الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مِنْ غَيْرِ سِبَاءٍ، وَلَا رِقٍّ حَادِثٍ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الدَّارِ الَّتِي حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا عَلَيْهِ دُونَ أَبَوَيْهِ، كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ بِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا، فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِمَا، وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ إِلَيْهَا، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ، فَالدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حِسًّا.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَبَوَاهُ فِي دَارٍ أُخْرَى مِنْ دُورِ الْحَرْبِ غَيْرِهَا، قِيلَ: مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَنَحْنُ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَدَارُ الْحَرْبِ دَارٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ بِلَادُهَا، فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَإِذَا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ حُكْمُ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمٌ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِيهَا حُكْمَ مَنِ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَوِلَايَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَبَوَيْهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ حُكِمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا.
[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
176 -
فَصْلٌ
[اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] .
الْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:
إِحْدَاهَا: هَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ.
الثَّانِيَةُ: اخْتِلَاطُ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِ الْكُفَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُونَ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَنَصْرَانِيٍّ فِي دَارٍ، وَلَهُمَا أَوْلَادٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ وَلَدُ النَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَدِ الْمُسْلِمِ؟ قَالَ: يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
الثَّالِثَةُ: الِالْتِقَاطُ: فَكُلُّ لَقِيطٍ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ فَهَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَوْ يَكُونُ كَافِرًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: كُلُّ لَقِيطٍ وُجِدَ فِي قُرَى الْإِسْلَامِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي قُرَى الشِّرْكِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُشْرِكٌ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: إِنِ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَوْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الِابْنَانِ، وَالثَّلَاثَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَلَا يُعْرَضُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ مُسْلِمٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَى دِينِهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: حُكْمُهُ فِي هَذِهِ أَيْضًا الْإِسْلَامُ الْتَقَطَهُ ذِمِّيٌّ، أَوْ مُسْلِمٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: كَمَا أَجْعَلُهُ حُرًّا، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَعْلَمْ حُرٌّ هُوَ أَمْ عَبْدٌ، لِاحْتِمَالِ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَجَّحَ جَانِبَهَا هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِمْ.
وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: إِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ دَارِ الْكُفْرِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: دَارٌ يَسْكُنُهَا الْمُسْلِمُونَ، فَاللَّقِيطُ الْمَوْجُودُ فِيهَا مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: دَارٌ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا فِي يَدِ الْكُفَّارِ بِجِزْيَةٍ، أَوْ مَلَكُوهَا، أَوْ صَالَحُوهُمْ، وَلَمْ يَمْلِكُوهَا، فَاللَّقِيطُ فِيهَا مُسْلِمٌ إِذَا كَانَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، وَإِلَّا فَكَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقِيلَ: مُسْلِمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ.
الثَّالِثُ: دَارٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ رَحَلُوا عَنْهَا، وَغَلَبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ يُعْرَفُ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ مُسْلِمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْرُوفٌ بِالْإِسْلَامِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْجُوَيْنِيِّ.
وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ فَاللَّقِيطُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تُجَّارٌ مُسْلِمُونَ سَاكِنِينَ فَهَلْ نَحْكُمُ بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ، أَوْ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا الْوَجْهَانِ لَوْ كَانَ فِيهَا أُسَارَى مُسْلِمُونَ.
فَأَمَّا الْمَحْبُوسُونَ فِي الْمَطَامِيرِ فَلَا أَثَرَ لَهُمْ، كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمُجْتَازِينَ الْمَارِّينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِمْ.
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: إِنِ الْتَقَطَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ، إِلَّا أَنْ