المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المذهب الثاني أنهم في النار] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[المذهب الثاني أنهم في النار]

وَالْحَدِيثُ وَلَوْ صَحَّ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ ضَرَبَ النُّصُوصَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَدَلِ وَالْمُبَاحَثَةِ الَّذِينَ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَصِلُوا فِي الْعِلْمِ إِلَى غَايَتِهِ، بَلْ هُمْ فِي أَطْرَافِ أَذْيَالِهِ، وَبَلَاءُ الْأُمَّةِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَهُمُ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

196 -

فَصْلٌ

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ فِي النَّارِ.

وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَغَلَّطَهُ شَيْخُنَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحُجَجٍ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي عُقَيْلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ بَهِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ: أَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: " فِي الْجَنَّةِ " وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ: أَيْنَ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " فِي النَّارِ " فَقُلْتُ: لَمْ يُدْرِكُوا

ص: 1092

الْأَعْمَالَ، وَلَمْ تَجْرِ عَلَيْهِمُ الْأَقْلَامُ، قَالَ:" رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ» ".

وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ.

ص: 1093

قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَبُو عُقَيْلٍ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ مِنَ الْخُصُوصِ مَا احْتَمَلَ غَيْرُهُ.

قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُ: " «لَوْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ» "، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَنْ قَدْ مَاتَ، وَصَارَ فِي النَّارِ.

قَالَ: وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مِنَ الْآثَارِ.

قُلْتُ: مُرَادُ أَبِي عُمَرَ: أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِبَعْضِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَاتُوا، وَدَخَلُوا النَّارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمًا عَامًّا لِجَمِيعِ الْأَطْفَالِ.

وَهَذَا صَحِيحٌ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "، وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 1094

وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ رِجْلٍ، عَنِ الْبَرَاءِ.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ مَوْلَى

[غُطَيْفِ بْنِ] عَفِيفٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا يَنْظُرُ فِي حَالِهِ، وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ.

وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ " مِنْ آبَائِهِمْ " فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 1096

وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ هَذَا مَجْهُولٌ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ زَاذَانَ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا.

وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا

[حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ] ، ثَنَا أَبُو زِيَادٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، «عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَطْفَالِي مِنْ أَزْوَاجِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ:" فِي النَّارِ "، وَقَالَتْ: بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ قَالَ: " قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".

ص: 1098

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الَّذِي غَرَّ الْقَاضِيَ أَبَا يَعْلَى حَتَّى حَكَى عَنْ أَحْمَدَ " أَنَّهُمْ فِي النَّارِ "؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» "، فَتَوَهَّمَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَأَحْمَدُ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَا وَأَخِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: إِنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ تُقْرِي الضَّيْفَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا مِنْ عَمَلِهَا ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ:" لَا " قُلْنَا لَهُ: فَإِنَّ أُمَّنَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ، فَقَالَ: الْمَوْءُودَةُ، وَالْوَائِدَةُ فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَتُسْلِمَ» " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ دَاوُدَ.

ص: 1100

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ

[بْنُ] هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ جَابِرٍ،

[عَنْ] عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا عَمَلٌ إِنْ عَمِلْنَا عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

ص: 1101

وَسَلَّمَ -: " لَا يَنْفَعُ الْإِسْلَامُ إِلَّا مَنْ أَدْرَكَ، أُمُّكُمْ وَمَا وَأَدَتْ فِي النَّارِ» ".

وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ» " وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ

ص: 1102

كُلَّهُمْ فِي النَّارِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ هَذَا الْجِنْسِ فِي النَّارِ، وَهَذَا حَقٌّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8 - 9] ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهَا

ص: 1103

تُسْأَلُ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ لِمَنْ وَأَدَهَا، أَوْ تُطْلَبُ مِمَّنْ وَأَدَهَا كَمَا تُطْلَبُ الْأَمَانَةُ مِمَّنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهَا.

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهَا تُقْتَلُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، قِتْلَةً وَاحِدَةً، فَكَيْفَ تُقْتَلُ فِي النَّارِ قَتَلَاتٍ دَائِمَةً، وَلَا ذَنْبَ لَهَا؟ فَاللَّهُ أَعْدَلُ، وَأَرْحَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا بِلَا ذَنْبٍ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُهَا تبارك وتعالى بِلَا ذَنْبٍ؟ وَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ لَا يُعَارِضُ نَصَّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ الْمَوْءُودَةَ فِي النَّارِ بِلَا ذَنْبٍ، فَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يُدْخِلُهَا النَّارَ بِحُجَّتِهِ الَّتِي يُقِيمُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَكَّبَ فِي الْأَطْفَالِ الْعَقْلَ، وَامْتَحَنَهُمْ، وَأَخْرَجَتِ الْمِحْنَةُ مِنْهُمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ النَّارَ.

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي احْتِجَاجِ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «وَأَمَّا النَّارُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا» "، قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ يَنْشَئُونَ لِلنَّارِ بِغَيْرِ عَمَلٍ، فَلَأَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ وُلِدَ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْلَى.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذِهِ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَقَعَتْ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَبَيَّنَهَا الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ

ص: 1104

الصَّوَابُ، فَقَالَ فِي " صَحِيحِهِ " ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ، وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ، وَسَقْطُهُمْ؟ ! قَالَ اللَّهُ عز وجل لِلْجَنَّةِ:" أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي "، وَقَالَ لِلنَّارِ:" أَنْتَ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ".

فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا.

وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا» " هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي " التَّفْسِيرِ ".

وَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] .

ص: 1105

ثَنَا

[عُبَيْدُ اللَّهِ] بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقْطُهُمْ؟ وَقَالَتِ النَّارُ: مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا الْمُتَجَبِّرُونَ؟ فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: " أَنْتِ رَحْمَتِي "، وَقَالَ لِلنَّارِ: " أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» ".

قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ! وَيُلْقَوْنَ فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ! ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَمْتَلِئَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. "

فَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ مِمَّا انْقَلَبَ لَفْظُهُ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ قَطْعًا كَمَا انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ:" «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» " فَجَعَلُوهُ: " إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ "، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ مِنَ الْمَتْنِ.

ص: 1106

وَحَدِيثُ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا لَمْ يُحْفَظْ كَمَا يَنْبَغِي، وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَاوِيَهُ لَمْ يُقِمْ مَتْنَهُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ، وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هُمْ مِنْهُمْ "، وَفِي لَفْظٍ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» "، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ.

وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا فَإِنَّهُ إِنَّمَا سُئِلَ عَنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبِذَلِكَ أَجَابَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ إِنْ أُصِيبُوا فِي التَّبْيِيتِ، وَالْغَارَةِ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَى مَنْ

ص: 1108

أَصَابَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ مَنْ لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لَهُمْ، وَعَلَى ذَلِكَ مُخَرَّجٌ الْحَدِيثُ سُؤَالًا وَجَوَابًا.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذُرِّيَّةَ الْكَافِرِينَ تَلْحَقُ بِهِمْ وَلَا يَلْحَقُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْإِلْحَاقِ إِيمَانَ الْآبَاءِ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ ذُرِّيَّةِ الْكُفَّارِ بِشَيْءٍ، بَلِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى نَقِيضِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِخْبَارُهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُصِ الْآبَاءَ بِهَذَا الْإِلْحَاقِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ هَذِهِ الذُّرِّيَّةَ بِلَا ذَنْبٍ؟

الثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِلْحَاقَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يُؤَاخَذُونَ إِلَّا بِكَسْبِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] .

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] ، وَالْفَاجِرُ وَالْكَفَّارُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ كُفَّارَ أَهْلِ زَمَانِهِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ وَلَدَ بَعْضُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ، كَمَا وَلَدَ آزَرُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " فَاجِرًا كَفَّارًا " حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ مَنْ إِذَا عَاشَ كَانَ

ص: 1109