المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٦

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌29 - باب في الإقامة

- ‌30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

- ‌31 - باب رفع الصوت بالأذان

- ‌32 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهُد الوقت

- ‌33 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌34 - باب في المؤذن يستدير في أذانه

- ‌35 - باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌37 - باب ما يقول إذا سمع الإقامة

- ‌38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌3).***39 -باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌40 - باب أخذ الأجر على التأذين

- ‌41 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌42 - باب الأذان للأعمى

- ‌43 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌44 - باب في المؤذن ينتطر الإمام

- ‌4).***45 -باب في التثويب

- ‌46 - باب في الصلاة تُقام ولم يأتِ الإمام ينتظرونه قعودًا

- ‌47 - باب في التشديد في ترك الجماعة

- ‌48 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌49 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌51 - باب ما جاء في الهدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌52 - باب في من خرج يريد الصلاة فسُبِقَ بها

- ‌53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌54 - باب التشديد في ذلك

- ‌55 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌56 - باب في الجَمع في المسجد مرتين

- ‌57 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

- ‌58 - باب إذا صلى في جماعةٍ ثم أدرك جماعةً، أيعيد

- ‌59 - باب في جماع الإمامة وفضلها

- ‌60 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌ 680)].***61 -باب مَن أحق بالإمامة

- ‌62 - باب إمامة النساء

- ‌63 - باب الرجل يَؤمُّ القوم وهم له كارهون

- ‌64 - باب إمامة البَرِّ والفاجر

- ‌65 - باب إمامة الأعمى

- ‌66 - باب إمامة الزائر

- ‌67 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفعَ من مكان القوم

- ‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

الفصل: ‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

599 -

. . . محمد بن عجلان: ثنا عبيد الله بن مِقْسَم، عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يُصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي قومه فيُصلِّي بهم تلك الصلاة.

• حديث صحيح.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 64 و 65/ 1633 و 1635)، وابن حبان (6/ 162 و 164/ 2401 و 2404)، وأحمد (3/ 302)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (169)، وابن حزم في المحلى (4/ 226)، والبيهقي (3/ 86).

هكذا رواه عن ابن عجلان: يحيى بن سعيد القطان، وحاتم بن إسماعيل، والليث بن سعد.

ولفظ الليث: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصليها لهم، وكان إمامَهم.

وفي هذه الرواية: بيان أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، والتي لا يصح إطلاقها على النافلة، وإنما يعني: فريضة العشاء، ثم ينصرف إلى قومه بني سلمة، وفيهم جابر بن عبد اللّه راوي الحديث، فيصلي بهم تلك الصلاة بعينها، خلافًا لمن رأى غير ذلك، والله أعلم.

• ورواه عن ابن عجلان مطولًا:

يحيى بن حبيب الحارثي: نا خالد بن الحارث، عن محمد بن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع فيصلي بأصحابه، فرجع ذات يوم فصلى بهم، وصلى خلفه فتى من قومه، فلما طال على الفتى صلى وخرج، فأخذ بخطام بعيره، وانطلق، فلما صلى معاذ ذُكر ذلك له، فقال: إن هذا لنفاق، لأُخبِرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى، فقال الفتى: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل المكث عندك، ثم يرجع فيطوِّل علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفتان أنت يا معاذ؟ "، وقال للفتى:"كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ "، قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني ومعاذ حول هاتين، أو نحو ذي"، قال: قال الفتى: ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم، وقد خبروا أن العدو قد دنا، قال: فقدموا، قال: فاستشهد الفتى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمعاذ:"ما فعل خصمي وخصمك؟ " قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! صدق الله، وكذبت، استشهد.

ص: 615

أخرجه أبو داود (793)، وابن خزيمة (3/ 64/ 1634)، والبيهقي في السنن (3/ 116 - 117)، وفي القراءة خلف الإمام (176)، والبغوي في شرح السنة (3/ 74/ 601).

وخالد بن الحارث: ثقة ثبت، قال أحمد:"إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"، وقال أيضًا:"كان خالد بن الحارث يجيء بالحديث كما يسمع"، فلا يضره تفرده بهذه الزيادة عن ابن عجلان، ويحيى بن حبيب الحارثي بصري ثقة، بلدي لخالد معروف بالرواية عنه، والأقرب عندي أن ابن عجلان كان ينشط فيرويه مطولًا، وكثيرًا ما كان يرويه مختصرًا، والله أعلم.

ولم ينفرد ابن عجلان بهذا السياق من حديث جابر، بل تابعه عليه الثقات كما سيأتي، كما أن هذا الحديث لا يرويه ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ولا عن أبيه أبي سعيد، وهي الأحاديث التي اختلطت عليه من أحاديث أبي هريرة، وإنما هو عن عبيد الله بن مقسم المدني، ولم يختلف عليه في إسناده، فهو من صحيح حديث ابن عجلان، والله أعلم، ورواية ابن مقسم عن جابر في الصحيحين [البخاري (1311)، مسلم (960)].

وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، فهو حديث صحيح، والله أعلم.

• خالفهم فزاد في متنه ما ليس منه:

إبراهيم بن محمد، عن ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم العشاء، وهي له نافلة.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 347 - 348/ 350)، وفي المسند (57)، ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (2/ 365/ 1476)، والبغوي في شرح السنة (3/ 857/434).

قال البغوي: "هذا حديث حسن صحيح".

قلت: لعله أراد أصل الحديث بدون هذه الزيادة: وهي له نافلة، فقد انفرد بها من حديث ابن عجلان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو: متروك، كذبه جماعة، وقد رواه عن ابن عجلان بدونها جماعة من الثقات الحفاظ: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، والليث بن سعد، وحاتم بن إسماعيل.

***

600 -

. . . سفيان، عن عمرو بن دينار: سمع جابر بن عبد الله، يقول: إن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤمُّ قومه.

• حديث صحيح، متفق عليه من حديث جابر.

هكذا رواه أبو داود في هذا الموضع من طريق ابن عيينة مختصرًا، ورواه في تخفيف الصلاة (790)، من وجه آخر عن ابن عيينة مطولًا بنحو لفظ مسلم الآتي.

ص: 616

وأخرجه مسلم (465/ 178)، وأبو عوانة (1/ 478/ 1774 و 1775)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 82/ 1026)، والنسائي في المجتبى (2/ 102/ 835)، وفي الكبرى (1/ 440/ 911)، وابن خزيمة (1/ 262/ 521) و (3/ 51/ 1611)، وابن حبان (5/ 147 و 148/ 1839 و 1840) و (6/ 159 - 160 و 163/ 2400 و 2402)، وابن الجارود (327)، والشافعي في الأم (2/ 346 و 347/ 347 و 348)، وفي السنن (7 و 8)، وفي المسند (50 و 56)، وأحمد (3/ 308)، والحميدي (1246)، وأبو يعلى (3/ 359/ 1827)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 145/ 547)، وأبو العباس السراج في مسنده (178 و 179 و 183)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (165 و 166 و 171)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 200 و 218/ 2032 و 2060)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 213)، وفي أحكام القرآن (1/ 206 و 207/ 389 - 391)، وفي المشكل (10/ 409 و 411/ 4215 و 4216)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (68)، وابن شاهين في الناسخ (268)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 161)، وابن حزم في المحلى (4/ 65 و 225)، والبيهقي في السنن (3/ 85 و 112)، وفي المعرفة (2/ 213 و 363/ 1201 و 1473)، والخطيب في المبهمات (50)، والبغوي في شرح السنة (3/ 71/ 599)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته، أخرجاه من طرق عن عمرو بن دينار". وابن بشكوال في الغوامض (5/ 315)، وابن الجوزي في التحقيق (737).

ولفظ مسلم عن محمد بن عباد المكي: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤمُّ قومه، فصلى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجلٌ فسلَّم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقتَ يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتِيَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأُخبرنَّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"يا معاذ أفتَّان أنت، اقرأ بكذا، واقرأ بكذا".

قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَالضُّحَى (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} "، فقال عمرو: نحو هذا.

ولفظ الشافعي عن ابن عيينة: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء -أو: العتمة-، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة، قال: فأخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة، فصلى معه معاذ، قال: فرجع فأمَّ قومه فقرأ بسورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: أنافقت؟ قال: لا، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنك أخرت العشاء، وإن معاذًا صلى معك، ثم رجع فأمَّنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا".

ص: 617

قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، مثله، وزاد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}، ونحوها".

قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير يقول: قال له: "اقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)} ، فقال عمرو: هو هذا أو نحوه.

وزاد سفيان في رواية أخرى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)} .

قال البيهقي في السنن (3/ 85): "لم يقل أحد في هذا الحديث: "وسلَّم" إلا محمد بن عباد"، وقال في المعرفة (2/ 392):"ولا أدري هل حفظ هذه الزيادة؟ لكثرة من رواه عن سفيان دونها".

قلت: قد رواه مطولًا جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، مثل: الشافعي، والحميدي، وأحمد، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وعبد الجبار بن العلاء، وعلي بن حرب، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن منصور الجواز، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، فلم يذكروا التسليم، والأظهر أنه أتم صلاته التي صلاها مع معاذ، وبنى عليها، والله أعلم.

قال الشافعي في روايته: فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، وكذا قال الحميدي، وقال أحمد بن حنبل في روايته: فاعتزل رجل من القوم فصلى، وقال إبراهيم بن بشار: فلما رأى ذلك رجل من القوم تنحى، فصلى وحده، ثم انصرف، وقال عبد الجبار بن العلاء: فتنحى رجل فصلى ناحية، وقال علي بن حرب، وأحمد بن عبدة: فلما رآه رجل من القوم انحرف إلى ناحية المسجد فصلى وحده، وقال محمد بن منصور، وابن المقرئ: تأخر فصلى ثم خرج.

ويؤيد رواية الجماعة عن سفيان: رواية سليم بن حيان [عند البخاري]: فتجوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، وحديث أنس الآتي، وفيه: فلما رأى معاذًا طوَّل تجوَّز في صلاته، ولحق بنخله يسقيه.

[وانظر: السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني (7/ 514/ 3171)].

وكان سفيان أحيانًا يرويه على سبيل الحكاية لما جرى له مع عمرو بن دينار، فيرسله عن أبي الزبير، لا يذكر فيه جابرًا، والوصل محفوظ.

• تابع سفيانَ عليه عن عمرو بن دينار:

1 -

منصور بن زاذان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.

أخرجه مسلم (465/ 180)، وأبو عوانة (1/ 479/ 1776)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 28/ 1082)، وابن حبان (6/ 163/ 2403)، والطحاوي في أحكام القرآن (392)، والطبراني في المعجم الصغير (2/ 190/ 1009)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 199)،

ص: 618

وابن حزم في المحلى (4/ 225)، والبيهقي في السنن (3/ 86)، وفي المعرفة (2/ 365/ 1474).

2 -

أيوب السختياني، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي مسجد قومه فيصلي بهم.

أخرجه البخاري (711)، ومسلم (465/ 181)، وأبو عوانة (1/ 479/ 1777 و 1778)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 83/ 1029)، وأبو العباس السراج في مسنده (177)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (164)، وابن شاهين في الناسخ (267 و 269)[وفي سنده سقط]. والبيهقي (3/ 85).

رواه عن أيوب: إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد، واختلف عليه:

أ- فرواه أبو الربيع الزهراني سليمان بن داود، وسليمان بن حرب، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي: خمستهم [وهم ثقات] رووه عن حماد، عن أيوب به هكذا.

ب- وخالفهم في إسناده ومتنه: قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، فرواه عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجع إلى قومه فيؤمُّهم.

أخرجه مسلم (465/ 181)[قرن أبا قتيبة بأبي الربيع الزهراني، وساقه من طريق أبي الربيع، ولم يشر إلى اختلاف رواية قتيبة عن رواية الجماعة]. والترمذي (583)، وابن حبان (4/ 390/ 1524)، وأبو العباس السراج في مسنده (176)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (163)، والبغوي في شرح السنة (3/ 858/435).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

قال النووي في شرح مسلم (4/ 183): "قال أبو مسعود الدمشقي: قتيبة يقول في حديثه: عن حماد عن عمرو، ولم يذكر فيه أيوب، وكان ينبغي لمسلم أن يبينه، وكأنه أهمله لكونه جعل الرواية مسوقة عن أبي الربيع وحده، والله أعلم"[وانظر: التقييد للجياني (3/ 813)].

قلت: هكذا رواه قتيبة بن سعيد فخالف جماعة الثقات في إسناده ومتنه، أما الإسناد فإن كان يمكن أن يقال بأن حماد بن زيد أخذه أولًا عن أيوب، ثم لقي عمرو بن دينار فاستثبته فيه، وحماد معروف بالرواية عن عمرو، وله في الصحيحين أحاديث بهذا الإسناد، لكن قوله في متنه أنها صلاة المغرب، قول شاذ، إذ المحفوظ من حديث عمرو بن دينار أنها العشاء، والله أعلم.

وانظر: علل الدارقطني (6/ 34/ 960).

3 -

شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله: أن معاذًا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم، فجاء ذات ليلة فصلى العتمة، وقرأ البقرة، فجاء

ص: 619

رجل من الأنصار فصلى ثم ذهب، فبلغه أن معاذًا ينال منه، فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"فاتِنًا، فاتِنًا، فاتِنًا" أو: "فتَّانًا، فتَّانًا، فتَّانًا]، ثم أمره بسورتين من وسط المُفصَّل.

أخرجه البخاري (700 و 701)، وأبو عوانة (1/ 479/ 1777)، والدارمي (1/ 337/ 1296)، وأحمد (3/ 369)، والطيالسي (3/ 270/ 1800)، وأبو العباس السراج في مسنده (180)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (167)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1600 و 1601)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 213)، وابن شاهين في الناسخ (266)، وابن حزم في المحلى (4/ 65)، والبيهقي (3/ 85).

رواه عن شعبة جماعة من أصحابه: سعيد بن عامر [واللفظ له، عند الدارمي]، وغندر محمد بن جعفر [بنحو لفظ سعيد، عند البخاري]، والنضر بن شميل [بنحو لفظ سعيد، عند السراج]، وأبو داود الطيالسي، ووهب بن جرير، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعلي بن الجعد، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي.

وانظر: علل الدارقطني (6/ 34/ 960).

4 -

سَلِيم بن حيان الهذلي: حدثنا عمرو بن دينار: حدثنا جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجلَ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوَّزتُ، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أفتَّان أنت؟ " ثلاثًا، "اقرأ:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، ونحوها".

أخرجه البخاري (6106)، والطبراني في الأوسط (7/ 233/ 7363).

5 -

هشام الدستوائي، عن عمرو بن دينار، عن جابر به، مختصرًا بنحو رواية منصور وأيوب.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (181)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (168)، وابن قانع في المعجم (1/ 136)، والطبراني في الأوسط (3/ 87/ 2576).

6 -

حماد [هو: ابن سلمة]: نا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يجيء إلى قومه فيصلي بهم، فصلى ذات ليلة ثم جاء إلى قومه، وقد ربط رجل من الأنصار ناضحًا له، فدخل معهم في الصلاة، فاستفتح معاذ بسورة البقرة، فلما رأى الرجل معاذًا قد مد في البقرة صلى ثم ذهب، فلما قضى معاذ صلاته، قيل له: إن فلانًا صلى ثم ذهب، فقال: نافق فلان، فذهب الرجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أفتان أنت؟ يا معاذ أفتان أنت؟ يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ سورة كذا وكذا".

ص: 620

أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 234/ 1334)، قال: حدثنا أبو حفص الباهلي: نا الحجاج: نا حماد به.

حماد هو: ابن سلمة، وحجاج هو: ابن المنهال الأنماطي، وشيخ الشاشي هو: أبو حفص عمر بن حفص بن بسطام بن عمرو الباهلي: ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 447)، وقال نجم الدين عمر بن محمد النسفي في القند في ذكر علماء سمرقند (599): "كان ثبتًا في الحديث، يروي عن الحجاج بن منهال كتب حماد بن سلمة،

".

وعليه فهو إسناد صحيح غريب، والله أعلم.

• قال ابن رجب في الفتح (4/ 228) في توجيه قول من رد حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار: "أن الذين ذكروا: أنه [يعني: معاذًا] كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه، لم يذكر أحد منهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلِم بذلك، إلا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر.

فقال أحمد: ما أرى ذلك محفوظًا. وقال مرة: ليس عندي ثبتًا؛ رواه منصور بن زاذان وشعبة وأيوب، عن عمرو بن دينار، ولم يقولوا ما قال ابن عيينة.

كذا قال، وقد رواه أيضًا ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، مثل رواية ابن عيينة عن عمرو.

وهذا أقوى الوجوه [يعني: في تعليل حديث عمرو بن دينار عن جابر]، وهو: أنَّ من روي صلاة معاذ خلف النبي صلى الله عليه وسلم ورجوعه إلى قومه لم يذكر أحد منهم قصة التطويل والشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير ابن عيينة، وقد تابعه ابن عجلان عن ابن مقسم، وليس ابن عجلان بذاك القوي.

ومن ذكر شكوى معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الثقات الحفاظ لم يذكروا فيه أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم.

ولم يفهم كثير من أصحابنا هذا الذي أراده الإمام أحمد على وجهه".

قلت: اعتذار ابن رجب عن الإمام أحمد فيما ذهب إليه: ليس له وجه من الصحة: فإن ابن عيينة لم ينفرد بكون النبي صلى الله عليه وسلم عَلِم بذلك، فقد تابعه على سياق حديثه مطولًا: شعبة بن الحجاج، وسليم بن حيان الهذلي [وكلاهما عند البخاري]، وحماد بن سلمة [عند الشاشي].

وعليه فإن الرواية المطولة ثابتة عن عمرو بن دينار، وهو ثقة ثبت، حجة فقيه.

وأما زعم ابن رجب أن جمهور العلماء في هذه المسألة على المنع [الفتح (4/ 230)]، فليس بصحيح؛ إذ الأمر بخلاف ذلك، وقد نقل أكثر من واحد من أهل العلم: أن جمهور أهل العلم على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل [انظر: الإعلام (3/ 385)]، بل إن ابن رجب نفسه قد نقل في أول بحثه ما يخالف هذا، فقد قال بعد أن بين مراد البخاري من ترجمته: "وقد ذهب إلى هذا طائفة من العلماء، منهم: طاووس وعطاء،

ص: 621

وقال: لم نَزَل نسمع بذلك. وهو قول: الأوزاعي والشافعي وأحمد -في رواية- وإسحاق وأبي خثيمة وأبي بكر بن أبي شيبة وسليمان بن حرب وسليمان بن داود الهاشمي وأبي ثور وداود والجوزجاني وابن المنذر"، ثم عدَّد آخرين ذكرهم الإمام الشافعي، ولم ينقل في مقابلهم ما يساويهم في العدد، ويكفي قول عطاء: لم نَزَل نسمع بذلك، والله أعلم.

7 -

ابن جريج، عن عمرو، عن جابر، قال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم ينطلق إلى قومه فيُصلِّيها لهم، هي له تطوع [وفي رواية: نافلة]، وهي لهم مكتوبة [وفي رواية: فريضة].

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 347/ 349)، وفي السنن (9)، وفي المسند (57)، وعبد الرزاق (2/ 8/ 2266)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 409)، وفي أحكام القرآن (1/ 206/ 388)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (69)، والدارقطني (1/ 274 و 275)، والبيهقي في السنن (3/ 86)، وفي المعرفة (2/ 365/ 1475).

قال الشافعي: "هذا حديث ثابت، لا أعلم حديثًا يروى من طريق واحد أثبت من هذا، ولا أوثق رجالًا"[المعرفة (2/ 365)، المجموع شرح المهذب (4/ 238)، البدر المنير (4/ 477)].

وقال ابن شاهين في الناسخ (250): "ولا خلاف بين أهل النقل للحديث أنه حديث صحيح الإسناد".

وقال البيهقي: "والزيادة من الثقة مقبولة"، وقال أيضًا:"والأصل أن ما كان موصولًا بالحديث يكون منه، وخاصة إذا روي من وجهين؛ إلا أن تقوم دلالة على التمييز، فالظاهر أن قوله: "هي له تطوع، وهي لهم مكتوبة" من قول جابر بن عبد الله، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى لله من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم"[المعرفة (2/ 365)، مختصر الخلافيات (2/ 294 و 296)، المجموع شرح المهذب (4/ 238)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 368) عن حديث ابن جريج هذا: "وهو حديث ثابت صحيح، لا يختلف في صحته".

وقال ابن العربي في العارضة (3/ 54): "لا خلاف في صحة هذا الحديث، زاد فيه الدارقطني: "هي له تطوع، ولهم فريضة".

وقال النووي: "حديث صحيح"[المجموع شرح المهذب (4/ 238)].

هكذا صحح حديث ابن جريج بالزيادة: الشافعي وابن شاهين والبيهقي وابن عبد البر وابن العربي والنووي، لكن:

قال الطحاوي في الأحكام عن زيادة ابن جريج: "وليس من الحديث، ولا من لفظ جابر، ولا عمرو بن دينار، وذلك أن ابن عيينة قد روى هذا الحديث عن عمرو وأبي الزبير بألفاظ أكثر من ألفاظ حديث ابن جريج، ولم يذكر فيه هذا الحرف".

ص: 622

وأطال في الشرح في رد هذه الزيادة، وكان مما قال:"فمن أي هؤلاء الثلاثة كان القول؛ فليس فيه دليل على حقيقة فعل معاذ".

وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 481): "هذا ظن من الراوي".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 230): "ولعل هذا مدرج من قول ابن جريج".

قال ابن حجر في الفتح (2/ 196) في الرد على من رد هذه الزيادة: "وهو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه، فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي إنه لا يصح: مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج، ولم يذكر هذه الزيادة: ليس بقادح في صحته؛ لأن ابن جريج أسنُّ وأجلُّ من ابن عيينة، وأقدم أخذًا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ، ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددًا، فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها، وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه: أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل، فمهما كان مضمومًا إلى الحديث فهو منه، ولا سيما إذا روي من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعًا لعمرو بن دينار عنه، وقول الطحاوي: هو ظن من جابر، مردود؛ لأن جابرًا كان ممن يصلي مع معاذ، فهو محمول على أنه سمع ذلك منه، ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد؛ إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه".

قلت: ويزيد ذلك ثبوتًا: أن ابن جريج مكي بلدي لعمرو بن دينار، وهو من أثبت الناس فيه، بل قدَّمه بعضهم في عمرو على سفيان بن عيينة [انظر: سؤالات ابن الجنيد (183)، سؤالات أبي داود لأحمد (220)، سؤالات الأثرم لأحمد (39)، المعرفة والتاريخ (2/ 149 - 150)، سؤالات ابن بكير للدارقطني (39)، شرح علل الترمذي (2/ 684)].

وهذه الزيادة لا تصح إلا من طريق ابن جريج عن عمرو، والله أعلم.

وانظر: طرح التثريب (2/ 245).

• ولابن جريج فيه إسناد آخر:

ابن جريج، قال: حُدِّثت عن عكرمة مولى ابن عباس، وقال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة التي يدعونها الناس العتمة، ثم ينطلق فيؤمهم في العشاء الآخرة أيضًا، فهي له تطوع، وهي لهم مكتوبة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 8/ 2265).

وهذا ظاهر الضعف؛ لانقطاعه في موضعين، فلم يسمعه ابن جريج من عكرمة، ولا عكرمة من معاذ.

• وله طرق أخرى عن عمرو، فيها مقال، أو ضعف شديد، انظر: المعجم الأوسط (4/ 376/ 4477)، الناسخ لابن شاهين (269).

ص: 623

• وله طرق أخرى عن جابر، منها:

1 -

الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء، فطوَّل عليهم، فانصرف رجل منا، فصلى، فأُخبِر معاذٌ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجلَ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريد أن تكون فتَّانًا يا معاذ؟ إذا أمَمْتَ الناس فاقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ".

أخرجه مسلم (465/ 179)، وأبو عوانة (1/ 479/ 1779)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 82/ 1027)، والنسائي في المجتبي (2/ 172/ 998)، وفي الكبرى (2/ 20/ 1072)(10/ 333/ 11603)، وابن ماجه (986)، وأبو العباس السراج في مسنده (182)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (170)، وابن حزم في المحلى (4/ 103)، والبيهقي (2/ 392) و (3/ 116).

وقرن ابن وهب في روايته بالليث بن سعد: ابنَ لهيعة، وزاد في آخر المرفوع:"ولا تشق على الناس".

أخرجه ابن وهب في الجامع (364)، والبيهقي (3/ 116).

وهي زيادة منكرة انفرد بها ابن لهيعة عن أبي الزبير دون من رواه من الثقات، ووقع في جامع ابن وهب: عن جابر عن معاذ، فجعله ابن لهيعة من مسند معاذ، فوهم، وإنما هو من مسند جابر.

2 -

ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: بينا فتى من الأنصار قد قرَّب علف ناضحه، أقام معاذ بن جبل صلاة العشاء الآخرة، فترك الفتى علفه، فقام فتولى وحضر الصلاة، وافتتح معاذ سورة البقرة، فصلى الفتى وترك معاذًا، وانصرف إلى ناضحه وعلفه، فلما انصرف معاذ أخذ الفتى ففسَّقه ونفَّقه، ثم قال: لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه خبرك، فقال الفتى: أنا والله لآتينه فأخبره خبرك، فأصبحا فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له معاذ شأنه، فقال الفتى: إنا أهل عمل وشغل؛ فيطول علينا معاذ، فيستفتح سورة البقرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أتريد أن تكون فتانًا؟ إذا أممت بالناس فأقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، {وَالضُّحَى (1)} ، وهذا النحو".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 365 - 366/ 3725)، وأبو العباس السراج في مسنده (197).

3 -

سفيان بن عيينة، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، بمثل حديث عمرو بن دينار، وزاد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}، ونحوها".

تقدم تخريجه مع حديث ابن عيينة عن عمرو، واللفظ للشافعي.

• هكذا رواه الثقات الحفاظ من أصحاب أبي الزبير، وخالفهم بعض الضعفاء:

ص: 624

فرواه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير [الليثي المكي: متروك، منكر الحديث. اللسان (7/ 227 و 404)، وفي الإسناد إليه ضعف]، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [ضعيف]:

عن أبي الزبير، عن جابر: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم، فتكون له نافلة، ولهم فريضة. لفظ الليثي، وقال ابن مجمع: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المكتوبة، ثم يرجع فيصلي بقومه.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (393)[ووقع عنده بدون الزيادة]. وابن شاهين في الناسخ (270 و 271).

4 -

ورواه شعبة، قال: حدثنا محارب بن دثار، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: أقبل رجل بناضحين، وقد جنح الليل [وفي رواية: وقد جنحت الشمس]، فوافق معاذًا يصلي [المغرب]، فترك ناضحه [فتركهما]، وأقبل إلى معاذ [فصلى معه]، فقرأ بسورة البقرة أو النساء [محارب الذي يشك]، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتي [الرجل] النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أفتَّان أنت؟ -أو: فاتن-" ثلاث مرار، "فلولا صلَّيتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، فإنه يصلي وراءك الكبيرُ والضعيفُ وذو الحاجة".

أخرجه البخاري (705)، وأبو عوانة (1/ 480/ 1780)، وأحمد (3/ 299)، والطيالسي (3/ 293/ 1834)، وعبد بن حميد (1102)، وأبو العباس السراج في مسنده (195)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (720)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 213)، وأبو جعفر بن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (47)(716 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي (3/ 116)، وابن عبد البر (19/ 11).

رواه عن شعبة: محمد بن جعفر غندر، وآدم بن أبي إياس، وحجاج، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعلي بن الجعد، وسعيد بن الربيع.

وفي رواية ابن الجعد، قال شعبة: قلت لمحارب: أي صلاة كانت؟ قال: المغرب.

ويبدو لي أن البخاري قد حذف هذه اللفظة عمدًا [وهي تعيين الصلاة بأنها المغرب]، لذا قال بعد رواية شعبة هذه:"وتابعه سعيد بن مسروق ومسعر والشيباني [يعني: على أنها المغرب]، قال عمرو وعبيد الله بن مقسم وأبو الزبير عن جابر: قرأ معاذ في العشاء بالبقرة، وتابعه الأعمش عن محارب"، يعني: على أنها العشاء، والله أعلم.

ومما يؤكد كون البخاري حذفها عمدًا أن ابن البختري والبيهقي قد أخرجاه من نفس طريق البخاري [عن آدم عن شعبة]، فأثبتاها، وقالا: فوافق معاذ بن جبل يصلي المغرب.

5 -

الأعمش، عن محارب بن دثار، وأبي صالح، عن جابر، قال: جاء رجل من الأنصار، وقد أقيمت الصلاة، فدخل [المسجد]، فصلى خلف معاذ، فطوَّل بهم، فانصرف

ص: 625

الرجل فصلى في ناحية المسجد، ثم انطلق إلى ناضحه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له: إن فلانًا فعل كذا وكذا، فقال معاذ: لو أصبحتُ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، [فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم]، فقال للرجل:"ما حملك على ما صنعت؟ صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عملت على ناضح لي في النهار، فجئت أصلي في المسجد، [وقد أقيمت الصلاة، فدخلت المسجد]، فدخلت معه في الصلاة [فقرأ بسورة كذا وكذا]، فطوَّل، [فانصرفت]، فصليت في ناحية المسجد، فانطلقت إلى ناضحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفتانًا يا معاذ! أفتانًا يا معاذ! ".

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 97/ 831)، وفي الكبرى (1/ 437/ 907)، وأبو العباس السراج في مسنده (174 و 187)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (161).

اختلف في هذا الحديث على الأعمش:

أ- فرواه محمد بن فضيل عنه به هكذا.

ب- ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير:

عن الأعمش: ثنا أبو صالح، عن جابر به نحوه، وزاد في المرفوع:"أفتان يا معاذ؟، فأين أنت أن تقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، {وَالْفَجْرِ (1)} ". واللفظ لأبي أسامة، فهو أتم، ووقع في روايته أنها صلاة العشاء.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (185 و 186).

ج- ورواه يحيى بن سعيد الأموي، عن الأعمش، عن محارب بن دثار، وأبي صالح، عن جابر به، نحو رواية أبي أسامة.

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 335/ 11609)، والسراج في مسنده (188).

د- ورواه جرير بن عبد الحميد: عن الأعمش، عن محارب بن دثار، عن جابر، قال: قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطوَّل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفتان يا معاذ؟ أفتان يا معاذ؟ أين كنتَ عن {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَالضُّحَى (1)} ، {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)} ".

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 997/172)، وفي الكبرى (2/ 19/ 1071) و (10/ 326/ 11588).

هـ- ورواه عمار بن زريق، عن الأعمش، عن محارب بن دثار، عن جابر، قال: قام معاذ يصلي العشاء، فجاء فتى من الأنصار فدخل المسجد، فطول به معاذ،

واقتص الحديث بطوله، وزاد فيه: فقال الأعمش: حدثني أبو صالح، قال: لما كان يوم أحد لقي ذلك الفتى معاذًا فقال: زعمت أني منافق، تقدَّمْ، فقال معاذ: صدق الله وكذبْتُ، فقاتل حتى قتل.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (193).

و- ورواه يونس الكوفي، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "كيف تشَّهَّدُ حين تفرغ من صلاتك؟ " فأخبره، قال: أقول: اللهم

ص: 626

إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، ولست أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حولها ندندن".

أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (373 - الجزء المفقود)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 250)، وذكره الدارقطني في العلل (10/ 153/ 1944).

من طريقين عن موسى بن [عين [ثقة]، عن يونس الكوفي به.

قال محمد بن مسلم بن وارة: "يونس هذا من أصحاب الأعمش".

قلت: وأستبعد أن يكون هو يونس بن بكير، فإنه وإن كان معروفًا بالرواية عن الأعمش، لكنه يصغر موسى بن أعين بأكثر من عشرين سنة، كما أن ابن أبي حاتم لم ينبه على ذلك، بل إنه غاير بينهما وترجم لكل واحد منهما على حدة، وعليه فإن يونس الكوفي هذا في عداد المجاهيل؛ حيث لا يُعرف له راوٍ غير موسى بن أعين، ولا رواية غير هذا الحديث، فروايته هذه منكرة بذكر أبي سفيان في الإسناد، وإنما يرويه الأعمش عن أبي صالح، والله أعلم.

[قال الطبري في التهذيب (266): "فإن الدندنة: هو الكلام الخفي الذي يسمع من المتكلم به صوته، ولا يفهم معناه"].

• خالفه: جرير بن عبد الحميد [ثقة]، فرواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "ما تقول في الصلاة؟ "، قال: أتشهد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"حولها ندندن".

[قال أبو صالح: فلما كان يوم أحد قاتل حتى قتل].

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 110)، وابن ماجه (910 و 3847)، وابن خزيمة (725)، وابن حبان (3/ 149/ 868)، والبزار (16/ 110/ 9186)، وأبو العباس السراج في مسنده (196)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (599)، والخطيب في المبهمات (116).

قال ابن خزيمة: "الدندنة: الكلام الذي لا يفهم"[وانظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 260)، تهذيب اللغة (14/ 50)، مقاييس اللغة (2/ 261)، النهاية (2/ 137)، اللسان (13/ 160)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: إلا جرير، ورواه أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح: مرسلًا، ولم يذكر أبا هريرة".

وقد رواه بعضهم عن جرير مرسلًا، انظر: علل الدارقطني (10/ 152/ 1944).

• ورواه أبو عوانة [ثقة ثبت]، عن الأعمش، عن أبي صالح: مرسلًا.

ذكره البزار [الأحكام الشرعية الكبرى (2/ 279)]، والدارقطني في العلل (10/ 153/ 1944).

ص: 627

• وخالفهم: زائدة بن قدامة [ثقة ثبت متقن]، وعَبيدة بن حميد [كوفي، صدوق]: فروياه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: "كيف تقول في الصلاة؟ " قال: أتشهد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"حولها ندندن".

أخرجه أبو داود (792)، وأحمد (3/ 474)، وذكره الدارقطني في العلل (10/ 153/ 1944).

ورواية زائدة وعبيدة أولى بالصواب، فإن الحديث مشهور من حديث جابر، لا من حديث أبي هريرة، ولا أستبعد أن يكون الصحابي المبهم هنا هو جابر بن عبد الله، إذ يرويه أبو صالح عنه بطرف آخر من هذه القصة، كما تقدم من رواية الجماعة [ابن فضيل وأبي أسامة وأبي معاوية ويحيى بن سعيد الأموي] عن الأعمش.

كما جاءت قصة الدندنة من حديث عبيد الله بن مقسم عن جابر، كما تقدم.

وكما رواه يونس الكوفي عن الأعمش من حديث جابر، لكنه جعل التابعي أبا سفيان فوهم في ذلك.

وعليه فيكون جرير قد وهم فيه، وسلك الجادة والطريق السهل، فإن أبا صالح عن أبي هريرة: طريق مسلوكة مشهورة، وهي أسهل من أبي صالح عن جابر أو غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

قال الدارقطني في العلل (10/ 153/ 1944): "والصحيح عن الأعمش: قول من رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال النووي في المجموع (3/ 436): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

وقد سبق أن خرجت هذا الحديث في الذكر والدعاء (1/ 199) برقم (112)، فيصحح من هنا.

6 -

مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار، عن جابر قال: صلى معاذ المغرب، فقرأ البقرة والنساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفتان يا معاذ! أما يكفيك أن تقرأ: بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، ونحو هذا".

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 332/ 11600)، وأبو العباس السراج في مسنده (175 و 184)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (162 و 172)، وابن قانع في المعجم (1/ 136)، وأبو القاسم الحنائي في فوائده (142)، وابن حجر في التغليق (2/ 294).

قال الحنائي: "هذا حديث صحيح من حديث مسعر".

7 -

سفيان الثوري، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا من الأنصار مرَّ بناضحين له، ومعاذ يصلي المغرب، فافتتح سورة البقرة، فصلى الرجل ثم ذهب، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أفتان يا معاذ؟ أفتان يا معاذ؟ أولا قرأت: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، ونحوهما".

ص: 628

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 168/ 984)، وفي الكبرى (2/ 15/ 1058)، وأحمد (3/ 300)، وابن أبي شيبة (1/ 405/ 4658)، وأبو العباس السراج في مسنده (191 و 192 و 194).

رواه عبد الرحمن بن مهدي، ومعاوية بن هشام، عن الثوري به، فقالا: المغرب، واختلف على وكيع، فقال مرة: المغرب، وقال مرة: الفجر، وسكت مرة.

8 -

سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء رجل من الأنصار يسعى على بعير له، فلما أقيمت صلاة المغرب أتى المسجد، فوجد معاذ بن جبل يؤمهم، فافتتح سورة البقرة -أو: آل عمران-، فلما رأى ذلك الرجل انصرف فصلى ناحية، ثم لحق ببعيره، فقال أهل المدينة: نافق فلان، فلما سمع ذلك الرجلُ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا، فقال:"أفتان أنت؟ أفلا قرأت: بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ".

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 7787/7)، بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الشيباني إلا خالد".

قلت: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة ثبت، لا يضره تفرده بذلك، وقد رواه عنه الواسطيون.

9 -

سعيد بن مسروق، عن محارب بن دثار، عن جابر، قال: أمَّ معاذ بن جبل قومًا في صلاة المغرب، فمر به غلام من الأنصار، وهو يعمل على بعير له، فلما رآهم في الصلاة أتاهم فدخل معهم في الصلاة وترك بعيره، فطوَّل بهم معاذ، فلما رأى الغلام ذلك ترك الصلاة، وانطلق في طلب بعيره، قال: فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أفتان يا معاذ؟ ألا يقرأ أحدكم في المغرب: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}؟ ".

أخرجه أبو عوانة (1/ 480/ 1781)، وابن أبي شيبة (1/ 315/ 3605)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 213)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 431)، وابن حجر في التغليق (2/ 294).

10 -

محمد بن قيس الأسدي، عن محارب بن دثار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:

فذكره بنحوه، وعين الصلاة أنها المغرب، وأنه قرأ بالبقرة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 117/ 2661).

وقال: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن قيس إلا وهب".

قلت: رواه الطبراني بإسناد صحيح إلى وهب هذا، ووقع في المطبوعة: وهب بن إسرائيل الأسدي، وإنما هو وهب بن إسماعيل بن محمد بن قيس، حفيد شيخه، وهو صالح الحديث، له مناكير عن وِقاء بن إياس الأسدي [التهذيب (4/ 328)، الميزان (4/ 350)].

• هكذا قال محارب بن دثار في هذا الحديث عن جابر: المغرب، وخالفه جماعة

ص: 629

ممن رووه عن جابر فقالوا: العشاء، وممن قال ذلك عن جابر: عمرو بن دينار، وأبو الزبير، وعبيد الله بن مقسم، وأبو صالح، وقولهم أقرب إلى الصواب، وقد نبه البخاري على ذلك في صحيحه، حيث حذف لفظة المغرب من حديث شعبة عن محارب، ثم قال:"وتابعه سعيد بن مسروق ومسعر والشيباني [يعني: على أنها المغرب]، قال عمرو وعبيد الله بن مقسم وأبو الزبير عن جابر: قرأ معاذ في العشاء بالبقرة، وتابعه الأعمش عن محارب"، يعني: على أنها العشاء، والله أعلم.

وقال البيهقي (3/ 116): "كذا قال محارب بن دثار عن جابر: المغرب، وقال عمرو بن دينار، وأبو الزبير، وعبيد الله بن مقسم، عن جابر: العشاء".

11 -

محمد بن معمر: ثنا أبو بكر -هو: عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي-، عن أسامة بن زيد، قال: سمعت معاذ بن عبد الله بن خبيب، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان معاذ يتخلَّف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن إذا جاء أمَّ قومه، وكان رجل من بني سلمة، يقال له: سُلَيم، يصلي مع معاذ، فاحتبس معاذ عنهم ليلة، فصلى سُلَيم وحده وانصرف، فلما جاء معاذ اخبر أن سُلَيمًا صلى وحده وانصرف، فأخبر معاذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سُلَيم، فسأله عن ذلك، فقال: إني رجل أعمل نهاري، حتى إذا أمسيت أمسيت ناعسًا، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا، فلما احتبس عليَّ صليت، ثم انقلبت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كيف صنعت حين صليت؟ "، قال: قرأت بفاتحة الكتاب وسورة، ثم قعدت وتشهَّدت، وسألت الجنة وتعوَّذت من النار، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انصرفت، ولستُ أُحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"هل أُدَنْدِنُ أنا ومعاذ إلا لندخل الجنة ونُعاذ من النار؟ "، ثم أرسل إلى معاذ:"لا نكن فتَّانا تفتِنُ الناس، ارجع إليهم فصلَّ بهم قبل أن يناموا"، ثم قال سليم: ستنظر يا معاذ غدًا إذا التقينا العدو كيف تكون وأكون أنا وأنت، قال: فمرَّ سليم يوم أحد شاهرًا سيفه، فقال: يا معاذ تقدَّم، فلم يتقدَّم معاذ، وتقدَّم سليم، فقاتل حتى قتل، فإن إذا ذُكر عند معاذ يقول: إن سليمًا صدق الله، وكذب معاذ.

أخرجه البزار (1/ 528/257 - كشف)، ومن طريقه: ابن حزم في المحلى (4/ 230).

قال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد".

إسناده صحيح إلى أسامة بن زيد، وهو: الليثي مولاهم، أبو زيد المدني: صدوق يهم، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث، وهو من رجال مسلم؛ إلا أنه أخرج له في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول.

وأسامة بن زيد الليثي هذا قد اختلفت فيه أقوال أئمة الجرح والتعديل، فمنهم من وثقه مطلقًا: مثل علي بن المديني، ومنهم من ضعفه مطلقًا: مثل أبي حاتم، قال:"يكتب حديثه، ولا يحتج به"، فأنزله عن مرتبة الاحتجاج لو تفرد، ومنهم من اختلفت أقواله فيه:

ص: 630

مثل أحمد، وابن معين، والنسائي، ومنهم من توسط فيه: مثل ابن حبان، وابن عدي، وهو أعدل الأقوال جمعًا بين الفريقين، فهو صدوق يهم، كما قال ابن حجر في التقريب، ومما يبين مرتبته وأنه لا يرتقي إلى مرتبة عموم الثقات، فضلًا عن أن يصل إلى مرتبة أئمة الضبط والإتقان: قول الإمام أحمد لما سئل عن حاتم بن أبي صغيرة؟ فقال: "ثقة"، ثم سئل عن أسامة بن زيد الليثي؟ فقال:"هو دونه، وحرك يده"[العلل ومعرفة الرجال (2/ 36/ 1473)، وانظر: التهذيب (1/ 108)، الميزان (1/ 174)، إكمال مغلطاي (2/ 57)، موسوعة أقوال الإمام أحمد (1/ 77)، الجامع في الجرح والتعديل (1/ 58)، التذييل على التهذيب (35)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (4/ 1877)، وقد تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394)]، فكيف يُعَد من الثقات الذين تقبل زياداتهم.

وشيخه: معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني: صدوق، قليل الحديث، لم يتفق على توثيقه، فهو وإن وثقه في الجملة: ابن معين، وأبو داود، وابن حبان، لكن قال فيه الدارقطني:"ليس بذاك"، وجهله ابن حزم [التهذيب (4/ 100)].

وهذا الحديث رواه عن جابر: عمرو بن دينار، وأبو الزبير، ومحارب بن دثار، وأبو صالح، فلم يذكروا فيه أن الأنصاري صلى قبل مجيء معاذ، وإنما ذكروا أنه صلى خلف معاذ، فلما رأي معاذًا طوَّل في الصلاة، انصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد، كما أنهم ذكروا في روايتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ تطويله في القراءة، وأرشده إلى القراءة بقصار السور، مثل: الأعلى والضحى والفجر والليل والشمس والطارق والبروج والعلق ونحوها، ولم ينكر عليه تأخره عليهم، كما في هذه الرواية:"ارجع إليهم فصلِّ بهم قبل أن يناموا"، وهاتان القرينتان تدلان على أن أسامة بن زيد لم يحفظ القصة كما رواها الثقات، فإذا كان قد خالف الثقات فيما رووه من القصة، فلا يُقبل منه ما تفرد به فيها من تعيين ذلك الأنصاري الذي أبهموه، وهم الثقات الحفاظ، والله أعلم.

وعليه: فإن رواية أسامة بن زيد الليثي هذه شاذة، لما خالف فيها الثقات، وانفرد فيها بما لم يتابع عليه، والله أعلم.

• هكذا روى هذا الحديث عن جابر: أبو الزبير، ومحارب بن دثار، وأبو صالح، فلم يذكروا فيه أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، وإنما اقتصروا على صلاة معاذ بقومه وقصته مع الرجل الذي فارقه، وهذا مما لا يقدح في رواية عمرو بن دينار لتفرده بذكر صلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن عمرو بن دينار المكي الجمحي مولاهم: من أعلام علماء التابعين، وقد كان ثقة ثبتًا، قدَّمه بعضهم في حفظه وتثبته وضبطه على قتادة والحكم، وقد أثنى على حفظه وإتقانه جماعة من الأئمة ممن أدركوه ورووا عنه، وكذا من جاء بعدهم، وقد كان عالمًا فقيهًا، وكان مفتي أهل مكة في زمانه، فهو متفق على جلالته وثقته وجودة ضبطه وإتقانه، فمثله يحتمل منه مثل هذا التفرد عن جابر بن عبد الله، ولو انفرد مثله بأحاديث لم يتابع عليها، أو زيادات تفرد بها

ص: 631

دون أقرانه؛ لقُبِل منه، فهو الحافظ الثبت، الحجة الفقيه، وقد احتج بحديثه هذا الشيخان، وغيرهما، بل إن الذين ردوا حديثه هذا بالتأويلات البعيدة والباطلة لم يجسروا على تضعيف حديثه، ونقل بعضهم أن حديثه هذا لا خلاف بين أهل العلم في تصحيحه [إذا علمت هذا فانظر: الفتح لابن رجب (4/ 227) وغيره].

• وهذا الحديث رواه أيضًا حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح، واختلف عليه فيه، والصحيح: مرسل، وله طرق أخرى فيها ضعف، وبعضها واهٍ، انظر: طبقات ابن سعد (3/ 586)، مسند الحارث (145 - زوائده)، مسند أبي يعلي (3/ 333/ 1795) و (3/ 334/ 1798)، تهذيب الآثار (372 - الجزء المفقود)، المعجم الكبير (20/ 156/ 325)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 83)، الناسخ لابن شاهين (270 - 272)، علل الدارقطني (13/ 402/ 3297)، تاريخ أصبهان (1/ 120).

• ورويت قصة معاذ أيضًا من حديث:

1 -

أنس بن مالك:

رواه جماعة من الحفاظ، عن إسماعيل ابن علية: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه، فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله، فدخل المسجد ليصلي مع القوم فلما رأى معاذًا طوَّل تجوَّز في صلاته، ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له: إن حرامًا دخل المسجد فلما رآك طوَّلت تجوَّز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فقال: إنه منافق، أيتعجل الصلاة من أجل سقي نخله!، فجاء حرام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله! إني أردت أن أسقي نخلًا لي، فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلما طوَّل تجوَّزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه، فزعم أني منافق؟، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ لا تطوَّل بهم، اقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ونحوهما".

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 335/ 11610)، وأحمد (3/ 101 و 124)، والبزار (13/ 58/ 6384)، وأبو على الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 191/ 290)، وأبو العباس السراج في مسنده (189)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 2253/866)، والخطيب في المبهمات (51)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 317)، والضياء في المختارة (6/ 279 و 280/ 2292 و 2293).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عبد العزيز بن صهيب إلا إسماعيل بن إبراهيم".

وقال الطوسي: "يقال: هذا حديث حسن".

وقال ابن حجر في الإصابة (2/ 46): "حديث صحيح".

قلت: هو حديث صحيح، إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وفيه التصريح باسم الأنصاري الذي فارق معاذًا، لكنه لم ينسب، والله أعلم.

ص: 632

2 -

بريدة بن الحصيب:

يرويه زيد بن الحباب، وعلي بن الحسن بن شقيق:

حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة [الأسلمي]، قال: سمعت أبي بريدة يقول: إن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، فقام رجل من قبل أن يفرغ، فصلى وذهب، فقال له معاذ قولًا شديدًا، فأتي الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه، فقال: إني كنت أعمل في نخل فخفت على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" [يا معاذ، صلِّ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، ونحوها من السور".

أخرجه أحمد (5/ 355)، والبزار (10/ 297/ 4412)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 193/ 291)، وأبو العباس السراج في مسنده (220)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (561).

قال الطوسي: "حديث بريدة: حسن". وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 461).

• وروى أيضًا زيد بن الحباب، وعلي بن الحسن بن شقيق:

عن حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، وأشباهها من السور.

أخرجه الترمذي (309)، والنسائي (2/ 173/ 999)، وأحمد (5/ 354)، وأبو العباس السراج في مسنده (164 و 165)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (144 و 145)، والطحاوي (1/ 214)، والبغوي في شرح السنة (3/ 73/ 600).

قال الترمذي: "حديث حسن". وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 461).

• ورواه أيضًا زيد بن الحباب، قال: نا الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والعشاء: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ، {وَالضُّحَى (1)} ، وكان يقرأ في الظهر والعصر:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} .

أخرجه البزار (10/ 296/ 4411).

• ورواه أيضًا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد قاضي مرو، قال: أخبرني عبد الله بن بريدة الأسلمي، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ونحوها.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 257/ 511).

وما أرى هذا إلا اضطرابًا من زيد بن الحباب؛ فقد كان كثير الخطأ [انظر: التهذيب (1/ 661)]، ولم يختلف فيه على علي بن الحسن بن شقيق، وقد كان ثقة حافظًا، فحديثه أولى بالصواب، والأقرب كون الروايتين محفوظتين، أعني: قصة معاذ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث بريدة في قصة معاذ: حديث حسن.

قال ابن القيم في كتاب الصلاة (224): "فقد أجيب عن هذا بأن قصة معاذ تكررت،

ص: 633

وهذا جواب في غاية البعد عن الصواب؛ فإن معاذًا كان أفقه في دين الله من أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعود له، وأجود من هذا الجواب: أن يكون قرأ في الركعة الأولى بسورة البقرة، وفي الركعة الثانية سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، فسمعه من صلى معه من الركعة الأولى، فقال صلى بسورة البقرة، وبعضهم سمع قراءته في الثانية، فقال: صلى بسورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، والذي في الصحيحين: أنه قرأ سورة البقرة، وشك بعض الرواة فقال: البقرة والنساء، وقصة قراءته بسورة اقتربت: لم تذكر في الصحيح، والذي في الصحيح أولى بالصحة منها، وقد حفظ الحديث جابر، فقال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح سورة البقرة، وذكر القصة، فهذا جابر أخبر أنه فعل ذلك مرة، وأنه قرأ بالبقرة، ولم يشك، وهذا الحديث متفق على صحته، أخرجاه في الصحيحين، والله أعلم".

[وانظر: المجموع شرح المهذب (4/ 214)، طرح التثريب (2/ 242)].

3 -

معاذ بن رفاعة الزرقي:

يرويه سليمان بن بلال، ووهيب بن خالد:

عن عمرو بن يحيى المازني، عن معاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي، عن رجل من بني سلِمة [وفي رواية سليمان: أن رجلًا من بني سلِمة] يقال له: سُلَيم، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام، ونكون في أعمالنا بالنهار، فينادي بالصلاة، فنخرج إليه، فيطوِّل علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ بن جبل! لا تكن فتَّانًا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك"، ثم قال:"يا سُلَيم! ماذا معك من القرآن؟ " قال: إني أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، والله ما أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار؟ "، ثم قال سليم: سترون غدًا إذا التقى القوم إن شاء الله، قال: والناس يتجهزون إلى أُحُد فخرج، وكان في الشهداء، رحمة الله ورضوانه عليه.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 110)، وأحمد (5/ 74)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 409)، وفي أحكام القرآن (1/ 208/ 394)، والطبراني في الكبير (7/ 67/ 6391)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1367/ 3451)، وابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 648)، والخطيب في المبهمات (117)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 318)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 516).

قال ابن حزم (4/ 230): "هذا خبر لا يصح؛ لأنه منقطع؛ لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدرك هذا الذي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاذ"، ثم ذكر أن سليمًا صاحب هذه القصة قُتل يوم أحد.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 171): "وهذا لفظ منكر، لا يصح عن أحد يحتج بنقله".

ص: 634

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 228): "وهذا مرسل؛ لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه".

قلت: فهو حديث ضعيف؛ لإرساله، وهذه الجملة:"إما أن نصلي معي، وإما أن تخفف على قومك": منكرة.

4 -

حزم بن أبي كعب:

يرويه موسى بن إسماعيل، قال: ثنا طالب بن حبيب، قال: سمعت عبد الرحمن بن جابر، يحدث عن جده حزم بن أبي كعب: أنه أتي معاذًا وهو يصلي بقومه صلاة المغرب، فطوَّل، فصلى ثم انصرف، فأصبحوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال معاذ: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ابتدع حزمٌ الليلةَ بدعةً ما أدري ما هي؟ فجاء حزم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت بمعاذ وهو يصلي بقوم صلاة المغرب، فاستفتح سورة طويلة، فصليت فأحسنت صلاتي، ثم انصرفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ لا تكونن فتانًا؛ إنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 110)، وأبو داود (791)، وابن عدي في الكامل (4/ 119)، والدارقطني في المؤتلف (2/ 705)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 866/ 2252)، والبيهقي (3/ 117)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 316)، وعلقه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 132).

قال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم روي حزم بن أبي كعب غير هذا، ولا رواه إلا طالب بن حبيب".

وقال ابن عدي: "وطالب هذا لا أعلم له من الحديث غير ما ذكرت، ونرجو أنه لا بأس به".

وقال أبو نعيم: "رواه عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو صالح في آخرين عن جابر: أن معاذًا صلى بقومه فطول، فصلى فتى من الأنصار وحده، ثم انصرف،

الحديث، ولم يسموه. وقيل: إن المصلي خلف معاذ اسمه حرام" ثم ذكر حديث أنس.

وقال البيهقي: "كذا قال، والروايات المتقدمة في العشاء أصح، والله أعلم".

وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (2/ 1048): "إسناده على نكارته صالح".

• خالفه: أبو داود الطيالسي، قال: ثنا طالب بن حبيب، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: مر حزم بن أبي كعب بن أبي القين بمعاذ بن جبل وهو يصلي صلاة العتمة بقومه، فافتتح سورة طويلة، ومع حزم ناضح له، فتأخر فصلى، فأحسن الصلاة، ثم أتي ناضحه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من صالح من هو منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ لا تكونن فتانًا"[وفي رواية: قالها ثلاثًا "إنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة والمعتل"].

أخرجه البزار (1/ 237/ 483 - كشف)، والطحاوي في المشكل (10/ 412/ 4217)، وابن عدي في الكامل (4/ 119)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 317)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 110).

ص: 635

قال البزار: "لا نعلم أحدًا ممن روى عن جابر سمى هذا الرجل إلا ابن جابر".

قلت: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي وأبو داود الطيالسي: ثقتان حافظان، وأبو سلمة أثبت وأتقن، لكن علة هذا الحديث في طالب بن حبيب المعروف بابن الضجيع، فإنه وإن مشاه ابن عدي، وذكره ابن حبان في ثقاته، لكن قال فيه الإمام البخاري:"فيه نظر"، وهي من ألفاظ الجرح الشديد عند البخاري، ولذلك أورده العقيلي في الضعفاء، وهو مع ذلك قليل الرواية جدًّا [انظر: التهذيب (2/ 234)، الميزان (2/ 333)، وقال:"ضُعِّف". الضعفاء الكبير (2/ 231)، الكامل (4/ 119)، الإصابة (2/ 61)]، وهو كما ترى هنا قد اضطرب في إسناد هذا الحديث، فهو مرة يجعله من مسند حزم بن أبي كعب، ومرة يجعله من مسند جابر، وأصحاب جابر الذين رووا حديثه هذا أمثل: عمرو بن دينار، وأبي الزبير، ومحارب بن دثار، وأبي صالح] لم يسموا الأنصاري، ورواية هؤلاء الثقات الحفاظ أولى بالقبول، من رواية هذا الذي تلوح على روايته أمارات ضعفه.

والحاصل: أن حديثه هذا ضعيف، والله أعلم.

5 -

أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلًا:

يرويه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه فمر فتى منهم بناضحه يريد سقيته، فثوِّب بالصلاة، فترك ناضحه بالباب، ودخل يصلي مع معاذ، فطوَّل، فلما رأي ذلك الفتى صلى ثم خرج، فلما انصرف معاذ ذُكر ذلك له، فذَكر ذلك معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال الفتى: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ومعي ناضحي أريد سقيتي، فثوب بالصلاة، فدخلت لأصلي مع معاذ، فطوَّل، فخشيت أن يذهب ناضحي، وأن يفوتني سقيتي، فصليت ثم خرجت، وإني والله ما أدري ما ديدنتك وديدنة معاذ؟ ولكني أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فمن وراء ذلك أخوض أنا ومعاذ" ثم قال: "يا معاذ أَعُدتَ فتانًا؟ إذا صليت بالناس فخفف؛ فإنه يقوم وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة، وإذا صليت لنفسك فطوِّل ما شئت".

أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 294 - 295/ 1401)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 111).

وهذا مرسل بإسناد حسن.

قال الخطابي: "السقية: النخل التي تسقي بالسواني،

، وقوله: أعدت فتانًا، معناه: أصرت فتانًا".

• ومما روي في معنى قصة معاذ:

قال ابن حجر في التلخيص (2/ 38): "وروى الإسماعيلي من حديث عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا.

وهذا أحد الأحاديث الزائدة في مستخرج الإسماعيلي على ما في البخاري، وقال: إنه حديث غريب".

ص: 636

قلت: أخرجه الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 555)، قال: حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن السري بن يحيى التميمي ابن أخي هناد بن السري بالكوفة: حدثنا محمد بن إسحاق العامري: حدثنا عبيد الله، عن أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا.

وهذا إسناد غريب، الأسود هو ابن يزيد النخعي الكوفي، وابراهيم هو ابن يزيد النخعي الكوفي، ومغيرة هو ابن مقسم الضبي الكوفي، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وعبيد الله هو ابن موسى بن باذام العبسي الكوفي، والعامري هو البكائي الكوفي، وهم جميعًا: ثقات مشهورون، من رجال التهذيب، وأما شيخ الإسماعيلي فقال عنه ابن حماد الحافظ:"كان ثقة، وكان صاحب أخبار"، وقال الذهبي:"أثنى عليه ابن حماد الحافظ"[سؤالات حمزة السهمي (186)، تاريخ الإسلام (23/ 490)].

• ومن فقه الحديث:

في هذا الحديث جمل من مسائل العلم، منها:

1 -

جواز إمامة المتنفل للمفترض، وجواز ائتمام المفترض بالمتنفل:

قال الشافعي: "ونية كل مصلٍّ نية نفسه، لا يفسدها عليه أن يخالفها نية غيره، وإن أمَّه"، واحتج على هذا بالسنة، وبفعل الصحابة والتابعين، وبالقياس على: صلاة المقيم خلف المسافر، وصلاة المسبوق، وصلاة المتنفل خلف المفترض [الأم (2/ 349)].

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (137): "قلت: حديث معاذ رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤمُّ قومه؟ قال: لا أجد شيئًا يدفعه، إن ذهب ذاهب إليه لا ألومه. قال إسحاق: هذه سنة مسنونة، وهو بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف حين صلى ركعتين، وكل طائفة خلفه ركعوا ركعة".

وقال أبو داود في مسائله (311): "سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر، ثم جاء فنسي فتقدم يصلي بقوم تلك الصلاة، ثم ذكر لما أن صلى ركعة، فمضي في صلاته؟ قال: لا بأس"، فهو على هذا يصحح اقتداء المفترض بالمتنفل.

وكذا نقل الجواز عن أحمد: إسماعيل بن سعيد [المغني (2/ 30)، الفتح لابن رجب (4/ 226)].

لكن وقع في مسائل ابن هانئ (316 و 317)، قال: "سألته عن حديث معاذ في الصلاة؟ فقال: أما ابن عيينة، فإنه يقول: ما خُبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكان معاذ يصلي ولا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أذهب إليه، ولا يعجبني أن يجمع بين فرضين.

سألته عن حديث أبي الدرداء: أنه صلى المغرب؟ قال: ذاك فرضين مختلفين.

قيل له: إذا صلى جماعة يؤم قومًا؟ قال: لا".

وقال إبراهيم الحربي: "وسئل أحمد عن رجل صلى في جماعة: أيؤم بتلك الصلاة؟

ص: 637

قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد. قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب، وإذا ثبت فله معنى دقيق، لا يجوز مثله اليوم" [طبقات الحنابلة (1/ 92)].

وكذا نقل عدم الجواز عن أحمد: أبو الحارث وحنبل والمروذي [المغني (2/ 30)، الفتح لابن رجب (4/ 227 و 228)].

قلت: قد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على فعل معاذ، وأقره على ذلك، وهو حديث صحيح ثابت، لا اضطراب فيه، ولم ينفرد ابن عيينة بهذا السياق، فقد تابعه عليه: شعبة، وسَلِيم بن حيان الهذلي، وحماد بن سلمة، وتفرُّد عمرو بن دينار بذلك لا يضره، فهو حديث صحيح لا شك في صحته، اتفق على تصحيحه الشيخان وغيرهما، وتقدم بيان ذلك في أثناء حديث عمرو بن دينار، لكن معاذًا لم يكن يصلي فرض العشاء في اليوم مرتين، وإنما كان يصلي فرضه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي بقومه تطوعًا، وهي لهم فريضة، والقول بأن هذا كان في أول الإسلام، أو كان لقلة من يحفظ كتاب الله: فهو قول ضعيف جدًّا، وقد أنكره ابن حزم في المحلى إنكارًا شديدًا، وساق في رده حجة قوية، فلينظر [وانظر أيضًا: مسائل ابن هانئ (302)، المغني (2/ 30)، فتح الباري لابن رجب (4/ 229)].

وقد ذهب ابن قدامة في المغني (2/ 30) إلى أن رواية الجواز عن أحمد: أصح، واحتج لها بحديث معاذ، وحديث صلاة الخوف.

وترجم البخاري لحديث معاذ بقوله: "باب: إذا صلى ثم أمَّ قومًا"، قال ابن رجب في الفتح (4/ 226):"مراده بهذا: أن اقتداء المفترض بالمتنفل صحيح، استدلالًا بهذا الحديث".

وقال الترمذي: "والعمل على هذا عند أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا أمَّ الرجل القوم في المكتوبة وقد كان صلاها قبل ذلك أن صلاة من ائتم به جائزة".

وبوَّب عليه النسائي بقوله: "اختلاف نية الإمام والمأموم".

وقال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 64 و 65): "باب إباحة ائتمام المصلي فريضة بالمصلي نافلة، ضد قول من زعم من العراقيين أنه غير جائز أن يأتم المصلي فريضة بالمصلي نافلة"، ثم قال:"باب ذكر البيان أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فريضة، لا تطوعًا؛ كما ادعى بعض العراقيين".

وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 219): "وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فقالت طائفة بظاهر هذين الحديثين، وممن قال ذلك: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وبه قال: الشافعي، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، وقال بمثل هذا المعنى الأوزاعي.

وقالت طائفة: كل من خالفت نيته نية الإمام في شيء من الصلاة لم يعتد بما صلى معه، واستأنف، هذا قول: مالك بن أنس، وروي معنى ذلك عن الحسن البصري، وأبي قلابة، وبه قال: الزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وحكي أبو ثور عن الكوفي أنه قال:

ص: 638

إن كان الإمام متطوعًا لم يُجْزِ من خلفه الفريضة، كان كان الإمام مفترضًا وكان من خلفه متطوعًا كانت صلاتهم جائزة .....

قال: وبالذي دل عليه خبر معاذ بن جبل، وخبر جابر بن عبد الله نقوله، وكان مؤديًا ما نوى، ولا تفسد صلاتي بصلاة غيري، ولا تنفعني نية غيري".

واحتج ابن حبان بهذا الخبر على أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم نافلة، وهي لهم فريضة، قال ابن حبان:"ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن معاذًا لم يكن يؤم قومه بصلاة العشاء التي كانت فرضه المؤداة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال أيضًا:"ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن معاذًا كان يصلي بالقوم فرضه لا نفله".

وقال ابن شاهين في الناسخ (250): "وأما حديث معاذ: فإنه كان يصلي فريضة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه وكان إمامهم فيصلي بهم، فتكون له نافلة ولهم فريضة، ولا خلاف بين أهل النقل للحديث أنه حديث صحيح الإسناد.

وقد اختلف الفقهاء هل تجوز الصلاة إذا اختلفت النيتان: نية الإمام والمأموم، أم لا؟ فأجازها قوم، وردها آخرون، وسمعت أحمد بن سلمان الفقيه يقول: سمعت إبراهيم بن إسحاق، يسأله رجل من أهل خراسان: إذا صلى الإمام تطوعًا ومن خلفه فريضة؟ قال: لا يجزيهم، قال: فأين حديث معاذ بن جبل؟ قال إبراهيم الحربي: حديث معاذ قد أعيا القرون الأولى".

وقال ابن بطال في شرح البخاري (2/ 338): "وأما معاذ فإنه كان يصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فرضه، لا يجوز غير ذلك لقوله عليه السلام: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، فكيف يجوز أن ينويها نافلة فيخالف أمره عليه السلام، ويرغب عن أداء فرضه معه، مع علمه بفضل صلاته معه"، ثم احتج برواية ابن جريج، عن عمرو بن دينار، وفيها:"هي له تطوع، ولهم فريضة"، ثم ساق كلام الطحاوي بخلاف ذلك في المسألة.

وقال ابن حزم في المحلى (4/ 223 - 231): "ولا نبالي باختلاف نيَّة الإمام والمأموم، وجائزٌ صلاة الفرض خلف المتنفِّل، والمتنفِّل خلف من يصلي الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى، كل ذلك حسن وسنَّة".

وقال أيضًا: "وإنما يجب الكلام في وجوب اتفاق نية الإمام والماموم، أو في سقوط وجوبه، فإذا سقط وجوبه صحت المسائل التي ذكرنا كلها؛ لأنها مبنية على هذا الأصل، ومُنْتَجة منه"، ثم قال:"إنه لم يأت قط قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم، وكل شريعة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع فهي غير واجبة، وهذه شريعة لم يوجبها شيء مما ذكرنا؛ فهي باطل، ثم البرهان يقوم على سقوط وجوب ذلك، وقد كان يكفي من سقوطه عدم البرهان على وجوبه"، إلى أن قال:"فإن قالوا: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، قلنا: نعم، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 639

هذا الخبر نفسه المواضع التي يلزم الائتمام بالإمام فيها، وهي قوله عليه السلام:"فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا"، فهاهنا أمر عليه السلام بالائتمام فيه، لا في النية التي لا سبيل إلى معرفتها لغير الله تعالى، ثم لناويها وحده".

وقال في الرد على من ادعى أن معاذًا كان يجعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نافلة، وصلاته بقومه فريضة، أو ادعى أنه لا يُعلم حقيقة فعل معاذ، وأيًّا من الصلاتين نوي بها الفرض، قال ابن حزم في الوجه الثالث من وجوه إبطال هذا القول:"والثالث: أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا إلا المكتوبة"، ويقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، ثم يكون معاذ -وهو من أعلم هذه الأمة بالدِّين- يضيِّع فرضَ صلاته الذي قد تعيَّن عليه، فيترك أداءه، ويشتغل بالتنفل، وصلاة الفرض قد أقيمت، حتى لا يدرك منها شيئًا، لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلَيْتَ شِعْري إلى من كان يؤخِّر معاذ صلاةَ فرضِه حتى يصليها معه، راغبًا عن أن يصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتِّباعا لرأي أبي حنيفة ومالك، ألا إن هذا هو الضلال المبين، قد نزَّه الله تعالى معاذًا عنه عند كل ذي مسكة عقل".

ثم قال في الوجه الخامس: "أن يقال لهم: إذ جوزتم لمعاذ ما لا يجوز عندكم، من أن يصلي نافلةً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ لم يصل ذلك الفرض بعدُ، وهو عليه السلام يصلي فرضه، فأيُّ فرق في شريعة أو في معقول بين صلاة نافلة خلف مصلي فريضة، وبين ما منعتم منه من صلاة فرض خلف المصلي نافلة، وكلاهما اختلاف نية الإمام مع المأموم، ولا فرق، فهلا قاسوا أحدهما على الآخر".

وقال البيهقي في المعرفة (2/ 366): "والأصل أن ما كان موصولًا بالحديث يكون منه، وخاصة إذا روي من وجهين؛ إلا أن تقوم دلالة على التمييز، فالظاهر أن قوله: "هي له تطوع، وهي لهم مكتوبة" من قول جابر بن عبد الله، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى لله من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم.

وحين حكى الرجل فعل معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر منه إلا التطويل، ويفصل الحال عليه في الإمامة، ولو كان فيها تفصيل لعلمه إياه كما علمه ترك التطويل".

وقال نحوه في الخلافيات [مختصر الخلافيات (2/ 296)]، وفيه:"ولما شكا الرجل من معاذ تطويله صلاته: لم يفصِّل النبي صلى الله عليه وسلم الحال في الإمامة، ولو كان تفصيل بين أن يكون الإمام متطوعًا أو مؤديًا فرضًا لاستفصل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: وعلى هذا فإن عدم استفصال النبي صلى الله عليه وسلم من معاذ هل كان متنفلًا بصلاته أم مفترضًا، مع إنكاره عليه التطويل بقوله صلى الله عليه وسلم: "أفتان أنت،

" ينزل منزلة العموم، للقاعدة: إن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، والله أعلم.

ص: 640

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 171): "ومحال أن يرغب معاذ عن صلاة الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاته مع قومه، وهو يعلم فضل ذلك، وفضل صلاة الفريضة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفه صلى الله عليه وسلم، والدليل على صحة هذا التأويل أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، فنهى أصحابه وسائر أمته أن يشتغلوا بنافلة إذا أقيمت المكتوبة، فكيف يظن بمعاذ أن يترك صلاة لم يصلها بعد، ولم يقض ما افترض عليه في وقتها، ويتنفل، وتلك تقام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم قد قال لهم: لا صلاة إلا المكتوبة التي تقام، وقد روى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر: أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، هي له تطوع، ولهم فريضة، وهذا نص في موضع الخلاف".

وقال في التمهيد (24/ 368) عن حديث معاذ من رواية ابن جريج بالزيادة: "وهو حديث ثابت صحيح، لا يختلف في صحته"، إلى أن قال:"وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء، وفي ذلك دليل على أن النيات لا تراعي في ذلك والله أعلم".

وقال البغوي في شرح السنة (3/ 435): "وفيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لأن معاذًا كانت صلاته الثانية نافلة، وصلاة القوم خلفه فريضة، وهو قول: عطاء، وطاوس، وبه قال: الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وذهب هؤلاء إلى أن اختلاف نية الإمام والمأموم لا يمنع صحة صلاة المأموم.

وذهب أصحاب الرأي إلى أن اختلاف نية الإمام والمأموم يمنع صحة صلاة المأموم، إلا في موضع واحد، وهو أن يصلي التطوع خلف من يصلي الفريضة، قالوا: يجوز. وذهب قوم إلى أن اختلاف نيتهما يمنع صحة صلاة القوم بكل حال، وبه قال: الزهري، وربيعة، ومالك" [وانظر أيضًا: شرح السنة (3/ 73)].

وقال النووي في شرح مسلم (4/ 181): "ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم والكوفيون، وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم تنفلًا، ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ، وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها، فلا يترك ظاهر الحديث بها".

وقال في المجموع (4/ 238): "فإن قالوا: لعل معاذًا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نافلة وبقومه فريضة، فالجواب من أوجه: أحدها: أن هذا مخالف لصريح الرواية، الثاني: الزيادة التي ذكرناها: "هي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء"، صريح في الفريضة، ولا يجوز حمله على تطوع، الثالث: جواب الشافعي والخطابي وأصحابنا وخلائق من العلماء: أنه لا يجوز أن يظن بمعاذ مع كمال فقهه وعلو مرتبته أن يترك فعل فريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده، والجمع الكثير المشتمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي كبار المهاجرين والأنصار، ويؤديها في موضع آخر ويستبدل بها نافلة، قال الشافعي: كيف يظن أن معاذًا

ص: 641

يجعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لعل صلاة واحدة معه أحب إليه من كل صلاة صلاها في عمره ليست معه وفي الجمع الكثير نافلة، الرابع: جواب الخطابي وغيره: ولا يجوز أن يظن بمعاذ أنه يشتغل بعد إقامة الصلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه بنافلة، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"[انظر: معالم السنن للخطابي (1/ 147)][وقد رد بعض الشافعية على هذا الدليل الأخير من وجه ضعيف. انظر: الإعلام لابن الملقن (3/ 382)، الفتح لابن حجر (2/ 196)، والصحيح: أن الفريضة إذا أقيم لها تتعين على من لم يؤدها، فإذا أداها جاز له بعد ذلك أن يصليها نفلًا إذا أقيمت مرة أخرى، لأن الأولى قد أوقعها فرضًا؛ فبرئت بها الذمة، وسقطت عنه المطالبة، وصادفت الثانية محلًا خاليًا عن المطالبة بالفرض، وذمةً بريئةً من الواجب، فامتنع إيقاعها إلا نفلًا، كمن نوى الحج تطوعًا عن نفسه أو عن غيره، ولم يحج الفريضة، وقعت عن نفسه فرضًا، وكذا العكس].

وقال ابن الملقن في الإعلام (3/ 378): "في الحديث دلالة ظاهرة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو مذهب الجمهور، لأن معاذًا كان يصلي الفريضة مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسقط فرضه، ويصلي مرة ثانية بقومه، له تطوع، ولهم مكتوبة، وكذا جاء مصرحًا به في رواية الشافعي، ثم البيهقي".

• وقد احتج الأئمة في هذا المعني أيضًا بحديث جابر وأبي بكرة في صلاة الخوف ببطن نخل لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بكل طائفة ركعتين، وفي رواية لحديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، بطائفة منهم ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالأخرى ركعتين، ثم سلم [ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في سنن أبي داود برقم (1248)]، فكانت الطائفة الثانية مصلية فرضها، والنبي صلى الله عليه وسلم متنفل، قال الشافعي:"والآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، وللآخرين فريضة"، والله أعلم.

[وانظر أيضًا: شرح المعاني (1/ 408)، الحاوي الكبير للماوردي (2/ 317)، المعرفة للبيهقي (2/ 369)، مختصر الخلافيات (2/ 294)، التمهيد لابن عبد البر (24/ 368)، الاستذكار (2/ 170)، المبسوط للسرخسي (1/ 136)، عارضة الأحوذي (3/ 54)، بدائع الصنائع (1/ 143)، المغني (2/ 30)، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 76)، شرح مسلم للنووي (4/ 183)، المجموع شرح المهذب (4/ 236)، فتح القدير لابن الهمام (1/ 371)، الذخيرة (2/ 243)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 296)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 375 - 389)، نصب الراية (2/ 52)، طرح التثريب (2/ 239 - 248)، المبدع (2/ 80)].

• وأما صلاة المتنفل خلف المفترض، فقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازها، فقال في التمهيد (24/ 368):"وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء"، وقد أنكر ابن دقيق العيد على من نقل عن مالك المنع من ذلك [إحكام الأحكام (1/ 297)].

ص: 642

والأدلة على هذا المعنى كثيرة، منها:

1 -

حديث أبي ذر: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة؟ "، أو قال:"يؤخرون الصلاة؟ " قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّها، فإنها لك نافلة"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (431).

2 -

حديث يزيد بن الأسود: "إذا صلى أحدكم في رَحْله، ثم أدرك الإمام ولم يُصلِّ، فَلْيُصَلِّ معه، فإنها له نافلةٌ"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (575).

3 -

حديث أبي سعيد: "ألا رجلٌ بتصدَّق على هذا فيصلِّيَ معه"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (574).

ولهذه الأحاديث شواهد في معناها تقدم ذكرها في موضعها، وإنما ذكرت أصل الدليل فقط، وتكلمت على فصل من هذه المسألة تحت الحديث رقم (578).

• ومن فوائد حديث معاذ أيضًا:

2 -

جواز الصلاة في اليوم مرتين إذا كانت إحداهما فريضة، والأخرى نفلًا، لفعل معاذ رضي الله عنه، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة تحت الحديث رقم (579).

3 -

جواز مفارقة المأموم للإمام، وإتمام صلاته منفردًا؛ إذا كان لعذر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجل الذي خرج من صلاة معاذ لما أظهر عذره، ولا أمره بالإعادة، قال البغوي في شرح السنة (3/ 73):"وفيه دليل على أن الخروج عن متابعة الامام بالعذر لا يفسد الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بإعادة الصلاة حين أخبره أنه فارق معاذًا في الصلاة"، وقال ابن قدامة في المغني (2/ 34):"ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة، ولا أنكر عليه فعله"[انظر: الأوسط لابن المنذر (4/ 200)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 332)، شرح مسلم للنووي (4/ 182)، البدر المنير (4/ 493)].

4 -

أن أحق القوم بالإمامة أقرؤهم وأفقههم، فقد كان يصلي خلف معاذ جماعة من الصحابة نص عليهم ابن حزم في المحلى، منهم: جابر بن عبد الله راوي حديثه هذا [انظر: طرح التثريب (2/ 239)].

5 -

أن من كفَّر أخاه متأولًا لم يكفر بذلك، وكان معذورًا، فلم يدخل تحت الوعيد المذكور في الحديث:"إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما"، قال ابن بطال في شرح البخاري (9/ 291):"وكذلك عذر عليه السلام معاذًا حين قال للذي خفف الصلاة وقطعها خلفه إنه منافق؛ لأنه كان متأولًا؛ فلم يكفر معاذ بذلك".

وقال البيهقي: "ومن كفَّر مسلمًا على الإطلاق بتأويل لم يخرج بتكفيره إياه بالتأويل عن الملة"، واحتج بحديث معاذ هذا، ثم قال: "والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزد معاذًا على أن أمره

ص: 643

بتخفيف الصلاة، وقال:"أفتان أنت؟ " لتطويله الصلاة"، إلى أن قال: "وإنما يكفُر من كفَّر مسلمًا بغير تأويل" [السنن الكبرى (10/ 208)].

6 -

وفيه الإنكار على من ارتكب ما ينهي عنه، وإن كان مكروهًا غيرَ محرم [شرح مسلم للنووي (4/ 183)].

7 -

وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام [شرح مسلم للنووي (4/ 183)].

8 -

وفيه الأمر بتخفيف الصلاة، والتعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون [شرح السنة (3/ 73)، شرح مسلم للنووي (4/ 183)].

9 -

شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، والحرص على تألفهم، وصرف المشقة عنهم [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 603)].

10 -

وفيه أن على الإمام أن يراعي حال المأمومين، ففي هذه الواقعة أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ تطويله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أطال في بعض الصلوات، فيحمل هذا على علمه بحال الصحابة أنه لا يشق عليهم [انظر: الإعلام (2/ 605)].

11 -

قد تُراعى مصلحة الواحد -من باب سد الذرائع-، إذا كانت ستؤدي إلى اقتداء الناس بفعله، واسترسالهم معه، حتى يقع الإخلال بالجماعة [انظر: الإعلام (2/ 606)].

12 -

وفيه التنبيه على ترك التشديد في العبادة، مما قد يؤدي إلى حصول الملل والسآمة، ومن ثم إلى الانقطاع عن العبادة، كما وقع من هذا الرجل الذي فارق معاذًا [الموافقات (1/ 342) و (2/ 136)].

• وتنبيه: العجب ممن رد حديث معاذ، مع ظهور صحته ظهورًا لا يخفى على أحد، وتسليم المخالف له بذلك، ثم هو يجتهد في تأويله بوجوه من التأويل الباطل، كل ذلك لأجل عدم مخالفة أصول إمامه، فقدَّم أصولًا أصلوها، وقواعدَ ارتضوها، على متابعة السنة، والإذعان لما دلت عليه، وما درى أنه كان من الواجب عليه أن يعيد النظر في هذه الأصول لتوافق المنقول، لا أن يَعرض المنقولَ على المعقول، فإن وافقه وإلا رده! نسأل الله التوفيق والسداد، ونعوذ به من الخذلان والضلال.

***

ص: 644