المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌69 - باب الإمام يصلي من قعود - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٧

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌69 - باب الإمام يصلي من قعود

- ‌78).***70 -باب الرجلين يؤمُّ أحدُهما صاحبَه، كيف يقومان

- ‌71 - باب إذا كانوا ثلاثةً كيف يقومون

- ‌7).***72 -باب الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌73 - باب الإمام يتطوع في مكانه

- ‌74 - باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة

- ‌75 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

- ‌76 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام، أو يضَع قبله

- ‌77 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

- ‌78 - باب جماع أبواب ما يُصلَّى فيه

- ‌79 - باب الرجل يعقِد الثوبَ في قفاه ثم يصلي

- ‌80 - باب الرجل يصلي في ثوبٍ واحد بعضُه على غيره

- ‌81 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد

- ‌82 - باب إذا كان الثوب ضيقًا يتَّزر به

- ‌83 - باب الإسبال في الصلاة

- ‌84 - باب في كم تصلي المرأة

- ‌85 - باب المرأة تصلي بغير خمار

- ‌86 - باب ما جاء في السدل في الصلاة

- ‌87 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌88 - باب الرجل يصلي عاقصًا شعره

- ‌89 - باب الصلاة في النعل

- ‌91).***90 -باب المصلي إذا خلع نعليه، أين يضعهما

- ‌91 - باب الصلاة على الخُمرة

- ‌92 - باب الصلاة على الحصير

- ‌93 - باب الرجل يسجد على ثوبه

- ‌تفريع أبواب الصفوف

- ‌94 - باب تسوية الصفوف

- ‌95 - باب الصفوف بين السواري

- ‌96 - باب مَن يُستحبُّ أن يلي الإمامَ في الصف وكراهية التأخر

- ‌97 - باب مقام الصبيان من الصف

- ‌98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول

- ‌99 - باب مقام الإمام من الصف

- ‌100 - باب الرجل يصلي وحده خلف الصف

- ‌16).***101 -باب الرجل يركع دون الصف

- ‌تفريع أبواب السترة

- ‌102 - باب ما يستر المصلي

- ‌ 150)].***103 -باب الخط إذا لم يجد عصًا

- ‌104 - باب الصلاة إلى الراحلة

- ‌105 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها، أين يجعلها منه

- ‌106 - باب الصلاة إلى المتحدِّثين والنِّيام

- ‌107 - باب الدُّنُوِّ من السترة

- ‌108 - باب ما يُؤمر المصلي أن يدرأ عن الممرِّ بين يديه

الفصل: ‌69 - باب الإمام يصلي من قعود

‌69 - باب الإمام يصلي من قعود

601 -

. . . مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركِب فرسًا فَصُرِعَ عنه، فَجُحِشَ شِقُّه الأيمنُ، فصلَّى صلاةً من الصلوات وهو قاعد، فصلَّينا وراءه قعودًا، فلما انصرف قال:"إنما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتمَّ به؛ فإذا صلى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون".

• حديث متفق على صحته.

هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ (1/ 358/196).

ومن طريقه: البخاري (689)، ومسلم (411/ 80)، وأبو عوانة (1/ 435/ 1617)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 36/ 916)، وأبو داود (601)، والنسائي في المجتبى (2/ 98/ 832)، وفي الكبرى (1/ 438/ 908)، والدارمي (1/ 319/ 1256) و (1/ 343/ 1310)، وابن حبان (5/ 461/ 2103)، والشافعي في الأم (2/ 340/ 340) و (8/ 536/ 3638)، وفي الرسالة (64)، وفي اختلاف الحديث (77)، وفي المسند (58)، وابن وهب في الجامع (375)، والبزار (12/ 357/ 6260)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (477 و 609)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 162 - 163/ 1422) و (4/ 88 و 373/ 2004 و 2297)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 401)، وفي المشكل (14/ 307/ 5637)، والجوهري في مسند الموطأ (118)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (125)، وابن النحاس في التاسع من أماليه (8)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 373)، وابن حزم في المحلى (3/ 60)، والبيهقي في السنن (3/ 79)، وفي المعرفة (2/ 353/ 1460)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 132 و 134)، والبغوي في شرح السنة (3/ 420/ 850)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته".

• وتابع مالكًا عليه:

معمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس بن يزيد، والليث بن سعد، وأيوب السختياني [غريب من حديثه]، وابن جريج، وعبيد الله بن عمر [غريب من حديثه]، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وإبراهيم بن أبي عبلة، وابن أخي الزهري، وإسحاق بن راشد، وزمعة بن صالح [ضعيف]، وسليمان بن أرقم [متروك]:

رووه عن الزهري، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرسٍ، فجُحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعدًا، فصلينا وراءه قعودًا، فلما قضى الصلاة قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع

ص: 5

فاركعوا، [وإذا رفع فارفعوا]، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد [وفي رواية: اللهم ربنا لك الحمد]، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون". لفظ سفيان وهو أتم، وبنحوه لفظ معمر والليث.

أخرجه البخاري (732 و 733 و 805 و 1114)، ومسلم (411/ 77 - 79 و 81)، وأبو عوانة (1/ 435 و 436/ 1615 - 1620)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 34 - 36/ 913 - 915 و 917)، والترمذي (361)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(337)، والنسائي في المجتبى (2/ 83 و 196/ 794 و 1061)، وفي الكبرى (1/ 333 و 425/ 652 و 871) و (7/ 62/ 7473)، وابن ماجه (1238)، وابن خزيمة (2/ 89/ 977)، وابن حبان (5/ 460 و 469 و 477/ 2102 و 2108 و 2113)، وابن الجارود (229)، وأحمد في مسنده (3/ 110 و 162)، وفي مسائل ابنه صالح (1389)، وابن عيينة في جزئه (6)، وابن وهب في الجامع (375)، والطيالسي (3/ 562/ 2204)، وعبد الرزاق (2/ 460/ 4078 و 4079)، والحميدي (2/ 501/ 1189)، وابن سعد في الطبقات (2/ 214)، وابن أبي شيبة (1/ 226/ 2593) و (2/ 115/ 7134) و (7/ 286/ 36134)، وعبد بن حميد (1161)، والبزار (12/ 357 - 358/ 6258 - 6264) و (13/ 47/ 6364)، وأبو يعلى (6/ 256 و 283/ 3558 و 3595)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (473 - 476 و 478 و 479 و 608)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 162 - 163/ 1422) و (4/ 188 و 373/ 2004 و 2297)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 403)، وفي المشكل (14/ 307/ 5637)، والطبراني في الأوسط (2/ 175/ 1627) و (4/ 70/ 3636)، وفي مسند الشاميين (1/ 62/ 66) و (4/ 152 / 2979)، وابن عدي في الكامل (6/ 194)، والدارقطني في سؤالات السلمي له (310)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (430)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (125)، وابن النحاس في التاسع من أماليه (8)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 373) و (7/ 326)، وفي أخبار أصبهان (1/ 117)، والبيهقي في السنن (2/ 97 و 303)(3/ 78)، وفي القراءة خلف الإمام (313 و 314)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 132)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 135)، والبغوي في شرح السنة (3/ 419/ 850)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (14)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 41) و (40/ 26) و (51/ 4) و (55/ 296)، وأبو موسى المديني في اللطائف (599)، والحازمي في الاعتبار (1/ 411/ 140)، وابن الجوزي في التحقيق (576 و 706 و 736 و 742).

قال البزار: "ولا نعلم رواه عن أيوب إلا الطفاوي، ولا عن عبيد الله بن عمر إلا ابن مقدم وعدي بن الفضل".

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث لم يحدث به عن أيوب غير الطفاوي، وهو غريب من حديث أيوب عن الزهري".

ص: 6

وقال الدارقطني في العلل (12/ 2579/165): "هو حديث صحيح من حديث الزهري".

وقال أبو نعيم: "وهو حديث صحيح ثابت، متفق على صحته، رواه عن الزهري: أيوب السختياني، وإبراهيم بن أبي عبلة، ويحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، والليث بن سعد، والأوزاعي، ومعمر، وابن عيينة، وعقيل، ويونس، وقرة، ويزيد بن الهاد، والزبيري، والنعمان بن راشد، وإسحاق بن راشد، وابن أبي ذئب، وعبيد الله بن أبي زياد، وابن أخي الزهري، وأبو أويس، وزمعة بن صالح، ويحيى بن أبي أنيسة، وأبو الغطريف، وسفيان بن الحسين".

• تنبيهات:

1 -

وقع عند أبي عوانة، وابن المنذر، والطحاوي في المشكل، والحاكم في المعرفة، وابن النحاس، والبيهقي في السنن، وابن عبد البر، من رواية: ابن وهب، عن يونس ومالك والليث، عن ابن شهاب به، وكذا هو في الجامع لابن وهب، وفي رواية الطحاوي جعل ابن سمعان بدل الليث، وجمع بين الأربعة عند الحاكم وابن عبد البر، وزاد عند الجميع عدا الحاكم:"فلا تختلفوا عليه".

قال أبو عوانة: "وليس في رواياتهم: "لا تختلفوا عليه"، إلا حديث ابن وهب عن مالك والليث ويونس وابن سمعان، وأرى هذه الزيادة من رواية ابن سمعان".

وقال ابن عبد البر: "فقوله في هذا الحديث: "فلا تختلفوا عليه" ليس في الموطأ، ولا رواه بهذا الإسناد عن مالك غير: ابن وهب، وابنه يحيى بن مالك، وأبي علي الحنفي [كما عند الدارمي (1256)]، والله أعلم، وقوله: "وإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا" ليس في الموطأ، ولا رواه عن مالك غير: ابن وهب، وابن مهدي، وجويرية، والله أعلم".

قلت: ابن سمعان هو: عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني: متروك، اتهم بالكذب، وقد جاء الحديث من طرق صحيحة عن كلٍّ من مالك والليث ويونس، وليس في حديثهم هذه الزيادة الأولى، ولم ترد من غير طريق ابن وهب، مما يدل على أن ابن وهب حمل رواية الجماعة على لفظ ابن سمعان، فهي زيادة منكرة من حديث أنس، والتبعة فيها على ابن سمعان، والله أعلم.

وقد رواه ابن وهب عن يونس وحده، وليس فيه هذه الزيادة [عند مسلم].

وأما الزيادة الثانية التي ذكرها ابن عبد البر، فهي ثابتة في هذا الحديث من غير حديث مالك، رواها عن الزهري جماعة من اْصحابه الثقات المقدمين فيه، مثل: معمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، وغيرهم، وزاد آخرون السجود وحده، مثل: شعيب، وابن جريج.

2 -

تفرد الحسن بن علي بن شبيب المعمري [ثقة حافظ؛ إلا أنه رفع أحاديث وهي

ص: 7

موقوفة، وزاد في المتون أشياء ليست فيها. انظر: الكامل (2/ 338)، تاريخ بغداد (7/ 369)، اللسان (3/ 71)، وغيرها]، عن أبي الأشعث أحمد بن المقدام، عن أيوب، عن الزهري، في هذا الحديث بلفظة:"وإذا قرأ فأنصتوا".

قال ابن عدي: "وهذا الحديث لم يحدث به عن أيوب غير الطفاوي، وهو غريب من حديث أيوب عن الزهري.

وحدث بهذا الحديث المعمري عن أبي الأشعث [وهو: أحمد بن المقدام] عن الطفاوي بهذا الإسناد، فزاد في متنه:"وإذا قرأ فأنصتوا" فتكلم فيه الناس من أجله.

وقال لنا عبدان [يعني: الأهوازي الحافظ]: لما حدث المعمري بهذه الزيادة عن أبي الأشعث كتبوا إليَّ من بغداد، فكتبت إليهم: إن محمد بن بكار، وإسماعيل بن سيف، وأبا الأشعث، ثلاثتهم: حدثونا عن الطفاوي، وليس فيه:"وإذا قرأ فأنصتوا"".

وقال الدارقطني في العلل (12/ 166/ 2579): "ورواه أبو علي المعمري، عن أبي الأشعث، عن الطفاوي، عن الزهري، عن أنس، فزاد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا قرأ الإمام فأنصتوا"، ولم يتابع على ذلك".

وقال في سؤالات الحاكم (78): "الحسن بن علي بن شبيب المعمري: صدوق عندي، حافظ، وأما موسى بن هارون فجرحه، وكانت بينهما عداوة، وكان أنكر عليه أحاديث، أخرج أصوله العتق بها، ثم ترك روايتها،

، ومنها: حديث الطفاوي، عن أيوب، عن الزهري، عن أنس:"إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وفيه:"إذا قرأ فأنصتوا" كذا وقع في أصله، فلما أنكر عليه تركه" [وانظر: سؤالات السلمي (310)، تاريخ دمشق (13/ 161)].

وقال في الأفراد (2/ 174/ 1051): "تفرد به الحسن بن علي بن شبيب المعمري، عن أبي الأشعث، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن أيوب عنه".

وقال البيهقي: "غلط فيه الحسن بن علي المعمري، وله من أمثال ذلك أفراد منكرة".

3 -

تفرد سليمان بن أرقم [وهو: متروك]، عن الزهري بهذه الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا"، فهي زيادة منكرة من حديث الزهري عن أنس.

قال البيهقي: "وهذا مما يتفرد به سليمان بن أرقم، وهو: متروك، جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما".

4 -

قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 130): "لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك عن الزهري عن أنس، ورواه سويد بن عبد العزيز، عن مالك، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون"، فأخطأ سويد في هذا الحديث خطأ لم يتابعه أحد عليه فيما علمت، وزاد فيه: "إذا كبر فكبروا، وإذا سجد

ص: 8

فاسجدوا" ولم يقل: "إذا رفع فارفعوا""، ثم أسنده من طريق سويد، وسويد بن عبد العزيز السلمي الدمشقي: ضعيف، يروي أحاديث منكرة [انظر: التهذيب (2/ 134)، الميزان (2/ 252)، إكمال مغلطاي (6/ 166)].

وأخرجه من طريق سويد أيضًا وأنكره عليه:

ابن حبان في المجروحين (1/ 351)، وابن عدي في الكامل (3/ 425).

قال ابن عدي: "وهذا إنما يرويه مالك في الموطأ عن الزهري عن أنس، وسويد أخطأ على مالك، أو تعمد".

وقال الدارقطني في العلل (12/ 166/ 2579): "ورواه سويد بن عبد العزيز، عن مالك، عن الزهري، فقال: عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، ووهم في ذلك، وإنما رواه مالك، عن الزهري، عن أنس"، ووهمه أيضًا في تعليقاته على المجروحين (134)، وفي العلل (8/ 222/ 1532)، لكن جعل الصواب فيه: مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، والأول أصح، والله أعلم.

وقال الذهبي في الميزان (2/ 252): "وهذا منكر الإسناد".

وثمة أوهام أخرى ذكرها ابن عبد البر في التمهيد (6/ 133)، والدارقطني في العلل (9/ 112/ 1667) و (12/ 165/ 2579).

• وله طريق أخرى عن أنس:

يرويها خالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، وهشيم بن بشير، وحماد بن سلمة، ويزيد بن هارون، وأبو شهاب عبد ربه بن نافع:

عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا، فدخل عليه الناس، فحضرت الصلاة، فصلى بهم قاعدًا وهم قيام، فلما حضرت الصلاة الأخرى ذهبوا يقومون، فقال:"ائتموا بإمامكم، فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا" فمكث تسعًا وعشرين ليلة ثم ترك، فقالوا: يا رسول الله، أليس آليت شهرًا؟ قال:"الشهر تسع وعشرون".

وفي رواية ليزيد بن هارون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه، فجحشت ساقه أو كتفه، وآلي من نسائه شهرًا، فجلس في مشرُبة له، درجتها من جذوع، فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم جالسًا وهم قيام، فلما سلم قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا [وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا] " ونزل لتسع وعشرين، فقالوا: يا رسول الله! إنك آليت شهرًا؟ فقال: "إن الشهر تسع وعشرون".

أخرجه البخاري (378)، والنسائي في المجتبى (6/ 166/ 3456)، وفي الكبرى (5/ 274/ 5621)، وابن حبان (5/ 475/ 2111)، وأحمد (3/ 200)، وابن أبي شيبة (2/ 332/ 9606)، والبزار (13/ 157/ 6569)، وأبو يعلى (6/ 384 و 441/ 3728 و 3825)،

ص: 9

والطحاوي في شرح المعاني (1/ 404)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (12/ ب) و (13/ أ، ب)، والذهبي في السير (23/ 130)، اختصره بعضهم.

ورواه سليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، ويزيد بن زريع، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري:

عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه [شهرًا]، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسعًا وعشرين [ليلة] ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله آليت شهرًا؟ فقال: "الشهر تسع وعشرون". هكذا مختصرًا بدون موضع الشاهد.

أخرجه البخاري (1911 و 2469 و 5201 و 5289 و 6684)، والترمذي (690)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 309/ 634)، وابن حبان (10/ 103/ 4277)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (43)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 123)، وفي أحكام القرآن (1/ 445/ 991)، والطبراني في الأوسط (9/ 22/ 9009)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (13/ ب)، وابن حزم (6/ 200)، والبيهقي (7/ 381)، والبغوي في شرح السنة (9/ 184/ 2344).

***

602 -

.. الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: ركِب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا بالمدينة، فصرعه على جِذْم نخلة، فانفكَّت قدمُه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مَشْرُبَةٍ لعائشة يسبِّح جالسًا، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرةً أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالسًا، فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة قال: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا، وإذا صلى الإمام قائمًا فصلوا قيامًا، ولا تفعلوا كما يفعل أهلُ فارسَ بعظمائها".

• حديث صحيح.

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (960)، وابن ماجه (3485)، وابن خزيمة (3/ 53/ 1615)، وابن حبان (5/ 476 و 478/ 2112 و 2114)، وأحمد (3/ 300)، وابن أبي شيبة (2/ 115 و 235/ 7136 و 8501) و (7/ 286/ 36136)، وأبو يعلى (4/ 411/ 1896) و (4/ 195 / 2297)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (486 - 489 و 604 - 607)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 202/ 2035)، والطحاوي في المشكل (14/ 308/ 5638)، والطبراني في الأوسط (4/ 379/ 4484)، والدارقطني (1/ 422 و 423)، والبيهقي في السنن (3/ 79)، وابن الجوزي في التحقيق (744).

ص: 10

هذا لفظ جرير، وإن كان أبو داود قرن به وكيعًا، لكنه حمل لفظ وكيع على لفظ جرير كما وقع له عن شيخه عثمان بن أبي شيبة، وقد رواه أبو يعلي والسراج من طريق جرير بهذا اللفظ، وأما لفظ وكيع عند أحمد وغيره: صُرع النبي صلى الله عليه وسلم من فرس على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فدخلنا عليه نعوده، فوجدناه يصلي، فصلينا بصلاته ونحن قيام، فلما صلى قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، ولا تقوموا وهو جالس؛ كما يفعل أهل فارس بعظمائها"، وبنحوه لفظ أبي عوانة عند البخاري في الأدب المفرد.

وقد رواه عن الأعمش أيضًا: أبو معاوية، وابن نمير، وابن فضيل، ومحاضر بن المورع، وجعفر بن عون، وعمر بن سعيد بن مسروق.

ولفظ جعفر بن عون عن الأعمش [عند السراج وابن المنذر والبيهقي]: صُرع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس له على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فقعد في بيت لعائشة رضي الله عنها، فأتيناه نعوده، فوجدناه يصلي تطوعًا، فصلى قاعدًا ونحن قيام، ثم أتيناه فوجدناه يصلي صلاة مكتوبة قاعدًا، قال: فقمنا فأومأ إلينا فجلسنا، ثم قال:"ائتموا بالإمام، إن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، ولا تفعلوا كما تفعل فارس بعظمائها".

وهذا إسناد صحيح، لولا أن طلحة بن نافع أبا سفيان: روايته عن جابر وجادة، لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث، والباقي صحيفة أخذها، وهي صحيفة سليمان بن قيس اليشكري كانت عند امرأته بعد موته، فأخذها أصحاب جابر، ومنهم: أبو الزبير وأبو سفيان، وهي وجادة صحيحة احتج بها مسلم، واستشهد بها البخاري.

ومثل هذا مما يحتمل من أبي سفيان، لا سيما وقد قال ابن عدي:"لا بأس به، روى عنه الأعمش أحاديث مستقيمة"[التهذيب (2/ 244)، مختصر الكامل للمقريزي (958)، الكامل (4/ 113) وفي عبارته تصحيف][وانظر بعض مرويات أبي سفيان عن جابر: الأحاديث المتقدمة برقم (40 و 44 و 97 و 173 و 516)]، وقد تابعه على هذا الحديث أبو الزبير عن جابر، كما سيأتي برقم (606)، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (2/ 177).

• وقد روي بعضه في حديث آخر لجابر، عند ابن الأعرابي في المعجم (3/ 1012/ 2162)، ولكنه حديث شاذ، انظر: صحيح البخاري (3114 و 3115 و 3538 و 6186 و 6187 و 6189 و 6196)، صحيح مسلم (2133).

***

603 -

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم -المعنى-، عن وهيب، عن مصعب بن محمد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتى يكبِّرَ،

ص: 11

وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد" قال مسلم: "ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجدَ، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون".

قال أبو داود: "اللهم ربنا لك الحمد": أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان.

• حديث حسن.

أخرجه من طرقٍ عن وهيب به:

أحمد (2/ 341)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 238 و 404)، وفي المشكل (14/ 311/ 5641)، والطبراني في الأوسط (6/ 116/ 5971)، والبيهقي (3/ 93).

هكذا رواه عن وهيب بن خالد: سليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم، وعفان بن مسلم [وهم ثقات أثبات]، والخصيب بن ناصح [صدوق يخطئ]، وأيوب بن يونس الصفار [روي عنه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل (2/ 262)، الثقات (8/ 127)، فتح الباب (453)، تاريخ الإسلام (17/ 107)].

تنبيه: زاد أيوب بن يونس، عن وهيب، عند الطبراني:"وإذا رفع رأسه فارفعوا، ولا ترفعوا حتى يرفع"، فهي زيادة شاذة، والله أعلم.

• وأخرجه من طريق ابن عجلان، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل [مقرونًا بزيد بن أسلم والقعقاع بن حكيم] به:

البخاري في الكنى (38)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (491).

ومصعب بن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل العبدري المكي: لا بأس به، وبقية رجاله ثقات، فالإسناد حسن.

قال ابن حجر في الفتح (2/ 179): "زاد أبو داود من رواية: مصعب بن محمد، عن أبي صالح: "ولا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد"، وهي زيادة حسنة، تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله: "إذا كبر فكبروا"".

قلت: لم ينفرد مصعب بن محمد بهذه الزيادات عن أبي صالح: "ولا تكبروا حتى يكبر"، "ولا تركعوا حتى يركع"، "ولا تسجدوا حتى يسجد"، بل توبع على أصلها ومعناها، بالنهي عن مبادرة الإمام بالركوع والسجود، وبعدم الاختلاف عليه، وبعدم الرفع قبله، أو السجود قبله:

• فقد رواه عن أبي صالح:

1 -

الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا، يقول:"لا تبادروا الإمام [بالركوع والسجود]، وإذا كبر فكبروا، وإذا قال: فقولوا: آمين، [فإنه إذا وافق كلامُه كلامَ الملائكة غفر له]، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد".

ص: 12

أخرجه مسلم (415/ 87)، وأبو عوانة (1/ 439/ 1630 و 1631)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 39/ 924)، والنسائي في الكبرى (10/ 418/ 11905)[التحفة (12460)]، وابن ماجه (960)، وابن خزيمة (3/ 34/ 1576)، وأحمد (2/ 440)، والبزار (16/ 128/ 9213)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (697)، والبيهقي (2/ 92).

هكذا رواه عن الأعمش من ثقات أصحابه: عيسى بن يونس، ومحمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي.

ورواه محمد بن يونس [هو: الكديمي، وهو: كذاب، يضع الحديث]: ثنا عمرو بن عاصم: نا معتمر، قال: سمعت أبي، يحدث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فأنصتوا".

أخرجه الدارقطني (1/ 331).

وهو حديث باطل.

2 -

سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، ولا تختلفوا عليه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا ترفعوا [وفي رواية: ولا تبتدروا] قبله".

أخرجه مسلم (415/ 87)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 39/ 925)، وابن خزيمة (3/ 34/ 1575)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1171)، والبيهقي (2/ 92)، ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (98).

ولفظ البيهقي من طريق علي بن عاصم عن سهيل: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع رأسه فارفعوا رؤوسكم، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا جميعًا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا قبل أن يسجد، وإذا رفع رأسه فارفعوا رؤوسكم، ولا ترفعوا رؤوسكم قبل أن يرفع".

ورواية سهيل هذه متابعة قوية لرواية مصعب بن محمد.

3 -

القعقاع بن حكيم [مقرونًا بمصعب بن محمد بن شرحبيل، وزيد بن أسلم]، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه البخاري في الكنى (38)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (491).

من طريق: الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، وعن زيد بن أسلم، وعن القعقاع بن حكيم، كلهم يحدث عن أبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعًا. ولم يذكرا لفظه، وأحاله السراج على لفظ أبي الزناد عن الأعرج الآتي، ولفظه: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا،

ص: 13

وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون".

وإسناده صحيح.

4 -

زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جعِل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا".

وهو الحديث الآتي:

***

604 -

. . . أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتمَّ به" بهذا الخبر، زاد:"وإذا قرأ فانصتوا".

قال أبو داود: وهذه الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة، الوهْمُ عندنا من أبي خالد.

• حديث شاذ بهذه الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا".

أخرجه البخاري في الكنى (38)، والنسائي في المجتبى (2/ 141/ 921)، وفي الكبرى (1/ 475 - 476/ 995)، وابن ماجه (846)، وأحمد (2/ 420)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (2/ 420)، وابن أبي شيبة (1/ 227/ 2596) و (1/ 331/ 3799) و (2/ 115/ 7137) و (2/ 87/ 7964) و (7/ 137/ 36286)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 105/ 1319)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 217)، وفي أحكام القرآن (482 و 483)، والدارقطني في السنن (1/ 327)، وفي العلل (8/ 188/ 1501)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (182)، وتمام في الفوائد (972)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (311)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 32).

ولفظه بتمامه: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا".

قال العباس بن محمد الدوري: "سمعت يحيى يقول في حديث أبي خالد الأحمر، حديث ابن عجلان: "إذا قرأ فأنصتوا"، قال: ليس بشيء، ولم يُثْبته ووَهَّنه"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 455/ 2236)، سنن البيهقي (2/ 156)، القراءة خلف الإمام (132)].

ص: 14

وقال البخاري في الكنى: "وزاد "وإذا قرأ فأنصتوا"، ولم يصح".

وذكر في القراءة خلف الإمام (265 - 272) بأن أبا خالد الأحمر لم يتابع على هذه الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا"، فقد رواه عن ابن عجلان: الليث بن سعد وغيره فلم يذكروا هذه الزيادة، ثم قال البخاري: "ولا يُعرف هذا من صحيح حديث أبي خالد الأحمر، قال أحمد: أراه كان يدلس،

"، ثم قال: "وروى سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل ما زاد أبو خالد، وكذلك روى أبو سلمة، وهمام، وأبو يونس، وغير واحد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتابع أبو خالد في زيادته".

وقال أبو حاتم: "ليست هذه الكلمة محفوظة، هي من تخاليط ابن عجلان، وقد رواه خارجة بن مصعب أيضًا، [وتابع ابنَ عجلان]، وخارجة بن مصعب [أيضًا]: ليس بالقوي"[سنن البيهقي (2/ 157)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (132)، علل ابن أبي حاتم (1/ 164/ 465)].

وقال أبو داود: "وهذه الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة، الوهْمُ عندنا من أبي خالد".

وقال الدارقطني في السنن: "تابعه محمد بن سعد الأشهلي".

وقال في العلل: "وهذا الكلام ليس بمحفوظ في هذا الحديث".

وقال البيهقي: "هذا حديث يعرف بأبي خالد الأحمر عن ابن عجلان،

".

ثم قال: "وقد روي ذلك عن حسان بن إبراهيم الكرماني، وإسماعيل بن أبان الغنوي، عن محمد بن عجلان، وإسماعيل: ضعيف، ويقع في أحاديث حسان بن إبراهيم بعض ينكر ".

ثم قال: "وقد رواه يحيى بن العلاء الرازي عن زيد بن أسلم، ويحيى بن العلاء: متروك، جرحه يحيى بن معين وغيره من أهل العلم بالحديث، وروي بإسناد ضعيف عن عمر بن هارون، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، ولا يفرح بمتابعة هؤلاء في خلاف أهل الثقة والحفظ،

"، ونقل أقوال الأئمة في الحديث، وأطال في رد هذه الزيادة.

• قلت: أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان: صدوق، ولم ينفرد بهنه الزيادة من حديث ابن عجلان، فقد تابعه عليها:

1 -

محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي [ثقة]، قال: نا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قرأ فأنصتوا".

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 142/ 922)، وفي الكبرى (1/ 476/ 996)، والبزار (15/ 339/ 8898)، والدارقطني (1/ 328)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 33)، والخطيب في التاريخ (5/ 320).

ص: 15

كلهم من طريق: محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، قال: حدثنا محمد بن سعد به.

قال النسائي في سننه الصغري: "كان المُخَرِّمي يقول: هو ثقة، يعني: محمد بن سعد الأنصاري".

وقال في الكبرى: "لا نعلم أن أحدًا تابع ابن عجلان على قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا"".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا قال فيه: "فإذا قرأ فأنصتوا" إلا ابن عجلان عن زيد عن أبي صالح، ولا نعلم رواه عن ابن عجلان عن زيد إلا أبو خالد، ومحمد بن سعد، وقد خالفهما الليث".

وقال ابن عبد البر: "بعضهم يقول: أبو خالد الأحمر انفرد بهذا اللفظ في هذا الحديث، وبعضهم يقول أن ابن عجلان انفرد به".

2 -

إسماعيل بن أبان الغنوي [متروك، رمي بالوضع]: ثنا محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، ومصعب بن شرحبيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين".

أخرجه الدارقطني (1/ 329)، والبيهقي (2/ 156).

قال الدارقطني: "إسماعيل بن أبان ضعيف".

وقال البيهقي: "وهو وهم من ابن عجلان"[وانظر: مختصر الخلافيات (2/ 122)].

• خالف هؤلاء، فلم يأت بهذه الزيادة عن ابن عجلان:

الليث بن سعد [ثقة ثبت]، عن ابن عجلان، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، وعن زيد بن أسلم، وعن القعقاع بن حكيم، كلهم يحدث عن أبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعًا. بنحو حديث أبي الزناد عن الأعرج، وهو بدون هذه الزيادة.

أخرجه البخاري في الكنى (38)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (491).

ويحتمل أن يكون الليث بن سعد هو الذي أعرض عن لفظ ابن عجلان عن زيد بن أسلم وزيادته، وذلك أن اثنين من الثقات قد روياه عن ابن عجلان بالزيادة، فهي ثابتة عنه، وحذفها الليث لما قرن رواية زيد بن أسلم مع رواية مصعب والقعقاع من طريق ابن عجلان، وعلى هذا فالتبعة في هذه الزيادة على ابن عجلان نفسه، كما ذهب إلى ذلك أبو حاتم والنسائي والبزار والبيهقي، حيث جعلوها من أوهام ابن عجلان، وهو الأقرب عندي للصواب، والله أعلم.

ص: 16

• لكن في المسألة قول آخر:

فقد صحح الحديث بهذه الزيادة: أحمد، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، والطحاوي، وابن حزم، وابن عبد البر.

قال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 34): "فإن قال قائل: إن قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان، ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير عن التيمي، قيل له: لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما، وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل، وحسبك به إمامة وعلمًا بهذا الشأن،

[ثم أسند إلى أبي بكر الأثرم قوله:] قلت لأحمد بن حنبل: من يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"؟ فقال: حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد، والحديث الذي رواه جرير عن التيمي، وقد زعموا أن المعتمر رواه، قلت: نعم قد رواه المعتمر، قال: فأي شيء تريد؟

فقد صحح أحمد الحديثين جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة، وحديث أبي موسى، قوله عليه السلام:"إذا قرأ الإمام فأنصتوا"، فأين المذهب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر كتاب الله عز وجل، وعمل أهل المدينة؟ ".

وجاء في صحيح مسلم (404): "قال أبو إسحاق [قال النووي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان: صاحب مسلم، راوي الكتاب عنه. شرح النووي (4/ 122)]: قال أبو بكر بن أخت أبي النضر في هذا الحديث [يعني: طعن فيه، وقدح في صحته. شرح النووي (4/ 122)]، فقال مسلم: تريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: هو صحيح، يعني: "وإذا قرأ فأنصتوا"، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تضعْه ها هنا؟ قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا، إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه".

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 166): "وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"".

واحتج ابن المنذر بحديث ابن عجلان هذا [الأوسط (3/ 104)].

وصححه الطحاوي، ونقل عن الإمام أحمد تصحيحه من رواية الأثرم عنه [مختصر اختلاف العلماء (1/ 206)].

وصححه أيضًا: ابن حزم في المحلى (3/ 240) و (4/ 111).

وسيأتي التعليق على بعض هذه الأقوال عند حديث أبي موسى الأشعري في آخر الباب، عند ذكر الشواهد.

والصحيح: هو ما ذهب إليه البخاري، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، من شذوذ هذه الرواية، شذ بها ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، وقد روى الحديث عن أبي صالح أربعة من الثقات،

ص: 17

فلم يذكروا هذه الزيادة، فيهم ثلاثة من أصحاب أبي صالح المكثرين عنه، ومن أعرف الناس بحديثه: الأعمش، وسهيل بن أبي صالح، والقعقاع بن حكيم، وتابعهم: مصعب بن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل، وابن عجلان ليس بذاك الحافظ الذي تقبل زيادته، مع مخالفة هؤلاء الثقات، لا سيما وفيهم الحافظ الكبير سليمان بن مهران الأعمش، وهو من المكثرين جدًّا عن أبي صالح، وفيهم ابنه سهيل، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء.

وقد روى الحديث عن أبي هريرة جماعة من التابعين، فلم يذكروا هذه الزيادة، منهم: الأعرج، وهمام، وأبو يونس، وأبو سلمة، وأبو علقمة، وغيرهم، وسيأتي ذكر حديثهم.

• وقد تابع ابن عجلان على هذه الزيادة:

خارجة بن مصعب [متروك، كان يدلس عن الكذابين، وكذبه ابن معين]، ويحيى بن العلاء البجلي الرازي [كذاب، يضع الحديث. التهذيب (4/ 380)، الميزان (4/ 397)]:

روياه عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعًا، وزادا فيه:"فإذا قرأ فأنصتوا".

ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 164/ 465)، والدارقطني في العلل (8/ 187/ 1501)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (311).

قال الدارقطني في العلل: "وهذا الكلام ليس بمحفوظ في هذا الحديث".

• وممن وهم فيه على ابن عجلان:

أبو سعد محمد بن ميسر الصاغاني: نا ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون".

أخرجه أحمد (2/ 376)، وابن عدي في الكامل (6/ 226)، والدارقطني في السنن (1/ 330)، وفي العلل (8/ 188/ 1501)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (312).

قال ابن عدي: "كذا قال أبو سعد: عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة، وإنما يروي هذا عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة".

قال الدارقطني: "أبو سعد الصاغاني: ضعيف".

وقال البيهقي: "وهذا باطل؛ أخطأ فيه أبو سعد الصاغاني هذا على ابن عجلان، فغير إسناده، وزاد في متنه، وخالف ما روي الثقات عن ابن عجلان، وأبو سعد جرحه يحيى بن معين وغيره من الحفاظ".

قلت: هو حديث منكر؛ محمد بن ميسر الجعفي، أبو سعد الصاغاني: ضعيف، تركه بعضهم [التهذيب (3/ 714)، الميزان (4/ 52)]، وهو بلخي، نزل بغداد، وقد سلك في إسناده الطريق السهل، فخالف الثقات ممن رواه عن ابن عجلان.

ص: 18

• وله طرق أخرى عن أبي هريرة:

1 -

أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما [جعل] الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد [وفي رواية: ربنا ولك الحمد]، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون".

وفي لفظ: "الإمام أمير، فإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا".

أخرجه البخاري في الصحيح (734)، وفي القراءة خلف الإمام (267)، وفي الكنى (38)، ومسلم (414/ 86)، وأبو عوانة (1/ 438/ 1627 و 1628)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 38/ 923)، وابن خزيمة (3/ 52/ 1613)، وابن حبان (5/ 467/ 2107)، والحميدي (2/ 425/ 958)، وأبو يعلى (11/ 212/ 6326)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (490 و 1175 و 1176)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 96/ 142) و (4/ 272/ 3254)، والجوهري في مسند الموطأ (524)، وابن حزم في المحلى (3/ 60)، والبيهقي في السنن (3/ 79).

قال الجوهري: "هذا عند معن في الموطأ دون غيره، والله أعلم"، وكذا قال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 366).

[وانظر: تعليقات الدارقطني على المجروحين (134)، العلل للدارقطني (8/ 222/ 1532) و (9/ 112/ 1667)، حديث أنس المتقدم، التنبيه الرابع].

• وانظر في الأوهام: مسند الشاميين (1/ 137/94) و (1/ 96 / 142).

2 -

عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 461/ 4082)، ومن طريقه: البخاري (722)، ومسلم (414/ 86)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 38/ 922)، وأحمد (2/ 314)، والبيهقي (2/ 18)، والبغوي في شرح السنة (3/ 421/ 852)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته".

وهو في صحيفة همام برقم (43).

3 -

شعبة، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة:

عن يعلى بن عطاء، قال سمعت أبا علقمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني، إنما الإمام جنة [وفي رواية: والأمير مِجَنٌّ]، فإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، [وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا]، وإذا قال:

ص: 19

سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإذا وافق قولُ أهلِ الأرض قولَ أهلِ السماء غُفر له ما مضى [وفي رواية: ما تقدم] من ذنبه".

أخرجه بتمامه أو مختصرًا بموضع الشاهد:

مسلم (416 و 1835)، وأبو عوانة (1/ 438/ 1629) و (4/ 399 و 400/ 7087 - 7089)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 39/ 926)، وابن خزيمة (3/ 46/ 1597)، وأحمد (2/ 386 - 387 و 416 و 467)، وعبد بن حميد (1462)، الطحاوي في شرح المعاني (1/ 238 و 404)، وفي المشكل (14/ 312/ 5643).

4 -

ابن وهب، عن حيوة، أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه، قال: سمعت أبا هريرة يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما جعل الإمام لِيُؤتمَّ به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون".

أخرجه مسلم (417)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 40/ 927).

رواه عن ابن وهب به هكذا: أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح المصري [ثقة]، وحرملة بن يحيى التجيبي المصري [صدوق]، واختلف عليه:

أ- فرواه محمد بن الحسن بن قتيبة [ثقة حافظ]، عن حرملة به كما تقدم.

ب- وخالفه: عبد الله بن محمد بن سلم الفريابي المقدسي [ثقة. الأنساب (5/ 363)، تاريخ دمشق (32/ 193)، السير (14/ 306)، تاريخ الإسلام (23/ 629)]، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره بمثل رواية محمد بن الحسن، إلا أنه زاد:"وإذا رفع فارفعوا".

أخرجه ابن حبان (5/ 479/ 2115).

ورواية مسلم هي الصواب، إذ اختارها صاحب الصحيح، ولم يختلف فيها على أبي الطاهر، وهو أوثق من حرملة، والمحفوظ عن حرملة ما رواه عنه محمد بن الحسن بن قتيبة، فهو أحفظ من المقدسي، وروايته موافقة لرواية أبي الطاهر، والله أعلم.

5 -

محمد بن عمرو بن علقمة [صدوق]، وعمر بن أبي سلمة [ليس بالقوي، له عن أبيه مناكير. انظر: التهذيب (3/ 230)، الميزان (3/ 201)، إكمال مغلطاي (10/ 64)]:

عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدرا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد [وفي رواية: اللهم ربنا لك الحمد]، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون". لفظ محمد بن عمرو.

أخرجه ابن ماجه (1239)، والدارمي (1/ 343/ 1311)، وأحمد (2/ 230 و 411 و 438 و 475)، وابن سعد في الطبقات (2/ 214)، وابن أبي شيبة (1/ 227/ 2594)،

ص: 20

وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (189)، وهشام بن عمار في حديثه (98)، وأبو يعلى (10/ 315/ 5909)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1172 - 1174)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 238 و 404)، وفي المشكل (14/ 310 و 311/ 5640 و 5642)، وابن عدي في الكامل (5/ 41).

وهو حديث صحيح.

6 -

ورواه سعيد بن أبي سعيد المقبري، واختلف عليه:

أ- فرواه عبد الله بن سعيد [متروك، منكر الحديث]، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قعد فاقعدوا، وإذا قام فقوموا، والإمام جنة، ضامن لصلاة القوم، فإذا صلاها لوقتها وأقام حدودها -أظن أنه قال:- كان له أجره ومثل أجورهم، لا ينقص من أجورهم شيء، ومن لم يصلها لوقتها، ويقم حدودها، كان عليه وزرها وأوزارهم، وليس عليهم شيء".

أخرجه أبو يعلي (11/ 445/ 6572)، بإسناد حسن إلى عبد الله بن سعيد.

ب- وخالفه عبيد الله بن عمر [ثقة ثبت]، فرواه عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا".

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 264/ 7456)، من طريق زيد بن الحريش: ثنا عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا عبد الله بن رجاء المكي، تفرد به: زيد بن الحريش".

قلت: إن كان كما قال، فلا أظنه يصح من حديث عبد الله بن رجاء المكي، فإن زيد بن الحريش الأهوازي نزيل البصرة: فيه جهالة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن القطان الفاسي:"مجهول الحال"[الجرح والتعديل (3/ 561)، الثقات (8/ 251)، بيان الوهم (3/ 383)، تاريخ الإسلام (18/ 278)، ذيل الميزان (398)، اللسان (3/ 550)، مجمع الزوائد (10/ 281)].

وكلام الدارقطني في العلل يدل على أنه لم ينفرد به عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر: قال الدارقطني في العلل (8/ 136/ 1457): "يرويه عبيد الله بن عمر، واختلف فيه:

رواه حماد بن سلمة، وأبو حمزة، وعبد الله بن رجاء المكي، وسالم بن نوح، عن عبيد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.

وخالفهم: منيع بن عبد الرحمن، رواه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، ووهم فيه، والصواب: حديث المقبري".

ص: 21

قلت: لا أظنه محفوظًا من حديث عبيد الله بن عمر، فإن هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين [انظر: تحفة الأشراف (9/ 477 - 480/ 12983 - 12987 و 12990)]، فكيف لا يشتهر مثله، ولا يرويه عن عبيد الله أصحابه المعروفون به على كثرتهم، ولا يخرجه أصحاب الكتب التسعة المشهورة، ويعرض عنه أصحاب الصحيح؟!

• وروي ابن شاهين في الناسخ (275)، قال: حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب الرقي بمصر [شيخ لابن شاهين، وابن منده، وابن جميع، ومسلمة بن قاسم، وابن أبي الحديد، وغيرهم، وهو صاحب أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، يروي عنه المسند. الأنساب (3/ 554)، تاريخ دمشق (52/ 138)، تاريخ الإسلام (25/ 248)]، قال: حدثنا محمد بن عبد الله السوسي [هو أبو عمرو محمد بن عبد الله السوسي الحلبي المقريء، شيخ لأبي عوانة وغيره]، قال: حدثنا حجاج بن نصير [ضعيف]، قال: حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي [هو إسماعيل بن يعلى، أبو أمية الثقفي البصري: متروك، منكر الحديث. اللسان (2/ 186)]، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد، أهل الثناء والمجد، وإذا رفع رأسه من الركوع فكبروا وارفعوا رؤوسكم، وإذا سجد وكبر فاسجدوا وكبروا، وإذا صلى جالسًا فاجلسوا وكبروا".

قال ابن شاهين: "وقوله: "فقولوا: سمع الله لمن حمده" مثل قول الإمام سواء؛ فحرف غريب من الزوائد، والمشهور: "إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد"".

قلت: هو حديث باطل، تفرد به بهذا السياق: أبو أمية بن يعلى الثقفي، وهو منكر الحديث.

• ورواه ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه،

".

أخرجه البخاري في الكنى (38).

7 -

منتصر بن محمد [بن منتصر، أبو منصور البغدادي: ترجم له الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وفيه جهالة. تاريخ بغداد (13/ 269)]: نا الحسن بن حماد سجادة [صدوق]: نا عمرو بن هاشم الجنبي [لين الحديث]، عن عبد الملك بن أبي سليمان [ثقة، له أوهام، رفع أحاديث عن عطاء. التهذيب (2/ 613)]، عن عطاء [هو: ابن أبي رباح]، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: الحمد لله، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين".

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 269/ 8604)، قال: حدثنا منتصر به.

ص: 22

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك إلا عمرو بن هشام، تفرد به: سجادة، ولم يقل أحد: "فقولوا: الحمد لله" إلا في هذا الحديث".

قلت: هو حديث منكر.

***

605 -

. . . مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو جالس، فصلى وراءه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أنِ: اجلسوا، فلما انصرف قال:"إنما جُعِل الإمامُ ليُؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا".

• حديث متفق على صحته.

هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ (185 - رواية القعنبي)، كما أخرجه أبو داود من طريقه، ووقع في رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 359/196): صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاكٍ، فصلى جالسًا، وقال أكثر الرواة عن مالك: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالسًا [كذا رواه عن مالك: الشافعي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وقتيبة بن سعيد، وعبد الله بن وهب، وأبو مصعب الزهري (340)، وابن القاسم (454 - تلخيص القابسي)، وسويد بن سعيد الحدثاني (108)، وإسماعيل بن أبي أويس].

ومن طريقه: البخاري (688 و 1113 و 1236)، وأبو عوانة (1/ 437/ 1623)، وأبو داود (605)، وابن حبان (5/ 462 - 463/ 2104)، والشافعي في الأم (8/ 536/ 3639)، وفي الرسالة (65)، وفي المسند (211)، وأحمد (6/ 148)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 139 و 201/ 1908 و 2034)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 404)، وفي المشكل (14/ 305/ 5634)، والجوهري في مسند الموطأ (746)، والبيهقي في السنن (3/ 79)، وفي المعرفة (2/ 354/ 1461)، والبغوي في شرح السنة (3/ 421/ 851)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 46/ 415)، والحازمي في الاعتبار (1/ 413/ 141).

• وتابع مالكًا عليه:

عبدة بن سليمان، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد القطان، وحماد بن زيد، وأنس بن عياض، وعبد الله بن نمير، وعلي بن مسهر، وحماد بن سلمة، وشعيب بن إسحاق الأموي:

رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل ناس من أصحابه يعودونه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، فصلوا بصلاته قيامًا، وأشار إليهم أن: اجلسوا، فجلسوا، فلما انصرف، قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا

ص: 23

ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا". لفظ عبدة ويحيى وابن نمير وشعيب.

ولفظ حماد بن زيد: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في مرضه، وهو يصلي قاعدًا، فقاموا يصلون خلفه، فأومأ إليهم بيده أن: اجلسوا، فجلسوا، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إنما الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودًا"، وبنحوه رواية عن يحيى بن سعيد مع تقديم وتأخير، وزاد:"وإذا رفع فارفعوا"، ورواية أيوب قريبة من رواية حماد لكنه نقص القيام.

ولفظ حماد بن سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجعًا، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فصلى بهم قاعدًا وهم قيام، فأوما إليهم أن: اقعدوا، فلما قضى صلاته قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قعد فاقعدوا، واصنعوا مثل ما يصنع الإمام"، هكذا انفرد حماد بن سلمة بهذه اللفظة، وشذ بها عن جماعة الحفاظ [عند: ابن سعد في الطبقات].

أخرجه البخاري (5658)، ومسلم (412)، وأبو عوانة (1/ 436 و 437/ 1621 و 1622)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 36 و 18/ 937 و 919)، والنسائي في الكبرى (7/ 62/ 7472)، وابن ماجه (1237)، وابن خزيمة (3/ 52/ 1614)، والشافعي في الأم (2/ 340/ 341)، وأحمد (6/ 51 و 57 - 58 و 68 و 194)، وإسحاق بن راهويه (2/ 104/ 572)، وابن سعد في الطبقات (2/ 214)، وابن أبي شيبة (2/ 115/ 7135) و (7/ 286/ 36135)، وأبو يعلى (7/ 470/ 4496) و (8/ 235/ 4807)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (480 - 482)، وأبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة (63)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 404)، وفي المشكل (14/ 306/ 5635)، والطبراني في الأوسط (7/ 182/ 7220)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (36)، وابن حزم في المحلى (3/ 60)، والبيهقي في السنن (2/ 261 و 304)، وفي المعرفة (1/ 577/ 821)، وابن الجوزي في التحقيق (707 و 743).

• ولعائشة في هذا حديث آخر يعارض ما تقدم:

رواه ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، بأوله موصولًا، وآخره مرسلًا:

قال عبد الله بن نمير: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه، فإن يصلي بهم.

قال عروة: فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّةً، فخرج فإذا أبو بكر يؤمُّ الناس، فلما رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: كما أنت، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه، فإن أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر.

ص: 24

أخرجه البخاري (683)، ومسلم (418/ 97)، وأبو عوانة (1/ 444/ 1644)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 43/ 935)، وابن ماجه (1233)، وأحمد (6/ 231)، والبيهقي (3/ 82)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 316 - 317)، والخطيب في التاريخ (3/ 225).

• تابع ابن نمير على إرساله:

1 -

مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه، فأتي فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس، فاستأخر أبو بكر، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: كما أنت، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر، فإن أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر. هكذا مرسلًا.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 197/ 360)، وعنه: الشافعي في اختلاف مالك (8/ 537/ 3640 - الأم)، وفي الرسالة (66)، وفي المسند (211)، والبيهقي في المعرفة (2/ 355/ 1462)، والحازمي في الاعتبار (1/ 143/415).

قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 315): "لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث، وقد أسنده جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، منهم: حماد بن سلمة، وابن نمير، وأبو أسامة".

2 -

معمر بن راشد، رواه عن هشام، عن أبيه به مرسلًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 459 و 460/ 4076 و 4080)[وفي الموضع الأول سقط، وانظر: (1/ 348 - مخطوط)].

• خالفهم فوصله:

حماد بن سلمة، وجرير بن عبد الحميد [وهذا لفظ جرير]:

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فأْمُر عمر فليُصلِّ بالناس، فقال:"مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، فقلت مثلها، فقال:"مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمُرْ عمر، ففعلت ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مروا أبا بكر فليصل بالناس؛ فإنكن صواحب يوسف"، فقالت حفصة: ما رأيت منكِ خيرًا قط أبدًا. قالت: فخرج أبو بكر يؤم الناس، فلما كبر أبو بكر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب أبو بكر يتأخر، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: امكث مكانك، فمكث مكانه، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحذاه، وكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر حتى قضى الصلاة.

أخرجه الشافعي في اختلاف مالك (8/ 537/ 3641 - الأم)، وفي الرسالة (68)، وفي اختلاف الحديث (78)، وفي المسند (58 و 212)، وأحمد (6/ 96)، وإسحاق بن

ص: 25

راهويه (2/ 110/ 580)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 557/ 1167)، وأبو يعلى (7/ 452/ 4478)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1081)، وأبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة (26)، وابن حبان (14/ 566/ 6601)، والدارقطني في السنن (1/ 398)، وفيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (134 و 139)، والبيهقي في السنن (2/ 304) و (3/ 82)، وفي المعرفة (2/ 355/ 1463).

هكذا جمعا بين الحديثين، وحماد أحيانًا يفرد أحدهما، وقد روى شقه الأول فقط إلى قوله:"فإنكن صواحب يوسف" جماعة من الثقات، منهم: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وأنس بن عياض، وعلي بن مسهر، وعبدة بن سليمان [لكنه جعل سودة مكان حفصة]، ويونس بن بكير، ومالك بن سعير بن الخمس:

أخرجه البخاري (679 و 716 و 7303)، وأبو عوانة (1/ 444 - 445/ 1645 و 1646)، والترمذي (3672)، وقال:"حسن صحيح". والنسائي في الكبرى (10/ 133/ 11188)، ومالك في موطئه (1/ 242/ 473)، وأحمد في المسند (6/ 202)، وابنه عبد الله في زياداته على فضائل الصحابة (1/ 118/ 88)، وإسحاق بن راهويه (2/ 111/ 581)، وابن سعد في الطبقات (3/ 180)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1082 و 1083)، وأبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة (62)، والخرائطي في اعتلال القلوب (221)، والجوهري في مسند الموطأ (750)، والدارقطني فيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (136 - 138)، والبيهقي في السنن (2/ 250)، وفي الدلائل (7/ 188).

• والحاصل: أن هشام بن عروة روى أول هذا الحديث عن أبيه موصولًا، وروى آخره مرسلًا، ولكن بعض الرواة عن هشام [مثل: حماد بن سلمة وجرير] أدرج المرسل فجعله عن عروة عن عائشة، وقد فصله مالك وابن نمير ومعمر، فجعلوه عن عروة مرسلًا،

وهو الصواب من حديث هشام، والله أعلم.

• وقد قال هشام في هذا الحديث: فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر.

وخالفه: سعد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، قالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف، فمتى يقوم مقامك تدركه الرقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليُصل بالناس" فصلى أبو بكر، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا.

أخرجه أحمد (6/ 159)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 448)[وفي سنده تصحيف].

هكذا رواه عن سعد بن إبراهيم: شعبة بن الحجاج، وعنه: شبابة بن سوار [وهو: ثقة حافظ].

ص: 26

ورواه بدل بن المحبر [وهو: ثقة ثبت]، عن شعبة به، فلم يذكر هذه الجملة الأخيرة في الحديث: فصلى أبو بكر، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا.

أخرجه البخاري (3384)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (27)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3561).

وهكذا رواه بدون هذه الجملة أيضًا: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه به.

أخرجه أحمد (6/ 270)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1186).

قلت: ورواية بدل بن المحبر عن شعبة، ورواية إبراهيم عن أبيه سعد، أولى عندي بالصواب من رواية شبابة عن شعبة، وشبابة بن سوار -وإن كان ثقة- فقد أُنكرت عليه أحاديث، وتكلم فيه أحمد وأبو حاتم [كما سيأتي بيانه عند طريق: شقيق، عن مسروق، عن عائشة]، وكذلك فإن الرجل أعلم بحديث أبيه من الغرباء، ورواية الذي لم يختلف عليه أولى، وبهذا فلا تختلف رواية سعد بن إبراهيم مع رواية هشام بن عروة، وتكون رواية شبابة عن شعبة شاذة بهذه الزيادة، والله أعلم.

وانظر في الأوهام والمناكير: تاريخ بغداد (9/ 187)، تاريخ دمشق (20/ 166).

• وله طرق أخرى عن عائشة، منها:

1 -

ما رواه زائدة بن قدامة، حدثني موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أصلى الناس؟ "، فقلنا: لا، يا رسول الله هم ينتظرونك، فقال:"ضعوا لي ماء في المخضب"، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال:"أصلى الناس؟ "، فقلنا: لا، يا رسول الله هم ينتظرونك، [فقال:"ضعوا لي ماء في المخضب"، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال:"أصلى الناس؟ "، فقلنا: لا، يا رسول الله هم ينتظرونك]، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر -وكان رجلًا رقيقًا-: يا عمر صلِّ بالناس، فقال عمر: أنت أحق بذلك، ففعل، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خِفَّةً، فخرج بين رجلين أحدهما العباس بن عبد المطلب [لصلاة الظهر]، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه أن لا يتأخر، وقال لهما:"أجلساني إلى جنب أبي بكر"، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد.

قال عبيد اللَّه بن عبد الله: فدخلت على ابن عباس، فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فحدثته حديثها عن مرض

ص: 27

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أنكر منه شيئًا، غير أنه قال: أسمَّتْ لك الرجل الذي كان مع العباس؟ فقلت: لا، فقال: هو علي.

أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418/ 90)، وأبو عوانة (1/ 440/ 1632)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 40/ 928)، والنسائي في المجتبى (2/ 101/ 834)، وفي الكبرى (1/ 439/ 910) و (6/ 383/ 7047)، والدارمي (1/ 320/ 1257)، وابن خزيمة (1/ 127/ 257)، وابن حبان (5/ 480/ 2116) و (14/ 568/ 6602)، وابن الجارود (13)، وأحمد في المسند (2/ 52) و (6/ 251)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 304 و 310 و 311/ 5350 و 5384 و 5385)، وابن سعد في الطبقات (2/ 218)، وابن أبي شيبة (1/ 181/ 2079) و (2/ 119/ 7169) و (7/ 430/ 37039)، وإسحاق بن راهويه (2/ 503 - 505/ 1091 و 1092)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 450)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1178 و 1179)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 155 و 314/ 49 و 238)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 405)، وفي المشكل (10/ 399/ 4207) و (14/ 317/ 5647)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (126)، وابن حزم في المحلى (3/ 63 - 64)، والبيهقي في السنن (1/ 123) و (3/ 80) و (8/ 151)، وفي المعرفة (2/ 358/ 1466)، وفي الدلائل (7/ 190).

قال النسائي: "موسى بن أبي عائشة: ثقة، كان سفيان الثوري يحسن الثناء على موسى بن أبي عائشة، وهو كوفي".

• ورواه شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله، يحدث عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس [في مرضه الذي مات فيه]، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر، فصلى قاعدًا، وأبو بكر يصلي بالناس، والناس خلف أبي بكر.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 84/ 797)، وفي الكبرى (1/ 426/ 874)، وأبو عوانة (1/ 441/ 1633)، وابن الجارود (328)، وأحمد (6/ 249)، والطحاوي في المشكل (10/ 404/ 4211).

هكذا رواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ] عن شعبة، فوافق فيه رواية زائدة بن قدامة عن موسى بن أبي عائشة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في هذه الصلاة.

وخالفه في متنه: بدل بن المحبر [ثقة ثبت]، قال: حدثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة: أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 55/ 1621)، وابن حبان (5/ 483/ 2117)، وابن حزم في المحلى (3/ 67).

قلت: زائدة بن قدامة: ثقة ثبت متقن، وهو أحسن سياقة لهذا الحديث وأتم، مما

ص: 28

يدل على حفظه وضبطه له، ولم يختلف عليه فيه [إلا ما ذكره عبد الله بن أحمد في العلل عن ابن مهدي، وقد جزم أحمد بخطأ رواية ابن مهدي عن زائدة، ورواية ابن مهدي في مسند أحمد لا تخالف رواية غيره عن زائدة. انظر: العلل ومعرفة الرجال (3/ 304 و 310 و 311/ 5350 و 5384 و 5385)، مسند أحمد (2/ 52) و (6/ 251)]؛ فحديث زائدة أولى من حديث شعبة الذي اختلف عليه فيه، ورواية من رواه عنه موافقًا لرواية زائدة أولى من رواية من خالف، وقد أعرض الشيخان عن رواية شعبة هذه، وأخرجا رواية زائدة في صحيحيهما، وهي الصواب، والله أعلم.

قال البيهقي في السنن (3/ 80): "وحسن سياق زائدة بن قدامة للحديث يدل على حفظه، وأن غيره لم يحفظه حفظه، ولذلك ذكره البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في كتابيهما دون رواية من خالفه".

قلت: وأما قول أبي حاتم: "يريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيد الله بن عبد الله في مرض النبي صلى الله عليه وسلم، قلت [القائل هو ابن أبي حاتم]: ما تقول فيه؟ قال: صالح الحديث، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: يكتب حديثه"[الجرح والتعديل (8/ 157)]، فلا يقدح في موسى، ولا في حديثه هذا، فإنه ثقة، متفق على إخراج حديثه في الصحيح، ولم يجرح، وقد صحح له الشيخان وغيرهما هذا الحديث، قال ابن حجر في التهذيب (4/ 179):"عنى أبو حاتم أنه اضطرب فيه، وهذا من تعنُّته، وإلا فهو حديث صحيح".

2 -

وروى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: لما ثَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء بلال يؤْذِنه بالصلاة، فقال:"مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، قالت: فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أَسِيف، وإنه متى يقم مقامك لم يُسمِع الناسَ، فلو أمرت عمر، قال:"مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، فقلت لحفصة: قولي له، فقالت له، فقال:"إنكن لأنتُنَّ صواحبات [في رواية الشيخين: صواحب] يوسف، مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس"، قالت: فأمروا أبا بكر، فلما دخل في الصلاة، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، قالت: فقام يهادَى بين رجلين، ورجلاه تخطَّان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حِسَّه، فذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: قم كما أنت، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عن يسار أبي بكر جالسًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي [جالسًا]، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بأبي بكر.

أخرجه البخاري (664 و 712 و 713)، ومسلم (418/ 95 و 96)، وأبو عوانة (1/ 443 و 444/ 1641 - 1643)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 42/ 933)، والنسائي في المجتبى (2/ 99/ 833)، وفي الكبرى (1/ 438/ 909)، واللفظ له. وابن ماجه (1232)، وابن خزيمة (3/ 53/ 1616)، وابن حبان (5/ 489 و 490/ 2120 و 2121) و (15/ 292/ 6873)، وابن الجارود (329)، وأحمد (6/ 210 و 224)، وابن سعد في الطبقات (3/ 180)، وابن أبي شيبة (2/ 117/ 7161)، وإسحاق بن راهويه

ص: 29

(3/ 831 - 833/ 1481 - 1483)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 452)، وابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 230)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1180 - 1182)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 202/ 2036)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 406)، وفي المشكل (10/ 397/ 4206)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (67)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (288)، وابن بشران في الأمالي (1083)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (26)، وابن حزم في المحلى (3/ 64)، والبيهقي في السنن (2/ 304)(3/ 81 و 94 و 239)، وفي المعرفة (2/ 356/ 1464)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 317)، والخطيب في المبهمات (462)، والبغوي في شرح السنة (3/ 423/ 853)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 257 - 258)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 286/ 140)، والحازمي في الاعتبار (1/ 416/ 145)، وقال:"هذا حديث صحيح ثابت، متفق عليه". وابن الجوزي في التحقيق (575 و 741).

رواه عن الأعمش جماعة من أصحابه، منهم: أبو معاوية، ووكيع، وحفص بن غياث، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وعبد الله بن داود الخريبي، وهذا لفظ أبي معاوية [وكان من أحفظ الناس لحديث الأعمش]، وفي رواية حفص بن غياث [عند ابن الجارود بإسناد صحيح]: فأُجلس عن يسار أبي بكر رضي الله عنه، فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه، وفي رواية وكيع: فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمون بأبي بكر، وفي رواية علي بن مسهر: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وأبو بكر يُسمعهم التكبير، وفي رواية عيسى بن يونس: وأبو بكر يُسمع الناس، وفي رواية الخريبي: وأبو بكر يُسمع الناس التكبير، ففي هذه الروايات وغيرها ما لا يدع مجالًا للشك في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وأن أبا بكر هو المأموم، قال ابن المنذر (4/ 203):"ففي هذا الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم إمام، وجالس عن يسار أبي بكر، وأبو بكر قائم مأموم"، وقال الطحاوي (1/ 407):"وذلك قعود الإمام؛ لأنه لو كان أبو بكر إمامًا له لكان النبي صلى الله عليه وسلم يقعد عن يمينه، فلما قعد عن يساره وكان أبو بكر عن يمينه، دل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وأن أبا بكر هو المأموم"، وبهذا صرح غير واحد من الأئمة.

وما زعمه بعضهم من أن رواية أبي معاوية غير محفوظة في بعض ألفاظها، فتهجُّمٌ على الصحيحين بغير بينة ودليل صحيح، فقد اتفق الشيخان على إخراج حديث أبي معاوية، وما تكلم فيه هؤلاء إلا لأجل نصرة مذهبهم، وإلا فقد توبع أبو معاوية فيه على لفظه ومعناه كما أشرت إليه آنفًا، وله شاهد من حديث ابن عباس الآتي في الشواهد، وكذلك ما قيل في رواية حفص بن غياث وغيرها من دعوى الإدراج، فإنما هو دفاع عن المذهب، وتأويل للأحاديث الصحيحة الصريحة لتوافق مذهب المتكلم، ودعوى الإدراج المزعومة دعوى ساقطة [انظر: منتقى ابن الجارود وغيره].

ص: 30

• وقد روى أبو داود: نا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت: من الناس من يقول: كان أبو بكر المقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدَّم بين يدي أبي بكر.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 54 - 55/ 1618)، وابن الجارود (328)، وابن المنذر (4/ 203/ 2038)، وابن المظفر في حديث شعبة (31)، والبيهقي (3/ 82)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 320)، وابن حجر في التغليق (2/ 281).

وروى مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر.

أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 452)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 203/ 2037)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (2128)، وأبو بكر الباغندي في ستة مجالس من أماليه (78)، وابن السماك في التاسع من فوائده "جزء حنبل"(22)، والبيهقي في الدلائل (7/ 192).

قال البيهقي (3/ 82): "هكذا رواه الطيالسي عن شعبة عن الأعمش، ورواية الجماعة عن الأعمش كما تقدم على الإثبات والصحة".

وقال في الدلائل (7/ 194): "فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر خلفه مرة، وعلى هذا حملها الشافعي رحمه الله.

وفي مغازي موسى بن عقبة وغيره بيان الصلاة التى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين.

وفيما روينا عن عبيد الله عن عائشة، وابن عباس: بيان الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه بعدما افتتحها بالناس وهي صلاة الظهر من يوم السبت أو الأحد، فلا يتنافيان".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 317) في الجمع بين الروايتين عن الأعمش: "ليس هذا بخلاف لأنه يمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في غير تلك الصلاة في مرضه ذلك".

قلت: طالما أمكن الجمع بين الروايتين عن الأعمش، رواية الجماعة عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وأن أبا بكر هو المأموم، وفيه تحكي عائشة قصة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة، وقصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بعد افتتاح أبي بكر الصلاة بهم، واقتداء أبي بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما رواية شعبة: فتحكي عائشة فيها الخلاف الواقع بين الناس في هذه المسألة، فتقول: أن من الناس من يقول: كان أبو بكر المقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدَّم بين يدي أبي بكر، أو: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر، وطالما أمكن الجمع بينهما على أنهما حديثان مستقلان عن الأعمش، يرويان واقعتين مختلفتين، فهو أولى من توهيم شعبة، لا سيما وسيأتي في حديث أنس ما يثبت

ص: 31

الواقعة الأخرى، وبيانه كما قال البيهقي وابن عبد البر، وسيأتي له مزيد بيان عند حديث أنس، كما يمكن أن يقال: إن في رواية الطيالسي عن شعبة بيان ما وقفت عليه عائشة بعدُ من اختلاف الناس في هذا الأمر، فكل منهم يروي ما شاهد ووقف عليه، أو بلغه في ذلك، أو ظهر له بوجه من الوجوه، فكل حدث بما علم، فلا ينكر عليه، لوقوع هذا في وقت، وهذا في وقت آخر، ولكون القائل بنى قوله على قرائن ظهرت له، والله أعلم.

3 -

قال الشافعي في اختلاف مالك (8/ 537/ 3642)، وفي المسند (212): أخبرنا الثقة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عُبَيد بن عُمَير، قال: أخبرتني الثقة - كأنه يعني: عائشة- ثم ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه، بمثل معنى حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

ومن طريق الشافعي: أخرجه البيهقي في المعرفة (2/ 357/ 1465).

ورواه حماد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة به، وأسقط عبيد بن عمير.

أخرجه الدارقطني فيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (135).

وقال الشافعي في اختلاف الحديث (80): أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل معناه لا يخالفه. هكذا مرسلًا.

• ورواه يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فلما افتتح أبو بكر الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج، فجعل يفرج الصفوف، فلما سمع أبو بكر الحِسَّ علم أنه لا يتقدم ذلك التقدم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فنخس إلى الصف وراءه، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكانه، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر، وأبو بكر قائم، فلما فرغا من الصلاة قال أبو بكر: أي رسول الله أراك أصبحت بحمد الله صالحًا. . . الحديث.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 215).

وهذا هو المحفوظ: مرسل، ورجال إسناده ثقات مشاهير، غير أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة، فقد روى عنه جماعة، وأخرج له البخاري، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (4/ 492)].

قال أبو حاتم في العلل (2/ 380/ 2650): "إنما هو: يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . .، مرسل".

وقال الدارقطني في العلل (14/ 356/ 3700): "يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، واختلف عنه: فرواه علي بن عاصم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة.

وخالفه عبد الوهاب الثقفي، ويعلى بن عبيد؛ فروياه عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح.

ص: 32

ورواه محمد بن إسحاق، عن ابن أبي مليكة، ولم يجاوز به".

4 -

حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشة، قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أفاق فقال:"أصلى الناس؟ " قلنا: لا، قال:"مروا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس" فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس -قال عاصم: والأسيف الرقيق الرحيم- قال: "مروا أبا بكر أن يصلي بالناس" قال ذلك ثلاث مرات، كل ذلك أرد عليه، قالت: فصلى أبو بكر بالناس، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خِفَّة من نفسه، فخرج بين بَريرة ونُوبَة، إني لأنظر إلى نعليه تخُطَّان في الحصا، وأنظر إلى بطون قدميه، فقال لهما:"أجلساني إلى جنب أبي بكر" فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأومأ إليه أنِ: اثْبُت مكانك، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو جالس، وأبو بكر قائم، يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر.

أخرجه ابن حبان (5/ 485/ 2118)، وابن أبي شيبة (2/ 118/ 7167)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 453).

وانظر في المناكير: أمالي ابن بشران (611 و 898).

• خولف فيه عاصم:

رواه شبابة بن سوار، عن شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدًا.

أخرجه الترمذي (362)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(338)، وابن حبان (5/ 487/ 2119)، وأحمد (6/ 159)، وابن أبي شيبة (8/ 112/ 7168)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 453)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 203/ 2040)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 406)، وفي المشكل (10/ 401 و 402/ 4208) و (14/ 319/ 5648)، والآجري في الشريعة (1356 و 1307)، وابن المقرئ في المعجم (879)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 339)، والبيهقي في السنن (3/ 82 و 83)، وفي الدلائل (7/ 191)، والخطيب في التاريخ (2/ 37)[وفي سنده سقط] و (8/ 343) و (9/ 295).

ورواه بدل بن المحبر [ثقة ثبت]، وبكر بن عيسى البصري [ثقة]:

عن شعبة، قال: أخبرني نعيم بن أبي هند، قال: سمعنا أبا وائل، يحدث عن مسروق، عن عائشة: أن أبا بكر صلى بالناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 79/ 786)، وفي الكبرى (1/ 421/ 863)، وابن خزيمة (3/ 55/ 1620) [زاد لفظة: خلفه، وهي شاذة]. وابن المنذر في الأوسط (4/ 203/ 2039)، والطحاوي في المشكل (10/ 402/ 4209)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (214)، وابن حزم في المحلى (3/ 67) و (4/ 209)، والبيهقي في السنن (3/ 83).

ص: 33

وشبابة بن سوار: ثقة حافظ، وقد نُقم عليه الإرجاء، وقد كان داعيًا إلى بدعته، وقيل: رجع عنها، وقد أنكر الإمام أحمد على شبابة أحاديث، وهذا منها، قال أبو بكر الأثرم:"قلت لأبي عبد الله: حديث شبابة الذي يرويه عن شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر؟ قال: ما أدري أخبرُك؟ ما سمعته من أحد -يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت-[وقال أحمد في موضع آخر: وهذا إنما روي عن شعبة بهذا الإسناد: حديث الحج. ضعفاء العقيلي (2/ 195)، تاريخ بغداد (9/ 296)]، ثم قال لي أبو عبد الله: وحديثه الآخر الذي يرويه عن شعبة عن نعيم بن أبي هند، رواه إنسان يقال له: بكر بن عيسى -من أصحاب أبي عوانة، وأثنى عليه، كان يعالج البز- فخالفه في كلامه، قلت له: وأسنده ذاك أيضًا؟ فقال: نعم، قال: عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة -يعني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى خلف أبي بكر في مرضه-،. . . "[تاريخ بغداد (9/ 297)، وانظر: ضعفاء العقيلي (2/ 195)].

وحديث الدباء والمزفت الذي تفرد به شبابة عن شعبة، قال فيه البخاري:"هذا حديث شبابة عن شعبة"، ثم قال الترمذي عن البخاري:"لم يعرفه إلا من حديث شبابة"، ثم قال:"قال محمد [يعني: البخاري]: ولا يصح هذا الحديث عندي"[علل الترمذي الكبير (575)]، وقال أبو حاتم:"هذا حديث منكر، لم يروه غير شبابة، ولا يعرف له أصل"[علل الحديث (2/ 27/ 1557)]، يعني: من حديث شعبة، وقال الترمذي:"هذا حديث غريب من قبل إسناده، لا نعلم أحدًا حدث به عن شعبة غير شبابة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة: أنه نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت، وحديث شبابة إنما يستغرب لأنه تفرد به عن شعبة، وقد روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحج عرفة"، فهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بهذا الإسناد"[العلل الصغير (70 - 71)، شرح العلل (2/ 644 و 647)]، وقال ابن عدي:"ولا أعلم رواه عن شعبة في الدباء غير شبابة، وإنما روى شعبة بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر، في ذكر الحج"[الكامل (4/ 45)]، ولم يصب ابن المديني في عدم إنكار هذا الحديث على شبابة، وقد ساق الأئمة حجتهم في إنكارهم على شبابة هذا الحديث، وقولهم هو الصواب.

وقد ذهب الإمام أحمد في شبابة إلى أبعد من هذا، حيث قال في مسائل ابنه صالح (344):"كان يذهب إلى الإرجاء، زعموا أنه غير نحوًا من خمسين حديثًا"، وهذا قدح شديد في شبابة لو ثبت، وقال أبو حاتم:"صدوق، يكتب حديثه، ولا يحتج به"، لكن العمل على توثيق الرجل، كما ذهب إليه جماعة من الأئمة، لقلة أوهامه، وقد ذهب ابن عدي إلى أنه لم ينكر عليه سوى ثلاثة أحاديث فقط، وقد احتج به الشيخان، والله أعلم [انظر: التهذيب (2/ 147)، الميزان (2/ 265)].

وانظر أيضًا في أوهام شبابة: العلل ومعرفة الرجال (1/ 475/ 1094)، العلل لابن أبي حاتم (1/ 161/ 458)، الكامل في الضعفاء (4/ 45).

ص: 34

• وقد رواه مطولًا، وخالفه في إسناده ومتنه:

المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: حدثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن عائشة، أنها قالت: أُغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أفاق قال:"هل نودي بالصلاة؟ " فقلنا: لا، فقال:"مري بلالًا فليبادر بالصلاة، وليُصَلِّ بالناس أبو بكر" قالت: فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف، لا يستطيع أن يقوم مقامك، قالت: فنظر إليَّ حين فرغ من كلامه، ثم أغمي عليه، فلما أفاق قال:"هل نودي بالصلاة؟ " قالت: فقلت: لا، قال:"مري بلالًا فليُنادِ بالصلاة، وليُصَلِّ بالناس أبو بكر" قالت: فأومأتُ إلى حفصة، فقالت: يا نبي الله! إن أبا بكر رجل رقيق لا يستطيع أن يقرأ إلا يبكي، قال: فنظر إليها حين فرغت من كلامها، ثم أُغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أفاق قال:"هل نودي بالصلاة؟ " قالت: فقلت: لا، فقال:"مري بلالًا فليُنادِ بالصلاة، وليُصَلِّ بالناس أبو بكر، فإنكن صواحبات يوسف" ثم أُغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأقام بلال الصلاة، وصلى بالناس أبو بكر، ثم أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بنُوبة وبريرة فاحتملاه، قالت عائشة: فكأني أنظر إلى أصابع قدمَي رسول الله صلى الله عليه وسلم تخطُّ في الأرض، قالت: فلما أحس أبو بكر بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يستأخر، فأومأ إليه أن يثبت، قالت: وجيء بنبي الله صلى الله عليه وسلم فوُضع بحذاء أبي بكر في الصف.

أخرجه ابن حبان (5/ 494/ 2124)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 447)، والبيهقي (3/ 82)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 258 و 259).

تنبيه: وقع عند ابن حبان بين أبي وائل وعائشة: أحسبه عن مسروق، ومع هذا الشك، فهو غير محفوظ من حديث معتمر، فقد رواه جماعة من الثقات عنه بدون ذكر مسروق.

قلت: نعيم بن أبي هند: كوفي ثقة، لم يختلف في توثيقه، وأما عاصم بن بهدلة، فإنه وإن كان صدوقًا، إلا أنه كان سيئ الحفظ، كثير الخطأ، وقد تكلموا فيه لسوء حفظه، وكان يضطرب في حديث زر وأبي وائل، يجعل هذا مكان هذا [التهذيب (4/ 238) و (2/ 250)، الميزان (2/ 357)، شرح علل الترمذي (2/ 788 و 875)].

• والذي يظهر لي -والله أعلم-: أن عاصمًا قد حفظ هذا الحديث وضبطه، إذ قد وافق في سياقه سياق من روى الحديث من الثقات عن عائشة، مثل عبيد الله والأسود [الطريق الأول والثاني]، ولم يختلف عاصم ونعيم -من رواية التيمي عنه- في متن الحديث اختلاف تضاد، وإنما يزيد أحدهما على الآخر، مما يقع كثيرًا من الثقات، حيث يزيد بعضهم على بعض.

وحديث نعيم بن أبي هند قد اختلف عليه في إسناده ومتنه:

فتابع شعبة في إسناده عاصمًا بإثبات مسروق، لكنه اختصر متن الحديث.

وتابع سليمان التيمي عاصمًا في سياق المتن مطولًا بمعناه، لكنه أسقط من الإسناد مسروقًا.

ص: 35

قلت: أما شعبة فكان أحفظ للأسانيد، فتُقدم زيادته في الإسناد، حيث زاد على التيمي: مسروقًا بين أبي وائل وعائشة، فهي زيادة من ثقة حافظ متقن، فتقبل، وقد تابع فيها رواية عاصم.

وأما المتن: فقد اختصره شعبة، وساقه التيمي سياقة حسنة تدل على حفظه له، وعنايته به، وضبطه له، وقد تابع فيه عاصمًا بمعناه، وسليمان بن طرخان التيمي: ثقة حافظ، أحد حفاظ البصرة، وقد فصل وبيَّن ما أجمله شعبة واختصره من متن الحديث، وإذا أمعنت النظر في رواية بدل بن المحبر وبكر بن عيسى عن شعبة، ورواية التيمي لم تجد اختلافًا، لكن رواية شبابة تدل على وهمه في هذا السياق الذي انفرد به، وبهذا يظهر وجه إعلال الإمام أحمد لحديث شبابة، والله أعلم.

وعلى هذا: فالمحفوظ من الإسناد: ما رواه شعبة عن نعيم، وتابع عليه عاصمًا.

والمحفوظ من المتن: ما رواه عاصم، وتابعه على معناه نعيم من رواية التيمي عنه.

وإسناده من لدن شقيق: صحيح على شرط الشيخين.

لكن يبقى أن في خبر مسروق هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين نُوبة وبريرة، وفي خبر عبيد الله [في الصحيحين]: خرج بين العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، فذهب بعضهم إلى أنهما واقعتان [مثل: ابن حبان (5/ 488 و 495)، وابن رجب (4/ 84)، وابن حجر (8/ 141)]، وذهب النووي إلى الجمع بينهما، بأنه صلى الله عليه وسلم خرج من البيت إلى المسجد بين نوبة وبريرة، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي [فتح الباري لابن حجر (2/ 154)]، قلت: هذا جمع تحتمله الرواية، وإلا فالأقرب عندي صحة ما اتفق عليه الشيخان من حديث الزهري وموسى بن أبي عائشة، كلاهما عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، بأنه صلى الله عليه وسلم خرج بين العباس وعلي [البخاري (198 و 665 و 2588 و 4442 و 5714)، مسلم (418/ 91)، مع الطريق المتقدم برقم (1)].

قال الترمذي بعد حديث شبابة: "حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب، وقد رُوي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا"، ورُوي عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه، وأبو بكر يصلي بالناس، فصلى إلى جنب أبي بكر، والناس يأْتمُّون بأبي بكر، وأبو بكر يأتمُّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورُوي عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدًا، ورُوي عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعدًا.

وكذا هو في مخطوطة الكروخي (31/ أ)، وفي مستخرج الطوسي:"هذا حديث غريب" فقط. قلت: وهو أقرب لمسلك الترمذي في أحكامه.

وقال ابن حبان بعد حديث شبابة: "خالف نعيم بن أبي هند عاصم بن أبي النجود في متن هذا الخبر، فجعل عاصم أبا بكر مأمومًا، وجعل نعيم بن أبي هند أبا بكر إمامًا، وهما ثقتان حافظان متقنان، فكيف يجوز أن يُجعل خبر أحدهما ناسخًا لأمر متقدم، وقد عارضه في الظاهر مثله؟ ونحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه: إن هذه الأخبار كلها صحاح، وليس شيء

ص: 36

منها يعارض الآخر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في علته صلاتين في المسجد جماعةً، لا صلاةً واحدةً، في إحداهما كان مأمومًا، وفي الأخرى كان إمامًا، والدليل على أنهما كانتا صلاتين لا صلاة واحدة: أن في خبر عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين رجلين يريد أحدهما العباس والآخر عليًّا، وفي خبر مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بين بَرِيرة ونُوبة، فهذا يدلك على أنهما كانتا صلاتين لا صلاة واحدة".

قلت: إذا ظهر لنا أن رواية شبابة شاذة، فلا يُبنى عليها حكم، وكما قلنا فإن رواية نعيم بن أبي هند لا تخالف رواية عاصم، بل كلاهما يدلان على أن أبا بكر كان مأمومًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا في هذه الواقعة التي تحكيها عائشة، والله أعلم.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 321): "ورواية من روى أن أبا بكر كان المقدم مجملة محتملة للتأويل؛ لأنه جائز أن تكون صلاة أخرى، ولو صح أنها كانت صلاة واحدة: كان في رواية من روى عن عائشة وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم زيادة بيان؛ لأنه قد أثبت ما قاله غيره من تقدُّمِ أبي بكر وزاد تأخُّرَه وتقدُّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن روى أن أبا بكر كان المقدَّم لم يحفظ قصة تأخُّرِه وتقدُّمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدير ذلك أن تكون جماعتهم رأوا أبا بكر في حال دخوله في الصلاة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى إلى الصف الأول والصفوف كثيرة، علم مَن قرُب تغير حال أبي بكر، وانتقال الإمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعلم ذلك مَن بعُد، فلهذا قلنا: إن من نقل انتقال الإمامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما خفي على من قال: إن الإمام كان أبا بكر، وقد يحتمل وجهًا آخر: وذلك أن يكون أراد القائل أن أبا بكر كان الإمام يعني: كان إمامًا في أول الصلاة، وزاد القائل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمامًا يعني: أنه كان إمامًا في آخر تلك الصلاة، هذا لو صح أنها كانت صلاة واحدة، ولو جاز أن يكون رواية عائشة متعارضة، لكانت رواية ابن عباس التي لم يختلف فيها قاضية في هذا الباب على حديث عائشة المختلف فيه، وذلك أن ابن عباس قال: إن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتدي به، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، كما قال هشام بن عروة عن أبيه في حديث عائشة، فبان برواية ابن عباس أن الصحيح في حديث عائشة الوجه الموافق لقوله، وبالله التوفيق".

قلت: لا مانع من كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى مأمومًا خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه، كما نقله شعبة في حديثه عن الأعمش [وتقدم من حديث عائشة]، وكما سيأتي تقريره في حديث أنس، لكن هذه الواقعة التي تنقلها لنا عائشة بهذا التفصيل إنما كانت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح أبو بكر الصلاة بالناس، ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر، فصار إمامًا يقتدي به أبو بكر، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر، يُسمعهم التكبير، فلم نعُد بحاجة إلى هذه التأويلات، وقد اعتمد الشيخان في صحيحيهما رواية عبيد الله بن عبد اللَّه بن عتبة، ورواية الأسود، واللتين جاء فيهما التصريح بما قد ذكرت، وأعرضا عن رواية مسروق التي وقع فيها هذا الاختلاف، مع أنك تجدها عند التحقيق وإمعان النظر ترجع إلى رواية عبيد الله والأسود، والله أعلم.

ص: 37

وانظر: فوائد أبي محمد الفاكهي عن ابن أبي مسرة (91).

5 -

قال ابن سعد في الطبقات (2/ 220): أخبرنا محمد بن عمر: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة، قالت: لما كانت ليلة الاثنين بات رسول الله صلى الله عليه وسلم دنفًا، فلم يبق رجل ولا امرأة إلا أصبح في المسجد لوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء المؤذن يؤذنه بالصبح، فقال:"قل لأبي بكر يصلي بالناس" فكبر أبو بكر في صلاته، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر فرأى الناس يصلون، فقال:"إن الله جعل قرة عيني في الصلاة"، وأصبح يوم الاثنين مفيقًا، فخرج يتوكأ على الفضل بن عباس وعلى ثوبان غلامه حتى دخل المسجد، وقد سجد الناس مع أبي بكر سجدة من الصبح، وهم قيام في الأخرى، فلما رآه الناس فرحوا به، فجاء حتى قام عند أبي بكر، فاستأخر أبو بكر، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فقدمه في مصلاه، فصفا جميعًا: رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر قائم على ركنه الأيسر يقرأ القرآن، فلما قضى أبو بكر السورة سجد سجدتين ثم جلس يتشهد، فلما سلم صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة ثم انصرف.

وظاهر هذه الرواية أن أبا بكر أتم صلاته إمامًا، وقد ائتم به النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها رواية واهية، مدارها على محمد بن عمر الواقدي الأخباري العلامة، وهو متروك الحديث، متهم بالوضع [انظر: التهذيب (3/ 656)]، وشيخه: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري الأوسي المدني: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (2/ 528)، الميزان (2/ 577)]، وبقية رجاله رجال الشيخين، بل على شرطهما، فكيف يتفرد بمثل هذا الإسناد المدني الصحيح مثل الواقدي، فهو حديث باطل بهذا الإسناد.

• ومما روي في هذا المعنى:

ما رواه نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا عبد الله بن داود، قال: حدثنا سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نُبَيط بن شَريط، عن سالم بن عبيد -وكانت له صحبة- قال: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق، فقال: أحضرت الصلاة؟ " فقالوا: نعم، فقال: "مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر أن يصلي للناس" أو قال:"بالناس" قال: ثم أغمي عليه، فأفاق، فقال:"حضرت الصلاة؟ " فقالوا: نعم، فقال:"مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس"، فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، إذا قام ذلك المقام بكى فلا يستطيع، فلو أمرت غيره، قال: ثم أغمي عليه فأفاق، فقال:"مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب -أو: صواحبات- يوسف، قال: فأمر بلال فأذن، وأمر أبو بكر فصلى بالناس، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة، فقال: "انظروا لي من أتَّكئ عليه"، فجاءت بريرة ورجل آخر، فاتكأ عليهما، فلما رآه أبو بكر ذهب لينكِص، فأومأ إليه أن يثبت مكانه، حتى قضى أبو بكر صلاته، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض، فقال عمر: والله لا أسمع أحدًا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفي هذا، قال: وكان الناس أميين لم يكن فيهم نبي قبله، فأمسك الناس، فقالوا: يا سالم، انطلق إلى صاحب

ص: 38

رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه، فأتيت أبا بكر وهو في المسجد فأتيته أبكي دهشًا، فلما رآني قال: أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن عمر يقول: لا أسمع أحدًا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفي هذا، فقال لي: انطلق، فانطلقت معه، فجاء هو والناس قد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، أفرجوا لي، فأفرجوا له، فجاء حتى أكب عليه ومسَّه، فقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزمر: 30] ثم قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق، قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيصلى على رسول الله؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون، ثم يخرجون، ثم يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون، ثم يخرجون، حتى يدخل الناس، قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، فعلموا أن قد صدق، ثم أمرهم أن يغسله بنو أبيه، واجتمع المهاجرون يتشاورون، فقالوا: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر، فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر بن الخطاب: من له مثل هذه الثلاث: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] من هما؟ قال: ثم بسط يده فبايعه، وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة.

أخرجه الترمذي في الشمائل (397)، والنسائي في الكبرى (10/ 114/ 11155)، وابن ماجه (1234)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 446)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 12/ 1299).

قال ابن ماجه: "هذا حديث غريب، لم يحدث به غير نصر بن علي".

قلت: لم ينفرد به نصر بن علي الجهضمي [وهو: ثقة ثبت]، بل تابعه عليه: أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، عارم [ثقة ثبت]، والقاسم بن محمد بن عباد المهلبي [ثقة]، وأبو طالب زيد بن أخزم الطائي [ثقة حافظ]، ومحمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي [ثقة]، ومسدد بن مسرهد [ثقة حافظ]، وابراهيم بن زياد المعروف بسبلان [ثقة]:

فرووه عن عبد الله بن داود الخريبي، عن سلمة بن نبيط به مطولًا.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 20 و 60/ 1541 و 1624)، وعبد بن حميد (365)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 324/ 2934)، والطبراني في الكبير (7/ 56/ 6367)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1361/ 3434)، والبيهقي في المعرفة (3/ 159/ 2132)، وفي الاعتقاد (349)، وأبو موسى المديني في اللطائف (791)، ومنهم من اختصره.

قال عارم: فصلى أبو بكر بالناس، وقال مسدد: فأُجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه حتى فرغ من صلاته.

وتابع عبد اللَّه بن داود عليه:

ص: 39

إسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة]، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي [ثقة]، ويونس بن بكير [صدوق]:

فرووه عن سلمة بن نبيط به مطولًا.

أخرجه النسائي في الكبرى (6/ 395 و 397/ 7081 و 7084) و (7/ 295/ 8055)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 455)، وبحشل في تاريخ واسط (51)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 147/ 1057)، والخطابي في غريب الحديث (2/ 125)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (7/ 1287/ 2439)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 371)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1360 و 1361/ 3433 و 3434)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 397)، وأبو موسى المديني في اللطائف (791)، والرافعي في التدوين (2/ 472).

وانظر: تاريخ الدوري (4/ 172/ 3777).

وعليه: فإن هذا الحديث مشهور عن سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط بن شَريط، عن سالم بن عبيد به، وليس غريبًا كما قال ابن ماجه.

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، ونبيط بن شريط وسالم بن عبيد: صحابيان.

ورواه إسحاق الأزرق أيضًا، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن نعيم بن أبي هند، عن سالم به، فلم يذكر نبيطًا.

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 56/ 6366)، وأبو موسى المديني في اللطائف (792).

قلت: سلمة بن كهيل: ثقة ثبت، لكن سلمة بن نبيط: ثقة، وقد زاد أباه في الإسناد، ومثل هذا مما لا يغفل عنه المرء، وروايته عندي أشبه، والله أعلم.

ويقال في هذا الحديث كما قيل في حديث مسروق عن عائشة، وقول ابن عبد البر يصلح لمثل هذا الموضع، والله أعلم.

• ومما روي في أن أبا بكر كان الإمام:

1 -

ما رواه يحيى بن أيوب، وسليمان بن بلال، ومحمد بن طلحة:

عن حميد: حدثني ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد بُرْدٍ يخالف بين طرفيه، فكانت آخر صلاة صلاها. لفظ يحيى، ولفظ سليمان: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم: في ثوب واحد متوشحًا به، -يريد: قاعدًا-، خلف أبي بكر. ولفظ محمد بن طلحة: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدًا، في ثوب متوشِّحًا به.

أخرجه الترمذي (363)، وابن حبان (5/ 496/ 2125)، والضياء في المختارة (5/ 85 - 87/ 1706 - 1709)، والبزار (13/ 278 و 279/ 6837 و 6838)، وأبو العباس السراج في مسنده (454 و 471)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 406)، وفي المشكل (10/ 406/ 4213) و (14/ 321/ 5649)، والبيهقي في المعرفة (2/ 360/ 1467)، وفي الدلائل (7/ 192)، وفي الاعتقاد (339).

ص: 40

وقد اختلف فيه على حميد الطويل:

أ- فرواه يحيى بن أيوب، وسليمان بن بلال، ومحمد بن طلحة، عن حميد: حدثني ثابت البناني، عن أنس بن مالك به.

ب- ورواه يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن ثابت البناني، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في وجعه الذي مات فيه، قاعدًا متوشحًا بثوب -قال: أظنه قال بردًا-، ثم دعا أسامة فأسند ظهره إلى نحره، ثم قال:"يا أسامة ارفعني إليك".

قال يزيد: وكان في الكتاب الذي معي: عن أنس، فلم يقل: عن أنس، وأنكره، وأثبت ثابتًا.

أخرجه أحمد (3/ 243).

ج- ورواه أبو ضمرة أنس بن عياض، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وأخوه محمد بن جعفر [ولا يثبت عنه]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وسفيان الثوري، ومعتمر بن سليمان، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير، وعلي بن عاصم، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، وعمران بن داور القطان [صدوق، كثير الوهم، وفي الإسناد إليه جهالة]، ومندل بن علي [ضعيف]:

عن حميد، عن أنس، قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم: في ثوب واحد متوشحًا به، خلف أبي بكر.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 79/ 785)، وفي الكبرى (1/ 421/ 862)، والضياء في المختارة (6/ 18 - 20/ 1965 - 1972)، وأحمد (9/ 153 و 216 و 233 و 243)، وعبد الرزاق (1/ 350/ 1367)، وابن سعد في الطبقات (1/ 462)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (75)، وأبو يعلى (6/ 389 و 399 و 474/ 3734 و 3751 و 3884)، والدولابي في الكنى (2/ 710/ 1243)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 204/ 2041)، والطحاوي في المشكل (10/ 406 - 407/ 4214)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 190/ 545)، والآجري في الشريعة (1354 و 1305)، والطبراني في الأوسط (4/ 387/ 4509)، وأبو الحسن الحربي في فوائده (74)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 218)، وابن حزم في المحلى (3/ 67) و (9/ 204)، والبيهقي في الدلائل (7/ 192)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 382)، والبغوي في شرح السنة (2/ 421/ 514).

• تنبيهان:

الأول: وقع في رواية للخفاف: قال: قلت [يعني: لحميد] أسمعته من أنس؟ قال: لا، ولكن حدثناه أيوب، عن أنس.

كذا وقع في تاريخ أصبهان، ورجاله كان كان قد وثِّقوا، لكنهم ليسوا بالمشاهير، ممن يحتمل تفردهم عن الخفاف بمثل هذه الزيادة، تفرد به عن الخفاف: إبراهيم بن

ص: 41

عبد العزيز بن كوفي الحبال، قال أبو الشيخ:"كان صدوقًا"، وقال أبو نعيم:"ثقة مأمون"[طبقات المحدثين (2/ 338)، تاريخ أصبهان (1/ 217 و 220)، الإكمال (1/ 370)، توضيح المشتبه (1/ 667)]، وقد رواه عن الخفاف: الإمام أحمد (3/ 233) فلم يذكر هذه الزيادة، فلا أراها تثبت، والله أعلم، وانظر: علل الدارقطني (12/ 52/ 2403).

الثاني: وقع عند البيهقي في الدلائل بإسناد صحيح إلى: عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا حميد، أنه سمع أنسًا يقول:. . . فذكره، هكذا بإثبات السماع لحميد من أنس.

قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 234): "وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح، ولم يخرجوه".

قلت: لا يصح هذا السماع، لأمور:

منها: أن الأئمة قد صرحوا بأن حميدًا لم يذكر فيه سماعًا من أنس، مثل أبي حاتم، وأثبت الترمذي الواسطة بين حميد وأنس، ولو صح عنده سماع لما صحح الطريق بإثبات الواسطة بينهما.

ومنها: أن عبيد بن عبد الواحد قد تفرد به عن ابن أبي مريم بهذا الوجه، وخالفه فيه: محمد بن إسحاق الصغاني [ثقة ثبت]، ومحمد بن سهل بن عسكر [ثقة]، ومحمد بن حميد بن هشام الرعيني [وثِّق. المقفى (5/ 614)، الإكمال (7/ 138)، الأنساب (4/ 145)، التوضيح (6/ 183)]:

فرواه ثلاثتهم، عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب: حدثني حميد: حدثني ثابت البناني، عن أنس بن مالك به [تقدم ذكره].

وهذا هو المحفوظ عن ابن أبي مريم، فإن رواية جماعة الثقات من أهل بلد الرجل وغيرهم أولى من رواية الواحد من الغرباء، وقد وهم فيه عبيد بن عبد الواحد بن شريك، وهو: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر [الثقات (8/ 434)، سؤالات الحاكم (154)، تاريخ بغداد (11/ 99)، تاريخ دمشق (38/ 208)، سير أعلام النبلاء (13/ 385)، اللسان (5/ 355)].

د- ورواه هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن.

قال: وأخبرنا حميد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه، وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.

أخرجه البيهقي في الدلائل (7/ 192)، وانظر: علل الدارقطني (12/ 52/ 2403).

• ورواه عبد الوارث بن سعيد، عن يونس، عن الحسن: أن أسامة بن زيد جاء برسول الله صلى الله عليه وسلم يهاديه وهو مريض، حتى أقعده في الصف، فصلى خلف أبي بكر رضي الله عنه في ثوب واحد.

أخرجه الدارقطني فيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (64)، قال: حدثنا

ص: 42

موسى بن زكريا، قال: حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث به.

ورجاله ثقات، غير شيخ أبي الطاهر الذهلي: موسى بن زكريا بن يحيى أبي عمران التستري البصري، فهو: متروك [سؤالات الحاكم (277)، الإرشاد (2/ 527)، المحلى (7/ 531) و (8/ 232)، اللسان (8/ 198)].

هـ- ورواه حماد بن سلمة، واختلف عليه:

• فرواه عفان بن مسلم، وأبو داود الطيالسي، والحسن بن موسى الأشيب، وداود بن شبيب، وأبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز القشيري التمار:

عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس والحسن [رواه الطيالسي على الشك، قال: عن أنس أو الحسن، وقال عفان: فيما يحسب حميد، وقال مرة: فيما يحسب حماد]: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يتوكأ على أسامة بن زيد، في مرضه الذي مات فيه، فصلى بالناس في ثوب واحد -ثوب قطري-[قال عفان وحسن: ثوب قطن]، قد خالف بين طرفيه، [فصلى بهم].

أخرجه ابن حبان (6/ 104/ 2335)، والضياء في المختارة (6/ 20/ 1971)، وأحمد (3/ 239 و 257 و 281)، والطيالسي (3/ 599/ 2254)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 297/ 181)، والبغوي في شرح السنة (12/ 22/ 3093).

• ورواه عمرو بن عاصم، وعبيد الله بن محمد العيشي، وداود بن المحبر [متروك]:

حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكيًا، فخرج يتوكأ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطري، قد توشح به، فصلى بهم.

أخرجه الترمذي في الشمائل (136)، وأحمد (3/ 262)، والحارث بن أبي أسامة (3/ 394/ 332 - مطالب)، والبغوي في شرح السنة (12/ 22/ 3092).

• ورواه محمد بن الفضل، وسليمان بن حرب، وداود بن شبيب، وعبيد الله بن محمد العيشي:

عن حماد، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن، عن أنس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد المسجد،. . . فذكره.

أخرجه الترمذي في الشمائل (60)، وابن حبان (6/ 104/ 2335)، والضياء في المختارة (5/ 220/ 1849 و 1850)، وأحمد (3/ 262)، والبزار (1/ 285/ 593 - كشف)، وأبو يعلى (5/ 170/ 2785)، والطحاوي (1/ 381)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 181/ 297)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 263)، والبغوي في شرح السنة (12/ 22/ 3093).

قال الترمذي: قال عبد بن حميد: قال محمد بن الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلي. فقلت: حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك؟ فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي، ثم قال: أمله عليَّ، فإني أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه.

ص: 43

قلت: أخاف أن يكون هذا الاختلاف من حماد بن سلمة نفسه، فإن الذين اختلفوا عليه ثقات، ورواه بعضهم عنه بوجهين، مثل: داود بن شبيب والعيشي، وهو معروف عن الحسن البصري مرسلًا، رواه عنه به مرسلًا: أثبت أصحابه: يونس بن عبيد، فهو أصح من حديثه هذا، وعليه: فإن ذكر أسامة بن زيد في هذا الحديث شاذ، وإنما يُعرف من حديث الحسن البصري مرسلًا، والحسن قد سمع من أنس [المراسيل (151 و 153)]، لكن المحفوظ عنه: مرسل، والله أعلم.

وأما الاختلاف في هذا الحديث على حميد الطويل: فالذي يظهر لي أن رواية يزيد بن هارون: وهمٌ، والمحفوظ رواية الجماعة، فقد رواه حميد عن ثابت عن أنس، وصرح فيه بسماعه من ثابت، ورواه حميد أيضًا عن أنس بلا واسطة، فكلاهما محفوظ عن حميد، ولم يسمعه من أنس، إذ لا يُحفظ له في هذا الحديث سماع من أنس، وإنما سمعه من ثابت عن أنس، كما قال أبو حاتم، وكما ذهب إليه الترمذي، وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

قال: "وهكذا رواه يحيى بن أيوب عن حميد عن ثابت عن أنس، وقد رواه غير واحد عن حميد عن أنس، ولم يذكروا فيه: عن ثابت، ومن ذكر فيه: عن ثابت، فهو أصح".

وقال أبو حاتم: "يحيى قد زاد رجلًا، ولم يقلْ أحد من هؤلاء عن حميد: سمعت أنسًا، ولا حدثني أنس، وهذا أشبه، قد زاد رجلًا"[العلل (1/ 122/ 333)].

لكن قال أبو زرعة لما سئل عن حديث الماجشون، حديث أم الفضل:"إنما هو على ما رواه الثوري ومعتمر، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى في ثوب واحد، فقط"، إلى أن قال:"والصحيح: حميد عن أنس"، فقال له ابن أبي حاتم:"يحيى بن أيوب يقول فيه: ثابت؟ قال: يحيى ليس بذاك الحافظ، والثوري أحفظ"[العلل (1/ 84/ 226)].

قلت: لم ينفرد بذلك يحيى بن أيوب الغافقي المصري [صدوق]، بل تابعه عليه اثنان: سليمان بن بلال [مدني، ثقة]، ومحمد بن طلحة بن مصرف [كوفي، صالح الحديث]، وعليه: فقول أبي حاتم والترمذي أقرب للصواب، والله أعلم.

وانظر: علل الدارقطني (12/ 52/ 2403).

• وانظر أيضًا في الأوهام والمناكير: طبقات ابن سعد (1/ 462)، شرح معاني الآثار (1/ 211)، علل ابن أبي حاتم (1/ 84/ 226)(1/ 161/ 455) و (1/ 190/ 545)، المعجم الأوسط للطبراني (6/ 40/ 5734)، المعجم الكبير له (25/ 21/ 25)، الكامل لابن عدي (5/ 210) و (6/ 133)، علل الدارقطني (12/ 51/ 2403)، تاريخ أصبهان (1/ 216 و 218)، معرفة الصحابة (6/ 3437/ 7827)، سنن البيهقي (3/ 66).

2 -

وروي من حديث جابر، ولا يصح:

ص: 44

يرويه أبو نعيم عبيد بن هشام الحلبي: نا ابن المبارك، عن مالك بن أنس، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد.

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 82/ 3668)، وفي الصغير (497)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 37 و 291) و (51/ 173).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مالك إلا ابن المبارك، تفرد به: عبيد بن هشام".

وقال أبو حاتم: "هذا حديث باطل؛ غلط فيه عبيد بن هشام"[العلل (1/ 149/ 418)].

وقال الدارقطني في العلل (13/ 334/ 3211): "يرويه أبو نعيم الحلبي، عن ابن المبارك، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، ولم يتابع عليه.

والصحيح: عن مالك: أنه بلغه عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يجد ثوبين، فليصل في ثوب واحد"".

قلت: وهو كما قال أبو حاتم، وأصله في الصحيحين [البخاري (352 و 353 و 370)، مسلم (766)، من حديث محمد بن المنكدر عن جابر، في الصلاة في الثوب الواحد، بدون ذكر أبي بكر فيه، وحديث مالك رواه في موطئه بلاغًا عن جابر (1/ 203/ 376).

وأبو نعيم الحلبي عبيد بن هشام: تغير في آخر عمره، ولُقِّن أحاديث ليس لها أصل، ولعل هذا منها، وقد روى عن ابن المبارك عن مالك أحاديث لا يتابع عليها، وهذا منها [انظر: التهذيب (3/ 41)، الميزان (3/ 24)].

3 -

وروي من حديث أم سلمة:

قال ابن سعد في الطبقات (2/ 223): أخبرنا محمد بن عمر، عن سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض، عن المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في وجعه إذا خف عنه ما يجد خرج فصلى بالناس، وإذا وجد ثقله قال:"مروا الناس فليصلوا" فصلى بهم ابن أبي قحافة يومًا الصبح فصلى ركعة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنبه، فائتم بأبي بكر، فلما قضى أبو بكر الصلاة أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فاته.

قلت: وهذا باطل من حديث المقبري، سعيد بن أبي الأبيض: مجهول، والواقدي: متروك [الجرح والتعديل (4/ 6)، اللسان (4/ 40)].

4 -

وروي من حديث أبي بكر الصديق:

يرويه محمد بن عمر الأسلمي، قال: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن حبيب مولى عروة، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر، تقول: رأيت أبي يصلي في ثوب واحد، فقلت: يا أبتِ تصلي في ثوب واحد، وثيابك موضوعة؟ فقال: يا بنية إن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي في ثوب واحد.

ص: 45

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 278/ 3195)، وعنه: أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (115)، وأبو يعلى (1/ 51/ 51)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1233/ 773).

وإسناده واهٍ، الواقدي: متروك.

• قال البيهقي في الدلائل (7/ 194): "فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر خلفه مرة، وعلى هذا حملها الشافعي رحمه الله.

وفي مغازي موسى بن عقبة وغيره بيان الصلاة التي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين.

وفيما روينا عن عبيد الله عن عائشة، وابن عباس: بيان الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه بعدما افتتحها بالناس وهي صلاة الظهر من يوم السبت أو الأحد، فلا يتنافيان".

وقال في السنن (3/ 83): "قال الشافعي رحمه الله: لو صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر مرة، لم يمنع ذلك أن يكون صلى خلفه أبو بكر أخرى.

قال الشيخ: وقد ذهب موسى بن عقبة في مغازيه إلى أن أبا بكر صلى من صلاة الصبح يوم الاثنين ركعة، وهو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فخرج فصلى مع أبي بكر ركعة، فلما سلم أبو بكر قام فصلى الركعة الأخرى، فيحتمل أن تكون هذه الصلاة مراد من روى أنه صلى خلف أبي بكر في مرضه، فأما الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه في مرضه فهي صلاة الظهر يوم الأحد أو يوم السبت، كما روينا عن عائشة وابن عباس في بيان الظهر، فلا تكون بينهما منافاة، ويصح الاحتجاج بالخبر الأول".

وانظر: شرح مشكل الآثار (10/ 397 - 408).

• فائدة: قال البيهقي في الدلائل (7/ 197): "الذي يدل عليه حديث أم الفضل بنت الحارث، ثم حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، وابن عباس، ثم حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة، ثم صلى بهم خمس صلوات يوم الجمعة، ثم خمس صلوات يوم السبت، ثم خمس صلوات يوم الأحد، ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الاثنين، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان قد خرج فيما بين ذلك حين وجد من نفسه خفة لصلاة الظهر، إما يوم السبت، وإما يوم الأحد، بعدما افتتح أبو بكر صلاته بهم، فافتتح صلاته، وعلقوا صلاتهم بصلاته، وهو قاعد وهم قيام، وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر، في رواية نعيم بن أبي هند ومن تابعه، فيكون جملة ما صلى بهم أبو بكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع ما افتتحها قبل خروجه سبع عشر صلاة".

***

ص: 46

606 -

. . . أن الليث حدثهم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعدٌ، وأبو بكر يكبِّر لِيُسمعَ الناسَ تكبيرَه، ثم ساق الحديث.

• حديث صحيح.

ولفظ حديث الليث بن سعد بتمامه، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر، ويُسمع الناسَ تكبيرَه، قال: فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلم قال:"إن كدتم آنفًا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم: إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا".

أخرجه مسلم (413/ 84)، والبخاري في الأدب المفرد (948)، وأبو عوانة (1/ 437/ 1624 و 1625)، وأبو نعيم في مستخرجه (37/ 2/ 920)، والنسائي في المجتبى (3/ 9/ 1200)، وفي الكبرى (1/ 289/ 540) و (2/ 38/ 1124)، وابن ماجه (1240)، وابن خزيمة (1/ 245/ 486) و (2/ 43 و 48/ 873 و 886)، وابن حبان (5/ 491/ 2122)، وابن الجارود (217)، وأحمد (3/ 334)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (485)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 96/ 1296)، والطحاوي في المشكل (14/ 309/ 5639)، والبيهقي (2/ 13 و 261) و (3/ 239)، ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (15).

• تابع الليث عليه:

عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وأبو بكر خلفه، إذا كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبَّر أبو بكر يُسمِعنا، فبصر بنا قيامًا، فقال:"اجلسوا"، أومأ بذلك إليهم، فلما قضى الصلاة، قال:"كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم بعظمائهم، ائتموا بأئمتكم، فإن صلوا قيامًا فصلوا قيامًا، وإن صلوا جلوسًا فصلوا جلوسًا".

أخرجه مسلم (413/ 85)، وأبو عوانة (1/ 438/ 1626)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 37/ 921)، والنسائي في المجتبى (2/ 84/ 798)، وفي الكبرى (1/ 426/ 875)، وابن حبان (5/ 493/ 2123)، وأبو يعلى (3/ 438/ 1929)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (483 و 484)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 403)، وفي المشكل (14/ 306/ 5636)، والبيهقي في السنن (3/ 79)، والمزي في التهذيب (17/ 74).

قال ابن حبان: "في هذا الخبر المُفَسِّر بيان واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قعد عن يسار أبي بكر، وتحول أبو بكر مأمومًا يقتدي بصلاته، ويكبر يُسمِع الناس التكبير، ليقتدوا

ص: 47

بصلاته، أمرهم صلى الله عليه وسلم حينئذ بالقعود، حين رآهم قيامًا، ولما فرغ من صلاته أمرهم أيضًا بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدًا، وقد شهد جابر بن عبد الله صلاته صلى الله عليه وسلم حيث سقط عن فرسه فجُحش شقه الأيمن، وكان سقوطه صلى الله عليه وسلم عن الفرس في شهر ذي الحجة آخر سنة خمس من الهجرة، وشهد هذه الصلاة في علته صلى الله عليه وسلم، فأدى كل خبر بلفظه، ألا تراه يذكر في هذه الصلاة رفع أبي بكر صوته بالتكبير ليقتدي الناس به، وتلك الصلاة التي صلاها صلى الله عليه وسلم في بيته عند سقوطه عن فرسه لم يحتج أبو بكر إلى أن يرفع صوته بالتكبير ليُسمع الناس تكبيره، على صغر حجرة عائشة، وإنما رفعه الصوت بالتكبير في المسجد الأعظم الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في علته، فلما صح ما وصفنا لم يَجُزْ أن يُجعل بعض هذه الأخبار ناسخًا لما تقدم على حسب ما وصفناه".

• وله طرق أخرى عن جابر:

1 -

أبو جعفر محمد بن جعفر المدائني [ليس به بأس]، وقبيصة بن عقبة [صدوق]:

عن ورقاء بن عمر، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: وُثِيَت رِجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه، فخرج إلينا -أو: وجدناه في حجرته جالسًا بين يدي غرفة- فصلى جالسًا، وقمنا خلفه فصلينا، فلما قض الصلاة، قال:"إذا صليتُ جالسًا فصلوا جلوسًا، وإذا صليتُ قائمًا فصلوا قيامًا، ولا تقوموا كما تقوم فارس لجبابرتها، -أو: لملوكها-".

أخرجه ابن خزيمة (2/ 371/ 1487)، وأحمد (3/ 395).

قال ابن خزيمة: "خبر غريب غريب".

قلت: رجاله رجال الصحيح، وورقاء بن عمر اليشكري: ثقة مشهور، محتج به في الصحاح، لكن تكلموا في حديثه عن منصور بن المعتمر، قال يحيى بن معين:"سمعت معاذ بن معاذ يقول ليحيى بن سعيد القطان: سمعتُ حديث منصور، فقال يحيى: ممن سمعتَ حديث منصور؟ قال: من ورقاء، فقال: لا يساوي شيئًا"، ولم يخرج له الشيخان من روايته عن منصور بن المعتمر شيئًا [ضعفاء العقيلي (4/ 327)، الكامل (7/ 90)، تاريخ بغداد (13/ 515)، شرح علل الترمذي (2/ 807)، هدي الساري (449)، التهذيب (4/ 306)]. قلت: فلعله لذلك استغرب خبره ابن خزيمة، والله أعلم.

2 -

خالد بن إلياس، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، قال: دخلت على جابر بن عبد الله بمكة، فوجدته جالسًا، يصلي لأصحابه العصر وهو جالس، قال: فنظرتُ حتى سلَّم، قال: قلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصلي بهم وأنت جالس؟ قال: أنا مريض فجلست، فأمرتهم أن يجلسوا فيصلوا معي، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما صلى رجل العتمة في جماعة، ثم صلى بعدها ما بدا له، ثم أوتر قبل أن يريم، إلا كان تلك الليلة كأنه لقي ليلة القدر في الإجابة"، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الإمام جنة، فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" قال: كنا ننادي في بيوتنا للصلاة ونجمع لأهلنا.

ص: 48

أخرجه عبد بن حميد (1152)(3/ 713/ 413 - مطالب)، والدارقطني (1/ 423)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 45 و 46).

وهذا حديث منكر؛ خالد بن إلياس أبو الهيثم العدوي المدني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 514)، الميزان (1/ 627)].

• وروي عن جابر من فعله:

رواه يحيى بن سعيد، قال: أخبرني أبو الزبير: أن جابرًا اشتكى عندهم بمكة، فلما أن تماثل خرج، وإنهم خرجوا معه يتبعونه، حتى إذا بلغوا بعض الطريق، حضرت صلاة من الصلوات، فصلى بهم جالسًا وصلوا معه جلوسًا.

وفي رواية: أخبرني أبو الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله: أنه اشتكى بمكة، ثم خرج بعيد فصلى جالسًا، وصلينا خلفه جلوسًا.

أخرجه الشافعي في اختلاف الحديث (81)، وابن أبي شيبة (2/ 115/ 7138)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 2043/ 206)، والطحاوي في المشكل (14/ 315/ 5644 م).

وهذا إسناد صحيح، موقوف على جابر من فعله.

وصحح ابن حجر إسناده في الفتح (2/ 176).

***

607 -

قال أبو داود: حدثنا عَبْدة بن عبد الله: أخبرنا زيد -يعني: ابن الحُباب-، عن محمد بن صالح: حدثني حُصَين -من ولد سعد بن معاذ-، عن أُسَيد بن حُضَير: أنه كان يؤمُّهم، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقالوا: يا رسول الله! إن إمامَنا مريضٌ؟ فقال: "إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا".

قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل.

• حديث ضعيف.

وقال المنذري: "وما قاله ظاهر؛ فإن حصينًا هذا إنما يروي عن التابعين، لا يحفظ له رواية عن الصحابة، سيما أسيد بن حضير؛ فإنه قديم الوفاة، توفى سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين، رضي الله عنهم[المختصر (1/ 314)].

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 176): "وفي إسناده انقطاع".

قلت: حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي، روى عن أنس بن مالك، وابن عباس، ومحمود بن لبيد، وفي سنن النسائي الكبرى (8/ 121/ 8785) بهذا الإسناد أنه دخل على أنس، وسمع منه، لكن يبقى أنه لم يدرك أسيد بن حضير، فإن حصينًا توفي سنة (126)، وتوفي أسيد سنة عشرين، فكان بينهما مائة وست سنين [التاريخ الكبير (3/ 8)، تهذيب الكمال (6/ 518)، تاريخ الإسلام (8/ 77)، تهذيب

ص: 49

التهذيب (1/ 441)، تحفة التحصيل (79)]، وحصين: قال أبو داود: "حسن الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:"ما ضعفه أحد، وهو صالح الأمر"[التهذيب (1/ 441)، الميزان (1/ 553)، مغاني الأخيار (1/ 220)].

ومحمد بن صالح هو ابن قيس المدني، الأزرق، مولى بني فِهر، روى عنه جماعة، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 385)، وأعاده في المجروحين (2/ 260)، وقال:"شيخ، يروي المناكير عن المشاهير، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد"[الجرح والتعديل (7/ 287)]، وقيل: هو ابن دينار التمار، المدني، مولى الأنصار [انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 418/ 2873)، مسند أبي يعلى (11/ 437/ 6561)، معجم الطبراني الكبير (3/ 35/ 2596)]، فالإسناد ضعيف.

وقال الحاكم في المستدرك (3/ 289): أخبرني الشيخ أبو بكر بن إسحاق فيما قرأته عليه من أصل كتابه، قال: أنا الحسن بن علي بن زياد: ثنا أحمد بن الحصين اللهبي: ثنا محمد بن طلحة التيمي، عن محمد بن الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، عن أبيه، عن جده، عن أسيد بن حضير: أنه كان تأوَّه، وكان يؤمُّنا، فصلى بنا قاعدًا، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إن أسيد إمامنا، وإنه مريض، وإنه صلى بنا قاعدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فصلوا وراءه قعودًا، فإن الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قاعدًا فصلوا خلفه قعودًا".

قال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

قلت: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال أبو زرعة:"مديني ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين [التاريخ الكبير (5/ 326)، الجرح والتعديل (5/ 265)، الثقات (5/ 112)]، وابنه الحصين: تقدم ذكره، وابنه محمد: ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه غير التيمي، فهو في عداد المجاهيل [التاريخ الكبير (1/ 62)، الجرح والتعديل (7/ 235)، الثقات (9/ 33)]، ومحمد بن طلحة بن عبد الرحمن الطويل التيمي: صدوق يخطئ [التقريب (541)، التهذيب (3/ 596)، الميزان (3/ 588)]، وأحمد بن الحصين اللهبي، كذا وقع في المطبوع والمخطوط (3/ 130/ ب- رواق المغاربة)، وهو أحمد بن الحسين اللهبي، روى عنه جماعة منهم: أبو بكر محمد بن أبي النضر بن سلمة النيسابوري الحافظ المعروف بالجارودي، وقال: حدثنا أحمد بن الحسين اللهبي الثقة المأمون، وقال العيني تبعًا له: ثقة مأمون [انظر: شرح معاني الآثار (1/ 35 و 97 و 353) و (4/ 138)، تاريخ جرجان (214)، المستدرك (1/ 537)، القراءة خلف الإمام (79)، الفقيه والمتفقه (1/ 106)، الإكمال (4/ 569)، الأنساب (3/ 252)، توضيح المشتبه (7/ 365)، مغاني الأخيار (1/ 25) و (3/ 1283)]، والحسن بن علي بن زياد الرازي السُّرِّي: محدث مشهور، أكثر عنه: أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد الصبغي الفقيه شيخ الحاكم، وهو شيخ للعقيلي، ولم أقف على من تكلم فيه بجرح أو تعديل [انظر: الأنساب (3/ 252)، الإكمال (4/ 569)، توضيح المشتبه (5/ 80)]، وشيخ الحاكم: أبو بكر

ص: 50

أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري، قال الحاكم:"كان عالمًا بالحديث والرجال والجرح والتعديل، وفي الفقه كان المشار إليه في وقته، ثقة مأمون"، ونعته الذهبي بقوله:"الإمام العلامة المفتي المحدث شيخ الإسلام،. . .، جمع وصنف، وبرع في الفقه، وتميز في علم الحديث"[تاريخ نيسابور (1)، الإرشاد (3/ 840)، الأنساب (3/ 521)، التدوين (2/ 141)، السير (15/ 483)، تاريخ الإسلام (25/ 256)، طبقات الشافعية الكبرى (3/ 9)].

قلت: فهو إسناد غريب جدًّا، وإسناد زيد بن الحباب أشهر منه رجالًا، وكلاهما ضعيف، ولا يتقوى أحدهما بالآخر، فإن مدار الحديث على حصين بن عبد الرحمن، ومخرجه واحد، والله أعلم.

• وروي من وجه آخر موقوفًا:

يرويه أنس بن عياض، ويزيد بن هارون، وسليمان بن بلال:

عن يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار: أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه بني عبد الأشهل، فخرج عليهم بعد شكوه، فأمروه أن يتقدم فيصلي بهم، فقال: إني لا أستطيع أن أصلي قائمًا [فاقعدوا]، فصلى قاعدًا، وصلوا قعودًا.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 606)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 206/ 2045)، والطحاوي في المشكل (14/ 313/ 5644 م)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 139)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 93).

قال ابن رجب في الفتح (4/ 153): "وهذا إسناد صحيح".

وعزاه ابن حجر في الفتح (2/ 176) لابن المنذر بإسناد صحيح.

قال ابن سعد في الطبقات (5/ 303): "بشير بن يسار: مولى بني حارثة بن الحارث من الأنصار، ثم من الأوس، وكان شيخًا كبيرًا فقيهًا، وكان قد أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدرك من أهل داره من بني حارثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالًا، منهم: رافع بن خديج، وسويد بن النعمان، وسهل بن أبي حثمة، وروى عنهم حديث القسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وكان قليل الحديث".

قلت: هو ثقة، مخرج حديثه في الصحيحين، ومن سمع منهم من الصحابة -ممن علمت وفاته- توفي بعد الأربعين، وأغلبهم من صغار الصحابة ممن تأخرت وفاته، ولا يُعرف له سماع من أسيد بن حضير، مع تقدم وفاة أسيد على من سمع منهم بشير، فضلًا عن كون بشير يروي أيضًا عن التابعين، وقول الذهبي في السير:"توفي سنة بضع ومائة" مما يؤيد عدم سماعه من أسيد، بل وعدم إدراكه له [انظر: التاريخ الكبير (2/ 132)، الجرح والتعديل (2/ 394)، الثقات (4/ 73)، رجال البخاري للكلاباذي (1/ 117)، تهذيب الكمال (4/ 187)، السير (4/ 592)، التهذيب (1/ 238)]، وعلى هذا فإن بشير هنا يروي واقعة لم يشهدها، فهو منقطع، والله أعلم.

ص: 51

• ورواه أيضًا: يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن هبيرة: أن أسيد بن حضير كان يؤمُّ بني عبد الأشهل، وأنه اشتكى فخرج إليهم بعد شكواه، فقالوا له: تقدَّم، قال: لا أستطيع أن أصلي، قالوا: لا يؤمنا أحد غيرُك ما دُمْت، فقال: اجلسوا فصلى بهم جلوسًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 115/ 7141).

وهذا رجاله ثقات، وهو منقطع أيضًا، وإرساله أظهر من الذي سبق، فإن عبد الله بن هبيرة ولد عام الجماعة [سنة إحدى وأربعين]، يعني: بعد وفاة أسيد بعشرين سنة تقريبًا [انظر: التهذيب (2/ 448)].

• وخالفهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، فرواه عن يحيى بن سعيد: أن أسيد بن حضير فعل ذلك.

أخرجه الشافعي في اختلاف الحديث (82).

هكذا أسقط عبد الوهاب الواسطة بين يحيى بن سعيد وأسيد، والمحفوظ إثباتها، ومع ذلك فالإسناد ضعيف لانقطاعه، والله أعلم.

• ورواه ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن أسيد بن حضير اشتكى، وكان يؤم قومه جالسًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 462/ 4085)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 93).

خالفه: حماد بن سلمة، فرواه عن هشام بن عروة، عن محمود بن لبيد، عن كثير بن السائب: أن أسيد بن حضير صلى بأصحابه قاعدًا وهم قعود، فكان يؤمهم من وجع.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 207/ 2046).

قال أبو حاتم: "رواه أصحاب هشام بن عروة، عن هشام، عن كثير بن السائب، عن محمود بن لبيد، وحماد بن سلمة أقلبه، فقال عن محمود، عن كثير بن السائب"[العلل (1/ 164/ 464)].

رواه علي بن مسهر، ومحمد بن إسحاق:

عن هشام بن عروة، [زاد ابن مسهر: عن أبيه]، عن كثير بن السائب، عن محمود بن لبيد، قال: كان أسيد بن حضير يؤم قومه، فمرض أيامًا، فوجد من نفسه خفة، فخرج فصلى بنا قاعدًا.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 208)، والدارقطني (1/ 397).

وهذا الوجه الأخير هو المحفوظ، سواء كان بالزيادة أو بدونها، لكن في إسناده ضعف؛ لما في كثير بن السائب من الجهالة، فهو تابعي، قليل الرواية جدًّا، ولم يرو عنه سوى عمارة بن خزيمة، وهشام بن عروة أو: أبوه عروة بن الزبير، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ولم يُذكر له سماع من محمود بن لبيد [التاريخ الكبير (7/ 208)، الجرح والتعديل (7/ 152)، الثقات (5/ 332)، التهذيب (3/ 459)].

ص: 52

لكن مثل هذا الإسناد صالح في المتابعات، فإذا انضاف إليه مرسل بشير بن يسار وعبد الله بن هبيرة زاده قوة، ودل على ثبوت هذه الواقعة عن هذا الصحابي الأنصاري الجليل أسيد بن حضير، والله أعلم.

• ومما جاء في معنى هذه الأحاديث:

1 -

حديث ابن عمر:

يرويه عقبة بن أبي الصهباء الباهلي، قال: سمعت سالمًا يقول: حدثني عبد الله بن عمر: أنه كان يومًا من الأيام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فقال:"ألستم تعلمون أني رسول الله؟ "، قالوا: بلى يا رسول الله، نشهد أنك رسول الله، قال:"ألستم تعلمون أن الله تعالى أنزل في كتابه: أن من أطاعني فقد أطاع الله، [ومن طاعة الله طاعتي]؟ " قالوا: بلى، نشهد أن من أطاعك فقد أطاع الله، [ومن طاعة الله طاعتك]، قال:"فإن [من طاعة الله أن تطيعوني، و] من طاعتي أن تطيعوا أئمتكم، فإن صلوا قعودًا فصلوا قعودًا".

أخرجه ابن حبان (5/ 470 و 471/ 2109 و 2110)، وأحمد (2/ 93)، والبزار (12/ 283/ 6093)، وأبو يعلى (9/ 340/ 5450)، وابن المنذر في التفسير (2034)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 404)، وفي المشكل (14/ 313/ 5644)، والطبراني في الكبير (12/ 248/ 13238)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 264)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (20/ 50).

وهذا إسناد صحيح؛ وعقبة بن أبي الصهباء أبو خريم: ثقة [العلل ومعرفة الرجال (3/ 104/ 4408)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 386/ 4910)، سؤالات ابن طهمان (81)، التاريخ الكبير (6/ 442)، كنى مسلم (1036)، سؤالات الآجرى (5/ ق 7)، كنى الدولابي (2/ 521)، الجرح والتعديل (6/ 312)، الثقات (7/ 247)، صحيح ابن حبان (5/ 471)، تاريخ أسماء الثقات (1018)، سؤالات البرقاني (408)، تاريخ بغداد (12/ 264)، الميزان (3/ 86)، تاريخ الإسلام (10/ 361)، تعجيل المنفعة (746)].

• وله حديث آخر من طريق أخرى:

يرويها إبراهيم بن الخصيب أبو إسحاق الأبزاري: نا عبد الأعلي بن حماد: نا مسلم بن خالد: نا إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط فوثيت قدمه، فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فوجدوه يصلي وهو قاعد، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون".

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 587/ 1157)، قال: نا إبراهيم به.

وهذا إسناد رجاله ثقات غير مسلم بن خالد الزنجي المكي الفقيه، فإنه: ليس بالقوي، كثير الغلط [انظر: التهذيب (4/ 68) وغيره]، وشيخ ابن الأعرابي: مجهول

ص: 53

الحال، من رجال الشيعة [رجال الطوسي (429)، معجم رجال الحديث (1/ 220)، اللسان (1/ 274)].

ورواه الخطيب في الموضح (2/ 548)، من وجه آخر عن نافع، لكن في إسناده سقط، قال الخطيب: أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه: أخبرنا. . . [سقط]، عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد بن أسامة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الإمام ليؤتم به، وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا".

فإن ثبت هذا صح الحديث عن نافع عن ابن عمر، فإن هذا الإسناد رجاله ثقات مدنيون، غير شيخ الخطيب، أبي الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد البزاز المعروف بابن رزقويه، قال عنه الخطيب:"وكان ثقة صدوقًا، كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، مديمًا لتلاوة القرآن، شديدًا على أهل البدع،. . ."، وقال البرقاني:"ثقة"، ونعته الذهبي بالإمام المحدث المتقن [تاريخ بغداد (1/ 351)، السير (17/ 258)]، ولم أقف على بقية السند.

وقد صحح ابن عبد البر حديث ابن عمر في التمهيد (6/ 138).

2 -

حديث ابن عباس:

إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحبيل، قال: سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه، كان في بيت عائشة، فقال:"ادع لي عليًّا" فقالت: ألا ندعو لك أبا بكر؟ قال: "ادعوه" فقالت حفصة: ألا ندعو لك عمر؟ فقال: "ادعوه" فقالت أم الفضل: ألا ندعو لك العباس عمَّك؟ قال: "ادعوه"، فلما حضروا رفع رأسه [فلم ير عليًّا، فسكت ولم يتكلم، فقال عمر: قوموا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت له إلينا حاجة ذكرها، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة]، فقال:"ليصل بالناس أبو بكر"، فتقدم أبو بكر يصلي بالناس، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين رجلين، [ورجلاه تخطان في الأرض]، فلما أحس به أبو بكر سبَّحوا، فذهب أبو بكر يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: مكانك، فاستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القرآن، وأبو بكر قائم، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فائتم أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وائتم الناس بأبي بكر، فما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى ثقل، فخرج يهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخطان بالأرض، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم، [ولم يوصِ].

أخرجه ابن ماجه (1235)، وأحمد (1/ 343 و 355 و 356 و 357)، وابن سعد في الطبقات (3/ 183)، وابن أبي شيبة (2/ 12/ 5896) و (6/ 228/ 30941)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 451)، وأبو يعلى (4/ 433/ 2560)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 405)، وفي المشكل (3/ 131 - 132) و (14/ 315/ 5645 و 5646)،

ص: 54

والطبراني في الكبير (12/ 113/ 12634)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 325)، والبيهقي في السنن (81/ 3)، وفي الدلائل (7/ 226)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 322)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 430)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 18)، والضياء في المختارة (9/ 496 - 499/ 483 - 485).

قال ابن حزم في المحلى (3/ 68): "وقد اعترض قوم في هذا الخبر برواية ساقطة واهية، انفرد بها إسرائيل، وهو ضعيف، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحبيل، وليس بمشهور الحال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استَتَمَّ من حيث انتهى أبو بكر من القراءة".

قلت: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق: ثقة، تكلم فيه بلا حجة، قال أبو حاتم:"من أتقن أصحاب أبي إسحاق"، ولم ينفرد بهذا الحديث عن جده أبي إسحاق، ولو انفرد لكان حجة، فهو من أتقن أصحاب أبي إسحاق، قدمه بعضهم على الثوري وشعبة في أبي إسحاق، مع كونه متأخر السماع من جده، حتى إن شعبة قدمه على نفسه [انظر: التهذيب (1/ 133)، شرح علل الترمذي (2/ 712)]، فكيف ولم ينفرد به إسرائيل؟

وأرقم بن شرحبيل: قال أبو زرعة: "كوفي، ثقة"، وقال ابن سعد:"كان ثقة، قليل الحديث"، وقال ابن عبد البر:"ثقة جليل"، وقال أبو إسحاق السبيعي:"من أشراف الناس وخيارهم"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين [الطبقات الكبرى (6/ 177)، التاريخ الكبير (2/ 46)، الجرح والتعديل (2/ 310)، الثقات (4/ 54)، التمهيد (22/ 322)، تاريخ دمشق (8/ 17)، التقييد والإيضاح (337)، التهذيب (1/ 103)].

لذا قال ابن عبد البر: "فهذا حديث صحيح عن ابن عباس"، وهو كما قال.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 154): "أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن"، وكذا قال في موضع آخر (2/ 174)، وانظر أيضًا:(5/ 361 و 362).

لكن قال البخاري في أرقم بن شرحبيل: "روى عنه أبو قيس وأبو إسحاق، ولم يذكر أبو إسحاق سماعًا منه"[التاريخ الكبير (2/ 46)، تحفة التحصيل (246)].

قلت: وهذا لا يُعل الحديث، فقد توبع عليه أبو إسحاق، ولم ينفرد به عن أرقم بن شرحبيل، تابعه ابن أبي السفر [ثقة] كما سيأتي، وقال أبو حاتم، وأبو زرعة:"روى عنه أبو قيس الأودي، وعبد الله بن أبي السفر، وأبو إسحاق"[الجرح والتعديل (2/ 310)]، مع أن ابن أبي السفر لا تعرف روايته عن أرقم إلا من طريق قيس بن الربيع، ومع ذلك اعتبر بها أبو حاتم وأبو زرعة.

• تابع إسرائيل عليه:

أ- أبوه يونس بن أبي إسحاق [ليس به بأس، وليس بالقوي في أبيه، لكنه صالح في المتابعات]، عن أبيه، عن الأرقم بن شرحبيل، قال: سألت ابن عباس: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا،. . . فذكر الحديث بنحوه.

أخرجه ابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 230).

ص: 55

ب- ورواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [ثقة متقن]: حدثني أبي [ثقة، سماعه من أبي إسحاق بأخرة، وحديثه عنه صالح في المتابعات]، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس، قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي توفي فيه، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم وجد خفة فجاء، فأراد أبو بكر أن ينكص، فأومأ إليه فثبت مكانه، وقعد النبي صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر، ثم استفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى أبي بكر وهو يؤم الناس، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يمينه، وأخذ من الآية التي انتهى إليها أبو بكر، فجعل أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمون بأبي بكر.

أخرجه أحمد في المسند (1/ 231 - 232)، وفي فضائل الصحابة (1/ 106/ 78)، وابن سعد في الطبقات (2/ 221)، وأبو يعلى (5/ 97/ 2708)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 323).

وقوله في الرواية الثانية: فجلس إلى جنب أبي بكر عن يمينه: وهمٌ، وإنما جلس عن يساره، كما في الرواية الأولى، وكما تدل عليه رواية إسرائيل، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا، وكان أبو بكر مأمومًا.

• وروى بعضه، ووهم في إسناده: قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. التقريب (511)]، رواه عن عبد الله بن أبي السفر، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس، عن العباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه،. . . فذكر بعضه، وزاد في إسناده العباس.

أخرجه أحمد في المسند (1/ 209)، وفي فضائل الصحابة (1/ 108 و 109/ 79 و 80)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 452)، وأبو يعلى (12/ 62/ 6704)، وابن قانع في المعجم (2/ 276)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(281 - 283 و 286)، والدارقطني في السنن (1/ 398)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 19).

وهذه الرواية وإن كان وهم فيها قيس في زيادة العباس في الإسناد، لكنه أصاب بمتابعة أبي إسحاق السبيعي عليه، وبها يصح الحديث عن ابن عباس، والله أعلم.

وانظر: بيان الوهم (2/ 437/ 443)، بغية النقاد النقلة لابن المواق (1/ 118/ 54).

3 -

حديث معاوية:

يرويه سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، قال: سمعت القاسم بن محمد، يقول: إن أبا هريرة كان يقول: إذا صلى الأمير قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا.

قال القاسم: فلما حج معاوية في خلافته، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صلى الأمير جالسًا فصلوا جلوسًا" قال القاسم: فعجب الناس من صدق معاوية.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 115/ 7142)، والطبراني في الكبير (19/ 332/ 764)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 165 و 166).

ص: 56

وهذا إسناد صحيح؛ جعفر بن محمد هو ابن علي بن الحسين أبو عبد الله الصادق، يرويه عن جده لأمه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والقاسم ممن سمع معاوية [انظر: التاريخ الكبير (7/ 157)].

4 -

حديث ابن مسعود:

يرويه إسماعيل بن عياش، عن محمد بن يزيد الرحبي، عن مغيث بن سمي وعمير بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبادروا الإمام بالركوع حتى يركع، ولا بالسجود حتى يسجد، ولا ترفعوا رؤوسكم حتى يرفع، فإنما جعل الإمام ليؤتم به".

أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي (2/ 292/ 868)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 180) و (46/ 476 - 477).

ومغيث بن سمي الأوزاعي أبو أيوب الشامي: ثقة، سمع ابن عمر، وصلى مع ابن الزبير، ولم أقف له على سماع من ابن مسعود [انظر: التاريخ الكبير (8/ 24)، الجرح والتعديل (8/ 391)، الثقات (5/ 447)، تاريخ دمشق (59/ 450)، تهذيب الكمال (28/ 348)، التهذيب (4/ 130)]، وعمير بن ربيعة روايته عن ابن مسعود مرسلة [التاريخ الكبير (6/ 540)، الجرح والتعديل (6/ 376)، الثقات (5/ 257)، تاريخ دمشق (46/ 476)].

ومحمد بن يزيد الرحبي الدمشقي: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال الذهبي:"وهو قليل الحديث، لم أر لهم فيه كلامًا"[التاريخ الكبير (1/ 261)، الجرح والتعديل (8/ 127)، الثقات (9/ 35)، الأسامي والكنى (2/ 120/ 497)، فتح الباب (687)، تاريخ دمشق (56/ 274)، تاريخ الإسلام (8/ 264)]، وإسماعيل بن عياش روايته هنا عن أهل بلده.

فهذا إسناد شامي عن ابن مسعود، وفي اتصاله نظر، وخالفهم في رفعه أهل الكوفة، من أصحاب ابن مسعود:

• رواه سفيان الثوري [من رواية مؤمل بن إسماعيل عنه]، وزهير بن معاوية، وأبو الأحوص، ومعمر بن راشد [يزيد بعضهم على بعض]:

عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، ولا تسبقوه إذا ركع، ولا إذا رفع، ولا إذا سجد، فإن كنتم إنما بكم أن تدركوا ما سبقكم به، فإنه يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم، فتدركوا ذلك.

زاد معمر: فإذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف وكانت لك حاجة فاذهب ودعه، فقد تمت صلاتك. هكذا موقوف.

ولفظ سفيان: لا تسبقوا قراءكم، إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، فإن أحدكم تكون معه السورة فيقرؤها، فإذا فرغ ركع من قبل أن يركع الإمام، فلا تسابقوا قراءكم، فإنما جعل الإمام ليؤتم به.

ص: 57

أخرجه عبد الرزاق (2/ 243/ 3222)، وابن أبي شيبة (2/ 116/ 7144)، والطبراني في الكبير (9/ 275/ 9378)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (376).

وهذا إسناد صحيح، موقوف على ابن مسعود، وهو المحفوظ عنه.

5 -

حديث أبي أمامة:

يرويه أبو المغيرة، ثنا عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين".

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 164/ 7687)، قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب: ثنا أبو المغيرة به.

وهذا حديث منكر؛ عفير بن معدان: ضعفوه، منكر الحديث، يروي عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أصل له [التهذيب (3/ 119)، الميزان (3/ 83)].

6 -

حديث أبي موسى:

أبو عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جُبَير، عن حِطَّانَ بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاةً، فلما كان عند القَعدة قال رجل من القوم: أُقِرَّت الصلاةُ بالبِرِّ والزَّكاة، قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم، انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فَأَرَمَّ القوم، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فَأَرَمَّ القوم، فقال: لعلك يا حِطَّانُ قلتَها، قال: ما قلتُها، ولقد رهِبتُ أن تَبْكَعَني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتُها، ولم أُرِدْ بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيَّن لنا سُنَّتنا، وعلَّمنا صلاتنا، فقال:"إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمَّكم أحدُكم، فإذا كبر فكبِّروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".

أخرجه مسلم (404)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 27/ 897)، وأبو داود (972)، والبزار (8/ 63/ 3057)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 238)، وفي المشكل (14/ 27/ 5424)، والطبراني في الدعاء (578)، وابن حزم في المحلى (4/ 61)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (306)، وفي المعرفة (2/ 33/ 889)، ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (10).

ص: 58

• رواه عن قتادة أيضًا بمثل رواية أبي عوانة: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار:

أخرجه مسلم (404)، وأبو عوانة (1/ 454 و 455 و 540/ 1681 - 1684 و 2020)،

وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 27 و 28/ 897 و 898)، وأبو داود (972)، والنسائي في

المجتبى (2/ 96/ 830) و (2/ 196/ 1064) و (2/ 241/ 1172) و (3/ 42/ 1280)، وفي

الكبرى (1/ 334/ 655) و (1/ 378/ 762) و (1/ 436/ 906) و (2/ 69/ 1204)، وابن

ماجه (901)، والدارمي (1/ 343 و 363/ 1312 و 1358)، وابن خزيمة (3/ 38 و 44/

1584 و 1593)، وابن حبان (5/ 541/ 2167)، وأحمد (4/ 401 و 405 و 409)،

والطيالسي (519)، وابن أبي شيبة (1/ 227 و 260 و 309/ 2595 و 2988 و 3529) و (2/

117/ 7158) و (2/ 187/ 7965) [وفي الموضع الأخير من المطبوع سقط وتحريف،

صححته من مطبوعة عوامة (8048)]، والبزار (8/ 63/ 3056)، وأبو يعلى (13/ 191/

7224)، والروياني (548 و 570)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 206/ 1517)،

والطحاوي في شرح المعاني (1/ 221 و 238 و 264 - 265 و 265)، وفي المشكل (14/

26 و 27/ 5423 و 5424)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 894/ 1868)، والطبراني في

الدعاء (578)، وابن حزم في المحلى (3/ 258)، والبيهقي في السنن (2/ 141)، وفي

القراءة خلف الإمام (307 - 308)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 147)، وابن الجوزي

في التحقيق (709).

قال أحمد بن حنبل في روايته عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام الدستوائي: "ثم ليؤمكم أقرؤكم"، بدل:"أحدكم"[عند أحمد (4/ 409)]، وتابعه أبو داود الطيالسي عن هشام، ورواه محمد بن بشار بندار، ومسدد بن مسرهد، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، ومحمد بن المثنى [وهم ثقات حفاظ]: عن يحيى بن سعيد به مثل الجماعة: "أحدكم"[عند: النسائي (1172 و 1280)، وابن حبان، والروياني (548)].

• ورواه معمر بن راشد عن قتادة أيضًا بمثل رواية أبي عوانة، إلا أنه قال:"فإنه قضى على لسان نبيه":

أخرجه مسلم (404)، وأبو عوانة (1/ 455/ 1684)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 29/ 899)، وأحمد (4/ 393 و 394)، وعبد الرزاق (2/ 98 و 166 و 201/ 2647 و 2913 و 3065)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 193/ 2017)، والطبراني في الدعاء (578)، والبيهقي في السنن (2/ 96 و 140 و 377)، وفي المعرفة (2/ 32 - 33/ 888)، وفي القراءة خلف الإمام (309).

• قال أبو عوانة في مستخرجه على مسلم (1/ 458/ 1698): حدثنا سهل بن بحر الجنديسابوري [أبو محمد القناد: قال ابن أبي حاتم: "كان صدوقًا"، وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل (4/ 194)، الثقات (8/ 294)]، قال: ثنا عبد الله بن رشيد

ص: 59

[الجنديسابوري: قال جعفر بن محمد الجوزي: "ثنا عبد الله بن رشيد، وكان ثقة"، وقال ابن حبان في الثقات: "مستقيم الحديث"، وقال البيهقي: "لا يحتج به"، وقال الذهبي: "ليس بقوي، وفيه جهالة". صحيح أبي عوانة (4/ 386/ 7044)، الثقات (8/ 343)، سنن البيهقي (6/ 108)، الأنساب (2/ 95)، المغني (1/ 338)، تاريخ الإسلام (16/ 22)، ذيل الميزان (469)، اللسان (4/ 477)]، قال: ثنا أبو عبيدة [مجاعة بن الزبير: ضعيف. اللسان (6/ 463)، كنى مسلم (2399)، الجرح والتعديل (8/ 420) و (1/ 154)، الثقات (7/ 517)، المرسل الخفي (3/ 1443)]، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين".

وهذا إسناد ضعيف، وزيادة منكرة، وقد رواه الحفاظ من أصحاب قتادة بدون زيادة:"إذا قرأ الإمام فأنصتوا".

• وخالف جماعة الحفاظ فوهم:

سالم بن نوح: ثنا عمر بن عامر، وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صلى بنا أبو موسى، فقال أبو موسى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا إذا صلى بنا، قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا".

أخرجه البزار (8/ 66/ 3060)، والروياني (565)، وابن عدي (3/ 347)، والدارقطني (1/ 330)، والبيهقي في السنن (2/ 156)، وفي القراءة خلف الإمام (310)، وفي الخلافيات (2/ 125 - مختصره)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 109).

قال ابن عدي: "وهذا قد رواه أيضًا عن قتادة: سليمان التيمي، وهو به أشهر من رواية سالم عن عمر بن عامر وابن أبي عروبة".

وقال الدارقطني في السنن: "هكذا أملاه علينا أبو حامد مختصرًا، سالم بن نوح: ليس بالقوي"، وقال في العلل (7/ 254/ 1333):"وسالم بن نوح: ليس بالقوي".

وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ [انظر ترجمته في: تاريخ نيسابور (246)، تاريخ بغداد (8/ 71)، تاريخ دمشق (14/ 271)، السير (16/ 51)]: "وأما رواية سالم بن نوح فإنه أخطأ على عمر بن عامر، كما أخطأ علي ابن أبي عروبة، لأن حديث سعيد رواه: يحيى بن سعيد، ويزيد بن زريع، وإسماعيل بن علية، وابن أبي عدي، وغيرهم، فإذا جاء هؤلاء فسالم بن نوح دونهم"[القراءة خلف الإمام (131)، سنن البيهقي (2/ 156)، مختصر الخلافيات (2/ 124 و 125)].

وقال البيهقي: "وهذه الزيادة وهم من سليمان التيمي، ثم من سالم بن نوح".

وقال في الخلافيات: "رواه سالم بن نوح، وهو: وهم منه، فقد رواه: يزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، وابن علية، ومروان بن معاوية، وأبو أسامة، وغيرهم من

ص: 60

الحفاظ، عن ابن أبي عروبة، دون هذه الزيادة" [مختصره (2/ 125)].

قلت: هذا حديث منكر؛ تفرد به سالم بن نوح العطار، وهو: ليس به بأس، لكن له غرائب وأفراد [انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]، وهذا منها، فقد خالف فيه سالم بن نوح أصحاب ابن أبي عروبة الحفاظ ممن روى عنه قبل الاختلاط، مثل: يزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، وإسماعيل بن علية، وخالد بن الحارث، وأبي أسامة حماد بن أسامة، ومحمد بن أبي عدي، وعبد الأعلي بن عبد الأعلى السامي، وسعيد بن عامر الضبعي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري.

ولعل سالم بن نوح حمل لفظ ابن أبي عروبة على لفظ عمر بن عامر السلمي، ويكون الواهم فيه السلمي لا العطار، فإن عمر بن عامر هذا قد ضعفه جماعة، وليس هو بالقوي [انظر: التهذيب (3/ 236)، الميزان (3/ 209)].

• وخالف جماعة الحفاظ أيضًا: سليمان التيمي، فوهم فيه في موضعين:

قال سليمان التيمي: ثنا قتادة، عن أبي غلاب، يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي: أنهم صلوا مع أبي موسى صلاة العتمة،. . . وذكر الحديث، وقال فيه: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فكان ما بين لنا من صلاتنا، ويعلمنا سنتنا، قال:"أقيموا الصفوف، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا"، وقال في التشهد بعد "أشهد أن لا إله إلا الله"، زاد "وحده لا شريك له".

قال الدارقطني في العلل (7/ 253/ 1333): "ورواه سليمان التيمي عن قتادة بهذا الإسناد، فزاد عليهم في الحديث: "وإذا قرأ فأنصتوا" حدث به عن سليمان كذلك: معتمر، وجرير بن عبد الحميد، والثوري، وزاد معتمر عليهما، فذكر أنه يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له" ولم يذكر هذا سواه".

أخرجه مسلم (404)، وأبو عوانة (1/ 457 و 540/ 1696 و 1697 و 2021)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 28/ 898)، وأبو داود (973)، والنسائي في المجتبى (2/ 242/ 1173)، وفي الكبرى (1/ 379/ 763)، وابن ماجه (847)، وأحمد (4/ 415)، والبزار (8/ 65 و 66/ 3058 و 3059)، وأبو يعلى (13/ 311/ 7326)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 105 - 106/ 1320)، والطحاوي في أحكام القرآن (484 و 485)، والطبراني في الدعاء (578)، والدارقطني (1/ 330 - 331 و 351 - 352)، وابن منده في التوحيد (410)، والبيهقي في السنن (2/ 155 - 156)، وفي القراءة خلف الإمام (305)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 109).

قال البخاري في القراءة خلف الإمام (263 و 264): "وروى سليمان التيمي وعمر بن عامر، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان، عن أبي موسى الأشعري -في حديثه الطويل- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ فأنصتوا"، ولم يذكر سليمان في هذه الزيادة سماعًا من قتادة، ولا قتادة من يونس بن جبير.

ص: 61

وروى هشام، وسعيد، وهمام، وأبو عوانة، وأبان بن يزيد العطار، وعبيدة، عن قتادة، ولم يذكروا:"إذا قرأ فأنصتوا".

ولو صح لكان يحتمل سوى فاتحة الكتاب، وأن يقرأ فيما يسكت الإمام، وأما في ترك فاتحة الكتاب فلم يتبين في هذا الحديث".

وقال أبو داود: "وقوله: "فأنصتوا" ليس بمحفوظ، لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث".

وقال البزار: "وقد روى هذا الحديث جماعة عن قتادة بهذا الإسناد، ولا نعلم أحدًا قال فيه: "وإذا قرأ الإمام فأنصتوا" إلا التيمي، إلا حديثًا حدثناه. . ."، ثم ذكر حديث سالم بن نوح.

ولم يجزم بثبوته ابن خزيمة حيث قال: "إن ثبت"[صحيح ابن خزيمة (3/ 138)].

وفي صحيح مسلم: "قال أبو إسحاق [قال النووي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان: صاحب مسلم، راوي الكتاب عنه. شرح النووي (4/ 122)]: قال أبو بكر بن أخت أبي النضر في هذا الحديث [يعني: طعن فيه، وقدح في صحته. شرح النووي (4/ 122)]، فقال مسلم: تريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: هو صحيح، يعني: "وإذا قرأ فأنصتوا"، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تضعْه ها هنا؟ قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا، إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه! [وقد ذهل مسلم عن هذا الشرط، فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها لصحتها عنده، ولم يتركها لأجل عدم الإجماع على صحتها. انظر: صيانة صحيح مسلم (75)، شرح النووي على مسلم (1/ 16) و (4/ 123)].

قال أبو الفضل بن عمار الشهيد في علله على صحيح مسلم (10): "ووجدت فيه حديث سليمان التيمي، عن قتادة، عن أبي غلاب، حديث أبي موسى، وفيه من الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا".

قال أبو الفضل: وقوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" هو عندنا وهْمٌ من التيمي، ليس بمحفوظ، لم يذكره الحفاظ من أصحاب قتادة مثل: سعيد، ومعمر، وأبي عوانة، والناس".

وقال الدارقطني في السنن -الموضع الأول-: "وكذلك رواه سفيان الثوري عن سليمان التيمي، ورواه هشام الدستوائي، وسعيد، وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، وأبان، وعدي بن أبي عمارة، كلهم: عن قتادة، فلم يقل أحد منهم: "وإذا قرأ فأنصتوا! وهم أصحاب قتادة الحفاظ عنه".

وقال في الموضع الثاني: "زاد فيه على أصحاب قتادة: "وحده لا شريك له"، وخالفه هشام وسعيد وأبان وأبو عوانة وغيرهم، عن قتادة، وهذا إسناد متصل حسن".

وقال في العلل (7/ 254/ 1333): "والصواب من ذلك: ما رواه سعيد وهشام ومن

ص: 62

تابعهما عن قتادة، وسليمان التيمي من الثقات، وقد زاد عليهم قوله:"وإذا قرأ فأنصتوا"، ولعله شُبِّه عليه لكثرة من خالفه من الثقات".

وقال في التتبع (43): "وقد خالف التيمي جماعة، منهم: هشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد، وأبان، وهمام، وأبو عوانة، ومعمر، وعدي بن أبي عمارة، رووه عن قتادة، لم يقل أحد منهم: "وإذا قرأ فانصتوا".

وقد روي عن عمر بن عامر عن قتادة متابعة التيمي، وعمر: ليس بالقوي، تركه يحيى القطان، وفي اجتماع أصحاب قتادة على خلاف التيمي دليل على وهمه، والله أعلم".

وقد أجاب أبو مسعود الدمشقي في كتابه الأجوبة (2)، عن انتقاد الدارقطني لمسلم بقوله:"وإنما أراد مسلم بإخراج حديث التيمي تبيين الخلاف في الحديث على قتادة، لا أنه يثبته، ولا ينقطع بقوله عن الجماعة الذين خالفوا التيمي، قدم حديثهم ثم أتبعه بهذا".

قلت: وهذا يستقيم مع طريقة مسلم في إعلال الأحاديث في صحيحه، كما نبه على ذلك في مقدمة صحيحه، وشرحه القاضي عياض، وعلق على هذه المواضع التي أعلها مسلم في شرحه لصحيح مسلم [انظر: إكمال المعلم (1/ 87 و 105) و (6/ 559) وغيرها. والأحاديث المتقدمة برقم (412 و 515 و 541)]، لكن لما أورد أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان -صاحب مسلم، وراوي الكتاب عنه- هذه المناظرة في الصحيح ناسبًا لمسلم تصحيح زيادة ابن عجلان، في حديث أبي هريرة، ومدافعته عن زيادة التيمي في حديث أبي موسى، سبب ذلك إشكالًا، وقد أجاب بعضهم عن هذا الإشكال، وحاول شرح عبارة مسلم بتكلف وتعسف ظاهر بحيث تتفق مع كلام غيره من الحفاظ في هذا الحديث.

وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ: "خالف سليمان التيمي أصحاب قتادة كلهم في هذا الحديث، وهو عندي وهم منه، والمحفوظ عن قتادة: حديث هشام الدستوائي، وهمام، وسعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وأبي عوانة، والحجاج"[القراءة خلف الإمام (131)، سنن البيهقي (2/ 156)، مختصر الخلافيات (2/ 124 و 125)].

وقال البيهقي في القراءة خلف الإمام (130): "وهذه الزيادة وهم من سليمان التيمي، ثم من سالم بن نوح"[وانظر: مختصر الخلافيات (2/ 124)].

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 205): "لم يقل هشام وهمام وأبو عوانة وشعبة وغيرهم عن قتادة: "وإذا قرأ فأنصتوا"".

وقال في الأحكام الوسطى (1/ 382): "هكذا رواه سليمان التيمي، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد اللَّه الرقاشي، عن أبي موسى، وتابعه: عمر بن عامر، عن قتادة بهذا.

ورواه هشام وهمام وأبو عوانة وسعيد ومعمر وأبان وشعبة وغيرهم عن قتادة، ولم يقولوا:"وإذا قرأ فأنصتوا".

ص: 63

وقد صحح مسلم بن الحجاج حديث أبي هريرة: "وإذا قرأ فانصتوا"، قال: هو صحيح عندي".

وقال النووي في شرح مسلم (4/ 123): "واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا"، مما اختلف الحفاظ في صحته، فروى البيهقي في السنن الكبير عن أبي داود السجستاني: أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة، وكذلك رواه عن يحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي، والدارقطني، والحافظ أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله، قال البيهقي: قال أبو علي الحافظ: هذه اللفظة غير محفوظة، قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة.

واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدَّم على تصحيح مسلم، لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه، والله أعلم" [وانظر: المجموع (3/ 317)].

قلت: قد أسندها مسلم، وتقدم التعليق عليه.

• خالفهم فقبل الزيادة:

تقدم أن مسلمًا ممن قبل زيادة سليمان التيمي، كما نقله عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح عنه، وكما نقله الحفاظ عن مسلم.

وقبلها أيضًا: ابن جرير الطبري، حيث قال في تفسيره (9/ 166):"وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"".

وابن المنذر، فقال في الأوسط (3/ 107):"وقد تكلم متكلم في حديث أبي موسى الأشعري، وقال: قوله: "فإذا قرأ فأنصتوا"، إنما قاله سليمان التيمي.

قال أبو بكر: وإذا زاد الحافظ في الحديث حرفًا وجب قبوله، وتكون زيادة كحديث يتفرد به، وهذا مذهب كثير من أهل العلم في كثير من أبواب الشهادات، وغير ذلك، ولما اختلف أسامة وبلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، فحكم الناس لبلال؛ لأنه يثبت أمرًا نفاه أسامة، كانت كذلك رواية التيمي؛ لأنه أثبت شيئًا لم يذكره غيره".

وصححها الطحاوي، ونقل عن الإمام أحمد تصحيحها من رواية الأثرم عنه [مختصر اختلاف العلماء (1/ 206)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 34): "فإن قال قائل: إن قوله: "وإذا قرأ فانصتوا" لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان، ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير عن التيمي، قيل له: لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما، وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل، وحسبك به إمامة وعلمًا بهذا الشأن،. . .

[ثم أسند إلى أبي بكر الأثرم قوله:] قلت لأحمد بن حنبل: من يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح: "إذا قرأ الإمام فانصتوا"؟ فقال: حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد، والحديث الذي رواه جرير عن التيمي، وقد زعموا أن المعتمر رواه، قلت: نعم قد رواه المعتمر، قال: فأي شيء تريد؟

ص: 64

فقد صحح أحمد الحديثين جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة، وحديث أبي موسى، قوله عليه السلام:"إذا قرأ الإمام فأنصتوا"، فأين المذهب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر كتاب الله عز وجل، وعمل أهل المدينة؟ ".

قلت: لكن هذا النقل عن الأثرم يعارضه ما نقله عنه ابن رجب في شرح علل الترمذي (2/ 788)، قال ابن رجب: "قال أبو بكر الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ: كان التيمي من الثقات، ولكن كان لا يقوم بحديث قتادة.

وقال أيضًا: لم يكن التيمي من الحفاظ، من أصحاب قتادة.

وذكر له أحاديث وهم فيها عن قتادة، منها: حديثه عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به"، قال فيه:"وإذا قرأ فأنصتوا"، ولم يذكر هذه اللفظة أحد من أصحاب قتادة الحفاظ.

[ثم ذكر أحاديث وهم فيها التيمي على قتادة، ثم قال:] وقد ذكر الأثرم في العلل أنه عرض هذا الكلام كله على أحمد، قال: فقال أحمد: هذا اضطراب، هكذا حفظت.

وحديث سليمان التيمي في الإنصات: "إذا قرأ الإمام" خرجه مسلم في صحيحه، وقد أنكر هذه الزيادة غير واحد من الحفاظ" [وانظر في أوهام سليمان التيمي على قتادة فيما تقدم من السنن برقم (570)].

ففي هذا النقل الأخير أن أبا بكر الأثرم عرض هذا الحديث على الإمام أحمد على أنه من أوهام التيمي على قتادة، وأقره الإمام على ذلك، وهذا القول أقرب عندي للصواب إذ هو الموافق لقواعد الإمام أحمد في الإعلال، وهو الموافق لقول أكثر الحفاظ النقاد، من إعلال هذه الزيادة، وردِّها لوهم التيمي فيها، والله أعلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (18/ 20): "هذه الزيادة صححها مسلم، وقبله أحمد بن حنبل وغيره، وضعفها البخاري، وهذه الزيادة مطابقة للقرآن، فلو لم يرد بها حديث صحيح لوجب العمل بالقرآن، فإن في قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204] أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة، وأن القراءة في الصلاة مرادة من هذا النص"[وصحح الحديث في مواضع أخرى (22/ 295 و 340) و (23/ 272)].

• والحاصل: أن هذه الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا": لا تثبت، لا من حديث أنس، ولا من حديث أبي هريرة، ولا من حديث أبي موسى الأشعري، فهي زيادة منكرة من حديث الزهري عن أنس، وهي وهْمٌ من ابن عجلان في حديث أبي هريرة، وهي وهمٌ من سليمان التيمي في حديث أبي موسى، غير محفوظة من حديث قتادة، لم يذكرها الحفاظ من أصحاب قتادة مثل: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، وهمام، وأبان، وأبي عوانة، ومعمر، والله أعلم.

• وقد روي بعض حديث الباب أيضًا من حديث:

ص: 65

أ- أبي سعيد الخدري في حديث طويل، تقدمت الإشارة إليه تحت الحديث رقم (472)، الشاهد (4/ هـ).

ب - أبي سعيد الخدري، وفيه قصة:

يرويه أيوب بن جابر، عن عبد الله بن عصمة الحنفي [وعند الطبراني: عن عبد الله بن عُصم]، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يركع قبل أن يركع، ويرفع قبل أن يرفع، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال:"من فعل هذا؟ " قال: أنا يا رسول الله، أحببت أن أعلم تعلم ذلك أم لا؟ فقال:"اتقوا خداج الصلاة، إذا ركع الإمام فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا".

أخرجه أحمد (3/ 43)، والطبراني في الأوسط (5/ 6/ 4516).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عصم إلا أيوب بن جابر، تفرد به: قتيبة".

قلت: هو حديث ضعيف؛ لأجل أيوب بن جابر اليمامي، فإنه ضعيف، ولم يتفرد به قتيبة، تابعه عليه: حسين بن محمد بن بهرام التميمي [عند أحمد]، وهو: ثقة [وانظر في هذا الإسناد ما تقدم معنا في السنن برقم (247)].

• ومما جاء من آثار في هذا المعنى:

1 -

أثر أسيد بن حضير:

تقدم قبل قليل، وهو ثابت عنه.

2 -

أثر جابر بن عبد الله:

تقدم تحت الحديث السابق برقم (606)، وهو صحيح عنه.

3 -

أثر قيس بن قهد:

يرويه يعلى بن عبيد، ووكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن حميد الرؤاسي [وهم ثقات]:

عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: أخبرني قيس بن قهد الأنصاري: أن إمامهم اشتكى [قال يعلى: أيامًا][وقال ابن عيينة: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]، قال: فكان يؤمنا جالسًا ونحن جلوس.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 142)، وعبد الرزاق (2/ 462/ 4084)، وابن أبي شيبة (2/ 116/ 7143)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 206/ 2042)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 139).

وقد اختلف فيه على إسماعيل بن أبي خالد:

أ- فرواه يعلى بن عبيد، ووكيع، وابن عيينة، عنه به هكذا.

ب- وخالفهم: أبو أسامة [حماد بن أسامة: ثقة ثبت]، فرواه عن إسماعيل، عن قيس بن قهد، قال: اشتكى إمامنا فصلى قاعدًا، فصلينا بصلاته، فقال أبو هريرة: الإمام

ص: 66

أمير؛ فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 115/ 7140)(7217 - نسخة عوامة).

قلت: وهذه الرواية وهم، والصواب ما رواه جماعة الحفاظ.

ج- ورواه ابن عيينة، ووكيع:

عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى، فقال:"مروا أبا بكر فليُصل بالناس" فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم مكانك، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمون بأبي بكر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 459/ 4077)، وابن أبي شيبة (2/ 118/ 7166).

وهذا مرسل.

د- ورواه ابن عيينة، وابن فضيل، ومهران بن أبي عمر [صدوق، له أوهام، سيئ الحفظ]، وسفيان الثوري [ولا يصح عنه، ففي الإسناد إليه: حماد بن زيد المكتب الأصبهاني، وهو لا يُعرف، والراوي عنه: الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير الظالم: قال النسائي: "ليس بثقة، ولا مأمون"، وقال أبو أحمد الحاكم:"ليس بأهل أن يروى عنه".

التهذيب (1/ 363)، الميزان (1/ 466)، السير (4/ 343)، اللسان (2/ 567)]:

عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإمام أمير؛ فإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا". هكذا مرفوعًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 462/ 4083)، والحميدي (2/ 426/ 959)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1176 و 1177)، وعلقه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 235)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 242)، وذكره الدارقطني في العلل (9/ 26/ 1620).

هـ- وأوقفه يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، ويعلى بن عبيد، ومروان بن معاوية، وأبو حمزة السكري، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية:

فرووه عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي هريرة، قال: الإمام أمير؛ فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 115/ 7139)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 206/ 2044)، والدارقطني في العلل (9/ 27/ 1620).

قال الدارقطني بعد ذكر من رواه موقوفًا: "وهو الصحيح".

قلت: إسماعيل بن أبي خالد: ثقة ثبت حافظ، يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وقد رواه عنه على هذه الوجوه الثلاثة: وكيع بن الجراح [وهو: ثقة حافظ]، مما يدل على كونها محفوظة عن إسماعيل، وعليه فالأسانيد المحفوظة في هذا عن إسماعيل:

ص: 67

أ- إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: أخبرني قيس بن قهد الأنصاري: أن إمامهم اشتكى. . .

ب- إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى، فقال:"مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس". . .

ج- إسماعيل، عن قيس، عن أبي هريرة، قال: الإمام أمير؛ فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا.

فالأول: موقوف على قيس بن قهد، بإسناد صحيح، وصحح إسناده الحافظ في الفتح (2/ 176).

والثاني: مرسل، بإسناد صحيح.

والثالث: موقوف على أبي هريرة، بإسناد صحيح.

4 -

أثر أبي هريرة:

تقدم فيما قبله، وهو صحيح عنه.

وله إسناد آخر عن أبي هريرة موقوفًا:

يرويه سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، قال: سمعت القاسم بن محمد، يقول: إن أبا هريرة كان يقول: إذا صلى الأمير قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا.

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 165).

وهو موقوف على أبي هريرة، بإسناد صحيح، تقدم الكلام عليه عند حديث معاوية في الشواهد.

• والحاصل: أن صلاة المأمومين جلوسًا -من غير علة- خلف الإمام الجالس قد صح موقوفًا عن أربعة من الصحابة: أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأسيد بن حضير، وقيس بن قهد، والله أعلم.

• ومن فقه الحديث:

1 -

إذا صلى الإمام جالسًا من علة، فهل يصلون خلفه جلوسًا أم قيامًا؟

قال الشافعي في الأم (2/ 341): "وأَمْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ومن حدث معه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالسًا ومن خلفه جلوسًا: منسوخ بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسًا، وصلوا خلفه قيامًا، فهذا مع أنه سنةٌ ناسخةٌ: معقولٌ، ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطِقِ القيام صلى جالسًا، وكان ذلك فرضه، وصلاة المأمومين غيره قيامًا إذا أطاقوه، وعلى كل واحد منهم فرضه، فكان الإمام يصلي فرضه قائمًا إذا أطاق، وجالسًا إذا لم يُطِقْ، وكذلك يصلي مضطجعًا ومومِيًا إن لم يُطِقِ الركوع والسجود، ويصلي المأمومون كما يطيقون، فيصلي كل فرضه، فتجزي كلًّا صلاتُه"، إلى أن قال:"ولو صلى أحد يطيق القيام خلف إمام قاعد فقعد معه لم تُجْزِ صلاته، وكانت عليه الإعادة".

ص: 68

وقال في الرسالة (112): "فلما كانت هذه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه قاعدًا، والناسُ خلفه قيامًا: استدللنا على أن أمرَه للناس بالجلوس في سقطته عن الفرس: قبل مرضه الذي مات فيه، فكانت صلاتُه في مرضه الذي مات فيه قاعدًا، والناس خلفه قيامًا: ناسخةً لأن يجلس الناس بجلوس الإمام.

وكان في ذلك دليل بما جاءت به السنة، وأجمع عليه الناس، من أن الصلاة قائمًا إذا أطاقها المصلي، وقاعدًا إذا لم يُطِق، وأن ليس للمطيق القيامَ منفردًا أن يصلي قاعدًا، فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في مرضه قاعدًا ومن خلفه قيامًا، مع أنها ناسخةٌ لسنته الأولى قبلها، موافقةً سنتَه في الصحيح والمريض وإجماعَ الناس: أن يصلي كل واحد منهما فرضه، كما يصلي المريض خلف الإمام الصحيح قاعدًا والإمام قائمًا.

وهكذا نقول: يصلي الإمام جالسًا، ومن خلفه من الأصحاء قيامًا، فيصلي كل واحد فرضه، ولو وكَّل الإمامُ غيرَه كان حسنًا".

وقال في اختلاف الحديث (75 - 78): "إذا لم يقدر الإمام على القيام فصلى بالناس جالسًا صلى الناس وراءه إذا قدروا على القيام قيامًا، كما يصلي هو قائمًا، ويصلي من خلفه إذا لم يقدروا على القيام جلوسًا، فيصلي كلٌّ فرضَه، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما قلت شيء منسوخ وناسخ،. . .

[ثم أسند حديث أنس، ثم قال:] وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منسوخ بسنته، وذلك أن أنسًا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا من سقطة من فرس في مرضه، وعائشة تروي ذلك، وأبو هريرة يوافق روايتهما، وأمر من خلفه في هذه العلة بالجلوس إذا صلى جالسًا، ثم تروي عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه جالسًا والناس خلفه قيامًا، قال: وهي آخر صلاة صلاها بالناس حتى لقي الله تعالى، وهذا لا يكون إلا ناسخًا.

[ثم ذكر حديث عائشة من طريق حماد بن سلمة، وحديث الأسود عن عائشة، وحديث عبيد بن عمير، ثم قال:] وفي حديث أصحابنا مثل ما في هذا، وأن ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه، فنحن لم نخالف الأحاديث الأولى إلا بما يجب علينا من أن نصير إلى الناسخ، الأولى كانت حقًّا في وقتها، ثم نسخت فكان الحق فيما نسخها، وهكذا كل منسوخ يكون الحق ما لم ينسخ، فإذا نسخ كان الحق في ناسخه، وقد روي في هذا الصنف شيء يغلط فيه بعض من يذهب إلى الحديث،. . .

[ثم ذكر أثر جابر وأسيد بن حضير، ثم قال:] وفي هذا ما يدل على أن الرجل يعلم الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم خلافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول بما علم، ثم لا يكون في قوله بما علم وروى حجة على أحد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولًا أو عمل عملًا ينسخ العمل الذي قال به غيره وعلمه، كما لم يكن في رواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا وأمر بالجلوس، وصلى جابر بن عبد الله، وأسيد بن الحضير، وأمرهما بالجلوس، وجلوس من خلفهما: حجة على من علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ينسخه، وفي هذا دليل

ص: 69

على أن علم الخاصة يوجد عند بعض، ويعزب عن بعض، وأنه ليس كعلم العامة الذي لا يسع جهله، ولهذا أشباه كثيرة، وفي هذا دليل على ما في معناه منها".

وقال صالح بن أحمد بن حنبل في مسائله لأبيه (1389): "قال أبي: الإمام إذا صلى جالسًا صلوا جلوسًا، قال بعض الناس: لا يؤم أحد جالسًا فيصلي من وراءه قيامًا، لا ينتقل فرض أحد دون أحد، يصلي كل إنسان فرضه، واحتج هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، وكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمون بأبي بكر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وهذا قول الشافعي.

وقال بعض الناس: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جحش شقه الأيمن [ثم ذكر حديث أنس، ثم أسنده من طريق ابن عيينة، ثم ذكر حديث جابر، ثم قال:]

والذي احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعدًا إذ جلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يأتم بالنبي، والناس يأتمون بأبي بكر، فهذا الموضع كان المبتدئ بالصلاة أبو بكر، فكانوا يأتمون بأبي بكر، وأبو بكر يأتم وهم قيام، وحيث أومأ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقعدوا كان هو المبتدئ للصلاة، فقال:"اقعدوا" فقعدوا، وليس ثمة إمام غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته قعودًا، وهو قاعد.

وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، والذي يذهب إليه أبي هذه الأحاديث.

[ثم ذكر حديث عائشة المتقدم برقم (605)، ثم قال:] وقد روي في ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن جابرًا صلى بهم وهو جالس وهم جلوس، وأسيد بن حضير، وأبو هريرة، معنى قولهم وفعلهم: إذا صلى الإمام قاعدًا فصلوا قعودًا.

فأما من قال: "لا يؤمن أحد بعدي جالسًا"، فهذا خلاف ما روي عن: أبي هريرة، وعائشة، وأسيد، وجابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف فعله إذ مرض فصلى قاعدًا، وأبو بكر قائم يأتم به، فهو خلاف هذه الأخبار جميعًا.

فإن كان إمامًا مبتدئًا للصلاة، فصلى بقوم بعض صلاته، فجاء الإمام الأكبر وهو مريض، فإن شاء جلس عن يساره كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون الإمام الأول الذي ابتدأ الصلاة يأتم به الناس، ويأتم هو بالإمام الذي جاء كفعل النبي صلى الله عليه وسلم".

وفي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (348)، قال:"قلت لسفيان: رجل صلى بقوم جالسًا، وهم جلوس، وهو مريض؟ قال: تجزئه، ولا تجزئهم. قال أحمد: بلى، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا". قال إسحاق: السنة إذا صلى قاعدًا أن يصلوا قعودًا".

قلت: ما ذهب إليه الإمام أحمد أقرب إلى الصواب مما ذهب إليه الإمام الشافعي، فإنه طالما أمكن الجمع بين الأدلة، والعمل بها جميعًا: هذا في حال، وهذا في حال آخر، حسب ما تقتضيه الأدلة، فهو أولى من القول بالنسخ، قال ابن المنذر (4/ 208):

ص: 70

"فيكون كلُّ سنة من هاتين السنتين مستقلة في موضعها، ولا تبطل كل واحدة الأخرى؛ لأن معنى كل سنة منهما غير معنى الأخرى"، لا سيما وقد عمل بالحديث الأول جماعة من الصحابة، فيهم ثلاثة من فقهاء الصحابة: أبو هريرة، وجابر، وأسيد بن حضير، ولا يُعلم لهم مخالف من الصحابة، وقد عدَّه ابن حبان إجماعًا من الصحابة على ذلك -كما سيأتي نقل كلامه-، مما يدل على كون هذا الحكم محكمًا ليس منسوخًا، قال أبو بكر بن المنذر (4/ 205):"ولو كان ذلك منسوخًا ما استعملوه، وهم بالناسخ والمنسوخ من أخباره أعلم بمن بعدهم، والدليل على ذلك أن من بعدهم إنما يأخذ معرفة الأخبار بالأمر والنهي، والناسخ والمنسوخ عنهم، ولو كان عندهم في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم علم، لصاروا إليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالفوه"، والله أعلم.

• ونذكر أقوال الأئمة في هذه المسألة -مرتبة حسب وفياتهم-، فإن فيها فائدة: قال عبد الرزاق في المصنف (2/ 463): "وما رأيت الناس إلا على [أن] الإمام إذا صلى قاعدًا صلى من خلفه قعودًا، وهي سنة من غير واحد".

وهذا يدل على انتشار هذا القول بين الصحابة والتابعين ومن تبعهم حتى أصبح سنة متبعة، وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن حبان من دعوى الإجماع، والله أعلم.

وذكر ابن أبي شيبة أحاديث الباب في كتاب الرد على أبي حنيفة، فيما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/ 286)، محتجًا بها على أبي حنيفة، ثم قال:"وذكر أن أبا حنيفة قال: لا يؤم الإمام وهو جالس".

وقال البخاري بعد الحديث (689): "قال الحميدي: قوله: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا والناس خلفه قيامًا، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يُؤخَذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال الترمذي بعد حديث أنس: "وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث، منهم: جابر بن عبد الله، وأسيد بن حضير، وأبو هريرة، وغيرهم، وبهذا الحديث يقول: أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: إذا صلى الإمام جالسًا لم يُصَلِّ من خلفه إلا قيامًا، فإن صلوا قعودًا لم تجزهم، وهو قول: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، والشافعي".

وقال البزار (13/ 157): "وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" منسوخ، نسخه فعله صلى الله عليه وسلم عند موته، لأنه صلى قاعدًا والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر ما فعله من فعله".

وقال ابن خزيمة (3/ 54): "قال قوم من أهل الحديث: إذا صلى الإمام المريض جالسًا صلى من خلفه قيامًا إذا قدروا على القيام، وقالوا: خبر الأسود وعروة عن عائشة ناسخ للأخبار التي تقدم ذكرنا لها في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالجلوس إذا صلى الإمام جالسًا، قالوا: لأن تلك الأخبار عند سقوط النبي صلى الله عليه وسلم من الفرس، وهذا الخبر في مرضه

ص: 71

الذي توفي فيه، قالوا: والفعل الآخر ناسخ لما تقدم من فعله وقوله.

قال أبو بكر [ابن خزيمة]: وإن الذي عندي في ذلك -والله أسأل العصمة والتوفيق-: أنه لو صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في المرض الذي توفي فيه، لكان الأمر على ما قالت هذه الفرقة من أهل الحديث، ولكن لم يثبت عندنا ذلك؛ لأن الرواة قد اختلفوا في هذه الصلاة على فرق ثلاث،. . .".

ثم ذكر الروايات عن عائشة، والتي وقع فيها الاختلاف، فمنهم من يقول: كان أبو بكر المقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدَّم بين يدي أبي بكر، ثم قال:"فغير جائز لعالم أن يدعي نسخ ما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأخبار المتواترة بالأسانيد الصحاح من فعله وأمره بخبر مختلف فيه"، ثم ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علل النهي عن القيام خلف الإمام القاعد بمشابهة فعل فارس والروم، ولم ينقل إلينا نسخ هذا النهي عن التشبه بهم، إلى أن قال:"فإن قال قائل غير منعم الروية: كيف يجوز أن يصلي قاعدًا من يقدر على القيام؟ قيل له: إن شاء الله يجوز ذلك أن يصلي بأولى الأشياء أن يجوز به، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر باتباعها، ووعد الهدى على اتباعها، فأخبر أن في طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل،. . ."، ثم لخص قوله في المسألة بأن قال:"فلا يجوز ترك ما قد صح من أمره صلى الله عليه وسلم وفعله في وقت من الأوقات، إلا بخبر صحيح عنه ينسخ أمره ذلك وفعله، ووجود نسخ ذلك بخبر صحيح معدوم، وفي عدم وجود ذلك بطلان ما ادعت، فجازت الصلاة قاعدًا إذا صلى الإمام قاعدًا اقتداء به، على أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، والله الموفق للصواب".

قلت: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأبي بكر، وأنه صلى خلف أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه، لا تعارض في ذلك ولا اضطراب، لكن تحمل صلاة الناس خلفه صلى الله عليه وسلم قيامًا وهو جالس على أنه لم يكن قد ابتدأ بهم الصلاة، وإنما افتتحها لهم أبو بكر فأتمها بهم قيامًا، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، بخلاف ما ابتدأ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة لهم جالسًا فقد أمرهم حينئذ بالجلوس، كما قال الإمام أحمد، وقد زاد ابن خزيمة هنا حجة أخرى لهذا القول الصحيح، وهي أن أمر المأمومين بالجلوس خلف الإمام الجالس قد عُلِّل بعلة لم تنسخ، وهي عدم مشابهة فارس والروم في قيامهم على ملوكهم وهم قعود، فدل على عدم نسخ هذا الحكم المقترن بهذه العلة، وكذلك علله بطاعة الأئمة كما في حديث ابن عمر، وطاعة الأئمة لم تنسخ، والله أعلم.

وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 204) بعد أن ذكر التعارض في خبر عائشة رضي الله عنها، حيث ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وذكر آخرون أن الإمام كان أبا بكر، قال ابن المنذر: " [لما] اختلفت الأخبار في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه حين خرج إلى المسجد، وتعارضت، لم يجز نسخ ما هو يقين وما قد ثبتت الأخبار به، ولم يختلف من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صلوا خلفه قيامًا بالقعود لأخبار مختلف فيها؛ لأن الاختلاف شك، والإجماع يقين، غير جائز الانتقال من اليقين إلى الشك، وكذلك غير جائز نسخ بما

ص: 72

قد ثبت ولم تختلف الأخبار فيه، بما قد اختلفت الأخبار فيه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم إذا صلى إمامهم قاعدًا أن يصلوا قيامًا، وعرفهم أن ذلك فعل فارس والروم بعظمائها، يقومون وملوكهم قعود،. . .

قال أبو بكر [ابن المنذر]: ومما يزيد ما قلنا وضوحًا وبيانًا استعمال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بعد وفاته، ولو كان ذلك منسوخًا ما استعملوه، وهم بالناسخ والمنسوخ من أخباره أعلم بمن بعدهم، والدليل على ذلك أن من بعدهم إنما يأخذ معرفة الأخبار بالأمر والنهي، والناسخ والمنسوخ عنهم، ولو كان عندهم في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم علم، لصاروا إليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالفوه".

ثم قال (4/ 207): "وهذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، قال أحمد: كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله أربعة من أصحابه: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة.

قال أبو بكر: وكان أحق الناس بالاستدلال بفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك غير منسوخ: مَنْ جعل مشي ابن عمر بعد بيعه، بأنها أحد الدلائل على أن الافتراق في البيوع افتراق الأبدان لما روى ابن عمر الحديث، قال: ابن عمر أعلم بتأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بعده، فكذلك لما كان فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره الذين صلوا خلفه قيامًا بالقعود: أبو هريرة، وجابر، ثم استعملوا ذلك بعد وفاته، وجب كذلك على هذا القائل أن يقول: أبو هريرة وجابر أعلم بتأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناسخه ومنسوخه ممن بعده.

ولو لم تختلف الأخبار في أمر أبي بكر في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز الانتقال عما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأمرهم بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدًا؛ لأن الذي افتتح بهم الصلاة أبو بكر، فوجب عليهم القيام لقيام أبي بكر بهم، لما لم يحدث بإمامهم الذي عقد بهم الصلاة بأن به علة توجب الجلوس، فعليهم أن يفعلوا كفعل إمامهم، وإن تقدم إمام غير الإمام الذي عقدوا الصلاة معه، فصلى جالسًا فليس عليهم الجلوس ما دام الإمام الذي عقدوا الصلاة معه قائمًا، فإذا كانت الحال هكذا في حدوث إمام بعد إمام استعمل ما جاءت به الأخبار في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه، وإذا كان مثل الحال الذي صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم في منزله، وافتتح بهم الصلاة قاعدًا فعليهم القعود بقعوده، فيكون كلٌّ سنة من هاتين السنتين مستقلة في موضعها، ولا تبطل كل واحدة الأخرى؛ لأن معنى كل سنة منهما غير معنى الأخرى، وقد تأول هذا المعنى بعينه أحمد بن حنبل، وكان أولى الناس بأن يقول هذا القول: مَنْ مذهبه استعمال الأخبار كلها إذا وجد إلى استعمالها سبيلًا، كاختلاف صفة صلاة الخوف على اختلاف الأحوال فيها، هذا لو كانت الأحوال لا تختلف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه.

وقالت طائفة: إن صلى الإمام قاعدًا صلى المأمومون قيامًا إذا أطاقوا، وصلى كل واحد فرضه، هذا قول الشافعي، وقال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ومَن حدَّث معه في

ص: 73

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى بهم جالسًا ومن خلفه جلوس، منسوخ بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسًا وصلوا خلفه قيامًا.

وقال سفيان الثوري في رجل صلى بقوم جالسًا مريضًا وهم جلوس، قال: لا يجزيه، ولا يجزيهم، وقال أصحاب الرأي في مريض صلى قاعدًا يسجد ويركع، فائتم به قوم فصلوا خلفه قيامًا، قال: يجزيهم، وإن كان الإمام قاعدًا يومي إيماءً، أو مضطجعًا على فراشه يومي إيماءً، والقوم يصلون قيامًا، قال: لا يجزيه، ولا يجزي القوم في الوجهين جميعًا، وقال أبو ثور كما قال الشافعي.

وفي هذه المسألة قول ثالث، قاله مالك، قال: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدًا، وحكي عن المغيرة أنه قال: ما يعجبني أن يصلي الإمام بالقوم جلوسًا، وقد روينا عن جابر الجعفي، عن الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحد بعدي جلوسًا".

قال أبو بكر: وهذا خبر واهٍ تحيطه العلل، جابر متروك الحديث، والحديث مرسل، وهو مخالف للأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا.

وقال الطحاوي في شرح المعاني (1/ 407): "فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه: أن دخول المأموم في صلاة الإمام قد يوجب فرضًا على المأموم، ولم يكن عليه قبل دخوله، ولم نره يسقط عنه فرضًا قد كان عليه قبل دخوله، فمن ذلك: أنا رأينا المسافر يدخل في صلاة المقيم، فيجب عليه أن يصلى صلاة المقيم أربعًا، ولم يكن ذلك واجبًا عليه قبل دخوله معه، وإنما أوجبه عليه دخوله معه، ورأينا مقيمًا لو دخل في صلاة مسافر صلى بصلاته حتى إذا فرغ أتى بتمام صلاة المقيم، فلم يسقط عن المقيم فرض بدخوله مع المسافر، وكان فرضه على حاله غير ساقط منه شيء، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الصحيح الذي كان عليه فرض القيام إذا دخل مع المريض الذي قد سقط عنه فرض القيام في صلاته أن لا يكون ذلك الدخول مسقطًا عنه فرضًا كان عليه قبل دخوله في الصلاة".

وقال في المشكل (14/ 318): "فكان في هذه الآثار ما قد ذكرناه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا بالناس وهم قيام، فدل ذلك على نسخ ما كان منه قبل ذلك في الآثار الأول"، ثم قال:"وإن فيما قد بيّنّا من إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا والناس قيام: كان أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهم الله تعالى يذهبون إليه في إجازة إمامة القاعد الذي يركع ويسجد للقائمين الذين يركعون ويسجدون، لأن القعود الذي فيه الركوع والسجود لما كان بدلًا عن القيام كان البدل كالمبدل منه، وكان فاعل البدل كفاعل المبدل، فجاز أن يكون إمامًا لأهله، هذا هو القياس في هذا الباب، وقد كان مالك بن أنس ومحمد بن الحسن يذهبان في ذلك إلى أن لا يؤم قاعد قائمًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذهب إلى أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة خاصًّا، ليس لأحد من أمته ذلك سواه، وليس لأحد أن يخص شيئًا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما يوجب له من توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، وبالله التوفيق".

ص: 74

قلت: الأولى الوقوف مع الأثر، وعدم تحكيم القواعد في الأدلة، وإنما الأدلة هي التي تستنبط منها القواعد، فنحن لا نتحاكم إلى ما صنعناه بعقولنا، وإنما نتحاكم إلى الخبر الوارد من السماء، وليس لأحد معه قول، كائنًا من كان، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر القائم الصحيح أن يصلي جالسًا بصلاة إمامه الجالس، واستعمله بعده أربعة من الصحابة، ولا يُعلم لهم فيه مخالف، وعُدَّ ذلك إجماعًا، فهل نحن إذًا الذين أسقطنا عنه فرضًا قد كان واجبًا عليه قبل الدخول في صلاة الإمام، أم أن الذي أسقط عنه ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي لا قول لأحد معه، والله الموفق للصواب.

وقال ابن حبان بعد حديث عائشة من طريق مالك (5/ 464): "هذه السنة رواها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك، وعائشة، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو أمامة الباهلي، وهو قول: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وبه قال: جابر بن زيد، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي، وأبو خيثمة، وابن أبي شيبة، ومحمد بن إسماعيل، ومن تبعهم من أصحاب الحديث، مثل: محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة".

وقال بعد حديث ابن عمر (5/ 471): "في هذا الخبر بيان واضح أن صلاة المأمومين قعودًا إذا صلى إمامهم قاعدًا من طاعة الله جل وعلا التي أمر عباده، وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته؛ لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفتَوا به: جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن قهد، والإجماع عندنا إجماع الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل، وأعيذوا من التحريف والتبديل، حتى حفظ الله بهم الدين على المسلمين، وصانه عن ثَلْمِ القادحين، ولم يُرْوَ عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة، لا بإسناد متصل ولا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدًا كان على المأمومين أن يصلوا قعودًا، وقد أفتى به من التابعين: جابر بن زيد أبو الشعثاء، ولم يُرْوَ عن أحد من التابعين أصلًا بخلافه، لا بإسناد صحيح ولا واهٍ، فكأن التابعين أجمعوا على إجازته، وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدًا إذا صلى إمامه جالسًا: المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة، وتبعه عليه من بعده من أصحابه، وأعلى شيء احتجوا به فيه: شيء رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا"، وهذا لو صح إسناده لكان مرسلًا، والمرسل من الخبر وما لم يُرْوَ: سِيَّان في الحكم عندنا، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي وإن كان ثقة فاضلًا على حسن الظن، لزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، ومتى قبلنا ذلك لزمنا قبول مثله عن تَبَعِ الأتباع، ومتى قبلنا ذلك لزمنا قبول مثل ذلك عن تُبَّاع التبع، ومتى قبلنا ذلك لزمنا أن نقبل من كل إنسان إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا نقض الشريعة، والعجب ممن يحتج بمثل هذا

ص: 75

المرسل، وقد قدح في روايته زعيمهم"، ثم نقل عن أبي حنيفة تكذيبه لجابر الجعفي، ثم قال: "فهذا أبو حنيفة يجرح جابرًا الجعفي ويكذبه، ضد قول من انتحل من أصحابه مذهبه، وزعم أن قول أئمتنا في كتبهم: فلان ضعيف: غيبة، ثم لما اضطره الأمر جعل يحتج بمن كذَّبه شيخه في شيء يدفع به سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: مرسل جابر الجعفي:

أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في زياداته على موطأ مالك (158)، وعبد الرزاق (2/ 463/ 4087 و 4088)، والدارقطني في السنن (1/ 398)، والبيهقي في السنن (3/ 80).

قال الشافعي: "قد علم الذي احتج بهذا أن ليست فيه حجة، وأنه لا يثبت؛ لأنه مرسل، ولأنه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه"[انظر: الرسالة (255)، الأم (7/ 200)، المعرفة للبيهقي (2/ 361)، المجموع شرح المهذب (4/ 232)].

وقال ابن المنذر (4/ 209): "وهذا خبر واهٍ تحيطه العلل، جابر متروك الحديث، والحديث مرسل، وهو مخالف للأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا".

وقال الدارقطني: "لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبي، وهو: متروك، والحديث مرسل، لا تقوم به حجة".

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 61): "وهذا لا شيء"[وانظر أيضًا: (6/ 21) و (10/ 39 و 379 و 429) و (11/ 239)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 143): "قد احتج محمد بن الحسن لقوله ومذهبه في هذا الباب بالحديث الذي ذكره أبو المصعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحد بعدي قاعدًا" وهو حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث، إنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي مرسلًا، وجابر الجعفي لا يحتج بشيء يرويه مسندًا، فكيف بما يرويه مرسلًا"، وقال نحوه في موضع آخر (22/ 320).

وقال في الاستذكار (2/ 176): "منكر باطل، لا يصح من جهة النقل".

وقال ابن القيم في الإعلام (2/ 384): "وهذه من أسقط روايات أهل الكوفة".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 151): "وجابر: لا يحتج بما يسنده، فكيف بما يرسله؟ وقد طعن في حدثيه هذا: الشافعي، وابن أبي شيبة، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم".

فإن قيل: جاء في بعض روايات حديث جابر أنهم صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قيامًا وهو قاعد، فلم يبطل صلاتهم، ولا أمرهم بالإعادة، مما يدل على أن الأمر للندب، قال ابن حبان في حديث أبي سفيان عن جابر:"في هذا الخبر بيان واضح أن اللفظة التي في خبر حميد، حيث صلى صلى الله عليه وسلم بهم قاعدًا وهم قيام، إنما كانت تلك سُبحة، فلما حضرت الصلاة الفريضة، أمرهم أن يصلوا قعودًا كما صلى هو، ففي هذا أوكد الأشياء أن الأمر منه صلى الله عليه وسلم لما وصفنا أمر فريضة لا فضيلة".

ص: 76

وقال الحاكم في المعرفة (126) بعد حديث عائشة من طريق زائدة عن موسى بن أبي عائشة: "وهو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن بطال في شرح البخاري (2/ 314) في بيان حجة الإمام أحمد، والرد على مالك والشافعي:"وقد فعل ذلك أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن قهد، فدل ذلك من فعلهم أنه ليس بخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا منسوخ بفعله؛ إذ لو كان هذا، لعابه سائر الصحابة على هؤلاء الأربعة الذين فعلوه، وقد روى عبد الرزاق عن أنس بن مالك أنه فعل مثله، وأيضًا فإن صلاته عليه السلام في مرضه لا تشبه الصلاة التي أمر فيها بالقعود، حين جُحِشَ شقه؛ لأنها صلاة ابتدأ الإمام فيها قاعدًا، فعليهم القعود، لسنته صلى الله عليه وسلم، وصلاته في مرضه هي صلاة أبي بكر ابتدأ فيها القيام، فقاموا خلفه، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك فقعد إلى جنبه، وهو مريض فالصلاة على ما ابتدئت، فلا تشبه هذه هذه، ولا تنسخ هذه هذه، والأولى سُنَّة على معناها، والثانية سُنَّة على معناها".

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 61) بعد أن ذكر طرق الحديث وشواهده: "فصار نقْلَ تواترٍ، فوجب للعلم، فلم يَجُزْ لأحد خلاف ذلك، فنظرنا فيما اعترض به المالكيون في منعهم عن صلاة الجالس لمرض أو عذر للأصحاء، فلم نجد لهم شيئًا أصلًا، إلا أن قائلهم قال: هذا خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم، واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق: جابر الجعفي عن الشعبي، ومن طريق: عبد الملك بن حبيب، عمن أخبره، عن مجالد، عن الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤُمَّنَّ أحدكم بعدي جالسًا"، قال علي: وهذا لا شيء، أما قولهم: إن هذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فباطل؛ لأن نص الحديث يكذب هذا القول، لأنه عليه السلام قال فيه: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، فصح أنه عليه السلام عمَّ بذلك كل إمام بعده بلا إشكال، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] تكذيب لكل من ادَّعى الخصوص في شيء من سننه وأفعاله عليه السلام، إلا أن يأتي على دعواه بنص صحيح أو إجماع مُتَيقَّن، وأما حديث الشعبي: فباطل؛ لأنه رواية جابر الجعفي الكذاب، المشهور بالقول برجعة علي رضي الله عنه، ومجالد وهو: ضعيف، وهو مرسل مع ذلك،. . ."، وأطال في الرد على المالكية، وأنكر عليهم كيف يحتجون بأوهن أسانيد أهل الكوفة، ويعرضون عن أصح أسانيد أهل الكوفة والمدينة، وتعجب من ترك احتجاجهم بفعله صلى الله عليه وسلم، ومن ترك الائتمام بالأدنى، مع صحة الأدلة على ذلك، ثم عرج بعد ذلك على الشافعية والحنفية القائلين بالنسخ.

ثم قال بعد كلام طويل (3/ 70): "فهؤلاء أبو هريرة وجابر وأسيد، وكل من معهم من الصحابة، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير مسجده، لا مخالف لهم يُعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلًا، كلهم يروي إمامة الجالس للأصحاء، ولم يُرو عن أحد منهم خلاف

ص: 77

لأبي هريرة وغيره في أن يصلي الأصحاء وراءه جلوسًا"، ثم نقل هذا القول عن جمهور السلف والعلماء.

وقال البيهقي في السنن (2/ 304): "وفي صلاته بأبي بكر وهو قاعد، وأبو بكر قائم: دلالة على أن الأمر الأول صار منسوخًا، وأن الصحيح يصلي قائمًا، وإن صلى إمامه قاعدًا بالعذر، وبالله التوفيق".

قلت: فتبع بذلك الشافعي، ولم يتبع الأثر.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 317): "وليس بين المسلمين تنازع في جواز صلاة الجالس المريض خلف الإمام القائم الصحيح؛ لأن كلًّا يؤدي فرضه على قدر طاقته، وإنما التنازع بينهم في الصحيح القادر على القيام، هل يجوز له أن يصلي جالسًا خلف إمام مريض جالس في صلاته أم لا؟ ".

وقال أيضًا (6/ 138): "واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدًا خلف إمام مريض لا يستطيع القيام: فأجازت ذلك طائفة من أهل العلم، اتباعًا لهذا الحديث وما كان مثله، من قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: "وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة متواترة من حديث أنس، وحديث أبي هريرة، وحديث عائشة، وحديث ابن عمر، وحديث جابر، كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأسانيد صحاح، وممن ذهب إلى هذا: حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وإليه ذهب داود في رواية عنه، قال أحمد بن حنبل: وفعله أربعة من الصحابة بعده: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة"[ونقل في موضع آخر (22/ 318) عن أبي بكر الأثرم قوله: "قيل لأحمد: فمن احتج بحديث عائشة: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وأبو بكر قائم يأتم به، والناس قائمون يأتمون بأبي بكر؟ فقال: قد كان الشافعي يحتج بهذا، وليس في هذا حجة؟ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائمًا بقيام"].

إلى أن قال: "وقال جمهور أهل العلم: لا يجوز لأحد أن يصلي في شيء من الصلوات المكتوبات جالسًا وهو صحيح قادر على القيام، لا إمامًا، ولا منفردًا، ولا خلف إمام، ثم اختلفوا: فمنهم من أجاز صلاة القائم خلف القاعد المريض، لأن كلًّا يؤدي فرضه على قدر طاقته، اقتداءً وتأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدًا، وأبو بكر إلى جنبه قائمًا يصلي بصلاته، والناس قيام خلفه يصلون بصلاته، فلم يشر إلى أبي بكر، ولا إليهم بالجلوس، وأكمل صلاته بهم جالسًا، وهم خلفه قيام، ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه، وصلاته حينئذ قاعدًا، وقوله: "فإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول، فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه صلى الله عليه وسلم:

ص: 78

إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير، ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير، وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك، وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس خلفه قيامًا وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه، فبان بذلك أنه ناسخ لذلك، وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة: الشافعي، وداود بن علي، وأصحابهما".

ثم حكى عن مالك القول بفساد صلاة القائم الصحيح خلف القاعد المريض، قال مالك:"ومن صلى قاعدًا من غير علة أعاد الصلاة"[وقال في موضع آخر (22/ 319) يحكي مذهب مالك: "أن ليس لأحد أن يؤم جالسًا وهو مريض بقوم أصحاء، ومن فعل ذلك فصلاته فاسدة، وعليهم الإعادة"].

ثم حكى قول محمد بن الحسن إلى أن قال عنه: "وصلاة من صلى خلفه ممن حكمه القيام باطلة، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: صلاته وصلاتهم جائزة".

وانظر كلامه في الاستذكار (2/ 176)، وكان مما قال: "وأخبرنا عن العلة الموجبة لقيام أبي بكر وقيام الناس معه، بعد أن كان هو الإمام في أول تلك الصلاة، وأنهما لم يكونا إمامين في صلاة واحدة، كما زعم من أراد إبطال الحديث بذلك، وأن ذلك إنما كان لأن الإمام يحتاج أن يُسمع من خلفه تكبيره، ويُظهر إليهم أفعاله، وكانت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه حال من يضعف عن ذلك، فأقام أبا بكر إلى جنبه لينوب عنه في إسماع الناس التكبير، ورؤيتهم لخفضه ورفعه، ليقتدوا به في حركاته وهو جالس، والناس وأبو بكر وراءه قيام.

وصحت بذلك النكتة التي بان فيها أن صلاة القائم خلف الإمام المريض جائزة، وأن قوله:"فصلوا جلوسًا" منسوخ".

وقال في التمهيد (22/ 315) أيضًا عن حديث صلاة أبي بكر بالناس: "وفي هذا الحديث نسخ لقوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة صلى جالسًا، وأبو بكر إلى جنبه قائمًا يصلي بصلاته، ويقتدي به، والناس يصلون ويقتدون بأبي بكر قيامًا، ومعلوم أن صلاته هذه في مرضه الذي توفي منه، وأن قوله: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا" كان في حين سقط من فرسه فجحش شقه قبل هذا الوقت، والآخر من فعله ينسخ الأول، لأنه كان جالسًا في هذه الصلاة، وأبو بكر قائم خلفه والناس، فلم يأمر أبا بكر بالجلوس ولا أحدًا غيره، وهذا بيِّن غير مشكل، والحمد لله.

ومع هذا فإن النظر يعضد هذا الحديث، لأن القيام فرض في الصلاة بإجماع المسلمين على كل من قدر على القيام، وأظن ذلك أيضًا لقول الله عز وجل:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وإذا كان القيام فرضًا في الصلاة على كل أحد في خاصته، فمحال أن يسقط عنه فرض قد وجب عليه لضعف غيره عنه وهو قوي عليه؛ إلا أن يسقط بكتاب

ص: 79

أو سنة أو إجماع، وذلك معدوم في هذه المسألة، ألا ترى أنه لا يحمل عنه ركوعًا ولا سجودًا، فإن احتج محتج بأن الآثار متواترة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الإمام:"إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، رواها أنس وعائشة وأبو هريرة وجابر وابن عمر، قيل له: لسنا ندفع ثبوت تلك الآثار، ولكنا نقول: إن الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم ينسخ ذلك، فإن قيل له: إنه قد اختلف عن عائشة في صلاته تلك، فروي عنها أن أبا بكر كان المقدم، قيل له: ليس هذا باختلاف، لأنه قد يجوز أن يكون أبو بكر هو المقدم في وقت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم في وقت آخر، وقد روى الثقات الحفاظ أن أبا بكر كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بصلاته، والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر، فهذه زيادة حافظ وصف الحال، وأتى بالحديث على وجهه".

قلت: مال بذلك ابن عبد البر إلى قول الشافعي.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 327): "وعلى هذا أكثر الآثار الصحاح: على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المتقدم، وأن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 151 - 158): "وقد اختلف العلماء في صلاة القادر على القيام خلف الجالس:

فقالت طائفة: لا يجوز ذلك بالكلية، هذا قول: محمد بن الحسن، والحسن بن حي، ومالك -في ظاهر مذهبه-، والثوري، في رواية عنه.

وتعلق بعضهم بحديث مرسل، رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يؤمن أحد بعدي جالسًا".

وجابر: لا يحتج بما يسنده، فكيف بما يرسله؟ وقد طعن في حديثه هذا: الشافعي، وابن أبي شيبة، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم.

وروى سيف بن عمر الضبي: ثنا سعيد بن عبد الله الجمحي، عن أبيه، عن محمد بن

مسلمة، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكوى اشتكاه، وحضرت الصلاة، فصلى بنا

جالسًا ونحن قيام، فلما انصرف قال:"إذا صلى إمامكم جالسًا فصلوا جلوسًا"، وكنا نفعل ذلك حتى حج حجته، فنهى فيها أن يؤم أحد قومًا وهو جالس.

خرجه القاضي محمد بن بدر في كتاب المناهي، وهو حديث باطل، وسيف هذا مشهور بالكذب.

وقالت طائفة: يجوز أن يصلي القادر على القيام خلف الإمام الجالس العاجز عن القيام بكل حال، وهو قول: أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر، وابن المبارك، والثوري، ومالك -وفي رواية عنهما-، والأوزاعي، والشافعي، وغيرهما.

واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في ذلك، فالمشهور عنه: أنه لا يجوز أن يأتم القادر على القيام بالعاجز عنه، إلا أن يكون العاجز إمام الحي، ويكون جلوسه لمرض يرجى برؤه، ويأتمون به جلوسًا، كما سيأتي إن شاء الله.

ص: 80

ونقل عنه الميموني: أنه لا يجوز ذلك إلا خلف الإمام الأعظم خاصة، إذا كان مرضه يرجى برؤه.

وروي عنه ما يدل على جواز الائتمام بالجالس مطلقًا، لكن إن كان إمام الحي ورجي زوال علته صلوا وراءه جلوسًا، وإن كان غير ذلك صلوا وراءه قيامًا.

واختلف القائلون بجواز اقتداء القادر على القيام بالجالس: هل يصلي وراءه جالسًا، أو قائمًا؟

فقالت طائفة: يصلي وراءه قائمًا، هذا قول: المغيرة، وحماد، وأبي حنيفة، والثوري، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأبي ثور.

واعتمدوا على أقيسة أو عمومات، مثل قوله:"صلِّ قائمًا، فإن لَمْ تستطع فقاعدًا".

وتبعهم على ذلك طائفة من المحدثين: كالحميدي والبخاري، وادعوا نسخ أحاديث الأمر بالجلوس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته قاعدًا والناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس، كما قرره البخاري، وحكاه عن الحميدي.

وقال آخرون: بل يصلي القادر على القيام خلف الإمام الجالس جالسًا، هذا هو المروي عن الصحابة، ولا يعرف عنهم اختلاف في ذلك.

وممن روي عنه ذلك من الصحابة: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، ومحمود بن لبيد، ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك، بل كانوا يفعلون ذلك في مساجدهم ظاهرًا، ولم ينكر عليهم عملهم صحابي ولا تابعي".

ثم ذكر هذه الآثار، ثم قال:"قال الإمام أحمد: فعله أربعة من الصحابة: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة. قال: ويروى عن خمسة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، ولا أعلم شيئًا يدفعه.

وهذا من علمه وورعه رضي الله عنه، فإنه إنما دُفع ذلك بالنسخ وهي دعوى مردودة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وكان الإمام أحمد يتورع عن إطلاق النسخ؛ لأن إبطال الأحكام الثابتة بمجرد الاحتمالات مع إمكان الجمع بينها وبين ما يُدَّعى معارضها غير جائز، وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك، ولم يجز دعوى النسخ معه، وهذه قاعدة مطردة.

وهي: أننا إذا وجدنا حديثًا صحيحًا صريحًا في حكم من الأحكام، فإنه لا يُرَدُّ باستنباطٍ من نص آخر لم يُسَقْ لذلك المعنى بالكلية، فلا ترد أحاديث تحريم صيد المدينة بما يستنبط من حديث النُّغَير، ولا أحاديث توقيت صلاة العصر الصريحة بحديث:"مثلكم فيما خلا قبلكم من الأمم كمثل رجل استاجر أجراء. . . " الحديث، ولا أحاديث:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" بقوله: "فيما سقت السماء العشر"، وقد ذكر الشافعي أن هذا لم يُسَق لبيان قدر ما يجب منه الزكاة، بل لبيان قدر الزكاة، وما أشبه هذا.

وممن ذهب إلى أن المأموم يصلي جالسًا خلف الإمام الجالس بكل حال من

ص: 81

العلماء: الأوزاعي، وحماد بن زيد، وأحمد، وإسحاق، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن حبان، ونقله إجماعًا قديمًا من السلف، حتى قال في صحيحه: أول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدًا إذا صلى إمامه جالسًا: المغيرة بن مقسم، وعنه أخذ أبو حنيفة.

وأما دعوى النسخ في هذا: فقد بينا أنه لا يجوز دعوى بطلان الحكم مع إمكان العمل به ولو بوجه، وسنبين وجه العمل به، والجمع بين ما ادُّعي عليه التعارض إن شاء الله تعالى.

ويدل على أن الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد غير منسوخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم علله بعلل لم تنسخ، ولم تبطل منذ شرعت.

ومنها: أنه علله بأن الإمام إنما جعل إمامًا ليؤتم به ويُقتدى به في أفعاله، وقال:"إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون"، وما قبل الصلاة جلوسًا لم ينسخ منه شيء، فكذلك القعود؛ لأن الجميع مرتَّب على أن الإمام يؤتم به ويقتدى به.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إنما الإمام جنة، فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإذا وافق قولُ أهلِ الأرض قولَ أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه".

ومعنى كونه جنة: أنه يُتَّقى به ويستتر، ولهذا إذا سلمت سترته لم يضر ما مر بين يديه، كما سبق تقريره.

ومنها: أنه جعل القعود خلفه من طاعة الأمراء، وطاعة الأمراء من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعته من طاعة الله، ومعلوم: أنه لم ينسخ من هذه شيء، بل كلها باقية محكمة إلى يوم القيامة،. . . [ثم ساق حديث ابن عمر المتقدم، ثم قال:] وهذا يصلح أن يكون متمسكًا للإمام أحمد في تخصيصه ذلك بإمام الحي؛ فإن أئمة الحي إنما ينصبهم الأئمة غالبًا، وخصه -في رواية عنه- بالإمام الأعظم الذي تجب طاعته.

ومنها: أنه جعل القيام خلف الإمام الجالس من جنس فعل فارس والروم بعظمائها، حيث يقومون وملوكُهم جلوس، وشريعتنا جاءت بخلاف ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار".

وقال عمر بن عبد العزيز للناس: أيها الناس، إن تقوموا نَقُم، وإن تجلسوا نجلس، فإنما يقوم الناس لرب العالمين.

وهذا حكم مستقر في الشريعة، لم يُنسَخ ولم يُبدَّل.

وقد دل على ما ذكرناه:. . . [ثم ساق حديث أبي الزبير عن جابر، عند مسلم، وتقدم برقم (606)، وحديث أبي سفيان عن جابر، المتقدم برقم (602)، ثم قال:]

ص: 82

وأما الكلام على دعوى النسخ، على قول من قال: إن أبا بكر كان مأمومًا:

فأما على قول من قال: إنه كان إمامًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتم به، كما تقدم عن مالك وغيره، فلا دلالة في الحديث حينئذ على أن الائتمام بالقاعد بالكلية.

وأما من قال: إن الإمام كان هو النبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله الشافعي، والإمام أحمد، والبخاري، والأكثرون، فالجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث المتقدمة التي فيها الأمر بالجلوس في الصلاة من وجهين:

أحدهما -وهو الذي ذكره الإمام أحمد-: أن المؤتمين بأبي بكر ائتموا بإمام ابتدأ بهم الصلاة وهو قائم، ثم لما انتقلت منه الإمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم انتقلوا إلى الائتمام بقاعد، فأتموا خلفه قيامًا لابتدائهم الصلاة خلف إمام قائم.

فعلى هذا التقرير نقول: إن ابتدأ بهم الإمام الصلاة جالسًا صلوا وراءه جلوسًا، وإن ابتدأ بهم قائمًا ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قيامًا، هكذا قرره الإمام أحمد وأصحابه.

ومنهم من قال: إنه تصح هنا صلاة المأمومين خلفه قيامًا إذا جلس في أثناء صلاته لعلة، وسواء كان إمام حي أو لم يكن، بخلاف ابتداء صلاة القائم خلف الجالس، فإنها لا تصح عند الإمام أحمد؛ إلا إذا كان إمام الحي، وجلس لمرض يرجى برؤه خاصة، فإنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء.

وممن قال ذلك من أصحابنا: أبو الفتح الحلواني.

والثاني: أن تحمل أحاديث الأمر بالقعود على الاستحباب، وحديث صلاته في مرضه من غير أمر لهم بالجلوس على جواز أن يأتموا بالقاعد قيامًا، فيكون المأمومون مخيرين بين الأمرين، وإن كان الجلوس أفضل.

وهذا يتخرج على قول من قال: إنهم إذا ائتموا بالجالس قيامًا صحت صلاتهم، وقد اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين.

وظهر لي وجه ثالث في الجمع بين هذه الأحاديث، وهو متجه على قول الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمامًا لأبي بكر، وكان أبو بكر إمامًا للناس، فكانت تلك الصلاة بإمامين.

وحينئذ فيقال: لما اجتمع في هذه الصلاة إمامان، أحدهما جالس والآخر قائم صلى المأمومون خلفهما قيامًا اتباعًا لإمامهم القائم؛ فإن الأصل القيام، وقد اجتمع موجب للقيام عليهم، وموجب للقعود أو مبيح له، فغلب جانب القيام؛ لأنه الأصل، كما إذا اجتمع في حِلِّ الصيد أو الأكل مبيح وحاظر، فإنه يغلب الحظر.

وأما أبو بكر فإنه إنما صلى قائمًا؛ لأنه وإن ائتم بقاعد إلا أنه أمَّ قادرين على القيام، وهو قادر عليه، فاجتمع في حقه أيضًا سببان: موجب للقيام، ومسقط له، فغلب إيجاب القيام، والله سبحانه وتعالى أعلم".

وانظر أيضًا: شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 313)، شرح السنة للبغوي

ص: 83

(3/ 422)، الاعتبار للحازمي (1/ 411 - 421)، المغني (2/ 27)، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (2/ 46)، المجموع (4/ 231)، الذخيرة (2/ 246)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 564)، طرح التثريب (2/ 356)، فتح الباري لابن حجر (2/ 152 و 175).

2 -

هل يتابع المأموم الإمام في كل أفعاله وأقواله؟

قال ابن رجب في الفتح (4/ 284): "وقوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" قد فسره بمتابعة الإمام في أقواله وأفعاله.

وقد أدخل طائفة من العلماء متابعته في نيته، وقد سبق القول في ذلك.

وأدخل بعضهم أيضًا متابعته في ترك بعض أفعال الصلاة المسنونة، كرفع اليدين، فقال: لا يرفع المأموم يديه إلا إذا رفع الإمام، وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة.

والجمهور على خلاف ذلك، وأن المأموم يتابع إمامه فيما يفعله، ويفعل ما تركه من السنن عمدًا أو سهوًا، كرفع اليدين والاستفتاح والتعوذ والتسمية وغير ذلك، فيما لا يفعله بعض الأئمة معتقدًا له، فكل هذا يفعله المأموم، ولا يقتدي بإمامه في تركه.

ومما يدخل في ائتمام المأموم بإمامه: أنه لا يتخلف عنه تخلفًا كثيرًا، بل تكون أفعال المأموم عقب أفعال إمامه، حتى السلام.

وقد نص أحمد على أن الإمام إذا سلم وقد بقي على المأموم شيء من الدعاء، فإنه يسلم معه، إلا أن يكون بقي عليه شيء يسير، فيأتي به ويسلم، واستدل بقوله:"إنما الإمام ليؤتم به"".

وانظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (25 و 311 و 647)، الأوسط لابن المنذر (3/ 322) و (4/ 234)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 311)، المغني (1/ 363 و 388)، شرح مسلم للنووي (4/ 132)، المجموع شرح المهذب (4/ 142)، فتح القدير لابن الهمام (1/ 395 و 474).

3 -

هل تكون أفعال المأموم مقارنة لأفعال الإمام أم تكون بعد فراغه منها؟

قال في المغني (1/ 309): "والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرفع والوضع بعد فراغ الإمام منه، ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم، واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام".

وقال ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 555): "الفاء تقتضي التعقيب، فتقتضي أن تكون أفعال المأموم عقب أفعال الإمام القولية والفعلية، فنبه صلى الله عليه وسلم بالتكبير والتسميع على القولية، وبالركوع والرفع على الفعلية".

قلت: جاء النهي في أحاديث الباب عن مقارنة الإمام في أفعاله، ففي حديث أبي هريرة:"إنما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتى يكبِّرَ، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع،. . . وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد"، وفي حديث أبي موسى: "فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم،

ص: 84