المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌67 - باب الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٦

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌29 - باب في الإقامة

- ‌30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

- ‌31 - باب رفع الصوت بالأذان

- ‌32 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهُد الوقت

- ‌33 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌34 - باب في المؤذن يستدير في أذانه

- ‌35 - باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌37 - باب ما يقول إذا سمع الإقامة

- ‌38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌3).***39 -باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌40 - باب أخذ الأجر على التأذين

- ‌41 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌42 - باب الأذان للأعمى

- ‌43 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌44 - باب في المؤذن ينتطر الإمام

- ‌4).***45 -باب في التثويب

- ‌46 - باب في الصلاة تُقام ولم يأتِ الإمام ينتظرونه قعودًا

- ‌47 - باب في التشديد في ترك الجماعة

- ‌48 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌49 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌51 - باب ما جاء في الهدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌52 - باب في من خرج يريد الصلاة فسُبِقَ بها

- ‌53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌54 - باب التشديد في ذلك

- ‌55 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌56 - باب في الجَمع في المسجد مرتين

- ‌57 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

- ‌58 - باب إذا صلى في جماعةٍ ثم أدرك جماعةً، أيعيد

- ‌59 - باب في جماع الإمامة وفضلها

- ‌60 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌ 680)].***61 -باب مَن أحق بالإمامة

- ‌62 - باب إمامة النساء

- ‌63 - باب الرجل يَؤمُّ القوم وهم له كارهون

- ‌64 - باب إمامة البَرِّ والفاجر

- ‌65 - باب إمامة الأعمى

- ‌66 - باب إمامة الزائر

- ‌67 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفعَ من مكان القوم

- ‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

الفصل: ‌67 - باب الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم

وترجم البخاري في صحيحه في 10 - كتاب الأذان، بابًا على هذا المعنى فقال:"باب إذا زار الإمام قومًا فأمهم"، وأسند فيه حديث عتبان بن مالك (686)، المتقدم ذكره قبل قليل.

قال ابن بطال: "هذا الباب ردُّ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من زار قومًا فلا يؤمهم"،

[ثم ذكره بتمامه سندًا ومتنًا، ثم قال:] وهذا إسناد ليس بقائم؛ لأن أبا عطية مجهول، يرويه عن مجهول [كذا]، وصلاته عليه السلام في بيت عتبان مخالف له، ويمكن الجمع بين الحديثين، وذلك أنه يحمل قوله عليه السلام:"من زار قومًا فلا يؤمهم" -لو صح- أن يكون إعلامًا منه أن صاحب الدار أولى بالإمامة فيه من الداخلين عليه، إلا أن يشاء صاحب الدار أن يقدم غيره ممن هو أفضل منه، فإنه يستحب له ذلك، بدليل تقديم عتبان بن مالك في بيته للنبي صلى الله عليه وسلم، وحمل الحديثين على فائدتين أولى من تضادهما" [شرح صحيح البخاري (2/ 308)].

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 135): "وإنما مقصوده منه هاهنا: أنه يجوز للزائر أن يؤم في منزل من زاره بإذنه، وقد اختلف في كراهة ذلك".

وقال أيضًا (4/ 137): "وأكثر العلماء على أنه [يعني: الأقرأ والأفقه] إنما يقدم على رب البيت وإمام المسجد بإذنه، وإنما يعتبر الإذن في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر أبو بكر الأثرم في كتابه "الناسخ والمنسوخ"[(65)] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالقوم إذا زارهم من غير استئذان؛ لأنه كان إمام الناس كلهم حيث ما كان، وليس هذا لغيره. قال: والنهي عن إمامة الزائر يحمل في حق أمته على إمامتهم بغير إذنهم".

وقال المجد ابن تيمية في المنتقى (2/ 392 - نيل): "وأكثر أهل العلم: أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن ربِّ المكان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود: "إلا بإذنه"".

***

‌67 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفعَ من مكان القوم

597 -

. . . الأعمش، عن إبراهيم، عن همام: أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن على دُكَّانٍ، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا يُنْهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرتُ حين مَدَدتَني.

• حديث صحيح.

[الدُّكان: الدَّكة المبنية للجلوس عليها. النهاية (2/ 128)، المطلع (1/ 251)، اللسان (13/ 157)]

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 343/ 343)، وفي المسند (59)، وابن خزيمة (3/ 13/ 1523)، وابن حبان (5/ 514/ 2143)، وابن الجارود (313)، والحاكم (1/ 210)، وابن

ص: 605

المنذر في الأوسط (4/ 165/ 1956)، والطبراني في الكبير (17/ 252 و 253/ 700 - 702)، والبيهقي في السنن (3/ 108)، وفي المعرفة (2/ 385/ 1512)، والبغوي في شرح السنة (3/ 392/ 831).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

هكذا رواه عن الأعمش: يعلى بن عبيد الطنافسي، وزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة، وأبو عوانة، وعيسى بن يونس [وهم خمسة من الثقات الحفاظ، من أصحاب الأعمش].

وهذا لفظ يعلى، ولفظ زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: صلى حذيفة بالمدائن على دكان، وعقبة بن عمرو [هو: أبو مسعود البدري] يصلي خلفه، فأخذ عقبة بثوبه، فاجتذبه حتى تأخر، ثم قام، فلما فرغ، قال: أليس إن هذا تذكره، ونُهِي عنه؟ قال: بلى، قد ذكرت.

وذكره ابن عيينة، وأبو عوانة، وعيسى بنحو لفظ زائدة، وفي رواية ابن عيينة: أليس قد نهي عن هذا؟ فقال له حذيفة: ألم ترني قد تابعتك. وفي رواية أبي عوانة: ألم تعلم أنا كنا نُهينا عن هذا؟. وفي رواية عيسى: على دكان بالمدينة، وقال: أما علمت أن هذا يُكره؟. وقول عيسى: بالمدينة: وهْمٌ، إنما هي المدائن، بلد بالعراق.

• وخالفهم فصرح برفعه، وتابعهم على ذكر أبي مسعود:

زياد بن عبد الله البكائي، فرواه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، قال: صلى حذيفة بالناس بالمدائن، فتقدم فوق دكان، فأخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمده، فرجع، فلما قضى الصلاة قال له أبو مسعود: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام فوق، ويبقى الناس خلفه؟ قال: فلم ترني أجبتك حين مددتني؟.

أخرجه الحاكم (1/ 210)، والدارقطني (2/ 88)، والبيهقي (3/ 108 - 109)، وابن الجوزي في التحقيق (745).

قال الدارقطني: "لم يروه غير زياد البكاء، ولم يروه غير همام فيما نعلم".

وقال ابن حزم في المحلى (4/ 86): "وهو خبر ساقط، انفرد به زياد بن عبد الله البكائي، وهو: ضعيف".

وجود إسناده النووي في الخلاصة (2529).

قلت: هو منكر بهذا اللفظ، فقد خالف فيه زياد البكائي خمسة من ثقات أصحاب الأعمش، وهم أعلم بحديث الأعمش منه، وزياد وإن كان ثبتًا في ابن إسحاق إلا أنه لم يكن بالقوي في غيره، وقد ضعفه جماعة لكثرة غرائبه ومناكيره [انظر: التهذيب (1/ 649)، الميزان (2/ 91)، جامع الترمذي (1097)، سؤالات البرذعي (2/ 368)، سؤالات ابن بكير (10)، [وانظر فيما تقدم من أوهامه (104 و 507 و 525)].

• وخالفهم في اسم المنكِر على حذيفة:

ص: 606

أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة، من أثبت أصحاب الأعمش]، فرواه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، قال: صلى حذيفة على دكان، وهم أسفل منه، قال: فجذبه سلمان حتى أنزله، فلما انصرف قال له: أما علمت أن أصحابك كانوا يكرهون أن يصلي الإمام على الشيء وهم أسفل منه؟ فقال حذيفة: بلى، قد ذكرت حين مددتني.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 66/ 6524)(6586 - ط عوامة).

هكذا قال أبو معاوية: فجذبه سلمان، بدل أبي مسعود، ولا أدري هل وهم فيه أبو معاوية، أم اضطرب فيه الأعمش؟!، وأيًّا كان فرواية جماعة الحفاظ أبعد عن الوهم، وأقرب إلى الصواب، والله أعلم.

• وخالفهم فاضطرب فيه:

معمر بن راشد [ثقة في الزهري وابن طاووس، وهو سيئ الحفظ لحديث قتادة والأعمش، وهذا الحديث شاهد على هذا. علل الدارقطني (12/ 221/ 2642)، تاريخ دمشق (59/ 414)، شرح علل الترمذي (2/ 774)،، فرواه عن الأعمش، عن مجاهد -أو: غيره، شك أبو بكر-: أن ابن مسعود -أو قال: أبا مسعود، أنا أشك-، وسلمان، وحذيفة، صلى بهم أحدهم، فذهب يصلي على دكان، فجبذه صاحباه، وقالا: انزل عنه.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 413/ 3905).

وهذا من أوهام معمر على الأعمش، فقد اضطرب فيه، ولم يضبطه، وقد ضبطه غيره من أصحاب الأعمش، فقد رواه جماعة من ثقات أصحاب الأعمش فجعلوا أصل القصة لحذيفة؛ إذ هو الذي صلى بالناس على دكان، وجعلوا الذي جذبه وذكَّره: أبا مسعود عقبة بن عمرو البدري، والحديث إنما يرويه الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، لا عن مجاهد.

• وقد اختلف فيه على إبراهيم النخعي:

1 -

فرواه الأعمش [ثقة ثبت حافظ، من أصحاب إبراهيم النخعي، ومن أثبت الناس فيه]، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع، فسجد عليه، فجبذه أبو مسعود البدري، فتابعه حذيفة، فلما قضى الصلاة، قال أبو مسعود: أليس قد نهى عن هذا؟ فقال له حذيفة: ألم ترني قد تابعتك. وتقدم.

2 -

ورواه ابن عون [هو عبد الله بن عون: ثقة ثبت، من أصحاب إبراهيم]، عن إبراهيم، قال: صلى حذيفة على دكان بالمدائن أرفعَ من أصحابه، فمَدَّه أبو مسعود، قال له: أما علمت أن هذا يكره؟ قال: ألم تر أنك لما ذكَّرتني ذكرت. هكذا مرسلًا، لم يذكر همامًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 66/ 6525)(587 6 - ط عوامة).

3 -

ورواه حماد [هو: ابن أبي سليمان، وهو: صدوق له أوهام، والراوي عنه: أبو حنيفة، وهو مع إمامته: ضعيف في الحديث]، عن إبراهيم: أن حذيفة رضي الله عنه ذهب يؤم

ص: 607

الناس بالمدائن على دكان من حصى، فجذبه سلمان رضي الله عنه إليه، وقال: إنما أنت من القوم، فقم معهم.

أخرجه أبو يوسف في الآثار (326).

قلت: تابع حمادٌ ابنَ عون على إرساله، وخالفه والأعمش في جعل المنكر: سلمان، فهذا وهمُ حمادٍ فيه، أو يكون الوهم من أبي حنيفة، أن جعل سلمان الفارسي هو المنكر على حذيفة، وإنما هو أبو مسعود البدري.

لكن يبقى أن ابن عون وحمادًا قد خالفا الأعمش، فوصله الأعمش، وأرسلاه، وكلهم من أصحاب إبراهيم، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن هذا الاختلاف إنما هو من قِبل إبراهيم نفسه، فإنه كان يرسل كثيرًا، فحدث به الأعمش موصولًا وقت نشاطه، وأرسله حين حدث به ابن عون وحماد.

وعليه فإن رواية الأعمش لا تُعَلُّ برواية ابن عون وحماد، لا سيما والأعمش من أثبت أصحاب النخعي، فقد قدمه بعضهم على منصور في حفظ إسناد حديث النخعي، قال وكيع:"الأعمش أحفظ لأسناد إبراهيم من منصور"[شرح علل الترمذي (2/ 713)].

والحديث قد صححه: ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم، واحتج به أبو داود وابن المنذر، وقال أبو حاتم:"صالح".

وقال النووي في الخلاصة (2528): "رواه أبو داود بإسناد صحيح"، وصحح إسناده أيضًا في المجموع (4/ 253).

قلت: وهو كما قال، فإن همام بن الحارث النخعي قد سمع حذيفة بن اليمان، وحديثه عنه في الصحيحين [البخاري (6056 و 7282)، مسلم (105)]، وقد ثبت سماعه في هذا الحديث في رواية ابن عيينة، حيث قال: صلى بنا حذيفة، فدل على حضوره لهذه الواقعة، وشهوده لها، ومن ثم سماعه لما كان فيها من أبي مسعود البدري.

وهذا الإسناد من لدن الأعمش: صحيح على شرط الشيخين، كما قال الحاكم، فقد أخرج كل منهما بهذا الإسنادحديثًا [البخاري (7282)، مسلم (105)].

وقول أبي مسعود لحذيفة: ألم تعلم أنهم كانوا يُنْهون عن ذلك؟، وفي رواية زائدة: أليس إن هذا تذكره، ونُهِي عنه؟، وفي رواية ابن عيينة: أليس قد نهي عن هذا؟، وفي رواية أبي عوانة: ألم تعلم أنا كنا نُهينا عن هذا؟، وفي رواية عيسى: أما علمت أن هذا يُكره؟.

ففي هذا ما يبين أن الناهي لهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم، وأكثر أهل العلم على أن هذه الصيغة لها حكم الرفع [انظر: معرفة علوم الحديث (21)، الكفاية (421)، قواطع الأدلة (1/ 137)، مقدمة ابن الصلاح (47)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 520)، فتح المغيث (1/ 113)، البدر المنير (1/ 451)، وغيرها] [وقد تقدم الكلام على هذه المسألة، انظر ما تقدم برقم (509 و 593)].

***

ص: 608

598 -

. . . قال أبو داود: حدثنا أحمد بن إبراهيم: ثنا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني أبو خالد، عن عدي بن ثابت الأنصاري: حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصلاةُ، فتقدَّم عمار، وقام على دكَّان يصلِّي، والناسُ أسفلَ منه، فتقدَّم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمعْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أمَّ الرجلُ القومَ فلا يَقُمْ في مكانٍ أرفعَ من مقامهم" أو نحو ذلك؟ قال عمار: لذلك اتَّبعتُك حين أخذتَ على يدَيَّ.

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 109)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 151)، والبغوي في شرح السنة (3/ 391/ 830)، وابن الجوزي في التحقيق (746).

قال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 496): "في إسناد هذا الحديث رجل مبهم، وأبو خالد: ليس بمعروف، ويحتمل أن يكون الدالاني، وفيه كلام".

وقال الذهبي في التنقيح (262): "فيه مجهولان".

وقال ابن حجر في التلخيص (2/ 43): "وهو مرفوع؛ لكن فيه مجهول، والأول أقوى"، لكن قال في التهذيب (4/ 516) عن أبي خالد هذا:"يحتمل أن يكون هو الدالاني، أو الواسطي".

قلت: الأقرب أن أبا خالد هذا: مجهول، فإن ابن جريج المكي غير معروف بالرواية عن أبي خالد الدالاني الكوفي، ولا عن عمرو بن خالد الواسطي.

وعليه: فهو حديث ضعيف؛ في إسناده مجهولان، وهذه القصة تعرف بغير هذا السياق، كما تقدم من حديث أبي مسعود البدري.

• ورُوي من حديث أبي سعيد:

رواه يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن صالح:

حدثني الليث، عن زيد بن جبيرة، عن أبي طوالة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن حذيفة بن اليمان أمَّهم بالمدائن على دكان، فجبذه سلمان، ثم قال له: ما أدري أطال بك العهد، أم نسيت؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يصلي الإمام على أنشز مما عليه أصحابه".

أخرجه البيهقي (3/ 109)، والخطيب في التاريخ (1/ 180).

قال البيهقي: "كذا قال: سلمان، بدل: أبي مسعود".

وقال أبو حاتم: "وحديث أبي طوالة: من رواية زيد بن جبيرة: ضعيف"[العلل (1/ 75/ 200)].

ص: 609

قلت: هو حديث منكر؛ زيد بن جبيرة: متروك، منكر الحديث، وأبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر المدني لا يُعرف بالرواية عن أبي سعيد الخدري، والأقرب عندي أنه لم يدركه؛ فإن بين وفاتيهما قرابة ستين سنة، والله أعلم.

ومما جاء من آثار في هذا الباب:

1 -

عن ابن مسعود:

يرويه سفيان الثوري، وشعبة، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، قال: جاء ابن مسعود إلى مسجدنا، وأقيمت الصلاة، فقيل له: تقدم، فقال: يتقدم إمامكم، قلنا: إمامنا ليس ها هنا، قال: ليتقدم رجل منكم، فتقدم رجل، فقام على دكان في قبلة المسجد، فنهاه عبد الله. لفظ شعبة.

ولفظ الثوري: عن عبد الله: أنه كره أن يرتفع الإمام على أصحابه.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 414/ 3906)[وفي سند المطبوع نوع قلب، وإدخال إسناد على إسناد، والتصحيح من المخطوط (1/ 318) (1/ 159/ أ)]، وابن أبي شيبة (2/ 66/ 6526)، والطبراني في الكبير (9/ 311/ 9560 و 9561)، والبيهقي (3/ 126).

وهذا إسناد صحيح؛ على شرط البخاري [البخاري (6736 و 6742 و 6753)].

2 -

عن سلمان:

رواه الثوري، عن حماد، عن مجاهد، قال: رأى سلمانُ حذيفةَ يؤمُّهم على دكان من جص، فقال: تأخر؛ فإنما أنت رجل من القوم، فلا ترفع نفسك عليهم، فقال: صدقت.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 413/ 3904).

وهذا صورته مرسل، ولا يُعرف لمجاهد سماع من سلمان وحذيفة.

3 -

عن أبي هريرة:

رواه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي [متروك، كذبه جماعة]، عن صالح مولى التوأمة: أنه رأى أبا هريرة يصلي على ظهر المسجد بصلاة الإمام وهو تحته.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 344/ 344)، وفي المسند (50)، وعبد الرزاق (3/ 83/ 4888)، والبيهقي في السنن (3/ 111)، وفي المعرفة (2/ 386/ 1515).

ورواه ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، قال: صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام وهو أسفل.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 35/ 6159)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 133/ 1300)، والبيهقي (3/ 111)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم قبل الحديث رقم (377).

قال ابن حجر في التغليق (2/ 215): "سماع ابن أبي الذئب من صالح قديم".

قلت: إسناده صحيح؛ صالح بن نبهان مولى التوأمة: ثقة، كان قد اختلط، وسماع من سمع منه قبل الاختلاط صحيح، وابن أبي ذئب ممن سمع منه قبل الاختلاط [انظر: التهذيب (2/ 201)، الكواكب النيرات (33)، شرح علل الترمذي (2/ 749)].

ص: 610

• وله أسانيد أخرى يعتضد بها عند: الفاكهي (2/ 133/ 1299)، وابن المنذر (4/ 122/ 1873).

• وهناك آثار أخرى أسانيدها ضعيفة، أو واهية.

• وحديث أبي مسعود البدري في الباب معارض لما رواه الشيخان من حديث سهل بن سعد:

فقد روى سفيان بن عيينة: نا أبو حازم: سألوا سهل بن سعد: من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عُمل ووُضع، فاستقبل القبلة، كبر، وقام الناس خلفه، فقرأ وركع، وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه.

أخرجه البخاري (377)، ومسلم (544/ 45)، وأبو عوانة (1/ 470/ 1744)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 198/ 1144)، وابن ماجه (1416)، وابن خزيمة (13/ 3 و 141/ 1522 و 1779)، وأحمد في المسند (5/ 330)، وفي العلل (1/ 221/ 2074) و (/ 3/ 289 5284)، والشافعي في الأم (2/ 342/ 342)، وفي المسند (58)، والحميدي (926)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 319/ 31747)، وفي المسند (87)، وأبو سعيد المفضل الجندي في فضائل المدينة (54)، والطبراني في الكبير (6/ 5913/175)، والبيهقي في السنن (3/ 108)، وفي المعرفة (2/ 384/ 1511)، وفي الدلائل (2/ 555)، والخطيب في الأسماء المبهمة (293)، والبغوي في شرح السنة (2/ 497/390).

قال البخاري: قال علي بن عبد الله [هو الإمام علي بن المديني]: سألني أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا الحديث، قال: فإنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس، فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث، قال: فقلت: إن سفيان بن عيينة كان يُسأل عن هذا كثيرًا، فلم تسمعه منه؟ قال: لا.

ورواه يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القارئ القرشي الإسكندراني: ثنا أبو حازم بن دينار: أن رجالًا أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد امتروا في المنبر: ممَّ عوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة من الأنصار قد سماها سهل- أن:"مُرِي غلامك النجار أن يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس" فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها فوضعت ههنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال:"أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي".

أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544/ 45)، وأبو عوانة (1/ 470/ 1745)، وأبو

ص: 611

نعيم في المستخرج (2/ 143/ 1197)، وأبو داود (1080)، والنسائي في المجتبى (2/ 57/ 739)، وفي الكبرى (1/ 404/ 820)، وابن حبان (5/ 512 - 513/ 2142)، والروياني (1030)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (834)، والطبراني في الكبير (6/ 198/ 5992)، والبيهقي في السنن (3/ 108)، وفي الدلائل (2/ 554)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على شيخه أبي الحسين الطيوري "الطيوريات"(448).

ورواه أيضًا: عبد العزيز بن أبي حازم، وأبو غسان محمد بن مطرف، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وهشام بن سعد [وهم ثقات]، وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي [ضعيف]، وعبد الرحمن المسعودي [صدوق، اختلط، وفي روايته زيادات انفرد بها]، عن أبي حازم به.

أخرجه البخاري (448 و 2094 و 2569)، ومسلم (544/ 44)، وأبو عوانة (1/ 471/ 1746)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 143/ 1197)، والدارمي (1/ 442/ 1565)، وابن خزيمة (3/ 12/ 1521)، وأحمد (5/ 339)، وابن سعد في الطبقات (1/ 252)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (834 و 835)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2932 - 934 2)، وابن المنذر (4/ 164/ 1955)، وأبو بكر الآجري في الشريعة (1071)، والطبراني في الكبير (6/ 134 و 151 و 168 و 194/ 5752 و 5814 و 5881 و 5977)، وابن حزم في المحلى (4/ 85)، والبيهقي في السنن (3/ 195)، وفي الدلائل (2/ 554).

وفي رواية عبد العزيز: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة سماها- فقال: "مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها"، فعمل هذه الثلاث الدرجات من طرفاء الغابة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع، قال سهل: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه: كبر فكبر الناس خلفه، ثم ركع وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من صلاته، فصنع فيها كما صنع في الركعة الأولى، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال:"أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي".

• قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 75/ 200): "سألت أبي عن حديث سهل بن سعد في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ركع على المنبر، ثم رجع القهقرى؟

وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الإمام على أشرف مما عليه أصحابه"؟

وحديث أبي مسعود: صلى حذيفة بالمدائن على دكان مرتفع، فأخذ بثوبه فجذبه، وقال: أما علمت أنه نهى عن ذلك؟

فقال لي: حديث سهل صحيح.

وحديث أبي طوالة، من رواية زيد بن جبيرة: ضعيف.

وحديث أبي مسعود ليس كل أحد يوصله، وقد وصله زياد البكائي.

ص: 612

ومن رواية زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن رجل من بني تميم، عن أبي مسعود، مرفوع.

وهو: صالح".

• ومن فقه الحديث:

فقد صح في حديث أبي مسعود: أنهم كانوا يُنْهون عن ذلك، وفي رواية: أنا كنا نُهينا عن هذا، يعني: أن يصلي الإمام على أرفع مما عليه أصحابه.

وصح عن ابن مسعود أنه كره أن يرتفع الإمام على أصحابه، وصح أن أبا هريرة صلى فوق المسجد بصلاة الإمام وهو أسفل.

وصح عن عمر بن عبد العزيز: أنه أمَّ الناس فوق كنيسة، والناس أسفل منه [مصنف ابن أبي شيبة (1/ 423/ 4868) و (2/ 66/ 6530)].

وكان الحسن لا يرى بأسًا أن يصلي الإمام على مكان أرفعَ من أصحابه [مصنف ابن أبي شيبة (2/ 66/ 6531)].

وكان إبراهيم النخعي يكره أن يكون مكان الإمام أرفعَ من مكان القوم [مصنف ابن أبي شيبة (2/ 66/ 6528)].

وكره مالك أن يصلي الإمام على مكان أرفع من المأمومين [المدونة (1/ 81)].

وقال الشافعي: "وأختار للإمام الذي يعلِّم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع؛ ليراه من وراءه، فيقتدون بركوعه وسجوده"، ثم بسط الكلام فيه إلى أن قال:"وإن كان الإمام قد علَّم الناس مرةً أحببت أن يصلي مستويًا مع المأمومين، لأنه لم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر إلا مرةً واحدةً، وكان مقامه فيما سواها بالأرض مع المأمومين، فالاختيار أن يكون مساويًا للناس، ولو كان أرفعَ منهم، أو أخفضَ، لم تفسُد صلاته ولا صلاتهم"[الأم (2/ 343)].

وقال البخاري: قال علي بن المديني: سألني أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا الحديث، قال: فإنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس، فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث، قال: فقلت: إن سفيان بن عيينة كان يُسأل عن هذا كثيرًا، فلم تسمعه منه؟ قال: لا.

قال ابن رجب معقبًا عليه: "فهذا غريب عن الإمام أحمد، لا يعرف عنه إلا من هذا الوجه، وقد اعتمد عليه ابن حزم وغيره، فنقلوا عن أحمد: الرخصة في علو الإمام على المأموم. وهذا خلاف مذهبه المعروف عنه، الذي نقله عنه أصحابه في كتبهم، وذكره الخرقي ومن بعده، ونقله حنبل ويعقوب بن بختان عن أحمد، أنه قال: لا يكون الإمام موضعه أرفع من موضع من خلفه، ولكن لا بأس أن يكون من خلفه أرفع.

وممن كره أن يكون موقف الإمام أعلى من المأموم: النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي.

ص: 613

وقد روي ذلك عن ابن مسعود من غير وجه أنه كرهه، ونهى عنه" [الفتح (2/ 236)].

ثم عاد وقال بأن القاضي أبا يعلى حكاه وجهًا عن الإمام أحمد [الفتح (2/ 239)].

وترجم ابن خزيمة لحديث أبي مسعود بقوله: "باب النهي عن قيام الإمام على مكان أرفع من المأمومين؛ إذا لم يُرِد تعليمَ الناس"، وكان ترجم قبلُ لحديث سهل، فقال:"باب الرخصة في قيام الإمام على مكان أرفع من مكان المأمومين لتعليم الناس الصلاة".

وقال أبو عوانة في مستخرجه (1/ 470) مستدلًا بحديث سهل: "بيان الإباحة للإمام إذا صلى على مكان أرفع من مكان المأموم".

وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 165): "هكذا يفعل الإمام إذا أراد أن يعلمهم، فإن لم يكن كذلك ولم يرد يعلمهم فمكروه أن يصلي على مكان أرفع من مكان المأمومين، يدل على ذلك حديث المأمومين [كذا، ويعني بذلك حديث أبي مسعود] ".

وقال ابن حبان: "إذا كان المرء إمامًا وأراد أن يصلي بقوم حديث عهدهم بالإسلام، ثم قام على موضع مرتفع من المأمومين ليعلمهم أحكام الصلاة عيانًا، كان ذلك جائزًا، على ما في خبر سهل بن سعد، وإذا كانت هذه العلة معدومة لم يصلِّ على مقام أرفع من مقام المأمومين، على ما في خبر أبي مسعود، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر".

وقال ابن حزم عن حديث سهل: "لا بيانَ أبينَ من هذا في جواز صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين"، وكان ترجم للمسألة بقوله:"وجائز للإمام أن يصلي في مكان أرفعَ من مكان جميع المأمومين وفي أخفضَ منه".

• قلت: قول الشافعي ومن تبعه من أعدل الأقوال في المسألة، حيث جمع بين الأدلة، وأعملها جميعًا، ومعلوم أن إعمال الأدلة أولى من إهمالها إذا صحت وثبتت.

وأما من قال ببطلان صلاة الإمام أو المأمومين إذا كان مكان الإمام أرفع من المأمومين؛ فلم يُصب، وهو قول ضعيف، يرده الحديث الذي استدل به على قوله، فإن أبا مسعود لما أنكر على حذيفة، كان قد شرع حذيفة في الصلاة، ومع ذلك فلم يأمر أبو مسعود أحدًا بإعادة الصلاة أو بقضاء ما صلى وهو على هذه الحال، والله أعلم.

قال ابن رجب في الفتح (2/ 238): "وقد تقدم أن الصحابة بنوا على الصلاة خلف من أمَّهم مرتفعًا عليهم، ولم يستأنفوا الصلاة".

وانظر: الأصل (1/ 19)، مختصر اختلاف العلماء (1/ 229)، المبسوط للسرخسي (1/ 39)، شرح السنة (2/ 391) و (3/ 392)، بدائع الصنائع (1/ 46 و 216)، المغني (2/ 21) شرح الجامع لأحكام القرآن (11/ 85)، المجموع شرح المهذب (4/ 253)، الذخيرة (2/ 257).

***

ص: 614