المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌62 - باب إمامة النساء - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٦

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌29 - باب في الإقامة

- ‌30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

- ‌31 - باب رفع الصوت بالأذان

- ‌32 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهُد الوقت

- ‌33 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌34 - باب في المؤذن يستدير في أذانه

- ‌35 - باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌37 - باب ما يقول إذا سمع الإقامة

- ‌38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌3).***39 -باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌40 - باب أخذ الأجر على التأذين

- ‌41 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌42 - باب الأذان للأعمى

- ‌43 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌44 - باب في المؤذن ينتطر الإمام

- ‌4).***45 -باب في التثويب

- ‌46 - باب في الصلاة تُقام ولم يأتِ الإمام ينتظرونه قعودًا

- ‌47 - باب في التشديد في ترك الجماعة

- ‌48 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌49 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌51 - باب ما جاء في الهدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌52 - باب في من خرج يريد الصلاة فسُبِقَ بها

- ‌53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌54 - باب التشديد في ذلك

- ‌55 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌56 - باب في الجَمع في المسجد مرتين

- ‌57 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

- ‌58 - باب إذا صلى في جماعةٍ ثم أدرك جماعةً، أيعيد

- ‌59 - باب في جماع الإمامة وفضلها

- ‌60 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌ 680)].***61 -باب مَن أحق بالإمامة

- ‌62 - باب إمامة النساء

- ‌63 - باب الرجل يَؤمُّ القوم وهم له كارهون

- ‌64 - باب إمامة البَرِّ والفاجر

- ‌65 - باب إمامة الأعمى

- ‌66 - باب إمامة الزائر

- ‌67 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفعَ من مكان القوم

- ‌68 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

الفصل: ‌62 - باب إمامة النساء

حديثه، وأن أمر أبي بكر إنما كان تنبيهًا على استحقاقه للخلافة، كما قال الإمام أحمد.

وحاصل ما تقدم: أن الصواب الموافق للدليل هو ما ذهب إليه ابن خزيمة وابن المنذر وابن قدامة، ومن وافقهم، والله أعلم.

وانظر: مختصر المزني (23)، معالم السنن للخطابي (1/ 144)، الحاوي للماوردي (2/ 351)، الاستذكار (2/ 352)، التمهيد (22/ 124)، المبسوط للسرخسي (1/ 41)، بدائع الصنائع (1/ 157)، بداية المجتهد (1/ 104)، المجموع شرح المهذب (4/ 216 و 243)، الذخيرة (2/ 253)، الجامع لأحكام القرآن (1/ 353)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/ 340)، بدائع الفوائد (4/ 898)، فتح الباري لابن رجب (4/ 172)، المبدع (2/ 73)، مغني المحتاج (1/ 240)، نهاية المحتاج (2/ 180)، كشاف القناع (1/ 471).

***

‌62 - باب إمامة النساء

591 -

. . . وكيع بن الجراح: ثنا الوليد بن عبد الله بن جُمَيع، قال: حدثتني جدَّتي، وعبدُ الرحمن بن خلاد الأنصاري، عن أُمِّ ورَقةَ بنتِ نوفل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا، قالت: قلت له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذَنْ لي في الغزو معك أُمرِّضْ مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقَني شهادةً، قال:"قِرِّي في بيتكِ، فإن الله عز وجل يرزقُكِ الشهادة"، قال: فكانت تُسمَّى الشهيدة.

قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتَّخذ في دارها مؤذِّنًا، فأذِن لها.

قال: وكانت دَبَّرتْ غلامًا لها وجاريةً، فقاما إليها بالليل فغمَّاها بقَطيفةٍ لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس، فقال: من كان عنده من هَذَيْنِ عِلمٌ -أو: من رآهما- فليجِئ بهما، فأمَر بهما فصُلِبا، فكانا أولَ مصلوبٍ بالمدينة.

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق وكيع:

ابن الجارود (333)، وابن أبي شيبة (6/ 538/ 33657)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 139 و 140/ 3366 و 3367)، والطبرانى في الكبير (25/ 135/ 327)، والبيهقي في الدلائل (6/ 382).

وفي رواية: فاستأذنَت النبي صلى الله عليه وسلم في أن تبني مسجدًا في دارها، فأذن لها أن تبني موضعًا تصلي فيه.

هكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، والحسن بن حماد الضبي [ثقة]، عن

ص: 564

وكيع بذكر المسجد بدل المؤذن، ورواه بذكر المؤذن بدل المسجد: عثمان بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي [ثقة]، فالله أعلم.

***

592 -

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي: ثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جُميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقةَ بنتِ عبد الله بن الحارث، بهذا الحديث، والأول أتمُّ.

قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورُها في بيتها، وجعل لها مؤذِّنًا يُؤَذِّنُ لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهلَ دارها.

قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذِّنَها شيخًا كبيرًا.

• حديث ضعيف.

• أخرجه من طريق ابن فضيل:

ابن السكن [عزاه إليه: ابن حجر في الإصابة (8/ 321)].

ولفظه: أنها قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أذنت لي فغزوت معكم، فمرَّضت مريضكم، وداويت جريحكم؛ فلعل الله أن يرزقني الشهادة، قال:"يا أم ورقة اقعدي في بيتك، فإن الله سيهدي إليك شهادة في بيتك"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، قال: وكان لها غلام وجارية فدبَّرتهما، فقاما إليها فغمَّياها، فقتلاها، فلما أصبح عمر قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل الدار فلم ير شيئًا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت، فقال: صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر، فذكر الخبر، فقال: عليَّ بهما، فأتي بهما، فسألهما، فأقرا أنهما قتلاها، فأمر بهما فصلبا.

• ورواه عن ابن جميع أيضًا:

1 -

أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، قال: حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، قال: حدثتني جدتي [وفي رواية: حدثني عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، وجدتي]، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها [كل جمعة]، ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرًا، قالت له: تأذن لي فأخرج معك؛ أداوي جرحاكم، وأمرِّض مرضاكم، لعل الله يُهدي لي شهادة، قال:" [قِرِّي، فـ]ـإن الله مهد [وفي رواية: يُهدي] لك شهادة"، فكان يسميها الشهيدة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها، حتى غمها غلام لها وجارية لها كانت دبرتهما، [وفي رواية: فطال عليهما، فغمَّاها في القطيفة حتى ماتت، وهربا]، فقتلاها في إمارة عمر، فقيل: إن أم ورقة غمها غلامها

ص: 565

وجاريتها فقتلاها، وإنهما هربا، فأتي بهما، فصلبهما، فكانا أول مصلوبين بالمدينة، وقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة".

وفي رواية: فقام عمر في الناس، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور أم ورقة، يقول:"انطلقوا نزور الشهيدة"، وإن فلانة جاريتها وفلانًا غلامها غمَّاها، ثم هربا، فلا يُؤويهما أحدٌ، ومن وجدهما فليأتِ بهما، فأُتي بهما، فصُلبا، فكانا أولَ مصلوبين.

أخرجه أبو نعيم في كتاب الصلاة (304)، مختصرًا. وعنه: البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 45/ 159)، وأحمد (6/ 405)، وإسحاق بن راهويه (5/ 235/ 2381)، وابن سعد في الطبقات (8/ 457)، وابن أبي شيبة (7/ 257/ 35850)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 800/ 3462 - السفر الثاني).

ومن طريق أبي نعيم أخرجه أيضًا: ابن نصر في قيام رمضان (27)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 55/ 1224) و (4/ 226/ 2074)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (70)، والطبراني في الكبير (25/ 134/ 326)، وأبو نعيم الأصبهاني في الحلية (2/ 63)، وفي معرفة الصحابة (6/ 3572/ 8062)، والبيهقي في السنن (3/ 130)، وفي الدلائل (6/ 381)، وابن الجوزي في المنتظم (4/ 305).

• تنبيه: وقع في الحلية لأبي نعيم، وكذا في المعرفة له، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم: في هذا الحديث من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين: "حدثتني جدتي عن أمها أم ورقة"، وزيادة:"أمها" هنا شاذة، فقد روى الحديث جمع من كبار الثقات الحفاظ عن أبي نعيم بدون هذه الزيادة [كما يظهر من مصادر التخريج فيمن رواه عن أبي نعيم].

ومن الأوهام كذلك في إسناد هذا الحديث: من قال فيه: "حدثني جدي"، وهو تصحيف ظاهر، صوابه:"حدثتني جدتي"، كما قال ابن حجر في التهذيب (1/ 315).

2 -

أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير [ثقة ثبت]: نا الوليد بن جميع، عن أمه [وفي رواية أصح: حدثتني جدتي]، عن أم ورقة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِن لها أن يؤذن لها ويقام، وتؤم نساءها.

وفي الرواية المحفوظة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِن لها أن تؤم أهل دارها.

أخرجه أبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (71)، والدارقطني (1/ 279 و 403)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (387).

قال ابن الجوزي: "الوليد بن جميع: ضعيف، وأمه: مجهولة، قال ابن حبان: لا يحتج بالوليد بن جميع"[وانظر: المغني (1/ 253)].

قلت: الوليد بن عبد الله بن جميع: قال ابن معين، والعجلي، وابن سعد:"ثقة"، وقال أبو زرعة:"لا بأس به"، وقال أحمد، وأبو داود:"ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث"، وروى عنه يحيى القطان في آخر عمره، وذكره ابن حبان في الثقات، ثم أعاد ذكره في المجروحين، وقال: "كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث

ص: 566

الثقات، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به"، والذي يظهر لي من تصرف ابن حبان أنه إما أن يكون قد فرَّق بين الوليد بن عبد الله بن جميع، وبين الوليد بن جميع، فوثَّق الأول، وجرح الثاني، أو هما عنده رجل واحد، لكنه فرَّق بين ما رواه عن أبي الطفيل، ورآه قد تابع فيه الثقات، فوثقه لأجل ذلك، وبين ما رواه عن عبد الرحمن بن خلاد والكوفيين، ورآه ينفرد فيه بما لا يتابع عليه، فجرحه لأجل ذلك، والله أعلم، وقال العقيلي: "في حديثه اضطراب"، وتكلم فيه آخرون لأجل ما وقع منه من أوهام، فهو صدوق يهم، والله أعلم [التهذيب (4/ 318)، مسند البزار (1/ 124 و 201/ 54) و (7/ 228/ 2800)، الثقات (5/ 492)، المجروحين (3/ 79)][وانظر مثلًا في أوهامه: علل ابن أبي حاتم (2137 و 2162)].

ورواية: "عن أمه" شاذة، والمحفوظ:"حدثتني جدتي".

3 -

محمد بن يعلى [السلمي الملقب زنبور: جهمي، متروك، ذاهب الحديث. التهذيب (3/ 738)، الميزان (4/ 70)]، عن الوليد بن جميع، عن جدته ليلى بنت مالك، وعن عبد الرحمن بن خلاد، كلاهما عن أم ورقة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسميها الشهيدة، فلما كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتلها غلامها وجاريتها، فأتي بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما.

أخرجه الدارقطني (3/ 114).

• خالفهم:

عبد الله بن داود الخريبي [ثقة]، فرواه عن الوليد بن جميع، عن ليلى بنت مالك، عن أبيها، وعن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة"، وأذِن لها أن يؤذَّن لها، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 89/ 1676)، والحاكم (1/ 203) [لكن لم يقل:"عن أبيها"، وهي زيادة ثابتة عن الخريبي] [وانظر: علل الدارقطني (15/ 417/ 4108)، الإتحاف (18/ 324/ 23687)]، وأبو القاسم الحامض في الثالث من فوائده (35)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3375/ 7716) [لكن قال:"عن أمها" بدل: "عن أبيها"، وهي رواية باطلة، تفرد بها محمد بن يونس الكديمي، وهو: كذاب، يضع الحديث]. والبيهقي (1/ 406) و (3/ 130)[عن الحاكم به، ولم يقل أيضًا: "عن أبيها"].

قال الحاكم: "قد احتج مسلم بالوليد بن جميع، وهذه سنة غريبة؛ لا أعرف في الباب حديثًا مسندًا غير هذا، وقد روينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء".

قلت: نعم، احتج مسلم بالوليد بن عبد الله بن جميع [صحيح مسلم (1787)]، وله عنده أيضًا متابعة [(2779)]، لكن الشأن فيمن رواه عنه الوليد، وسيأتي بيان ذلك.

ص: 567

• وخالفهم أيضًا:

عبد العزيز بن أبان، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن.

أخرجه الحارث بن أبي أسامة [عزاه إليه في الإصابة (2/ 341)]، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 964/ 487).

هكذا جعله من مسند خلاد أبي عبد الرحمن الأنصاري، وهو حديث باطل، تفرد به عبد العزيز بن أبان الأموي السعيدي: متروك، كذبه ابن نمير وابن معين، وقال:"كذاب خبيث، يضع الحديث"[التهذيب (2/ 581)].

وانظر: علل الدارقطني (15/ 417/ 4108).

• وقد اختلفت أنظار الأئمة في هذا الحديث:

فقد صححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن السكن، وسكت عليه أبو داود.

وقال ابن القطان الفاسي متعقبًا عبد الحق الإشبيلي: "وأستبعد عليه تصحيحه، فإن حال عبد الرحمن بن خلاد مجهولة، وهو كوفي، وجدة الوليد كذلك لا تعرف أصلًا"[بيان الوهم (5/ 23/ 2258)].

وقال في موضع آخر (5/ 685): "وسكت عنه، وهو لا يصح".

وذكره النووي في فصل الصحيح من الخلاصة (2346)، وقال:"رواه أبو داود، ولم يضعفه"، وكذا قال في المجموع (4/ 172).

وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 120): "وهذا لم يصح".

وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 376).

وقال ابن حجر في التهذيب (1/ 315): "وقد حسن الدارقطني حديث أم ورقة في كتاب السنن، وأشار أبو حاتم في العلل إلى جودته، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه".

قلت: لم أقف على تحسين الدارقطني له، ولا إشارة أبي حاتم إلى جودته في العلل.

وقال في التلخيص (2/ 27): "وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد، وفيه جهالة".

• قلت: الحق مع الذين ضعفوه، فإن هذا الحديث معلول بعدة علل:

الأولى: تفرد الوليد بن عبد الله بن جميع بهذا الحديث، إذ مداره عليه، ولم يضبط إسناده ولا متنه، بل اضطرب فيه، مما يدل على أنه لم يحفظه:

فمرة يقول: حدثتني جدَّتي، وعبدُ الرحمن بن خلاد الأنصاري.

ومرة يرويه عن عبد الرحمن بن خلاد وحده.

ومرة يقول: حدثتني جدتي، فقط.

ومرة يرويه عن ليلى بنت مالك، عن أبيها، وعن عبد الرحمن بن خلاد.

ولم أذكر من الأسانيد ما لم يثبت عن ابن جميع، مما تقدم بيانه في موضعه، وإنما اقتصرت على ذكر اختلاف الثقات عليه.

ص: 568

كما أنه كان يروي المتن مرة مختصرًا، ومرة مطولًا، ويزيد أحيانًا ما لم يذكره في بعض الأحايين.

والوليد بن جميع هذا ليس بالحافظ الذي يحتمل منه هذا التنوع، والاختلاف عليه، بحيث يقال بأن كلًّا قد حدَّث عنه بما سمع، أو أن بعض الثقات الذين رووه عنه قد وهموا فيه عليه [مثل رواية الخريبي]، ولكن الذي يظهر لي أن الاختلاف إنما منشؤه من ابن جميع نفسه، لا سيما وقد ضعف ابن حبان روايته عن عبد الرحمن بن خلاد خاصة، وقال فيه العقيلي:"في حديثه اضطراب"، ثم هو قد تفرد بهذا الحديث وما اشتمل عليه من أحكام وأخبار لم يتابع عليها، لذا قال الحاكم:"وهذه سنة غريبة؛ لا أعرف في الباب حديثًا مسندًا غير هذا"، فمثله لا يحتمل منه هذا التفرد سيما مع قرينة عدم حفظه للإسناد والمتن.

العلة الثانية: عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: لم يرو عنه سوى الوليد بن عبد الله بن جميع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان الفاسي:"حاله مجهولة"، ولا يُعرف له سماع من أم ورقة، ولا من عمر [التهذيب (2/ 503)، التاريخ الكبير (5/ 278)، الجرح والتعديل (5/ 230)، الثقات (5/ 98)].

الثالثة: مالك: روت عنه ابنته ليلى، ولا يُعرفان [التاريخ الكبير (7/ 309)، الجرح والتعديل (8/ 218)، الثقات (5/ 389)].

الرابعة: ليلى بنت مالك، جدة الوليد بن عبد الله بن جميع: لا تُعرف، ولا يُعرف لها سماع من أم ورقة، ولا من عمر [بيان الوهم (5/ 23/ 2258)، التقريب (779)].

الخامسة: أن عبد الرحمن بن خلاد وجدة الوليد مع كونهما مجهولان، فإنه لا يُعرف لهما سماع لا من أم ورقة، ولا من عمر بن الخطاب.

السادسة: أن هذا الحديث أوله مروي عن أم ورقة، وآخره مروي عن عمر بن الخطاب، وقد يتسمح البعض في جهالة التابعي الذي يرويه عن أم ورقة؛ لكونه من كبار التابعين، إذا كان وصفه بالجهالة، مما لا يقدح في صحة الرواية، لكن مثل هذا مما لا يحتمل هنا، ولا تصح معه الرواية، كيف لا! وقد صعد عمر المنبر وأخبر بالواقعة، ثم تخفى هذه الواقعة، وهذه الفضيلة لأم ورقة، كما تخفى قصة أول مصلوب بالمدينة، كيف يخفى هذا كله بعد ذكر عمر له على المنبر، وبعد رؤية الناس للمصلوبين، فلا ينقله أحد من الصحابة مع توافرهم بالمدينة حينئذ، ولا ينقله أحد من كبار التابعين، ومثل هذا مما يشتهر بين الناس، وتتداوله الألسن، وتتوفر الهمم والدواعى على نقله ونشره وحكايته، ثم أين أهل السير من تلك الحكاية.

ثم قوله: "انطلقوا نزور الشهيدة" يدل على أن الصحابة كانوا يرافقون النبي صلى الله عليه وسلم في زيارته لها، فكيف لا تُنقل مثل هذه الفضيلة لهذه المرأة إلا من قِبل هذين المجهولين فقط، دون من اطلع على حالها وعلم فضيلتها من الصحابة، والله أعلم.

السابعة: كيف تخفى هذه السنة على أهل المدينة، والتي منها خرجت، كيف لا

ص: 569

تجعل كل امرأة قارئة لنفسها مسجدًا لها في دارها، تتخذ فيه مؤذنًا يؤذن لها، وتؤم فيه أهلها، مثل ما كان من أم ورقة، كيف يخفى ذلك على أهل المدينة، ثم لا ينقله عن أم ورقة إلا أهل العراق، لا سيما لو قلنا بصحة الاحتجاج به على إمامة المرأة للرجال من محارمها، أو عبيدها، أو صبيانها، ثم لا تنتشر هذه السنة في المدينة، بل يكاد يوجد شبه إجماع من المتقدمين على عدم جواز إمامة المرأة للرجال، بل قد قال إمام أهل المدينة بخلاف ما دلت عليه هذه الحكاية، فقد قال مالك:"لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدًا"[المدونة (1/ 84)، قيام رمضان للمروزي (28)، الأوسط لابن المنذر (4/ 227)، المحلى (3/ 128)، المغني (2/ 17)].

وبهذه العلل يتبين أن هذا الحديث: حديث ضعيف.

فلا ينبغي الاشتغال بتأويله، فيما يتعلق بإمامة المرأة للرجال، وأما حديث جابر مرفوعًا:"لا تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلًا" فهو حديث منكر، تقدم تخريجه والكلام عليه تحت الحديث السابق برقم (590).

ومما جاء في إمامة المرأة للنساء من فعل أمهات المؤمنين:

1 -

سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة: كلاهما عن عمار بن معاوية الدهني، عن حجيرة بنت الحصين، قالت: أمَّتنا أم سلمة في صلاة العصر، فقامت بيننا.

أخرجه الشافعي في الأم (1/ 164)، وفي المسند (53)، وعبد الرزاق (3/ 140/ 5082)، ومسدد في مسنده (3/ 653/ 397 - المطالب)، وابن سعد في الطبقات (8/ 484)، وابن أبي شيبة (1/ 430/ 4952)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 227/ 2075)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (75 و 76)، والدارقطني (1/ 405)، وابن حزم في المحلى (4/ 220)، والبيهقي في السنن (3/ 131)، وفي المعرفة (2/ 410/ 1564).

صحح إسناده النووي، كما سيأتي، لكن حجيرة بنت الحصين: مجهولة، ولم أجد من وثقها، لكن مثل هذه الجهالة مما تحتمل، إذ لم ترو منكرًا، وإنما حكت واقعة خاصة حضرتها يحتمل تفرد النساء بها، وقد توبعت عليها، كما سيأتي.

2 -

سفيان الثوري: حدثني ميسرة بن حبيب النهدي، عن ريطة الحنفية، أن عائشة أمَّتهنَّ، وقامت بينهن في صلاة مكتوبة.

وفي رواية: قالت: أمَّتنا عائشة في الصلاة، فقامت وسطنا.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 141/ 5086)، وابن سعد في الطبقات (8/ 483)، وعبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 552/ 3611)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 227/ 2076)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (72 - 74)، والدارقطني (1/ 404)، وابن حزم في المحلى (4/ 219)، والبيهقي (3/ 131).

وإسناده حسن، وريطة الحنفية، قال العجلي:"كوفية تابعية ثقة"[معرفة الثقات (2335)].

ص: 570

قال النووي في الخلاصة (2358)، وفي المجموع (4/ 172) عن هذين الإسنادين:"رواهما الدارقطني والبيهقي بإسنادين صحيحين".

3 -

سعيد بن أبي عروبة [من رواية: يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن مسهر عنه]، وهمام بن يحيى:

عن قتادة، أن أم الحسن بن أبي الحسن حدثتهم: أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمُّهنَّ في رمضان، وتقوم معهن في الصف. وفي رواية: أن أم سلمة كانت تصلي بهن، فتقوم معهن في الصف.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 4953/430)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (78)، وابن حزم في المحلى (4/ 219).

قال ابن حزم: "هي: خيرة، ثقة الثقات، وهذا إسناد كالذهب".

لكن رواه شعبة، عن قتادة، عن أم سلمة: صلت في درع وخمار صفيق، وأمَّت النساء فقامت وسطهن، ولم تقدمهن.

أخرجه أبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (77).

قلت: رواية الاثنين من أصحاب قتادة [وفيهم سعيد بن أبي عروبة، وهو من أثبت أصحابه]، مقدمة على رواية الواحد، لا سيما ومعه زيادة علم، وبه يصح الأثر عن أم سلمة، والله أعلم.

والآثار في هذا المعنى كثيرة، وفي أسانيدها ضعف، انظر: مصنف عبد الرزاق (3/ 140)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 430)، الأوسط لابن المنذر (4/ 227/ 2077)، مستدرك الحاكم (1/ 203)، المحلى (3/ 126) و (4/ 219)، سنن البيهقي (3/ 131).

• ومن فقه المسألة:

قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 226): "وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فرأت طائفة أن تؤم المرأة النساء، روينا ذلك عن عائشة، وأم سلمة أمي المؤمنين"، ثم أسنده، ثم قال: "وبه قال: عطاء، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.

وقالت طائفة: لا تؤم المرأة في صلاة مكتوبة ولا نافلة، هذا قول: سليمان بن يسار، والحسن البصري، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وقال نافع مولى ابن عمر: لا أعلم المرأة تؤم النساء، وقال مالك: لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدًا، وكره أصحاب الرأي ذلك، فإن فعلت تجزيهم، وتقوم وسطًا من الصف.

وفيه قول ثالث: وهو أن المرأة لا تؤم النساء في الفريضة، وتؤمهم في التطوع، وتقوم في الصف لا تقدمهن، وروينا عن الشعبي، والنخعي، وقتادة: أنهم رخصوا للمرأة أن تؤم النساء في قيام شهر رمضان، وتقوم معهن في صفهن".

وقال ابن حزم (4/ 220): "وما نعلم لمن منع من إمامتها النساء حجةً أصلًا، لا

ص: 571