الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [
فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]
ٍ، وَهَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَهُمْ، وَالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّةِ كُلِّ قَوْلٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَقَالَ:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33]، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» " وَأَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» ".
وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ يَتَوَارَثُونَ: يَرِثُ الْيَهُودِيُّ الْيَهُودِيَّ، وَالنَّصْرَانِيُّ النَّصْرَانِيَّ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» ؟ " وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِهِ، مُقِيمًا بِمَكَّةَ، فَوَرِثَ رِبَاعَهُ بِمَكَّةَ وَبَاعَهَا، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ: " «أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟» " فَقَالَ: " «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟» "
وَقَالَ عُمَرُ فِي عَمَّةِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ لَمَّا مَاتَتْ: يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا.
وَيَتَوَارَثُونَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ، فَيَرِثُ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمِنَ وَالذِّمِّيَّ، وَيَرِثَانِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِيمَنْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقُتِلَ: إِنَّهُ يُبْعَثُ بِدِيَتِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَى وَرَثَتِهِ.
وَفِي " الْمُسْنَدِ "، وَغَيْرِهِ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ كَانَ مَعَ أَهْلِ بِئْرِ
مَعُونَةَ، فَلَمَّا قُتِلُوا أَسْلَمَ هُوَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَدَ فِي طَرِيقِهِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْحَيِّ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ، وَكَانَ مَعَهُمَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَانٌ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرٌو فَقَتَلَهُمَا، فَوَدَاهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ بَعَثَ بِدِيَتِهِمَا إِلَى أَهْلِهِمَا.
وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ: أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ، وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ بِالْعُمُومَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَوْرِيثِ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ.
قَالُوا: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» " يَقْتَضِي تَوَارُثَ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْرِيثِ قَائِمٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، وَلَا ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ، وَهِيَ سَبَبُ التَّوَارُثِ، فَأَمَّا الْمُسْتَأْمِنُ فَيَرِثُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُسْتَأْمِنُ لَا يَرِثُهُ الذِّمِّيُّ لِاخْتِلَافِ دَارِهِمَا، وَيَرِثُ