الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وقد تقدم الكلام على مسألة إدراك ثواب الجماعة، وإدراك حكمها: تحت الحديث رقم (412)، وكان مما قلته هناك:
أنه يكون له ثواب الجماعة بمشيه وسعيه إليها، وإن لم يدرك حكمها، فقد أدرك ثوابها لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"[البخاري (2996)، فهذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر، وكان يعتادها، كتب له أجر الجماعة [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (242/ 23)]، فكذلك من كان حريصًا على شهود الجماعة، لكن عرض له عذر أخره عن إدراكها مع الإمام، فجاء المسجد وقد فرغوا من الصلاة، فيرجى له حصول الثواب، وفضل الله واسع.
فقد روى إسماعيل بن علية [ثقة ثبت]، وحماد بن زيد [ثقة ثبت]:
كلاهما عن كثير بن شنظير، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: إذا انتهى الرجل إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف، وإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف.
وقال عطاء: كان يقال: إذا خرج من بيته وهو ينويهم فأدركهم أو لم يدركهم فقد دخل في التضعيف. لفظ ابن علية.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 362/ 4164)، وابن المنذر (4/ 244/ 2100)، والبيهقي في الشعب (3/ 69/ 2895).
وهذا إسناد حسن إلى أبي هريرة، موقوف عليه. والله أعلم.
***
53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد
565 -
. . . محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولكنْ لِيَخْرُجْنَ وهُنَّ تَفِلاتٌ".
• حديث صحيح.
أخرجه الدارمي (1/ 330/ 1279)، وابن خزيمة (3/ 90/ 1679)، وابن حبان (5/ 592/ 2214)، وابن الجارود (332)، وأحمد (2/ 438 و 475 و 528)، والشافعي في اختلاف الحديث (129)، وفي السنن (190)، وفي المسند (171)، وعبد الرزاق (3/ 151/ 5121)، والحميدي (2/ 431/ 978)، وابن أبي شيبة (2/ 156/ 7609)، وأبو يعلى (10/ 321 و 340/ 5915 و 5933)، وأبو العباس السراج في مسنده (798)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (254 و 2064)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 467 و 468/ 1058 و 1059)، وابن حزم في المحلى (3/ 130) و (4/ 78 و 198)، والبيهقي في
السنن (3/ 134)، وفي المعرفة (2/ 413/ 1568 و 1569) و (4/ 250/ 3267)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 174)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 18)، والبغوي في شرح السنة (3/ 438/ 860)، وقال:"هذا حديث صحيح".
واختلف فيه على محمد بن عمرو:
أ- فرواه يحيى بن سعيد القطان، وحماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان، ويزيد بن هارون، ويزيد بن زريع، وزائدة بن قدامة، ومعاذ بن معاذ، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعيسى بن يونس، وعبد الرحيم بن سليمان الأشل الكناني الرازي، وعبد الله بن إدريس، ووهيب بن خالد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأنس بن عياض، وسعيد بن عامر الضبعي، وعبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي:
رووه [وهم ثمانية عشر رجلًا من الثقات، أغلبهم حفاظ]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
ب- خالفهم فقصر في إسناده، وأرسله: إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [ثقة ثبت]، فرواه عن محمد، عن أبي سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
أخرجه علي بن حجر السعدي في حديث إسماعيل بن جعفر (220).
ورواية الجماعة هي الصواب.
قال النووي في المجموع (4/ 172): "رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وقال في موضع آخر (5/ 12):"رواه أبو داود بإسناد حسن، ولم يضعفه، وقد قدمنا أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده".
وقال في الخلاصة (2353): "رواه أبو داود بإسناد الصحيحين".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 46): "هذا الحديث صحيح،
…
، وإسناده على شرط الشيخين".
قلت: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي المدني: صدوق، حسن الحديث، أخرج له الشيخان، لكن لم يحتجا به، أخرج له البخاري مقرونًا بغيره وتعليقًا، وأخرج له مسلم متابعة [هدي الساري (2/ 1182)، التهذيب (3/ 663)، الميزان (3/ 673)].
وقد صحح له هذا الحديث: ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والبغوي، وغيرهم، واحتج به أبو داود.
• ولم ينفرد به محمد بن عمرو عن أبي سلمة:
فقد تابعه عليه أحد المدنيين الثقات: سلمة بن صفوان بن سلمة الأنصاري الزرقي.
رواه فليح بن سليمان: نا سلمة بن صفوان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 79)، والبزار (15/ 188/ 8569)، وأبو العباس السراج في مسنده (797)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (245).
وهذا إسناد مدني حسن.
تنبيه: وقع في مسند البزار: "عن صفوان بن سليم، قال: أحسبه عن أبي سلمة"، وأظنه وهمًا من شيخ البزار: أبي سهل محمد بن هاشم ابن أخت عبد الواحد بن غياث، ولم أعثر له على ترجمة.
• ورواه سويد بن عبد العزيز، عن المغيرة بن قيس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن لا يأتينه إلا تفلات".
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 568/179).
وقال الطبراني بأنه لم يروه عن المغيرة إلا سويد بن عبد العزيز.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ المغيرة بن قيس: قال فيه أبو حاتم: "منكر الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (8/ 228)، الثقات (9/ 168)، اللسان (8/ 135)]، وسويد بن عبد العزيز: ضعيف، في حديثه مناكير [التهذيب (2/ 135)].
• قال سعيد بن عامر: التَّفِلَةُ: التي لا طيبَ لها [قال أبو عبيد: "التفلة: التي ليست بمتطيبة، وهي المنتنة الريح"، وقال ابن قتيبة: "غير متطيبات"، وقال ابن فارس: "التفل: الريح الخبيثة"، وقال ابن عبد البر: "والتفلة: هي غير المتطيبة؛ لأن التفل نتن الريح، يقال: امرأة تفلة، إذا كانت متغيرة الريح: بنتن، أو ريح غير طيبة"، وقال البغوي: ""تفلات" أي: تاركات للطيب، يريد: ليخرجن بمنزلة التفلات، والتفل: سوء الرائحة، يقال: امرأة تفلة: إذا لم تطيب". غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 160)، غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 94)، الأوسط (4/ 229)، المجالسة وجواهر العلم (1981)، معالم السنن للخطابي (1/ 140)، معجم مقاييس اللغة (1/ 349)، التمهيد (24/ 174)، شرح السنة (3/ 438)، المغني (2/ 18)، النهاية (1/ 191)، الخلاصة (2353)، المجموع (5/ 12)، البدر المنير (5/ 47)].
***
566 -
. . . أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله".
• حديث صحيح، وهو متفق عليه من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع.
أخرجه أبو عوانة (1/ 396/ 1447)، وابن خزيمة (3/ 90/ 1678)، وابن حبان (5/ 585/ 2208)، وأحمد (2/ 36 و 45 و 151)، والبزار (12/ 88 و 173/ 5553 و 5806)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1181 - 1183)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 228 / 2078)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 568/ 1114)، والدارقطني في العلل (13/ 11/ 2900)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 279 و 280).
تنبيه: رواه بعضهم عن شعبة عن أيوب؛ فشذ بقوله: "بالليل"، وأصحاب شعبة لا يقولونها، وكذلك أصحاب أيوب.
• تابع أيوب السختياني عليه:
1 -
عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانت امرأةٌ لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله".
أخرجه البخاري (900)، ومسلم (442/ 136)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 62/ 982)، وابن حبان (5/ 587/ 2209)، وأحمد (2/ 16)، وابن أبي شيبة (2/ 856/ 7601 و 7611)، والبزار (12/ 87/ 5552)، وأبو العباس السراج في مسنده (799 و 800)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (247 و 248)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 467/ 1057)، وأبو بكر النجاد في مسند عمر (27)، وأبو القاسم الحنائي في فوائده (190)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (227)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 91)، وابن حزم في المحلى (3/ 129) و (4/ 197) و (7/ 50)، والبيهقي (3/ 132) و (5/ 224)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 397) و (24/ 278 و 280)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 359 - 360)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 35)، وابن الجوزي في التحقيق (710).
هكذا رواه عن عبيد الله بن عمر: ثقات أصحابه، مثل: أبي أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير، وعبد الله بن إدريس، ويحيى بن سعيد القطان، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس.
وانظر فيمن وهم فيه على عبيد الله بن عمر، فجعله من مسند عمر: مسند البزار (1/ 256/ 151)، مسند أبي يعلى (1/ 143/ 154)، مسند عمر لأبي بكر النجاد (25 و 26)، الكامل لابن عدي (5/ 76)، علل الدارقطني (13/ 10/ 2900)، تاريخ بغداد (11/ 344)، الأحاديث المختارة (1/ 302 - 303/ 193).
2 -
محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله المساجد، وليخرجن تفلات".
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (802)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (251)، والطبراني في الأوسط (3/ 363/ 3411).
من طريق: يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن ابن عجلان به.
وهو شاذ بهذه الزيادة "وليخرجن تفلات" من حديث نافع عن ابن عمر، وقد وراه ثقتان حافظان عن نافع بدونها، فلا تصح، وأظن الوهم فيه من يحيى بن أيوب الغافقي؛ فقد كان سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، وهو في الأصل صدوق [التهذيب (4/ 342)].
وله طريق أخرى تالفة عن ابن عجلان، عند البزار (12/ 175/ 5810).
3 -
أسماء بن عبيد، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المساجد".
أخرجه تمام في فوائده (1390)، قال: أخبرنا أبو الميمون بن راشد: ثنا مضر بن محمد: ثنا سعيد بن أبي الربيع السمان: ثنا الحارث بن عبيد، عن أسماء بن عبيد [ثقة] به.
وهذا إسناد فيه لين، صالح في المتابعات؛ الحارث بن عبيد، أبو قدامة الإيادي: بصري، ليس بالقوي [انظر: التهذيب (1/ 334)، الميزان (1/ 438)، تاريخ ابن معين للدوري (4199 و 4296)، ضعفاء أبي زرعة الرازي (607)، ضعفاء العقيلي (1/ 213)، الكامل (2/ 189)، وتقدم ذكره في الحديث رقم (500)]، وسعيد بن أبي الربيع السمان: صدوق، واسم أبيه أشعث [التعجيل (369)]، ومضر بن محمد بن خالد بن الوليد، الأسدي البغدادي المقرئ: ثقة [تاريخ بغداد (13/ 268)، طبقات الحنابلة (1/ 381)، تاريخ دمشق (58/ 286)، تاريخ الإسلام (20/ 473)]، وشيخ أبي تمام هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد، أبو الميمون البجلي الدمشقي: ثقة مأمون [السير (15/ 533)، تاريخ الإسلام (25/ 381)].
***
567 -
. . . العوام بن حوشب: حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءَكم المساجد، وبيوتهن خيرٌ لَهُنَّ".
• حديث شاذ.
أخرجه ابن خزيمة (3/ 92/ 1684)، والحاكم (1/ 209)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 469/ 1062)، وابن المقرئ في المعجم (1356)، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (360)، والبيهقي في السنن (3/ 131)، وفي الآداب (903)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 395 - 396 و 400)، والبغوي في شرح السنة (3/ 441/ 864).
زاد ابن خزيمة بإسناد صحيح إلى العوام: فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: بلى والله! لنمنعهن، فقال ابن عمر: تسمعني أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول ما تقول!.
وعلق ابن خزيمة القول بهذا الحديث على ثبوته، وقال:"ولا أقف على سماع حبيب بن أبي ثابت هذا الخبر من ابن عمر".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ فقد احتجا جميع" بالعوام بن حوشب، وقد صح سماع حبيب من ابن عمر، ولم يخرجا فيه الزيادة:"وبيوتهن خير لهن""، وذكر له شاهدًا من حديث أم سلمة.
وقال النووي في المجموع (4/ 170): "وحديث ابن عمر صحيح، رواه أبو داود
بإسناد صحيح على شرط البخاري"، وعزاه في الخلاصة (2351) لأبي داود، ثم قال: "بإسناد صحيح على شرط البخاري".
قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين، ولم يخرجا شيئًا بهذا الإسناد، وسماع حبيب بن أبي ثابت من ابن عمر ثابت في الرواية [انظر مثلًا: سنن النسائي (6/ 274/ 3734)، الأم (7/ 217)، مسند الشافعي (341)، مصنف عبد الرزاق (9/ 186 و 187/ 16877 و 16879)، نسخة أبي مسهر (74)، المعرفة والتاريخ (3/ 82)، مشكل الآثار (14/ 65/ 5453)، معاني الآثار (4/ 94 و 139)، سنن البيهقي (6/ 189)].
وأثبت له السماع من ابن عمر بدون قيد جماعة من الأئمة، مثل: يحيى بن معين، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان الفسوي، والحاكم [تاريخ الدوري (3/ 131/ 541)، التاريخ الكبير (2/ 313)، كنى مسلم (3677)، سؤالات الآجري (5/ ق 48)، المعرفة والتاريخ (2/ 204)].
وصحح له الترمذي حديث: "بني الإسلام على خمس"، ولم يذكر فيه سماعًا من ابن عمر [جامع الترمذي (2609)].
وفصل في سماعه من ابن عمر: يحيى بن سعيد القطان، فقيده بثلاثة أحاديث فقط، وما عداها فلم يسمعه، قال عبد الله بن أحمد في العلل (3/ 4957/220):"حدثني ابن خلاد، قال: سمعت يحيى القطان، يقول: عدَّ عليَّ سفيانُ عن حبيب بن أبي ثابت: سمعت ابن عمر، ثلاثةً، يعني: حديث الضالة، وتأتونا بالمعضلات، وسئل ابن عمر -وأنا أسمع-: عن رجلِ وَهَبَ لابنه ناقة. ثم قال: ليس غير هذه عن ابن عمر".
يعني: أنه لم يسمع من ابن عمر غير هذه الأحاديث الثلاثة، وقول يحيى هذا قول قوي، فإن حبيبًا أدرك ابن عمر صبيًّا [قاله سليمان بن حرب]، فلم يقدَّر له السماع من ابن عمر إلا الشيء اليسير، وسفيان الثوري كان أعلم الناس بحبيب بن أبي ثابت، ومما يؤيد هذا المعنى، قول العجلي:"سمع من ابن عمر غير شيء"[معرفة الثقات (257)].
وأثبت له ابن خزيمة السماع من ابن عمر، لكن بقيد التصريح بالسماع في كل حديث حديث، لوصفه إياه بالتدليس، فلا يقبل منه ما رواه بالعنعنة [صحيح ابن خزيمة (2/ 198) و (3/ 92)].
وقد كان حبيب بن أبي ثابت يُدخل كثيرًا بينه وبين ابن عمر واسطة، مثل: طاوس، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وعروة بن الزبير -ولا يثبت له السماع من عروة وإن كان قد سمع ممن هو أكبر منه-[انظر: جامع الترمذي (936)، مختصر الأحكام (4/ 202)، سنن ابن ماجه (2998)، مسند أحمد (2/ 113)، السنة لابن أبي عاصم (517 و 518)، السنة لعبد الله بن أحمد (498 و 1076)، الصيام للفريابي (104)، تهذيب الآثار للطبري، مسند ابن عباس (1/ 138/ 213)، معاني الآثار (1/ 278)، الغيلانيات (651 و 652)، الشريعة (725)، المعجم الكبير (12/ 396 و 414 و 430/ 13461 و 13526 و 13579
و 13580)، الصفات للدارقطني (45 و 48)، علل الدارقطني (12/ 429/ 2865) و (13/ 154 و 187 و 188 و 212 و 215/ 3033 و 3076 و 3077 و 3104 و 3108) و (15/ 131/ 3889)، المستدرك (2/ 319)، شرح أصول الاعتقاد (716)، الحلية (4/ 20) و (7/ 235)].
فإذا علمنا بعد ذلك أن حبيب بن أبي ثابت معدود في المدلسين، فقد روى أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: "لو أن رجلًا حدثني عنك، ما باليت أن أرويه عنك"، وقد وصفه بالتدليس: ابن خزيمة، وقال بعد أن روى قول حبيب هذا في التوحيد:"يريد: لم أبال أن أدلسه"، وظاهر كلامه في صحيحه يدل على أنه لا يحتج بحديث حبيب حتى يصرح بالسماع في كل حديث حديث، وعلق القول بهذا الحديث على ثبوته، وقال:"ولا أقف على سماع حبيب بن أبي ثابت هذا الخبر من ابن عمر"، هذا مع كونه قد أثبت له عموم السماع منه بقوله:"قد سمع حبيب بن أبي ثابت من ابن عمر"[صحيح ابن خزيمة (2/ 197 و 198) و (3/ 92)، التوحيد لابن خزيمة (1/ 87/ 42)].
ووصفه بالتدليس أيضًا: ابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وكلام البيهقي صريح في رد حديثه لكونه لم يصرح فيه بالسماع من شيخه، بل رواه عنه بالعنعنة، واحتج البيهقي بقرينة أخرى على أنه أخطأ فيه [الثقات (4/ 137)، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 327)، معرفة السنن والآثار للبيهقي (3/ 85/ 1986)، جامع التحصيل (105)، التبيين لأسماء المدلسين (11)، طبقات المدلسين (69)، وانظر: السير (5/ 288)].
وبناء على ذلك: فإن حبيب بن أبي ثابت إنما سمع من ابن عمر ثلاثة أحاديث فقط، وما عداها فلم يسمعها من ابن عمر، ومنها هذا الحديث، وقد انفرد فيه حبيب بهذه اللفظة:"وبيوتهن خير لهن"، ولم يتابعه عليها من روى الحديث عن ابن عمر من أصحابه المكثرين عنه، وممن هم أعلم به من حبيب بن أبي ثابت، مثل: ابنيه سالم وبلال، وحفيده عبد الله بن واقد، ومولاه نافع، وصاحبه مجاهد بن جبر، فلعل حبيبًا دلسه عن مجروح، والله أعلم.
وقد تقدم معنا لحبيب بن أبي ثابت حديث القبلة وحديث المستحاضة، واللذان لم يسمعهما حبيب من عروة بن الزبير، بل وأخطأ فيهما أيضًا على عروة [راجع حديث القبلة، وقد تقدم برقم (180)، وحديث المستحاضة، وقد تقدم برقم (298)]، والله أعلم.
***
568 -
. . . الأعمش، عن مجاهد، قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذَنُوا للنساء إلى المساجد بالليل".
فقال ابنٌ له: والله لا نأذنُ لَهُنَّ؛ فيتخذْنَه دَغَلًا، والله لا نأذنُ لَهُنَّ. قال: فسبَّه وغضب، وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا لَهُنَّ"، وتقول: لا نأذنُ لَهُنَّ.
• حديث صحيح.
أخرجه مسلم (442/ 138)، وأبو عوانة (1/ 395 و 396/ 1442 - 1444)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 63/ 984)، والترمذي (570)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 123/ 533 و 534)، وابن حبان (5/ 587/ 2210)، وأحمد (2/ 43 و 49 و 127 و 143 و 145)، والطيالسي (3/ 410/ 2006)، وعبد الرزاق (3/ 147/ 5108)، والسرقسطي في الدلائل (2/ 541/ 293)، وأبو العباس السراج في مسنده (791 - 794)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (239 - 243)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 466/ 1051)، والطبراني في الكبير (12/ 399/ 13471 و 13472)، وابن حزم في المحلى (3/ 130) و (4/ 197)، والبيهقي في السنن (3/ 132)، وفي الشعب (2/ 203/ 1540)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 395 و 396)، والخطيب في الأسماء المبهمة (34)، وابن الجوزي في التحقيق (711 م)، والرافعي في التدوين (4/ 199)، وعلقه البخاري بعد الحديث رقم (865) بصيغة الجزم، ووصله ابن حجر في التغليق (2/ 344).
ولفظه عند مسلم من طريق أبي معاوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل".
فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: لا ندعُهُنَّ يخرجن فيتخذْنَه دَغَلًا، قال: فزَبَرَهُ ابن عمر، وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا ندعهنَّ!.
ولفظ شعبة: عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا النساء المساجد بالليل".
فقال ابنه: بلى والله! لنمنعهن؛ يتخذنه دَغَلًا، فرفع يده فلطمه، فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا.
رواه عن الأعمش جماعة من أصحابه، مثل: شعبة، وسفيان الثوري، وأبي معاوية، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن نمير، وجرير بن عبد الحميد، وعيسى بن يونس، وأبي بكر بن عياش، وعبدة بن سليمان، وعبد الرحمن بن مغراء.
قال عبد الرحمن بن مغراء: أبنا الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا.
وسماع الأعمش لهذا الحديث من مجاهد: ثابت؛ لرواية شعبة له عن الأعمش، إذ كان شعبة يحمل عن الأعمش ما سمعه من شيوخه، ولم يدلسه، قال شعبة: أ كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة" [معرفة السنن والآثار (1/ 86)]، قال ابن حجر: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت
على السماع، ولو كانت معنعنة" [طبقات المدلسين (58)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 630 - 631)]، وقد تقدم الكلام على سماع الأعمش من مجاهد عند الحديث رقم (489)، وأن ما ثبت سماعه فيه من مجاهد قبلناه، وهذا منه، وقد صححه مسلم والترمذي وغيرهما، وقد توبع عليه الأعمش.
وانظر فيمن وهم فيه على الثوري وشعبة: مسند البزار (16/ 157/ 9262)، الحلية (7/ 137)، الطيوريات (1151).
• قال السرقسطي: "الدغل: كل موضع يخاف ضره وبأسه"، وقال ابن فارس: "الدال والغين واللام: أصل يدل على التباس والتواء من شيئين يتداخلان.
من ذلك: الدَّغل: وهو الشجر الملتف، ومنه: الدغل في الشيء، وهو الفساد، ويقولون: أدغل في الأمر، إذا أدخل فيه ما يخالفه" [الدلائل في غريب الحديث (2/ 540)، المستخرج على صحيح مسلم (2/ 63)، معجم مقاييس اللغة (358)، النهاية (2/ 123)].
• تابع الأعمشَ عليه:
1 -
عمرو بنُ دينار:
يرويه ورقاء بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائذَنُوا للنساء بالليل إلى المساجد".
فقال ابن له يقال له: واقد: إِذَنْ يتخذْنَه دغلًا، قال: فضرب في صدره، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا.
أخرجه البخاري (899)، ومسلم (139/ 442)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 63/ 985)، والطبراني في الكبير (12/ 427/ 13570).
خالفه: هشام الدستوائي، فرواه عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره بالقصة، وأسقط مجاهدًا من الإسناد.
أخرجه الطيالسي (3/ 419/ 2015)، ومن طريقه: أبو عوانة (1/ 396/ 1445).
ورواية ورقاء هي الصواب، فقد زاد في الإسناد مجاهدًا بين ابن عمر وابن دينار، والحديث مشهور من حديث مجاهد عن ابن عمر، واتفق الشيخان على تصحيحه.
2 -
عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعنَّ رجلٌ أهلَه أن يأتوا المساجد".
فقال ابن لعبد الله بن عمر: فإنا نمنعهنَّ، فقال عبد الله: أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا، قال: فما كلَّمه عبد الله حتى مات.
أخرجه أحمد (2/ 36).
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
3 -
إبراهيم بن المهاجر [صدوق يهم، تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (316)]،
عن مجاهد، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ائذنوا للنساء أن يصلِّين بالليل في المسجد".
أخرجه أحمد (2/ 98)، والطيالسي (3/ 408/ 2004)، وأبو العباس السراج في مسنده (795)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (246)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 466/ 1052)، والطبراني في الكبير (12/ 425/ 13565).
وإسناده حسن.
4 -
ليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، عن مجاهد، عن ابن عمر به مرفوعًا، بالقصة وزيادة:"بالليل"، وزاد في رواية:"ولكن ليخرجن تفلات".
أخرجه أحمد (2/ 49 و 98 و 145)، وعبد الرزاق (3/ 147/ 5108)، والطبراني في الكبير (12/ 399/ 13471)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 396)، والخطيب في الأسماء المبهمة (34).
وإسناده جيد في المتابعات، لكنه منكر بزيادة "ولكن ليخرجن تفلات" من حديث ابن عمر.
• وله طرق أخرى عن ابن عمر:
1 -
ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأْذَنَّكم إليها".
قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعُهُنَّ، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيِّئًا، ما سمعته سبَّه مثله قطُّ، وقال: أُخبرُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: والله لنمْنعَهُنَّ!
وفي رواية: "إذا استأذنت أحدَكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها".
قال سفيان بن عيينة: "يرون أنه بالليل".
أخرجه البخاري (873 و 5238)، ومسلم (442/ 134 و 135)، وأبو عوانة (1/ 394 و 395/ 437 - 1440)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 62/ 980 و 981)، والنسائي في المجتبى (2/ 42/ 706)، وفي الكبرى (1/ 391/ 787)، وابن ماجه (16)، والدارمي (1/ 128 و 330/ 442 و 1278)، وابن خزيمة (3/ 90/ 1677)، وأحمد (2/ 7 و 9 و 140 و 151)، والشافعي في اختلاف الحديث (130)، وفي السنن (188)، وفي المسند (171)، وعبد الرزاق (3/ 147 و 151/ 5107 و 5122)، والحميدي (2/ 277 612)، والبزار (12/ 263/ 6030)، وأبو يعلى (9/ 306 و 370 و 400 و 412/ 5426 و 5491 و 5539 و 5559)، وأبو العباس السراج في مسنده (786 - 789 و 801)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (234 - 236 و 249 و 250)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 465 و 466/ 1050 و 1053)، وابن حزم في المحلى (3/ 129) و (4/ 197)، والبيهقي في السنن (3/ 132) و (5/ 224)، وفي المعرفة (2/ 411/ 1565 و 1566)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 281)، والخطيب في الأسماء المبهمة (34)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 78)، وابن الجوزي في التحقيق (711).
وانظر فيمن وهم فيه فجعله من مسند عمر: مسند السراج (785)، وحديثه بانتقاء الشحامي (233).
وانظر فيمن وهم في إسناده على الزهري: صحيح ابن حبان (5/ 2213/591)، ذم الكلام وأهله (2/ 145 - 146/ 296).
2 -
حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، قال: سمعت سالمًا، يقول: سمعت ابن عمر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا استأذنَكم نساؤكم [بالليل] إلى المساجد فأْذَنُوا لَهُنَّ".
أخرجه البخاري (865)، ومسلم (442/ 137)، وأبو عوانة (1/ 396/ 1446)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 63/ 983)، وأحمد (2/ 57 و 143 و 156)، وابن أبي شيبة (2/ 156/ 7613)، والبزار (12/ 278/ 6079)، وأبو يعلى (9/ 333 و 383 و 428/ 5443 و 5510 و 5578)، وأبو العباس السراج في مسنده (790)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (237 و 238)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 466/ 1054)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 293)، وابن حزم في المحلى (7/ 50)، والبيهقي (3/ 132)، والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 739/ 446)، والبغوي في شرح السنة (3/ 439 - 440/ 862)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته".
وقال أحمد: "إسناد حسن"[الفتح لابن رجب (5/ 306)].
3 -
عبد الله بن يزيد المقرئ: حدثنا سعيد بن أبي أيوب: حدثنا كعب بن علقمة، عن بلال بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا النساء حظوظَهنَّ من المساجد إذا استأذنوكم"، وفي رواية:"إذا استأذنَّكم".
فقال بلال: والله لنَمْنعَهُنَّ، فقال له عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت: لنمنعَهُنَّ!.
أخرجه مسلم (442/ 140)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 107)، وأبو عوانة (1/ 395/ 1441)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 986/64)، وأحمد (2/ 90)، وأبو العباس السراج في مسنده (803)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (252)، والطبراني في الكبير (12/ 326/ 13252)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1714/ 4323)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (2/ 145 - 146/ 296).
وله إسناد آخر:
يرويه: يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني عرابي بن معاوية، عن عبد الله بن هبيرة السبئي، قال: حدثني بلال بن عبد الله بن عمر: أن أباه عبد الله بن عمر قال يومًا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد".
فقلت: أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليمنع أهله، فالتفت أبي، فقال: لعنك الله، لعنك الله، لعنك الله، تسمعني أقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يمنعن، وتقول: لأمنعن أهلي، ثم بكى، وقام مغضبًا.
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 45/ 120)، وفي الكبير (12/ 326/ 13251)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (182)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 280 - 281)، وفي جامع بيان العلم (2/ 1209/ 2376).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عرابي بن معاوية إلا يحيى بن بكير".
وقال الحاكم: "عرابي ليس في رواة الحديث غير هذا الواحد".
قلت: هو منكر بهذا اللفظ، علته عرابي بن معاوية هذا، وهو في عداد المجاهيل، ولم فيه جرحًا ولا تعديلًا [التاريخ الكبير (7/ 112)، وقال: "غرابي"، وتُعقب وإنما هو بالعين المهملة. بيان خطأ البخاري (455)، كنى مسلم (1260)، الجرح والتعديل (7/ 45)، الأسماء المفردة (412)، المؤتلف والمختلف للدارقطني (4/ 1770)، الإكمال (6/ 196)، الأنساب (4/ 174)، تاريخ الإسلام (12/ 294)، توضيح المشتبه (6/ 210)].
والمعروف الأول.
4 -
الليث بن سعد، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن محمد، عن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر: أن عبد الله بن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 357).
هكذا رواه عن الليث بن سعد: كاتبه عبد الله بن صالح [صدوق، كثير الخطأ].
ورواه ابنه شعيب [ثقة فقيه]، وعيسى بن حماد زغبة [ثقة، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات][وهما أثبت في الليث بن سعد، وأكثر عددًا من كاتبه عبد الله بن صالح]، قالا:
أنبأنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن محمد، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله بن واقد: أن عبد الله بن عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إلا تمنعوا النساء خطاهن [لعلها: حظوظهن] من المساجد".
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 468/ 1060)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 156).
وهذه الرواية أولى بالصواب، وهو إسناد مدني ثم مصري صحيح.
عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر: سمع جده ابن عمر، وروى له مسلم، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة [التهذيب (2/ 450)، التاريخ الكبير (5/ 219)، الجرح والتعديل (5/ 190)، صحيح مسلم (1971 و 2086)، مسند الحميدي (636)]، ومحمد بن جعفر بن الزبير بن العوام: مدني، ثقة فقيه، ويزيد بن محمد بن قيس بن مخرمة القرشي المطلبي، مدني نزل مصر، وهو: ثقة، ويزيد بن أبي حبيب والليث بن سعد: ثقتان فقيهان جليلان، من أئمة أهل مصر في العلم والفقه والحديث.
وانظر: أسد الغابة (5/ 451)، الإصابة (6/ 635).
• وذكره مالك في موطئه (1/ 273 - 274/ 530)، بلاغًا عن ابن عمر.
• ووقفت للحديث على إسنادين آخرين في أحدهما: متهم، وفي الآخر من ضُعِّف، انظر: المعجم الكبير للطبراني (12/ 328 و 363/ 13255 و 13350).
• وفي الباب:
1 -
عن زيد بن خالد الجهني:
عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام، عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله المساجد، وليَخرُجْنَ تَفِلاتٍ".
أخرجه أحمد (5/ 192 و 193)، والبزار (9/ 230 - 231/ 3772)، وأبو العباس السراج في مسنده (796)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (244)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 228/ 2079)، والمحاملي في الأمالي (289 - رواية ابن مهدي الفارسي)، ووقع عنده:"محمد بن عبد الرحمن بن عمرو". وابن حبان (5/ 589/ 2211)، ووقع عنده:"محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان". والطبراني في الكبير (5/ 248/ 5239 و 5240)، ووقع عنده في أحد الطريقين:"محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان". وابن عدي في الكامل (4/ 303).
ومن قال: ابن عثمان فقد وهِم، أو صحَّف، إنما هو ابن هشام [انظر: تحفة الأشراف (11/ 329)، وما سيأتي في حديث زينب الثقفية]، وقد اختلف عليه في هذا الحديث، وقول عبد الرحمن بن إسحاق: وهْمٌ سيأتي بيانه، مع ذكر الاختلاف فيه على محمد بن عبد الله.
• ومما جاء في معناه من الإذن للنساء في شهود الجماعة بالمسجد؛ بشرط عدم التطيب:
2 -
عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود:
يرويه بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب امرأة عبد الله، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكُنَّ المسجد [وفي رواية: العشاء] فلا تمسَّ طيبًا".
وفي رواية: "إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيَّب تلك الليلة".
أخرجه مسلم (443)، وأبو عوانة (1/ 360 و 396 و 397/ 1298 و 1299 و 1448 و 1449)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 64/ 987 و 988)، والنسائي في المجتبى (8/ 154 - 155 و 189 و 190/ 5130 و 5260 و 5262)، وفي الكبرى (8/ 350 و 351/ 9365 - 9367)، وابن خزيمة (3/ 91/ 1680)، وابن حبان (5/ 593/ 2215)، وأحمد (6/ 363)، وإسحاق بن راهويه (5/ 247/ 2399)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 31/ 3212)، وأبو العباس السراج في مسنده (810 و 812)، وفي حديثه
بانتقاء الشحامي (260)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 229/ 2080)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 467/ 1055)، والطبراني في الكبير (24/ 283 و 284/ 718 و 720 و 723)، والدارقطني في العلل (9/ 83 - 85/ 1653)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3339/ 7651)، وابن حزم في المحلى (3/ 130) و (4/ 78 و 197)، والبيهقي (3/ 133)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 171).
رواه عن بكير بن عبد الله بن الأشج: ابنه مخرمة، ومحمد بن عجلان، وعبيد الله بن أبي جعفر، وابن لهيعة، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام العامري.
• وقد اختلف فيه على ابن عجلان:
أ- فرواه يحيى بن سعيد القطان، وسفيان الثوري، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وروح بن القاسم [وهم ثقات، وفيهم: إمامان حافظان]:
عن ابن عجلان، قال: حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب امرأة ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
…
فذكره.
أخرجه مسلم (443/ 142)، وأبو عوانة (1/ 360 و 396/ 1299 و 1448)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 64/ 988)، والنسائي في المجتبى (8/ 154 - 155 و 189/ 5130 و 5260)، وفي الكبرى (8/ 350/ 9365 و 9366)، وابن خزيمة (3/ 91/ 1680)، وابن حبان (5/ 593/ 2215)، وأحمد (6/ 363)، وإسحاق بن راهويه (5/ 247/ 2399)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 31/ 3212)، وأبو العباس السراج في مسنده (812)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (260)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 229/ 2080)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 467/ 1055)، والطبراني في الكبير (24/ 283 و 284/ 718 و 720)، والدارقطني في العلل (9/ 83 - 85/ 1653)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3339/ 7651)، وابن حزم في المحلى (3/ 130) و (4/ 78 و 197)، والبيهقي (3/ 133)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 171).
وانظر فيمن وهم فيه على يحيى القطان: مصنف ابن أبي شيبة (5/ 305/ 26338)، والأدب له (103).
ب- ورواه سفيان بن عيينة [ثقة حافظ إمام]، عن ابن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة عبد الله بن مسعود: "إذا أرادت إحداكن أن تشهد العشاء فلا تمس طيبًا". هكذا مرسلًا، وقال: يعقوب، بدل: بكير.
أخرجه عبد الرزاق (4/ 372/ 8112)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 467/ 1056)، والدارقطني في العلل (9/ 81/ 1653).
وقد اختلف فيه على ابن عيينة، وهذا هو المحفوظ فيه عن ابن عيينة [انظر: علل الدارقطني (9/ 76 و 81/ 1653)، المعجم الكبير (24/ 283/ 719)].
ج- ورواه وهيب بن خالد [ثقة ثبت]، عن محمد بن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب امرأة عبد الله، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[للنساء]: "إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمس طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 154/ 5129)، وفي الكبرى (8/ 350/ 9364).
قال النسائي: "وحديث يحيى بن سعيد وجرير: أولى بالصواب من حديث وهيب بن خالد، والله تعالى أعلم".
قلت: وهو كما قال، فقد اتفق إمامان حافظان جليلان على ذلك، وهما سفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان [وهو من أثبت الناس في ابن عجلان]، وتابعهما على ذلك جماعة من الثقات، وهو الوجه الذي اختاره مسلم وصححه.
• ورواه الليث بن سعد، واختلف عليه:
أ- فرواه قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، ويحيى بن عبد الله بن بكير [مصري، وهو ثقة في الليث]، وعبد الله بن صالح [كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط]:
قالوا: ثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر [مصري، ثقة فقيه]، عن بكير بن عبد الله الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيَّتُكنَّ خرجت إلى المسجد فلا تقربنَّ طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 190/ 5262)، وفي الكبرى (8/ 351/ 9367)، وأبو عوانة (1/ 396 - 397/ 1449)، وأبو العباس السراج في مسنده (810)، والطبراني في الكبير (24/ 284/ 723)، وفي الأوسط (8/ 311/ 8727)[وفي سنده سقط]. وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3339/ 7651)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 409) و (62/ 35).
ب- وخالفهم: عثمان بن سعيد [ابن كثير بن دينار الحمصي: ثقة]، قال: حدثنا الليث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيَّتُكنَّ خرجت إلى المسجد فلا تقربنَّ طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 155/ 5131)، وفي الكبرى (8/ 351/ 9368).
قال النسائي: "وحديث قتيبة: أولى بالصواب من الذي بعده، والله أعلم".
قلت: وهو كما قال، فإن أهل بلد الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، وحديث الرجل الذي اشتهر في بلده وخارجها: أولى من حديثه الذي لم يُعرف إلا خارج بلده، وقتيبة بن سعيد البغلاني، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن صالح: أعلم بحديث الليث بن سعد من عثمان بن سعيد، وقد زادوا في الإسناد رجلًا، وحفظوا ما لم يحفظه عثمان، والله أعلم.
• ورواه محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام العامري [ذكره ابن حبان في الثقات، وفيه جهالة. التاريخ الكبير (1/ 141)، الجرح والتعديل (7/ 301)، الثقات (9/ 33)]، واختلف عليه:
أ- فرواه عبد الرحمن بن إسحاق المدني [ليس به بأس، وليس هو ممن يعتمد على حفظه، ففي بعض حديثه ما ينكر ولا يتابع عليه. التهذيب (2/ 487)، الميزان (2/ 547)]، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام، عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله المساجد، وليَخرُجْنَ تَفِلاتٍ".
قال الدارقطني في العلل (9/ 1653/79): "ولم يذكر في الإسناد بكيرًا لأنه أسنده عن زينب"، يعني: أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام إنما يرويه عن بكير بن الأشج، وبكير إنما يرويه عن بسر عن زينب، فوهم فيه عبد الرحمن بن إسحاق مرتين: مرة بإسقاط بكير من الإسناد، ومرة بجعله من مسند زيد بن خالد، ثم قال الدارقطني:"والقول: قول من أسنده عن زينب".
ب- ورواه إبراهيم بن سعد، واختلف عليه:
• فرواه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي [بصري، ثقة حافظ]، وموسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي [بصري، ثقة ثبت]، ومحمد بن سنجر الجرجاني [ثقة حافظ. الثقات (9/ 147)، تاريخ جرجان (379)، الأنساب (4/ 518)، بيان الوهم (5/ 636)، تذكرة الحفاظ (2/ 578)]، ويعقوب بن حميد بن كاسب [حافظ، له غرائب ومناكير، وأسند مراسيل، وهو مدني نزل مكة. انظر الأحاديث المتقدمة برقم (2 و 39 و 193 و 497 و 502 و 504 و 518 و 520 و 531 و 538 و 558)]، ويعقوب بن محمد الزهري [مدني، نزل بغداد، ضعيف. تقدم ذكره في الأحاديث رقم (447 و 520 و 534)]:
قالوا: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله القرشي [وفي رواية: محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام]، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية امرأة عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن لا تمس الطيب إذا خرجت إلى العشاء الآخرة.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 141 - 142)، والنسائي في المجتبى (8/ 155/ 5132)، وفي الكبرى (8/ 352/ 9369)، والطيالسي (3/ 225/ 1757)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 845/ 3596 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 31/ 3213)، وأبو العباس السراج في مسنده (813)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (261)، والطبراني في الكبير (24/ 284/ 722)، والدارقطني في العلل (9/ 86/ 1653)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3339/ 7651)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 171 - 172).
• ورواه منصور بن أبي مزاحم [التركي، أبو نصر البغدادي: ثقة]، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرجت المرأة إلى العشاء الآخرة فلا تمس طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 155/ 5133)، وفي الكبرى (8/ 352/ 9371)، وابن حبان (5/ 590/ 2212).
هكذا رواه عن منصور: الحسن بن سفيان النسوي [ثقة ثبت، حافظ إمام]، وأبو بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي [ثقة حافظ]، وحامد بن محمد بن شعيب البلخي [ثقة. سؤالات السهمي (247)، تاريخ بغداد (8/ 169)، السير (14/ 291)، ونعته بقوله: "الإمام المحدث الثبت"].
وخالفهم فوهم: أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي [ثقة حجة، حافظ إمام. تاريخ بغداد (7/ 199)، تاريخ الإسلام (23/ 65)، السير (14/ 96)، ونعته بقوله: "الإمام الحافظ الثبت، شيخ الوقت"]، فرواه عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن عبد الله به، هكذا بدون ذكر أبيه في الإسناد.
ذكره الدارقطني في العلل (9/ 1653/79)، ووهَّم من قال بخلافه، والحق مع جماعة الحفاظ، والله أعلم.
• ورواه إبراهيم بن حمزة الزبيري [ليس به بأس. التهذيب (1/ 63)]: ثنا إبراهيم بن سعد، عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري [ثقة]، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب امرأة عبد الله، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبًا".
أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 284/ 721)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3339/ 7651).
قال الطبراني: حدثنا جعفر بن سليمان النوفلي: ثنا إبراهيم به.
وشيخ الطبراني: هو جعفر بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن المغيرة بن نوفل: ليس بالمشهور، ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا، روى عنه الطحاوي والطبراني وغيرهما، وهو بصري، قدم إلى مصر، وحدث بها، وخرج إلى الشام، وتوفي بفلسطين، وذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء [تاريخ الإسلام (21/ 140)، مغاني الأخيار (1/ 124)، مجمع الزوائد (8/ 100)، وقال: "لم أعرفه"].
• ورواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد [ثقة]، وأخوه سعد بن إبراهيم [ثقة]:
قالا: ثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: أخبرتني زينب الثقفية امرأة عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا خرجتِ إلى العشاء فلا تمسي طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 190/ 5261)، وفي الكبرى (8/ 352/ 9370)، وأبو عوانة (1/ 360/ 1298)، وأحمد (6/ 363)، وابن سعد في الطبقات (8/ 290)، والدارقطني في العلل (9/ 86/ 1653)، والبيهقي في الشعب (6/ 171/ 7814)، والمزي في التهذيب (25/ 524).
قال النسائي: "وحديث يعقوب: أولى بالصواب، والله أعلم".
قلت: وهو كما قال؛ فإن أهل بيت الرجل أعلم بحديثه من غيرهم، أما رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري فهي وهمٌ، إما منه وإما من الراوي عنه، وأما رواية منصور بن أبي مزاحم فهي وهمٌ أيضًا، فهو غريب تفرد بقوله:"عن أبيه"، ولم يتابع عليه، وأما رواية الجماعة: الطيالسي وأبي سلمة التبوذكي ومن تابعهما: فالثقات منهم: غرباء بين بصري وجرجاني، وأما المدنيون منهم: فليسوا من أهل الاحتجاج، واحتمال الوهم قائم في روايتهم، حيث أسقطوا راويًا من الإسناد، وقد يكون الوهم فيه من إبراهيم نفسه، ومن حفظ وزاد في الإسناد حجة على من لم يحفظ، والله أعلم.
قال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، ومن طريق منصور بن أبي مزاحم:"الإسنادان جميعًا محفوظان، وهما: طريقان اثنان، متناهما مختلفان".
قلت: وهذا قول ضعيف، والصحيح ما تقدم، فكلا الروايتين وهم، والمحفوظ: رواية يعقوب وسعد ابنا إبراهيم، عن صالح بن كيسان، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: أخبرتني زينب الثقفية امرأة عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا خرجتِ إلى العشاء فلا تمسي طيبًا".
وعلى هذا يحرر الرواة عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام العامري، فيقال: قد روى عنه اثنان: صالح بن كيسان، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني فقط، والله أعلم.
والمحفوظ: حديث صالح بن كيسان، وحديث عبد الرحمن بن إسحاق: وهمٌ، ولا يُعرف من حديث زيد بن خالد الجهني إلا من طريقه، وهو ليس بالحافظ، والمعروف إنما هو من حديث زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود، قال الدارقطني:"والقول: قول من أسنده عن زينب".
• تابع بكير بن الأشج: زياد بن سعد:
رواه الهيثم بن خالد [بن يزيد المصيصي: ضعيف. سؤالات الحاكم (238)، تاريخ بغداد (14/ 61)، الميزان (4/ 321)، التهذيب (4/ 297)، التقريب (646)]، وسنيد بن داود [ضعيف، لا سيما في حجاج. التهذيب (2/ 120)، التقريب (258)]، قالا: حدثنا الحجاج بن محمد: حدثنا ابن جريج: حدثنا زياد بن سعد، عن الزهري، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمسن طيبًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 155/ 5134)، وفي الكبرى (8/ 352/ 9372)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 79/ 211)(2/ 54/ 211 - ط سعد الحميد)، والدارقطني في الأفراد (2/ 394/ 5878 - أطرافه)، وفي العلل (9/ 87/ 1653)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 172).
قال النسائي: "وهذا غير محفوظ من حديث الزهري، والله أعلم".
وقال ابن أبي حاتم: "قال أبي: لم يرو هذا الحديث عن ابن شهاب: سوى زياد بن سعد، ولا روى عن زياد بن سعد غيرُ ابن جريج، ولا عن ابن جريج إلا حجاج، ولا عن حجاج إلا سنيد.
غير أن أبا زرعة حدثني بعورته؛ أخبرني أنه ذكر هذا الحديث ليحيى بن معين، فقال: رأيت هذا الحديث في كتاب حجاج، عن ابن جريج، عن زياد، عن بسر؛ ليس فيه الزهري.
قال أبو محمد: وقرأ علينا أبو زرعة هذا الحديث عن سنيد هكذا، فأملى علينا أبو زرعة، وقال: أَخبرتُ بهذا الحديث يحيى بن معين، فقال: كتبته من كتاب حجاج، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه الزهري".
وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث الزهري عن بسر بن سعيد عنها، وغريب من حديث زياد بن سعد عن الزهري، تفرد به ابن جريج عنه، ولم يروه عنه غير الحجاج بن محمد، وهو غريب عن الحجاج، لم يروه عنه بهذا الإسناد غير سنيد بن داود، والهيثم بن خالد".
وقال ابن عبد البر: "وهذا الحديث يقولون: إنه انفرد به حجاج عن ابن جريج".
ثم قال ابن عبد البر: "أخبرنا خلف بن أحمد، وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن حزم، قال: حدثنا محمد بن موسى الحضرمي: حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي، قال: أتى رجل يحيى بن معين، فقال له: روى الزهري عن بسر بن سعيد، فوقف، ثم سألني، فأخبرته بحديث ابن أبي فديك، وقلت له: إن ههنا ببغداد حديثًا آخر يرويه سنيد، عن حجاج الأعور، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة تبخرت واستنظفت فلا تأتي المسجد".
فلما كان يوم الجمعة الثانية، قال لي: نظرت في الحديثين، أما حديث ابن أبي فديك: فهو صحيح، وأما حديث حجاج: فأنا كتبته عن حجاج من أصل كتابه بالمصيصة، وعارضت به كتابي قبل أن أسمعه، ثم قرأه عليَّ حجاج، ثم قدم حجاج بغداد فعارضته بكتابي أيضًا، وحدثنا حجاج من كتابه، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن بسر بن سعيد، عن زينب: ليس فيه الزهري".
ثم قال ابن عبد البر: "قد رواه جماعة عن حجاج كما رواه سنيد".
قلت: فالحفوظ في هذا الإسناد ما رواه ابن معين عن حجاج، قال:
حدثنا حجاج من كتابه، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن بسر بن سعيد، عن زينب: ليس فيه الزهري.
وعلى هذا فيكون زياد بن سعد قد تابع بكير بن الأشج في هذا الحديث، لكن يغلب على الظن أنه مرسل بين زياد وبسر، والله أعلم.
وانظر فيمن وهم فيه على ابن جريج: المعجم الكبير للطبراني (24/ 283/ 717)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (6/ 3339/ 7651)، اللسان (7/ 196).
• وتابعه أيضًا:
الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب [مدني، ثقة، من الخامسة]، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية، قالت: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيتكن شهدت العشاء فلا تمسن طيبًا".
أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 285/ 724)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3340/ 7652).
قال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون: ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري: ثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي، عن الحارث به.
قلت: رجاله ثقات حفاظ؛ غير عاصم بن عبد العزيز بن عاصم الأشجعي المدني؛ فإنه: ليس بالقوي [تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (256)].
• ورواه مالك رحمه الله في الموطأ (1/ 274/ 531) أنه بلغه عن بسر بن سعيد: مرسلًا.
قال الدارقطني في العلل (9/ 80): "والقول: قول من أسنده عن زينب".
• هكذا روى هذا الحديث: بكير بن عبد الله بن الأشج [ثقة ثبت]، وزياد بن سعد [ثقة ثبت]، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب [ثقة]، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود.
وخالفهم فجعله من مسند أبي هريرة:
3 -
عن أبي هريرة:
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة [مدني، ثقة]، عن يزيد بن خصيفة [مدني، ثقة مأمون]، عن بسر بن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".
أخرجه مسلم (444)، وأبو عوانة (1/ 361/ 1300)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 989/65)، وأبو داود (4175)، والنسائي في المجتبى (8/ 154 و 190/ 5128 و 5263)، وفي الكبرى (8/ 349/ 9363)، وأحمد (2/ 304)، وأبو العباس السراج في مسنده (811)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (259)، والدارقطني في العلل (9/ 80/ 1653)، وأبو الحسن الحربي في فوائده المنتقاة (56)، والبيهقي في السنن (3/ 133)، وفي المعرفة (2/ 414/ 1571)، وقال:"حديث ثابت". وابن عبد البر في التمهيد (24/ 172)، والبغوي في شرح السنة (3/ 439/ 861)، وقال:"هذا حديث صحيح". والذهبي في التذكرة (4/ 1432).
وقال النسائي: "لا نعلم أن أحدًا تابع يزيد بن خصيفة [عن بسر بن سعيد] على قوله: عن أبي هريرة، وقد خالفه: يعقوب بن عبد الله بن الأشج، رواه عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية".
وقال الدارقطني في العلل (9/ 80): "والقول: قول من أسنده عن زينب".
وقال ابن عبد البر: "هكذا قال: عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة، وهو عندي خطأ، وليس في الإسناد من يتهم بالخطأ فيه إلا أبو علقمة الفروي؛ فإنه كثير الخطأ جدًّا، والحديث إنما هو لبسر بن سعيد عن زينب الثقفية".
قلت: لم يخرجه مسلم على هيئة المنكر له، والذي يظهر لي من طريقة مسلم -والله أعلم- أن مسلمًا أخرجه محتجًا به مصححًا إياه، وتابعه على تصحيحه: أبو عوانة والبيهقي والبغوي وغيرهم، ويزيد بن عبد الله بن خصيفة: ثقة، وأبو علقمة الفروي: ثقة، ولم أر من تابع ابن عبد البر على قوله فيه، ولا يستبعد كون الحديث كان عند بسر بن سعيد عن زينب، وعن أبي هريرة، فحدث به مرة هكذا، ومرة هكذا، والله أعلم.
• ورواه محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرنا عبد الله بن فروخ، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن قارظ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة تبخرت فلا تشهد العشاء الآخرة".
أخرجه ابن عبد البر (24/ 174)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن الخلال بمرو، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأصم به.
قال ابن عبد البر: "أخشى ألا يكون هذا الإسناد محفوظًا، والمحفوظ في هذا الباب عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات"".
قلت: هو حديث منكر، تفرد به عبد الله بن فروخ الخراساني عن ابن جريج، وابن فروخ هذا: أثنى عليه سعيد بن أبي مريم، وقال البخاري:"يُعرف منه، ويُنكر"، وفي رواية:"تعرف وتنكر"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما خالف"، وقال الجوزجاني:"أحاديثه مناكير"، وقال ابن عدي:"ومقدار ما ذكرت من الحديث لعبد الله بن فروخ غير محفوظة، وله غير هذا من الحديث"، وقال الخطيب:"في حديثه نكرة"، وروى له ابن خزيمة في صحيحه (1717) حديثًا غير هذا عن ابن جريج، واستغربه فقال:"هذا حديث غريب، لم يروه غير عبد الله بن فروخ"، وترجم له العقيلي بنفس حديثه عند ابن خزيمة، ثم قال:"لا يتابع عليه"، وقال فيه البيهقي:"تفرد به عبد الله بن فروخ المصري، وله أفراد"، وانظر في أوهامه أيضًا على ابن جريج: علل الدارقطني (15/ 12/ 3806)، وأما الحاكم فاغتر به، وصحح له، وقال:"صدوق"، ووثقه الذهلي وأبو العرب [التاريخ الكبير (5/ 170)، الجرح والتعديل (5/ 137)، الثقات (8/ 335)، ضعفاء العقيلي (2/ 289)، الكامل (4/ 199)، المستدرك (1/ 216 و 313) و (4/ 201)، المدخل إلى
الصحيح (4/ 150)، سنن البيهقي (2/ 182)، فتح الباري لابن رجب (5/ 258)، الميزان (2/ 471)، تاريخ الإسلام (11/ 214)، البدر المنير (8/ 532)، التهذيب (2/ 402)، مغاني الأخيار (3/ 136)].
وقد خالفه حجاج بن محمد المصيصي الأعور [ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن جريج]، فرواه عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن بسر بن سعيد، عن زينب.
وهو الصواب، وقد تقدم.
4 -
عن عائشة:
يرويه مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح؛ فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يُعرفن من الغلس.
تقدم برقم (423)، وهو حديث متفق على صحته.
5 -
عن أم سلمة:
يرويه الزهري، قال: حدثتني هند بنت الحارث: أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها: أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ إذا سلَّمن من المكتوبة قُمْنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صلى [وفي رواية: ومن خلفه] من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. وفي رواية: كان يسلِّم فينصرف النساءُ فيَدخُلْنَ بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم.
أخرجه البخاري (837 و 849 و 850 و 866 و 870)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (1040)، إن شاء الله تعالى.
6 -
عن أنس بن مالك:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتَها، فأسمع بكاءَ الصبي فأتجوَّزُ في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وَجْد أمه من بكائه".
وهو حديث متفق عليه من حديث أنس، وله طرق [أخرجه البخاري (709 و 710)، ومسلم (470)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (789)، إن شاء الله تعالى].
7 -
عن أبي قتادة:
يرويه يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهية أن أشق على أمه".
أخرجه البخاري (707 و 868)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (789)، إن شاء الله تعالى.
قال ابن رجب في الفتح (5/ 308): "والمراد هاهنا من ذلك: أن النساء كن يشهدن
الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعهن صبيانهن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم ذلك، ويراعي في صلاته حالهنَّ، ويؤثِر ما يهوِّن عليهن، ويجتنب ما يشقُّ عليهن، وذلك دليل على أن حضورهن الجماعة معه غير مكروه، ولولا ذلك لنهاهن عن الحضور معه للصلاة".
8 -
عن سهل بن سعد:
يرويه سفيان الثوري، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: لقد رأيت الرجال عاقدي أُزُرِهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأُزُر خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفعْنَ رؤوسكن حتى يرفعَ الرجالُ.
وفي رواية: قال: كان رجال يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أُزُرَهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعْنَ رؤوسكنَّ حتى يستويَ الرجالُ جلوسًا.
وهو حديث متفق عليه [أخرجه البخاري (362 و 814 و 1215)، ومسلم (441)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (630)، إن شاء الله تعالى].
9 -
عن أبي هريرة:
يرويه سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أوَّلها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أوَّلها".
أخرجه مسلم (440)، والترمذي (224)، وقال:"حسن صحيح"، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (678)، إن شاء الله تعالى.
10 -
عن أبي هريرة:
يرويه شعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشريك بن عبد الله:
عن عاصم بن عبيد الله [منكر الحديث. التهذيب (2/ 254)، الميزان (2/ 353)]، قال: سمعت عبيدًا مولى أبي رهم [لم يسمه ابن عيينة، وقال شريك: عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم] يحدث: أن أبا هريرة رأى امرأة في طريق من طرق المدينة، فسطع منها ريحُ الطِّيب، فقال لها أبو هريرة: المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: أوَلَه تطيَّبتِ؟ قالت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تطيبت للمسجد فيقبل الله عز وجل لها صلاة حتى تغتسل منه كاغتسالها من الجنابة"، فارجعى، قال: فرأيتها مولية.
وفي لفظ: عن أبي هريرة، قال: لَقِيَتْهُ امرأةٌ: وجد منها ريحَ الطِّيب يَنْفَحُ، ولذيلها إِعصَارٌ، فقال: يا أمة الجبار جئتِ من المسجد؟ قالت: نعم، قال: ولهَ تطيَّبتِ؟ قالت: نعم، قال: إني سمعت حِبِّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاةٌ لامرأة تطيَّبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة". قال أبو داود: "الإعصار غبار".
أخرجه أبو داود (4174)، وابن ماجه (4002)، وأحمد (2/ 246 و 297 و 444 و 461)، والشافعي في السنن (189)، والطيالسي (4/ 286/ 2680)، وعبد الرزاق (4/ 371/ 8109)، والحميدي (971)، وابن أبي شيبة في المصنف (26864 - طبعة عوامة)، وفي الأدب (102)، وعبد بن حميد (1461)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير
(1/ 457/ 1711 - السفر الثاني)، والبزار (15/ 44 و 45/ 8254 و 8255)، وأبو يعلى (11/ 366/ 6479)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2268)، وابن حبان في المجروحين (2/ 128)، والبيهقي في المعرفة (2/ 413/ 1570)، والمزي في التهذيب (19/ 220).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من وجهين، هذا أحدهما، ولا نعلم رواه عن عبيد إلا عاصم".
وضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 284) بعاصم بن عبيد الله، فتعقبه ابن القطان بقوله: "ولم يعرض لعبيد مولى أبي رهم، وهو لا يُعرف، وقد اختلفوا فيه، فمنهم: من لا يسميه عن عاصم، فيقول: عن مولى لأبي رهم، فمن قائلي ذلك: ابن عيينة، من رواية ابن أبي عمر عنه. وقال عنه ابن أبي شيبة: عن مولى ابن أبي رهم.
ومنهم من يسميه، واختلفوا: فالأكثر يقول: عن عاصم، عن عبيد، وهذا قول الثوري، وشعبة، وربما قال بعضهم: عن عبيد بن أبي عبيد، كذا قال شريك
…
[ثم ذكر الاختلاف على ليث، ثم قال:] وهو مع هذا رجل لا تُعرف له حال، ولا يُعرف له كبير شيء من الحديث، إنما هي ثلاثة أو نحوها عن أبي هريرة، فاعلم ذلك" [بيان الوهم (3/ 253/ 994)].
وانظر في الغرائب والمناكير: أمالي ابن بشران (621).
• ورواه ليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، واضطرب فيه، فقال مرة: عن عبد الكريم، عن مولى أبي رهم، عن أبي هريرة، وقال أخرى: عن عبيد، عن أبي هريرة، وقال ثالثة: عن علوان مولى لأبي رهم، عن أبي هريرة، وقال رابعة: عن مجاهد، عن أبي هريرة، اختلف عليه الثقات في ذلك، والاضطراب من ليث.
أخرجه أحمد (2/ 365)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 457/ 1712 - السفر الثاني)، والبزار (16/ 217/ 9367)، وانظر: مصنف عبد الرزاق (4/ 371/ 8110)، علل الدارقطني (9/ 87/ 1654)، اللسان (5/ 247 و 476)، تعجيل المنفعة (668).
قال ابن أبي خيثمة: "وكذا قال: عن علوان مولى أبي رهم، وإنما هو: عبيد مولى أبي رهم".
وقال الدارقطني في العلل بعد ما ذكر الاختلاف على الليث: "ورواه عاصم بن عبيد الله، عن عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم، عن أبي هريرة، وهو المحفوظ".
وقال في سؤالات البرقاني (407): "علوان أبو رهم: مجهول يُترك، لا يحدث عنه غير ليث بن أبي سليم".
• ورواه العباس بن محمد الدوري [ثقة حافظ]: ثنا خالد بن مخلد [القطواني: صدوق، وله مناكير، يؤخذ عنه حديث أهل المدينة. شرح علل الترمذي (2/ 775)، التهذيب (1/ 531)، الميزان (1/ 640)]: ثنا عبد الرحمن بن الحارث بن أبي عبيد من
أشياخ كوثى مولى أبي رهم الغفاري [مديني، لا بأس به. التاريخ الكبير (5/ 272)، الجرح والتعديل (5/ 224)، الثقات (7/ 73)، تاريخ الإسلام (10/ 317)]، عن جده [عبيد بن أبي عبيد]، قال: خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحى، فلقيتنا امرأة بها من العطر شيء لم أجد بأنفي مثله قط، فقال لها أبو هريرة: عليك السلام، فقالت: وعليك، قال: فأين تريدين؟ قالت: المسجد، قال: ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ قالت: للمسجد، قال: الله! قالت: الله! قال: الله! قالت: الله! قال: فإن حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أخبرني: "أنه لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها حتى تغتسل منه غسلها من الجنابة". فاذهبي فاغتسلي منه، ثم ارجعي فصلي.
أخرجه البيهقي (3/ 133).
وقال: "جده: أبو الحارث عبيد بن أبي عبيد، وهو عبد الرحمن بن الحارث بن أبي الحارث بن أبي عبيد". وانظر: التاريخ الكبير (5/ 272).
قلت: مدار الحديث على عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم: قال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 453): "عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم سمع أبا هريرة رضي الله عنه"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"تابعي، ثقة"، لكن قال العقيلي في ترجمة عيسى بن شعيب:"وعبيد بن أبي عبيد: مجهول"، وتقدم قول ابن القطان فيه:"لا تُعرف له حال، ولا يُعرف له كبير شيء من الحديث"[وانظر: تاريخ ابن معين للدوري (3/ 209/ 968)، الجرح والتعديل (5/ 411)، الثقات (5/ 135)، معرفة الثقات (1183)، ضعفاء العقيلي (3/ 380)، تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 818)، بيان الوهم (3/ 254/ 994)، اللسان (5/ 356 و 363)].
وعليه: فهذا إسناد ضعيف؛ لأجل جهالة عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم، لا سيما وقد اشتمل حديثه على حكم فقهي، وهي أن المرأة إذا خرجت من بيتها متطيبة: فإن الله لا يقبل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة، ولا يحتمل هذا من مثله.
• وله طريقان آخران:
• الأول: يرويه الأوزاعي: حدثني موسى بن يسار، عن أبي هريرة، قال: مرت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، فقال لها: إلى أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد، قال: تطيبت، قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف؛ حتى ترجع فتغتسل".
أخرجه ابن خزيمة (3/ 92/ 1682)، وأبو يعلى (11/ 271/ 6385)، وأبو العباس السراج في مسنده (817)، والبيهقي في السنن (3/ 133 و 245)، وفي الآداب (898)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 149) و (61/ 240 و 241) و (62/ 40).
قال المفضل الغلابي: "قلت ليحيى بن معين: إن الأوزاعي حدث عن موسى بن
يسار: أن امرأة مرت بأبي هريرة يعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ فقال: هذا شيخ شامي، وليس هو موسى بن يسار عم محمد بن إسحاق بن يسار المدني، وقد روى موسى هذا عن مكحول" [تاريخ دمشق (61/ 242)].
وعلق ابن خزيمة القول به على صحته، فقال:"إن صح الخبر".
فتعقبه المنذري بقوله: "إسناده متصل ورواته ثقات"[الترغيب (3/ 60)].
قلت: موسى بن يسار هذا هو الأردني، يقال: إنه من أهل دمشق، قال أبو حاتم:"روى عن أبي هريرة مرسل، ولم يدركه"، ثم قال:"هو شيخ مستقيم الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عساكر:"روى عن أبي هريرة مرسلًا"[التاريخ الكبير (7/ 298)، الجرح والتعديل (8/ 167)، المراسيل (778)، الثقات (7/ 457)، تاريخ دمشق (61/ 240)، جامع التحصيل (815)، تحفة التحصيل (321)، تاريخ الإسلام (9/ 645)، التهذيب (4/ 192)].
فهذا إسناد شامي ضعيف؛ لانقطاعه.
• الثاني: أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 153 - 154/ 5127)، وفي الكبرى (8/ 349/ 9362)، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم [ثقة حافظ]، قال: حدثنا سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: سمعت صفوان بن سليم - ولم أسمع من صفوان غيرَه -، يحدث عن رجل ثقة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة". مختصر.
ثم وجدت في نسخة إبراهيم بن سعد [مطبوع ضمن فوائد عبد الوهاب ابن منده (2/ 92/ 1441) حديث رقم (46)] التي يرويها عنه: أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد، قال: حدثني إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن سليم، عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سجدتان في قعر بيتها خير من أربع ركعات في الحجرة، وأربع ركعات في الحجرة خير من ثمان في الدار".
وعبد الله بن صالح: مصري، صدوق، كثير الخطأ، وسليمان بن داود الهاشمي البغدادي: ثقة مأمون، وإبراهيم بن سعد: مدني، نزل بغداد، فرواية الهاشمي أشبه بالصواب، والله أعلم.
قلت: وإسناد النسائي هذا هو أصلح إسناد لهذا الحديث؛ لثقة رجاله وشهرتهم، وصفوان بن سليم المدني: تابعي، ثقة ثبت، من خيار عباد الله الصالحين، فالغالب أنه لا يروي إلا عن تابعي مثله، وقد وثق شيخه، أو يكون إبراهيم بن سعد هو الذي وثقه، لكن يبقى أيضًا أنا لا نعلم هل سمع هذا الراوي المبهم من أبي هريرة أم لا؟
فمثل هذا الإسناد الذي اشتمل على هذا المبهم الذي وثقه راوي حديثه: يتقوى