الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]
165 -
فَصْلٌ
[لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ] .
وَأَمَّا تَوْرِيثُ الْكَافِرِ مِنَ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ بَعْدَ مَوْتِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَقَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ، فَيُسْلِمُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَقَسْمِ التَّرِكَةِ.
وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَرِثُهُ، نَقَلَهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
[عَنْ أَبِيهِ] ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَبِهَا قَالَ الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ: لَا يَرِثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ.
قَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ ": (بَابُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ) .
أَخْبَرَنِي حَرْبٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ؟ قَالَ: دَعْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، لَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ يُوَرَّثُ مِنْ ذَلِكَ الْمِيرَاثِ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْأَثْرَمُ، قَالَ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ
[أَنَّهُ يُوَرَّثُ] .
[حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ؟] قَالَ: يُقْسَمُ لَهُ مَا لَمْ يُقَسَّمِ الْمِيرَاثُ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى
مِيرَاثٍ، هَلْ يَرِثُ؟ قَالَ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يُوَرِّثَانِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يُوَرَّثُ الْمَوَارِيثَ.
أَخْبَرَنِي الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ؟ قَالَ: مَسْأَلَةٌ مُشْتَبِهَةٌ، مَنْ يَحْتَجُّ فِيهَا يَقُولُ، الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ، وَيُحْتَجُّ فِيهَا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، هَذِهِ حُجَّةٌ لِمَنْ وَرَّثَهُ، يَحْتَجُّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، يَقُولُ: أَلَيْسَ إِنَّمَا وَجَبَتِ الْوَصِيَّةُ، وَالْكَفَنُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِسْلَامُ هَذَا أَكْبَرُ إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ.
قَالَ الْخَلَّالُ: وَمَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي مَسْأَلَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَرِثُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مِنَ الْكَفَنِ وَالْوَصِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَسَأَلَهُ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ، فَلَهُ الْمِيرَاثُ؟ قَالَ: فَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ عَلَى مِيرَاثٍ لَمْ يُقْسَمْ لَهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ مَسَائِلِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَقْوَامٍ
نَصَارَى أَوْقَفُوا عَلَى الْبِيعَةِ ضِيَاعًا كَثِيرَةً، فَمَاتَ النَّصَارَى، وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ، وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى، أَلْهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا مِنْ أَيْدِي النَّصَارَى؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: نَعَمْ، يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ.
فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ مِنْ نُصُوصِ أَحْمَدَ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ نَصًّا " أَنَّهُ لَا يَرِثُ " غَيْرَ تَوَقُّفِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا تَوَقُّفَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعُمُومُ أَجْوِبَتِهِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ فَصَّلَ، فَقَالَ: الزَّوْجَةُ لَا تَرِثُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا، وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ الْمُوَرِّثُونَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» "، فَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَتَأَوَّلَهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ. وَهَذَا قَسْمٌ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَيُقْسَمُ عَلَى حُكْمِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهَ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَا كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْإِسْلَامِ» ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ، فَارْتَفَعُوا إِلَيْهِ فِي يَهُودِيٍّ مَاتَ، وَتَرَكَ أَخَاهُ مُسْلِمًا، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ الْإِسْلَامَ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ» " فَوَرِثَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» "، وَهَذَا قَدْ أَسْلَمَ عَلَى
مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ، فَيَكُونُ لَهُ، قَالُوا: وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ النِّجَادُ أَنَّ
[يَزِيدَ] بْنَ قَتَادَةَ مَاتَتْ أُمُّهُ، فَأَسْلَمَ بَعْضُ أَوْلَادِهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَرِثُونَ مَا لَمْ يُقَسَّمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ اللَّبَّانِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ
[يَزِيدَ]
بْنَ قَتَادَةَ
[الْعَنَزِيَّ] حَدَّثَ أَنَّ إِنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ مَاتَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَوَرِثَتْهُ أُخْتِي وَكَانَتْ عَلَى دِينِهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ
[أَبِي] أَسْلَمَ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فَتُوُفِّيَ فَلَبِثَتْ سَنَةً، وَكَانَ تَرَكَ نَخْلًا، ثُمَّ إِنَّ أُخْتِي أَسْلَمَتْ فَخَاصَمَتْنِي فِي الْمِيرَاثِ إِلَى عُثْمَانَ، فَحَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَلَهُ نَصِيبُهُ، فَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ، فَذَهَبَتْ بِذَلِكَ الْأَوَّلِ، وَشَارَكَتْنِي فِي هَذَا.
وَرَوَى ابْنُ اللَّبَّانِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَهُ مِيرَاثُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ أَسْلَمَ، وَأُعْتِقَ عَلَى مِيرَاثٍ.
قُلْنَا: فَقَدْ رَوَى ابْنُ اللَّبَّانِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ الْمِيرَاثُ، فَإِنَّهُ يَرِثُ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ
فَإِمَّا أَنْ تَتَعَارَضَا، وَتَتَسَاقَطَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ التَّوْرِيثِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ قَوْلَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ " مَعْنَاهُ: مَنْ أَسْلَمَ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ لِمَوْرُوثِهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَيُقَسِّمَ مِيرَاثَهُ، قِيلَ: هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ سِيَاقَ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقِسْمَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ، وَلَمْ يَقُلْ: قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْرُوثُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى (قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ) هُوَ مَعْنَى (قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ مَوْرُوثُهُ) ، وَالتَّأْوِيلُ إِذَا خَرَجَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَحُشَ جِدًّا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ أَنْ يُقَالَ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ وَرِثَهُ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى بَيَانٍ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجَدَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ قَبْلَهُ، كَمَا قُلْتُمْ فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَمَاتَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ: فَإِنَّ الضَّمَانَ مُتَعَلِّقٌ بِتَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ
الْوُقُوعَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَالْحَفْرُ سَبَبُ الضَّمَانِ وُجِدَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالْوُقُوعُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالنَّسَبُ سَبَبُ الْإِرْثِ وُجِدَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا ظَهَرُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْمَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا تَتَعَيَّنُ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ فِيهِ حَتَّى تَسْتَقِرَّ الْوَصِيَّةُ، إِنْ كَانَتْ، إِمَّا بِقَبُولٍ، أَوْ رَدٍّ، فَتَتَعَيَّنُ بِالْقِسْمَةِ.
وَأَيْضًا، فَقَدْ قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَنَا: إِنَّ مَا يَنْتَقِلُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ عَنْ مَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ إِرْثًا، فَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمَالِ عَنْ مَيِّتٍ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ الِانْتِقَالِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَجْرَوْا حَالَةَ الْمَوْتِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَجْرَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا اسْتِيلَاءُ الْوَرَثَةِ، وَحَوْزُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ، فَكَأَنَّهَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ حُكْمًا، فَهِيَ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقِسْمَةِ لَهَا حَالَةٌ وَسَطٌ، فَأُلْحِقَتْ بِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ، وَكَانَ أَوْلَى، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ بَقَائِهَا.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ زَادَتْ وَنَمَتْ وُفِّيَتْ دُيُونُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ نَصَبَ مَنَاجِلَ وَشَبَكَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ عَلَى مِلْكِهِ، فَتُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ، وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِمَّا يُرَغِّبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِحْسَانِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، وَكَمَالِهَا، أَلَّا يُحْرَمَ وَلَدُ رَجُلٍ مِيرَاثَهُ بِمَانِعٍ قَدْ زَالَ فِعْلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ هُوَ مُقْتَضٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَكِنْ عَاقَبَهُ الشَّارِعُ بِالْحِرْمَانِ عَلَى كُفْرِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعُقُوبَةِ، بَلْ صَارَ بِالثَّوَابِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْعِقَابِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ زَوَالَ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا، فَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالنَّازِعُ عَنِ الْكُفْرِ كَمَنْ لَمْ يَكْفُرْ، فَلَا مَعْنَى لِحِرْمَانِهِ، وَقَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَمَالُ مَوْرُوثِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَعْدُ لِغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حُكْمِ الزَّائِلِ مِنْ وَجْهٍ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ - إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَبْلَ حِيَازَةِ بَيْتِ الْمَالِ التَّرِكَةَ - سَاوَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَامْتَازَ عَنْهُمْ بِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا بَرَزَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهَا مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُهُ.
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّوْرِيثِ: التَّرِكَةُ تَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ أَلَّا يَزُولَ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ، كَمَا لَا يَزُولُ بِحُدُوثِ وَارِثٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ وَيُخَلِّفَ أُمًّا وَأُخْتًا، فَتَتَعَلَّقُ الْأُمُّ بِوَلَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْمِيرَاثِ لِلْمَوْجُودِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِرْ وَارِثًا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَيْرُورَتَهُ وَارِثًا بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَارِثًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَكَذَلِكَ قَبْلَهَا.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَرِثْ، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ.
قَالَ الْمُوَرِّثُونَ: إِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْمِلْكِ لِلْمَوْجُودِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ فِي الظَّاهِرِ مِلْكًا مُرَاعًى، كَمَا حَكَمْنَا بِالْمِلْكِ لَهُمْ إِذَا كَانَ الْوَارِثُ قَدْ حَفَرَ بِئْرًا، وَنَصَبَ سِكِّينًا، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إِنْسَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِالْأَرْشِ.
وَتَبَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَيُفَارِقُ هَذَا إِذَا حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ الْمَوْتِ، وَالسَّبَبُ هَاهُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ النَّسَبُ، فَجَازَ أَنْ يَرِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ.
يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَمَاتَ السَّيِّدُ، فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِتَرِكَتِهِ، وَلَوْ حَفَرَهَا الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُضَافًا إِلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا كَانَ مِيرَاثُهُ مُرَاعًى، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمْ يَرِثْهُ. وَهَذَا إِلْزَامٌ جَيِّدٌ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمِيرَاثَ مُرَاعًى عَلَى مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَأَمَّا إِلْزَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِلْزَامٌ قَوِيٌّ جِدًّا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ، مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ إِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي جَوَابٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ الْحَسَنُ وَأَبُو
الشَّعْثَاءِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا.
فَالْمَسْأَلَتَانِ مِنْ مَسَائِلِ النِّزَاعِ، وَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: عَدَمُ الْمِيرَاثِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
وَالثَّانِي: ثُبُوتُ التَّوَارُثِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
وَالثَّالِثُ: ثُبُوتُ التَّوَارُثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، دُونَ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمَنْ وَافَقَهُ.
وَفَرَّقَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ: بِأَنَّ الْكَافِرَ أَقْوَى سَبَبًا مِنَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ عَلَى صِفَةِ مَنْ يَرِثُ كَافِرًا مِثْلَهُ، وَيَعْقِلُ وَيَنْصُرُ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ مَنْ يَرِثُ، وَلَا يَعْقِلُ، وَلَا يَنْصُرُ، فَضَعُفَ فِي بَابِهِ: بِهَذَا فَرَّقَ الْقَاضِي وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْكَافِرَ حُرٌّ فَمَعَهُ مُقْتَضِي الْمِيرَاثِ، وَالْكُفْرُ مَانِعٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مُقْتَضِي الْمِيرَاثِ، وَلَيْسَ بِأَهْلٍ، فَبِالْعِتْقِ تَجَدَّدَ الْمُقْتَضِي، وَبِالْإِسْلَامِ زَالَ الْمَانِعُ.
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا بِتَوْرِيثِ الْكَافِرِ يُسْلِمُ، دُونَ الْعَبْدِ يَعْتِقُ، وَيَكْفِي تَفْرِيقُهُمْ عَنْ تَكَلُّفِ طَلَبِ الْفَرْقِ!
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهِ، فَهُوَ مَمْدُوحٌ عَلَيْهِ، وَمُثَابٌ
عَلَيْهِ، وَالْعِتْقُ وُجِدَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، فَلَا مِنَّةَ لَهُ فِيهِ، وَلَا ثَوَابَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِمَا يُمْدَحُ عَلَيْهِ عِوَضًا يَكُونُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الزَّوْجَةِ تَسْلِمُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ؟ قِيلَ: قَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ " الطَّلَاقِ " هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ:" إِذَا أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمِيرَاثِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا يَرِثُ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَخَارِجَةٌ عَنِ الْمِيرَاثِ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا ".
قَالَ الْقَاضِي: " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ أَنَّهَا تَرِثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ، فَإِذَا زَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَمْنَعِ الْإِرْثَ كَالنَّسَبِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ إِرْثَ الزَّوْجَةِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى صِفَةٍ: وَهِيَ الِاتِّفَاقُ فِي الدِّينِ، وَبِالْمَوْتِ قَدْ زَالَ الْعَقْدُ، فَإِذَا وُجِدَ الِاتِّفَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ كَعَدَمِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ يُوَرَّثُ بِهِ عَلَى صِفَةٍ، وَبِالْمَوْتِ لَمْ يَزُلِ النَّسَبُ، فَإِذَا وُجِدَ الِاتِّفَاقُ فِي الدِّينِ صَادَفَ سَبَبًا ثَابِتًا، فَلِهَذَا وَرِثَ ".
يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا مَا قُلْنَاهُ فِي الْمَوْلَى الْمُنَاسِبِ: إِذَا فَسَقَ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ، فَإِذَا صَارَ عَدْلًا عَادَتْ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ وَلَوِ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ بِالْحُكْمِ، وَفَسَقَ الْحَاكِمُ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ، فَإِنْ صَارَ عَدْلًا فِي الثَّانِي لَمْ تُعَدْ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّهَا إِنَّمَا اسْتَفَادَهَا بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَدْ بَطَلَ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُ الْعَدَالَةِ فِي الثَّانِي.