المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذهب الأول الوقف في أمرهم] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌المذهب الأول الوقف في أمرهم]

[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

وَأَمَّا أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِمْ عَلَى عَشَرَةِ مَذَاهِبَ، نَحْنُ نَذْكُرُ أَدِلَّتَهَا وَنُبَيِّنُ رَاجِحَهَا مَنْ مَرْجُوحِهَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ.

الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ:

وَلَا نَحْكُمُ لَهُمْ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ، وَنَكِلُ عِلْمَهُمْ إِلَى اللَّهِ: وَهَذَا قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَذْهَبِ الْوَقْفِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَذْهَبِ الْمَشِيئَةِ، وَأَنَّهُمْ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِمَا يَشَاءُ، وَلَا يُدْرَى حُكْمُهُ فِيهِمْ مَا هُوَ.

وَاحْتَجَّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِحُجَجٍ مِنْهَا:

مَا خُرِّجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ، وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ:" اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".

وَمِنْهَا مَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ:" «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» "، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ آنِفًا.

ص: 1086

وَفِي " صَحِيحِ " أَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ: قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَائِمًا - أَوْ مُقَارِبًا - مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَانِ وَالْقَدَرِ» ".

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: " الْوِلْدَانِ " أَرَادَ بِهِمْ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ.

وَفِي اسْتِدْلَالِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْوَقْفِ بِهَذِهِ النُّصُوصِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُجِبْ فِيهِمْ بِالْوَقْفِ، وَإِنَّمَا وَكَلَ عِلْمَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ عَاشُوا إِلَى اللَّهِ، وَالْمَعْنَى:" اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ عَاشُوا "، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الْقَابِلَ مِنْهُمْ لِلْهُدَى الْعَامِلَ بِهِ لَوْ عَاشَ، وَالْقَابِلَ مِنْهُمْ لِلْكُفْرِ الْمُؤْثِرَ لَهُ لَوْ عَاشَ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِيهِمْ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ فِيهِمْ بِلَا عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَنْ يُؤْمِنُ، وَمَنْ يَكْفُرُ، بِتَقْدِيرِ الْحَيَاةِ.

ص: 1087

فَقَوْلُهُ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» " عَقِيبَ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِهِمْ يَكْشِفُ لَكَ الْمَعْنَى، وَيُوَضِّحُهُ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ - لَوْ أَدْرَكُوا - مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَدْرَكَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَابِهِ صلى الله عليه وسلم.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَرَّجَ جَوَابًا لَهُمْ حِينَ أَخْبَرَهُمْ " أَنَّهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " فَقَالُوا: بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» "، كَمَا فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ مِنْهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ - لَوْ عَاشُوا - لَاخْتَارُوا الْكُفْرَ وَعَمِلُوا بِهِ، فَهَؤُلَاءِ مَعَ آبَائِهِمْ، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الذُّرِّيَّةِ مَعَ أَبِيهِ فِي النَّارِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ - سُؤَالًا وَجَوَابًا - إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:" «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَبَايِنُونَ فِي التَّبَعِيَّةِ بِحَسَبِ تَبَايُنِهِمْ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ.

يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، وَلِهَذَا فَهِمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها ذَلِكَ، فَقَالَتْ:" بِلَا عَمَلٍ؟ " فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ:" «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".

ص: 1089

وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِهِمْ بِلَا عَمَلٍ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَلَكِنْ لَا يَنْفِي هَذَا أَنْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَسْبَابٍ أُخَرَ كَامْتِحَانِهِمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَحِينَئِذٍ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ، وَيَكُونُونَ مَعَهُمْ بِلَا عَمَلٍ عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا.

وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها إِنَّمَا اسْتَشْكَلَتْ لَحَاقَهُمْ بِهِمْ بِلَا عَمَلٍ عَمِلُوهُ مَعَ الْآبَاءِ، وَأَجَابَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا هُمْ عَامِلُوهُ، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا: إِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ فِيهِمْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِي " رَفْعِهِ " نَظَرٌ، وَالنَّاسُ إِنَّمَا رَوَوْهُ " مَوْقُوفًا عَلَيْهِ " وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ فِي كِتَابِهِ مَا يَعْلَمُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ: كَمَا رَفَعَ قَوْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " «كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْقُنُوتِ فَهُوَ الطَّاعَةُ» "، وَهَذَا لَا يُشْبِهُ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ أُبَيٍّ.

ص: 1090