والحاكم (1/ 292)، وأحمد (1/ 402 و 422 و 449 و 449 - 450 و 461)، والطيالسي (1/ 249/ 314)، وعبد الرزاق (3/ 166/ 5170)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 480/ 5539)، وفي المسند (325)، وأبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي في الأربعين (13)، والبزار (5/ 442/ 2082)، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي في الجمعة وفضلها (62)،
والقاسم بن موسى الأشيب في جزئه (63)، وأبو يعلى (9/ 228/ 5335)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (852 - 854)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 14/ 1729)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 168)، وفي المشكل (15/ 98 و 99/ 5868 - 5870)، والطبراني في الأوسط (4/ 69/ 3633)، وفي الصغير (1/ 290/ 479)، والبيهقي في السنن (3/ 56 و 172)، وفي فضائل الأوقات (258)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 335)، وفي الاستذكار (2/ 140).
قال الحاكم: "وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه هكذا، إنما خرجا بذكر العتمة وسائر الصلوات"، فوهم في استدراكه.
وروي من حديث الثوري وغيره عن أبي إسحاق، ولا يصح، انظر: الأفراد للدارقطني (4/ 147/ 3872 - أطرافه)، الحلية (7/ 133 - 134)، تاريخ بغداد (4/ 356) و (5/ 433).
• خالفهم: إسرائيل فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمُرَ رجلًا فيصلي بالناس، ثم آمُرَ بأُناس لا يصلون معنا فَتُحَرِّقَ عليهم بيوتهم".
أخرجه أحمد (1/ 394)، والطحاوي في المشكل (15/ 97 و 98/ 5865 - 5867)، وابن الجوزي في التحقيق (702).
هكذا رواه إسرائيل بن أبي إسحاق [وهو ثقة، من أثبت الناس في جده أبي إسحاق، مقدَّم فيه على من تقدم ذكرهم]، فلم يذكر الجمعة، وإنما أطلق الصلاة، وهو محتمل لأن يكون أبو إسحاق حدث به على الوجهين، لا سيما وقد أخرج مسلم الحديث مقيدًا بالجمعة، والله أعلم.
• ورواه بعضهم من حديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود به مرفوعًا بدون ذكر الجمعة، ولا يصح من حديث إبراهيم.
أخرجه البزار (5/ 22/ 1579)، والطبراني في الأوسط (2/ 113/ 1423) و (6/ 46/ 5752)، وفي الكبير (10/ 71/ 9981)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (83).
وفي إسناد الأولين: ميمون أبو حمزة الأعور صاحب إبراهيم، وهو: ضعيف؛ خاصة في إبراهيم، وفي إسناد أبي نعيم: أبو حنيفة، وهو: ضعيف. والراوي عنه: إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو: كذاب، يضع الحديث [انظر: المعجم الأوسط (5/ 96/ 4775 - 4777)، الكامل (1/ 303)، اللسان (2/ 181)].
2 -
عن أسامة بن زيد:
يرويه يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان، قال: إن رهطًا من قريش مر بهم زيد بن ثابت، فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى؟ فقال زيد: هي الظهر. فقام رجلان منهم فأتيا أسامة بن زيد، فسألاه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي
الظهر؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير؛ فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، الناس يكونون في قائلتهم، وفي تجارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم"، قال: فنزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].
تقدم تحت الحديث (411)، وهو: صحيح.
3 -
عن ابن أم مكتوم:
ويأتي تحت الحديث الآتي برقم (553).
4 -
عن جابر:
عند الطيالسي (3/ 1823/285).
وفي إسناده: طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي، وهو: متروك.
وعند الطحاوي في شرح المعاني (1/ 169)، وفي المشكل (15/ 113/ 5880).
وفي إسناده: ابن لهيعة، وهو: ضعيف.
5 -
عن أنس:
عند الطبراني في الأوسط (3/ 150/ 2763)، وهو غريب.
***
550 -
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عباد الأزدي، قال: حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادَى بهن، فإنهن من سُنَن الهُدى، وإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهُدى، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ بَيِّنُ النفاق، ولقد رأيتُنا وإن الرجل ليُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم [وفي نسخة: كفرتم].
حديث صحيح، دون قوله:"لكفرتم"، فإنه شاذ، والمحفوظ:"لضللتم".
أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (18/ 336).
وأخرجه ابن خزيمة (2/ 396/ 1483)، قال: نا سلم بن جنادة: نا وكيع به، مختصرًا.
وقد انفرد وكيع بن الجراح [وهو: ثقة حافظ]، وعنه: هارون بن عباد الأزدي بقوله: "لكفرتم"، وقال غيره:"لضللتم"، ويبدو لي -والله أعلم- أن هذه اللفظة غير محفوظة، فإن هارون بن عباد الأزدي، أبو موسى المصيصي الأنطاكي: شيخ لأبي داود، روى عنه أحاديث يسيرة في السنن والمراسيل، وروى عنه أيضًا: محمد بن وضاح القرطبي، ولم يترجم له ابن أبي حاتم ولا ابن حبان، وليس هو بمشهور، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو
تعديل، لذا قال فيه ابن حجر في التقريب:"مقبول"[التهذيب (4/ 255)، تاريخ الإسلام (17/ 377)، التقريب (636)].
وهذا الحديث رواه عن المسعودي: عبد الله بن المبارك [ثقة ثبت إمام]، وأبو قطن عمرو بن الهيثم [ثقة]، وأبو داود الطيالسي [سليمان بن داود بن الجارود: ثقة حافظ]، وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي [صدوق]:
رواه أربعتهم: عن المسعودي، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنه كان يقول: من سرَّه أن يلقى الله عز وجل غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سُنن الهدى، وإنهن من سُنن الهدى، وإني لا أحسب منكم أحدًا إلا له مسجدٌ يصلي فيه في بيته، فلو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من عبد مسلم يتوضأ فيُحسن الوضوء، ثم يمشي إلى الصلاة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة يخطوها حسنة، أو يرفع له بها درجة، أو يكفِّر عنه بها خطيئة، ولقد رأيتُنا نقارب بين الخُطا، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلومٌ نفاقُه، ولقد رأيت الرجلَ يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف. لفظ ابن المبارك.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 108 - 109/ 849)، وفي الكبرى (1/ 446/ 924)، وأحمد (1/ 455)، والطيالسي (311)، والطبراني في الكبير (9/ 119/ 8604)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 335)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 273/ 734).
وانظر فيمن وهم فيه على المسعودي: المعجم الكبير للطبراني (9/ 119/ 8606).
والمسعودي: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي، أخو أبي العميس: صدوق، اختلط قبل موته، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، وعاصم بن علي، وأبو داود الطيالسي: ممن سمع منه بعد الاختلاط، وأما سماع وكيع منه فصحيح قبل الاختلاط، وابن المبارك يقرب منه، فإنه قديم الوفاة، أكبر ممن سمع من المسعودي بعد الاختلاط [انظر: الكواكب النيرات (35)، شرح علل الترمذي (2/ 747)، التقييد والإيضاح (430)].
فهذا الحديث: من صحيح حديثه، وقد توبع عليه.
لكن هذا كله مبني على أن راوي هذا الحديث هو المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله، ويحتمل أن يكون هو أخوه عتبة بن عبد الله أبو العميس المسعودي [ثقة]، فكلاهما يقال له: المسعودي، وإن كان الأول أشهر بهذه النسبة، والثاني أشهر بكنيته، وقد اختلف صنيع المزي، فصنيعه في التهذيب على أنه الأول، وفي الأطراف (7/ 124/ 9502) على أنه الثاني؛ حيث ذكر طرف الحديث عند مسلم من طريق الفضل بن دكين، وعند أبي داود من طريق وكيع، وعند النسائي من طريق ابن المبارك، ثم قال: "ثلاثتهم
عن أبي العميس، عنه به"، ولم يتعقبه العراقي في الإطراف بأوهام الأطراف، ولا ابن حجر في النكت الظراف.
وقد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن أبي العميس، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهُدَى، وإنهن من سُنن الهُدَى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمِدُ إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ في الصف. هكذا نحو لفظ ابن المبارك.
أخرجه مسلم (654/ 257)، وأبو عوانة (1/ 353/ 1262)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 250/ 1462)، وأحمد (1/ 414 - 415)، وابن أبي شيبة في المسند (353)، والطبراني في الكبير (9/ 118/ 8603)، والبيهقي في السنن (3/ 58)، وفي الشعب (3/ 59/ 2865).
ورواه عن علي بن الأقمر أيضًا: شريك بن عبد الله النخعي.
أخرجه أحمد (1/ 419)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 155 و 156/ 706 و 707)، الطبراني في الكبير (9/ 119/ 8605).
• ولم ينفرد به علي بن الأقمر [وهو: ثقة] عن أبي الأحوص به، بل تابعه عليه: 1 - عبد الملك بن عمير [تابعي ثقة]، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافقٌ قد عُلِم نفاقُه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتيَ الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سُنن الهُدَى، وإن من سُنن الهُدَى الصلاة في المسجد الذي يؤَذَّن فيه.
أخرجه مسلم (654/ 256)، وأبو عوانة (1/ 353/ 1263)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 249/ 1461)، وابن حبان (5/ 456/ 2100)، وابن أبي شيبة في المسند (429)، وأبو يعلى (8/ 421 و 437/ 5003 و 5023)، والطبراني في الكبير (9/ 120/ 8608)، والدارقطني في الأفراد (4/ 146 - 147/ 3870 - أطرافه).
كلهم من طريق: زكريا بن أبي زائدة: حدثنا عبد الملك به.
ورُوي عن شريك عن عبد الملك بن عمير به، ولا يصح عنه، رواه عنه: إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير [اللسان (2/ 155)].
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 120/ 8609).
2 -
إبراهيم بن مسلم الهجري، أبو إسحاق [ضعيف، وهذا من صحيح حديثه، فقد تابعه الثقات عليه]، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال:
…
فذكره بنحو لفظ ابن المبارك.
أخرجه ابن ماجه (777)، وعبد الرزاق (1/ 516/ 1979)، وابن أبي عمر العدني في الإيمان (25)، والحسن بن سفيان النسوي في الأربعين (26)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 156 و 157/ 707 و 708)، والطبراني في الكبير (9/ 116 - 118 و 119/ 8596 - 8602 و 8605)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (60)، والبيهقي في الشعب (3/ 59/ 2866)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 336).
هكذا رواه عن إبراهيم الهجري: شعبة، والثوري، وزائدة بن قدامة، وروح بن القاسم، وزهير بن معاوية، وجعفر بن عون، وخلاد الصفار [وهم: ثقات]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، ويزيد بن عطاء اليشكري [لين الحديث].
وانظر فيمن وهم فيه على الثوري: المعجم الكبير للطبراني (9/ 121/ 8610).
• خالفهم أبو معاوية، فرفع آخره، وزاد فيه:
فقال: ثنا إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: من سرَّه أن يلقى الله عز وجل غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات حيث يُنادَى بهن، فإنهن من سُنن الهدى، وإن الله عز وجل شرع لنبيكم سُنن الهدى، وما منكم إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتُني وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومٌ نفاقُه، ولقد رأيتُ الرجلَ يُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ في الصف. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء؛ ثم يأتي مسجدًا من المساجد فيخطو خطوةً إلا رُفِع بها درجةً، أو حُطَّ عنه بها خطيئةٌ، أو كُتِبَت له بها حسنةٌ"، حتى إن كنا لنقارب بين الخطا، و"إن فضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة".
أخرجه أحمد (1/ 382).
ولعل الوهم فيه من الهجري نفسه، حيث حدَّث أبا معاوية بحديثين في سياق واحد، فرفع آخر الأول تبعًا للثاني، أو يكون الوهم من أبي معاوية، حيث أدرج آخر الموقوف في المرفوع، وهمًا منه، والله أعلم.
وقد فصله زائدة بن قدامة، فرواه عن إبراهيم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن صلاة الرجل في جماعة تزيد على الصلاة وحده خمسًا وعشرين درجة".
أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي (2/ 699/151).
ويأتي ذكر طرق حديث مضاعفة أجر صلاة الجماعة تحت الحديث رقم (559)، إن شاء الله تعالى.
3 -
أبو إسحاق [هو السبيعي، عمرو بن عبد الله: الثقة الحافظ]، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال:
…
فذكره بنحو حديث ابن المبارك.
أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي (2/ 150/ 694)، والطبراني في الكبير (9/ 120/ 8607)، والرافعي في التدوين (2/ 142)، والذهبي في السير (15/ 486).
رواه عن أبي إسحاق: ابنه يونس بن أبي إسحاق، ومسعر بن كدام، وسعير بن الخِمس.
لكن رواه أبو يعلى الخليلي في الإرشاد (3/ 841) من طريق سعير بن الخمس عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله به.
قال الخليلي: "ولهذا الحديث طرق يجمع من رواه عن إبراهيم، فأما من حديث سعير فهو عزيز، وليس هذا بالعراق من حديث سعير".
قلت: إن صح من حديث ابن الخِمس، فلعله أغرب حين حدَّث به عن أبي إسحاق، حيث كنى إبراهيم الهجري، وهو باسمه ونسبته أشهر، والله أعلم، ولا أعلم من نسب سعيرًا إلى التدليس، فإن صح ذلك عنه؛ فيكون بذلك قد دلَّس تدليس الشيوخ، لكن الأظهر عندي -والله أعلم- أنه رواه من حديث أبي إسحاق السبيعي، فإنه معروف بالرواية عنه.
ولحديث ابن مسعود إسنادان آخران لا يصحان، انظر: مسند الهيثم بن كليب (2/ 320/ 902)، المعجم الكبير للطبراني (9/ 121/ 8611).
• وقد رُوي بعضه من حديث ابن عمر مرفوعًا، ومعاذ موقوفًا، وغيرهما:
1 -
حديث ابن عمر:
يرويه: الهيثم بن خارجة، قال: نا كليب بن عيسى بن أبي حجير، قال: سمعت زُجلة، قالت: سمعت سالمًا أو نافعًا، يحدث عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يلقى الله عز وجل غدًا مسلمًا فليحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن".
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 220/ 8456)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 227 و 228).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن زجلة مولاة عبد الملك بن مروان، إلا كليب بن عيسى، تفرد به الهيثم بن خارجة".
قلت: لا يصح هذا عن ابن عمر، ولا عن نافع، ولا عن سالم؛ زُجلة، وكليب بن عيسى: مجهولان [التاريخ الكبير (3/ 452)، الجرح والتعديل (3/ 624) و (7/ 168)، الثقات (6/ 348)، تاريخ دمشق (50/ 227) و (69/ 163)، الإكمال (4/ 28)، تكملة الإكمال (2/ 687)، تاريخ الإسلام (8/ 99) و (9/ 135)].
وقد صح شيء من هذا من قول ابن عمر:
فقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: سمعت نافعًا يحدث أن عبد الله بن عمر كان يقول: كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 370/ 1485)، وابن حبان (5/ 455/ 2099)، والحاكم (1/ 211)، وابن أبي شيبة (1/ 292/ 3353)، والبزار (12/ 188/ 5848)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 134/ 1896)، والبيهقي في السنن (3/ 59)، وفي الشعب (3/ 2857/56)، وابن عبد البر (20/ 12).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، قلت: وهو كما قال.
وانظر: مسند البزار (12/ 188/ 5847)، المنتقى من مكارم الأخلاق (237)، المعجم لابن الأعرابي (1092)، المعجم الكبير للطبراني (12/ 271/ 13085)، الكامل لابن عدي (3/ 123).
2 -
حديث معاذ:
يرويه إسحاق بن راهويه: أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي: ثنا أيوب بن سيار الزهري، عن يعقوب بن زيد، عن أبي بحرية، قال: دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى والناس حوله، جعد قطط، فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ، فقلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل رضي الله عنه، فسمعته يقول: من سره أن يأتي الله تعالى آمنًا فليأت هذه الصلوات الخمس حيث يؤذن لها، فإنهن من سنن الهدى، ومما سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولا يقل: إن لي مصلى في بيتي فأصلي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، والذي نفسي بيده لقد رأيتنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عنها "لا منافقٌ بيِّن النفاق، حتى كان الرجل المريض يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
أخرجه إسحاق في مسنده (3/ 662/ 300 - مطالب)، ومن طريقه: أبو نعيم في الحلية (1/ 235).
وسنده واهٍ؛ أيوب بن سيار: متروك، منكر الحديث [اللسان (2/ 243)].
3 -
حديث عمومة أبي عمير بن أنس:
يرويه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، قال: حدثني أبو عمير بن أنس بن مالك، قال: حدثني عمومتي من الأنصار [وفي رواية شعبة: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يشهدهما منافق" يعني: العشاء والفجر.
أخرجه أحمد (5/ 57)، وعبد الرزاق (1/ 2023/529)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 292/ 3354)، وفي المسند (770)، وابن عبد البر (20/ 12).
وصحح إسناده الحافظ في الفتح (2/ 127).
وتقدم الكلام على هذا الإسناد في الحديث المتقدم برقم (498)، وهو حديث صحيح.
• ورُوي نحوه مرسلًا عن سعيد بن المسيب، انظر: موطأ مالك (1/ 190/ 345)، الأم (2/ 268/291)، مسند الشافعي (52)، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 59)، معرفة السنن (2/ 337/ 1427)، الشعب (3/ 56/ 2856)، التمهيد (20/ 11).
***
551 -
قال أبو داود: حدثنا قتيبة: ثنا جرير، عن أبي جناب، عن مَغْراءَ العبدي، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ قالوا: وما العذر؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ - لم تُقبل منه الصلاة التي صلى".
قال أبو داود: روى عن مَغْراءَ أبو إسحاق.
• لا يصح رفعه، وإنما يصح موقوفًا.
أخرجه من طريق قتيبة: الحاكم (1/ 245 - 246)، وقال:"فلا صلاة له". وابن عدي في الكامل (7/ 214)، والدارقطني (1/ 420)، والبيهقي في السنن (3/ 75 و 185)، وفي المعرفة (2/ 351/ 1452)، وابن الجوزي في التحقيق (705).
وأخرجه من طريق جرير: الطبراني في الكبير (11/ 446/ 12266)، وفي الأوسط (4/ 314/ 4303).
قال في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن مغراء إلا أبو جناب، ولا رواه عن أبي جناب إلا جرير، تفرد به أبو معمر".
• خالف جريرًا:
سليمان بن قرم [سيئ الحفظ، ليس بذاك]، فرواه عن أبي جناب، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع الصلاة يُنادى بها صحيحًا من غير عذر فلم يأتها: لم يقبل الله له صلاة في غيرها" قيل: وما العذر؟ قال: المرض أو الخوف.
أخرجه الحاكم (1/ 245)، وابن عدي في الكامل (7/ 214).
قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يحدث به عن أبي جناب إلا جرير، فقال: عن معز [كذا، وهو مغراء] العبدي، عن عدي بن ثابت، وقال سليمان بن قرم: عن أبي جناب، عن عدي بن ثابت، ولم يجعل بينهما معز [كذا، وهو مغراء]، وهذان يحدثان به عن أبي جناب".
وقال النووي في المجموع (4/ 164): "رواه أبو داود بإسناد ضعيف"، وقال في موضع آخر (4/ 177):"وفي إسناده رجل ضعيف مدلس، ولم يضعفه أبو داود"، وقال في موضع ثالث (4/ 409):"حديث ابن عباس صحيح".
وذكره في فصل الضعيف من الخلاصة (2262)، وقال:"رواه أبو داود من رواية أبي جناب بالجيم يحيى بن أبي حية، وهو: مدلس ضعيف، وقال في روايته: عن".
قلت: مغراء العبدي: ليس بالمشهور، وإن روى عنه جماعة، ولا يُحفظ فيه جرح، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"لا بأس به"، فيما حكاه عنه أبو العرب [بيان الوهم (3/ 96/ 791)، إكمال مغلطاي (11/ 315)، التهذيب (4/ 130)].
ويحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي: ضعيف، مشهور بالتدليس، وقد خالفه في رفع هذا الحديث أمير المؤمنين في الحديث.
• فقد رواه شعبة، واختلف عليه:
1 -
فرواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، وقراد أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان [ثقة، وله ما ينكر]، وسعيد بن عامر الضبعي [ثقة]، وأبو سليمان داود بن الحكم [لا يُعرف. فتح الباب (3471)، التنقيح (2/ 459)، ذيل الميزان (344)، اللسان (3/ 395)]:
عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له؛ إلا من عذر".
أخرجه ابن ماجه (793)، وابن حبان (5/ 415/ 2064)، والحاكم (1/ 245)، والضياء في المختارة (10/ 239 - 241/ 251 و 252 و 254 - 256)، وبقي بن مخلد أعزاه إليه ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 458)، وابن حجر في التلخيص (2/ 30)]، وبحشل في تاريخ واسط (202)، والحسن بن سفيان النسوي في الأربعين (25)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (483)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 135/ 1898)، والطبراني في الكبير (11/ 446/ 12265)، وابن المظفر في حديث شعبة (183)، وأبو بكر ابن المقرئ في الأربعين (51)، والدارقطني (1/ 420)، والبيهقي في السنن (3/ 57 و 174 و 185)، وفي المعرفة (2/ 338/ 1429)، والبغوي في شرح السنة (3/ 348/ 794 و 795)، وأبو موسى المديني في اللطائف من علوم المعارف (118)، والذهبي في التذكرة (2/ 705) و (3/ 983)، وفي السير (14/ 160 - 161) و (16/ 421)، وابن حجر في الأمالي الحلبية (9).
قال الحاكم: "هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم وقراد أبو نوح: ثقتان، فإذا وصلاه فالقول فيه قولهما".
فخالف بذلك نفسه حيث نطق بالصواب في المدخل إلى كتاب الإكليل (47)، فقال: "القسم الثالث من الصحيح المختلف فيه:
خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين فيسنده، ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه، ومثاله:
حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر".
قال الحاكم رحمه الله: هكذا رواه عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير، وهو: ثقة، وقد وقفه سائر أصحاب سعيد بن جبير عنه.
وهذا القسم مما يكثر، ويستدل بهذا المثال على جملة من الأخبار المروية هكذا، فهذه الأخبار صحيحة على مذهب الفقهاء، فإن القول عندهم فيها: قول من زاد في الإسناد أو المتن إذا كان ثقة.
فأما أئمة الحديث؛ فإن القول فيها عندهم: قول الجمهور الذين أرسلوه؛ لما يخشى من الوهم على هذا الواحد لقوله صلى الله عليه وسلم: "الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد"".
وفي كتاب العلل للخلال: "ثنا محمد بن الحسين: ثنا الفضل، قال: قلت لأحمد: شعبة عن عدي، فذكره، قال: أخطأ فيه هشيم مرة فرفعه، وهذا موقوف. قلت: كيف؟ قال: غندر وغيره لا يرفعه"[شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (4/ 1352)، وهي طبعة عقيمة].
وقال ابن المنذر: "وقد روى هذا الحديث وكيع، وعبد الرحمن بن زياد، عن شعبة: موقوفًا على ابن عباس، غير مرفوع".
وقال الدارقطني: "رفعه هشيم، وقراد شيخ من البصريين [وفي نسخة: للبصريين] مجهول"، هكذا، ولعل الصواب فيه: رفعه هشيم، وقراد، وشيخ للبصريين مجهول، يعني بذلك الشيخ: داود بن الحكم، فإن الدارقطني يوثق قرادًا عبد الرحمن بن غزوان، والله أعلم.
وقال البيهقي في السنن: "ورواه الجماعة عن سعيد [يعني: ابن جبير، أو تكون تصحفت عن شعبة، وهو الأقرب] موقوفًا على ابن عباس.
ورواه مغراء العبدي عن عدي بن ثابت مرفوعًا. وروي عن أبي موسى الأشعري مسندًا وموقوفًا.
والموقوف أصح، والله أعلم".
وقال أيضًا بعد رواية هشيم: "تابعه قراد أبو نوح عن شعبة في رفعه، وقد مضى ذكره، وخالفهما غيرهما من الثقات".
وقال في المعرفة: "رفعه هشيم وقراد عن شعبة، ووقفه جماعة عن شعبة".
وقال ابن حجر في التلخيص (2/ 30): "وإسناده صحيح؛ لكن قال الحاكم: وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة".
وقال في الأمالي: "هذا حديث صحيح".
وانظر: المحرر (362)، البلوغ (318) [قال في المحرر:"وإسناده على شرط مسلم، وقد أعل بالوقف"].
قلت: قد خالفهم من العقات ممن هم أثبت منهم في شعبة، وأكثر عددًا:
2 -
وكيع بن الجراح، وعلي بن الجعد، ووهب بن جرير، وحفص بن عمر الحوضي، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، وغندر محمد بن جعفر، وأكثر أصحاب شعبة [كما قال الحاكم]:
فرووه عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من سمع المنادي ثم لم يجب من غير عذر: فلا صلاة له.
وفي لفظ: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له؛ إلا من عذر. هكذا موقوفًا.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3464)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (482)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 136/ 1899)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3369 و 3370)، والبيهقي (3/ 174)، والضياء في المختارة (10/ 253/240).
قال أبو القاسم البغوي: "رواه هشيم عن شعبة مسندًا".
وقال عبد الحق الإشبيلي: "والصحيح: موقوف على ابن عباس: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له"[الأحكام الوسطى (1/ 274)].
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 10): "ولكن وقفه هو الصحيح عند الإمام أحمد وغيره".
قلت: وعليه: فالمحفوظ عن شعبة: موقوف، أخطأ فيه من رفعه.
• ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر:
قال ابن القطان في بيان الوهم (2/ 278)، وابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 458): "وقال قاسم بن أصبغ: ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا حفص بن عمر، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، قالوا: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر.
قال إسماعيل: فبهذا الإسناد رواه الناس عن شعبة.
وحدثنا أيضًا سليمان عنه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".
ثنا بهذا سليمان مرفوعًا، وبالأول موقوفًا".
هكذا رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن سليمان بن حرب: ثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له"، زاد بعضهم:"إلا من عذر".
أخرجه قاسم بن أصبغ في كتابه [عزاه إليه: أبو محمد عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 274)، وفي الكبرى (2/ 21)، وابن القطان في بيان الوهم (2/ 278)، والمنذري في الترغيب (1/ 166)، والقرطبي في التفسير (1/ 349)، وابن حجر في التلخيص (2/ 30)]، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3368)، وابن حزم في المحلى (4/ 190)، والبيهقي في السنن (3/ 174)، وفي المعرفة (2/ 339/ 1430)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 285)، وفي الموضح (1/ 429)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 21)، وابن الأبار في المعجم (1/ 253).
قال أبو بكر الدينوري بعده: "قال إسماعيل القاضي: خالفه حفص بن عمر، فقال: عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد، وجعله من قول ابن عباس موقوفًا؛ حدثناه إسماعيل، عنه.
قال أبو بكر: وحدثناه إسماعيل مرة أخرى عن سليمان بن حرب كذلك".
وقال الخطيب: "قال لنا أبو بكر البرقاني: تفرد به إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب. قلت: ورواه أبو عمر الحوضي عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا، غير مرفوع".
• وقد وجدت له متابعًا على هذا الإسناد، لكن خالفه في رفعه:
فقد روى أحمد بن عمرو القَطِراني: ثنا سليمان بن حرب: ثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 18/ 12344)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (10/ 141/ 142)، وأبو موسى المديني في اللطائف (118).
قال الطبراني: "هكذا رواه القطراني عن سليمان بن حرب موقوفًا، ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب مرفوعًا".
قلت: القطراني هو: أحمد بن عمرو بن حفص بن عمر بن النعمان بن عبد الرحمن القريعي، أبو بكر البصري القطراني: حدث عنه أبو القاسم الطبراني وأكثر عنه، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو الطاهر الذهلي، وابن قانع، وابن الأعرابي، ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له الحاكم في مستدركه، والضياء في مختارته، ونعته الذهبي بقوله:"الشيخ المحدث المعمر الثقة"[الثقات (8/ 55)، الأسامي والكنى (650)، المستدرك (1/ 307)، توضيح المشتبه (7/ 233)، السير (13/ 506)، تاريخ الإسلام (22/ 59)].
وأيًّا كان فهو دون الإمام الكبير، شيخ الإسلام، الحافظ المتقن، الفقيه المتفنن، إسماعيل بن إسحاق القاضي [انظر ترجمته: تاريخ بغداد (6/ 284)، السير (13/ 339)]، فالقول: قوله.
لكني أخاف أن يكون وهم سليمان بن حرب [وهو: ثقة حافظ، في هذا الإسناد الثاني، فقد رواه عن شعبة بالإسناد الأول: تسعة من أصحابه، وإن اختلفوا في رفعه ووقفه، لكنهم اتفقوا على شيخ شعبة، فجعلوه عدي بن ثابت، ولم يقل أحد منهم: حبيب بن أبي ثابت، فلا تطمئن النفس إلى ثبوت هذا الطريق، وكلام إسماعيل القاضي وأبي بكر البرقاني يُشعر بعدم ثبوته عندهما، والله أعلم.
• ويبقى المحفوظ في هذا الحديث، هو: ما رواه شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له؛ إلا من عذر.
هكذا موقوفًا على ابن عباس بإسناد صحيح على شرط الشيخين [انظر: البخاري (964)، مسلم (884)].
• وقد اختلف في هذا الحديث على عدي بن ثابت:
1 -
فرواه شعبة [في المحفوظ عنه]، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله.
2 -
ورواه: منصور بن المعتمر، ومسعر بن كدام:
عن عدي بن ثابت، عن عائشة، قالت: من سمع المنادي فلم يجب لم يُرِدْ خيرًا، أو: لم يُرَدْ به. موقوفًا عليها.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، وعبد الرزاق (1/ 498/ 1917 و 1918)(1/ 156 - مخطوط)[وسقط من الموضع الثاني عدي بن ثابت من الإسناد]. وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3466)[وسقط من سنده سفيان الثوري]. وابن المنذر في الأوسط (4/ 137/ 1903)، والبيهقي (3/ 57).
والذي يظهر لي -والله أعلم- أنه محفوظ عن عدي بن ثابت على الوجهين، فإنه تابعي ثقة، واسع الرواية، لكن لا يُعرف له سماع من عائشة، والظاهر أنه لم يدركها، إذ بين وفاتيهما قرابة ستين سنة، ويُدخَل بينه وبين عائشة رجلان في بعض الأسانيد [انظر: أخبار المدينة لابن شبة (1/ 558/125)، الحلية (7/ 249)، شعب الإيمان (7/ 317/ 10437)، دلائل النبوة (7/ 274)].
• والحاصل: أنه صحيح من قول ابن عباس، ضعيف من قول عائشة.
• ولابن عباس فيه إسناد آخر، موقوف أيضًا:
يرويه الطبراني في الأوسط (8/ 70/ 7990)، قال: حدثنا موسى بن هارون: ثنا العباس بن الحسين القنطري: ثنا مبشر بن إسماعيل، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: من سمع حي على الفلاح فلم يجب: فقد ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ميمون بن مهران إلا جعفر بن برقان، ولا عن جعفر إلا مبشر، تفرد به: العباس بن الحسين".
قلت: جعفر بن برقان الرقي: ثقة، ضابط لحديث ميمون بن مهران، من أثبت الناس فيه، إنما يُضعَّف في حديث الزهري، ومبشر بن إسماعيل الحلبي: ثقة، معروف بالرواية عن جعفر بن برقان، والعباس بن الحسين القنطري البغدادي، وقيل: البصري: ثقة، يروي عن مبشر، وموسى بن هارون الحمال الحافظ: كان إمام عصره في حفظ الحديث وعلله، وهو حافظ متقن.
فهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح غريب.
• ولابن عباس وعائشة حديثان آخران في هذا المعنى:
أما حديث ابن عباس:
فيرويه ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: سأل رجل ابن عباس، فقال: رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، لا يشهد جمعة ولا جماعة، أين هو؟ فقال ابن عباس: هو في
النار، ثم جاء الغد، فسأله عن ذلك، فقال: هو في النار، قال: فاختلف إليه قريبًا من شهر ليسأله عن ذلك، ويقول ابن عباس: هو في النار.
أخرجه الترمذي (218)، وعبد الرزاق (1/ 519/ 1989 و 1990)، وابن أبي شيبة (1/ 304 و 480/ 3475 و 5540)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 137/ 1906) واللفظ له. واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (8/ 2808/1456)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 243)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات (366).
قال الترمذي: "ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبةً عنها، واستخفافًا بحقها، وتهاونًا بها".
قلت: إسناده ضعيف إلى ابن عباس، ليث بن أبي سليم: ضعيف، لاختلاطه وعدم تميز حديثه، والله أعلم.
وأما حديث عائشة:
فيرويه عمر بن راشد، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 94)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 411/ 695).
قال ابن حبان: "عمر بن راشد الجاري القرشي مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، كان ينزل الجار، وهو الذي يقال له الساحلي: يضع الحديث على مالك وابن أبي ذئب وغيرهما من الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه؛ فكيف الرواية عنه".
وقال ابن الجوزي: "لا يصح حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد بن حنبل: عمر بن راشد لا يساوي حديثه شيئًا، وقال ابن حبان: لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه، يضع الحديث"[وانظر: المقاصد الحسنة (1309) وغيره].
قلت: هو حديث موضوع على ابن أبي ذئب، عمر بن راشد: ضعيف، متهم بوضع الحديث على الثقات [اللسان (6/ 98)، التهذيب (3/ 225)].
• وفي الباب:
1 -
عن أبي موسى الأشعري:
يرويه أبو بكر بن عياش [ثقة، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح]، وقيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به]:
عن أبي حصين، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[وفي رواية لقيس: ولا أحسبه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم]: "من سمع النداء فارغًا صحيحًا فلم يجب فلا صلاة له". لفظ ابن عياش، ولفظ قيس:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له" أحسبه قال: "إلا من عذر".
أخرجه الحاكم (1/ 246)، وصححه. والبزار (8/ 141/ 3157)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3371)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 542/ 1056)، والبيهقي (3/ 174)، والرافعي في التدوين (3/ 58)، والعراقي في جزء فيه خمسة أحاديث من عوالي حديثه (1).
قال البزار: "هذا الحديث قد رواه غير واحد عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبي موسى موقوفًا".
وقال البيهقي في السنن: "وروي عن أبي موسى الأشعري مسندًا وموقوفًا، والموقوف: أصح"، وكذا في المعرفة (2/ 339).
وقال المنذري في الترغيب (1/ 170): "الصحيح وقفه".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 11): "والموقوف أصح، قاله البيهقي وغيره".
• قلت: رواه مسعر بن كدام [ثقة ثبت]، واختلف عليه:
فرواه عبد الرحمن بن محمد بن منصور العامري: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا مسعر: ثنا أبو حصين، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي صحيحًا فارقًا فترك أن يجيبه: فلا صلاة له".
أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 319).
قلت: وهذا منكر من حديث يحيى بن سعيد القطان، تفرد به عنه: عبد الرحمن بن محمد بن منصور؛ الملقب كُربُزان: ليس بالقوي، حدث بأشياء لا يتابعه أحد عليها، وهذا منها [الجرح والتعديل (5/ 283)، الكامل (4/ 319)، مختصر الكامل (1151)، سؤالات الحاكم (145)، تاريخ بغداد (10/ 273)، السير (13/ 138)، اللسان (5/ 127)].
وقد رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة متقن]:
كلاهما عن مسعر، عن أبي حصين، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: من سمع المنادي ثم لم يجبه من فير عذر: فلا صلاة له. موقوف.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3463)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 136/ 1900)، والبيهقي (3/ 174).
وهذا هو المحفوظ: عن أبي موسى موقوف عليه بإسناد صحيح.
ورواه على الوهم في إسناده:
يحيى بن جعفر بن الزبرقان: أنبأ زيد بن الحباب: ثنا زائدة بن قدامة: أنبأ أبو حصين، عن أبي بكر بن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: من سمع الأذان فارغًا صحيحًا ثم لم يجب: فلا صلاة له.
أخرجه البيهقي (3/ 174) بإسناد صحيح إلى ابن الزبرقان.
وقال: "كذا قال: عن أبي بكر بن أبي بردة، ولا أراه إلا وهمًا".
قلت: الوهم فيه عندي من يحيى بن أبي طالب جعفر بن الزبرقان، فإنه وإن وثقه
الدارقطني وغيره، فقد تكلم فيه جماعة، مثل: أبي داود [فقد خطَّ على حديثه]، وموسى بن هارون [فقد كذبه]، وأبي أحمد الحاكم [حيث قال:"ليس بالمتين"] [انظر: اللسان (8/ 423 و 452)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (9/ 270)، سؤالات الحاكم (239)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)].
وزيد بن الحباب: صدوق؛ إنما تكلم في حديثه عن الثوري، وأما حديثه عن أهل الكوفة وغيرهم فمستقيم.
• ورواه حفص بن جميع، عن سماك، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له.
أخرجه البزار (8/ 142/ 3158).
قال البزار: "ولا نعلم روى سماك عن أبي بردة عن أبي موسى إلا هذا الحديث، ولا رواه عن سماك إلا حفص".
قلت: ولا يصح عن سماك، فإن حفص بن جميع: ضعيف، يحدث عن سماك بأحاديث مناكير [التهذيب (1/ 449)، الميزان (1/ 556)].
2 -
عن جابر بن عبد الله:
يرويه أبو السكين الطائي زكريا بن يحيى: حدثنا محمد بن سكين الشقري المؤذن: نا عبد الله بن بكير الغنوي، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم قومًا في الصلاة [وفي رواية: عن صلاة العشاء الآخرة]، فقال:"ما خلفكم عن الصلاة؟ " قالوا: لحاء كان بيننا [وفي رواية: وقع بيننا كلام]، فقال: إلا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".
وفي رواية: "لا صلاة لمن سمع النداء ثم لم يأت إلا من علة".
أخرجه ابن السكن في صحاحه فأغرب [البدر المنير (4/ 419)]، والدولابي في الكنى (2/ 611/ 1093)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 81)، وأبو أحمد الحاكم في الكنى (3/ 64)، وضعفه. وأبو بكر ابن المقرئ في الأربعين (50)، والدارقطني (1/ 419)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1856/ 1439)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 411/ 694)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (1/ 4)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 111)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 283).
قال البخاري: "في إسناده نظر".
وقال أبو حاتم في محمد بن سكين مولى بني سعد مؤذن بني شقرة، وفي حديثه هذا:"هو مجهول، والحديث منكر".
وقال العقيلي: "هذا يروى بغير هذا الإسناد من وجه صالح"، قلت: لا يصح في الباب شيء مرفوع.
وقال الدارقطني: "محمد بن سكين ضعيف" [من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن
لابن زريق الحنبلي (379)، تخريج الأحاديث الضعاف (362)، الميزان (3/ 567)].
وقال عبد الحق الإشبيلي: "وهو حديث ضعيف"[الأحكام الوسطى (1/ 275)]، وتبعه عليه ابن القطان في بيان الوهم (3/ 342/ 1088).
وقال ابن الجوزي: "في إسناده مجاهيل".
وقال النووي في الخلاصة (2263): "في إسناده ضعيفان، أحدهما مجهول".
وقال الذهبي في الميزان (3/ 567)، وفي المغني (5569) في محمد بن سكين:"لا يعرف، وخبره منكر".
وضعف إسناده العراقي في تخريج الإحياء (405)، وانظر: المقاصد الحسنة (1309) وغيره.
قلت: هو حديث منكر، عبد الله بن بكير الغنوي: ليس بقوي، له مناكير [اللسان (4/ 443)]، ومحمد بن سكين الشقري المؤذن: ذكره ابن حبان في الثقات، وتقدم ذكر كلام الأئمة فيه، وقد ضعفوه بروايته لهذا الخبر، وهو مجهول، لا يُعرف، وحدَّث بهذا الحديث المنكر [التاريخ الكبير (1/ 111)، كنى مسلم (521)، الجرح والتعديل (7/ 283)، الضعفاء الكبير (4/ 80)، الثقات (9/ 67)، الميزان (3/ 567) و (4/ 36)، المغني (5569)، اللسان (7/ 163) و (7/ 505)]، وأبو السكين الطائي زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن: وثقه الخطيب، وأخرج له البخاري ما صح عنده من حديثه، ولينه الدارقطني، وقال مرة:"متروك"[التهذيب (1/ 634)، الميزان (2/ 79)، سؤالات البرقاني (166)، سؤالات الحاكم (329)].
3 -
عن علي بن أبي طالب:
يرويه سفيان الثوري، وإسرائيل، والمطلب بن زياد [صدوق، وله مناكير]: عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي، قال: من كان جار المسجد فسمع المنادي ينادي فلم يجبه من غير عذر فلا صلاة له. لفظ المطلب، وفي لفظ لإسرائيل: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. ولفظ سفيان: من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلم يجب فلا صلاة له.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، وعبد الرزاق (1/ 498/ 1916)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 137/ 1904)، والدارقطني (1/ 420)، والبيهقي (3/ 57).
قال البيهقي: "وقد روي من وجه آخر مرفوعًا، وهو ضعيف".
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل الحارث الأعور، وأبو إسحاق السبيعي لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث.
ورواه سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وزائدة بن قدامة، وجعفر بن عون، وهشيم:
عن أبي حيان [يحيى بن سعيد بن حيان: ثقة ثبت]، عن أبيه [سعيد بن حيان التيمي الكوفي: لم يرو عنه سوى ابنه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"ثقة"، وقال
ابن القطان: "لا تعرف له حال"، وقال الذهبي:"لا يكاد يُعرف"، ولا يُعرف له سماع من علي. التاريخ الكبير (3/ 463)، مسند البزار (3/ 51 - 54/ 806 - 809)، التهذيب (2/ 13)، الميزان (2/ 132)، بيان الوهم (4/ 490)]، عن علي، قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.
قال: قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من أسمعه المنادي.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، والشافعي في الأم (8/ 398/ 3279)، وعبد الرزاق (1/ 497/ 1915)، وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3469)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 137/ 1907)، والبيهقي في السنن (3/ 57 و 174)، وفى المعرفة (2/ 338/ 1428).
وفي إسناده ضعف؛ لأجل الراوي عن علي.
ورواه هشيم، قال: أخبرنا منصور، عن الحسن، عن علي أنه قال: من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا بالعذر [من عذر].
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457)، وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3470)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 136/ 1901).
ورجاله ثقات مشاهير، لكن الحسن لم يسمع من علي [المراسيل (93 و 94)، تحفة التحصيل (67)].
وهذه الطرق الثلاثة يشهد بعضها لبعض، ويقوي بعضها بعضًا، فهو ثابت من قول علي، موقوف عليه، والله أعلم.
4 -
عن عبد الله بن مسعود:
يرويه وكيع بن الجراح، وعلي بن الجعد، ويحيى بن سعيد القطان:
عن سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا أبو موسى الهلالي، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: من سمع المنادي ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له.
وفي رواية: جار المسجد يسمع النداء لا يأتيه من غير علة لا صلاة له.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه صالح (457) ولم يقل: "عن أبيه". ومسدد في مسنده (3/ 672/ 403 - مطالب)، وابن أبي شيبة (1/ 303/ 3467)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3087)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 136/ 1902).
وإسناده ضعيف؛ قال أبو حاتم في أبي موسى الهلالي: "هو مجهول، وأبوه مجهول"[الجرح والتعديل (9/ 438)، كنى البخاري (79)، التهذيب (4/ 596)، الميزان (4/ 578)].
• وروى ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 409/ 4716)، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن أبي النجود، عن المسيب بن رافع، قال: قال عبد الله: أربع من الجفاء: أن يصلي الرجل إلى غير سترة، وأن يمسح جبهته قبل أن ينصرف، أو يبول قائمًا، أو يسمع المنادي ثم لا يجيبه.
ورواه ابن المنذر (1/ 336/ 280) من طريق وكيع به مختصرًا.
ورواه زائدة بن قدامة، وحماد بن سلمة، وشريك بن عبد الله النخعي: عن عاصم، عن المسيب، عن ابن مسعود قوله نحوه.
أخرجه ابن المنذر (3/ 276/ 1648)، والطبراني في الكبير (9/ 299 و 300/ 9501 - 9503).
قال زائدة في موضع الشاهد: أن يسمع الرجل المؤذن يكبر فلا يكبر، ويتشهد فلا يتشهد. وقال شريك: وأن تسمع المؤذن ولا تقول كما يقول. وكذا قال حماد بن سلمة.
فدل على أن مراد ابن مسعود من إجابة المؤذن: ترديد قول المؤذن، لا حضور الجماعة، وعليه فلا يشهد لما نحن فيه.
وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو منقطع؛ فإن المسيب بن رافع لم يلق ابن مسعود [المراسيل (207)، جامع التحصيل (280)، تحفة التحصيل (304)].
• وروي نحوه من قول بريدة بن الحصيب، من رواية ابنه عنه، واختلف عليه.
انظر: التاريخ الكبير (3/ 495)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 409/ 4712)، الأوسط لابن المنذر (1/ 336/ 279)، سنن البيهقي (2/ 285).
قال البخاري: "هذا حديث منكر، يضطربون فيه".
5 -
عن أبي هريرة:
يرويه سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".
أخرجه الحاكم (1/ 246)، وابن عدي في الكامل (3/ 278)، والدارقطني (1/ 420)، والبيهقي (3/ 57)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 410/ 693).
قال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 343/ 1088): "وسليمان ضعيف، وعامة ما يرويه بهذا الإسناد لا يتابع عليه".
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح؛ قال يحيى: سليمان بن داؤد اليمامي: ليس بشيء"، وضعفه النووي في الخلاصة (2264)، وضعف إسناده العراقي في تخريج الإحياء (405)، وانظر: المقاصد الحسنة (1359) وغيره.
قلت: هو حديث منكر، تفرد به سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير، وسليمان: متروك، منكر الحديث، وأنكر عليه ابن عدي هذا الحديث في جملة ما أنكر عليه [اللسان (4/ 140)].
ورُوي موقوفًا:
رواه وكيع، عن عبد الرحمن بن خضير، عن أبي نجيح المكي، عن أبي هريرة، قال: لأن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصًا مذابًا خيرٌ له من أن يسمع المنادي ثم لا يجبه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 303/ 3465)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 137/ 1905).
قلت: أبو نجيح المكي هو يسار: ثقة، من الثالثة، لكن الراوي عنه: عبد الرحمن بن خضير الهلالي، وقيل: الهنائي، المكي، وقيل: البصري [تصحف اسم أبيه في بعض المصادر إلى حصين، أو حضير]: وثقه ابن معين، وضعفه الفلاس، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال الذهبي:"ضعفه الفلاس، ومشاه غيره، فوثقه يحيى"، ولا يصح أن وكيعًا قواه، إنما وثق شيخه أبا نجيح [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 11/ 464) و (3/ 568/ 2789)، التاريخ الكبير (5/ 278)، الجرح والتعديل (5/ 230)، الضعفاء الكبير (2/ 328)، تصحيفات المحدثين (2/ 616)، الإكمال (2/ 484)، توضيح المشتبه (3/ 268)، تاريخ الإسلام (9/ 480)، الميزان (2/ 557)، اللسان (5/ 99)].
6 -
عن أنس:
يرويه أبو القاسم علي بن يعقوب [علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بن زامل أبو القاسم الهمداني الدمشقي المعروف بابن أبي العقب: ثقة مشهور. ذيل مولد العلماء (24)، تاريخ دمشق (43/ 286)، تاريخ الإسلام (26/ 92)، السير (16/ 38)]: ثنا أبو جعفر أحمد بن عمرو بن إسماعيل بن عمر الفارسي المقعد [نقل ابن عساكر توثيقه في ترجمته من تاريخ دمشق (5/ 102)]: ثنا شيبان بن فروخ [الأُبُلِّي]: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".
أخرجه تمام في الفوائد (1291)، قال: أخبرنا أبو القاسم به.
قلت: هذا إسناد غريب غريب، تفرد به عن أهل البصرة: الفارسي المقعد، وعنه: ابن أبي العقب الدمشقي، فكيف لا يشتهر مثل هذا الإسناد بين أصحاب حماد بن سلمة على كثرتهم، ثم لا يحمله عن أهل البصرة والأبلة [وهي من البصرة على أربعة فراسخ. الأنساب (1/ 75)] سوى الغرباء من أهل فارس، ثم عنهم: أهل دمشق، ثم كيف لا يعرف المحدثون الحفاظ النقاد هذا الإسناد، كما سيأتي نقل كلامهم، وإنما يُعرف هذا الحديث من رواية:
محمد بن القاسم الأسدي، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةً: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخط، ورجلٌ سمع حي على الفلاح ثم لم يجب.
أخرجه الترمذي (358)، والبزار (13/ 223/ 6707)، ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 436/ 744)، وفي الموضوعات (2/ 24).
قال الترمذي: "حديث أنس لا يصح؛ لأنه قد رُوي هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
قال أبو عيسى: ومحمد بن القاسم تكلم فيه أحمد بن حنبل، وضعفه، وليس بالحافظ".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحسن عن أنس إلا الفضل بن دلهم، وليس هو بالحافظ، وهو بصري مشهور، تفرد به أنس".
وهذا حديث باطل، الفضل بن دلهم: ليس بالقوي، ليس بذاك في الحسن [التهذيب (3/ 390)، الميزان (3/ 351)]، ومحمد بن القاسم الأسدي: كذاب [التهذيب (3/ 678)، الميزان (4/ 11)]، فلو كان هذا الحديث يعرف من حديث حماد بن سلمة، لما عدل الأئمة عنه إلى رواية هذا الكذاب.
وحديث حماد إنما يعرف من حديث الحسن عن علي، كما تقدم ذكره، وحديث الأسدي إنما يُعرف من مراسيل الحسن:
يرويه: قتادة [ثقة ثبت]، وهشام بن حسان [ثقة]، وأبو عبيدة الناجي [بكر بن الأسود: ضعيف، تقدم ذكره تحت الحديث رقم (17)]، وإسماعيل بن مسلم المكي [ضعيف][بألفاظ متقاربة، واختصره بعضهم]:
عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكر الأصناف ثلاثةً، وجعل بدل جملة الأذان، جملة العبد الآبق.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 411/ 3893 و 3895 و 3896)، وابن أبي شيبة (1/ 357 و 358/ 4108 و 4111)، والبيهقي (3/ 128).
• وأخيرًا: فإنه لا يصح في الباب شيء مرفوع، وإنما يصح موقوفًا على: ابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب.
قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (419): "قلت لأحمد: رجل صحيح لا يشهد الجماعة؟ قال: هذا رجل ليس له علم، وأما من علم الحديث يتخلف عن الجماعة، وقد قيل: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، إن هذا الرجل أي رجل سوء"، قلت: يحتج في ذلك بأقوال الصحابة.
وقال الترمذي في الجامع (217): "وقد رُوي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يُجِبْ فلا صلاة له.
وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد، ولا رخصةَ لأحدٍ في ترك الجماعة؛ إلا من عذر".
وقال ابن حجر في التلخيص (2/ 31): "حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد": مشهور بين الناس، وهو: ضعيف، ليس له إسناد ثابت" يعني: مرفوعًا.
وقال في الدراية (2/ 293): "وقال ابن حزم: هذا الحديث ضعيف، وقد صح من قول علي".
وقال في الفتح (1/ 439): "وأما حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد": فضعيف".
***
552 -
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني رجلٌ ضريرُ البصر، شاسعُ الدار، ولي قائدٌ لا يُلاوِمُني [في نسخة: يلائمني]، فهل لي رخصةٌ أن أصليَ في بيتي؟ قال:"هل تسمعُ النداء؟ " قال: نعم، قال:"لا أجدُ لك رخصةً".
• إسناده منقطع.
قال الخطابي في إصلاح غلط المحدثين (26): "إن لي قائدًا لا يُلاوِمُني" هكذا يرويه المحدثون، وهو غلط، والصواب: لا يُلائِمُني؛ أي: لا يوافقني ولا يساعدني على حضور الجماعة"، وذكر نحوه في المعالم (1/ 138)، وزاد: "فأما الملاومة: فإنها مفاعلة من اللوم، وليس هذا موضعه" [وانظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 658)، تهذيب اللغة (15/ 287)، النهاية (4/ 221 و 278)، لسان العرب (12/ 558)، تاج العروس (33/ 445)].
أخرجه من طريق أبي داود: البغوي في شرح السنة (3/ 348 - 349/ 796).
وأخرجه من طريق سليمان بن حرب: الحاكم (1/ 247)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 103)، والبيهقي (3/ 58).
• ورواه سفيان الثوري، وزائدة بن قدامة، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة، وعلي بن صالح، وأبو حمزة السكري، وغيرهم:
عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم [قال الثوري وشيبان: عمرو بن أم مكتوم]
…
مثله.
أخرجه ابن ماجه (792)، وابن خزيمة (2/ 368/ 1480)، والحاكم (3/ 635)، وأحمد (3/ 423)، وابن أبي شيبة في المسند (808)، وعبد بن حميد (495)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 133/ 1892)، وابن قانع في المعجم (2/ 204)، والطبراني في الأوسط (5/ 148 - 149/ 4914)، وفي الصغير (2/ 34/ 732)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1659/ 4165)، والبيهقي (3/ 58)، والخطيب في المبهمات (214)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 469/ 703)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (4/ 36)، والمزي في التهذيب (22/ 29).
• وقد اختلف فيه على عاصم بن أبي النجود:
1 -
فرواه سفيان الثوري، وزائدة بن قدامة، وحماد بن زيد، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة، وعلي بن صالح، وأبو حمزة السكري [وهم ثمانية من الثقات، وغيرهم]:
عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم.
2 -
ورواه إبراهيم بن طهمان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عمرو بن أم مكتوم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني شيخ [كبير]، ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، وبيني وبين المسجد شجر وأنهار، فهل لي من عذر أن أصلي في بيتي؟ فقال:"هل تسمع النداء؟ " قلت: نعم، قال:"فأتها".
أخرجه الحاكم (3/ 635)، والطحاوي في المشكل (13/ 84/ 5086)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1999/ 5020).
قال الحاكم: "لا أعلم أحدًا قال في هذا الإسناد: عن عاصم، عن زر، غير إبراهيم بن طهمان، وقد رواه زائدة، وشيبان النحوي، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة، وغيرهم: عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم".
وقال أبو نعيم: "كذا قال إبراهيم: عن زر بن حبيش، ورواه شيبان وأكثر أصحاب عاصم: عن أبي رزين عن ابن أم مكتوم".
قلت: لعله دخل لابن طهمان حديث في حديث، فإنه يروي حديث حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شداد، عن ابن أم مكتوم، وهذا سياقه، فأخطأ فيه ابن طهمان مرتين، مرة في إسناده بتفرده بذكر: زر بن حبيش، وإنما هو: أبو رزين، ومرة في متنه فركب متن حديث حصين على إسناد حديث عاصم، والله أعلم.
3 -
ورواه معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن صالح، قال: أتى ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكره بنحوه.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 497/ 1913).
4 -
ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث.
أخرجه أبو بكر النجاد في جزء من حديثه (14 - رواية أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزاز)، ومن طريقه: الخطيب في المبهمات (214).
من طريق: هلال بن العلاء، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد به، وزيد بن أبي أنيسة: ثقة حافظ، لكن الإسناد إليه لا يصح، فإن العلاء بن هلال بن عمر بن هلال الباهلي الرقي: منكر الحديث، قال النسائي:"روى عنه ابنه هلال غير حديث منكر، فلا أدري منه أُتي أو من أبيه"[الجرح والتعديل (6/ 361)، ضعفاء النسائي (459)، المجروحين (2/ 184)، الكامل (5/ 223)، التهذيب (3/ 349)، الميزان (3/ 106)]، وابنه هلال: صدوق، قال النسائي:"ليس به بأس، روى أحاديث منكرة عن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه"[التهذيب (4/ 291)، التقريب (645)]، فهو حديث منكر بهذا الإسناد.
ثم وجدت فيما جمعه وخرجه زاهر بن طاهر الشحامي من حديث أبي العباس
السراج (1003)، قال السراج: ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني [صدوق. التهذيب (1/ 383)، الجرح والتعديل (2/ 2)]: ثنا محمد بن سلمة [الحراني: ثقة]، عن أبي عبد الرحيم [خالد بن أبي يزيد الحراني: لا بأس به]، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: أتى ابن أم مكتوم الأعمى، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث.
لكنه إسناد غريب، وهو وهم، لا أدري ممن هو.
• والحاصل: أن المحفوظ في هذا الحديث: ما رواه جماعة الحفاظ: عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم.
وما عداه أوهام ومناكير، قال أبو نعيم الأصبهاني:"وكل ذلك أوهام"، يعني: عدا رواية الجماعة.
قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 551/ 554) متعقبًا عبد الحق الإشبيلي في أحكامه: "وذكر أيضًا من طريق أبي داود حديث ابن أم مكتوم: "لا أجد لك رخصة" وفي رواية أخرى: "إن المدينة كثيرة الهوام والسباع".
وكلتا الروايتين مشكوك في اتصالهما:
أما الأولى: فيرويها عاصم بن بهدلة، عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم. وأبو رزين: مسعود بن مالك الأسدي أعلى ما له: الرواية عن علي، ويقال: إنه حضر معه بصفين.
وابن أم مكتوم، قتل بالقادسية أيام عمر، وانقطاع ما بينهما إن لم يكن معلومًا -لأنا لا نعرف سنه- فإن اتصال ما بينهما ليس معلومًا أيضًا، فهو مشكوك فيه.
وأما الرواية الأخرى: فيرويها عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم، وسنه لا تقتضي له السماع منه، فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر".
وقال في موضع آخر (5/ 677): "وكلتاهما لا تصح".
وقال النووي في المجموع (4/ 164): "رواه أبو داود بإسناد صحيح أو حسن".
وقال ابن حجر بأن أبا رزين لم يسمع من ابن أم مكتوم [إتحاف المهرة (1/ 572/ 13443)].
قلت: إسناده منقطع، قال ابن معين:"أبو رزين عن عمرو بن أم مكتوم: مرسل"[جامع التحصيل (757)، تحفة التحصيل (301)]، ولأبي رزين فيه إسناد آخر يأتي ذكره، وهو منكر.
***
553 -
حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء: ثنا أبي: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم، قال:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن المدينةَ كثيرةُ الهوامِّ والسِّباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتسمع: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟ فحيَّ هلًا".
قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجَرْمي عن سفيان، ليس في حديثه:"حيَّ هلًا".
• حديث مرسل.
قال الخطابي في المعالم (1/ 138): "قوله: "حيَّ هلًا": كلمة حث واستعجال".
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 58).
وأخرجه من طريق هارون به: النسائي في المجتبى (2/ 110/ 851)، وفي الكبرى (1/ 447/ 926).
قال النسائي: "قد اختُلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مرسلًا"[تحفة الأشراف (8/ 171)، التنقيح (2/ 7)].
هكذا رواه هارون [لا بأس به]، عن أبيه، وتابعه عليه:
علي بن سهل بن قادم الرملي [ثقة]، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم به مثله.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 367 - 368/ 1478)، والحاكم (1/ 247)(1/ 120/ ب- مخطوط رواق المغاربة).
قال ابن خزيمة: "نا علي بن سهل الرملي بخبر غريب غريب،
…
"، وساقه بهذا الإسناد، وأخرجه الحاكم من طريق ابن خزيمة، لكن سقط من إسناد الحاكم: ابن أبي ليلى، ثم بنى حكمه على ذلك فقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ إن كان ابن عابس سمع من ابن أم مكتوم، وله شاهد بإسناد صحيح".
قال ابن حجر منبهًا: "وسقط من سنده: عبد الرحمن بن أبي ليلى"، ثم نقل كلام الحاكم، ثم قال:"قلت: لم يسمع منه ابن عابس، ولا ابن أبي ليلى، ولا أبو رزين، قاله ابن معين، والمعتمد في اتصال هذا الإسناد رواية عبد الله بن شداد عنه"[إتحاف المهرة (1/ 572/ 13443)].
• تابع ابن أبي الزرقاء [وهو: ثقة] عليه:
قاسم بن يزيد الجرمي [ثقة]، فرواه عن الثوري به مثله، إلا أنه قال في آخره:"هل تسمع: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟ " قال: نعم، فقال:"فحيَّ هلًا" ولم يرخص له.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 110/ 851)، وفي الكبرى (1/ 447/ 926)، وابن قانع في المعجم (2/ 205)[وفي سنده تصحيف]. والمزي في التهذيب (22/ 28).
• وخالفهما:
أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]:
فرواه عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال:
جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المدينة أرض هوامٍّ وسباع، فهل لي رخصة أن أصلي العشاء والفجر في بيتي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتسمع حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح" قال: فقال: نعم، قال:"فحيَّ هلًا".
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 303 - 304/ 3473).
قلت: فضحت روايةُ أبي أسامة الظاهرة الإرسال: روايةَ ابن أبي الزرقاء والقاسم الموهمة للاتصال، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك عمر، فضلًا عن ابن أم مكتوم، ورواية أبي أسامة عندي هي الصواب؛ فهو أحفظ الثلاثة، وهي الموافقة لحقيقة الحال [انظر: المراسيل (450 - 454)، جامع التحصيل (452)، تحفة التحصيل (204)].
قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 551/ 554): "وأما الرواية الأخرى: فيرويها عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم، وسنه لا تقتضي له السماع منه، فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر"، وكان قال قبلُ:"وابن أم مكتوم، قتل بالقادسية أيام عمر".
• ومما يؤكد كون الرواية المرسلة هي المحفوظة: رواية عمرو بن مرة:
فقد روى أبو داود، وعلي بن الجعد:
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، يقول: كان منا رجل ضرير البصر، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن بيني وبين المسجد نخلًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتسمع النداء؟ " قال: نعم، قال:"فإذا سمعت النداء فأجبه". لفظ أبي داود.
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (73)، والطحاوي في المشكل (13/ 88/ 5090) و (15/ 109/ 5877)، وفي أحكام القرآن (220).
وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (4/ 355/ 4468).
قال الطحاوي: "غير أنا تأملنا هذا الحديث فوجدنا ابن أبي ليلى يقول فيه: كان منا رجل ضرير البصر، وابن أبي ليلى من الأنصار، وابن أم مكتوم فمن قريش، فاحتمل أن يكون ذلك على رجل من الأنصار، فيكون ما في حديثه هذا غير ما في الحديث الأول، فيكون كل واحد من الرجلين المذكورين فيهما غير الآخر".
قلت: لا يسلم له ذلك، فإنه لفظ محتمل للتأويل، وروايات الحديث وطرقه ترده، ففي لفظ علي بن الجعد: أن رجلًا منهم كان ضريرًا، والله أعلم.
فبقي أن رواية عمرو بن مرة متابعة لرواية عبد الرحمن بن عابس [من طريق أبي أسامة، عن الثوري عنه]، فالحديث إنما هو: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: مرسل.
• وقد وهم في هذا الحديث على عمرو بن مرة، وعلى أبي رزين:
أبو سنان سعيد بن سنان [الشيباني الكوفي، صدوق له أوهام. التقريب (228)]، فرواه عن عمرو بن مرة: حدثني أبو رزين، عن أبي هريرة، قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل ضرير [البصر]، شاسع الدار، وليس لي قائد يلاومني، فهل لي رخصة أن لا آتي المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا".
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 304/ 3474)، والطحاوي في المشكل (13/ 87/ 5089) و (15/ 108/ 5876)، وفي أحكام القرآن (219)، وابن عدي في الكامل (3/ 363).
قال الطحاوي: "هكذا روى أبو سنان هذا الحديث عن عمرو بن مرة، ورواه شعبة عن عمرو بن مرة، فخالفه في إسناده".
قلت: والمعروف: رواية شعبة الحافظ الإمام، ورواية أبي سنان الكوفي: رواية منكرة؛ فإنه كان لا يقيم الحديث، وله غرائب وإفرادات [التهذيب (2/ 25)، الميزان (2/ 143)].
• ولحديث ابن أم مكتوم طرق أخرى، منها:
1 -
عبد العزيز بن مسلم القسملي [ثقة]، وإبراهيم بن طهمان [ثقة]، وأبو جعفر الرازي [ليس بالقوي]:
رواه ثلاثتهم: عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شداد، عن عبد الله بن أم مكتوم، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد، فرأى في الناس رقة، فقال: إني لأهم أن أجعل للناس إمامًا، ثم أخرج فلا أقدر على رجل تخلف عن الصلاة إلا أحرقت عليه بيته" فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني بيني وبين المسجد نخلًا وشجرًا، وليس كل وقت أقدر على قائد، أفأصلي في بيتي؟ فقال:"تسمع الإقامة؟ " قلت: نعم، قال:"فائتها".
وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في الناس قلة، فقال:"لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أنطلق فلا أجد رجلًا متخلفًا في بيته إلا أحرقته عليه" فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن بيني وبين المسجد نخل وشجر، فهل ينبغي أن أصلي في بيتي؟ قال:"تسمع الإقامة؟ " قال: نعم، قال:"فائتها".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 368/ 1479)، والحاكم (1/ 247)، وأحمد (3/ 423)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 132/ 1891)، والطحاوي في المشكل (13/ 85/ 5087) و (15/ 110 - 111/ 5878)، وفي أحكام القرآن (221)، والسهمي في تاريخ جرجان (427)، وابن قانع في المعجم (2/ 205)، والدارقطني (1/ 381)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 470/ 704).
صححه ابن خزيمة والحاكم.
وقال ابن حجر: "والمعتمد في اتصال هذا الإسناد رواية عبد الله بن شداد عنه"[إتحاف المهرة (1/ 572/ 13443)].
قال الطحاوي: "فطعن طاعن في إسناد هذا الحديث، ونفى أن يكون سماعًا لعبد الله بن شداد من ابن أم مكتوم، فتأملنا ذلك فوجدنا عبد الله بن شداد قد سمع من عمر بن الخطاب، ومن سمع من عمر كان غير مستنكر منه سماعه من ابن أم مكتوم".
قلت: لم أقف له على سماع من ابن أم مكتوم، لكنه ممكن؛ فإن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي المدني: ثقة فقيه، تابعي كبير، وُلد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمع
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله البخاري، وقال ابن المديني:"ولقي عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل"، وقال أحمد:"عبد الله بن شداد: قديم، سمع من عمر وعلي"، وكان ممن نزل الكوفة، قال ابن المديني:"أصله مديني، وقد روى عنه أهل الكوفة"، لذا فسماع حصين الكوفي منه ليس مستغربًا، وهو معروف بالرواية عنه [التاريخ الكبير (5/ 115)، مسائل صالح (705 و 1203)، طبقات خليفة (30)، الاستيعاب (1511)، تاريخ بغداد (9/ 473)، السير (3/ 488)، تاريخ الإسلام (6/ 111)، الإصابة (5/ 13)، التهذيب (2/ 352)].
قال الطحاوي: "وقد روى شعبة عن حصين هذا الحديث، فأوقفه على عبد الله بن شداد".
وقال أيضًا: "وذكر بعض الطاعنين في إسناد هذا الحديث: أن شعبة قد رواه عن حصين فخالف عبد العزيز فيه".
رواه عبد الرحمن بن زياد الرصاصي: حدثنا شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شداد بن الهاد: أن ابن أم مكتوم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بيني وبين المسجد أشياء، وربما وجدت قائدًا، وربما لم أجد، قال:"ألست تسمع النداء؟ " قلت: بلى، قال:"فإذا سمعت النداء فامش إليها".
ثم سأله رجل آخر عن مثل ذلك، فقال:"فإذا سمعت النداء فآذن [فادْنُ] " ولم يرخص له، ثم قال:"لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم آتي، أقوامًا لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم". مرسل.
أخرجه الطحاوي في المشكل (13/ 88/ 5086) و (15/ 111/ 5879)، وفي أحكام القرآن (222)، قال: حدثنا عبد الغني بن رفاعة بن أبي عقيل اللخمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد به.
قال الطحاوي: "قد يحتمل أن يكون ذلك من اختلاف شعبة وعبد العزيز على حصين؛ لأن حصينًا حدث به مرة هكذا ومرة هكذا، وكل واحد من شعبة، ومن عبد العزيز: إمام حافظ حجة؛ ممن إذا تفرد بشيء كان مقبولًا منه، ومن كان كذلك: وجب أن يكون ما روى مما قد خولف فيه بمثل ما قد ذكرنا، لا يحمل على الوهم منه فيما روى؛ ما لم تقم الحجة بذلك".
قلت: لم ينفرد بذلك شعبة [وهو الثبت في حصين، قديم السماع منه][انظر: شرح العلل (2/ 739)، الكواكب النيرات (14)]، فقد تابعه عليه:
هشيم بن بشير [ثقة ثبت، أثبت الناس في حصين، وأصحهم عنه حديثًا]، فرواه عن حصين، عن عبد الله بن شداد، قال: استقل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناس ذات ليلةٍ في العشاء -يعني: العتمة-، قال:"فلقد هممت أن آمر بالصلاة فينادى بها، ثم آتي قومًا في بيوتهم، فأحرقها عليهم، لا يشهدون الصلاة".
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 303/ 3472).
وهذا مرسل، قال الإمام أحمد:"عبد الله بن شداد: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا"[مسائل صالح (705)، تحفة التحصيل (178)].
فإن قيل: لا يثبت هذا عن شعبة، فقد تفرد به عنه: عبد الرحمن بن زياد الرصاصي.
فيقال: عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، كان من أهل البصرة، ثم انتقل إلى مصر، وسكنها، لذا لم ينتشر حديثه عن شعبة عند أهل العراق: قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال أبو زرعة:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن يونس:"هو من أهل البصرة، قدم مصر، وحدث، وكان ثقة"[التاريخ الكبير (5/ 283)، الجرح والتعديل (5/ 235)، الثقات (8/ 374)، المتفق والمفترق (3/ 1492)، مغاني الأخيار (2/ 598)، اللسان (5/ 102)]، وقال أحمد:"وكان قد سمع من شعبة حديثًا كثيرًا"، وكلام الأئمة على حديثه يدل على احتجاجهم به عند الاختلاف، وهو في رواياته يوافق أصحاب شعبة، ويشاركهم في حديثهم [انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 313/ 2387)، علل ابن أبي حاتم (183 و 2695)، ضعفاء العقيلي (4/ 324)(4/ 1446 - ط الصميعي)، الكامل (7/ 68)، التهذيب (4/ 330)]، وشيخ الطحاوي أبو جعفر بن أبي عقيل المصري، قال ابن يونس:"كان فقيهًا فرضيًا ثقة"[الإكمال (6/ 236)، مغاني الأخيار (2/ 640)، التهذيب (2/ 599)].
وعليه: فهو ثابت عن شعبة، بدليل متابعة هشيم له عن حصين، والله أعلم.
فالمحفوظ من حديث ابن الهاد، إنما هو مرسل، كما رواه شعبة وهشيم، كلاهما عن حصين، عن عبد الله بن شداد: مرسلًا.
وقول شعبة وهشيم هو الصواب، فإنهما من أثبت أصحاب حصين، وسماعهما منه قديم، فإن حصينًا كان قد ساء حفظه، والذين وصلوه أدنى في الحفظ والضبط والمعرفة لحديث حصين من اللذين أرسلاه، والله أعلم.
• والحاصل: أن هذه الأسانيد الثلاثة:
عاصم، عن أبي رزين، عن [عمرو] ابن أم مكتوم.
وعمرو بن مرة، وعبد الرحمن بن عابس، عن ابن أبي ليلى: مرسلًا.
وحصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شداد: مرسلًا.
تشهد لحديث أبي هريرة الآتي الذي رواه مسلم، واللّه أعلم.
2 -
أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي: ثنا أبو داود المباركي: ثنا أبو شهاب الحناط، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن ابن أم مكتوم، قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن لي قائدًا لا يلاومني في هاتين الصلاتين، قال:"أي الصلاتين؟ " قلت: العشاء والصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو يعلم القاعد عنهما ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا".
أخرجه البيهقي (3/ 58) بإسناد صحيح إلى أبي بكر المطوعي.
المسيب بن رافع: روايته عن ابن أم مكتوم: مرسلة، فإنه لم يلق عليًّا، وقال ابن معين:"لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من البراء، وأبي إياس عامر بن عبدة"[المراسيل (207)، جامع التحصيل (280)، تحفة التحصيل (304)]، وأبو شهاب الحناط هو: عبد ربه بن نافع الكناني الكوفي، وهو: صدوق يهم، وأبو داود سليمان بن داود المباركي: صدوق، وأبو بكر يعقوب بن يوسف بن أيوب المطوعي: قال الدارقطني: "ثقة فاضل مأمون"[سؤالات الحاكم (245)، تاريخ بغداد (14/ 289)، طبقات الحنابلة (2/ 559/ 545)].
فهو منقطع، ومتنه غريب من حديث ابن أم مكتوم، والله أعلم.
3 -
قال ابن سعد في الطبقات (4/ 208): أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن زياد بن فياض، عن إبراهيم، قال: أتى عمرو بن أم مكتوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا قائده، وقال: إن بيني وبين المسجد شجرًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تسمع الإقامة؟ " قال: نعم، فلم يرخص له.
وهذا مرسل بإسناد صحيح، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، ومراسيله قد قواها بعض النقاد، مثل أحمد وابن معين [انظر: تاريخ ابن معين للدوري (4/ 14/ 2899)، الاستذكار (6/ 137)، وقال:"وأجمعوا أن مراسيل إبراهيم صحاح"، قلت: فيه مبالغة. وانظر أيضًا: (8/ 13)، الكفاية (386)، تاريخ دمشق (25/ 419)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (31/ 353)، شرح العلل (1/ 542)، جامع التحصيل (90)].
فإذا انضم هذا إلى إسناد عاصم المنقطع، ومرسل ابن أبي ليلى، ومرسل ابن الهاد [وهما من كبار التابعين، لا سيما ابن الهاد الذي وُلد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه]: زادها قوة، وغلب على الظن أن الرجل الأعمى المبهم في حديث أبي هريرة الآتي إنما كان ابن أم مكتوم، والله أعلم.
• ولهذا الحديث شواهد منها:
1 -
حديث أبي هريرة:
يرويه مروان بن معاوية الفزاري، وعبد الواحد بن زياد: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عمه يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: جاء أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه ليس لي قائد يقودني إلى الصلاة [وفي رواية مسلم: إلى المسجد]، فسأله أن يرخص له [فيصلي] في بيته، فأذن له، فلما ولَّى دعاه، فقال له:"هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال له: نعم، قال:"فأجب".
أخرجه مسلم (653)، وأبو عوانة (1/ 352/ 1261)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 249/ 1459 و 1460)، والنسائي في المجتبى (2/ 109/ 850)، وفي الكبرى (1/ 447/ 925)، وإسحاق بن راهويه (1/ 327/ 313)، والبزار (16/ 226/ 9383)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 133/ 1893)، وابن حزم في المحلى (4/ 189)، والبيهقي (3/ 57 و 66)، والخطيب في المبهمات (213)، والسخاوي في البلدانيات (47).
2 -
حديث جابر بن عبد الله:
يرويه يعقوب بن عبد الله القُمِّي، قال: حدثنا عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني مكفوف البصر، شاسع الدار، فكلمه في الصلاة أن يرخص له أن يصلي في منزله، قال:"أتسمع الأذان؟ " قال: نعم، قال:"فأتها ولو حبوًا".
أخرجه ابن حبان (5/ 412 - 413/ 2063)، وأحمد (3/ 367)، وابن سعد في الطبقات (4/ 208)، وعبد بن حميد (1148)، وأبو يعلى (3/ 337 و 405/ 1803 و 1885) و (4/ 57/ 2073)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 383)، والطبراني في الأوسط (4/ 107/ 3726)، وابن عدي في الكامل (5/ 248)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 36).
قال العقيلي: "هذا يروى بإسناد أصلح من هذا".
وقال ابن عدي بأنه غير محفوظ.
قلت: هذا حديث منكر، فعيسى بن جارية: وإن قال فيه أبو زرعة: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات؛ فقد قال فيه ابن معين [في رواية ابن أبي خيثمة]:"ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري]:"وحديثه ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري]:"عنده أحاديث مناكير"، وقال [في رواية ابن الجنيد]:"ليس بشيء"، وقال فيه أبو داود:"منكر الحديث"، وقال:"ما أعرفه، روى مناكير"، وقال النسائي:"منكر الحديث"، وذكره العقيلي في الضعفاء منكرًا عليه بهذا الحديث، وكذا ابن عدي، وهو مقل، كما قال الذهبي في التاريخ [تاريخ الدوري (4/ 365 و 369/ 4810 و 4825)، سؤالات ابن الجنيد (122)، التاريخ الكبير (6/ 385)، الجرح والتعديل (6/ 273)، الثقات (5/ 214)، ضعفاء النسائي (423)، الضعفاء الكبير (3/ 383)، الكامل (5/ 248)، تاريخ الإسلام (7/ 439)، التهذيب (3/ 356)، التقريب (485)]، والراوي عنه: يعقوب القمي: صدوق يهم. التقريب (681).
3 -
حديث كعب بن عجرة:
يرويه بشر بن حاتم الرقي: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة: أن رجلًا أعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أسمع النداء، ولعلي لا أجد قائدًا، أفأتخذ مسجدًا في داري؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تسمع النداء؟ " قال: نعم، قال:"إذا سمعت النداء فاخرج".
أخرجه البيهقي (3/ 57 - 58)، بإسناد صحيح إلى بشر بن حاتم الرقي، وهو قليل الرواية جدًّا، ترجم له البخاري وابن أبي حاتم بروايته عن عبيد الله بن عمرو فقط، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا ولا راويًا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات، على عادته [التاريخ الكبير (2/ 72)، الجرح والتعديل (2/ 355)، الثقات (8/ 142)، الأسامي والكنى (4/ 68/ 1732)]، ففيه جهالة.
قال البيهقي: "خالفه أبو عبد الرحيم، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن معقل".
وهذه الرواية أخرجها: أبو بكر النجاد في جزء من حديثه (15 - رواية أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزاز)، قال: نا هلال بن العلاء: نا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني: نا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم: حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة به نحوه.
وإسناده لا يصح إلى أبي عبد الرحيم؛ فإن سعيد بن عبد الملك الحراني: قال البخاري: "يتكلمون فيه"، وقال أبو حاتم:"يتكلمون فيه، يقال: إنه أخذ كتبًا لمحمد بن سلمة فحدث بها، ورأيت فيما حدث أكاذيب [كذا في الجرح، وهو خطأ، تصحفت من: أحاديث، كما في ضعفاء ابن الجوزي، والميزان والتاريخ، واللسان] كذب"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:"ضعيف، لا يحتج به"[التاريخ الكبير (2/ 30)، الجرح والتعديل (4/ 45)، الثقات (8/ 267)، ضعفاء ابن الجوزي (1420)، تاريخ الإسلام (16/ 179)، الميزان (2/ 150)، اللسان (4/ 65)].
وله إسناد آخر إلى محمد بن سلمة الحراني، ولا يصح أيضًا:
قال الطبراني في الأوسط (7/ 255/ 7431): حدثنا محمد بن أبان: نا الشاذكوني: ثنا محمد بن سلمة الحراني: ثنا أبو عبد الرحيم خالد بن يزيد، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: جاء رجل ضرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أسمع النداء، فلعلي لا أجد قائدًا ويشق عليَّ، أفأتخذ مسجدًا في داري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيبلغك النداء؟ " قال: نعم، قال:"فإذا سمعت النداء فأجب".
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عدي بن ثابت إلا زيد بن أبي أنيسة".
قلت: الشاذكوني: هو: سليمان بن داود المنقري: حافظ؛ إلا أنه متروك، رماه الأئمة بالكذب [انظر: اللسان (4/ 142)]، وشيخ الطبراني: ثقة.
وله إسناد آخر إلى زيد بن أبي أنيسة، ولا يصح أيضًا:
قال الطبراني في الكبير (19/ 139/ 305): حدثنا عبد الله بن سعيد بن يحيى الرقي: ثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي: حدثني أبي، عن أبيه، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة
…
فذكر الحديث.
قلت: يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي: ضعيف [التقريب (674)]، وابنه محمد: ليس بالقوي، روى عن أبيه مناكير [التقريب (573)، التهذيب (3/ 734)]، وابنه: يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي: ذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (9/ 288)، الثقات (9/ 276)].
فلا يصح هذا من حديث زيد بن أبي أنيسة، والله أعلم.
ورواه جعفر بن محمد بن فضيل الجزري: ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني: حدثني أبي، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة: أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أسمع النداء فلعلي لا أجد قائدًا؟ فقال: "فإذا سمعت النداء فأجب داعي الله".
أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 138/ 304)، والدارقطني (2/ 87)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 85).
قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر؛ ومحمد بن سليمان: منكر الحديث، وأبوه ضعيف جدًّا! [العلل (1/ 159/ 449)].
قلت: محمد بن سليمان لقبه بومة: قال النسائي: "لا بأس به، وأبوه: ليس بثقة ولا مأمون"، ووثقه مسلمة وغيره، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (3/ 579)، الميزان (3/ 569)]، وأبوه سليمان بن أبي داود: منكر الحديث [اللسان (4/ 150)].
فلا يصح هذا من حديث كعب بن عجرة، ولا يصلح مثله في الشواهد، والله أعلم.
4 -
حديث أبي أمامة:
قال الطبراني في الكبير (8/ 224/ 7886): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني: ثنا محمد بن شعيب: حدثني أبو حفص القاص: ثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: أقبل ابن أم مكتوم -وهو أعمى، وهو الذي أنزلت فيه:{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} ، وكان رجلًا من قريش- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي، أنا كما تراني قد كبرت سنِّي، ورقَّ عظمي، وذهب بصري، ولي قائد لا يلاومني قياده إياي، فهل تجد لي من رخصة أصلي في بيتي الصلوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل تسمع المؤذن من البيت الذي أنت فيه" قال: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أجد لك من رخصة، ولو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي إليها لأتاها ولو حبوًا على يديه ورجليه".
وهو حديث منكر بهذا السياق، إسناده واهٍ؛ علي بن يزيد الألهاني: متروك، والراوي عنه: عثمان بن أبي العاتكة: ضعيف، حديثه عن الألهاني: منكر [تقدم تفصيل القول فيه عند الحديث رقم (472)، وتقدم أيضًا تحت الحديث رقم (48)، والحديث رقم (468)]، وهو نفسه أبو حفص القاص، كما في مصادر ترجمته، والحسين بن أبي السري العسقلاني، هو: ابن المتوكل بن عبد الرحمن: ضعيف، كذبه أخوه محمد، وأبو عروبة [التهذيب (1/ 434)].
5 -
حديث البراء بن عازب:
يرويه محمد بن يزيد، عن العوام بن حوشب، عن عذرة بن الحارث الشيباني، عن زهير، عن ماهان، عن البراء بن عازب: أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ضرير
البصر، فشكا إليه، وسأله أن يرخص له في صلاة العشاء والفجر، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن بيني وبينك أشياء، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع الأذان؟ " قال: نعم، مرة أو مرتين، فلم يرخص له في ذلك.
وقال العوام: بلغني أنه صاحب: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس]، وهو الذي نزلت فيه:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} [النساء: 95].
أخرجه بحشل في تاريخ واسط (104)، والروياني في مسنده (432)، والطبراني في الأوسط (8/ 30/ 7869).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ماهان -وهو: أبو صالح- إلا زهير -وهو: ابن الأقمر الذي روى عنه عمرو بن مرة-، ولا رواه عن زهير إلا عذرة، تفرد به العوام".
قلت: العوام ومحمد بن يزيد الكلاعي الواسطي: ثقتان ثبتان، وأما ابن الحارث هذا فقد وقع في رواية بحشل والطبراني: عذرة بن الحارث، وعند الروياني: عروة بن الحارث، فلو سلمنا للطبراني فيما قال، فإن زهير بن الأقمر أبا كثير الزبيدي: لم يرو عنه سوى عبد الله بن الحارث الزبيدي المكتب [التاريخ الكبير (3/ 428)، الجرح والتعديل (3/ 586)، الثقات (4/ 264)، تاريخ دمشق (19/ 95)، تاريخ الإسلام (6/ 246)، التهذيب (4/ 576)].
[وانظر: مسند الطيالسي (2272)، الأموال لأبي عبيد (538)، مصنف ابن أبي شيبة (7/ 35243/192)، مسند أحمد (2/ 191)، الإيمان للعدني (75)، الصمت لابن أبي الدنيا (8 1 3)، مسند الحارث (611 - زوائده)، تعظيم قدر الصلاة (206 و 635)، تهذيب الآثار -مسند عمر- للطبري (1/ 106/ 175)، صحيح ابن حبان (11/ 205/ 4863) و (11/ 579/ 5176)، الحلية (7/ 206)، سنن البيهقي (10/ 243)، الموضح (2/ 99)، تاريخ دمشق (19/ 95)، وغيرها].
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن زهيرًا راوي هذا الحديث ليس هو أبا كثير الزبيدي زهير بن الأقمر، فإن ابن حبان قد فرق في ثقاته بينه وبين زهير راوي هذا الحديث؛ فقال (4/ 263):"زهير بن ماهان: يروي عن البراء بن عازب، روى عنه: عروة بن الحارث الشامي"، كذا وقع عنده زهير بن ماهان، والذي في الإسناد: زهير عن ماهان.
والراوي عنه: عذرة بن الحارث: لا يُعرف، أو: عروة بن الحارث الشيباني الشامي: فلا يُعرف أيضًا، ولا يصح حديثه.
ثم وجدت أبا طاهر المخلص رواه في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (1/ 6)، بإسناد صحيح إلى محمد بن الحسن الواسطي [ثقة]، عن العوام بن حوشب، عن عزرة بن الحارث، عن زهير بن ماهان، عن البراء: أن ابن أم مكتوم أتى النبي صلى الله عليه وسلم،
…
فذكره.
فهذا اختلاف ثالث في اسم هذا الراوي: عزرة بن الحارث، مما يؤكد جهالته، ومن
هذا الإسناد تبين لنا أن الراوي عن البراء هو: زهير بن ماهان، وهو: مجهول أيضًا.
قال ابن رجب في الفتح (2/ 390): "وقد رُوي هذا الحديث من رواية: البراء بن عازب، وأبي أمامة، وكعب بن عجرة، وفي أسانيدها ضعف، والله أعلم".
6 -
حديث أنس:
العباس بن عبد الله بن أبي عيسى: نا سعيد بن عبد الله بن دينار: نا الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعت النداء فأجب وعليك السكينة، فإن أصبت فرجة؛ وإلا فلا تضيق على أخيك، واقرأ ما تسمع أذناك، ولا تؤذ جارك، وصل صلاة مودع".
أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 893/ 1864)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 307)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 171).
الربيع بن صبيح [ليس بالقوي]، وسعيد بن عبد الله بن دينار، نسبه بعضهم إلى جده: قال أبو حاتم: "مجهول"، وقال العقيلي:"لا يتابع على حديثه، وليس بمعروف بالنقل"، وقال ابن حبان:"يأتي بما لا أصل له عن الأثبات"[الجرح والتعديل (4/ 18)، ضعفاء العقيلي (2/ 103)، الثقات (7/ 124)، تاريخ دمشق (21/ 170)، اللسان (4/ 46) و (5/ 292)].
فهو حديث منكر.
7 -
حديث عتبان بن مالك:
رواه الإمام الشافعي، والإمام أحمد، وعلي بن شعيب، وابن سعد:
عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت الزهري، يحدث عن محمود بن ربيع [كان سفيان يقول أحيانًا: عن محمود إن شاء الله: أن عتبان بن مالك]، عن عتبان بن مالك، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني محجوب البصر، وإن السيول تحول بيني وبين المسجد، فهل لي من عذر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تسمع النداء؟ " فقال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أجد لك عذرًا إذا سمعت النداء".
قال سفيان: وفيه قصة لم أحفظها.
قال الشافعي: رحمه الله: ولم أره استجلس الناس في حديث قط إلا هذا، وحديثه:"يا بقايا العرب".
قال الشافعي: هكذا حدثناه سفيان، وكان يتوقاه، ويعرف أنه لا يضبطه، وقد أوهم فيه فيما نرى.
ثم استدل على ذلك برواية مالك، وإبراهيم بن سعد.
أخرجه الشافعي في السنن (154)، وأحمد (4/ 43)، وابن سعد في الطبقات (3/ 550)، والطحاوي في المشكل (13/ 80 و 81/ 5082 و 5084)، والمحاملي في الأمالي (249)، والبيهقي في المعرفة (2/ 347/ 1445).
وخالفهم:
عبيد الله بن محمد، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة إن شاء الله، عن عتبة بن مالك: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلف عن الصلاة؟ قال: "أتسمع النداء؟ " قال: نعم، فلم يرخص له.
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (6/ 229).
قلت: رواية الجماعة عن ابن عيينة أولى بالصواب، وقد وهم ابن عيينة في هذا الحديث، وخالف فيه أصحاب الزهري، ممن هم أثبت منه فيه، وأكثر عددًا، وقد تقدم كلام الإمام الشافعي في توهيم ابن عيينة فيه، وأنه لم يكن يضبطه.
وقال البيهقي في المعرفة: "اللفظ الذي رواه ابن عيينة في هذا الإسناد إنما هو قصة ابن أم مكتوم الأعمى، وتلك القصة رُويت عن ابن أم مكتوم من أوجه، ورُويت في حديث أبي هريرة".
خالف ابنَ عيينة: مالك بن أنس، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، والأوزاعي، وأبو أويس، وعبد الرحمن بن نمر، وسفيان بن حسين [ضعيف في الزهري، وفي روايته بعض الوهم]:
رووه عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري: أن عِتْبان بن مالك -وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن شهد بدرًا من الأنصار- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! قد أنكرت بصري، وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم، ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، وودِدت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تأتيني فَتُصَلِّيَ في بيتي؛ فأتخذه مُصَلًّى، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سأفعل إن شاء الله".
قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال:"أين تحب أن أصلي من بيتك؟ " قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين، ثم سلم.
قال: وحبسناه على خَزيرة صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد، فاجتمعوا، فقال قائل منهم: أين مالك بن الدُّخَيْشِن أو ابن الدُّخْشُن؟ فقال بعضهم: ذلك منافقٌ لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقل ذلك؛ ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله" قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله؛ يبتغى بذلك وجه الله".
قال ابن شهاب: ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري، وهو أحد بني سالم، وهو من سَرَاتهم، عن حديث محمود بن الربيع فصدَّقه بذلك.
لفظ عقيل عند البخاري (425)، ولفظ يونس عند مسلم مثله، ورواه مطولًا أيضًا: إبراهيم بن سعد، ومعمر.
ولفظ مالك: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي مكانًا أتخذه مُصلًّى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أين تحب أن أصلي؟ " فأشار له إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (424 و 425 و 667 و 686 و 838 و 840 و 1186 و 4009 و 4010 و 5401 و 6423 و 6938)، ومسلم (33/ 263 - 265 - كتاب المساجد)، وأبو عوانة (1/ 22 و 23/ 18 و 19) و (1/ 357 و 358/ 1281 - 1285)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 253 و 254/ 1469 - 1471)، والنسائي في المجتبى (2/ 80 و 105/ 788 و 844) و (3/ 64/ 1327)، وفي الكبرى (865 و 920 و 1251 و 10881 و 10882)، وابن ماجه (754)، وابن خزيمة في الصحيح (2/ 232/ 1231) و (3/ 77 و 87 و 103/ 1653 و 1673 و 1709)، وفي التوحيد (501 و 502 و 509 - 512)، وابن حبان (1/ 457/ 223) و (4/ 491/ 1612) و (5/ 431/ 2075) و (10/ 396/ 4534)، ومالك في الموطأ (1/ 244/ 476) [وانظر: التمهيد (6/ 227)]، والشافعي في الأم (2/ 322 و 323/ 320 و 321)، وفي السنن (155 و 156)، وفي المسند (53)، وأحمد (4/ 43 و 44) و (5/ 449 و 450)، وابن المبارك في المسند (43)، وفي الزهد (920)، والطيالسي (1241)، وعبد الرزاق (1/ 1929/502)، وابن سعد في الطبقات (3/ 550)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 263/ 8810)، وفي المسند (567)، وابن شبة في أخبار المدينة (226 - 228)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 172)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 470 - 472/ 1931 - 1934)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 142 و 153 و 225/ 1915 و 1938 و 2073)، والطحاوي في المشكل (3/ 81 و 82/ 5083 و 5085)، وابن قانع في المعجم (2/ 271)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 13/ 1706) و (4/ 123/ 2898)، وفي الكبير (18/ 28 - 34/ 47 - 56)، والجوهري في مسند الموطأ (128)، والدارقطني (2/ 80)، وابن منده في الإيمان (1/ 196/ 50)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 5538/2225 و 5539) و (5/ 2464/ 6010)، وابن حزم (4/ 204)، والبيهقي في السنن (2/ 181) و (3/ 53 و 71 و 87 و 96) و (10/ 124)، وفي المعرفة (2/ 348/ 1445)، وفي الأسماء والصفات (180 و 181 و 649)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 240)، والبغوي في شرح السنة (2/ 498/394) و (4/ 136/ 1001)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 463) و (57/ 112).
ورواه ثابت، عن أنس، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بنحوه مطولًا:
أخرجه مسلم (33/ 54 و 55 - كتاب الإيمان)، وأبو عوانة (1/ 23 و 24/ 20 و 21)،
وأبو نعيم في المستخرج (1/ 126/ 143 و 144)، والنسائي في الكبرى (10878 - 10880)، وابن خزيمة في التوحيد (503 - 508)، وأحمد (3/ 174) و (5/ 449)، وابن المبارك في المسند (232)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 52/ 1686)، وأبو يعلى في المسند (3/ 74 - 77/ 1505 - 1507) و (6/ 3469/184)، وفي المفاريد (17 - 19)، والروياني (1375)، والطبراني في الكبير (18/ 25/ 43)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2226/ 5540)، والبيهقي في الأسماء والصفات (182)، وغيرهم.
قال الدارقطني: "وهذا لم يسمعه أنس من النبي صلى الله عليه وسلم، حدث به سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم[طبقات الشافعية الكبرى (1/ 53)].
والخلاصة: أنه لا يصح سوى حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم، والله أعلم.
• ومما لم يُذكر من أحاديث هذا الباب:
قال ابن ماجه (794): حدثنا علي بن محمد: ثنا أبو أسامة، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن ميناء: أخبرني ابن عباس وابن عمر: أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواده: "لَينتَهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِمُ الجماعات، أو لَيَخْتِمَنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين".
قلت: هذا حديث خطأ، إذ هو معروف بلفظ: الجُمُعات، وقد اختلف في هذا الحديث على هشام الدستوائي، ويحيى بن أبي كثير:
انظر: سنن النسائي الصغرى (3/ 83/ 1370)، السنن الكبرى (2/ 259/ 1670 و 1671)، صحيح ابن حبان (7/ 25/ 2785)، مسند أحمد (1/ 239 و 254 و 335) و (2/ 84)، مسند الطيالسي (1952 و 2735)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 5534/480)، مسند أبي يعلى (10/ 110 و 143/ 5742 و 5765 و 5766)، الأوسط لابن المنذر (4/ 14/ 1730)، مشكل الآثار (8/ 214)، علل ابن أبي حاتم (1/ 207/ 596)، واحتج أبو حاتم بحديث معاوية بن سلام الآتي. سنن البيهقي (3/ 172)، وقال:"ورواية معاوية بن سلام عن أخيه زيد: أولى أن تكون محفوظة". تاريخ دمشق (15/ 63 - 67)، تهذيب الكمال (7/ 145).
وأصح إسناد له: ما رواه:
معاوية بن سلام: أخبرني زيد بن سلام -يعني: أخاه-: أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني الحكم بن مينا: أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: "لينتهينَّ أقوام عن ودعهمُ الجُمُعات، أو ليختمَنَّ الله على قلوبهم، أو ليكونُنَّ من الغافلين".
أخرجه مسلم (865)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 453/ 1948)، والدارمي (1/ 444/ 1570)، وابن خزيمة (3/ 175/ 1855)، والطحاوي في المشكل (8/ 215)،
والطبراني في مسند الشاميين (4/ 107/ 2865)، وفي الأوسط (1/ 129/ 406)، والبيهقي في السنن (3/ 171)، وفي الشعب (3/ 103/ 3008)، وفي فضائل الأوقات (257)، والبغوي في شرح السنة (4/ 214 - 215/ 1054)، وقال:"صحيح". وفي التفسير (4/ 342)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 64).
• ومن فقه أحاديث الباب:
قال البيهقي في السنن (3/ 58): "قال لنا أبو عبد الله: قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: ليس في أمره هذا الأعمى بحضور الجماعة ما يدل أن حضورها فرض؛ لأنه قد رخص لعتبان بن مالك وهو أعمى التخلف عن حضورها، فدل على أن قوله: "لا أجد لك رخصة" أي: لا أجد لك رخصة تلحق فضيلة من حضرها. قال الشيخ والذي يؤكد هذا التأويل:
…
".
ثم احتج لهذا المعنى بما رواه:
العلاء بن المسيب من حديث ابن أم مكتوم المتقدم ذكره، وحديث ابن مسعود المتقدم برقم (550)، وحديث وصف المتخلف عن شهود العشاء والفجر بالنفاق [وسيأتي بعد هذا الحديث برقم (554)]، مع قول عبد الله بن عمر: كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن [تقدم ذكره تحت الحديث السابق برقم (550)، وهو صحيح عنه].
وهذه حجة مردودة؛ فإن هذه الأحاديث لا تدل على مدعاه:
• فأما حديث عتبان بن مالك [متفق عليه، وتقدم تخريجه في الشواهد]: فقد اعتذر فيه عتبان عن حضور الجماعة وصلاته بقومه -إذ كان إمامهم- بكون الأمطار إذا جاءت سال الوادي الذي بينه وبين المسجد، فتعذر عليه الوصول إليه، وفي رواية مالك:"إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر"، ومن ذا الذي يقول بوجوب الجماعة عليه والحال هذه، مع تحقق الضرر، وخشية الهلكة، وهذه حالة مؤقتة بمجيء السيل فحسب، وليست على الدوام، فإذا زال العذر المبيح لترك شهود الجماعة في المسجد، رجع الحكم إلى ما كان عليه قبل العذر، وهو وجوب شهود الجماعة في المسجد، بخلاف حديث ابن أم مكتوم [أعني: حديث أبي هريرة الصحيح]، فليس فيه أنه اعتذر بمثل ما اعتذر به عتبان، وأما دعوى أنه صلى الله عليه وسلم قد رخص لعتبان في الصلاة في بيته بكل حال، ولم يخصه بحالة وجود السيل، فتحكم ليس عليه دليل صحيح، إذ دعوة عتبان للنبي صلى الله عليه وسلم ليصلي له في بيته، كان سببها أنه لا يتمكن من شهود الجماعة في مسجد قومه لأجل السيل، وليس على الدوام، فخرج فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله مبنيًّا على هذا السبب، مما يعني: أنه سيصلي في بيته ما دام السيل يحول بينه وبين المسجد، فإذا خف السيل وأمكنه عبور الوادي شهد الجماعة، والله أعلم.
فإن قيل: قد اعتذر أيضًا بالعمى، فيقال: لم يكن قد ذهب بصره بالكلية، لقوله:
"أنكرت بصري"، فلم يعد صحيح البصر كما كان؛ بحيث تضعف رؤيته جدًّا في الظلام، فإذا اقترن بذلك خشية الضرر الحاصل من السيل، منعه ذلك من حضور الجماعة، وعليه فالسبب الحقيقي الذي أدى إلى عدم شهوده الجماعة هو السيل، وليس إنكاره بصره، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن رجب (2/ 382)، الفتح لابن حجر (1/ 619)].
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد يقال بأن الشارع لم يعتبر هذا الوصف، وألغاه، فأصبح كالصفة الطردية التي لا تأثير لها في الحكم، في هذا الموضع، وعليه فالعمى ليس عذرًا مانعًا من حضور الجماعة في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ "، قال: نعم، قال:"فأجب"، وهذا ظاهر في إلغاء ذلك الوصف وهو العمى بالنسبة لشهود الجماعة، وإن كان نفس هذا الوصف مؤثر معتبر شرعًا في موضع آخر، في إسقاط وجوب الجهاد بالنفس عليه، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (2/ 386): "وفي الحديث: دليل على أن المطر والسيول عذر يبيح له التخلف عن الصلاة في المسجد".
• وفي الجمع بين حديث عتبان بن مالك، وحديث ابن أم مكتوم: يقول ابن رجب في الفتح (2/ 390): "وقد أشكل وجه الجمع بين حديث ابن أم مكتوم وحديث عتبان بن مالك، حيث جعل لعتبان رخصة، ولم يجعل لابن أم مكتوم رخصة:
فمن الناس: من جمع بينهما بأن عتبان ذكر أن السيول تحول بينه وبين مسجد قومه، وهذا عذر واضح؛ لأنه يتعذر معه الوصول إلى المسجد، وابن أم مكتوم لم يذكر مثل ذلك، وإنما ذكر مشقة المشي عليه، وفي هذا ضعف؛ فإن السيول لا تدوم، وقد رخص له في الصلاة في بيته بكل حال، ولم يخصه بحالة وجود السيل، وابن أم مكتوم قد ذكر أن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وذلك يقوم مقام السيل المخوف.
وقيل: إن ابن أم مكتوم كان قريبًا من المسجد، بخلاف عتبان، ولهذا ورد في بعض طرق حديث ابن أم مكتوم: أنه كان يسمع الإقامة، ولكن في بعض الروايات أنه أخبر أن منزله شاسع كما تقدم.
ومن الناس من أشار إلى نسخ حديث ابن أم مكتوم بحديث عتبان، فإن الأعذار التي ذكرها ابن أم مكتوم يكفي بعضها في سقوط حضور المسجد.
وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد بظاهره، يعني: أن هذا لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن أم مكتوم.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أنه لا يجد لابن أم مكتوم رخصة في حصول فضيلة الجماعة مع تخلفه وصلاته في بيته.
واستدل بعض من نصر ذلك -وهو: البيهقي- بما خرجه في سننه من طريق: أبي شهاب الحناط، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن ابن أم مكتوم، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن لي قائدًا لا يلائمني في هاتين الصلاتين؟ قال: "أي الصلاتين؟ " قلت:
العشاء والصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو يعلم القاعد عنهما ما فيهما لأتاهما ولو حبوًا".
وحديث ابن أم مكتوم يدل على أن العمى ليس بعذر في ترك الجماعة، إذا كان قادرًا على إتيانها، وهو مذهب أصحابنا.
ولو لم يمكنه المجيء إلا بقائد ووجد قائدًا متبرعًا له، فهل يجب عليه حضور المسجد؟ على وجهين، ذكرهما ابن حامد من أصحابنا.
وهذا بناء على قول أحمد: إن حضور المسجد للجماعة فرض عين.
وسيأتي ذكر ذلك مستوفى في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
وقد يستدل بحديث عتبان على أن الجماعة في البيت تكفي من حضور المسجد خصوصًا للأعذار.
ويحتمل أن يكون عتبان جعل موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من بيته مسجدًا يؤذن فيه، ويقيم، ويصلي بجماعة أهل داره ومن قرب منه، فتكون صلاته حينئذ في مسجد: إما مسجد جماعة، أو مسجد بيت يجمع فيه، وأما ابن أم مكتوم فإنه استأذن في صلاته في بيته منفردًا، فلم يأذن له، وهذا أقرب ما جمع به بين الحديثين، والله أعلم".
قلت: قد سبق بيان الصواب في وجه الجمع بينهما، والله أعلم.
• وأما حديث العلاء بن المسيب، فإنه حديث غريب منقطع، لا تقوم به الحجة.
• وأما حديث وصف المتخلف عن شهود العشاء والفجر بالنفاق، مع قول عبد الله بن عمر: فإنه مبني على أن الصحابة في هذين الوقتين -العشاء والفجر- كانوا فارغين من الأشغال، حاضرين في بيوتهم، ليس عندهم ما يشغلهم من طلب المعاش، أو النظر في حوائج العيال، ونحو ذلك، بخلاف الظهر والعصر والمغرب، ففي الغالب يكون الإنسان خارج بيته، فقد تحضره الصلاة وهو بعيد عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلي في مساجد الأحياء، فلا يمكنه شهود الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، واللّه أعلم.
• وأما حديث ابن مسعود، وتسميته لشهود الجماعة بأنها من سنن الهدي، فليس فيه دليل على كونها مندوب إليها فقط، بل في قوله: ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم: أكبر شاهد على وجوبها على الأعيان، لأن تارك النفل والسنة والمندوب في بعض الأحوال ليس ضالًا، والله أعلم.
وهناك قرينة أخرى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (23/ 230):"فقد أخبر عبد الله بن مسعود: أنه لم يكن يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، وهذا دليل على استقرار وجوبها عند المؤمنين، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كانت عندهم مستحبة: كقيام الليل، والتطوعات التي مع الفرائض، وصلاة الضحى، ونحو ذلك، كان منهم من يفعلها، ومنهم من لا يفعلها مع إيمانه، كما قال له الأعرابي: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه، فقال: "أفلح إن صدق"، ومعلوم أن كل أمر كان لا يتخلف عنه إلا منافقٌ كان واجبًا على الأعيان،
…
".
• وقد ترجم ابن خزيمة لحديث الباب في صحيحه بقوله: "باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة، وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد، لا يطاوعهم قائدوهم بإتيانهم إياهم المساجد، والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة؛ إذ غير جائز أن يقال: لا رخصة للمرء في ترك الفضيلة".
وترجم له ابن المنذر بقوله: "ذكر إيجاب حضور الجماعة على العميان، وإن بعدت منازلهم عن المسجد، ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لا ندب".
وقال أيضًا (4/ 134): "فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له.
فمما دل عليه: قوله لابن أم مكتوم، وهو ضرير:"لا أجد لك رخصة"، فإذا كان الأعمى كذلك، لا رخصة له، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة، وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف على ندب، وعما ليس بفرض، ويؤيد ما قلنا حديث أبي هريرة [ثم أسنده]: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، ولو كان المرء مخيرًا في ترك الجماعة، أو إتيانها لم يجز أن يقضي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره، ولما أمر الله بالجماعة في حال الخوف، دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب، قال الله جل ذكره:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف: دليل بيِّن على أن ذلك في حال الأمن أوجب، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب العذر تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له، إذ لو كان حال العذر، وغير حال العذر سواء، لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى، ودل على تأكيد أمر الجماعة قوله: من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له،
…
، وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن بعدهم من التابعين تدل على تأكيد أمر الجماعة، وذم من تخلف عنها،
…
[إلى أن قال في آخر كلامه بعد كلام طويل:] ولو كان حضور الجماعات ندبًا ما لحق المتخلف عنها ذم، والله أعلم".
وقال ابن المنذر في الإقناع: "فحضور الجماعات فرض على من لا عذر له".
وقال ابن حبان: "في سؤال ابن أم مكتوم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في ترك إتيان الجماعات، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ائتها ولو حبوًا": أعظم الدليل على أن هذا أمر حتم لا ندب؛ إذ لو كان إتيان الجماعات على من يسمع النداء لها غير فرض؛ لأخبره صلى الله عليه وسلم بالرخصة فيه، لأن هذا جواب خرج على سؤال بعينه، ومحال أن لا يوجد لغير الفريضة رخصة".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 138): "وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندبًا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم".
وقال الترمذي في الجامع (217): "وقد رُوي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يُجِبْ فلا صلاة له.
وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد، ولا رخصةَ لأحدٍ في ترك الجماعة؛ إلا من عذر".
قال الشافعي في الأم (2/ 292): "فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر، وإن تخلف أحد فصلاها منفردًا لم يكن عليه إعادتها؛ صلاها قبل صلاة الإمام أو بعدها؛ إلا صلاة الجمعة؛ فإن على من صلاها ظهرًا قبل صلاة الإمام إعادتها؛ لأن إتيانها فرض عين، والله تعالى أعلم".
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (378): "سألت أبي عن الصلاة في جماعة: حضورها واجب؟ فعظَّم أمرها جدًّا، وقال: كان ابن مسعود يشدِّد في ذلك، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك تشديدًا كثيرًا: "لقد هممت أن آمر بحزم الحطب، فأحرق على قوم لا يشهدون الصلاة"".
وقال في مسائل ابنه صالح (457): "الصلاة جماعة: أخشى أن تكون فريضة، ولو ذهب الناس يجلسون عنها لتعطلت المساجد، ويروى عن علي وابن مسعود وابن عباس: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 244) في الإنكار على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو غير ذلك: "أو يُسأل: هل للرجل رخصة في ترك الجماعة من غير عذر؟ فيقول: نعم؛ له رخصة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أجد لك رخصة".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 11): "وممن ذهب إلى أن الجماعة للصلاة مع عدم العذر واجبة: الأوزاعي، والثوري، والفضيل بن عياض، وإسحاق، وداود، وعامة فقهاء الحديث، منهم: ابن خزيمة وابن المنذر.
وأكثرهم على أنه لو ترك الجماعة لغير عذرٍ وصلى منفردًا أنه لا يجب عليه الإعادة، ونص عليه الإمام أحمد.
وحكي عن داود: أنه يجب عليه الإعادة، ووافقه طائفة من أصحابنا، منهم: أبو الحسن التميمي، وابن عقيل وغيرهما.
وقال حرب الكرماني: سئل إسحاق عن قوله: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؟ فقال: الصحيح أنه لا فضل ولا أجر ولا أمن عليه. يعني: أنه لا صلاة له".
وانظر: كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (23/ 222 - 254) في بيان هذه المسألة، والله أعلم.
***