الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصِّبْيَانِ فَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: " «أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ؟ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» "، وَلَوْ أُرِيدَ الْقُدْرَةُ لَكَانَ الْبَالِغُونَ كَذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ مُسْتَوْجِبِينَ لِلْقَتْلِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِالْفِطْرَةِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ مَعَ إِرَادَتِهَا، فَالْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ مَعَ الْإِرَادَةِ التَّامَّةِ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُرَادِ الْمَقْدُورِ، فَإِذَا فُطِرُوا عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَإِرَادَتِهَا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِيمَانِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مُوجِبُهُ وَمُقْتَضَاهُ.
[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]
184 -
فَصْلٌ
[ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ] .
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " يَعْنِي الْبُدَاءَةَ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ عَلَيْهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَالسَّعَادَةِ، وَالشَّقَاوَةِ، إِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ مِنْ قَبُولِهِمْ دِينَ آبَائِهِمْ، وَاعْتِقَادِهِمْ.
قَالُوا: وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبُدَاءَةُ، وَالْفَاطِرُ الْمُبْتَدِئُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُولَدُ عَلَى مَا ابْتَدَأَهُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ - فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29 - 30] .
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى أَتَى أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا أَيِ ابْتَدَأْتُهَا.
وَذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا: شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا ".
قَالَ شَيْخُنَا: حَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ صَائِرٌ إِلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَجَمِيعُ الْبَهَائِمِ هِيَ مَوْلُودَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَهَا، وَالْأَشْجَارُ مَخْلُوقَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كُلُّ مَخْلُوقٍ قَدْ خُلِقَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: " «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ» " مَعْنًى، فَإِنَّهُمَا فَعَلَا بِهِ مَا هُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَلَا فَرْقَ فِي الْفِطْرَةِ بَيْنَ التَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ، وَبَيْنَ