الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا (5/ 75): "على المرأة أن تخمر في الصلاة جميع بدنها سوى وجهها وكفيها"، وقال في الإقناع (1/ 144):"وتستر المرأة جميع بدنها غير كفيها ووجهها".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 201): "والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها،
…
وقال الشافعي: ما عدا وجهها وكفيها عورة، فإن انكشف ذلك منها في الصلاة أعادت،
…
".
وانظر: الاستذكار (2/ 194)، التمهيد (6/ 364)، شرح السنة (2/ 436)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 309)، المغني (1/ 350)، المجموع (3/ 169).
***
86 - باب ما جاء في السدل في الصلاة
643 -
. . . ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء -قال إبراهيم-: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدْل في الصلاة، وأن يُغطِّيَ الرجل فاه.
قال أبو داود: رواه عِسْلٌ، عن عطاء، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة.
• حديث ضعيف.
أما حديث ابن المبارك: فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 293)، وابن خزيمة (1/ 379/ 772) و (2/ 60/ 918)، وابن حبان (6/ 117/ 2353)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 1629/264) و (5/ 57/ 2382)، وابن عدي في الكامل (2/ 317)، والبيهقي (2/ 242)، والبغوي في شرح السنة (2/ 426/ 519).
قال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة الحسن بن ذكوان: "وقوله: نهى عن السدل في الصلاة، كنا نعرفه من حديث عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة، وهذا الحسن بن ذكوان قد رواه عن سليمان عن عطاء".
وقال ابن مفلح في المبدع (1/ 374): "رواه أبو داود بإسناد حسن".
• هكذا رواه عن ابن المبارك: أبو كريب محمد بن العلاء [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن موسى بن يزيد [ثقة حافظ متقن]، ومحمد بن مقاتل المروزي [ثقة]، وحبان بن موسى المروزي [ثقة]، وسريج بن النعمان الجوهري [ثقة]، ومحمد بن عيسى الدامغاني [روى عنه جماعة من الأئمة الحفاظ، مثل النسائي وابن خزيمة وابن جرير الطبري وأبو بكر بن أبي
داود، وروى عنه أبو حاتم، وقال:"يكتب حديثه"، قلت: هو صدوق. الجرح والتعديل (8/ 39)، التهذيب (3/ 668)]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ؛ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث].
وخالفهم: عبدان [عبد الله بن عثمان بن جبلة: ثقة حافظ، من أصحاب ابن المبارك]، قال: أنبأ عبد الله: أنبأ الحسين بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل، وأن يغطي الرجل فاه.
أخرجه الحاكم (1/ 253)(1/ 123/ ب- رواق المغاربة)، قال: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي: أنبأ أبو الموجه [محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري المروزي: حافظ ثقة مصنف. الجرح والتعديل (8/ 35)، تذكرة الحفاظ (2/ 615)، السير (13/ 347)]: أنبأ عبدان به.
وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجا فيه تغطية الرجل فاه في الصلاة".
وكذا هو في تلخيص المستدرك للذهبي، بل قيده بالمعلم، فقال:"حسين المعلم".
قلت: قوله الحسين بن ذكوان: وهمٌ؛ إما من الحاكم نفسه، وإما من شيخه الحسن بن محمد بن حليم بن إبراهيم بن ميمون الصائغ، الحليمي المروزي: حدث بمسند أبي الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، روى عنه: الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الله ابن منده [الإكمال (2/ 492)، الأنساب (2/ 250)، تاريخ الإسلام (26/ 159)].
ولا أظن أن عبدان قد خالف جماعة الثقات الحفاظ الذين رووه عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان، فالأصل متابعته لهم، وإنما الحمل فيه على من دونه، والله أعلم.
• وهذا الحديث إنما يعرف بالحسن بن ذكوان، وليس من حديث الحسين بن ذكوان المعلم، فكما ترى هكذا رواه عن ابن المبارك جماعة الثقات الحفاظ، وأخرجه ابن عدي في ترجمة الحسن بن ذكوان، وكذلك فإن ابن حجر لما تعقب الحاكم في الإتحاف (15/ 375/ 19512) قال:"لم يحتج مسلم بالحسن بن ذكوان، وهو ضعيف، لم يخرج له البخاري سوى شيء يسير في غير الاحتجاج، فيما أظن"، فلعله كان في نسخة المستدرك التي وقعت للحافظ: الحسن بن ذكوان، مصححة، والله أعلم.
وممن وقع له هذا الوهم أيضًا، فجعله عن الحسين بن ذكوان المعلم: المزي في التهذيب (6/ 372)، وفي الأطراف (10/ 261/ 14178).
• وقد اختلف في هذا الحديث على الحسن بن ذكوان:
1 -
فرواه ابن المبارك [ثقة حافظ، إمام متقن]، عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
2 -
ورواه ميمون بن زيد [لين الحديث. اللسان (8/ 238)]، ومحمد بن راشد [التميمي ثم المنقري، البصري المكفوف: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان
في الثقات، وقال الدارقطني:"محمد بن راشد الضرير: بصري، يحدث عن روح بن القاسم، ويونس بن عبيد: ليس بالقوي، يعتبر به". التهذيب (3/ 559)، سؤالات البرقاني (431)، اللسان (7/ 131 - 132)، فرق بينهما الذهبي، وجعلهما ابن حجر واحدًا، وهو الأقرب] [وأما قول ابن معين (293 - رواية الدقاق):"محمد بن راشد الأعمى: ثقة" فأظنه أراد المكحولي، والله أعلم]:
عن الحسن بن ذكوان، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. هكذا بإسقاط سليمان الأحول من الإسناد.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 293)، وابن ماجه (966) بطرفه الثاني فقط.
والبزار (16/ 186/ 9305) بتمامه.
قال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 450 - ط مكتبة ابن عباس)(5/ 1647 - ط الباز): "هذا حديث إسناده صحيح، وضعفه بعضهم بالحسن بن ذكوان، وهو غير جيد؛ لثبوت حديثه في صحيح البخاري".
3 -
ورواه يحيى بن أبي كثير [ثقة ثبت]، عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي فاه. هكذا مرسلًا.
أخرجه أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه في السادس من حديثه عن شيوخه (11 - بتخريج الدارقطني)، بإسناد صحيح إلى أيوب بن النجار: ثنا يحيى بن أبي كثير به.
فالراوي عن يحيى: أيوب بن النجار: يمامي ثقة، قد صرح بسماعه لهذا الحديث من يحيى، وقد أخرج له الشيخان عن يحيى حديثًا واحدًا، حديث: حاجَّ موسى آدم [البخاري (4738)، مسلم (2652/ 15)]، وأما قول يحيى بن معين عن أيوب هذا:"وكان يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا: التقي آدم وموسى"، فإنه يحمل على أنه لم يسمع من يحيى حديثًا مسندًا غير حديث: حاجَّ موسى آدم، ولا يمنع أنه سمع منه مقاطيع ومراسيل، وهذا منها، وفي تهذيب الآثار لابن جرير الطبري (898 - الجزء المفقود) بإسناد صحيح: أنه رأى يحيى بن أبي كثير قبض على لحيته، فقال: ما أحب أني سودتها، وأن لي بكل شعرة دينارًا، وكان أحمر اللحية، وأما حديثه عن يحيى في التسمية على الوضوء فلا يصح إلى أيوب، فضلًا عن كونه لم يسمعه منه، وقد سبق أن خرجته في الذكر والدعاء (1/ 101/ 55) [انظر: تحفة الأشراف (11/ 65/ 15361)، التهذيب (1/ 209)، هدي الساري (392)].
وعلى هذا فإن الحسن بن ذكوان هذا قد اضطرب في إسناد هذا الحديث، نعم الوجه الثاني في ثبوته عنه نظر، لكن اختلف عليه إمامان كبيران: ابن المبارك ويحيى بن أبي كثير، وأكبر ظني أنه حدث به ابن المبارك مجودًا، ثم أبان عن علته لما حدث به يحيى بن أبي كثير.
والحسن بن ذكوان، أبو سلمة البصري: تقدم الكلام عنه بالتفصيل عند الحديث رقم (11)، وحاصل أمره: أنه يتجنب من روايته ما كان عن حبيب بن أبي ثابت؛ فإن أحاديثه عنه أباطيل، كما قال الإمام أحمد؛ فإنه لم يسمعها من حبيب وإنما هي أحاديث عمرو بن خالد الواسطي الكذاب، وكذا ما كان من روايته عن عبد الواحد بن قيس فإنه يحدث عنه بالعجائب، والثالث: ما رواه بصيغة من صيغ التدليس [وانظر أيضًا في أدلة تدليس الحسن بن ذكوان: الحديث المتقدم برقم (27)، فقد أقر على نفسه بالتدليس]، وما عدا ذلك فهو صالح الحديث؛ إذا لم يأت بمنكر، ولم يخالف الثقات.
وحديثه هذا مردود؛ فإنه قد اضطرب فيه، وروايته المرسلة أشبه بالصواب، ولم يصرح فيه بالسماع من سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول، فما يدرينا أنه سمعه منه، بل وفي تفرده عنه نظر، ولا تغني عنه متابعة عسل بن سفيان؛ فإنه أضعف منه، والله أعلم.
وحديث الحسن بن ذكوان هذا قد ضعفه جماعة:
قال ابن المنذر: "وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان: فقد ضعفه بعض أصحابنا، وضعف الحسن بن ذكوان".
• وأما حديث عِسْل بن سفيان:
فقد رواه حماد بن سلمة، ووهيب بن خالد، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة [وهو غريب من حديثه، تفرد به عنه: سعيد بن عامر الضبعي]:
عن عسل بن سفيان [ضعيف]، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة.
أخرجه الترمذي (378)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 299/ 350)، والدارمي (1/ 370/ 1379)، وابن حبان (6/ 67/ 2289)، وأحمد (2/ 295 و 341 و 345 و 348)، وابن أبي شيبة (2/ 63/ 6487)، والبزار (16/ 180/ 9295)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3332)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 60/ 2387)، والبيهقي (2/ 242)، والبغوي في شرح السنة (2/ 426/ 518)، والمزي في التهذيب (20/ 55).
قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه عن عسل غير واحد، منهم: حماد بن سلمة".
• هكذا رواه عن سعيد بن أبي عروبة: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [ثقة، من أروى الناس عن ابن أبي عروبة، وقد روى عنه في الصحة والاختلاط، ولم يميز بينهما]، وسعيد بن عامر الضبعي [ثقة]، وغندر محمد بن جعفر [ثقة، روى عن ابن أبي عروبة بعد الاختلاط][انظر: شرح علل الترمذي (2/ 699 و 743)، الكواكب النيرات (25)].
وخالفهم: أبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان [وهو: ضعيف]، فقال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عامر الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 70/ 1280).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عامر إلا سعيد، تفرد به أبو بحر".
قلت: هو منكر بهذا الإسناد، وإنما هو عسل بن سفيان، بدل: عامر الأحول.
وقد وهم أبو بحر البكراوي في هذا الإسناد في موضعين:
الأول: أن ابن أبي عروبة إنما يرويه عن عسل بن سفيان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة به مرفوعًا [وانظر: علل الدارقطني (8/ 337/ 1608)].
الثاني: أن عامرًا الأحول إنما يرويه عن عطاء مرسلًا، هكذا رواه عنه هشيم [كما عند: أبي عبيد في غريب الحديث (4/ 374)، والبيهقي (2/ 242)، ويأتي].
• هكذا روى هذا الحديث: حماد بن سلمة، ووهيب بن خالد، وسعيد بن أبي عروبة: عن عسل بن سفيان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
وخالفهم: هشام الدستوائي [ثقة ثبت]، فرواه عن عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة موقوفًا.
ذكره الدارقطني في العلل (8/ 338/ 1608).
وهذا الاختلاف إنما هو من عسل بن سفيان؛ فإنه ضعيف، والحمل عليه فيه.
قال الترمذي: "حديث أبي هريرة لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان".
وقال ابن المنذر: "حديث السدل في الصلاة معروف من حديث عسل بن سفيان"، ثم أسنده ثم قال:"أما حديث عسل: فغير ثابت، كان يحيى بن معين يضعف حديثه، وقال محمد بن إسماعيل: عسل يقال له: أبو قرة، عنده مناكير، وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان، فقد ضعفه بعض أصحابنا، وضعف الحسن بن ذكوان، وعن جابر [كذا في المطبوعة، ولعلها تصحفت عن: والأحوط] إذا كان الحديث هكذا أن يحظر السدل على المصلي، وعلى غير المصلي".
قلت: كلام الترمذي وابن المنذر وابن عدي يُشعر بغرابة حديث الحسن بن ذكوان، إذ إن حديث السدل إنما يُعرف به عسل بن سفيان.
ونقل ابن قدامة في المغني (1/ 340) عن ابن المنذر قوله: "لا أعلم فيه حديثًا يثبت".
وقال الدارقطني في العلل (8/ 338/ 1608): "وفي رفعه نظر؛ لأن ابن جريج روى عن عطاء بن أبي رباح: أنه كان يسدل في الصلاة".
وقال أبو داود بعد أن أخرج من طريق: ابن جريج، قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلًا، قال أبو داود:"وهذا يُضعِّف ذلك الحديث".
ونقل النووي في المجموع (3/ 179) عنه قوله: "لا أعلم في النهي عن السدل خبرًا يثبت؛ فلا نهي عنه بغير حجة".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 149) عن السدل: "وفي كراهته أحاديث مرفوعة في أسانيدها مقال".
• قال البيهقي: "وصله الحسن بن ذكوان عن سليمان عن عطاء، وعسل عن عطاء، وأرسله عامر الأحول عن عطاء".
قلت: أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 374)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 242).
من طريق: هشيم: أنبأ عامر الأحول، قال: سألت عطاء عن السدل؟ فكرهه، فقلت: أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم.
تابعه معمر، لكن شك في عامر، أخرجه عبد الرزاق (1/ 365/ 1427).
قال البيهقي: "وهذا الإسناد وإن كان منقطعًا؛ ففيه قوة للموصولين قبله، وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلًا، وكأنه نسي الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكان لا يفعله خيلاء، والله أعلم، وقد روي من أوجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (129): "فلعل هذا كان قبل أن يبلغه الحديث، ثم لما بلغه رجع، أو لعله نسي الحديث، والمسألة مشهورة، وهو عمل الراوي بخلاف روايته هل يقدح في روايته، والمشهور عن أحمد وأكثر العلماء أنه لا يقدح فيها؛ لما تحتمله المخالفة من وجوه غير ضعف الحديث".
قلت: عامر بن عبد الواحد الأحول البصري: تقدم تفصيل القول فيه تحت الحديث المتقدم برقم (502)، وكان مما قلت هناك: أن الذين عدَّلوه لم يرفعوه إلى طبقة الثقات الضابطين، بل جعلوه في المرتبة الثانية أو الثالثة تقريبًا، والذين جرحوه لم ينزلوا به إلى مرتبة الضعفاء الذين كثر خطؤهم حتى غلب عليهم، بل ليَّنوه بألفاظ الجرح الخفيفة، مما يدل على أن للرجل أوهام احتملها بعضهم فوثقه وفي نفسه منه شيء، والبعض الآخر تكلم فيه لأجلها فليَّنه، وهذا الحديث مما خالف فيه عامر الأحول من هو أثبت منه في عطاء، مثل: ابن جريج، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهما أثبت الناس في عطاء، فروياه عنه مقطوعًا عليه بخلافه، وأهل بلد الرجل وأعلم الناس بحديثه قولهم أولى بالصواب من قول الغرباء الذين تُكُلم في حفظهم، مثل: عامر الأحول، والحسن بن ذكوان، وعسل بن سفيان.
• هكذا روى هذا الحديث موصولًا: الحسن بن ذكوان [واختلف عليه فيه، والأشبه عنه: إرساله]، وعسل بن سفيان [واختلف عليه فيه، وقد اضطرب فيه: فرفعه مرة، وأوقفه مرة].
وأرسله عامر الأحول، فرواه عن عطاء مرسلًا.
ورواه أثبت أصحاب عطاء: ابن جريج وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وتابعهما: ثور الهمداني، فرووه عن عطاء فعله وقوله: أنه كان يسدل، مقطوعًا عليه، بخلاف ما تقدم، ويأتي تخريجه.
قال أبو داود بعد أن أخرج من طريق: ابن جريج، قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلًا، قال أبو داود:"وهذا يُضعِّف ذلك الحديث".
وقال الدارقطني في العلل (8/ 338/ 1608): "وفي رفعه نظر؛ لأن ابن جريج روى عن عطاء بن أبي رباح: أنه كان يسدل في الصلاة".
وعلى هذا فإن قول من قال: لعل هذا كان قبل أن يبلغه الحديث، ثم لما بلغه رجع، أو لعله نسي الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكان لا يفعله خيلاء، كل هذا: ضعيف؛ يرده أمور:
الأول: إن مثل هذا لا يخفى على أبي داود وابن المنذر والدارقطني، لا سيما وقد صرح أبو داود بأن رواية ابن جريج عن عطاء فعله: تضعِّف حديث الحسن بن ذكوان، وحديث عسل بن سفيان، وصرح ابن المنذر بأنه لا يعلم حديثًا يثبت في الباب، وأعل الدارقطنيُّ المرفوعَ بما ثبت من فعل عطاء.
الثاني: إن مثل هذا قد يقال إذا استوت وجوه الرواية عن عطاء، أو كان راوي الرواية المسندة: أثبت من راوي فعل عطاء وقوله.
الثالث: إن ابن جريج مكي لزم عطاء سبع عشرة سنة، وأخذ عنه علمه، وكان أعلم الناس به وبحديثه، وهو أثبت الناس فيه، فكيف يقال بأن روايته عن عطاء أنه كان يصلي سادلًا: كانت قبل أن يبلغه الخبر، أو كانت بعد أن بلغه ونسيه.
الرابع: إن عطاء نفسه قد أثنى على ابن جريج، وحض الناس على الأخذ عنه.
الخامس: إن ابن جريج لم ينفرد بذلك عن عطاء، بل تابعه: عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [ثقة، من أصحاب عطاء]، وثور الهمداني [مولى لبني مرهبة، كوفي، روى عن إبراهيم التيمي وعطاء، روى عنه: مسعر والثوري، وقال أبو داود ويعقوب بن سفيان: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (2/ 181)، الجرح والتعديل (2/ 469)، سؤالات الآجري (132)، المعرفة والتاريخ (3/ 234)، الثقات (6/ 129)].
***
644 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلًا.
قال أبو داود: وهذا يُضعِّف ذلك الحديث.
• مقطوع على عطاء بإسناد صحيح.
ورواه ابن علية، عن ابن جريج، قال: أكثر ما رأيت عطاء يسدُل.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 63/ 6489)، وإسناده صحيح.
وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: رأيت عطاء يسدل ثوبه وهو في الصلاة.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 362/ 1408). وإسناده صحيح.
ورواه عبد الله بن إدريس، عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء: أنه لم يكن يرى بالسدل بأسًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 63/ 6488). وإسناده صحيح.
ورواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن ثور الهمداني، عن عطاء أنه كان يقول: لا بأس بالسدل.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 362/ 1409). وإسناده صحيح.
• وفي الباب:
1 -
عن ابن مسعود:
روى عبد الرزاق، عن بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبيدة بن عبد الله: أن أباه كره السدل في الصلاة.
قال أبو عبيدة: وكان أبي يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 364/ 1417)، وعنه: المؤمل بن إيهاب في جزئه (14)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 58/ 2384)، والبيهقي (2/ 243).
قال البيهقي: "تفرد به بشر بن رافع، وليس بالقوي".
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير، وبشر: ضعيف، يروي عن يحيى ما لا يتابع عليه [انظر: التهذيب (1/ 227) وغيره].
2 -
عن ابن عباس:
يرويه أبو نعيم، قال: حدثنا عيسى بن قرطاس، قال: حدثني عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم فارفعوا سبلكم؛ فكل شيء أصاب الأرض من سبلكم ففي النار".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 400)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (213)[ووقع عند مرسلًا، بإسقاط ابن عباس من الإسناد]. والعقيلي (3/ 396)، وابن حبان في المجروحين (2/ 118) معلقًا. والطبراني في الكبير (11/ 261/ 11677)، وابن عدي في الكامل (5/ 251)، وأبو نعيم الأصبهاني في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نعيم الفضل بن دكين (51)، والبيهقي في الشعب (5/ 146/ 6130)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على شيخه أبي الحسين الطيوري "الطيوريات" (621) [ووقع عنده:"سدلكم" بدل: "سبلكم"].
قال العقيلي: "وقد روي في كراهية السبل أحاديث من غير هذا الوجه صالحة الأسانيد".
وقال ابن حبان في عيسى بن قرطاس، ولم يذكر له غير هذا الحديث:"كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به".
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عيسى بن قرطاس عن عكرمة، وعيسى: متروك.
3 -
عن أبي جحيفة:
يرويه أبو مالك النخعي، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي سادلًا ثوبه، فعطفه عليه.
أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 588/ 2446 - السفر الثاني)، والبزار (10/ 148/ 4215 - البحر الزخار)(595 - كشف)(307 - مختصر الزوائد)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 23)، والطبراني في الكبير (22/ 133/ 353)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (121)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 334)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2723/ 6499)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 262).
قال البزار: "وهذا الحديث أخطأ فيه أبو مالك، وإنما يرويه الثقات عن علي بن الأقمر، عن أم عطية، وأبو مالك ليس بالحافظ، وإنما يكتب من حديثه ما [لا] ينفرد به".
وقال العقيلي: "لا يتابع عليه".
قلت: هو حديث منكر؛ أبو مالك النخعي: متروك، منكر الحديث.
• خالفه فأرسله: أبو حنيفة [الإمام الفقيه: ضعيف في الحديث]، فرواه عن علي بن الأقمر، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد سدل ثوبه وهو يصلي، فعطف ثوبه عليه.
أخرجه أبو يوسف في الآثار (202)، ومحمد بن الحسن في الآثار (192)، وعبد الرزاق (1/ 363/ 1415).
وهذا أصح؛ فهو مرسل بإسناد ضعيف.
• ورواه أبو الربيع الزهراني [سليمان بن داود العتكي: ثقة]، عن حفص بن أبي داود [هو: حفص بن سليمان القارئ الكوفي]، عن الهيثم بن حبيب، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يصلي، قد سدل ثوبه، فعطفه عليه.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 111 /283)، وابن عدي في الكامل (2/ 381)، والبيهقي (2/ 243)، ورشيد الدين العطار في نزهة الناظر ص (61).
قال البيهقي: "إلا أن حفصًا ضعيف في الحديث، وقد كتبناه من حديث إبراهيم بن طهمان عن الهيثم؛ فإن كان محفوظًا؛ فهو أحسن من رواية حفص القارئ".
قلت: لا أظنه يثبت عن ابن طهمان، فقد ابن عدي بتفرد حفص به.
قال ابن عدي: "وهذا الحديث أيضًا لا يرويه عن الهيثم بن حبيب غير حفص هذا".
• هكذا رواه أبو الربيع الزهراني، وخالفه:
أحمد بن الفرج الجشمي المقرئ الجوري [ضُعِّف. انظر: السير (13/ 40)، اللسان (1/ 575)]، قال: ثنا حفص بن أبي داود، قال: ثنا الهيثم بن حبيب الصيرفي، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي، وقد سدل ثوبه، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعطف عليه ثوبه.
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 193/ 6164)، وفي الصغير (2/ 110/ 867).
قال الطبراني: "لم يروه عن علي بن الأقمر إلا الهيثم، تفرد به: حفص بن أبي داود".
هكذا قال في الصغير، وزاد في الأوسط أنه قد تفرد به عن حفص: أحمد بن الفرج الجشمي.
قلت: حفص بن سليمان القارئ: متروك الحديث، ويبدو أنه قد اضطرب فيه، والله أعلم.
• ورُوي مرسلًا:
وروي نحوه مرسلًا أيضًا عن: مجاهد، وأبي عطية الوادعي، ولا يصح عنهما [انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 363 و 364/ 1416 و 1418)، سنن البيهقي (2/ 243)].
• والحاصل: أنه لا يصح في هذا الباب شيء مرفوع، والله أعلم.
• قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين (7/ 228): "وكره السدل في الصلاة، وهو إرخاء الثوب من المنكبين إلى الأرض".
وقال أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 374)، ونقله عنه البيهقي في السنن (2/ 243):"والسدل: إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فإن ضمه فليس بسدل".
لكن كلام الشافعي في كتاب البويطي [والذي يأتي ذكره في سياق كلام ابن المنذر، وهو عند: البيهقي في السنن (2/ 243)، وفي المعرفة (2/ 99)] يدل على أنه يرى السدل والإسبال واحدًا؛ لاحتجاجه في ذلك بحديث أبي بكر الصديق في إسبال الإزار، والله أعلم.
لذا قال الخطابي في المعالم (1/ 154)، والبغوي في شرح السنة (2/ 427)، والنووي في المجموع (3/ 178):"السدل: إرسال الثوب حتى يصيب الأرض"، وذهب إلى هذا من الحنابلة: ابن عقيل، ولذا خرجت حديث ابن عباس في هذا الباب لهذا المعنى، مع وروده بلفظ السدل أيضًا.
وانظر: تهذيب اللغة (2/ 1659 - معجمه)، مشارق الأنوار (2/ 211)، النهاية (2/ 355)، لسان العرب (11/ 333)، اقتضاء الصراط المستقيم (130).
• ومن فقه الباب:
قال مالك في المدونة (1/ 108): "لا بأس بالسدل في الصلاة، وإن لم يكن عليه قميص؛ إلا إزار ورداء، فلا بأس أن يسدل"، وقال:"ورأيت بعض أهل العلم يفعل ذلك"، وقال:"ورأيت عبد الله بن الحسن يفعل ذلك".
قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد (279): "قلت لأحمد بن حنبل: السدل في الصلاة؟ قال: ما أكثر ما جاء فيه من الكراهة.
وكثيرًا ما رأيت أحمد يصلي سادلًا، وذلك أنه كان له كساء صغير مربع، فكان يعطفه عليه، فيسقط طرفه عن عاتقه الأيسر إذا ركع أو سجد، فربما كثر عليه فيتركه".
وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (405): "ورأيت أحمد يصلي، قد سدل كساءه وأمسك ناحيته بيديه، فإذا رفع رأسه من الركوع خلى عنهما إلى أن يسجد".
وقال صالح في مسائله لأبيه (293): "وسألته عن السدل؟ قال: يلبس الثوب، فإذا لم يطرح أحد طرفيه على الآخر فهو سدل، فلا يصلي وهو مسدل ثوبه".
وقال ابن هانئ في مسائله لأحمد (288): "سألته عن السدل؟ قال: أن يرخي الرجل ثوبه على عاتقه، ثم لا يمسه، هذا السدل مكروه".
قال الترمذي: "وقد اختلف أهل العلم في السدل في الصلاة، فكره بعضهم السدل في الصلاة، وقالوا: هكذا تصنع اليهود، وقال بعضهم: إنما كره السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، فأما إذا سدل على القميص فلا بأس، وهو قول أحمد، وكره ابن المبارك السدل في الصلاة".
وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 264): "كثير من أهل العلم يكره تغطية الفم في الصلاة، وممن روي عنه أنه كره ذلك: ابن عمر، وأبو هريرة، وبه قال: عطاء، وابن المسيب، والنخعي، وسالم بن عبد الله، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، واختلف فيه عن الحسن: فروي عنه أنه كره ذلك، وذكر الأشعث أنه كان لا يرى به بأسًا".
ثم قال: "وكل من أحفظ عنه من أهل العلم يكره التلثم وتغطية الفم في الصلاة إلا الحسن، فإنه كره التلثم، ورخص في تغطية الفم، وممن كره تغطية الفم: عطاء، والشعبي، والنخعي، وسالم بن عبد الله، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، وأصحاب الرأي، وكره ابن عمر، وسعيد، والحسن البصري، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق: التلثم في الصلاة".
وقال أيضًا (5/ 57): "وقد اختلف أهل العلم في السدل في الصلاة: فكرهت طائفة ذلك، فممن روينا عنه أنه كره ذلك: عبد الله بن مسعود، ومجاهد، والنخعي، وعطاء، وسفيان الثوري، وروينا عن علي بن أبي طالب أنه خرج وهم يتناولون ثيابهم [كذا، وفي مصنف عبد الرزاق (1/ 1423/364): "رأى قومًا سادلين"، وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 62/ 6481)، وغريب الحديث لأبي عبيد (4/ 373 - 374)، وسنن البيهقي (2/ 243): "رأى قومًا يصلون وقد سدلوا"]، فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فُهْرهم"، ثم قال: "وقال محارب بن دثار: كانوا يكرهون السدل في الصلاة.
ورخصت طائفة في السدل في الصلاة، وممن روي عنه أنه فعل ذلك: جابر بن عبد الله، وابن عمر،
…
، وكان عطاء ومكحول والزهري يفعلون ذلك، وكان الحسن وابن سيرين يسدلان على قميصهما، وحكي عن مالك أنه قال: لا بأس بالسدل، قال مالك: رأيت عبد الله بن الحسن يسدل.
وفيه قول ثالث: قاله النخعي، قال: لا بأس بالسدل على القميص، وكرهه على الأزر.
وقد حكي عن الشافعي غير ذلك كله، حكي أنه قال: ولا يجوز السدل في الصلاة، ولا في غير الصلاة للخيلاء، فأما السدل لغير الخيلاء فهو خفيف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وقال له: إن إزاري يسقط من أحد شقي، فقال له:"لست منهم".
ثم ضعف ابن المنذر حديث عسل بن سفيان، ثم قال: "
…
[فالأحوط] إذا كان الحديث هكذا: أن يحظر السدل على المصلي، وعلى غير المصلي".
وقال الطحاوي في اختلاف العلماء (1/ 206 - مختصره للجصاص): "كره أصحابنا السدل في الصلاة، وهو قول الثوري، قال أبو يوسف والثوري: والسدل أن ترخي طرف ثوبك بين يديك، كما تصنع اليهود.
وقال الشافعي: لا يجوز السدل في الصلاة، ولا في غيرها، فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف.
وقال مالك: لا بأس بالسدل في الصلاة وغيرها".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 154): "السدل: إرسال الثوب حتى يصيب الأرض،
…
، ويشبه أن يكونوا إنما فرقوا بين إجازة السدل في الصلاة وبينه في غير الصلاة؛ لأن المصلي ثابت في مكانه لا يمشي في الثوب الذي عليه، فأما غير المصلي فإنه يمشي فيه ويسدله، وذلك من الخيلاء المنهي عنه
وقوله: وأن يغطي الرجل فاه: فإن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك في الصلاة؛ إلا أن يعرض للمصلي التثاؤب، فيغطي فمه عند ذلك، للحديث الذي جاء فيه".
وقال النووي في المجموع (3/ 180): "والذي نعتمده في الاستدلال على النهي عن السدل في الصلاة وغيرها: عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن إسبال الإزار وجره".
قلت: هذا على القول بأن السدل هو الإسبال، لكن أكثر الأئمة على أن السدل هو إرخاء الثوب بين يديه من غير أن يطرح أحد طرفيه على الآخر، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (130): "وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي وابن عقيل من أن السدل هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن قدميه يجره، فيكون هو إسبال الثوب وجره المنهي عنه: فغلط مخالف لعامة العلماء، وإن كان الإسبال والجر منهيًا عنه بالاتفاق، والأحاديث فيه أكثر، وهو محرم على الصحيح؛ لكن ليس هو السدل".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 149): "وفسر آخرون السدل بما ذكرنا [يعني: إرخاء الثوب دون أن يعطفه]، وزادوا: أن يكون مسبلًا تحت الكعبين، وهذا هو المروي عن الشافعي، وهو الذي ذكره أكثر أصحابه، وبعض أصحابنا، وقاله الخطابي وغيره، وجعلوا حكمه حكم إسبال الإزار تحت الكعبين: إن كان خيلاء حرم ذلك، وإن لم يكن خيلاء ففيه الاختلاف المشهور.