المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الفطرة لو تركت لاختارت الإيمان على الكفر] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[فصل الفطرة لو تركت لاختارت الإيمان على الكفر]

الْخِلْقَةِ مَمْدُوحٌ وَنَقْصَهَا مَذْمُومٌ، فَكَيْفَ تَكُونُ قَبْلَ النَّقْصِ لَا مَمْدُوحَةً وَلَا مَذْمُومَةً.

[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

191 -

فَصْلٌ

[الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ] .

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا قَالَتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ " إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي لَوْ تُرِكَتْ عَلَى صِحَّتِهَا لَاخْتَارَتِ الْمَعْرِفَةَ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَالْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنْ بِمَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الْفَسَادِ خَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الصِّحَّةِ، فَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَقُولُ: فِي الْفِطْرَةِ قُوَّةٌ تَمِيلُ بِهَا إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ كَمَا فِي الْبَدَنِ الصَّحِيحِ قُوَّةٌ يُحِبُّ بِهَا الْأَغْذِيَةَ النَّافِعَةَ، وَبِهَذَا كَانَتْ مَحْمُودَةً، وَذُمَّ مَنْ أَفْسَدَهَا.

لَكِنْ يُقَالُ: فَهَذِهِ الْفِطْرَةُ الَّتِي فِيهَا هَذِهِ الْقُوَّةُ، وَالْقَبُولُ، وَالِاسْتِعْدَادُ، وَالصَّلَاحِيَّةُ هَلْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ، أَوْ تَقِفُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى أَدِلَّةٍ تَتَعَلَّمُهَا مِنْ خَارِجُ؟ فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ تَقِفُ عَلَى أَدِلَّةٍ تَتَعَلَّمُهَا مِنْ خَارِجُ أَمْكَنَ أَنْ تُوجَدَ تَارَةً، وَتُعْدَمَ أُخْرَى، ثُمَّ ذَلِكَ السَّبَبُ الْخَارِجُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْمَعْرِفَةِ بِنَفْسِهِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، وَمُذَكَّرًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ وَجَبَ حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ وَاجِبَةَ الْحُصُولِ عِنْدَ وُجُودِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَإِلَّا فَلَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِيهَا إِلَّا قَبُولُ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِيمَانِ إِذَا وَجَدَتْ مَنْ يُعَلِّمُهَا أَسْبَابَ ذَلِكَ، وَأَسْبَابَ ضِدِّهِ مِنَ التَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ

ص: 1063

وَالتَّمْجِيسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ، إِنَّمَا فِيهَا قُوَّةٌ قَابِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَاسْتِعْدَادٌ لَهُ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ الْفَاعِلِ مِنْ خَارِجُ.

وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَبْطَلْنَاهُ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَدْحٌ لِلْفِطْرَةِ.

وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُوَّةٌ تَقْتَضِي الْمَعْرِفَةَ بِنَفْسِهَا - وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَلِّمُهَا أَدِلَّةَ الْمَعْرِفَةِ - لَزِمَ حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ فِيهَا بِدُونِ مَا تَعْرِفُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ ضَرُورِيَّةٌ فِيهَا، أَوْ تَحْصُلُ بِأَسْبَابٍ كَالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَنْتَظِمُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَ مُسْتَدِلٍّ، فَإِنَّ النَّفْسَ بِفِطْرَتِهَا قَدْ يَقُومُ بِهَا مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مَا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى كَلَامِ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِلْمَعْرِفَةِ حَاصِلًا لِكُلِّ مَوْلُودٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَالْمُقْتَضِي التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ مُقْتَضَاهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ:

إِمَّا كَوْنُ الْفِطْرَةِ مُسْتَلْزِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ.

وَإِمَّا اسْتِوَاءُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ بِلَا رَيْبٍ.

فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ مُوجِبَةً مُسْتَلْزِمَةً لَهُ.

وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْكِنَةً إِلَيْهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَازِمَةٍ لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ: إِذْ كِلَاهُمَا مُمْكِنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَازِمَةٌ لَهَا وَاجِبَةٌ إِلَّا أَنْ يُعَارِضَهَا مُعَارِضٌ.

فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَتْ مُوجِبَةً مُسْتَلْزِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنَّهَا إِلَيْهَا أَمْيَلُ مَعَ قَبُولِهَا

ص: 1064

لِلنَّكِرَةِ، قِيلَ: فَحِينَئِذٍ إِذَا لَمْ تَسْتَلْزِمِ الْمَعْرِفَةَ وُجِدَتْ تَارَةً وَعُدِمَتْ أُخْرَى، وَهِيَ وَحْدَهَا لَا تُحَصِّلُهَا، فَلَا تُحَصَّلُ إِلَّا بِشَخْصٍ آخَرَ كَالْأَبَوَيْنِ، فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ كَالتَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ، وَالتَّمْجِيسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ بَعْضُهَا أَبْعَدُ عَنِ الْفِطْرَةِ مِنْ بَعْضٍ، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ تَكُنِ الْفِطْرَةُ مُقْتَضِيَةً لِشَيْءٍ مِنْهَا أُضِيفَتْ إِلَى السَّبَبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْفِطْرَةُ مُقْتَضِيَةً لِلْإِسْلَامِ صَارَتْ نِسْبَتُهَا إِلَى ذَلِكَ كَنِسْبَةِ التَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ إِلَى التَّمْجِيسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُذْكَرَ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لَمْ تَقْتَضِ الْأَجَلَ إِلَّا بِسَبَبٍ مُنْفَصِلٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ اللَّبَنَ بِالْفِطْرَةِ لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ اللَّبَنُ وَالْخَمْرُ، وَاخْتَارَ اللَّبَنَ، «فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ» .

وَالطِّفْلُ مَفْطُورٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ شُرْبَ اللَّبَنِ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الثَّدْيِ لَزِمَ أَنْ يَرْتَضِعَ لَا مَحَالَةَ، فَارْتِضَاعُهُ ضَرُورِيٌّ إِذْ لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ، وَهُوَ مَوْلُودٌ عَلَى أَنْ يَرْتَضِعَ، فَكَذَلِكَ هُوَ مَوْلُودٌ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ، وَالْمَعْرِفَةُ ضَرُورِيَّةٌ لَا مَحَالَةَ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مُعَارِضٌ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ حُبَّ النَّفْسِ لِلَّهِ، وَخُضُوعَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِخْلَاصَ الدِّينِ لَهُ، وَالْكُفْرَ، وَالشِّرْكَ، وَالنُّفُورَ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ نِسْبَتُهُمَا إِلَى

ص: 1065