الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ، فَقِيَاسُ أَحَدِ الْبَابَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَلَا إِجْمَاعٌ فَالْحَقُّ التَّسْوِيَةُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ.
[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]
152 -
فَصْلٌ
[جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ] .
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ، وَالْمُحْصَنَاتُ هُنَا هُنَّ الْعَفَايِفُ، وَأَمَّا الْمُحْصَنَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ فِي " سُورَةِ النِّسَاءِ " فَهُنَّ الْمُزَوَّجَاتُ.
وَقِيلَ: الْمُحْصَنَاتُ اللَّاتِي أُبِحْنَ هُنَّ الْحَرَائِرُ، وَلِهَذَا لَمْ تَحِلَّ إِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِحْصَانَ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ:{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ} [المائدة: 5] ، وَهَذَا إِحْصَانُ عِفَّةٍ بِلَا شَكٍّ، فَكَذَلِكَ الْإِحْصَانُ الْمَذْكُورُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الْمَنَاكَحِ، فَقَالَ تَعَالَى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] .
وَالزَّانِيَةُ خَبِيثَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ الْخَبَائِثَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَنَاكَحِ، وَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ إِلَّا الطَّيِّبَاتِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ أَبَاحَ تَزْوِيجَ الزَّوَانِي، وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَنَا الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفَعَلَهُ أَصْحَابُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ نَصْرَانِيَّةً، وَتَزَوَّجَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ نَصْرَانِيَّةً، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْمُسْلِمِ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ، أَوِ الْيَهُودِيَّةَ؟ فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى - وَذَكَرَ آخَرَ - تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: طَلِّقُوهُنَّ، فَطَلَّقُوا إِلَّا حُذَيْفَةُ. فَقَالَ عُمَرُ: طَلِّقْهَا. فَقَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ، طَلِّقْهَا. فَقَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ فَقَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ! قَالَ حُذَيْفَةُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا جَمْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لِي حَلَالٌ. فَأَبَى أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، طَلَّقَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا طَلَّقْتَهَا حِينَ أَمَرَكَ عُمَرُ؟ فَقَالَ: كَرِهْتُ أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنِّي رَكِبْتُ أَمْرًا لَا يَنْبَغِي.
وَقَدْ تَأَوَّلَتِ الشِّيعَةُ الْآيَةَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا، فَقَالُوا: الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مَنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً فِي الْأَصْلِ، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] مَنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، ثُمَّ أَسْلَمَتْ.
قَالُوا: وَحَمَلَنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ،، وَأَيُّ شِرْكٍ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهَا:" اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ "؟ ! وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ الْوَثَنِيَّاتُ.
قَالُوا: وَأَهْلُ الْكِتَابِ لَا يَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ " الْمُشْرِكِينَ " فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: 1]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17] .
وَكَذَلِكَ الْكَوَافِرُ الْمَنْهِيُّ عَنِ التَّمَسُّكِ بِعِصْمَتِهِنَّ إِنَّمَا هُنَّ الْمُشْرِكَاتُ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ زَوْجَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْ ذَاكَ، وَغَايَةُ مَا فِي ذَاكَ التَّخْصِيصُ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: جَوَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ آخِرُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] .