الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مختصر الخرقي (1/ 296)، فتح الباري لابن رجب (3/ 569 - 584)، القواعد لابن رجب (3/ 270)، فتح الباري لابن حجر (2/ 119)، المبدع (2/ 50)، مغني المحتاج (1/ 260)، نهاية المحتاج (2/ 241)، شرح منتهى الإرادات (1/ 263)، كشاف القناع (1/ 462)، الخرشي على مختصر خليل (2/ 46)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 346)، السيل الجرار (1/ 266).
***
56 - باب في الجَمع في المسجد مرتين
574 -
وهيب، عن سليمان الأسودِ، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده، فقال:"ألا رجلٌ يتصدَّق على هذا فيصلِّيَ معه".
• حديث صحيح.
أخرجه الدارمي (1/ 1368/367 و 1369)، وابن حبان (6/ 157 و 158/ 2397 و 2398)، وابن الجارود (330)، والحاكم (1/ 209)، وأحمد (3/ 64)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 215/ 2056)، والطبراني في الصغير (1/ 363 و 397/ 606 و 665)، والبيهقي في السنن (3/ 68 و 69)، وفي المعرفة (2/ 136 و 342 و 343/ 1072 و 1439 و 1440)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 395)، والبغوي في شرح السنة (3/ 859/436)، والرافعي في التدوين (2/ 257 - 258)، والمزي في التهذيب (12/ 110).
هكذا رواه موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي [ثقة ثبت]، وسليمان بن حرب [ثقة حافظ]، عن وهيب.
ورواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت][واللفظ له]، وعبد الله بن معاوية الجمحي [ثقة]، عن وهيب به، فقالا في أوله: أن رجلًا دخل المسجد، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
…
فذكره. فاستفدنا من هذه الزيادة الثابتة وقوع ذلك في المسجد النبوي بعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه.
• وخالفهم في إسناده: أحمد بن إسحاق الحضرمي، قال: نا وهيب، عن خالد الحذاء، عن سليمان الأسود، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، أن رجلًا جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه".
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 343/ 2174) بإسناد صحيح إلى الحضرمي.
قال الطبراني: "لم يدخل بين وهيب وسليمان الأسود خالدًا الحذاء أحد ممن روى هذا الحديث عن وهيب إلا أحمد بن إسحاق الحضرمي".
قلت: أحمد بن إسحاق الحضرمي: ثقة، يحفظ حديثه، ولعله وهم من غيره ممن هو
دونه، حيث جعل الراوي "وهيب بن خالد":"وهيب، عن خالد"، هكذا جعل الرجل رجلين، ثم ألحق بالثاني لقبه تعريفًا له.
قال الطبراني في الصغير: "لا يُروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد".
• قلت: لم ينفرد به وهيب بن خالد [وهو: ثقة ثبت]، فقد تابعه عليه:
1 -
علي بن عاصم [صدوق، كثير الوهم]: أنا سليمان الناجي: أنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر، قال: فدخل رجل من أصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما حبسك يا فلان عن الصلاة؟ " قال: فذكر شيئًا اعْتَلَّ به، قال: فقام يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يتصدق على هذا؛ فيصلي معه" قال: فقام رجل من القوم فصلى معه.
أخرجه أحمد (3/ 85).
2 -
سعيد بن أبي عروبة:
رواه عبدة بن سليمان، ومحمد بن أبي عدي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، ومحمد بن بشر العبدي، ومحمد بن جعفر غندر:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن سليمان الناجي، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من [وفي رواية: أيكم] يتجر على هذا؟ " فقام رجل فصلى معه.
أخرجه الترمذي (220)، وابن خزيمة (3/ 63 - 64/ 1632)، وابن حبان (6/ 158/ 2399)، وأحمد (3/ 5 و 45)، وابن أبي شيبة (2/ 112/ 7097) و (7/ 290/ 36179)، وعبد بن حميد (936)، وأبو يعلى (2/ 321/ 1057)، والبيهقي (3/ 69)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 395)، وابن الجوزي في التحقيق (755).
وانظر فيمن وهم فيه على ابن أبي عروبة وغيره: علل الدارقطني (11/ 348/ 2331).
قال الترمذي في الجامع: "وحديث أبي سعيد: حديث حسن.
وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة، وبه يقول: أحمد وإسحاق.
وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول: سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، يختارون الصلاة فرادى.
وسليمان الناجي: بصري، ويقال: سليمان بن الأسود، وأبو المتوكل: اسمه علي بن داود".
وأما في العلل الكبير (93)، فقد سأل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال البخاري:"سليمان الأسود هو: سليمان الناجي، وقد روى عن أبي المتوكل غير هذا الحديث".
فلم يضعفه البخاري، ولم يعله بشيء، بل في كلامه تنبيه على كون سليمان الناجي معروف بالرواية عن أبي المتوكل، والله أعلم.
وقال العباس الدوري في تاريخ ابن معين (3/ 206/ 959): "قلت ليحيى: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ قال: لا بأس أن يفعل".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 26): "وقد قواه الإمام أحمد، وأخذ به".
وقال ابن المنذر (4/ 218): "وحديث أبي سعيد: ثابت".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، سليمان الأسود هذا هو: سليمان بن سحيم، قد احتج مسلم به وبأبي المتوكل، وهذا الحديث أصل في إقامة الجماعة في المساجد مرتين".
فتعقبه ابن حجر في الإتحاف (5/ 361/ 5584) بقوله: "نعم احتج مسلم بسليمان بن سحيم، وليس هو راوي هذا الحديث، قد فرق بينهما البخاري، وغير واحد، لكنهما جميعًا ثقتان".
وقال النووي في المجموع (4/ 195 و 202): "حديث صحيح".
وصححه ابن حجر في الفتح (2/ 142).
لكن قال الطحاوي في اختلاف العلماء (1/ 252 - مختصره): "وهذا لا حجة فيه؛ لأنه لم يذكر أنه كان في مسجد قد صلى فيه أهله، وفي إسناده: سليمان الناجي، وهو غير معروف".
قلت: وقع في رواية وهيب بن خالد، وعلي بن عاصم، وسعيد بن أبي عروية: أن الرجل دخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى فيه بأصحابه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم حث رجلًا من أصحابه ممن صلى معه أن يقوم فيتصدق عليه فيصلي معه.
وسليمان الأسود الناجي هذا: رجل معروف، روى عنه جماعة من الثقات المشاهير، وسمع من ابن سيرين، وأبي المتوكل الناجي، قال ابن سعد:"كان نازلًا في بني ناجية، وكانت عنده أحاديث"، وقال ابن معين:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن المديني، وأحمد بن صالح، وغيرهما [التاريخ الكبير (4/ 3)، علل الترمذي الكبير (93)، الجرح والتعديل (4/ 153)، الثقات (6/ 382 - 383)، طبقات ابن سعد (7/ 283)، سؤالات الآجري (394)، إكمال ابن ماكولا (1/ 470)، التهذيب (2/ 113)، إكمال مغلطاي (6/ 106)].
وعليه: فهو حديث صحيح، والله أعلم.
• ومن شواهده:
1 -
عن أبي أمامة:
يرويه عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: أن رجلًا أخذ يصلي وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يتصدق على هذا"، فقام رجل فصلى معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذان جماعة".
أخرجه أحمد (5/ 254 و 269)، وأبو يعلى (3/ 697/ 408 - مطالب)، والطبراني في الكبير (8/ 212/ 7857).
قلت: هذا إسناد واهٍ جدًّا، قال ابن حبان:"إذا اجتمع في إسناد خبر: عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم"، وقد ضعف هذه السلسلة جماعة من الأئمة منهم: ابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني [التهذيب (3/ 10)، المجروحين (2/ 63)].
قال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 206): "وهذا سند واهٍ جدًّا".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 52) عن حديث أبي أمامة: "في إسناده ضعف، والمرسل أشبه"، وضعفه ابن حجر في التلخيص (3/ 1348/82).
• وله طريق أخرى يرويها:
الحسن بن دينار، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: جاء رجل ولم يدرك الصلاة
…
فذكره بنحوه.
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 248/ 7974).
وهذا باطل من حديث أبي أمامة، فإن جعفر بن الزبير الباهلي الدمشقي: متروك، ذاهب الحديث، قال ابن حبان: "يروي عن القاسم وغيره أشياء كأنها موضوعة،
…
، وروى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: نسخة موضوعة" [التهذيب (1/ 304)، المجروحين (1/ 212)]، والحسن بن دينار: متروك، كذبه غير واحد [اللسان (3/ 40)]، وشيخ الطبراني: يجهل.
والصواب: مرسل، وهو ما رواه:
الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، وزيد بن واقد، عن مكحول.
ويحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن.
قالا: دخل رجل المسجد ولم يدرك الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يتصدق على هذا، فيتم له صلاته" فقام رجل فصلى معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وهذه من صلاة الجماعة". هكذا مرسل.
أخرجه أبو داود في المراسيل (26).
وهذا مرسل بإسناد شامي صحيح إلى مكحول والقاسم.
• وروي من وجه آخر، مرسلًا أيضًا:
يرويه هشام بن سعيد: ثنا ابن المبارك، عن ثور بن يزيد، عن الوليد بن أبي مالك، قال: دخل رجل المسجد فصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه" قال: فقام رجل فصلى معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذان جماعة".
أخرجه أحمد (5/ 269).
وهذا إسناد صحيح إلى الوليد بن أبي مالك، وهو الوليد بن عبد الرحمن بن هانئ، وهو شامي ثقة، يروي عن التابعين، مثل: القاسم بن عبد الرحمن، وأبي إدريس الخولاني، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال:"يروي عن جماعة من الصحابة"،
وقال الدارقطني: "تابعي متأخر"[التاريخ الكبير (8/ 147)، الجرح والتعديل (9/ 19)، الثقات (5/ 492)، تاريخ دمشق (63/ 153)، تهذيب الكمال (31/ 40)، التهذيب (4/ 318)].
• ورواه محمد بن العلاء: أخبرنا هشيم: حدثنا الخصيب بن زيد، عن الحسن،
…
في هذا الخبر: فقام أبو بكر رضي الله عنه فصلى معه، وقد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود في المراسيل (27)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 69).
وإسناده صحيح إلى الحسن البصري، لكنه مرسل، وعلى هذا فإن تسمية الصحابي الذي قام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم تثبت تسميته من وجه صحيح متصل، والله أعلم.
قال أبو داود: "روى هذا الحديث بهذا المعنى أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبو عثمان النهدي، وأبو العلاء بن الشخير، وأبو أيوب الأزدي".
• وما رُوي بلفظ: "هذان جماعة"، أو:"اثنان فما فوقهما جماعة" فلا يصح منه شيء، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى تحت الحديث رقم (611)، وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 142)، التلخيص الحبير (3/ 1348/81).
2 -
عن سلمان:
يرويه أبو بكر البزار (6/ 500/ 2538)، وعنه: الطبراني في الكبير (6/ 254/ 6140)[وقد تصحف فيه شيخ البزار].
قال البزار: حدثنا محمد بن أشرس، قال: أخبرنا أبو جابر محمد بن عبد الملك، قال: أخبرنا الحسن بن أبي جعفر، عن ثابت، عن أبي عثمان، عن سلمان رضي الله عنه: أن رجلًا دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى، فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه".
وهذا باطل من حديث سلمان، ومن حديث ثابت البناني، الحسن بن أبي جعفر: منكر الحديث [انظر: التهذيب (1/ 386)، الميزان (1/ 482)]، وأبو جابر محمد بن عبد الملك: قال أبو حاتم: "ليس بقوي"، وذكره ابن حبان في الثقات [اللسان (7/ 316)]، وشيخ البزار: محمد بن أشرس السلمي: متهم في الحديث، تركه الحافظ ابن الأخرم، وقال:"لا يحل الرواية عنه"، وقال البيهقي:"متروك الحديث"، وقال أيضًا:"محمد بن أشرس هذا مرمي بالكذب، ولا يحتج بروايته إلا من غلب عليه هواه"، وقال مرة أخرى:"ضعيف بمرة"، وقال رابعة:"وكان يضع الحديث"، وضعفه أيضًا الدارقطني وغيره، وخفي أمره على بعضهم فمشاه [الإرشاد (3/ 827)، شعب الإيمان (7/ 432/ 10865)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (348 و 353)، مختصر الخلافيات (2/ 109) و (3/ 239)، اللسان (6/ 579)].
وهذا إنما يُعرف عن أبي عثمان النهدي مرسلًا.
• فقد رواه الثوري، وهشيم، ومعمر:
عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلى وحده، فقال:"من يتصدق على هذا فيصلي معه".
ولفظ هشيم: دخل رجل المسجد وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
…
فذكره.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 3427/294 و 3428)، وابن أبي شيبة (2/ 112/ 7098)، والدارقطني في العلل (11/ 349/ 2331).
فهو مرسل بإسناد صحيح، وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل: ثقة ثبت، مخضرم، من كبار الطبقة الثانية.
وانظر في الأوهام: أطراف الغرائب والأفراد (3/ 131/ 2242).
3 -
عن أنس بن مالك:
يرويه عمر بن محمد بن الحسن الأسدي: ثنا أبي: نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن رجلًا جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام يصلي وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من يتجر على هذا، فيصلي معه".
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1289)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1251)، والطبراني في الأوسط (7/ 207/ 7286)، والدارقطني (1/ 276)، والضياء في المختارة (5/ 52 و 53/ 1670 و 1671).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسدي".
قلت: لا يثبت مثله، لتفرد محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي به عن حماد بن سلمة دون أصحابه الثقات المشهورين بالرواية عنه، فلم يتابع عليه لا عن حماد، ولا عن ثابت، ولا عن أنس، ومثله لا يقبل تفرده بمثل هذا، فإن قيل: أخرج له البخاري في صحيحه من رواية ابنه عنه، فيقال: إنما أخرج له حديثين فقط، وقد توبع عليهما [انظر: صحيح البخاري (1485 و 1491 و 3072) و (3816 و 3817 و 3818 و 5229 و 6002 و 7484)]، فإن قيل: قد أتى فيها بزيادات اعتمدها البخاري، ولم يتابع الأسدي عليها، فيقال: قد توبع على أصل الحديث، ولعل البخاري اطلع على ما تطمئن نفسه إلى ثبوت هذه الزيادة من طريقه، فاعتمدها في صحيحه [وانظر: فتح الباري (7/ 137)، النكت الظراف بهامش التحفة (12/ 127)] والأسدي: لا بأس به، وله أوهام، وقد ضعفه بعضهم، وله أفراد لا يتابع عليها، فليس هو بالحافظ الذي يعتمد على حفظه، ولا هو من أصحاب حماد بن سلمة ممن يحتمل منهم التفرد [التهذيب (3/ 541)، هدي الساري (438)، الميزان (3/ 512)].
وعليه فقول الزيلعي في نصب الراية (2/ 57): "وسنده جيد"، ليس بجيد.
• فإن قيل: رُوي عن أنس من وجه آخر، فيقال: لا يصلح مثله في المتابعات:
فقد روى ابن عدي في كامله (4/ 338 - 339)، قال: ثنا أحمد بن محمد بن سهل الخالدي [شيخ مقِلٌّ لابن عدي، وابن حبان، وأحمد بن سعيد بن معدان، لم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا. الثقات (6/ 27) و (8/ 352)]: ثنا محمد بن عبدة بن الحكم [قال الدارقطني:
"مروزي، ثقة، وأبوه: ثقة". سؤالات البرقاني (450)، الجرح والتعديل (8/ 17)]: أخبرنا أبي، وأبو معاذ [هو الفضل بن خالد الباهلي المروزي النحوي: ذكره ابن حبان في الثقات (9/ 5)، الجرح والتعديل (7/ 61)، تاريخ الإسلام (15/ 339)]، قالا: أخبرنا أبو حمزة [هو السكري، محمد بن ميمون: مروزي، ثقة]: ثنا محمد بن عبيد الله [لم أميزه، وإما أن يكون تصحف عن محمد بن عبد الله، وهو الأنصاري، أو يكون هو العرزمي المتروك]، عن عباد بن منصور، قال: رأيت أنس بن مالك دخل مسجدًا بعد العصر، وقد صلى القوم، ومعه نفر من أصحابه فأمَّهم، فلما انفتل قيل له: أليس يُكره هذا؟ فقال: دخل رجل المسجد، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فقام قائمًا ينظر، فقال:"ما لك؟ " قال: أريد أن أصلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يصلي مع هذا"، فدخل رجل، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا جميعًا.
قلت: إسناده غريب، ليس بالقائم، لم يعرفه إلا المراوزة، وعباد بن منصور: ليس بالقوي، له أحاديث منكرة [التهذيب (2/ 282)]، وذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحدًا من الصحابة [جامع التحصيل (206)، تحفة التحصيل (168)].
وهو حديث منكر بهذا السياق.
والمعروف عن ثابت عن أنس في هذا: أنه صلى بأصحابه بمسجد قد صلى فيه أهله، ويأتي ذكره قريبًا.
4 -
عن عصمة بن مالك الخطمي:
يرويه خالد بن عبد السلام الصدفي: ثنا الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك الخطمي، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى الظهر، وقعد في المسجد، إذ جاء رجل فدخل يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يتصدق على هذا يصلي معه".
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 181/ 479)، والدارقطني (1/ 277)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (756).
وهذا حديث باطل؛ الفضل بن المختار: أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، عامة ما يرويه لا يتابع عليه [اللسان (6/ 352)]، وشيخ الطبراني، وهو الراوي عن الصدفي: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)]، والراوي عن الصدفي عند الدارقطني: إسحاق بن داود بن عيسى المروزي: ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 374)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وأما خالد بن عبد السلام الصدفي المصري: فقال فيه أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال ابن يونس:"ثقة"[الجرح والتعديل (3/ 342)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 62)، تاريخ الإسلام (18/ 254)].
وأحاديث عصمة بن مالك هذا أخرجها الطبراني، والدارقطني، وغيرهما، ومدارها
على الفضل بن المختار، فلا يثبت له حديث [انظر: معجم الصحابة لابن قانع (2/ 294)، المعجم الكبير (17/ 178 - 187)، الكامل (6/ 14)، معرفة الصحابة (4/ 2145)، الإصابة (4/ 504)، وغيرها].
قال الهيثمي في المجمع (2/ 46): "ولا يصح عن عصمة حديث".
• ومما جاء من آثار في هذا المعنى:
1 -
عن أنس:
رواه يونس بن عبيد، قال: حدثني أبو عثمان اليشكري، قال: مر بنا أنس بن مالك، وقد صلينا صلاة الغداة، ومعه رهط، فأمر رجلًا منهم فأذن، ثم صلوا ركعتين قبل الفجر، قال: ثم أمروه فأقام، ثم تقدم فصلى بهم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 3418/292)، وابن أبي شيبة (2/ 111/ 7094)، والبيهقي (3/ 70).
ورواه حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، قال: مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فقال: أصليتم؟ قال: قلنا: نعم، وذاك صلاة الصبح، فأمر رجلًا فأذن وأقام، ثم صلى بأصحابه.
أخرجه أبو يعلى (7/ 315/ 4355)، وابن المنذر (3/ 61/ 1236)، وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، قبل الحديث رقم (645)، ووصله ابن حجر في التغليق (2/ 276) من طريق أبي يعلى، وقال:"هذا إسناد صحيح موقوف".
وتابعهما: إسماعيل بن علية، وجعفر بن سليمان، فروياه عن الجعد به نحوه:
أخرجه عبد الرزاق (2/ 291/ 3417)، وابن أبي شيبة (1/ 200/ 2298) و (2/ 112/ 7095)، وابن المنذر (3/ 61/ 1235) و (4/ 215/ 2057).
وهذا موقوف على أنس بإسناد صحيح على شرط الشيخين، الجعد بن دينار اليشكري، أبو عثمان البصري: ثقة، روى له الشيخان عن أنس.
وله طريق أخرى عند البيهقي (3/ 70)، وفي إسناده محمد بن الحسن بن كوثر أبو بحر البربهاري: وهو واهٍ، متهم بالكذب [اللسان (7/ 77)].
ورواه بعض الضعفاء عن الجعد عن أنس به، وزاد فيه زيادة منكرة، انظر: مسند أبي يعلى (7/ 313/ 4352)، الدعاء للطبراني (657).
• ورواه سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس: أنه دخل [مسجد] البصرة، وقد صلى أهله، ومعه قوم فسأل، فقالوا: قد صلينا، فأمر بإقامة الصلاة، وقد تقدم، فصلى بمن معه.
أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 395).
وإسناده صحيح، موقوف على أنس.
وله طريق أخرى عن أنس، انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 112/ 7104).
وقد روى بعض الضعفاء هذه القصة عن أنس وزاد فيها قصة حديث أبي سعيد وزاد فيه أيضًا زيادة منكرة، وتقدم.
2 -
عن ابن مسعود:
رواه إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل: أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا، فجمع بعلقمة ومسروق والأسود.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7107/112)، ومن طريقه: ابن المنذر (4/ 2058/216).
وهذا إسناد كوفي صحيح؛ لولا أن سلمة بن كهيل لم يسنده، ولم يروه رواية عن أحد هؤلاء الثلاثة المذكورين، وهو معروف بالرواية عن علقمة، وهو هنا يروي قصة لم يدركها، فالظاهر إرساله، والله أعلم.
• وقد روي عن ابن مسعود من وجه آخر:
فقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن حماد، عن إبراهيم: أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى مسجد، فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم صلى بهما.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 409/ 3883)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (9/ 276/ 9380).
وقد خولف فيه معمر:
فقد رواه حجاج بن المنهال: ثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، عن علقمة: أن ابن مسعود صلى به وبالأسود فقام بينهما. هكذا بدون ذكر قصة المسجد.
أخرجه ابن المنذر (4/ 216/ 2059)، والطبراني في الكبير (9/ 276/ 9382).
ثم رواه حجاج مرة أخرى: ثنا حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود مثل ذلك.
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 9383/276).
قلت: ورواية حجاج بن المنهال الأنماطي [وهو: بصري، ثقة] أولى من رواية معمر بن راشد، فإن معمرًا كان يُضعَّف حديثه عن أهل العراق خاصة [انظر: شرح العلل (2/ 774)]، ولم يذكر حجاج في روايته قصة المسجد، وأن الجماعة قد فاتتهم فيه، ومما يؤيد ذلك: أن الأعمش -وهو من أثبت الناس في إبراهيم النخعي- رواه عن إبراهيم بدون هذه الزيادة موضع الشاهد:
فقد رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أن عبد الله صلى بعلقمة والأسود، فقام هذا عن يمينه، وهذا عن شماله، ثم قام بينهما.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 409/ 3884)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (9/ 276/ 9381).
وهذا إسناد صحيح إلى علقمة، وعلى هذا تبقى رواية سلمة بن كهيل -على ما فيها من إرسال- سالمة من المعارضة، والله أعلم.
وحديث الأعمش عن إبراهيم هذا قد رواه عنه جماعة من أصحابه، في قصة جرت بين الأسود وعلقمة وبين ابن مسعود، في تأخير الأمراء الصلاة عن وقتها، وأنهما دخلا عليه في داره فسألهما عن الناس: هل صلوا؟، فقالا: لا، فصلى بهما في البيت، فليس في القصة أن ابن مسعود ذهب بهما إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا ثم انصرف بهما إلى البيت ليصلي بهما فيه، وبهذا يظهر بجلاء وهم معمر في روايته تلك.
روى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا، فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، قال: فلما ركع، وضعنا أيدينا على ركبنا، قال: فضرب أيدينا، وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه، قال: فلما صلى، قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك؛ فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا، وإذا كنتم أكثر من ذلك؛ فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه، وليجنأ، وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراهم.
أخرجه مسلم (534/ 26 و 27)، وتقدم تخريجه تحت الحديث المتقدم برقم (432).
• ورواه أيضًا:
إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود: أنهما دخلا على عبد الله، فقال: أصلى من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم (534/ 28)، وأبو عوانة (1/ 486/ 1806)، والبزار (4/ 302/ 1479)، والطحاوي (1/ 229)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (1/ 367/374).
وتقدم بعض طرقه تحت الحديث (432)، ويأتي عند أبي داود أيضًا برقم (613 و 868).
• ومما روي في معارضة حديث الباب:
1 -
حديث أبي بكرة:
يرويه هشام بن خالد الأزرق، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن [وفي رواية: أخبرني أبو مطيع] معاوية بن يحيى، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من بعض نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فذهب إلى منزله فجمع أهله وصلى بهم.
أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 4)، والطبراني في الأوسط (5/ 35/ 4601) و (7/ 51/ 6820)، وابن عدي في الكامل (6/ 402).
أورده ابن حبان في ترجمة معاوية بن يحيى [وإن كان خلط بين الصدفي والأطرابلسي] منكرًا به عليه، وهو من مناكير الأطرابلسي [انظر: تعليقات الدارقطني على المجروحين (341)].
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن خالد الحذاء إلا أبو مطيع معاوية بن يحيى، ولا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد".
وقال في الموضع الثاني: "لم يرو هذا الحديث عن خالد الحذاء إلا معاوية بن يحيى، ولا رواه عن معاوية إلا الوليد بن مسلم، تفرد به هشام بن خالد".
وقال ابن عدي: "وهذا عن خالد الحذاء لا يرويه غير معاوية"، ثم قال في آخر ترجمته:"وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه"[انظر: ذخيرة الحفاظ (1250)].
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 25): "ومعاوية بن يحيى، لا يحتج به".
وأورده الذهبي في مناكير معاوية بن يحيى الأطرابلسي من الميزان (4/ 140).
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به معاوية بن يحيى الدمشقي، أبو مطيع الأطرابلسي، وهو: ليس به بأس، لكن له مناكير ينفرد بها عن المشاهير، وهذا منها، فقد تفرد بهذا الحديث عن خالد الحذاء البصري دون بقية أصحاب خالد العراقيين الثقات على كثرتهم [انظر: التهذيب (4/ 114)، الميزان (4/ 139)].
وهشام بن خالد الأزرق الدمشقي: ثقة، لكن قال الذهبي في الميزان (4/ 298):"من ثقات الدماشقة؛ لكنه يروج عليه".
ومثل هذه السنة كان أولى الناس بنقلها أمهات المؤمنين، اللاتي كن ينقلن ما يقع في بيوتهن من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، فلما لم ينقلن ذلك عنه، مع توفر الهمم والدواعي على نقله، علمنا أنه لم يقع، والله أعلم.
2 -
أثر ابن مسعود:
رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن حماد، عن إبراهيم: أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى مسجد، فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم صلى بهما.
ولا يصح الاستدلال به لنكارته، وتقدم بيان ذلك.
3 -
أثر عبادة بن الصامت:
قال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 137): قال لنا مسلم: حدثنا أبان: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: ثنا أبو سفيان رجل من أهل الشام، عن بحير بن ريسان، عن عبادة بن الصامت: أنه زجر ناسًا يصلون بعد ما يتروح الإمام، فلم ينتهوا فضربهم.
وأخرجه من طريق أبان: العقيلي في الضعفاء (1/ 155)(1/ 174 - ط الصميعي).
وقد ظن بعضهم أن هذا داخل في هذا الباب، وليس منه في شيء؛ فقد بينت رواية همام ما أُجمل في رواية أبان:
رواه همام، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير: أن رجلًا من أهل الشام حدثه يقال له: أبو سفيان: أن بَحير بن رَيْسان حدثه: أنه كان عند عبادة بن الصامت شهد ذلك، زجرهم أن يصلوا إذا تروَّح الإمام في رمضان، فجعل يزجرهم، وهم لا يبالون ولا ينتهون، فضربهم، فرأيته يضربهم على ذلك.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 167/ 7730).
فالزجر هنا عن الصلاة بين التراويح، لا عن صلاتهم جماعة بعد صلاة الإمام، ولهذا بوب ابن أبي شيبة لهذا الأثر وغيره بقوله:"في الصلاة بين التراويح"، وبوب له ابن نصر المروزي في قيام رمضان (40) بقوله:"باب: من كره الصلاة بين التراويح".
وأثر عبادة هذا: منكر، قال البخاري بعد ما أخرجه في ترجمة بحير:"لا يتابع على حديثه"[ساقط من المطبوع، وهو في ضعفاء العقيلي، والكامل لابن عدي].
وقال العقيلي في بحير: "لا يتابع عليه، وأبو سفيان: مجهول، لا يُعرف".
وقال ابن عدي في الكامل (2/ 56): "وبحير بن ريسان هذا من أهل اليمن، وقد روى أحاديث، وروى عنه بنوه أحاديث مناكير، وليس هو بكثير الرواية".
وقال الذهبي في بحير: "لم يدرك عبادة"، وقال:"لا يُعرف"[الميزان (1/ 299)، المغني (1/ 100)، اللسان (2/ 263)].
4 -
أثر الحسن البصري:
رواه ابن أبي شيبة (2/ 113/ 7111)، قال: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، عن كثير، عن الحسن، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صُلِّي فيه: صلوا فرادى.
قلت: هذا النقل عن عموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاء على خلاف ما دل عليه حديث أبي سعيد، ومعارض لما ثبت من عمومات في فضل الجماعة، ومعارض لما صح عن أنس من فعله، ثم لم يُنقَل بإسناد صحيح ثابت عن هؤلاء الصحابة بأعيانهم أنهم كانوا يصلون فرادى إذا جاؤوا وقد فُرِغ من الصلاة، كل هذا مما يجعل النفس لا تطمئن لهذا التعميم، لا سيما وإسناده إلى الحسن فيه مقال:
نعم، كثير هو: ابن زياد البرساني: ثقة، من أكابر أصحاب الحسن [التهذيب (3/ 458)]، لكن أبو هلال هو: الراسبي، محمد بن سليم؛ وهو وإن وثقه في الجملة: ابن معين [واختلفت الرواية عنه]، وأبو داود، والدارقطني [كذا نقل الحاكم عنه توثيقه، وقد ضعفه في العلل]، وأبو نعيم الأصبهاني، وروى عنه ابن مهدي، وكان سليمان بن حرب جيد الرأي فيه؛ فقد لينه أو ضعفه جماعة: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وقال ابن عمار:"كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي هلال"، وقال يزيد بن زريع:"عدلت عن أبي هلال عمدًا"، وقال أيضًا:"لا شيء"، وقال أحمد بن حنبل:"قد احتمل حديثه، إلا أنه يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة"، وسئل يحيى بن معين عن أبي
هلال الراسبي: كيف روايته عن قتادة؟ فقال: "فيه ضعف، صويلح"، وقال مرة أخرى:"لم يكن له كتاب، وهو ضعيف الحديث"، وقال أبو حاتم:"محله الصدق، لم يكن بذاك المتين"، وقال أبو زرعة الرازي:"ليِّن، وليس بالقوي"، قال البرذعي:"وقد قال عبد الرحمن بن مهدي في أبي هلال قريبًا من قول أبي زرعة"، ثم روى حديثًا سئل عنه ابن مهدي، فقال:"وأبو هلال لا يحتمل هذا الحديث"، فيدل هذا على أن ابن مهدي لم يقبله بمناكيره، وكذلك فعل أبو داود، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقال ابن سعد:"فيه ضعف"، وقال الساجي:"رُوي عنه حديث منكر"، وقال البزار:"احتمل الناس حديثه، وهو غير حافظ"، وقال ابن حبان:"وكان أبو هلال شيخًا صدوقًا؛ إلا أنه كان يخطئ كثيرًا من غير تعمد، حتى صار يرفع المراسيل ولا يعلم، وأكثر ما كان يحدث من حفظه، فوقع المناكير في حديثه من سوء حفظه"، ثم قال:"والذي أميل إليه في أبي هلال الراسبي: ترك ما انفرد من الأخبار التي خالف فيها الثقات، والاحتجاج بما وافق الثقات، وقبول ما انفرد من الروايات التي لم يخالف فيها الأثبات التي ليس فيها مناكير"، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث عن قتادة وغيره كلها أو عامتها غير محفوظة:"ولأبي هلال غير ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه، وهو ممن يكتب حديثه"، وقال الدارقطني في العلل:"ضعيف"[الطبقات الكبرى (7/ 278)، التاريخ الكبير (1/ 105)، الجرح والتعديل (7/ 273)، سؤالات البرذعي (506 و 507)، الضعفاء لأبي زرعة (291)، الضعفاء للنسائي (516)، مسند ابن الجعد (3117 - 3124)، سؤالات الآجري (504)، ضعفاء العقيلي (4/ 74)، المجروحين (2/ 283)، الكامل لابن عدي (6/ 213)، علل الدارقطني (12/ 221/ 2642)، سؤالات الحاكم (468)، الحلية (2/ 345)، التعديل والتجريح (2/ 682)، الميزان (3/ 574)، تاريخ الإسلام (10/ 558)، التهذيب (3/ 577)، فتح الباري (10/ 359)].
وله أوهام كثيرة عن قتادة وغيره، انظر: علل ابن أبي حاتم (451 و 769)، الكامل لابن عدي (6/ 213)، علل الدارقطني (1/ 228/ 32) و (2/ 106/ 144) و (6/ 146/ 1035) و (7/ 139/ 1261) و (12/ 138 و 139 و 144 و 221/ 2532 و 2533 و 2542 و 2642) و (14/ 32/ 3397).
قلت: وعليه فالراجح في أبي هلال الراسبي محمد بن سليم أنه: ليس بالقوي، فالجمهور على تليينه، والذين وثقوه نُقل عنهم أيضًا تضعيفه، أو لم يقبلوا منه إفراداته، فليس هو عندهم بذاك الحافظ الذي يقبل تفرده، وبذلك يكونوا قد اقتربوا شيئًا من الذين ليَّنوه.
والحاصل: فإذا كان هذا هو حال أبي هلال الراسبي المتفرد برواية هذا التعميم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يُقبل مثل هذا منه، لا سيما وأصحاب الحسن قد رووه عن الحسن قوله، فقد رواه جماعة من الثقات عن يونس بن عبيد [ثقة ثبت، أثبت أصحاب الحسن]، عن الحسن، قال: يصلون فرادى.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 293/ 3425 و 3426)، وابن أبي شيبة (2/ 113/ 7108 و 7118).
وروي أيضًا عن الحسن خلافه، انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 112/ 7100 و 7101).
• وقد جاء عن الحسن البصري ما يبرر عدم إعادة الجماعة في المسجد الواحد من قبل بعض التابعين، والذي ظنه البعض بعد ذلك سنة متبعة لكثرة وقوعه في زمانهم:
قال ابن أبي شيبة (2/ 112/ 7102): حدثنا هشيم، قال: أخبرنا منصور، عن الحسن، قال: إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان.
وإسناده إلى الحسن غاية في الصحة.
• وهكدا يظهر بجلاء أن الذين قالوا بالمنع من تكرار الجماعة في المسجد الواحد الذي له إمام راتب لا حجة لهم في ذلك، كما قال ابن المنذر.
• ومن فقه حديث الباب:
في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: جواز أو استحباب إعادة الجماعة في المسجد الواحد، وإن كان له إمام راتب:
وهو فعل أنس، وابن مسعود، وبه قال: عطاء، والحسن البصري، والنخعي، وقتادة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق.
واحتجوا بفعل أنس، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الجميع تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، وبحديث أبي سعيد في الباب.
الثاني: لا تعاد الجماعة في مسجد له إمام راتب في غير ممر الناس:
وبه قال: سالم، وأبو قلابة، وأيوب، وابن عون، والليث، والبتي، والثوري، وابن المبارك، والحسن بن حي، وروي أيضًا: عن الحسن البصري، والنخعي، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، والأوزاعى، والشافعي.
قالوا: فمن فاتته الجماعة صلى منفردًا؛ لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب، والعداوة، والتهاون في الصلاة مع الإمام، ولأنه مسجد له إمام راتب فكره فيه إعادة الجماعة كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: كراهة إعادة الجماعة في المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى. وبه قال أحمد، وعلله أصحابه بقولهم: لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتهم الصلاة في الجماعة مع غيره.
قال ابن قدامة في المغني (2/ 5): "وظاهر خبر أبي سعيد وأبي أمامة أن ذلك لا يكره؛ لأن الظاهر أن هذا كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى يقتضيه أيضًا فإن فضيلة الجماعة تحصل فيها كحصولها في غيرها".