الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اخْتَلَفَ أَحَدٌ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ، أَوْ ذَبَائِحِهِمْ، اخْتَلَفُوا فِي الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا " وَضَعُفَ مَا جَاءَ فِيهِ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ " لَعَلَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خِلَافُهُ " جَوَابٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ لَهُ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ يُجِيزُ نِكَاحَ الْمَجُوسِ، فَقَالَ: أَبُو ثَوْرٍ كَاسْمِهِ، وَدَعَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا فَرَّجَ اللَّهُ عَمَّنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ.
وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ مِمَّا لَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، لِظُهُورِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَحْرِيمِ مُنَاكَحَتِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فِقْهِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُمْ أَفْقَهُ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنِسْبَةُ فِقْهِ مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى فِقْهِهِمْ كَنِسْبَةِ فَضْلِهِمْ إِلَى فَضْلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِي دِمَائِهِمْ بِالْعِصْمَةِ، وَفِي ذَبَائِحِهِمْ، وَمُنَاكَحَتِهِمْ بِالْحُرْمَةِ، فَرَدُّوا الدِّمَاءَ إِلَى أُصُولِهَا، وَالْفُرُوجَ وَالذَّبَائِحَ إِلَى أُصُولِهَا.
[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]
159 -
فَصْلٌ
[إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ] .
لِلْمُسْلِمِ إِجْبَارُ زَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ أَبَتْ لَمْ يَتْرُكْهَا.
وَقَدْ عَلَّقَ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي الْمُشْرِكَةِ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، الشِّرْكُ أَعْظَمُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهَا، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا امْتَنَعَتْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنَ الزَّوْجِ مُطَالَبَةٌ بِالْغُسْلِ، قَالَ: وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ لَهُ إِجْبَارَهَا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْوَطْءَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ، لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، كَمَا لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَنْزِلِ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ.
فَأَمَّا الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَيْهِ؟ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَالَ: يَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ أَبَتْ لَمْ يَتْرُكْهَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ إِجْبَارَهَا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً فَأَمَرَهَا بِتَرْكِهِ (يَعْنِي شُرْبَ الْخَمْرِ) : فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا.
وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، كَمَا لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الْوَطْءِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ أَصْلِهِ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَمَالِ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَعَافُ وَطْءَ مَنْ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ بَعْضُ حَقِّهِ، فَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا كَمَا كَانَ لَهُ فِي الِاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ.