المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المذهب السابع أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[المذهب السابع أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة]

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي

[مُرَاوِحٍ] قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: " ذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ".

[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

202 -

فَصْلٌ

الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ.

فَلَا يُفْرَدُونَ عَنْهُمْ بِحُكْمٍ فِي الدَّارَيْنِ: فَكَمَا أَنَّهُمْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَبَيْنَ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ:" هُمْ فِي النَّارِ " أَنَّ

ص: 1131

صَاحِبَ هَذَا الْمَذْهَبِ يَجْعَلُهُمْ مَعَهُمْ تَبَعًا لَهُمْ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ بَعْدَ مَوْتِ أَطْفَالِهِمَا لَمْ يَحْكُمْ لِأَفْرَاطِهِمَا بِالنَّارِ.

وَصَاحِبَ الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ: هُمْ فِي النَّارِ، لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَدْخُلُوا النَّارَ تَبَعًا، وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ " أَنَّهُمْ فِي النَّارِ ".

وَبِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَذَرَارِيهِمْ، فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» .

وَمِثْلُهُ حَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " «الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ» "، فَدَخَلَتِ الْوَائِدَةُ النَّارَ بِكُفْرِهَا، وَالْمَوْءُودَةُ تَبَعًا لَهَا.

قَالُوا: وَكَمَا أَنَّ إِتْبَاعَ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِآبَائِهِمْ كَانَ إِكْرَامًا لَهُمْ وَزِيَادَةً فِي ثَوَابِهِمْ، وَأَنَّ الْإِتْبَاعَ إِنَّمَا اسْتُحِقَّ بِإِيمَانِ الْآبَاءِ، فَكَذَلِكَ إِذَا انْتَفَى إِيمَانُ الْآبَاءِ انْتَفَى الْإِتْبَاعُ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَالصَّحِيحُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَجَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى

ص: 1132

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا بِقَوْلِهِ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".

وَأَمَّا حَدِيثُهَا الْآخَرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: " هُمْ فِي النَّارِ " فَلَا يَصِحُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْعَذَابِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا أُصِيبُوا فِي الْبَيَاتِ لَمْ يُضْمَنُوا، وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ وَالْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّهُ فِي الْجِهَادِ.

وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قَالَ: " «هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» "، وَلَمْ يَقُلْ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَكَوْنُهُمْ " مِنْهُمْ " لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونُوا " مَعَهُمْ " فِي الْآخِرَةِ، بِخِلَافِ كَوْنِهِمْ " مِنْهُمْ " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَثْبُتَ لَهُمْ أَحْكَامُ الْآبَاءِ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّوَارُثِ، وَالْحَضَانَةِ، وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُخْرِجُ الطَّيِّبَ مِنَ الْخَبِيثِ، وَالْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ.

وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ " مِنْ آبَائِهِمْ "، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُمْ يُولَدُونَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ " مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ "، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَكَانُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَوَجَبَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ إِذَا مَاتُوا، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَرِثَهُمْ

ص: 1133

أَقَارِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَلَّا يُمَكَّنَ أَبَوَاهُمْ مِنْ تَهْوِيدِهِمْ وَتَنْصِيرِهِمْ، إِذْ لَا يَجُوزُ تَمْكِينُ الْكَافِرِ مِنْ تَهْوِيدِ الْمُسْلِمِ، وَتَنْصِيرِهِ، فَدَلَّ انْتِفَاءُ هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنَّهُمْ " مِنْهُمْ فِي الدِّينِ "، وَأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِيهِ، كَمَا أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ فِي الدِّينِ، وَأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِيهِ، قِيلَ: هَذَا وَمَا نَقُولُ سَوَاءٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الطِّفْلُ مَعَ أَبَوَيْهِ، أَوْ مَعَ كَافِلِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، وَالْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّ الَّذِي خَلَقَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَالْحَنِيفِيَّةِ أَقَرَّ أَبَوَيْهِ عَلَى تَرْبِيَتِهِ، وَتَهْوِيدِهِ، وَتَنْصِيرِهِ، وَذَلِكَ لِضَرُورَةِ بَقَاءِ نَوْعِ الْكُفَّارِ فِي الْأَرْضِ، إِذْ لَوْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ - فَالْآبَاءُ يَمُوتُونَ، وَالْأَطْفَالُ يُحْكَمُ لَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ - لَانْقَطَعَ الْكُفْرُ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ الدِّينُ كُلُّهُ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَبَطَلَ الْجِهَادُ.

وَالْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَالْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا مُخَلَّدِينَ، فَالشُّهَدَاءُ هُمْ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا انْقِطَاعُ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ أَقَارِبِهِمُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، فَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثْ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مَالَ الْمُرْتَدِّ إِذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، وَهَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ، وَخَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُوَرِّثُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَقَارِبِهِمُ الْكُفَّارِ إِذَا مَاتُوا.

ص: 1134