المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[فصل فإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها]

أَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّ الْأَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَا يَبِنَّ مِنْهُ إِلَّا بِطَلَاقٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ " فَلَا رَيْبَ أَنَّ اخْتِيَارَهُ تَرْكَهُنَّ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ:" اخْتَرْتُ تَرْكَهُنَّ " كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: " اخْتَرْتُ فِرَاقَهُنَّ "، وَهَذَا كَافٍ فِي مُفَارَقَتِهِنَّ، وَاخْتِيَارُهُ بَعْضَهُنَّ فَسْخٌ لِنِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُخْتَارَاتِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:" اخْتَرْتُ هَذِهِ " هُوَ اخْتِيَارٌ لَهَا، وَمُفَارَقَةٌ لِمَنْ عَدَاهَا، كَمَا لَوْ قَالَ:" اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْأَرْبَعَ الْبَوَاقِيَ، بَلْ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ لِلْأَرْبَعِ تَبِينُ مِنْهُ الْبَوَاقِي.

فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ أَرْبَعًا كُنَّ هُنَّ الزَّوْجَاتِ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُ مَنْ سِوَاهُنَّ لِزِيَادَتِهِنَّ عَلَى النِّصَابِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، وَلَا يُنْشِئَ مَا يَقُومُ مَقَامَ طَلَاقَهُنَّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْ ثَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارُهَا فِرَاقًا لِمَنْ عَدَاهَا، فَلِهَذَا أَمَرْنَاهُ بِطَلَاقِ أَرْبَعٍ أَوْ تَمَامِ أَرْبَعٍ، قِيلَ: هَذَا لَا يَصِحُّ أَوَّلًا لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فِرَاقَ الْجَمِيعِ أَوْ مَنْ عَدَا الْمُخْتَارَةَ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِ أَرْبَعٍ وَهُوَ يُرِيدُ فِرَاقَ الثَّمَانِ؟ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَقَوْلُهُ: " اخْتَرْتُ تَرْكَهُنَّ وَمُفَارَقَتَهُنَّ " وَنَحْوُ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلَاقِ، وَكَافٍ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِنَّ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: " اخْتَرْتُ هَذِهِ " جُعِلَ إِبْقَاءً لِنِكَاحِ الْمُخْتَارَةِ، وَفَسْخًا لِنِكَاحِ مَنْ عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ:" اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ".

[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

135 -

فَصْلٌ

فَإِنْ قَالَ: " كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا "، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشُّرُوطِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ

ص: 751

مُعَيَّنٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ عَلَى الشَّرْطِ، كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْجَعَالَةِ، وَالْوَلَايَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَيْضًا تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: لَا يَصِحُّ.

وَالْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ» ".

وَكَذَلِكَ هِبَةُ الثَّوَابِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ، نَحْوُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ قَبِلْتَ مِنِّي هَذَا الْعَمَلَ فَاجْعَلْ ثَوَابَهُ لِفُلَانٍ.

وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ نَحْوُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ.

ص: 752

وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ مَنَعَ تَعْلِيقَهُ، وَهُوَ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، فَهُوَ كَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ.

وَكَذَلِكَ الْفُسُوخُ كُلُّهَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: " «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ، فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ".

وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " مِنْ «حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ الْمُرَقَّعِ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ

ص: 753

يُعْطِي رُمْحًا بِثَوَابِهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَمَا ثَوَابُهُ؟ قَالَ: أُزَوِّجُهُ أَوَّلَ بِنْتٍ تَكُونُ لِي ".

فَلَمَّا وُلِدَتْ طَلَبَهَا مِنْهُ بَعْدَ كِبَرِهَا فَحَلَفَ أَلَّا يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ إِلَّا بِصَدَاقٍ آخَرَ، وَحَلَفَ الزَّوْجُ أَلَّا يُصْدِقَهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " أَرَى أَنْ تَتْرُكَهَا " ثُمَّ قَالَ: " لَا تَأْثَمُ وَلَا يَأْثَمُ صَاحِبُكَ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الشَّرْطَ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: لَا نِكَاحَ بَيْنَكُمَا.

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

فَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِالْمَهْرِ إِلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: النِّكَاحُ ثَابِتٌ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا قَالَ: " إِنْ جِئْتَ بِالْمَهْرِ إِلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ بَيْنَنَا نِكَاحٌ " فَالنِّكَاحُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ

ص: 755

أُصُولُهُ وَقَوَاعِدُ مَذْهَبِهِ، وَمَنْ ضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يُضَعِّفْهَا بِمَا يَقْتَضِي تَضْعِيفَهَا.

وَغَايَةُ مَا قَالُوا: إِنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يَدْخُلُهُ الْخِيَارُ، فَشَرْطُهُ فِيهِ يُفْسِدُهُ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، فَيُقَالُ: نَقْنَعُ مِنْكُمْ بِسُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ تَأْثِيرُ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ، وَثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ نَتَبَرَّعُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ السَّلَمَ، وَالصَّرْفَ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِيهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ.

قَالُوا: الْخِيَارُ يَنْفِي الْإِبَاحَةَ فِي وَقْتٍ يَقْتَضِي إِطْلَاقُ الْعَقْدِ ثُبُوتَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا شَهْرًا، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْقِيَاسِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَهَذَا مُنْتَقَضٌ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الْعَقْدِ الْمُقَيَّدِ دُونَ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ يُقَالُ: كَوْنُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقْدَ الْمُقَيَّدَ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا، بَلْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُقَيَّدِ مَا قُيِّدَ بِهِ، فَهَذَا إِذَنْ مُقْتَضَى هَذَا الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ.

قَالُوا: فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْمُتْعَةُ حَرَامٌ وَكُلُّ نِكَاحٍ فِيهِ وَقْتٌ أَوْ شَرْطٌ فَهُوَ فَاسِدٌ.

قِيلَ: هَذَا لَفْظٌ عَامٌّ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فَهُوَ خَاصٌّ، وَكَلَامُ " الْمُغْنِي "

ص: 756

يُقَيَّدُ مُطْلَقُهُ بِمُقَيَّدِهِ، وَخَاصُّهُ بِعَامِّهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِهِ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ؟ فَإِنَّهُ يُصَحِّحُ النِّكَاحَ أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا، وَأَلَّا يَتَزَوَّجَ وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَهَذَا نَظِيرُ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ إِلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ، فَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.

وَقَوْلُهُ: " كُلُّ نِكَاحٍ فِيهِ وَقْتٌ أَوْ شَرْطٌ فَهُوَ فَاسِدٌ " إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ شَرْطَ التَّحْلِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالْمُتْعَةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسْتَمْتِعَ، وَالْمُحَلِّلَ لَا غَرَضَ لَهُمَا فِي نِكَاحِ الرَّغْبَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ قَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ بُطْلَانُ هَذَا النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرْطِ الْمَانِعِ مِنْ لُزُومِهِ، قِيلَ: هُوَ لَمْ يُبْطِلْ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُحَرَّمٌ، مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَصَدَ بِقَلْبِهِ التَّحْلِيلَ، وَلَمْ يَشْرُطْهُ، أَوْ شَرَطَ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْرُطْ طَلَاقَهَا، كَانَ نِكَاحًا بَاطِلًا مَعَ أَنَّهُ لَا شَرْطَ هُنَاكَ يَمْنَعُ لُزُومَهُ.

وَأَحْمَدُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ مَنْصُوصَاتٍ:

الْأُولَى: صِحَّةُ النِّكَاحِ، وَالشَّرْطِ - وَهِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَأَصْرَحُهَا، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 757