المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌106 - باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٧

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌69 - باب الإمام يصلي من قعود

- ‌78).***70 -باب الرجلين يؤمُّ أحدُهما صاحبَه، كيف يقومان

- ‌71 - باب إذا كانوا ثلاثةً كيف يقومون

- ‌7).***72 -باب الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌73 - باب الإمام يتطوع في مكانه

- ‌74 - باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة

- ‌75 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

- ‌76 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام، أو يضَع قبله

- ‌77 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

- ‌78 - باب جماع أبواب ما يُصلَّى فيه

- ‌79 - باب الرجل يعقِد الثوبَ في قفاه ثم يصلي

- ‌80 - باب الرجل يصلي في ثوبٍ واحد بعضُه على غيره

- ‌81 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد

- ‌82 - باب إذا كان الثوب ضيقًا يتَّزر به

- ‌83 - باب الإسبال في الصلاة

- ‌84 - باب في كم تصلي المرأة

- ‌85 - باب المرأة تصلي بغير خمار

- ‌86 - باب ما جاء في السدل في الصلاة

- ‌87 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌88 - باب الرجل يصلي عاقصًا شعره

- ‌89 - باب الصلاة في النعل

- ‌91).***90 -باب المصلي إذا خلع نعليه، أين يضعهما

- ‌91 - باب الصلاة على الخُمرة

- ‌92 - باب الصلاة على الحصير

- ‌93 - باب الرجل يسجد على ثوبه

- ‌تفريع أبواب الصفوف

- ‌94 - باب تسوية الصفوف

- ‌95 - باب الصفوف بين السواري

- ‌96 - باب مَن يُستحبُّ أن يلي الإمامَ في الصف وكراهية التأخر

- ‌97 - باب مقام الصبيان من الصف

- ‌98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول

- ‌99 - باب مقام الإمام من الصف

- ‌100 - باب الرجل يصلي وحده خلف الصف

- ‌16).***101 -باب الرجل يركع دون الصف

- ‌تفريع أبواب السترة

- ‌102 - باب ما يستر المصلي

- ‌ 150)].***103 -باب الخط إذا لم يجد عصًا

- ‌104 - باب الصلاة إلى الراحلة

- ‌105 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها، أين يجعلها منه

- ‌106 - باب الصلاة إلى المتحدِّثين والنِّيام

- ‌107 - باب الدُّنُوِّ من السترة

- ‌108 - باب ما يُؤمر المصلي أن يدرأ عن الممرِّ بين يديه

الفصل: ‌106 - باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام

وضباعة بنت المقداد بن الأسود، أو: ضبيعة بنت المقدام بن معدي كرب: مجهولة [الميزان (4/ 345 و 608)، التقريب (766)].

***

‌106 - باب الصلاة إلى المتحدِّثين والنِّيام

694 -

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي: حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قلت له -يعني: لعمر بن عبد العزيز-: حدثني عبد الله بن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصلوا خلف النائم، ولا المتحدث".

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 279).

وأخرج أبو داود بهذا الإسناد طرفًا من هذا الحديث في (8) كتاب الوتر، (23) باب الدعاء، الحديث رقم (1485)، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستروا الجُدُر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم".

قال أبو داود بعده: "رُوي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب: كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضًا".

وأخرج هذا الطرف من طريق أبي داود: البيهقي في السنن (2/ 212)، وفي الدعوات (183).

قال الخطابي في المعالم (1/ 161): "هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لضعف سنده، وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدثه عن محمد بن كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان: تمام بن بزيع، وعيسى بن ميمون،. . ."، ثم ذكر بعض طرقه وضعفها أيضًا.

وقال البيهقي في السنن: "وهذا أحسن ما رُوي في هذا الباب، وهو مرسل، رواه هشام بن زياد أبو المقدام عن محمد بن كعب، وهو متروك".

وقال في المعرفة (2/ 122): "وهذا أمثل ما ورد فيه، وهو مرسل من قِبَل محمد بن كعب، ويُذكر من أوجهٍ أخرَ كلها ضعيف"[قوله: مرسل؛ يعني: أنه منقطع فيما بين محمد بن كعب والراوي عنه: عبد اللَّه بن يعقوب، إذ لم يسمعه منه، ولم يصرح باسم الواسطة بينهما، بل أبهمه، وأما محمد بن كعب فقد سمع من ابن عباس، كما أثبته البخاري في التاريخ الكبير (1/ 216)].

وقال البيهقي أيضًا في السنن في مسح الوجه: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ

ص: 545

من الدعاء: فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح، ولا أثر ثابت، ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله، ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة، وبالله التوفيق".

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 350): "خرجه بإسناد منقطع، ولا يصح بغيره أيضًا".

فتعقبه ابن القطان بقوله: "وردَّه بالانقطاع، وهو لو كان متصلًا ما صح، للجهل براويين من رواته، وذلك أنه من رواية عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق: لا يعرف أصلًا، وكذلك عبد الملك بن محمد بن أيمن"[بيان الوهم (3/ 50/ 705)].

وقال في موضع آخر (3/ 449/ 1209): "وفيه عبد الله بن يعقوب بن إسحاق، وهو أيضًا: مجهول"، وقال في موضع ثالث (5/ 688) عن الحديث:"وهو ضعيف".

قلت: وهو كما قال؛ عبد الملك بن محمد بن أيمن، وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق: مجهولان [التقريب (350 و 397)، التهذيب (2/ 460 و 623)]، فضلًا عن انقطاعه، لأجل الواسطة المبهمة.

وقال النووي في المجموع (3/ 223): "رواه أبو داود، ولكنه ضعيف باتفاق الحفاظ، وممن ضعفه أبو داود، وفي إسناده رجل مجهول لم يسم، قال الخطابي: هذا الحديث لا يصح،. . ."، وقال نحوه في الخلاصة (1518 و 1771).

وقال ابن رجب في الفتح (6/ 304): "وإسناده ضعيف".

وقال ابن حجر في الدراية (1/ 185) وفي الفتح (11/ 47): "وإسناده ضعيف".

• والحاصل: أنه حديث ضعيف؛ لما سبق بيانه.

• وقد روى هذا الحديث مطولًا ومختصرًا جماعة من المتروكين عن محمد بن كعب، مما لا يريد الحديث إلا وهنًا؛ إذ قد تكون الواسطة المبهمة في إسناد أبي داود هو أحد هؤلاء المتروكين، قال العقيلي (1/ 170):"لم يحدث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقة، رواه هشام بن زياد أبو المقدام، وعيسى بن ميمون، ومصادف بن زياد القرشي، وكل هؤلاء: متروك، وحدَّث به القعنبي عن عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب، ولعله أخذه عن بعض هؤلاء":

أ- رواه أبو المقدام هشام بن زياد [متروك. التقريب (639)]: ثنا محمد بن كعب القرظي، قال: عهدت عمر بن عبد العزيز، وهو أمير علينا بالمدينة للوليد بن عبد الملك، وهو شاب غليظ ممتلئ الجسم، فلما استخلف أتيته بخناصرة، فدخلت عليه وقد قاسى ما

ص: 546

قاسى، فإذا هو قد تغير حاله عما كان عليه، فجعلت أنظر إليه نظرًا، لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: إنك لتنظر إليّ نظرًا ما كنت تنظره إليّ من قبل يا ابن كعب! قال: قلت: لعجبي، قال: وما عجبك؟ قلت: لما حال من لونك، ونفى من شعرك، ونحل من جسمك، قال: فقال: كيف لو رأيتني يا ابن كعب في قبري بعد ثالثة! حين تقع حدقتاي على وجنتي، وتسيل منخراي وفمي صديدًا ودودًا، كنتَ لي أشد نكرة.

ثم قال: أعد عليَّ حديثًا حدثتنيه عن ابن عباس، قال: قلت: نعم، حدثنا ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن لكل شيء شرفًا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، وإنما تجالسون بالأمانة، ولا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث، واقتلوا الحية والعقرب؛ وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه، ألا أنبئكم بشراركم؟ " قالوا: نعم يا رسول الله! قال: "من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا؟ " قالوا: نعم يا رسول الله! قال: "من يبغض الناس، ويبغضونه"[قال: "أفأنبئكم بشر من هذا؟ " قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "من لم يُقِل عثرة، ولم يقبل معذرة، ولم يغفر ذنبًا"]، قال:"أفأنبئكم بشر من هذا؟ " قالوا: نعم يا رسول الله! قال: "من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، إن عيسى ابن مريم عليه السلام قام في بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموها، -وقد قال مرة: فتظلموهم-، ولا تظلموا ظالمًا، ولا تكافئوا ظالمًا [بظلمه]؛ فيبطل فضلكم عند ربكم عز وجل، يا بني إسرائيل الأمر ثلاث: أمر بيِّنٌ رشده فاتبعوه، وأمر بيِّنٌ غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله عز وجل" وفي رواية: "فكِلوه إلى عالمه".

أخرجه مطولًا، أو مختصرًا، أو مفرقًا: ابن ماجه (959)، والمعافى بن عمران في الزهد (134)، وعبد بن حميد (675)، والبلاذري في أنساب الأشراف (8/ 172)، والحارث بن أبي أسامة (2/ 967/ 1070 - بغية الباحث)(13/ 119/ 3128 - المطالب)، وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد (295)، وابن جرير الطبري في مسند عمر من تهذيب الآثار (2/ 538/ 776)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 340)، وابن أبي حاتم في التفسير (10/ 3252/ 18396)، وابن حبان في المجروحين (3/ 88)، والآجري في أخبار عمر بن عبد العزيز (73 - 75)، والطبراني في الكبير (10/ 318 و 320/ 10774 و 10781)، وابن عدي في الكامل (7/ 106)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (475)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (205 و 398)، وأبو طاهر المخلص في جزء فيه سبعة مجالس من أماليه (60)، والحاكم (4/ 270)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 213) و (5/ 333)، وفي أخبار أصبهان (2/ 363)، والقضاعي في مسند الشهاب (367 و 368 و 464 و 1020 و 1021)،

ص: 547

والبيهقي في الزهد الكبير (3/ 62 - نصب الراية)(6/ 150 - فيض القدير)(9/ 388 - شرح الإحياء)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 61/ 1184 م)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 381 - 383/ 659 و 660)، والسمعاني في أدب الإملاء (44)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 458) و (55/ 132 - 134).

قال العقيلي: "وليس لهذا الحديث طريق يثبت".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، قد اتفق هشام بن زياد النصري ومصادف بن زياد المديني على روايته عن محمد بن كعب القرظي، والله أعلم، ولم أستجز إخلاء هذا الموضع منه؛ فقد جمع آدابًا كثيرة".

فتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "هشام بن زياد: متروك، ومحمد بن معاوية: كذبه الدارقطني، فبطل الحديث".

وقال ابن حجر في الإتحاف (8/ 58/ 8905): "إلا أن الراوي عن مصادف: واهي الحديث، متهم، فلا يغتر بروايته، وأبو المقدام المشهور بهذا الحديث: ضعيف، مشهور بالضعف".

وقال أبو نعيم في الحلية (3/ 218): "وهذا الحديث لا يحفظ بهذا السياق عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس".

وقال البيهقي: "وهشام بن زياد تكلموا فيه بسبب هذا الحديث، وكان يقول أولًا: حدثني يحيى عن محمد بن كعب، ثم ذكَر بعدُ أنْ سمعه من محمد بن كعب".

وقال السخاوي في المقاصد (153): "وقد قال ابن حبان في كتاب "وصف الاتباع وبيان الابتداع": إنه خبر موضوع؛ تفرد به أبو المقدام عن محمد بن كعب عن ابن عباس، وقد كانت أحواله صلى الله عليه وسلم في مواعظ الناس أن يخطب لها وهو مستدبر القبلة"، ثم تعقبه فيما قال.

هكذا رواه عن أبي المقدام: جماعة من الثقات.

وقال مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 18): "سمعت الحسن بن علي الحُلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام، حديث عمر بن عبد العزيز، قال هشام: حدثني رجل يقال له: يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب، قال: قلت لعفان: إنهم يقولون: هشام سمعه من محمد بن كعب، فقال: إنما ابتلي من قِبَل هذا الحديث، كان يقول: حدثني يحيى، عن محمد، ثم ادَّعى بعدُ أنه سمعه من محمد"[وكذا أسند هذه الحكاية العقيلي في الضعفاء (4/ 340)]، وفسر النووي قول عفان في هشام، بقوله:"يعني: إنما ضعفوه من قِبَل هذا الحديث"[شرح مسلم (1/ 96)]، وتقدم نقل قول البيهقي فيه، ويحيى بن فلان هذا: مجهول، ليس له ذكر في غير هذا الموضع [انظر: التهذيب (4/ 482)، التقريب (666)].

قال ابن حجر في النكت الظراف (5/ 235): "فأفادت هذه الطريق أن بين هشام ومحمد بن كعب فيه شخصًا مجهولًا".

ص: 548

قلت: قد رواه عفان بن مسلم [وهو: ثقة ثبت]، قال: حدثنا أبو المقدام هشام، قال: حدثني يحيى بن فلان، قال: قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز، قال: وكان عمر حسن الجسم، قال: فجعل ينظر إليه نظرًا شديدًا،. . . وساق الحديث.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 370).

قلت: وجود أبي المقدام هشام بن زياد في إسناده كافٍ في إسقاطه ورده، فكيف إذا انضم إلى ذلك أنه لم يسمعه من محمد بن كعب، وأن الواسطة مجهولة، ثم إن يحيى بن فلان هذا لم يسمعه من محمد، ولم يروه عنه رواية، بل يحكيه حكاية، ويرسله إرسالًا، فهي علل متراكبة بعضها فوق بعض.

ب- ورواه مصادف بن زياد المديني [مجهول، متروك. ضعفاء العقيلي (1/ 170)، الجرح والتعديل (8/ 441)، المغني (2/ 659)، اللسان (8/ 73)]، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، يقول: لقيت عمر بن عبد العزيز بالمدينة في شبابه وجماله وغضارته، قال: فلما استخلف قدمت عليه،. . . فذكر حديث ابن عباس بطوله، وزاد فيه: وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال إلى الله تعالى؟ فقال: "من أدخل على مؤمن سرورًا؛ إما أن أطعمه من جوع، وإما قضى عنه دينًا، وإما ينفس عنه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كرب الآخرة، ومن أنظر موسرًا أو تجاوز عن معسر ظله الله يوم لا ظل إلا ظله، ومن مشى مع أخيه في ناحية القرية لتثبت حاجته ثبت الله عز وجل قدمه يوم تزول الأقدام، ولأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين".

أخرجه الحاكم (4/ 269 - 270)، بإسناد صحيح إلى محمد بن معاوية: ثنا مصادف به.

قال الذهبي في التلخيص: "هشام بن زياد: متروك، ومحمد بن معاوية: كذبه الدارقطني، فبطل الحديث".

وقال ابن حجر في الإتحاف (8/ 58/ 8905): "إلا أن الراوي عن مصادف: واهي الحديث، متهم، فلا يغتر بروايته، وأبو المقدام المشهور بهذا الحديث: ضعيف، مشهور بالضعف".

قلت: محمد بن معاوية بن أعين النيسابوري: متروك، كذبه ابن معين والدارقطني وغيرهما [التهذيب (3/ 705)].

ج- ورواه صالح بن حسان الأنصاري [النضري المدني: متروك، منكر الحديث. التهذيب (2/ 191)]، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك"، وفي لفظ:"إذا دعوتم الله ببطون أكفكم، لا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". و"إن لكل مجلس شرفًا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة".

أخرجه ابن ماجه (1181 و 3866)، وعبد بن حميد (715)، وابن نصر في صلاة

ص: 549

الوتر (111)، وابن جرير الطبري في مسند عمر من تهذيب الآثار (2/ 537/ 775)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 217/ 2740)، وابن حبان في المجروحين (1/ 368)، والطبراني في الكبير (10/ 319 - 320/ 10779)، وابن عدي في الكامل (4/ 51 و 52)، والحاكم (1/ 536)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 62/ 1185)، والشجري في الأمالي الخميسية (1/ 299)، والبغوي في شرح السنة (5/ 203 و 204/ 1399 و 1400)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 840/ 1407)، والذهبي في التذكرة (2/ 616).

قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر"[العلل (2/ 351/ 2572)].

وقال ابن المنذر: "وكان أحمد بن حنبل يقول: لم أسمع فيه بشيء، ولم يكن يفعله أحمد".

وقال ابن عدي: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب عن ابن عباس: يرويها صالح عن محمد بن كعب، إلا حديث: "لكل شيء شرف" فإنه قد رواه عن محمد بن كعب أيضًا: هشام بن زياد أبو المقدام وغيره"، ثم قال في آخر ترجمته:"وبعض أحاديثه فيها إنكار، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق".

وقال البغوي: "ضعيف؛ صالح بن حسان المدني الأنصاري: منكر الحديث، قاله البخاري".

وقال ابن الجوزي: "لا يصح".

وقال الذهبي: "وصالح واهٍ، قال البخاري: فيه نظر".

د- ورواه تمام بن بزيع الشقري [متروك، مع قلة ما يروي، قال فيه البخاري: "يتكلمون فيه". اللسان (2/ 377)، الكامل (2/ 83)]، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تصلوا إلى المتحدثين والنيام"، ورواه مرة بالقصة وحدها، ورواه مرة مطولًا:

تمام بن بزيع الشقري، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: سمعت ابن عباس، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل مجلس شرفًا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، وإنما تجالسون بالأمانة" قال: وسمعت ابن عباس يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في الصلاة" قال: وسمعت ابن عباس يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلى النيام والمتحدثين، قال: وسمعت ابن عباس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 96/ 2452)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 170)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (4/ 1761/ 319)(369 - المنتقى)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 234).

قال العقيلي: "لم يحدث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقة، رواه هشام بن زياد أبو المقدام، وعيسى بن ميمون، ومصادف بن زياد القرشي، وكل هؤلاء: متروك، وحدَّث

ص: 550

به القعنبي عن عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب، ولعله أخذه عن بعض هؤلاء".

هـ- ورواه عيسى بن ميمون، قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظي، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز في خلافته، فجعلت أُديم النظر إليه، فقال: يا ابن كعب إنك لتنظر إليَّ نظرًا لم تكن تنظره إليَّ بالمدينة!؟ قال: قلت: أجل يا أمير المؤمنين! إنه ليعجبني ما أرى، مما قد نحل من جسمك،. . . وساق الحديث مطولًا بنحو رواية أبي المقدام، مسندًا عن ابن عباس.

أخرجه مطولًا أو مختصرًا: ابن سعد في الطبقات (5/ 370)، وابن قتيبة في عيون الأخبار (2/ 302)، وابن نصر في صلاة الوتر (112)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 97/ 2453)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 387)، والطبراني في الكبير (10/ 318/ 10775)، وابن عدي في الكامل (5/ 241).

قال محمد بن نصر: "ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث، وأما أحمد بن حنبل، فحدثني أبو داود، قال: سمعت أحمد، وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر؟ فقال: لم أسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله، قال: وعيسى بن ميمون هذا الذي روى حديث ابن عباس ليس هو ممن يحتج بحديثه، وكذلك صالح بن حسان"[وقول أحمد هذا في مسائل أبي داود برقم (486)].

وقال العقيلي: "تابعه من هو نحوه في الضعف".

وقال ابن عدي: "ولعيسى بن ميمون غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه".

قلت: عيسى بن ميمون هو: المدني، مولى القاسم، المعروف بالواسطي، ويُعرف بابن تليدان: متروك، منكر الحديث [انظر: التهذيب (3/ 370)، الميزان (3/ 325)، المغني (2/ 173)، وغيرها].

و- ورواه القاسم بن عروة [لم أقف له على ترجمة]، عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثني عبد الله بن عباس، يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل شيء شرفًا، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة، لا تصلوا خلف نائم ولا محدث،. . .، وذكر الحديث.

أخرجه البيهقي (7/ 272)، من طريق: أحمد بن عبد الجبار العطاردي [ضعيف]: نا أبي [صدوق، في حديثه وهم كثير. ضعفاء العقيلي (3/ 90)، الثقات (8/ 418)، سؤالات الحاكم (5)، الموضح (1/ 458) و (2/ 559)، المغني (1/ 366)، اللسان (5/ 58)]: حدثني عبد الرحمن الضبي [الأغلب أنه: عبد الرحمن بن قيس الضبي، أبو معاوية الزعفراني الواسطي، وهو: متروك، كذبه ابن مهدي وأبو زرعة، وقال صالح جزرة: "كان يضع الحديث". التهذيب (2/ 547)]، عن القاسم بن عروة به.

ص: 551

قال البيهقي: "ولم يثبت في ذلك إسناد".

ز- ورواه عمرو بن المهاجر [الدمشقي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية عتاقة، وكان صاحب حرس عمر بن عبد العزيز: ثقة، روى عنه ثقات الشاميين. طبقات ابن سعد (7/ 462)، التهذيب (3/ 307)]، قال: قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز بخناصرة، فجعل محمد بن كعب يحد إليه النظر، فقال له عمر: ما لي أراك تحد إليَّ النظر يا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين عهدي بك بالمدينة وأنت غزير اللون، ظاهر الدم، وهيئتك غير هذه الهيئة،. . . وساق حديث ابن عباس مرفوعًا ببعض فقراته.

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 328/ 1432)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 345).

بإسناد صحيح إلى عبد الوهاب بن محمد الأوزاعي [مجهول. تاريخ دمشق (37/ 344)]: حدثني عمرو بن المهاجر به.

فلا يصح عن عمرو بن المهاجر، فضلًا عن كونه يحكيه حكاية، ولا يرويه، فصورته مرسل، وفي تفرد هذا الشامي المجهول به عن عمرو نكارة، والله أعلم.

ح- ورواه العلاء بن هلال: حدثنا طلحة بن زيد، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز بعد ما ولي الخلافة،. . . فذكر حديث ابن عباس بطوله.

ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 29)، والمزي في تحفة الأشراف (4/ 701/ 6448 - ط الغرب).

وهذا حديث موضوع على الأوزاعي وحسان بن عطية، طلحة بن زيد القرشي الرقي: متروك، منكر الحديث، قال أحمد وابن المديني وأبو داود:"يضع الحديث"[التهذيب (2/ 238)، الميزان (2/ 338)]، والعلاء بن هلال الرقي: منكر الحديث [التهذيب (3/ 349)، الميزان (3/ 106)، الكامل (5/ 223)].

ط- ورواه عبد الرحيم بن زيد العمى [متروك، منكر الحديث، كذبه ابن معين]، عن أبيه [زيد بن الحواري: ضعيف]، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده".

أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (5) واللفظ له. وفي التوكل (9) مختصرًا.

قال: حدثني محمد بن الربيع أبو عبد الرحمن الأسدي [لم أعرفه]: نا عبد الرحيم بن زيد به.

قلت: وحاصل ما تقدم: أن حديث محمد بن كعب عن ابن عباس: حديث ضعيف؛ لا يصح له إسناد، بل طرقه كلها واهية، وتقدم نقل كلام الأئمة عليه في كل إسناد على حدة، والله أعلم.

ص: 552

قال ابن رجب في الفتح (2/ 690): "وله طرق إلى محمد بن كعب، كلها واهية؛ قاله أبو داود والعقيلي والبيهقي وغيرهم".

• وهذه القصة مع عمر بن عبد العزيز إنما تُعرف لمحمد بن كعب معه، ومع ذلك فقد سرقها أحد المتروكين المتهمين بالكذب [إبراهيم بن هراسة: متروك، كذبه جماعة. اللسان (1/ 380)]، وصنع لها إسنادًا آخر، بحديث مرفوع آخر، من حديث أبي هريرة [انظر: تاريخ دمشق (22/ 17) و (66/ 129 - 130)].

• وله طريق أخرى عن ابن عباس:

فقد رواه عبد الكريم أبو أمية، عن مجاهد، عن ابن عباس.

هكذا علقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 97/ 2454).

ووصله البزار في مسنده (11/ 202/ 4952)، قال: حدثنا محمود بن بكر [شيخ للبزار، روى عنه أحاديث بهذا الإسناد إلى ابن أبي ليلى]، قال: نا أبي [بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: كوفي، ثقة]، عن عيسى بن المختار [كوفي، ثقة]، عن ابن أبي ليلى [محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق، سيئ الحفظ جدًّا]، عن عبد الكريم [ابن أبي المخارق أبي أمية البصري: ضعفوه]، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين".

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس، وروي عنه من وجهين، وهذا الوجه أحسن الوجهين اللذين يرويان عنه".

قال ابن رجب في الفتح (2/ 690): "ابن أبي ليلى: ضعيف؛ لسوء حفظه، وخالفه سفيان، فرواه وكيع، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهد مرسلًا، وهو أصح".

قلت: هذا الحديث قد اختلف فيه على عبد الكريم أبي أمية:

أ- فرواه ابن أبي ليلى [صدوق، سيئ الحفظ جدًّا]، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين".

ب- ورواه شريك [صدوق، سيئ الحفظ]، عن عبد الكريم، عن مجاهد، أو: عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيت أن أصلي خلف النيام والمتحدثين".

أخرجه الطيالسي (4/ 469/ 2767).

ج- ورواه ابن عيينة [ثقة حافظ]، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن مجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهيت أن أصلي خلف النيام والمتحدثين".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 61/ 2491).

وتابعه سفيان الثوري [ثقة حافظ، إمام متقن حجة]، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نصلي خلف النوَّام والمتحدثين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 61/ 6467).

د- ورواه محمد بن عمرو [هو: ابن علقمة الليثي: مدني صدوق]، عن أبي أمية

ص: 553

[هو: عبد الكريم بن أبي المخارق]، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي وراء المتحدثين والنيام".

أخرجه أبو يعلى (5/ 123/ 2738)، قال: حدثنا زهير [هو: ابن حرب أبو خيثمة: ثقة ثبت]: حدثنا محمد [هو: محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري الأسدي: ثقة ثبت]: حدثنا محمد بن عمرو به.

قال عباس الدوري في تاريخ ابن معين (3/ 225/ 1049): "سمعت يحيى يقول: قد سمع محمد بن عمرو من أبي أمية، وهو عبد الكريم أبو أمية"، [وانظر: حديث هشام بن عمار (136)].

قلت: وعبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

• فإما أن يكون المحفوظ عنه: هو ما رواه الثوري وابن عيينة؛ إذ هما أحفظ من رواه عن عبد الكريم، فيكون الحديث على هذا القول: مرسل بإسناد واهٍ:

وإما أن يقال: هذا الاختلاف من عبد الكريم نفسه، كان يضطرب فيه، وكلٌّ قد روى عنه بما سمع منه، فكان عبد الكريم يخلط في هذا الحديث، يحدث به على وجوه، وهذا من دلائل ضعفه ووهائه، والله أعلم.

لكن يؤيد القول الأول، وأنه من مرسل مجاهد، ولا يصح عنه:

ما رواه إسماعيل بن علية [ثقة ثبت]، عن ليث، عن مجاهد يرفعه، قال:"لا يأتمُّ بنائم ولا متحدِّث".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 61/ 6466).

وليث بن أبي سليم: ضعيف؛ لاختلاطه، وعدم تميز حديثه.

• وقد اختلف فيه على محمد بن عمرو بن علقمة:

أ- فرواه أبو أحمد الزبيري [ثقة ثبت]، عن محمد بن عمرو، عن أبي أمية، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي وراء المتحدثين والنيام". وتقدم.

ب- ورواه يعلى بن عبيد الطنافسي [ثقة]، عن محمد بن عمرو، عن ابن لبيبة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام".

رواه أبو داود، في الصلاة، عن محمد بن سليمان الأنباري [صدوق]، عن يعلى به.

ذكره المزي في تحفة الأشراف (5/ 280/ 6574)، ثم قال:"في رواية أبي الطيب ابن الأشناني، عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم"، وليس في المطبوع.

ج- ورواه شجاع بن الوليد [لا بأس به، قال فيه أبو حاتم:"هو لين الحديث، شيخ ليس بالمتين، لا يحتج به؛ إلا أن عنده عن محمد بن عمرو بن علقمة أحاديث صحاح".

ص: 554

التهذيب (2/ 153)، الجرح والتعديل (4/ 378)]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 256/ 5246)، قال: حدثنا محمد بن الفضل السقطي [صدوق. سؤالات الحاكم (197)، تاريخ بغداد (5/ 355)]، قال: حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي [صدوق. التقريب (419)]، قال: حدثنا شجاع به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا شجاع بن الوليد، تفرد به: سهل بن صالح".

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 587) بأنه حديث واهٍ.

قلت: هو حديث مدني ثم كوفي ثم أنطاكي، وهو حديث غريب غريب، تفرد به عن أهل المدينة، وسلك فيه الجادة والطريق السهل: أبو بدر شجاع بن الوليد، وهو: كوفي، تكلموا فيه؛ وإن كان أبو حاتم قواه في محمد بن عمرو خاصة، وتفرد به عنه: سهل بن صالح، وهو: أنطاكي، وثقه أبو حاتم وغيره، وتوسط فيه النسائي، فقال:"لا بأس به"، وقال ابن حبان في الثقات:"ربما أخطأ"، وله أوهام [انظر: التهذيب (2/ 124)، علل الدارقطني (7/ 138/ 1260) و (12/ 312/ 2743) و (13/ 31/ 2923) و (14/ 332/ 3676) و (15/ 227/ 3971)].

فهو حديث غير محفوظ، فقد خالف أبا بدر فيه كوفيان، كل منهما أوثق منه وأحفظ، وعلى هذا يبقى الترجيح بين رواية أبي أحمد الزبيري، ورواية يعلى بن عبيد، أما رواية أبي أحمد الزبيري: فقد تقدم بيان كونها وهمًا، وأن المحفوظ فيه: عن أبي أمية، عن مجاهد مرسلًا، ومن ثم فلا يبقى عندنا سوى رواية يعلى:

حيث يرويه يعلى بن عبيد الطنافسي، عن محمد بن عمرو، عن ابن لبيبة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام".

وهذا منقطع بين ابن لبيبة وابن عباس، وابن لبيبة هو: محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، وهو: ضعيف، كثير الإرسال، يروي عن التابعين [التهذيب (3/ 627)، التاريخ الكبير (1/ 151)، المراسيل (336)، تحفة التحصيل (281)]، وليس هو أباه عبد الرحمن بن لبيبة، فإن محمدًا هذا يروي عنه: محمد بن عجلان [انظر: مصنف عبد الرزاق (4/ 217/ 7558)]، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل [انظر: مسند أحمد (1/ 16)، مسند عبد بن حميد (44)]، وجعفر بن محمد بن علي، وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري، ومحمد بن عكرمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وهم من طبقة محمد بن عمرو بن علقمة أو قريب منه.

• وأخيرًا؛ فإن حديث ابن عباس لا يصح من وجه، ولا يتقوى بكثرة طرقه، وهذه أقوال الأئمة في هذا الحديث، وكيفية إعلالهم له، وردهم إياه:

قال ابن المنذر: "وهذه كلها أخبار واهية"، ثم ذكر أقوال الأئمة في ناقليها.

ص: 555

ثم قال ابن المنذر: "ومع ضعف هذه الروايات فقد ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم خبر يدل على إباحة الصلاة خلف النائم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعائشة نائمة بين يديه"، ثم أسند حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل، وأنا معترضة بينه وبين القبلة، على الفراش الذي رقد عليه هو وأهله، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر معه.

ثم قال: "وفي قولها: فإذا أراد أن يوتر أيقظني: بيان أنها كانت نائمة، وفيه دليل على أنه إنما أيقظها لتوتر معه، لا كراهية أن يوتر وهي بين يديه، ولا فرق بين الوتر وبين سائر الصلوات التطوع".

• وهكذا فقد أعل الأئمة حديث الباب وضعفوه بحديث عائشة رضي الله عنها المتفق على صحته، وهذا فضلًا عن تضعيفهم لحديث الباب:

• فهذا الإمام البخاري بوَّب في صحيحه، في (8) كتاب الصلاة، بابًا فقال: باب الصلاة خلف النائم، ثم أسند حديث عائشة [برقم (512)]، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت [وسيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى برقم (710)].

فدل حديث عائشة على صحة الصلاة خلف النائم، وفيه إشارة من البخاري إلى تضعيف حديث الباب.

قال ابن حجر في الفتح (1/ 587): "وكأنه أشار أيضًا إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم".

• وبوَّب النسائي لحديث عائشة بقوله: "الرخصة في الصلاة خلف النائم"[الحديث رقم (759)].

• كما أن ابن خزيمة لما أخرج في صحيحه حديث عائشة هذا برقم (823)، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وأنا نائمة بينه وبين القبلة، فإذا كان الوتر أيقظني؛ بوَّب له بقوله:"باب ذكر البيان على توهين خبر محمد بن كعب: "لا تصلوا خلف النائم، ولا المتحدثين"، ولم يَروِ ذلك الخبرَ أحدٌ يجوز الاحتجاج بخبره".

• وقال أبو عوانة: "بيان إباحة الصلاة إلى البعير المناخ، وإلى المرأة النائمة، وبجنبها، وإن كانت حائضًا، وكذلك بحذائها، وإلى الحربة الموضوعة بين يدي المصلي، والدليل على أنهن سترة للمصلي، وعلى أن المارة بخلاف النائمة، وعلى أن الصلاة خلف النائم جائزة"، واحتج بحديث عائشة.

• وقال الخطابي في المعالم (1/ 161) بعد أن ضعف طرق الحديث: "وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وعائشة نائمة، معترضة بينه وبين القبلة".

• وقال البيهقي: "فأما الصلاة وبين يديه نائم؛ فلا يحتشم منه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، وذلك فيما أخبرنا. . ."، ثم أسند حديث عائشة.

ص: 556

• ولبعض فقرات حديث ابن عباس شواهد، لكن أكثرها ضعيف أيضًا، وبعضها واهٍ بمرة، ونقتصر منها على ما يشهد لحديث الباب:

• فقد استشهدوا لحديث ابن عباس هذا بشواهد، وقفت منها على:

1 -

حديث أبي هريرة:

يرويه سهل بن صالح الأنطاكي، قال: حدثنا شجاع بن الوليد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 256/ 5246).

وهو حديث غير محفوظ، تقدم الكلام عليه عند ذكر الاختلاف على محمد بن عمرو في حديث ابن عباس.

2 -

حديث علي بن أبي طالب:

يرويه إسماعيل بن صَبِيح [صدوق]، ووكيع بن الجراح [ثقة]:

عن إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن محمد بن علي [هو: ابن الحنفية]، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي إلى رجل؛ فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله! إني قد صليت وأنت تنظر إليَّ.

أخرجه البزار (2/ 253/ 661)، والإسماعيلي في مسند علي [عزاه إليه ابن رجب في الفتح (2/ 687)]، وذكره الدارقطني في العلل (4/ 123/ 463).

قال البزار: "هذا الكلام لا نحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد عن علي، فكان معناه أن الرجل كان مستقبلًا المصلي بوجهه، فلم يتنحَّ عن حيال وجهه فيصلي".

خالفهما: عبيد الله بن موسى، وعلي بن الجعد، ومحمد بن كثير العبدي [وهم ثقات]:

فرووه عن إسرائيل: ثنا عبد الأعلى؛ أنه سمع محمد بن الحنفية، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي إلى رجل؛ فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله! قد أتممت الصلاة، فقال:"إنك صليت وأنت تنظر إليه مستقبله".

أخرجه أبو داود في المراسيل (30)، ومن طريقه: الدارقطني في السنن (2/ 85)، وذكره أيضًا في العلل (4/ 123/ 463).

قال الدارقطني في العلل: "وعبد الأعلى: مضطرب الحديث، والمرسل: أشبه بالصواب"[وانظر: الأحكام الوسطى (1/ 350)].

قلت: وهو كما قال؛ المرسل أشبه بالصواب؛ إذ هو رواية الجماعة، وفيهم عبيد الله بن موسى وهو من أثبت الناس في إسرائيل.

فهو مرسل بإسناد ضعيف جدًّا؛ وهو حديث منكر؛ عبد الأعلى بن عامر الثعلبي: ليس بذاك القوي، ضُعِّف في محمد ابن الحنفية، حيث لم يسمع منه، وإنما هي أحاديث

ص: 557

وقعت له في كتاب، سئل الثوري عن أحاديثه عن ابن الحنفية فضغفها، وقال فيها أحمد:"شبه الريح"، وقال:"وقع إليه كتاب الحارث الأعور"، وقال أبو حاتم:"يقال: إنه وقع إليه صحيفة لرجل يقال له عامر بن هني، كان يروي عن ابن الحنفية"، وقال ابن عدي:"يحدث عن سعيد بن جبير وابن الحنفية وأبي عبد الرحمن السلمي بأشياء لا يتابع عليها"[الطبقات الكبرى (6/ 334)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 498/ 3291) و (3/ 435/ 5851)، التاريخ الأوسط (2/ 22/ 1645)، التاريخ الكبير (6/ 71)، أسامي الضعفاء (636)، المعرفة والتاريخ (3/ 183)، الضعفاء للنسائي (381)، ضعفاء العقيلي (3/ 57)، الجرح والتعديل (6/ 25)، المجروحين (2/ 155)، الكامل (5/ 316)، بيان الوهم (2/ 505/ 503) و (3/ 547/ 1325)، المجموع شرح المهذب (5/ 245)، الميزان (2/ 530)، التهذيب (2/ 464)][تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (621)]، وعامر بن هني: ليس بقوي [اللسان (4/ 381)]، والحارث: ضعيف.

3 -

حديث ابن عمر:

روى أبان بن سفيان المقدسي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان إلى نائم أو متحدث.

علقه ابن حبان في المجروحين (1/ 99)، ومن طريقه: الجوزقاني في الأباطيل (2/ 55/ 424)[لكنه جعله موصولًا، بسماع ابن حبان له من محمد بن غالب الأنطاكي، وابن حبان إنما علقه في المجروحين بقوله: "رواهما عنه محمد بن غالب الأنطاكي"، ولم يذكر منه سماعًا، بل إنه لما ذكر الأنطاكي هذا في ثقاته (9/ 139) قال: "حدثنا عنه: علي بن حمزة بن صالح بأنطاكية" فدل على أنه لم يسمع منه، وأنه ليس من مشايخه، إذ هو يحدث عنه بواسطة، كما في الصحيح (4/ 352/ 1486)، والثقات (6/ 72) و (8/ 351)]، وعلقه أيضًا: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 430/ 732).

قال ابن حبان بعد أن روى حديثين لأبان هذا: "وهذان الخبران موضوعان"، ثم قال:"وكيف ينهى عن الصلاة إلى النائم؟! وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة؛ لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ والرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص".

وكان قال قبل ذلك في أبان هذا: "يروي عن الفضيل بن عياض وثقات أصحاب الحديث: أشياء موضوعة، روى عنهم فأكثر، روى عنه محمد بن غالب الأنطاكي".

وتعقبه الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (2)، فقال:"حديث عبيد الله بن عمر إنما يرويه أبان بن سفيان، عن أبي هلال، عن عبيد الله، وقيل: إن أبا هلال هذا هو يعلى بن هلال، ويعلى: متروك الحديث".

وقال الجوزقاني: "هذا حديث باطل؛ تفرد به أبان بن سفيان، وهو كذاب، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار"، ثم عارضه بحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه، وقد سبق ذكره قريبًا.

ص: 558

وقال ابن الجوزي بأنه حديث لا يصح، وأعله بأبان هذا فقال:"تفرد به أبان بن سفيان، وهو كذاب"، ثم نقل كلام ابن حبان [وانظر: تلخيص العلل للذهبي (398)].

وقال ابن القيسراني: "هو من عمل أبان"[التذكرة (908)].

وانظر ترجمة أبان هذا في: الميزان (1/ 7)، اللسان (1/ 222)، المغني (6)، وقال:"واهٍ، لا يكاد يعرف". تاريخ الإسلام (15/ 50)، وقال:"متروك".

قلت: هو حديث موضوع؛ لا يُعرف من حديث عبيد الله بن عمر، ولا من حديث نافع، ولا من حديث ابن عمر إلا من هذا الوجه، والله أعلم.

قال ابن حجر في الفتح (1/ 587): "وفي الباب: عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط، وهما: واهيان أيضًا".

• هذا فيما جاء في الصلاة خلف النائم، وأما الصلاة خلف المتحدث، ففيه أثر ثابت عن ابن مسعود:

قال البيهقي في السنن (2/ 279): "وأصح أثر روي في هذا الباب"، ثم ساقه.

رواه الثوري، وشعبة، وإسرائيل [وهم أثبت الناس في أبي إسحاق]، وابن عيينة، وزيد بن أبي أنيسة، ومعمر:

عن أبي إسحاق، عن معدي كرب الهمداني، قال: سمعت ابن مسعود يقول: لا تصطفُّوا بين الأساطين [وفي رواية: بين السواري]، ولا تصلِّ وبين يديك قوم يمترون، أو قال: يلغون [وفي رواية: وهم يتحدثون].

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 41)، وعبد الرزاق (2/ 60/ 2487 و 2488)، وابن أبي شيبة (2/ 61/ 6470) و (2/ 146/ 7500)(5/ 159 - 160/ 7580 - ط عوامة)، والعجلي في معرفة الثقات (970)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1964)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 182/ 1990) و (5/ 98/ 2456)، والطبراني في الكبير (9/ 260 و 261/ 9293 - 9295)، والبيهقي (2/ 279) و (3/ 104).

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد لا بأس به، وتقدم تخريجه والكلام عليه مفصلًا تحت الحديث رقم (673).

• وله طريق أخرى:

يرويها خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، عن أبيه، عن ابن مسعود: أنه كره أن يأتمَّ بقوم يتحدثون.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 61/ 6469).

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح، وسعيد بن وهب الهمداني: كوفي ثقة، مخضرم، كان من أصحاب ابن مسعود.

• وروي عن ابن عمر:

فقد روى عمر بن أيوب [موصلي، صدوق]، عن جعفر [هو: ابن برقان: رقي، قدم

ص: 559

الكوفة: وهو ثقة ضابط لحديث ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم]، عن ميمون [بن مهران، كوفي نزل الرقة: ثقة فقيه، سمع ابن عمر. التاريخ الكبير (7/ 338)]، قال: كان ابن عمر لا يصلي خلف رجل لا يصلي إلا يوم الجمعة، قال: فذكرت ذلك لعبد الكريم، فقال: كان ابن عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة.

آخر ابن أبي شيبة (2/ 62/ 6471)، قال: حدثنا عمر به. ومن طريقه: ابن المنذر (5/ 98/ 2457).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد حسن، ولم أعرف من عبد الكريم هذا، لكن يبدو لي أن هذا القيد صحيح، فقد صح عن ابن عمر أنه كان يُقعِد رجلًا فيصلي خلفه.

روى عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يُقعِد رجلًا فيصلي خلفه، والناس يمرون بين يدي ذلك الرجل.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 250/ 2881).

وإسناده صحيح، موقوف عليه.

وروى وكيع، عن هشام بن الغاز، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلًا إلي سارية من سواري المسجد، قال لي: وَلِّني ظهرك.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 250/ 2878).

وإسناده صحيح، موقوف عليه.

• ومما روي في الصلاة خلف رجل، يتخذه سترة:

1 -

حديث ابن عمر:

روى إسماعيل الصفار في السادس من حديثه (22)[مجموع مصنفات الأصم والصفار (645)]، قال: حدثنا محمد بن الحسين الحنيني: حدثنا أبو غسان: حدثنا قيس - يعني: ابن الربيع-: أخبرنا أشعث بن سوار، عن عبيد الله بن حفص، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى رجل قاعد، والناس يمرون أمامه.

قلت: هذا حديث منكر؛ والمعروف: ما رواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا عليه، وما رواه هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا عليه أيضًا، كما تقدم، وعليه: فرفعه منكر.

وأشعث بن سوار: ضعيف، نسب عبيد الله بن عمر بن حفص العمري إلى جده [كما قاله الخطيب في الموضح (2/ 258)]، وأسقط من إسناده نافعًا، فصار منقطعًا، ثم رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقيس بن الربيع: صدوق، لكن أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، وأبو غسان هو: مالك بن إسماعيل النهدي: ثقة متقن، ومحمد بن الحسين بن موسى الحنيني: ثقة حافظ [تاريخ بغداد (2/ 225)، السير (13/ 243)].

2 -

حديث ابن عباس:

رواه مندل بن علي [ضعيف، وعنه: جبارة بن المغلس، وهو واهٍ، ما كان يتعمد

ص: 560

الكذب؛ إنما كان يوضع له الحديث؛ فيحدث به. التهذيب (1/ 288)، الميزان (1/ 387)، الجرح والتعديل (2/ 550)]، وعبد الرحمن بن مغراء [صدوق، له غرائب]:

عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا لا يصلين أحد إلى أحد، ولا إلى قبر"، وفي رواية:"لا تصلِّ على قبر، ولا إلى قبر".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 411/ 12168)، وابن عدي في الكامل (3/ 147 - 148)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 56/ 425).

وعلقه البخاري في التاريخ الأوسط (2/ 60/ 1794)، وابن حبان في المجروحين (1/ 302)(1/ 378 - ط الصميعي)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 431/ 733).

أعله البخاري بما ثبت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر، قال البخاري في التاريخ الأوسط (2/ 60/ 1795 و 1796) (2/ 46 و 47/ 1140 - الصميعي): حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن الشيباني، عن الشعبي، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى على قبر، وهذا أصح، وروى أبو هريرة وغير واحد: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر. اهـ.

قلت: وحديث ابن عباس هذا في الصلاة على القبر متفق عليه [البخاري (857) وأطرافه. ومسلم (954)]، ولفظه عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دُفن، فكبر عليه أربعًا [تقدم تخريج أحد طرقه تحت الحديث رقم (611)، ويأتي تخريجه موسعًا في موضعه من السنن برقم (3196) إن شاء الله تعالى].

وذكر ابن حبان حديث رشدين في مناكيره.

وقال الجوزقاني: "هذا حديث باطل، وجبارة ومندل ورشدين: ثلاثتهم مجروحون".

وقال ابن الجوزي: "لا يصح"[وانظر: الميزان (2/ 51)].

وأعله الذهبي في الميزان بحديث ابن عباس المتفق عليه.

قلت: رشدين بن كريب: ضعفوه، وهو: منكر الحديث [التهذيب (1/ 608)، الميزان (2/ 51)، سؤالات البرذعي (441 و 778)].

• ومن فقه المسألة:

قال ابن بطال في الصلاة خلف النائم: "والقول قول من أجاز ذلك للسنة الثابتة بجوازه، والله الموفق"[شرح صحيح البخاري (2/ 140)].

وتقدم نقل كلام أئمة الحديث في هذه المسألة.

قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 98): "وقد اختلف أهل العلم في الصلاة خلف المتحدثين: فكرهت طائفة الصلاة خلفهم، روينا عن عبد الله بن مسعود: أنه كره أن يأتم بقوم يتحدثون" ثم وصله عن ابن مسعود، ثم قال:"وكره ذلك سعيد بن جبير، وأحمد، وأبو ثور، وحكى أيوب ذلك عن الشافعي، ورخص في ذلك الزهري، وحكى أيوب ذلك عن الكوفي، وقال النعمان في الجامع الصغير: لا بأس أن يصلي الرجل إلى ظهر رجل وهو قاعد، ومعه قوم يتحدثون".

ص: 561