المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل إذا أسلم الزوجان أو أحدهما] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر نكاح أهل الذمة ومناكحتهم] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ نِكَاحِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا]

- ‌[فَصْلٌ في طَلَاقِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْلِمُ إِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ حَجَّةُ الْمُعَجِّلُونَ لِلْفُرْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صِحَّةُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ جَمِيعِ نِسَائِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَتَى يَخْتَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاخْتِيَارُ يُعَدُّ فِرَاقًا لِلْبَوَاقِي]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْرُ لِلنِّسْوَةِ إِذَا كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى تَبْدَأُ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ نِسَاؤُهُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مَاتَتْ إِحْدَى الْمُخْتَارَاتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْرَى مِنَ الْبَواقِي]

- ‌[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِيَارُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا مِتْنَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ وَيَرِثُهُنَّ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَتَى يَطَأُ الْأُخْتَ الْمُخْتَارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ قَبْضُ بَعْضِ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا بَقِيَ كَيْفَ يَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَاكُمُ إِلَيْنَا فِي أَنْكِحَةٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ بِلَا صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَابِطِ مَا يَصِحُّ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَافِرِ يَكُونُ وَلِيًّا لِوَلِيَّتِهِ الْكَافِرَةِ دُونَ الْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ وِلَايَةِ الْأَبِ الذِّمِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ وِلَايَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِةِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَاجُ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ جَوَازُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُكْرَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ النِّكَاحُ مِنَ السَّامِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْمُتَمَسِّكَاتِ بِغَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ مَعَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمَجُوسِ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْبَارُ الزَّوْجَةِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ دُورِ الْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ مِنَ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَاءُ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ شَعَائِرَهَا التَّعَبُّدِيَّةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مَوَارِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ] [

- ‌فصل هَلْ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَوَارُثُ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَعِلَلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِلَا خِلَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ]

- ‌[ذكر أَحْكَامِ أَطْفَال أهل الذمة] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ ذِكْرِ أَحْكَامْ أَطْفَالهم فِي الدُّنْيَا]

- ‌[فصل مَوْتُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أَبَوَيْهِ إِذَا أَسْلَمَاَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الْمَسْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نُصُوصِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّبِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا]

- ‌[فَصْلٌ وَالِدُ الْمَمْلُوكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ ضَلَالُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْفِطْرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْطَاقَ كَانَ لِلْأَرْوَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ علبه السلام فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي خَلْقِ الْأَجْسَادِ قَبْلَ الْأَرْوَاحِ أَوِ الْعَكْسُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي حُبَّ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا]

- ‌[الباب الثاني ذِكْرُ أَحْكَامِ أَطْفَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ] [

- ‌فصل اخْتِلَافِ النَّاس حكم أطفال المشركين فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدِلَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَذَاهِبُ الْعَشَرَةُ فِيهِمْ] [

- ‌الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ الْوَقْفُ فِي أَمْرِهِمْ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُمْ مَرْدُودُونَ إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عَمَلٍ]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّادِسُ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَمَالِيكُهُمْ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرِقَّائِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِي الدُّنْيَا]

- ‌[الْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا]

- ‌[الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ مَذْهَبُ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ]

الفصل: ‌[فصل إذا أسلم الزوجان أو أحدهما]

بِحُرٍّ وَلَا عَبْدٍ، وَلَا مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ، وَهَذِهِ قَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ. وَدَلِيلُ كَوْنِهِ زَوْجًا الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ.

أَمَّا الْحَقِيقَةُ: فَلِأَنَّ الزَّوْجَ وَالتَّزْوِيجَ حَاصِلٌ فِيهِ حِسًّا، وَكُفْرَهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِيقَةِ الزَّوْجِيَّةِ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ: فَثُبُوتُ النَّسَبِ، وَوُجُوبُ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، وَالتَّمْكِينُ مِنَ الْوَطْءِ، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ، وَفِي الْأَرْبَعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَثُبُوتُ الْأَحْكَامِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِيقَةِ.

[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا]

116 -

فَصْلٌ: إِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ نِكَاحِهِمْ فَهَاهُنَا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً لَمْ يُؤَثِّرْ إِسْلَامُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَكَانَ بَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ، وَأَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمُقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ وَلَا رَضَاعٌ ".

ص: 640

وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنِسَاؤُهُمْ، وَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ، وَلَا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَالضَّرُورَةِ، فَكَانَ يَقِينًا.

ثُمَّ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَتَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ تَلَفُّظًا وَاحِدًا، يَكُونُ ابْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا مَعَ ابْتِدَاءِ صَاحِبِهِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ.

وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا اشْتَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ قَطُّ، وَلَا اعْتَبَرَهُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَقُلْ يَوْمًا وَاحِدًا لِرَجُلٍ أَسْلَمَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ:" تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ تَلَفُّظًا وَاحِدًا لَا يَسْبِقُ أَحَدُكُمَا الْآخَرَ "، وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنَ التَّكَلُّفِ الَّذِي أَلْغَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَلَمْ تَعْتَبِرْهُ؟ وَلَيْسَ لِهَذَا نَظِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، بَلْ إِذَا أَسْلَمَا فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ فَقَدِ اجْتَمَعَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُؤَثِّرُ سَبْقُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِنَا.

وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَتَى أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، أَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِأَنْ يُسْلِمَا مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا

ص: 641

سَاعَةَ إِسْلَامِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ، هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَحَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، وَقَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ.

ص: 642

قُلْتُ: وَحِكَايَةُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ غَلَطٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ رِوَايَةً عَنْهُ، فَسَنَذْكُرُ مِنْ آثَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خِلَافَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ، فَهَذَا قَوْلٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ أَبَيَا فَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَا تُرَاعَى الْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: الْفَسْخُ هَاهُنَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ، فَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَجُوسِيَّةً كَانَتِ الْفُرْقَةُ فَسْخًا قَوْلًا وَاحِدًا.

قَالُوا: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ، وَإِنْ

ص: 643

كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُسْلِمَةً، أَوْ مُعَاهِدَةً، فَسَاعَةَ حُصُولِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، بِأَنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ هُوَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ ثَلَاثَ حِيَضٍ أُخَرَ عِدَّةً مِنْهُ، وَهَلْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ؟

فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يُسْلِمِ الرَّجُلُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ أَبَتِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَةَ إِبَائِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: إِنَّمَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةَ إِذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَتَقِفُ عَلَى الْعِدَّةِ إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا عَقَلَ عَنْهَا حَتَّى مَضَى لَهَا شَهْرٌ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ وَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَالْفُرْقَةُ حَيْثُ وَقَعَتْ فَسْخٌ.

ص: 644

وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ.

وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَكْسَ هَذَا، وَأَنَّهَا إِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ فِي الْحِينِ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا فَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِلَّا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِانْقِضَاء الْعِدَّةِ، فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ: إِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَأَسْلَمَ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنِ

ص: 645

انْقَضَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَهَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَقَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ، فَخَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ، (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ) ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُقِيمُ تَحْتَهُ، وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، بَلْ تَنْتَظِرُ، وَتَتَرَبَّصُ، فَمَتَى أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ مَكَثَتْ سِنِينَ، فَهَذَا قَوْلٌ سَادِسٌ، وَهُوَ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ السُّنَّةُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا.

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ

ص: 646

أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا. فَهَذَا قَوْلٌ سَابِعٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَامِنٌ.

وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ وَلَمْ يُسْلِمْ فَإِنَّهَا تَقَرُّ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا.

وَقَالَ شُعْبَةُ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ، فَقَالَ: تَقَرُّ عِنْدَهُ، وَبِهِ أَفْتَى حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ.

ص: 647

قُلْتُ: وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْعِصْمَةَ بَاقِيَةٌ، فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى وَطْئِهَا، كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ فِي أُمِّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ إِذَا أَسْلَمَتْ سَوَاءً، فَهَذَا قَوْلٌ تَاسِعٌ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَآخَذَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، وَمَا فِي تِلْكَ الْمَآخِذِ مِنْ قَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمَا هُوَ الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ.

فَأَمَّا أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ - وَهُمُ الَّذِينَ يُوقِعُونَ الْفُرْقَةَ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ - فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ أَلْبَتَّةَ، وَمَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فَبِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ آثَارٍ رُوِيَتْ عَنْهُمْ مُطْلَقَةً، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا:

قَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: إِنَّ جَدَّهُ وَجَدَّتَهُ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ، فَأَسْلَمَتْ جَدَّتُهُ فَفَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

ص: 648

بَيْنَهُمَا.

وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَعَجُّلِ الْفُرْقَةِ مُطْلَقًا بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِيهَا، أَوْ لَعَلَّهُ فَرَّقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَوْ لَعَلَّهَا اخْتَارَتِ الْفَسْخَ دُونَ انْتِظَارِ إِسْلَامِهِ، أَوْ لَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ حَتَّى يَفْسَخَ السُّلْطَانُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا آثَارٌ يُظَنُّ أَنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا، بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِلسُّنَّةِ، فَمِنْهَا هَذَا.

وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَيَّرَ الْمَرْأَةَ، إِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ.

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ الثَّعْلَبِيَّ كَانَ نَاكِحًا امْرَأَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَأَسْلَمَتْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: إِمَّا أَنْ تُسْلِمَ وَإِمَّا أَنْ نَنْزِعَهَا مِنْكَ، فَأَبَى، فَنَزَعَهَا عُمَرُ رضي الله عنه.

ص: 649

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا مَنْ يَرَى عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وَهَذِهِ الْآثَارُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا، فَإِنَّ النِّكَاحَ بِالْإِسْلَامِ يَصِيرُ جَائِزًا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَازِمًا، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفُرْقَةَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ الْإِسْلَامَ عَلَى الثَّانِي، وَيَجُوزُ إِبْقَاؤُهُ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّرَبُّصُ بِهِ إِلَى أَنْ يُسْلِمَ، وَلَوْ مَكَثَتْ سِنِينَ، كُلُّ هَذَا جَائِزٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.

وَالنِّكَاحُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

(1)

حَالُ لُزُومٍ.

(2)

وَحَالُ تَحْرِيمٍ وَفَسْخٍ لَيْسَ إِلَّا، كَمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ مَنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا.

(3)

وَحَالُ جَوَازٍ وَوَقْفٍ، وَهِيَ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الْمُرْتَبَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ فِيهَا بِلُزُومِ النِّكَاحِ، وَلَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ تَكُونُ الزَّوْجَةُ بَائِنَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

«وَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ الْمَدِينَةَ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ، سَأَلَتِ امْرَأَتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ يَنْزِلُ فِي دَارِهَا؟ فَقَالَ: إِنَّهُ زَوْجُكِ، وَلَكِنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكِ» .

ص: 650

فَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ، وَلَا بِلُزُومِهِ وَبَقَائِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا خَيَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْأَةَ تَارَةً، وَفَرَّقَ تَارَةً، وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى الثَّانِي تَارَةً، فَلَمَّا أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ أَصْلًا، وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.

قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ " حُنَيْنًا " وَ " الطَّائِفَ "، وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَلَمْ يُفَرِّقِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ.

ص: 651

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِهِ.

ص: 652

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَسْلَمَتْ أُمُّ حَكِيمٍ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ حَتَّى أَتَى الْيَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ، فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ الرَّجُلِ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا» .

ص: 653

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ " بِالْأَبْوَاءِ " فَأَسْلَمَا قَبْلَ نِسَائِهِمَا» .

ص: 655

وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ» .

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا» .

ص: 657

وَفِي لَفْظٍ لَهُ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ.

وَفِي لَفْظٍ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا هُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَالَّذِي رَوَى أَنَّهُ جَدَّدَ النِّكَاحَ ضَعِيفٌ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ، ثُمَّ يُسْلِمُ زَوْجُهَا بَعْدَهَا، وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، مِثْلُ أُمِّ الْفَضْلِ امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْعَبَّاسِ بِمُدَّةٍ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] .

ص: 659

وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ أَسْلَمَ نِسَاءُ الطُّلَقَاءِ، وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ

ص: 660

مِثْلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَغَيْرِهِمَا، الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرْقًا بَيْنَ مَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَقَدْ أَفْتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِأَنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ.

وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ قِدَمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ حِصَارِ الطَّائِفِ، وَقَسْمِ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهَا، وَفِيمَا

ص: 661

دُونَهَا، فَأَبْقَاهُ عَلَى نِكَاحِهِ، وَلَمْ يَسْأَلِ امْرَأَتَهُ هَلِ انْقَضَتْ عِدَّتُكِ أَمْ لَا؟ وَلَا سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ امْرَأَةً وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَجُوزُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهَا، وَصَفْوَانُ ابْنُ أُمَيَّةَ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " حُنَيْنًا "، وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَشَهِدَ مَعَهُ " الطَّائِفَ " كَذَلِكَ إِلَى أَنْ قَسَّمَ غَنَائِمَ " حُنَيْنٍ " بَعْدَ الْفَتْحِ بِقَرِيبٍ مِنْ شَهْرَيْنِ، فَإِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَغَنَائِمُ (حُنَيْنٍ) قُسِّمَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَيَجُوزُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ.

قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ، فَتَجْدِيدُ رَدِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَوْ كَانَ هُوَ شَرْعُهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ بَيَانُهُ لِلنَّاسِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُمْ أَحْوَجُ مَا كَانُوا إِلَى بَيَانِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ - مَعَ حَدِيثِ زَيْنَبَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَامْتَنَعَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ فَلَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ، وَتَنْتَظِرَ إِسْلَامَهُ، فَإِذَا اخْتَارَتْ أَنْ تُقِيمَ مُنْتَظِرَةً لِإِسْلَامِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَقَامَتْ مَعَهُ فَلَهَا ذَلِكَ، كَمَا كَانَ النِّسَاءُ يَفْعَلْنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَزَيْنَبَ ابْنَتِهِ وَغَيْرِهَا، وَلَكِنْ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَلَا حُكْمَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا قَسَمَ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْهَا لَا إِلَيْهِ، فَلَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ زَوْجًا مَالِكًا لِعِصْمَتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إِذَا أَسْلَمَ إِلَى ابْتِدَاءِ عَقْدٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى وَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ وَعَقْدٍ، بَلْ إِسْلَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِهِ لِلنِّكَاحِ، وَانْتِظَارُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ.

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ جَائِزٌ لَا لَازِمٌ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِيهِ، وَلَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.

ص: 662

وَأَمَّا الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ، وَامْتَنَعَتِ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تُسْلِمَ، فَإِمْسَاكُهُ لَهَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا مَصْلَحَةَ لَهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ لَهَا بِمَا تَسْتَحِقُّهُ كَانَ ظَالِمًا، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، فَنَهَى الرِّجَالَ أَنْ يَسْتَدِيمُوا نِكَاحَ الْكَافِرَةِ، فَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ أُمِرَتِ امْرَأَتُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

ص: 663

قَالَ شَيْخُنَا: " وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ هَذَا النَّهْيُ لِلرِّجَالِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَيُقَالُ: إِنَّ قَضِيَّةَ زَيْنَبَ مَنْسُوخَةٌ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ لِنِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ، وَهَذَا مِمَّا قَالَهُ طَائِفَةٌ: مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ".

قُلْتُ: وَهَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: أَمَّا خَبَرُ زَيْنَبَ فَصَحِيحٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ.

قَالَ شَيْخُنَا: " لَكِنْ يُقَالُ: فَهَذِهِ الْآيَةُ كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، «ثُمَّ لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ رَدَّ نِسَاءً كَثِيرًا عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا، وَقَدِ احْتَبَسَ أَزْوَاجُهُنَّ عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ يَأْمُرْ رَجُلًا وَاحِدًا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحَ أَلْبَتَّةَ» وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَنُقِلَ وَلَمَا أَهْمَلَتِ الْأُمَّةُ نَقْلَهُ.

قُلْتُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ: " وَلَا سَبِيلَ إِلَى خَبَرٍ صَحِيحٍ بِأَنَّ إِسْلَامَ رَجُلٍ يُقَدَّمُ عَلَى إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ، أَوْ يُقَدَّمُ إِسْلَامُهَا عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَإِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ إِطْلَاقُ الْكَذِبِ وَالْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

ص: 664

قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدَ، وَامْرَأَةَ صَفْوَانَ أَسْلَمَتْ قَبْلَ صَفْوَانَ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُمَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَلَمْ يُجَدِّدَا عَقْدًا؟ وَهَلْ جَاءَ ذَلِكَ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا " انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَهَذَا مِنْ أَوَابِدِهِ، وَإِقْدَامِهِ عَلَى إِنْكَارِ الْمَعْلُومِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالسِّيَرِ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِالسُّنَّةِ، وَأَيَّامِ الْإِسْلَامِ، وَسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفِيَّةِ إِسْلَامِ الصَّحَابَةِ، وَنِسَائِهِمْ يَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يَشْكُّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَعْتَبِرُ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ أَنْ يَتَلَفَّظَ الزَّوْجَانِ بِالْإِسْلَامِ تَلَفُّظًا وَاحِدًا، لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِحَرْفٍ، وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِحَرْفٍ، لَا قَبْلَ الْفَتْحِ وَلَا بَعْدَهُ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عز وجل، وَيَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّهُ لَمْ يُفْسَخْ عَقْدُ نِكَاحِ أَحَدٍ سَبَقَ امْرَأَتَهُ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ سَبَقَتْهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الثَّانِي لَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا بَعْدَهَا.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَدَّدْ نِكَاحُ أَحَدٍ سَبَقَتْهُ امْرَأَتُهُ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ سَبَقَهَا، ثُمَّ أَسْلَمَ الثَّانِي لَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا بَعْدَهَا.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَدَّدْ نِكَاحُ أَحَدٍ سَبَقَتْهُ امْرَأَتُهُ، أَوْ سَبَقَهَا بِالْإِسْلَامِ بِحَيْثُ أَحْضَرَ الْوَلِيَّ وَالشُّهُودَ وَجَدَّدَ الْعَقْدَ وَالْمَهْرَ، وَتَجْوِيزُ وُقُوعِ مِثْلِ هَذَا - وَلَا يَنْقُلُهُ بَشَرٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ - يَفْتَحُ بَابَ تَجْوِيزِ الْمُحَالَاتِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَنَا صَلَاةٌ سَادِسَةٌ، وَلَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ وَأَذَانٌ زَائِدٌ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ، وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَذَلِكَ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ وَأَبْيَنِ الْمُحَالِ، فَهَذِهِ سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 665

- صلى الله عليه وسلم وَأَحْوَالُهُ وَأَحْوَالُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ أَظْهَرِ الْأُمَّةِ تَشْهَدُ بِبُطْلَانِ مَا ذَكَرَهُ، وَأَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَيْهِ مَحْضُ الْكَذِبِ، وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ، وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُجَدِّدْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامُ امْرَأَتِهِ نِكَاحًا؟

قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ".

ص: 666

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ أَقَرَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ " هَذَا لَفْظُهُ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَالصَّوَابُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ ".

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " «أَنَّهُ رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَكَانَ إِسْلَامُهَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ بِسِتِّ سِنِينَ، وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا» " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ.

ص: 667

فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ مَعَ مَنْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ " كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِهِمَا سَنَتَانِ "، وَرُوِيَ " سِتُّ سِنِينَ "، وَلَا يَصِحُّ وَاحِدٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ زَيْنَبَ لَمْ تَزَلْ مُسْلِمَةً مِنْ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو الْعَاصِ أَسْلَمَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ، فَبَيْنَ إِسْلَامِهِ، وَإِسْلَامِهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " سَنَتَيْنِ " هِيَ غَلَطٌ قَطْعًا، فَإِنَّ زَيْنَبَ لَمْ تَبْقَ مُشْرِكَةً إِلَى السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ مَعْرُوفٌ.

فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَقَدُّمُ إِسْلَامِ زَيْنَبَ مِنْ أَوَّلِ الْمَبْعَثِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَأَصَحُّ مَا فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ حِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ.

ص: 668

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ، وَهَاجَرَتْ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إِسْلَامُهَا مِنْ حِينِ الْمَبْعَثِ كَمَا حَكَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، فَقَالَ:" وَقَدْ أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ فِي أَوَّلِ مَبْعَثِ أَبِيهَا صلى الله عليه وسلم لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، فَكَانَ بَيْنَ إِسْلَامِهَا وَإِسْلَامِهِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ وَلَدَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُسْلِمَةً مِنْ حِينِ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُمْكِنُ التَّوْقِيتُ بِالسَّنَتَيْنِ أَوْ بِالسِّتِّ كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِهِ، وَظُهُورِ إِسْلَامِهَا، وَإِعْلَانِهِ بِالْهِجْرَةِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ كُنَّ يَسْتَخْفِينَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ بِالْإِسْلَامِ فِي مَكَّةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَظْهَرَ مَنْ هَاجَرَ مَعَهُ مِنْهُنَّ إِسْلَامَهَا، وَزَيْنَبُ هَاجَرَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَكَانَ بَيْنَ ظُهُورِ إِسْلَامِهَا بِهِجْرَتِهَا، وَإِسْلَامِ أَبِي الْعَاصِ سَنَتَانِ.

وَأَمَّا السِّتُّ سِنِينَ فَهِيَ بَيْنَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ الْعَامِّ بِالْهِجْرَةِ، وَإِسْلَامِ أَبِي الْعَاصِ.

ص: 669

عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَدْ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:

ص: 670

«أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَاجَرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، وَزَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بِمَكَّةَ مُشْرِكٌ، ثُمَّ شَهِدَ أَبُو الْعَاصِ " بَدْرًا " مُشْرِكًا، فَأُسِرَ فَفُدِيَ، وَكَانَ مُوسِرًا، ثُمَّ شَهِدَ " أُحُدًا " مُشْرِكًا، وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَمَكَثَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فَأُسِرَ بِطَرِيقِ الشَّامِ، أَسَرَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَتْ

ص: 671

زَيْنَبُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا زَيْنَبُ؟ فَقَالَتْ: أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ. فَقَالَ: " قَدْ أَجَرْتُ جِوَارَكِ " ثُمَّ لَمْ يُجِرْ جِوَارَ امْرَأَةٍ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا» .

«وَكَانَ عُمَرُ خَطَبَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَبُو الْعَاصِ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ عَلِمْتَ، وَقَدْ كَانَ نِعْمَ الصِّهْرُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَنْتَظِرَهُ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ» .

قُلْتُ: قَوْلُهُ: " ثُمَّ أَسْلَمَا " أَيِ اجْتَمَعَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَزَيْنَبُ أَسْلَمَتْ

ص: 672

قَبْلَهُ قَطْعًا، وَهَاجَرَتْ بَعْدَ " بَدْرٍ " قَطْعًا كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ "، وَ " السُّنَنِ " مِنْ «حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ. قَالَتْ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ:" إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا "، قَالُوا: نَعَمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَهُ، أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: " كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا» .

ص: 673

وَأَمَّا تَعَلُّقُكُمْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَتَعَلُّقٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ صَحَّحَ الْأَئِمَّةُ حَدِيثَهُ هَذَا، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ رَدَّهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ كَلَامِهِمْ، وَثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ بِالْإِمَامَةِ، وَالْحِفْظِ، وَالصِّدْقِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْقَدْحِ فِيهِ.

ص: 674

وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ رضي الله عنها بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: " إِنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:

إِمَّا أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجُهَا.

وَإِمَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ، يَعْنِي فِي عِدَّتِهِنَّ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعِدَّةَ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ هَذِهِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ " بَرَاءَةٌ " بِقَطْعِ الْعُهُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.

وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ إِلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا سَقَطَ الْقَوْلُ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ.

ص: 676

وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ - مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَغَازِي - " إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرُدَّ زَيْنَبَ إِلَى أَبِي الْعَاصِ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ "، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَافِرَةِ تُسْلِمُ، وَيَأْبَى زَوْجُهَا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ " أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَلَى مِثْلِ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ إِنْ صَحَّ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عِنْدَنَا صَحِيحٌ " انْتَهَى كَلَامُهُ.

قُلْتُ: أَمَّا كَوْنُهَا لَمْ تَحِضْ فِي تِلْكَ السِّنِينَ السِّتِّ إِلَّا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَهَذَا - مَعَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَخِلَافُ مَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ النِّسَاءَ - فَمِثْلُهُ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ يَحُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَقَاءَ النِّكَاحِ بِمُدَّةِ الْعِدَّةِ حَتَّى يُقَالَ: لَعَلَّ عِدَّتَهَا تَأَخَّرَتْ، فَلَا التَّحْدِيدُ بِالثَّلَاثِ حِيَضٍ ثَابِتٌ، وَلَا تَأَخُّرُهَا سِتَّ سِنِينَ مُعْتَادٌ.

ص: 677

وَأَمَّا ادِّعَاءُ نَسْخِ الْحَدِيثِ فَأَبْعَدُ وَأَبْعَدُ، فَإِنَّ شُرُوطَ النَّسْخِ مُنْتَفِيَةٌ، وَهِيَ وُجُودُ الْمُعَارِضِ، وَمُقَاوَمَتُهُ، وَتَأَخُّرُهُ، فَأَيْنَ مَعَكُمْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؟

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا دَعْوَى أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ، فَإِنَّ هَذَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّاتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: أَنَّ إِسْلَامَ الْمَرْأَةِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ يَكُونُ بَعْلُهَا أَحَقَّ بِرَدِّهَا فِي عِدَّتِهَا، وَالَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يُوقِعُونَهَا مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ حِينِ التَّطْلِيقِ، وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: " إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ "، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ، فَيُقَالُ: وَأَيْنَ النَّاسِخُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: النَّاسِخُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، فَيُقَالُ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَرَدُّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ، وَلِهَذَا

ص: 678

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِزَيْنَبَ " «أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَكِنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكِ» "، امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ، ثُمَّ ذَهَبَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ فَرَدَّ الْوَدَائِعَ، وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ.

وَقَوْلُهُ: " إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ " لَمْ يُرِدْ بِهِ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ، فَابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ فَرِيضَةَ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ، وَالْمُشْرِكَةِ.

وَأَقْصَى مَا يُقَالُ: إِنَّ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ، وَنُزُولَ آيَةِ التَّحْرِيمِ كَانَا فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ تَأَخُّرُ نُزُولِ الْآيَةِ عَنْ قِصَّةِ الزَّوْجَيْنِ، لِتَكُونَ نَاسِخَةً لَهَا؟ وَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ.

وَأَمَّا قَوْلُ قَتَادَةَ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ " بَرَاءَةٌ " بِقَطْعِ الْعُهُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ " وَلَكِنْ أَيْنَ فِي

ص: 679

سُورَةِ بَرَاءَةٌ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ مَا مَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِينِ بُعِثَ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ، إِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ؟ وَالْعُهُودُ الَّتِي نَبَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ هِيَ عُهُودُ الصُّلْحِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَهِيَ بَرَاءَةٌ مِنَ الْعَقْدِ، وَالْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِلنِّكَاحِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَدْ أَكَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْبَرَاءَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكُفَّارِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ " الْمُمْتَحَنَةِ " وَغَيْرِهَا، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاقِضُ تَرَبُّصَ الْمَرْأَةِ بِنِكَاحِهَا إِسْلَامَ زَوْجِهَا، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتِ امْرَأَتَهُ وَإِلَّا فَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْهُ.

ص: 680

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ رَدَّهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَلَوْ وَصَلَ إِلَى عَمْرٍو لَكَانَ حُجَّةً، فَإِنَّا لَا نَدْفَعُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَلَكِنْ دُونَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ مَفَاوِزُ مُجْدِبَةٌ مُعْطِشَةٌ لَا تُسْلَكُ، فَلَا يُعَارَضُ بِحَدِيثِهِ الْحَدِيثُ الَّذِي شَهِدَ الْأَئِمَّةُ بِصِحَّتِهِ.

ص: 681

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرُدَّهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ بِرَأْيِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ رِوَايَةً فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَبَيْنَ الشَّعْبِيِّ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَفَازَةٌ لَا يُدْرَى حَالُهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَافِرَةِ تُسْلِمُ، وَيَأْبَى زَوْجُهَا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ، فَهَذَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ رحمه الله بِحَسَبِ مَا بَلَغَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمُسْلِمَةِ مَذَاهِبَ تِسْعَةً، وَذَكَرْنَا مَذْهَبَ عَلِيٍّ وَلَا يُحْفَظُ اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ عَنْ صَاحِبٍ وَاحِدٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَرْفَعُ مَا فِيهِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ فِي " الْمُوَطَّأِ "، وَلَفْظُهُ:" «أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ» ".

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِذَا قَدِمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَلَا يُعْرَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ غَيْرُ هَذَا الْأَثَرِ.

ص: 682

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ: أَيْ عَلَى مِثْلِ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَفَسَادُهُ، وَأَنَّهُ عَكْسُ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ:" لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا " يَأْبَاهُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ لِنُبَيِّنَ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ:

فَفِي " الْمُسْنَدِ "، وَ " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا» ".

وَفِي لَفْظٍ: " «بِنِكَاحِهَا الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ صَدَاقًا» ".

وَفِي لَفْظٍ: " «شَهَادَةً وَلَا صَدَاقًا» ".

وَفِي لَفْظٍ: " «لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا» ".

فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَبْقَاهُمَا عَلَى نَفْسِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَا يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " فَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عِنْدَنَا صَحِيحٌ " فَنَعَمْ، إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 683

قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " كِتَابِ الْعِلَلِ ": سَأَلْتُ عَنْهُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ

[عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ] ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ

[عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ] .

وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: أَنَّ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ - وَهُوَ رَاوِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ - لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرٍو، وَأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَمْرٍو.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَعْبَأُ بِهِ أَحَدٌ يَدْرِي مَا الْحَدِيثُ ".

قَالَ: " وَالَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِأَنْ قَالَ: عَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِتَحْرِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ رُجُوعَ الْمُؤْمِنَاتِ إِلَى الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ".

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَعْلَمْ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ عز وجل الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ حَتَّى عَلِمَ بِرَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ: رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ فَسْخُ نِكَاحٍ ".

ص: 684