المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الكافر يطلق امرأته ثلاثا] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[مسألة الكافر يطلق امرأته ثلاثا]

[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَهِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ الْكَافِرُ نُفُوذَ الطَّلَاقِ أَوْ لَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي نُفُوذِهِ، هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ نَفَذَ فِيهِ الطَّلَاقُ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مِنَ التَّوَارُثِ، وَالْحِلِّ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَسَمَّاهُ " نِكَاحًا " وَأَثْبَتَ بِهِ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَانَ الظِّهَارُ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا، وَقَامَ الْإِسْلَامُ حَتَّى أَبْطَلَ اللَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ.

وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ نِكَاحٍ وُلِدَ فِيهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ مِنْ نِكَاحٍ، لَا مِنْ سِفَاحٍ.

ص: 624

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَطَلَّقَ أُخْرَى:" «لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» ".

وَإِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَاهُ أَنَّ عَلَيْهِ ظِهَارًا.

وَإِذَا تَزَوَّجَ بِلَا شُهُودٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا، هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.

ص: 625

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِي نَصْرَانِيٍّ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ: يُوقَفُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ سَوَاءً، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي مُسْلِمٍ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ بِنَصْرَانِيٍّ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَوْجٌ.

ص: 626

قَالَ الْمُبْطِلُونَ لِأَنْكِحَتِهِمْ: هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلْقَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَسَأَلَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَكِنِّي آمُرُكَ لَيْسَ طَلَاقُكَ فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ.

قَالَ: وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ.

وَصَحَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ ": " «أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ

ص: 627

اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» ".

قَالُوا: وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ قَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحِلَّ كَانَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، (فَكَلِمَةُ اللَّهِ) هِيَ إِبَاحَتُهُ لِلنِّكَاحِ، أَوْ أَرَادَ (بِكَلِمَةِ اللَّهِ) الْإِسْلَامَ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَكُلُّ آيَةٍ أَبَاحَتِ النِّكَاحَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَالْخِطَابُ بِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ " بِكَلِمَةِ اللَّهِ " الْإِسْلَامُ.

قَالُوا: وَالْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرُوا أَثَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَقَدِّمَ.

قَالُوا: وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ عَرِيَ عَنْ وَلِيٍّ وَرِضًا وَشَاهِدَيْنِ؟

ص: 628

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحْتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذَنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» " وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَ أَنْكِحَتَهُمْ، وَلَوْ وَقَعَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِكُمْ.

ص: 629

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ".

قَالُوا: وَهُمْ يَسْتَبِيحُونَ النِّكَاحَ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَفِي الْعِدَّةِ بِغَيْرٍ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ.

قَالُوا: وَلَوْ مَاتَ الْحَرْبِيُّ عَنْ زَوْجَتِهِ، أَوْ قُتِلَ ثُمَّ سُبِيَتْ فَإِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، وَلَا تَعْتَدُّ، وَلَوْ كَانَ نِكَاحُهَا صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ:{وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ فِي نِكَاحٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَمَنْ لَمْ يُدِنْ دِينَ الْحَقِّ فِي نِكَاحِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ.

قَالَ الْمُصَحِّحُونَ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ.

أَمَّا أَثَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: حَدِيثٌ يُرْوَى: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما: " لَيْسَ طَلَاقُ أَهْلِ الشِّرْكِ بِشَيْءٍ " لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، فَهَذَا جَوَابُ أَحْمَدَ.

ص: 633

وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ أَنْكِحَتِهِمْ لِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهَا. وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَجْوِبَةِ، وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ عُمَرُ فِي نِكَاحِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ؟ وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي آمُرُكَ، لَيْسَ طَلَاقُكَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ مَنْ يَسْتَحِلُّ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ؟

وَعِنْدِي جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا «قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ، وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي، وَلَا أُؤْوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ: فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَخْبَرَتْهَا، فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَالَتْ: فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُتَّصِلًا، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَائِشَةَ، وَقَالَ هَذَا أَصَحُّ.

ص: 634

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» " فَمَا أَصَحَّهُ مِنْ حَدِيثٍ، وَمَا أَضْعَفَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بِأَنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ لَفْظُ الْإِنْكَاحِ.

ص: 635

وَالتَّزْوِيجِ اللَّذَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إِلَّا بِهِمَا. وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الْوَهَنِ، فَإِنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا، وَلِهَذَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ.

وَأَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَكَلِمَةُ الْمَخْلُوقِ، فَلَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَبْدُ يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ كَسَمْعِ اللَّهِ، وَبَصَرِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لِلصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ، لَا لِلْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ.

وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَلُّوا فُرُوجَ نِسَائِهِمْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِبَاحَتِهِ.

أَمَّا الْمُبْتَدَأُ نِكَاحُهَا فِي الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُسْتَدَامُ نِكَاحُهَا فَإِنَّمَا اسْتُدِيمَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ أَيْضًا، فَلَا يَمَسُّ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِوَجْهٍ.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كُلُّ آيَةٍ أَبَاحَتِ النِّكَاحَ فِي الْقُرْآنِ فَالْخِطَابُ بِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مَأْخُوذَةٌ بِأَحْكَامِهِ، وَأَوَامِرِهِ، وَنَوَاهِيهِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا أَقَرَّهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ عَلَى مَا أَقَرَّهُ، وَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ فَهُوَ كَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ، فَأَيْنَ أَبْطَلَ الْقُرْآنُ نِكَاحَ الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ، وَالرَّهْنَ، وَالْمُدَايَنَةَ، وَالْقَرْضَ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْعُقُودِ إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ؟ وَهَلِ النِّكَاحُ إِلَّا عَقْدٌ مِنْ عُقُودِهِمْ كَبِيَاعَاتِهِمْ، وَإِجَارَاتِهِمْ، وَرُهُونِهِمْ، وَسَائِرِ عُقُودِهِمْ؟ وَلَيْسَ النِّكَاحُ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْإِسْلَامُ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، بَلْ هُوَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ.

ص: 636

وَأَمَّا قَوْلُهُمُ: الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ ذَلِكَ الْأَثَرُ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَأَيْنَ قَوْلُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهِمْ؟

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ عَرِيَ عَنِ الْوَلِيِّ، وَالشُّهُودِ، وَشُرُوطِ النِّكَاحِ، فَمِنْ أَضْعَفِ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ إِنَّمَا صَارَتْ شُرُوطًا بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ تَكُنْ شُرُوطًا قَبْلَهُ حَتَّى نَحْكُمَ بِبُطْلَانِ كُلِّ نِكَاحٍ وَقَعَ قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا اشْتُرِطَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ مَنِ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَإِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بِدُونِهَا كَحُكْمِ مَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا مَسَاغَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَسْلَمُوا وَقَدْ تَعَامَلُوا بِهَا وَتَقَايَضُوا لَمْ تُنْقَضْ وَأُمْضِيَتْ.

فَإِنْ قِيلَ: الْإِسْلَامُ صَحَّحَهَا لَهُمْ، وَهَكَذَا صَحَّحَ النِّكَاحَ، قُلْنَا: لَكِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يُبْطِلْ تَرَتُّبَ آثَارِهَا عَلَيْهَا قَبْلَهُ، فَيَجِبُ أَلَّا يُبْطِلَ تَرَتُّبَ آثَارِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إِذَنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» " فَهَذَا عَجَبٌ مِنْكُمْ، فَإِنَّهَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَكُمْ، فَإِنْ قُلْتُمُ: الْوَلِيُّ الْكَافِرُ كَلَا وَلِيٍّ، قِيلَ: نَعَمْ، هَذَا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ، فَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] .

ص: 637

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» " فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّا لَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى عُقُودِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

الثَّانِي: أَنَّ إِقْرَارَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ عَلَى أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ هُوَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ، وَلَا جَرَمَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ رَدٌّ، كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، فَأَمَّا مَا اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ، كَمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ عُقُودِ مُعَاوَضَاتِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ.

وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْحَرْبِيَّةِ بِحَيْضَةٍ إِذَا سُبِيَتْ، وَحُكْمُنَا بِزَوَالِ النِّكَاحِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِ أَنْكِحَتِهِمْ كَانَتْ بَاطِلَةً، وَلَكِنْ لِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَكَوْنِهَا صَارَتْ أَمَةً لِلثَّانِي، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَحَلِّ حَقِّ الْكَافِرِ وَأَزَالَهُ، وَانْتَقَلَتْ مِنْ كَوْنِهَا زَوْجَةً إِلَى كَوْنِهَا أَمَةً رَقِيقَةً تُبَاعُ وَتُشْتَرَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29] فَلَمْ يَزِيدُوا بِذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِمْ كُفَّارًا. وَمَنْ نَازَعَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟ وَهَلْ وَقَعَ النِّزَاعُ إِلَّا

ص: 638