المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌108 - باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٧

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌69 - باب الإمام يصلي من قعود

- ‌78).***70 -باب الرجلين يؤمُّ أحدُهما صاحبَه، كيف يقومان

- ‌71 - باب إذا كانوا ثلاثةً كيف يقومون

- ‌7).***72 -باب الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌73 - باب الإمام يتطوع في مكانه

- ‌74 - باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة

- ‌75 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

- ‌76 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام، أو يضَع قبله

- ‌77 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

- ‌78 - باب جماع أبواب ما يُصلَّى فيه

- ‌79 - باب الرجل يعقِد الثوبَ في قفاه ثم يصلي

- ‌80 - باب الرجل يصلي في ثوبٍ واحد بعضُه على غيره

- ‌81 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد

- ‌82 - باب إذا كان الثوب ضيقًا يتَّزر به

- ‌83 - باب الإسبال في الصلاة

- ‌84 - باب في كم تصلي المرأة

- ‌85 - باب المرأة تصلي بغير خمار

- ‌86 - باب ما جاء في السدل في الصلاة

- ‌87 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌88 - باب الرجل يصلي عاقصًا شعره

- ‌89 - باب الصلاة في النعل

- ‌91).***90 -باب المصلي إذا خلع نعليه، أين يضعهما

- ‌91 - باب الصلاة على الخُمرة

- ‌92 - باب الصلاة على الحصير

- ‌93 - باب الرجل يسجد على ثوبه

- ‌تفريع أبواب الصفوف

- ‌94 - باب تسوية الصفوف

- ‌95 - باب الصفوف بين السواري

- ‌96 - باب مَن يُستحبُّ أن يلي الإمامَ في الصف وكراهية التأخر

- ‌97 - باب مقام الصبيان من الصف

- ‌98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول

- ‌99 - باب مقام الإمام من الصف

- ‌100 - باب الرجل يصلي وحده خلف الصف

- ‌16).***101 -باب الرجل يركع دون الصف

- ‌تفريع أبواب السترة

- ‌102 - باب ما يستر المصلي

- ‌ 150)].***103 -باب الخط إذا لم يجد عصًا

- ‌104 - باب الصلاة إلى الراحلة

- ‌105 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها، أين يجعلها منه

- ‌106 - باب الصلاة إلى المتحدِّثين والنِّيام

- ‌107 - باب الدُّنُوِّ من السترة

- ‌108 - باب ما يُؤمر المصلي أن يدرأ عن الممرِّ بين يديه

الفصل: ‌108 - باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه

عبد الله بن عمر دخل الكعبة فمشى قِبَل وجهه، وجعل الباب قِبَل ظهره، فيمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَل وجهه قريب من ثلاثة أذرع، ثم يصلي، يتوخى المكان الذي أخبره بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه.

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (615)، بإسناد صحيح إلى إسماعيل به.

4 -

ورواه عبد الله بن نافع [ضعيف]، عن أبيه، به بمعنى رواية مالك.

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (618)، بإسناد صحيح إلى عبد الله بن نافع به.

• وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: سمعت ابن أبي مليكة وغيره يحدثون هذا الحديث يزيد بعضهم علي بعض، قال: قال عبد الله بن عمر: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على بعير لأسامة بن زيد، وأسامة رديف النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه بلال وعثمان بن طلحة، فلما جاء البيت أرسل عثمان بن طلحة، فجاءه بمفتاح البيت، ففتحه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال، فمكثوا في البيت طويلًا، وأغلقوا عليهم الباب، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدروا البيت، فسبقهم عبد الله بن عمر وآخر معه، فسأل عبد الله بلالًا، فقال: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأراه حيث صلى، ولم يسأله كم صلى.

قال: وكان عبد الله بن عمر إذا دخل الكعبة مشى قِبَل وجهه، وجعل الباب خلف ظهره، ثم مشى حتى يكون بينه وبين الجدار قريب من ثلاثة أذرع، ثم صلى، يتوخى المكان الذي أخبره بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه.

أخرجه عبد الرزاق (5/ 81/ 9065)، ومن طريقه: ابن شاهين في الناسخ (283).

وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

***

‌108 - باب ما يُؤمر المصلي أن يدرأ عن الممرِّ بين يديه

697 -

. . . مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدَعْ أحدًا يمرُّ بين يديه، وليدْرأْه ما استطاع، فإن أبى فليقاتلْه؛ فإنما هو شيطان".

• حديث صحيح.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 219/ 421)، ومن طريقه: مسلم (505/ 258)، وأبو عوانة (1/ 383/ 1388)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 113/ 1118)، وأبو داود (697)،

ص: 575

والنسائي في المجتبى (2/ 66/ 757)، وفي الكبرى (1/ 410/ 835)، والدارمي (1/ 384/ 1411)، وابن حبان (6/ 131 و 133/ 2367 و 2368)، وابن الجارود 1671)، وأحمد (3/ 34 و 43)، وأبو القاسم البغوي في حديث مصعب (143)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 93 - 94/ 2445)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 460)، وفي المشكل (7/ 26)، والجوهري في مسند الموطأ (352)، والبيهقي في السنن (2/ 267)، وفي المعرفة (2/ 115/ 1043).

هكذا رواه عن مالك جماعة رواة الموطأ، وأصحابه الثقات، وغيرهم: الإمام الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأبو مصعب الزهري، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن القاسم، وإسحاق بن عيسى الطباع، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وقتيبة بن سعيد، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ويحيى بن يحيى الليثي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ومطرف بن عبد الله، وسويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن نافع، ومحمد بن الحسن الشيباني.

• ورواه ابن وهب أيضًا، عن مالك وغيره، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدَع أحدًا يمرُّ بين يديه".

أخرجه ابن وهب في الجامع (401)، والطحاوي في المشكل (7/ 26)، وابن حبان في كتاب الصلاة (5/ 315/ 5469 - إتحاف المهرة)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (255)(1831 - المخلصيات).

ولا يصح، وهي رواية شاذة.

سأل ابن أبي حاتم أباه عن رواية ابن وهب هذه، فقال أبو حاتم:"الصحيح: ما في الموطأ: مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث زيد بن أسلم عن عطاء: خطأ"[العلل (1/ 126/ 348)].

ورأى ابن حبان في المجروحين (1/ 132) أن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: محفوظ، لكن لعله رآه محفوظًا من غير هذا الوجه.

وقال الدارقطني في العلل (11/ 255/ 2271): "هو حديث رواه ابن وهب عن مالك في غير الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.

ورواه ابن وهب في الموطأ عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، وهو: الصواب.

وكذلك رواه أصحاب الموطأ عن مالك، وكذلك رواه زيد بن أسلم عنه [كذا]، وهو الصواب".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 186): "هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة

ص: 576

الموطأ فيما علمت، وليس عندهم في هذا الحديث عن مالك غير هذا الإسناد؛ إلا ابن وهب فإن عنده في ذلك: عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه"، هذا آخر هذا الحديث عنده، ولم يروه أحد بهذا الإسناد عن مالك إلا ابن وهب، وعند ابن وهب أيضًا: عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه هذا الحديث المذكور في هذا الباب على حسبما ذكرناه، وحديث عبد الرحمن بن أبي سعيد: أشهر، وحديث عطاء بن يسار: معروف أيضًا".

وقال في الاستذكار (2/ 273): "وعن ابن وهب في هذا الحديث إسناد آخر: عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، وهو محفوظ أيضًا لعطاء عن أبي سعيد".

قلت: المحفوظ عن مالك: رواية الجماعة، ورواية ابن وهب شاذة مردودة.

***

698 -

. . . أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليُصَلِّ إلى سترة، وليَدْنُ منها"، ثم ساق معناه.

• حديث شاذ بهذه الزيادة.

أخرجه ابن ماجه (954)، وابن حبان (6/ 135 و 137/ 2372 و 2375)، وابن أبي شيبة (1/ 250 و 253/ 2875 و 2914)، والبيهقي (2/ 267)، وعلقه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 27)، وصححه.

وقال النووي في الخلاصة (1734): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

ولفظه بتمامه: "إذا صلى أحدكم فليُصلِّ إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه [وفي رواية: يمر بينه وبينها]، فإن جاء أحد يمر فليقاتله، فإنه شيطان".

هكذا رواه عن أبي خالد: أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب محمد بن العلاء.

خالفهم: يحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ، واتُّهم]، قال: حدثنا أبو خالد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه به. فلم يذكر في إسناده: ابن عجلان، وذكره محفوظ في الإسناد، فقد أثبته ثقتان حافظان.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 87/ 2429).

• ورواه المفضل بن فضالة [ثقة]، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه؛ أنه مرَّ بين يديه غلام من آل مروان، فأخَّره أبو سعيد، فلم يتأخر الغلام، فدفعه فوقع، فأعلم الغلام مروان، فأرسل إلى أبي سعيد، فأدنى مجلسه، ثم قال:

ص: 577

إن ابن أخيك يذكر أنك قاتلته؟ قال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مرَّ بين يدي أحدكِم أحدٌ وأنتم تصلون فامنعوه، فإن أبى إلا أن تقاتلوه [فقاتلوه]؛ فإنما تقاتلون الشيطان".

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (392)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (378)، بإسناد صحيح إلى المفضل.

هكذا أتى أبو خالد في هذا الحديث عن ابن عجلان بزيادتين: "فليُصلِّ إلى سترة، وليدن منها"؛ وفيهما الأمر بالسترة، والدنو منها، ولم يأت بهما المفضل بن فضالة، فهل توبع عليهما أبو خالد، ولو من حديث زيد بن أسلم؟ لم نجد بالتتبع من تابعه على هاتين الزيادتين، فقد رواه جماعة عن زيد بن أسلم، وليس في حديث أحد منهم الأمر بالسترة، ولا الدنو منها، فدل ذلك على شذوذ هذه الزيادة التي تفرد بها أبو خالد الأحمر، هذا فضلًا عن كونه جعل المصلي يبادر المار بين يديه بالمقاتلة، بينما في رواية الجماعة نجد الأمر بالمقاتلة لا يكون إلا بعد إصرار المار على المرور، وعدم امتناعه بعد الدفع بلطف، والله أعلم.

وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان: كوفي صدوق، لكنه ليس بذاك الحافظ الذي يحتمل منه التفرد بمثل هذا، قال البزار:"ليس ممن يلزم بزيادته حجة، لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظًا، وأنه قد روى أحاديث عن الأعمش وغيره: لم يتابع عليها"، وقال ابن عدي:"وإنما أُتي هذا من سوء حفظه، فيغلط ويخطيء، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق، وليس بحجة"[الكامل (3/ 282)، إكمال مغلطاي (6/ 50)، التهذيب (3/ 468)]، وأبو خالد وإن كان سمع من ابن عجلان [مسند أحمد (4/ 142)، تعظيم قدر الصلاة (153)، مسند عمر من تهذيب الآثار (1/ 173/105)، معجم الطبراني الكبير (20/ 167 / 353)]، إلا أنه كان أخذ كتاب حجاج الأعور عن الليث عن ابن عجلان، فقرأه على ابن عيينة، قال حجاج: كان أبو خالد يأخذ كتابي عن ليث بن سعد عن ابن عجلان، يقرؤها على سفيان بن عيينة، قال أبو خالد: قال سفيان بن عيينة: كم من حديث قد أحييت في صدري، قال يحيى بن معين: وأراني حجاج الأعور علامات، فقال: هذه علامات أبي خالد الأحمر، كتبها عني [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 416/ 2031)، ضعفاء العقيلي (2/ 124)، تاريخ الإسلام (12/ 175)]، فلعل هذا الحديث كان من هذه الصحيفة، ولم يكن مسموعًا له من ابن عجلان، فوقع له فيه الوهم بسبب الصحيفة، لا سيما وقد روى هذا الحديث عن زيد بن أسلم المدني جماعة من ثقات أهل المدينة وغيرهم، مثل: مالك بن أنس، وداود بن قيس الفراء، وعبد العزيز الدراوردي، وزهير بن محمد، وهمام، ومعمر، وغيرهم، فلم يأت أحد منهم بهذه الزيادة، ويأتي ذكر رواياتهم.

• رواه أيضًا عن زيد بن أسلم:

1 -

زهير بن محمد التميمي [رواية أهل الشام عنه ضعيفة فيها مناكير، ورواية أهل

ص: 578

العراق عنه مستقيمة؛ قال الإمام أحمد: "أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة: عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر"، وقال الإمام البخاري:"أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد: مقاربة مستقيمة"، وهذا الحديث مما رواه عنه أهل العراق: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي. انظر: التهذيب (1/ 639)، الميزان (2/ 84)، إكمال مغلطاي (5/ 90)، ترتيب علل الترمذي ص (395)، جامع الترمذي (3291)، وغيرها]، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي؛ فلا يترك أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان".

أخرجه أحمد (3/ 49)، وأبو يعلى (2/ 443/ 1248).

2 -

داود بن قيس الفراء المدني [ثقة]، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، قال: بينا أبو سعيد الخدري يصلي إذ جاءه شاب يريد أن يمر قريبًا من سترته، وأمير المدينة يومئذ مروان، قال: فدفعه أبو سعيد حتى صرعه، قال: فذهب الفتى حتى دخل على مروان، فقال: هاهنا شيخ مجنون، دفعني حتى صرعني، قال: هل تعرفه؟ قال: نعم، قال: وكانت الأنصار تدخل عليه يوم الجمعة، قال: فدخل عليه أبو سعيد، فقال مروان للفتى: هل تعرفه؟ قال: نعم، هو هذا الشيخ، قال مروان للفتى: أتعرف من هذا؟ قال: لا، قال: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرحب به مروان، وأدناه حتى قعد قريبًا من مجلسه، فقال له: إن هذا الفتى يذكر أنك دفعته حتى صرعته، قال: ما فعلت، فردها عليه، وهو يقول: إنما دفعت شيطانًا، قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحد أن يمر بين يديك وبين سترتك فرُدَّه، فإن أبى فادفعه، فإن أبى فقاتله، فإنما هو شيطان".

هكذا هو عند عبد الرزاق بالقصة، ورواه أحمد باختصار القصة مقتصرًا على المرفوع، ولفظه عنده:"إذا أراد أن يمر بينك وبين سترتك أحد فاردُدْه، فإن أبى فادفعْه، فإن أبى فقاتلْه، فإنما هو شيطان".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 21/ 2328)، وعنه: أحمد (3/ 57).

3 -

معمر بن راشد [ثقة]، عن زيد بن أسلم، عن ابن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نترك أحدًا يمر بين أيدينا، فإن أبى إلا أن ندفعه، أو نحو هذا. هكذا اختصره أحمد، ولفظه عند عبد الرزاق: عن [ابن] أبي سعيد، قال: ذهب ذو قرابة لمروان بين يدي أبي سعيد الخدري فنهاه، فدفعه، فشكاه إلى مروان، فقال لأبي سعيد: ما حملك على ما صنعت؟ قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نترك أحدًا أن يمر بين أيدينا، فإن أبى أن ندفعه، أو نحو هذا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 21/ 2329)، وعنه: أحمد (3/ 93).

4 -

همام بن يحيى [ثقة]: ثنا زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن

ص: 579

أبيه؛ أنه كان يصلي إلى سارية، فذهب رجل من بني أمية يمر بين يديه، فمنعه، فذهب ليعود فضربه ضربة في صدره، وكان رجل من بني أمية، فذكر ذلك لمروان، فلقيه مروان، فقال: ما حملك على أن ضربت ابن أخيك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، فذهب أحد يمر بين يديه فليمنعه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان"، فإنما ضربت الشيطان.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 15/ 817)، وأبو العباس السراج في مسنده (386)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (372).

هكذا رواه عبد الصمد بن عبد الوارث [وهو: ثقة] عن همام، فقال: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره

"، ورواه حجاج بن منهال [ثقة]، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل [ثقة ثبت]، عن همام بلفظ: "إذا صلى أحدكم فأراد أحد يمر بين يديه

"، فلم يذكرا السترة.

5 -

عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنه شيطان".

أخرجه أبو عوانة (1/ 383/ 1389)، وابن خزيمة (2/ 15/ 816)، وأبو العباس السراج في مسنده (385 و 387)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (371 و 373 و 1917)، والطحاوي (1/ 461)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (295)، وتمام في الفوائد (2/ 111/ 1282).

• واختلف فيه على الدراوردي:

أ - فرواه سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وأحمد بن عبدة الضبي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [وهم ثقات أثبات]، وإسحاق بن أبي إسرائيل [ثقة]، ويعقوب بن حميد بن كاسب [حافظ، له مناكير وغرائب]:

عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره.

لكن سعيد بن منصور قرن صفوان بن سليم بزيد بن أسلم، على إسناد زيد، فلعله حمل إسناد صفوان على إسناد زيد، أو يكون الدراوردي حدثه به هكذا، فالله أعلم.

ب- ورواه محمد بن المبارك الصوري [ثقة]، وإبراهيم بن حمزة الزبيري المدني [صدوق]، ويعقوب بن حميد بن كاسب:

عن عبد العزيز الدراوردي، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعًا.

ولفظ محمد بن المبارك، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أنه كان يصلي، وأراد ابنٌ لمروان أن يمرَّ بين

ص: 580

يديه فدرأَه، فلم يرجع فضربه، فخرج الغلام يبكي حتى أتى مروان فأخبره، فقال مروان لأبي سعيد: لم ضربتَ ابنَ أخيك؟ قال: ما ضربته، إنما ضربتُ الشيطانَ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا كان أحدكم في صلاته فأراد إنسان يمر بين يديه فليدرأْه ما استطاع، فإن أبى فليقاتلْه، فإنه شيطان".

أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 61/ 4862)، وفي الكبرى (6/ 377/ 7038)، والطحاوي (1/ 461)، والطبراني في الأوسط (1/ 158/ 495) و (9/ 71/ 9153)، وفي الصغير (1/ 55/ 54)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 186).

قال الطبراني في الصغير: "لم يروه عن صفوان إلا عبد العزيز، تفرد به: ابن حمزة".

قلت: قد توبع عليه إبراهيم، لكن انفرد به الدراوردي، وعليه يدل قوله في الأوسط.

وقد سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال:"حديث زيد بن أسلم: صحيح، ورواه مالك، وحديث صفوان: لا أدري أي شيء هو؟ "[العلل (1/ 128/ 353)].

قلت: في النفس شيء من ثبوت حديث صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، ولعل الدراوردي دخل له حديث في حديث، أو انتقل بصره، وقد كان يحدث من كتب الناس، فيقع له الوهم، كما كان سيئ الحفظ، فربما حدث من حفظه فيخطئ [التهذيب (2/ 593)، الميزان (2/ 633)]، والذين رووه عنه بالإسناد الأول، إسناد زيد بن أسلم: أكثر وأحفظ، والله أعلم.

6 -

السري بن يحيى [ثقة]، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله".

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (453)، ومن طريقه: ابن نقطة في تكملة الإكمال (2/ 117).

وإسناد ابن المقرئ إلى السري رجاله ثقات؛ غير شيخ ابن المقرئ فإنه مجهول الحال [وقد تصحفت بعض الأسماء في إسناده صححتها من التكملة].

• وخالف الجماعة في إسناده:

أ- روح بن القاسم [بصري، ثقة حافظ]، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 159/ 2792)، بإسناد بصري صحيح إلى روح به.

وهذه الرواية وهمٌ، ولا أدري ممن الوهم فيها، والمحفوظ رواية جماعة الثقات من أهل المدينة وغيرهم، وعلى رأسهم: مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، وأهل المدينة أعلم بحديث زيد بن أسلم من الغرباء، وقد قالوا: عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، وهو الصواب، والله أعلم.

ص: 581

ب- عبد الله بن عامر، عن زيد بن أسلم، قال: بينما أبو سعيد يصلي في المسجد، فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فاراد أن يمر بين يديه، فدرأه، فأبى إلا أن يمر، فدفعه ولطمه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبى إلا أن يمر فاردُدْه، فإن أبي إلا أن يمر فادفعه؛ فإنما تدفع الشيطان".

عزاه ابن رجب في الفتح (2/ 675)، وابن حجر في الفتح (1/ 582)، لأبي نعيم في الصلاة.

قال ابن رجب: "عبد الله بن عامر الأسلمي فيه ضعف، وزيد بن أسلم إنما رواه عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، كما تقدم، وتسميةُ المارِّ الوليدَ بن عقبة: غريبٌ، غير محفوظ".

وقال ابن حجر: "وفي تفسير الذي وقع في الصحيح بأنه الوليد هذا نظر؛ لأن فيه أنه دخل على مروان، زاد الإسماعيلي: ومروان يومئذ على المدينة اهـ، ومروان إنما كان أميرًا على المدينة في خلافة معاوية، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة؛ لأنه لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة فسكنها حتى مات في خلافة معاوية، ولم يحضر شيئًا من الحروب التي كانت بين علي ومن خالفه، وأيضًا فلم يكن الوليد يومئذ شابًا، بل كان في عشر الخمسين، فلعله كان فيه: فأقبل ابنٌ للوليد بن عقبة، فيتجه،

" [وانظر: هدي الساري (260)].

قلت: هي رواية منكرة؛ تفرد بها عبد الله بن عامر الأسلمي، وقد أجمعوا على ضعفه، وتركه أبو حاتم [التهذيب (2/ 363)، الميزان (2/ 449)].

ج- ورواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه:"لا يقطع الصلاة امرأة، ولا كلب، ولا حمار، وادرأ ما مر أمامك ما استطعت، فإن أبى إلا أن تلاطِمَه فلاطِمه؛ فإنما تلاطم الشيطان".

علقه ابن حبان في المجروحين (1/ 132)، ووصله: ابن عدي في الكامل (1/ 328)، والدارقطني (1/ 368 - 369)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 446/ 763)، وفي التحقيق (580).

قال ابن حبان عن ابن أبي فروة: "قلب إسناد هذا الخبر ومتنه جميعًا، إنما هو: عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعَنَّ أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان"، فجعل مكان أبي سعيد أبا هريرة، وقلب متنه، وجاء بشيء ليس فيه اختراعًا من عنده، فضمه إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: لا يقطع الصلاة امرأة ولا كلب ولا حمار، والأخبار الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الصلاة إذا مر بين يديه الحمار والكلب والمرأة".

قلت: إنما هو: عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، وعطاء بن يسار: غير محفوظ في هذا الحديث، والله أعلم.

وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: متروك، واتُّهم، والراوي عنه: إسماعيل بن

ص: 582

عياش: روايته عن أهل الحجاز غير مستقيمة، وهذه منها، وهو حديث منكر.

• وقد توبع زيد بن أسلم على هذا الحديث:

روى شعبة، عن أبي عبد العزيز الربذي [وفي رواية: قال: سمعت أبا عبد العزيز]، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم وبين يديه ما يستره؛ فأراد أحدكم أن يمر بين يديه فلا يدعه [وفي رواية: فليمنعه]، فإن أبى فليقاتله".

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 228/ 1822)، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 822)، وعلقه الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (296)، [أقحمت كلمة:"ليس" في المعجم قبل: "بين يديه"، ولا تصح].

قال الطبراني: "أبو عبد العزيز الذي يروي عنه شعبة هذا الحديث هو موسى بن عبيدة الربذي"، قلت: وموسى: ضعيف، وهو صالح في المتابعات.

رواه عن شعبة به هكذا: غندر محمد بن جعفر، وعمرو بن مرزوق، وعفان بن مسلم، واختلف عليه، فمرة رواه هكذا، كما عند الطبراني.

ورواه مرة أخرى، قال: ثنا شعبة، عن واقد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره.

أخرجه ابن بشران في الأمالي (1292)، بإسناد صحيح إلى عفان.

وواقد هذا هو: واقد بن محمد بن زيد العدوي: ثقة، من رجال الشيخين، وأظن هذه الرواية وهمًا، والمعروف عن شعبة: عن أبي عبد العزيز الربذي، كما رواه ألصق الناس بشعبة، وأطولهم له صحبة، ولو كان الحديث معروفًا بهذا الإسناد الصحيح لاشتهر عن شعبة، ورواه أصحاب السنن وغيرهم، فضلًا عن أصحاب الصحيح، فإنه على شرط الصحيح!.

• وله أسانيد أخرى عن أبي سعيد بالقصة فقط دون المرفوع، تركنا ذكرها اختصارًا، ومما ورد فيه ذكر المرفوع:

1 -

روى ابن جريج، قال: سمعت سليمان بن موسى، يحدث عن عطاء، قال: أراد داود بن مروان أن يجيز بين يدي أبي سعيد وهو يصلي، وعليه حلة له، ومروان يومئذ أمير الناس بالمدينة، فرده، فكأنه أبى فلهز في صدره، فذهب الفتى إلى أبيه فأخبره، فدعا مروان أبا سعيد، وهو يظن أنه لهزه من أجل حلته، قال: فذكر ذلك، قال: فقال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اُردُدْه، فإن أبى فجاهده".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 22/ 2331)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 190).

قلت: صورته مرسل، ولسنا على يقين من شهود عطاء بن أبي رباح لهذه الواقعة، فإن عطاء ولد باليمن، ونشأ بمكة، قال ابن سعد: "وكان عطاء من مولدي الجند من مخاليف

ص: 583

اليمن، نشأ بمكة]، وقال ابن حبان: "مولده بالجند من اليمن ونشأ بمكة،

، وكان مولده سنة سبع وعشرين" [طبقات ابن سعد (5/ 467)، الثقات (5/ 198)، التهذيب (3/ 103)].

ومروان بن الحكم ولي إمرة المدينة مرتين، كانت الأولى سنة (42)، وعزل سنة (49)، ثم ولي الأمرة الثانية سنة (54)[طبقات ابن سعد (5/ 21 و 38)، تاريخ الطبري (3/ 173 و 206 و 241)، تاريخ دمشق (57/ 242)]، ففي الأولى كان عمر عطاء (15) سنة، وفي الثانية كان عمره (27) سنة، وكان مقامه بمكة، فيبقي شهوده لهذه الواقعة بالمدينة موضع احتمال، فلو كان عطاء رواها رواية لقبلناها منه لإمكان السماع والتحمل، لكنه يحكيها حكاية، فيحتمل أنه أخذها بواسطة، ومراسيل عطاء من أضعف المراسيل، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب، كما أن سماع عطاء من أبي سعيد مختلف فيه، وروايته عنه قليلة جدًّا، وليس له في الكتب الستة غير حديث واحد عند ابن ماجه (4126) [وانظر: تحفة الأشراف (3/ 379/ 4149 - ط الغرب)، إتحاف المهرة (5/ 306/ 5452 و 5453)]، وأما سماعه منه: فقد نفاه ابن المديني، قال:"ورأي أبا سعيد الخدري، رآه يطوف بالبيت، ولم يسمع منه"[العلل (66)، المراسيل (567)]، وأثبت البخاري سماعه [التاريخ الكبير (6/ 463)] [وانظر: صحيح مسلم (1596)].

وسليمان بن موسى: صدوق، عنده مناكير [التهذيب (2/ 111)]، فالله أعلم.

2 -

قال ابن البختري: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام [وثقه الخطيب. تاريخ بغداد (5/ 188)، تاريخ الإسلام (20/ 287)، العبر (2/ 57)، وله ذكر في ترجمة حصين بن عقبة من التهذيب (1/ 444)]، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء [بصري، صدوق]، قال: أخبرنا ابن عون [عبد الله بن عون بن أرطبان البصري: ثقة ثبت]، عن محمد [ابن سيرين: ثقة ثبت]، عن أبي سعيد الخدري؛ أنه قال: أُمِرنا ألا ندر أحدًا يمر بين أيدينا، قال: فإن أبى إلا أن نقاتله قاتلناه.

قال: فمرَّ عليَّ عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو مرجَّل، فمنعته، ثم أراد أن يمر الثانية فمنعته، قال: فجعلت في نفسي إن هو مر الثالثة أن آخذ بشعره، قال: فانطلق وهو يضرب بيده حتى دخل على مروان بن الحكم، فدخل عليه أبو مسعود [كذا، وصوابه: أبو سعيد، كما قال ابن عساكر]، فقال: والله لئن أطعتم هذا وأصحابه لتهوَّدن، فقال أبو مسعود [صوابه: أبو سعيد]: لئن تهوَّدتَّ أنت وأبوك ما تهودنا.

أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (11)(507 - مجموع مصنفاته).

وهذا إسناد غريب، ورواية ابن سيرين عن أبي سعيد قليلة جدًّا، وليس له في الكتب الستة، وأطراف العشرة؛ غير حديث الأضاحي [انظر: تحفة الأشراف (3/ 440/ 4295 - ط الغرب)، إتحاف المهرة (5/ 402/ 5655)]، ولم أر من أثبت سماعه منه، ولا من نفاه [انظر: التاريخ الكبير (1/ 90)، تحفة التحصيل (277)].

• ورواه عاصم بن سليمان الأحول [ثقة]، عن ابن سيرين، قال: كان أبو سعيد

ص: 584

الخدري قائمًا يصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه، فمنعه، وأبى إلا أن يمضي، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: وتصنع هذا بعبد الرحمن؟ فقال: والله لو أبى إلا أن آخذه بشعره لأخذت. هكذا ذكر القصة باختصار، دون المرفوع.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 253/ 2913).

• وروى القصة أيضًا بدون المرفوع: مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، وأيوب، عن محمد، قال: إن أبا سعيد كان يصلي، فمر الحارث بين يديه -أو: أراد أن يمر بين يديه-، حتى همَّ أن يأخذ بشعره، فشكا الحارث إلى مروان، فجاء أبو سعيد إلى مروان، فقال مروان: إنكم إن أطعتم هذا وأصحابه ليُهوِّدُنَّكم، فقال أبو سعيد: قد كذبت، والله لو تهودت أنت وأبوك ما تهودنا معكما، قال أيوب: قال محمد: صدق، قد عرضت عليهم اليهودية في الجاهلية فأبوها.

أخرجه مسدد في مسنده (3/ 435/ 342 - مطالب)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (20/ 394).

وقع عند ابن عساكر: أبو مسعود، فقال:"كذا قال، والصواب: أبو سعيد".

وهذه الرواية الأخيرة أصح عن ابن سيرين، وأثبت، فإن أيوب السختياني من أثبت أصحاب ابن سيرين، ويحيى بن عتيق: بصري ثقة.

وعليه: فإن هذا إسناد بصري صحيح إلى ابن سيرين، لكن صورته مرسل، حيث يحكيه ابن سيرين حكاية، ولا يرويه عن أبي سعيد، وكذا رواية عاصم الأحول، إلا أنه قال: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو مخزومي، والله أعلم.

• والحاصل: أن الثابت في هذه القصة هو ما رواه الثقات عن زيد بن أسلم، أنه شاب من بني أمية، ذو قرابة لمروان، ولا يتعارض هذا مع ما في الصحيح [الحديث الآتي برقم (700)] من أنه شاب من بني أبي معيط، فإنه أموي، من بني عمومة مروان، إذ هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأبو معيط هو: ابن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، والله أعلم.

3 -

وروى أبو أسامة [حماد بن أسامة: كوفي، ثقة ثبت، يُستصغر في مجالد، روى عنه بعد التغير. التهذيب (4/ 24)]، ومحاضر بن المورِّع [ليس به بأس]:

عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان".

أخرجه أبو داود (719)، وابن أبي شيبة (1/ 250/ 2883)(2/ 529 - 530/ 2900 - ط عوامة)، وأبو على الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 232/ 315)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 106/ 2479)، والدارقطني (1/ 368)، والبيهقي (2/ 278)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 190)، وفي الاستذكار (2/ 284)، والبغوي في شرح السنة (2/ 461/ 550)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 445/ 762)، وفي التحقيق (581).

ص: 585

• ورواه عبد الواحد بن زياد [بصري، ثقة]: حدثنا مجالد: حدثنا أبو الوداك، قال: مرَّ شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلي، فدفعه، ثم عاد فدفعه، ثلاث مرات، فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادرؤوا ما استطعتم؛ فإنه شيطان".

أخرجه أبو داود (720)، والبيهقي (2/ 278)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 284).

وهذا حديث ضعيف؛ أبو الوداك جبر بن نوف: صدوق يهم، ومجالد بن سعيد: ليس بالقوي، والأكثر على تضعيفه [التهذيب (4/ 24)]، وقد اضطرب في هذا الحديث، فمرة يرفع قول أبي سعيد، ومرة يوقفه عليه، وكان مجالد: رفاعًا، يرفع الموقوفات.

وإذا قلنا بأن رواية عبد الواحد هي الأشبه بالصواب، كان ذلك محتملًا، وتكون روايته هذه تشهد لها الروايات الصحيحة عن أبي سعيد، سوى قوله: إن الصلاة لا يقطعها شيء، فتحتاج إلى ما يقويها، ولم نجده عن أبي سعيد من وجه آخر، والله أعلم.

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 76/ 204): "وسمعت أبي يقول: حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة الكلب الأسود البهيم": أصح من حديث أبي سعيد: "لا يقطع الصلاة شيء""، قال مغلطاي:"يعني هذا"[شرح سنن ابن ماجه (5/ 1633)].

والعقيلي لما أخرج هذا من قول حذيفة موقوفًا عليه، في ترجمة الزبرقان بن عبد الله العبدي (2/ 82)، قال:"وفي هذا رواية من غير هذا الوجه فيها لين وضعف".

وقال ابن حزم في المحلى (4/ 13): "أبو الوداك: ضعيف، ومجالد مثله"، قلت: لم أر من ضعف أبا الوداك قبله، وإنما لينه بعضهم، وقال النسائي:"ليس بالقوي".

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطي (1/ 347): "وهذا يرويه مجالد بن سعيد، وهو: ضعيف الحديث".

وقال في الأحكام الكبرى (2/ 162): "لا تقوم به حجة".

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 44): "وحديث أبي سعيد: "لا يقطع الصلاة شيء" يرويه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف؛ فلا يعارض به الحديث الصحيح".

وقال النووي في المجموع (3/ 217): "رواه أبو داود بإسناد ضعيف، من رواية أبي سعيد الخدري".

وقال شيخ الإسلام: "والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضها، وهو تضعيف من لم يعرف الحديث،، أو بأن عارضوها بروايات ضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقطع الصلاة شيء""[مجموع الفتاوي (21/ 16)، القواعد النورانية (1/ 84)].

وحديث أبي سعيد هذا ضعفه جماعة آخرون، وأعلوه بمجالد بن سعيد، وانظر مثلًا: الفتح لابن رجب (2/ 697)، والفتح لابن حجر (1/ 588)، والله أعلم.

***

ص: 586

699 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي: أخبرنا أبو أحمد الزبيري: أخبرنا مَسرَّة بن معبدٍ اللَّخْمي -لقيته بالكوفة-، قال: حدثني أبو عبيد حاجب سليمان، قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائمًا يصلي، فذهبت أمُرُّ بين يديه، فردَّني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل".

• حديث حسن غريب.

وقد رواه بتمامه الإمام أحمد بن حنبل [ثقة حافظ، فقيه حجة]، وأحمد بن محمد بن نيزك الطوسي [روي عنه جماعة من الأئمة المصنفين، مثل: الترمذي وإبراهيم الحربي وابن أبي عاصم وابن نصر وابن صاعد وغيرهم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عقدة: "في أمره نظر"، وقال ابن حجر: "صدوق، في حفظه شيء". تاريخ بغداد (5/ 108)، التهذيب (1/ 45)، التقريب (54)]:

عن أبي أحمد الزبيري: حدثنا مسرة بن معبد: حدثني أبو عبيد حاجب سليمان، قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائمًا يصلي، معتمًا بعمامة سوداء، مُرخٍ طرفها من خلفه، مصْفَرَّ اللحية، فذهبت أمر بين يديه فردَّني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح، وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال:"لو رأيتموني وإبليس [زاد الطوسي: يلوي لي حنكه]، فأهويت بيدي [زاد الطوسي: فتناولته]، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعي هاتين -الإبهام والتي تليها -، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل".

أخرجه أحمد (3/ 82)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (618 و 867 - الجزء المفقود)، والمزي في التهذيب (27/ 450).

جود إسناده ابن رجب في الفتح (6/ 397).

قلت: إسناده حسن؛ لأجل مسرة بن معبد اللخمي الفلسطيني، قال عنه أبو حاتم:"شيخ ما به بأس"، وترجم له أبو زرعة الدمشقي في تاريخه وذكر لدحيم بعض حديثه، فترادا الكلام فيه، ولم يتكلما في حفظه بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان ممن يخطئ"، وقال عنه في المشاهير:"من ثقات أهل فلسطين، وكان يغرب"[الجرح والتعديل (8/ 423)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (2/ 725)، الثقات (7/ 524)، مشاهير علماء الأمصار (1436)، التهذيب (4/ 58)، الميزان (4/ 96)]، ثم أعاد ذكره في المجروحين (3/ 42)(2/ 382 - ط الصميعي)، فقال: "مسرة بن معبد اللخمي: أخو زهير بن معبد، من أهل الشام، يروي عن يزيد بن أبي كبشة، روي عنه أهل بلده، كان

ص: 587

ممن ينفرد عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات؛ على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

وقد أنكرتُ عليه حديثًا تفرد به عن نافع، والإسناد إليه لا يصح [انظر: ما تقدم تحت الحديث رقم (547)]، وروى أيضًا عن نافع ما تابعه عليه جماهير الثقات [انظر الحديث المتقدم برقم (342)].

قلت: فلعل المناكير وقعت في حديثه فيما حدث به عن الغرباء، أو فيما روى عن غير المشاهير ممن تُكُلِّم فيهم، أو لم يوثقوا، أو فيما روى عنه الضعفاء، وأما هنا فإنه يروى هذا الحديث عن أبي عبيد المذحِجي، حاجب سليمان بن عبد الملك، وهو: شامي ثقة، كان من أهل فلسطين، ولما ولي عمر بن عبد العزيز، قال له:"هذه الطريق إلى فلسطين، وأنت من أهلها، فالحق بها"، فعاد إليها مرة أخرى [التهذيب (4/ 551)]، ومن ثم فتفرد مسرة بن معبد الفلسطيني عنه بهذا الحديث لا يستغرب، إذ هو من أهل بلده، وقد قال أبو حاتم:"ما به بأس"، لكن في تفرد أبي أحمد الزبيري الكوفي به عن مسرة دون أهل الشام غرابة، وقد سمعه أبو أحمد من مسرة بالكوفة، ففيه غرابة من هذا الوجه، وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي: ثقة ثبت، وليس في الحديث نكارة، فشطره الأخير مروي من حديث أبي سعيد من وجوه صحيحة، كما تقدم، وشطره الأول ثابت في أحاديث كثيرة.

• فهذه القصة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وقد رويت عن عدد من الصحابة، منهم: أبو هريرة، وعائشة، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وغيرهم.

وفي الصحيح منها:

1 -

شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن عفريتًا من الجن تفلَّت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه فذعَتُّه [يعني: فخنقته]، وأردت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون"، قال:"فذكرت دعوة أخي سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، قال: "فرده [الله] خاسئًا".

أخرجه البخاري (461 و 1210 و 3284 و 3423 و 4808)، ومسلم (541)، وأبو عوانة (1/ 467/ 1729 - 1731)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 140/ 1191)، والنسائي في الكبرى (10/ 235/ 11376)، وابن حبان (14/ 329/ 6419)، وأحمد (2/ 298)، وإسحاق بن راهويه (1/ 148 و 149/ 88 و 89)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (983)، والدارقطني (1/ 365)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 163)، وأبو نعيم في الدلائل (265)، والبيهقي في السنن (2/ 219)، وفي الدلائل (7/ 97)، والبغوي في شرح السنة (3/ 269)، وغيرهم.

ص: 588

وله طرق أخرى عن أبي هريرة خارج الصحيح.

2 -

معاوية بن صالح، يقول: حدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعنة الله، ثلاثًا، وبسط يده كأنه يتناول شيئًا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئًا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: "إن عدو الله إبليس، جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر، ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان أهل المدينة".

أخرجه مسلم (542)، وأبو عوانة (1/ 467/ 1732)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 141/ 1192)، والنسائي في المجتبى (3/ 13/ 1215)، وفي الكبرى (1/ 294/ 554) و (2/ 42/ 1139)، وابن خزيمة (2/ 50/ 891)، وابن حبان (5/ 316/ 1979)، والبزار (10/ 71/ 4135)، والطحاوي في المشكل (10/ 575/ 3992) و (15/ 166/ 5925)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 126/ 1925)، وأبو نعيم في الدلائل (266)، والبيهقي في السنن (2/ 263)، وفي الدلائل (7/ 98).

وليس في حديث أحد منهم هذه الزيادة موضع الشاهد عند أبي داود، لذا لم أستطرد في سياق هذه الأحاديث مساق الشواهد، طلبًا للاختصار، والله أعلم.

• وقد رويت هذه القصة من طريق آخر عن أبي سعيد [عند: عبد بن حميد (946)]، لكن بإسناد واهي، يرويه أبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري، وهو: متروك، كذبه جماعة [التهذيب (3/ 207)]، والله أعلم.

***

700 -

. . . سليمان -يعني: ابن المغيرة-، عن حميد -يعني: ابن هلال-، قال: قال أبو صالح: أحدثك عما رأيت من أبي سعيد وسمعته منه، دخل أبو سعيد على مروان، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس؛ فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعْ في نحره، فإن أبى فليقاتلْه؛ فإنما هو شيطان".

قال أبو داود: قال سفيان الثوري: يمر الرجل يتبختر بين يديَّ وأنا أصلي فأمنعه، ويمر الضعيف فلا أمنعه.

• حديث متفق عليه.

أخرجه البخاري (509)، ومسلم (505/ 259)، وأبو عوانة (1/ 383/ 1390)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 114/ 1119)، وابن خزيمة (2/ 16/ 819)، وابن حبان (5/ 199/ 5204 -

ص: 589

إتحاف المهرة)، وأحمد (3/ 63)، وأبو يعلى (2/ 435/ 1240)، وأبو العباس السراج في مسنده (393)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (379 و 380)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3077)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 94/ 2446)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 461)، وفي المشكل (7/ 26 - 27)، وابن حزم في المحلى (3/ 87)، والبيهقي (2/ 267)، والبغوي في شرح السنة (2/ 455/ 544).

ولفظه عند مسلم، وبنحوه عند البخاري: سليمان بن المغيرة: حدثنا ابن هلال -يعني: حميدًا -، قال: بينما أنا وصاحب لي نتذاكر حديثًا؛ إذ قال أبو صالح السمان: أنا أحدثك ما سمعت من أبي سعيد ورأيت منه، قال: بينما أنا مع أبي سعيد يصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره من الناس، إذ جاء رجل شاب من بني أبي معيط، أراد أن يجتاز بين يديه، فدفع في نحره، فنظر فلم يجد مساغًا إلا بين يدي أبي سعيد، فعاد، فدفع في نحره أشد من الدفعة الأولى، فمثَل قائمًا، فنال من أبي سعيد، ثم زاحم الناس، فخرج فدخل على مروان، فشكا إليه ما لقي، قال: ودخل أبو سعيد على مروان، فقال له مروان: ما لك ولابن أخيك؟ جاء يشكوك، فقال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".

• ورواه يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرَّ بين يدي أحدكم شيءٌ وهو يصلي، فليمنعه، فإن أبى فليمنعه، فإن أي فليقاتله، فإنما هو شيطان".

وفي رواية: أن أبا سعيد الخدري كان يصلي، فمر رجل من آل أبي معيط بين يديه فمنعه، فأبى إلا أن يسعى فمنعه، فأبى فدفع في صدره، ومروان يومئذ على المدينة، فشكا، فذكر ذلك مروان لأبي سعيد، فقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مر بين يدي أحدكم وهو يصلي فليمنعه -مرتين-، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان"، وإني كنت نهيته فأبى أن ينتهي.

أخرجه البخاري (509 و 3274)، وابن خزيمة (2/ 16/ 818)، وأبو العباس السراج في مسنده (394)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (381)، والبيهقي (2/ 267).

وانظر في الأوهام والمناكير: المعجم الأوسط للطبراني (4/ 152/ 3847).

• ولحديث أبي سعيد شواهد، منها:

1 -

حديث ابن عمر:

يرويه الضحاك بن عثمان، عن صدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين". وفي رواية خارج الصحيح: "اللعين"، وفي أخرى:"العزى" [وهذه اللفظة الأخيرة: منكرة، تفرد بها -عند ابن ماجه- دون جماعة الثقات الذين رووا الحديث

ص: 590

عن ابن أبي فديك: الحسن بن داود المنكدري، وهو متكلم فيه].

أخرجه مسلم (506)، وأبو عوانة (1/ 382 - 383/ 1387)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 114/ 1120)، وابن ماجه (955)، وابن حبان (6/ 134/ 2370)، وأحمد (2/ 86)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (493 - الجزء المفقود)، وأبو العباس السراج في مسنده (388)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (374)، والطحاوي (1/ 461)، والطبراني في الكبير (12/ 428/ 13573).

هكذا رواه عن الضحاك: محمد بن إسماعيل بن أبي فديك [مدني، صدوق]، وأبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي [بصري، ثقة][من رواية إسحاق بن راهويه عنه، لكن مسلمًا أحال لفظه على لفظ ابن أبي فديك، وقال: بمثله].

خالف في لفظه: أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، قال: حدثنا الضحاك بن عثمان، قال: حدثني صدقة بن يسار، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلا إلى سترة، ولا يدع أحدكم أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين".

هكذا رواه عن أبي بكر الحنفي: محمد بن بشار بندار [ثقة]، ومحمد بن إسحاق الصغاني [ثقة ثبت]، ومحمد بن معمر بن ربعي القيسي [صدوق]، وهارون بن سليمان الخزاز [هو: هارون بن سليمان بن داود بن بهرام السلمي أبو الحسن الخزاز: أحد الثقات. طبقات المحدثين (3/ 14 و 412)، تاريخ أصبهان (2/ 313)، تكملة الإكمال (1/ 301)]، وهذا لفظ بندار، وبنحوه لفظ الصغاني.

ولفظ الخزاز: "إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى شيء يستره، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله".

ولفظ ابن معمر: "إذا صلى أحدكم فليُصل إلى سترة، ولا يدع أحدًا يمر بن يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين"، يعني: الشيطان.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 10 و 17/ 800 و 820)، وعنه: ابن حبان (26/ 16 و 133/ 2362 و 2369)، والحاكم (1/ 251)، والبزار (12/ 304/ 6147)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (492 - الجزء المفقود)، وابن شاهين في الناسخ (235)، والبيهقي (2/ 268)، وعلقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 2447/94).

قال الحاكم: "هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه"، فوهم، فقد أخرجه مسلم، لكن بدون الأمر بالسترة.

قلت: الأقرب للصواب لفظ ابن أبي فديك، والذي أخرجه مسلم؛ لأمور:

الأول: أن ابن أبي فديك بلدي للضحاك بن عثمان، فكلاهما مدني، وأما أبو بكر الحنفي فبصري، ورواية أهل بلد الرجل أولى من رواية الغرباء.

الثاني: أن الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي: صدوق، يهم كثيرًا،

ص: 591

ليَّنه بعضهم، وقال ابن عبد البر:"كان كثير الخطأ، ليس بحجة"[التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)، علل ابن أبي حاتم (361)]، فلعله هو الذي وهم فيه، وزاد فيه الأمر بالسترة، وحمله أبو بكر الحنفي عنه به هكذا.

الثالث: أن الإمام مسلمًا أخرج حديثه هذا في الشواهد بعد حديث أبي سعيد الخدري [أخرج منه حديث مالك (697 - سنن أبي داود)، وحديث سليمان بن المغيرة (700 - سنن أبي داود)]، فلما لم يكن في حديث أبي سعيد ما يشهد لهذه اللفظة في حديث ابن عمر، وهي قوله:"لا تصلوا إلا إلى سترة"؛ أغفلها مسلم عمدًا، واعتمد رواية ابن أبي فديك لكونها أقرب للفظ حديث أبي سعيد، وذلك لاحتمال أن يكون الضحاك وهم فيها، والله أعلم.

2 -

حديث ابن عمر:

روى النضر بن كثير أبو سهل السعدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا كلنت تصلي فمرَّ بين يديك أحدٌ، فرُدَّه، فإن أي فرُدَّه، فإن أبى فقاتلْه؛ فإنه شيطان"، ووقع عند الطبراني:"فإن عاد الرابعة فقاتله".

أخرجه البزار (12/ 239/ 5978)، والطبراني في الأوسط (6/ 149/ 6050)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (4/ 2218)، وفي الأفراد (1/ 586/ 3417 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (206)(2093 - المخلصيات).

قال البزار: "ولا نعلم أسند قتادة عن نافع عن ابن عمر إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن سعيد إلا النضر بن كثير، وهو رجل مشهور من أهل البصرة، ليس به بأس".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن أبي عروبة، تفرد به: النضر بن كثير".

وقال الدارقطني في النضر هذا: "فيه نظر"، وقال:"تفرد به النضر بن كثير عن سعيد عنه"، يعني: عن قتادة به.

قلت: هو حديث منكر" ففي تفرد النضر هذا به عن ابن أبي عروبة دون بقية أصحابه: نكارة ظاهرة، والنضر بن كثير السعدي، أبو سهل البصري: قد ضعفه الأئمة؛ إلا النسائي، فيروى عنه أنه قال فيه: "صالح"، ومشاه البزار كذلك، كما تقدم نقله، وقد قال فيه ابن حبان، وهو ممن يتشدد في الجرح: "كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات؛ على قلة روايته، حتى إذا سمعها مَن الحديث صناعتُه شهد أنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال" [التهذيب (4/ 226)، الميزان (4/ 262)، المجروحين (3/ 49)].

3 -

حديث أنس:

يرويه ابن المقرئ في المعجم (463)، قال: حدثنا أحمد بن علي بن عياش البالسي بالرقة: ثنا أحمد بن بكر البالسي: ثنا خالد بن يزيد البجلي: ثنا سليمان مولى الشعبي،

ص: 592

-هكذا وإنما هو: سليم-، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر، تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم".

وهذا باطل بهذا الإسناد، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (61).

• ومن فقه الحديث:

قال الشافعي: "فليقاتله" يعني: فليدفعه" [ختلاف الحديث (10/ 125 - الأم)].

وقال ابن بطال في شرح البخاري (1/ 111): "ولم يرد صلى الله عليه وسلم قطع الصلاة، واستباحة دمه، وإنما أراد دفعه بالشدة والقوة".

وقال أيضًا (2/ 136): "والمقاتلة هاهنا: المدافعة في لطف، وأجمعوا أنه لا يقاتله بسيف، ولا يخاطفه، [وفي نسخة: ولا يخاطبه]، ولا يبلغ به مبلغًا يفسد صلاته؛ لأنه إن فعل ذلك كان أضرَّ على نفسه من المارِّ بين يديه].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 189): [وقوله في الحديث: "فإن أبى فليقاتله". فالمقاتلة هنا: المدافعة، وأظنه كلامًا خرج على التغليظ، ولكل شيءٍ حدٌّ" ثم نقل كلام ابن بطال، وكذا قال في الاستذكار (2/ 274).

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 41): "وأكثر الروايات عن أبي عبد الله: أن المار بين يدي المصلي إذا لجَّ في المرور وأبى الرجوع؛ أن المصلي يشتد عليه في الدفع، ويجتهد في رده؛ ما لم يخرجه ذلك إلى إفساد صلاته؛ بكثرة العمل فيها، وروي عنه أنه قال: يدرأ ما استطاع، وأكره القتال في الصلاة، وذلك لما يفضي إليه من الفتنة، وفساد الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر برده ودفعه حفظًا للصلاة عما يُنقصِها، فيعلم أنه لم يرد ما يفسدها ويقطعها بالكلية، فيحمل لفظ المقاتلة على دفعٍ أبلغ من الدفع الأول"[وانظر: مسائل ابن هانئ (328)، الفتح لابن رجب (2/ 673)].

قال ابن هانئ: "ورأيت أبا عبد الله إذا صلى فمرَّ بين يديه أحد دفعه دفعًا رفيقًا، فإن أبى إلا أن يمر دفعه دفعًا شديدًا؛ إذا لم يكن له موضع يتنحى حتى يجوز، دفعه دفعًا شديدًا [مسائله (325)].

وقال النووي في شرح مسلم (4/ 223): "معني يدرأ: يدفع، وهذا الأمر بالدفع أمر ندب، وهو ندب متأكد، ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه، بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب، قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا ما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك؛ فلا قوَد عليه باتفاق العلماء، وهل يجب ديته أم يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك رضي الله عنه، قال: واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته، بل احتاط وصلى إلى سترة، أو في مكان يأمن المرور بين يديه، وبدل عليه قوله في حديث أبي سعيد في الرواية التي بعد هذه: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله"، قال: وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده، وإنما

ص: 593

يدفعه ويرده من موقفه؛ لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه، ولهذا أمر بالقرب من سترته، وإنما يرده إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتسبيح، قال: وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده؛ لئلا يصير مرورًا ثانيًا؛ إلا شيئًا روي عن بعض السلف أنه يرده، وتأوله بعضهم، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، وهو كلام نفيس، والذي قاله أصحابنا أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه؛ فإن أبى فبأشدها، وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه؛ كالصائل عليه لأخذ نفسه أو ماله، وقد أباح له الشرع مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها" [وانظر: إكمال المعلم (2/ 419)].

وفي الضمان وعدمه قال ابن بطال: "فإن دافعه فمات؛ فاختلف فيه: فقال ابن شعبان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: الدية على عاقلته، وقيل: هو هَدَر على حسب ثَنِيَّةِ العاضّ له؛ لأنه فِعْلٌ تولَّد من فِعْلٍ أصلُه مباح"[شرح البخاري (2/ 137)، وانظر: الاستذكار (2/ 274)].

• وأنهى ابن رجب بحثه في مسائل الحديث بقوله: "وبكل حال؛ فيُستدل به على تحريم المرور بين المصلي وسترته؛ لأنه جعله من عمل الشياطين، وأمر بالعقوبة عليه، وذلك من أدلة التحريم"[الفتح (2/ 676)].

• وقوله: "فإنما هو شيطان": فمنهم من حمله على ظاهره، وأنه بفعله أصبح شيطانًا من شياطين الإنس، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، وقد يحتج بعضهم فيه بقول أبي سعيد:"إنما ضربتُ الشيطان"، ومنهم من نظر إلى معناه، قال ابن بطال:"يريد أنه فَعَل فِعْلَ الشيطان في أنه شغل قلب المصلي عن مناجاة ربه والإخلاص له، كما يخطِر الشيطان بين المرء ونفسه في الصلاة، فيذكره ما لم يذكر ليشغله عن مناجاة ربه، ويخلط عليه صلاته، وفيه: أنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين: شيطان، ولا عقوبة على من قال له ذلك، وفيه: أن الحكم للمعاني لا للأسماء، بخلاف ما يذهب إليه أهل الظاهر في نفيهم القياس؛ لأنه يستحيل أن يصير المار بين يدي المصلي شيطانًا لمروره، فثبت أن الحكم للمعاني لا للأسماء، وهو قول جمهور الأمة"[شرح البخاري (2/ 137)].

وقال الخطابي: "معنى هذا الكلام: أن الشيطان هو الذي يحمله على ذلك، ويحركه عليه، ومعنى المقاتلة هاهنا الدفع العنيف، وقد يجوز أيضًا أن يكون أراد بالشيطانِ المارَّ بين يديه نفسه؛ ذلك أن الشيطان هو المارد الخبيث من الجن والإنس"[أعلام الحديث (1/ 420)].

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 584): "ويحتمل أن يكون المعنى: فإنما الحامل له على ذلك الشيطان، وقد وقع في رواية الإسماعيلي: "فإن معه الشيطان"، ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ: "فإن معه القرين".

ص: 594

وبوب ابن خزيمة لحديث ابن عمر بقوله: "باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: "فإنما هو شيطان" أي: فإنما هو شيطان مع الذي يريد المرور بين يديه، لا أن المارَّ من بني آدم شيطان، وإن كان اسم الشيطان قد يقع على عصاة بني آدم، قال الله عز وجل: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} ".

قلت: وهذا القول هو الأقرب، فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وقد فسر حديث ابن عمر مجمل حديث أبي سعيد، وقول أبي سعيد يدل عليه، فإنه قال: "ما فعلت،

، إنما دفعت شيطانًا"، يعني: قرينه، والله أعلم.

وانظر: صحيح ابن حبان (4/ 601/ 1702)، معالم السنن للخطابي (1/ 163)، غريب الحديث له (1/ 164)، المحلى (3/ 87)(10/ 500)، شرح السنة (2/ 456)، القبس (1/ 342 - 344)، المسالك في شرح الموطأ (3/ 111)، مشارق الأنوار (2/ 171 و 251)، البيان للعمراني (2/ 158)، المجموع (3/ 220)، الذخيرة (2/ 153)، الإحكام لابن دقيق العيد (2/ 41)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 305).

• ومن وقف في مجاز الناس الذي ليس لهم طريق غيره وصلى، فلا إثم في المرور بين يديه، صرح به جماعة، لأنه مفرط بذلك، فلا حرمة له [الفتح لابن رجب (2/ 683)].

• مسألة: إذا مر أحدٌ بين يدي المصلي، ولم يتمكن من رده حتى جاز، فهل له رده من حيث جاء، أم يُترك؟

قال ابن المنذر (5/ 95): "وقد اختلف أهل العلم في رد المصلي من مر بين يديه من حيث جاء: فرخص قوم في رده إذا مر، روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود، وكذلك فعله سالم، وروي هذا عن الحسن البصري.

وقال آخرون: لا يرده بعد أن جاز، كذلك قال الشعبي، والثوري، وإسحاق بن راهويه، وكذلك نقول؛ لأن رجوعه من حيث جاء مرورًا ثانيًا بين يدي المصلي، وليس لذلك وجه".

وقال القاضي عياض: "وكذلك اتفقوا على أنه إن مر فلا يرده؛ لأنه مرور ثانٍ؛ إلا شيء روي عن بعض السلف في رده، وتأوله بعضهم

" [إكمال المعلم (2/ 419)].

وقال ابن رجب في الفتح (2/ 671): "

إذا مرَّ وذهب من بين يديه إلى الناحية الأخرى، فإنه لا يرده من حيث جاء، فإنه يصير مرورًا ثانيًا، وهذا قول الجمهور، وخالف فيه بعض السلف، منهم ابن مسعود وسالم".

وانظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 25 و 26/ 2343 و 2344)، شرح ابن بطال (2/ 137)، التمهيد (4/ 189)، الاستذكار (2/ 275)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 309).

***

ص: 595