الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من دم المريض ويتعرض لخطر شديد، فلا بد من نقل الدم إليه من صحيح لينجو من الخطر. وقد بينوا أن الدم لا ينقل إلا بعد احتياطات كبيرة من فحص الدم وسلامته من الأمراض، ومعرفة نوعه وموافقته لدم المريض والتأكد من قبول جسمه له.
وأما (الكلية) فإنها قد تنقل من جسم شخص حي سليم من الأمراض يتبرع بها عن طوع واختيار، وتزرع في جسم مريض انتهت - طبيا - وظيفة كليته المريضة وعرضته لخطر شديد. ويستطيع المتبرع أن يعيش أمدا طويلا بكلية واحدة عيشة عادية.
وأما القلب فإنما يؤخذ من (ميت) حديث الموت سليم القلب من الأمراض بعد أن يحكم الأطباء بموته وانتهاء حياته ويتيقنوا أنه يستحيل - طبيا - أن يكون قد بقي أمل في استعادة حياته الدنيا. ومثل القلب أخذ العين من ميت ومعالجة عين مريض يتأكد استعادته بها للرؤية.
وقد شرح الأطباء أن هذه العمليات قد نجحت طبيا نجاحا باهرا، وأن ملايين المرضى ينتفعون بها، وخصوصا في نقل الدم، ومئات الآلاف في جراحة العين، والآلاف في جراحة الكلية والقلب.
وكان ذلك يقع بتبرع من الأصحاء كنقل الدم والكلية، وأما العين والقلب فإن الميت قد يكون تبرع بقلبه أو عينه قبل وفاته وأوصى أن تنفذ إرادته بعد موته أو يتبرع وليه بعد وفاته.
رأي لجنة الفتوى في نقل الدم وزرع الأعضاء:
بعد أن سمعت لجنة الفتوى بيان الأطباء، وبعد مناقشة بين العلماء،
أصدرت البيان التالي: -
أولا: إن حفظ النفوس من الكليات المتفق عليها بين القوانين الوضعية والشرائع السماوية، ومن أغراض الشريعة الإسلامية حفظ الأنفس والأموال والأعراض والدين والعقل. ومن أجل هذا كان قتل النفس بغير حق من أشد الجرائم التي تعرض مرتكبيها إلى غضب الله وسخطه، فمن قتل مؤمنا متعمدا بغير موجب استحق الخلود في النار بنص القرآن الكريم، كما أن إحياء النفوس يعتبر من أعظم القربات، يشهد لذلك قوله تعالى في قصة ابني آدم وقد قتل أحدهما أخاه بغير حق:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (1).
وإحياء النفس بحفظها من هلاك أشرفت عليه. قال الشوكاني في تفسيره " فتح القدير ": (روي عن مجاهد أن إحياءها إنجاؤها من غرق أو حرق أو تهلكة. حكاه عنه ابن جرير وابن المنذر) ثم قال: (الإحياء هنا عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة فهو مجاز؛ إذ المعنى الحقيقي مختص بالله عز وجل، والمراد بهذا التشبيه، في جانب القتل، تهويل أمر القتل وتعظيم أمره في النفوس حتى ينزجر أهل الجراءة والجسارة، وفي جانب الإحياء الترغيب إلى العفو عن الجناة واستنقاذ المتورطين في الهلكات)(اهـ).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: (أي من كان سببا لحياة نفس واحدة بإنقاذها من موت كانت مشرفة عليه، فكأنما أحيا
(1) سورة المائدة الآية 32
الناس جميعا؛ لأن الباعث على إنقاذ الواحدة - وهو الرحمة والشفقة، ومعرفة قيمة الحياة الإنسانية، واحترامها، والوقوف عند حدود الشريعة في حقوقها - تندغم فيه جميع حقوق الناس عليه، فهو دليل على أنه إذا استطاع أن ينقذهم كلهم من هلكة يراهم مشرفين على الوقوع فيها لا يني في ذلك ولا يدخر وسعا، ومن كان كذلك لا يقصر في حق من حقوق البشر عليه. . .).
ثم قال: " الآية تعلمنا ما يجب من وحدة البشر، وحرص كل واحد منهم على حياة الجميع، والقيام بحق الفرد من حيث إنه عضو من النوع ". (اهـ.).
ومن هذين النقلين نرى أن علماء التفسير، من لدن مجاهد إلى محمد رشيد رضا، يرون أن الآية تدل على عموم الإحياء، مما يشمل إنقاذها من تهلكة أشرفت عليها، ويدخل في أسباب الهلاك بلا شك إشرافها بالمرض الميؤوس من شفائه إلا بواسطة نقل دم أو زرع عضو مما يحفظ الحياة، أو يعيد النظر إلى من فقد نوره وعدم الإبصار.
ومن المعلوم من قواعد الدين أن إنقاذ المشرف على الهلاك، أو الوقوع في مضرة شديدة من فروض الكفاية على كل من استطاعه، فإن قام به بعضهم سقط عن الباقين وأثيب على فعله من قام به، وإن تركه الجميع أثموا جميعا.
ثانيا: حيث إن هذا الإنقاذ يتم بتبرع الإنسان بجزء من دمه أو جزء من جسمه، يتطوع بذلك عن اختيار واحتساب، دون أن يخاف ضررا أو هلاكا - كما هو الحال في نقل الدم، أو زرع الكلية - فإنه يعتبر من باب الإحسان وعمل البر، والإيثار على النفس،
وقد أمر الله بذلك، ومدح الذين يؤثرون على أنفسهم، وقد نزلت آية الإيثار في الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (1).
وقد جاء في أسباب النزول أن بعضهم آثروا إخوانهم على أنفسهم بطعام ورد عليهم، وكانوا في شدة الحاجة إليه، فتحملوا ألم الجوع وضرره في أنفسهم وعيالهم، فاستحقوا هذا المدح الرباني والنص القرآني.
فإذا كان من أحيا أخاه بلقمة من طعام أو جرعة من شراب يستحق مثل هذا الثناء، فكيف بمن يؤثر أخاه بجزء من دمه، أو ببعض أعضائه لإنقاذه من هلاك وشفائه من داء وإنهاء محنته وآلامه، وتمكينه من استعادة صحته، فالظاهر أن النقل من حي صحيح سالم برضا منه وتبرع بعيد عن كل إلزام وإكراه، ليس فيه على صحته وحياته خطر محقق أو مظنون، مما لا ينبغي أن يتوقف فيه ويشك في جوازه، بل هو من عمل البر المرغب فيه، ومن الفروض الكفائية على جماعة المسلمين.
ثالثا: في حالة زرع القلب أو عملية ترقيع العين، تستعمل أعضاء إنسان قد مات، ولا يمكن في حالة القلب بالخصوص استعمال قلب إنسان حي، ولو رضي بذلك؛ لأن انتزاع القلب يوجب وفاته ولا يجوز قتل إنسان لحفظ حياة آخر؛ لأن في ذلك جريمة لا تقرها الشرائع.
(1) سورة الحشر الآية 9
واستعمال أعضاء من مات لا يخلو من أحوال ثلاثة:
(1)
أن يتبرع المنقول منه بعضوه في حال حياته، بحيث يوصي أن يؤخذ منه بعد وفاته، ويأذن في تشريح جثته ليزرع عضوه في جسم شخص معين أو لفائدة المجموع. في هذه الحال لا مانع من إمضاء تبرعه وتنفيذ وصيته، ولا يعتبر تشريح جثته مثلة به حصلت بعد عجزه عن الدفاع عن نفسه؛ لأنه كان يعلم ذلك ورضيه، وآثر أخاه المسلم بقلب قد استغنى عنه بموته، ليستمر أخوه في استعماله مدة، ويستريح به من قلب منهوك يعرضه للخطر والآلام في كل حين، ومثله من تبرع بعينه السليمة - التي استغنى عنها بموته - لفائدة أخيه الذي أصابه العمى، وفقد النور ليسترجع بها نعمة الإبصار، وقد يسهر بها في خدمة العلم والتلاوة وعبادة الله.
(2)
أن يتبرع بعضو الميت وليه الشرعي، ويأذن في تشريح جثته وأخذه منه، مع أن الميت لم يأذن في تشريح جثته وأخذ عضو منه ولم يعرف موقفه في ذلك.
والظاهر أن للولي أن يفعل ذلك في حال المصلحة الراجحة بإنقاذ مسلم من هلاك يتهدده في قلبه، أو بإرجاع بصر لمن يستعمله في طاعة الله، والقيام بالعمل المثمر المفيد، ولا شك أن إرجاع البصر لعالم يتمكن به من مواصلة نشر علمه، أو لطبيب يتمكن من إنقاذ آلاف من الناس من أوجاعهم وآلامهم أفضل من ترك عين ميت لم يعد يستطيع استعمالها، تفنى بفناء جسمه.
ويمكن في هذا الموضوع أن نستأنس بعمل فعله أحد الصحابة الكرام، وأقره عليه من كان معه منهم، رضوان الله عليهم أجمعين. ففي
فتوح الشام كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقود المجاهدين، وبينما كانت المعركة حامية استشهد أخوه هشام بن العاص رضي الله عنه وسقط في مكان ضيق يمر به الجيش فسده، وتهيب المسلمون أن يدوسوه بخيلهم ورجلهم، وأعجلتهم مطاردة العدو عن نقله، فأمرهم قائدهم عمرو، وهو ولي أخيه وأمير الجيش، أن يدوسوا جثته ويستمروا في قتالهم، ففعلوا رضوان الله عليهم. وبعد الانتصار وانتهاء المعركة، جمع أشلاء أخيه ودفنه. . . فهذا عمل عمرو وأقره عليه الصحابة، ونستفيد منه أن المصلحة الراجحة تستدعي الإذن فيما لا يجوز في الرخاء والوسع.
(3)
إذا لم يكن إذن من الميت في حال حياته، ولم يأذن بذلك وليه بل أباه ورفضه، فالظاهر المنع، إلا إذا ظهر لولي المسلمين أن المصلحة العامة تستوجب الإذن في تشريح جثث الموتى، والانتفاع بمثل هذه الأجزاء منها.
حالة هذا الإذن العام مما ينبغي أن يبحثه العلماء ويولوه اهتماما.
(4)
في حالة نقل الدم أو العضو من الحي لا بد من التأكد أن ذلك برضى تام من المنقول منه، وأن ذلك النقل لا يلحق به ضررا، أو يتسبب في هلاك، فإن خيف الضرر أو الهلاك فلا يجوز النقل ولو رضي لأنه انتحار.
أما في حالة نقل عضو من ميت فلا يجوز إلا إذا تحقق الأطباء والمختصون من الوفاة وتيقنوا أن الهالك لم يبق أثر للحياة في جسمه، وإن وقع مجرد شك في بقاء شيء من الحياة فيه، فلا يجوز الإقدام على تشريح جثته؛ إذ ما دامت الحياة فيه فليس لأحد أن يبادر بإنهائها باجتهاد
منه، ولو تيقن - حسب القواعد الطبية - أنه لم يبق أمل في استمرار حياته؛ لأن الإقدام على تشريح جثة بها رمق أو شك نوع من القتل المتعمد. والله أعلم.
لجنة الإفتاء المركزية
وجاء من فضيلة الشيخ عبد الله كنون في الموضوع نفسه ما يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم
طنجة في 6 جمادى الأولى عام 1398 هـ. .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المحترم.
رئيس الإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، دام حفظه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وبعد. . .
فقد وصلني خطابكم الكريم مساء أمس ولم يصلني قبله أي خطاب آخر في موضوع نقل قرنية العين والأعضاء الأخرى، وجوابا عنه أن الموضوع كان قد طرح في المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا في إبريل سنة 1969م وكنت أنا رئيس اللجنة التي بحثته والتي قدم إليها تقرير علماء ماليزيا الذي توقف عن الحكم البات إلى انعقاد المؤتمر، كما قدم إليها فتويان إحداهما لمفتي مصر الشيخ الهريدي والثانية لمفتي ليبيا، وبعد قراءة كل منهما لفتواه أسفرت المناقشة عن النتيجة المدرجة طيه وهي الجواز المقيد بالشروط المذكورة فيها.
ومع الأسف الشديد أني لا أملك نص الفتويين فقد كنت أعرتهما لأحد الإخوان الذي ذهب إلى مؤتمر عقد في مدريد بأسبانيا في هذا الموضوع بالذات للاستيناس بهما فلم يرجعهما إلي، وقد حكى لي أن مندوبي الدول المسيحية التي حضرت المؤتمر كانت متحفظة في الأمر إلا أن المؤتمرين في الأخير انتهوا إلى الجواز وأعجبوا برأي علماء المسلمين، وهذا المؤتمر كنت أنا المرشح لحضوره إلا أني اعتذرت عنه.
هذا مع تحياتي لهيئة كبار العلماء واحتراماتي - والسلام. . .
عبد الله كنون
موضوع نقل الأعضاء
. . .
اتفقت الآراء في هذا المؤتمر على أن نقل الأعضاء من الجسد الميت لزراعتها في الجسد الحي أمر مسموح به في الإسلام، على أن تؤخذ الشروط التالية في الاعتبار: -
أ - في حالات الحاجة العاجلة والضرورات المتوقفة على زرع العضو.
ب - في حالة نقل القلب يجب التأكد من موت صاحبه.
ج - يجب الحصول على إذن من واهب العضو قبل عملية النقل في حالة الموت الطبيعي أو من أهله في الحوادث.
د - يجب أن تتوفر الاحتياطات اللازمة للتأكد من أنه لن يكون هناك قتل أو تجارة في أعضاء الجسد.
رابعا: هل يجوز نقل الدم من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر مع مراعاة عدم الضرر للجسم المنقول منه؟ وهل يثاب على ذلك؟
أ - دم الإنسان فيه شبه العضو أو جزء عضوه في أن كلا منهما جزء من الإنسان غير أن استخلاصه من الجسم وفصله منه أيسر من فصل العضو أو جزئه منه. وتحديد الكمية المراد أخذها من الصحيح أدق وأسهل وإجراءات أخذه وإعطائه آمن عاقبة أو أقل خطورة.
كما أن في الدم الذي يبذل من إنسان لآخر شبها بالمنافع التي يبذلها قوي ماهر لإنقاذ آخر من غرق أو حريق أو في حمل ضعيف وإغاثة ملهوف في أن كلا منهما فيه استهلاك طاقة يمكن أن يعوض عنها من فقدها بالتغذية بطعام ونحوه، لكن قد يقال: إن شبهه بالمنافع التي تبذل لمنفعة الغير أقرب من شبهه بعضو أو جزء يؤخذ من إنسان ويزرع في آخر لمصلحته، فيلحق بالمنافع في حكم البذل والتبرع به جوازا أو ندبا أو وجوبا حسب مقتضيات الأحوال.
ب - إن أخذ الدم من قوي صحيح وحقنه في مريض أو ضعيف مثلا يشبه الدواء في اتخاذه وسيلة للعلاج كما أنه يشبه التغذية بالطعام ونحوه للحصول على قوة وكسب مقاومة إلا أنه إلى الثاني أقرب منه إلى الأول وبه أشبه، فيلحق بالمضطر الذي يجوز له أو يجب عليه أن يتناول مما حرم عليه بقدر ما ينقذ به نفسه مما أصابه.
وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا مرض إنسان أو اشتد ضعفه أو احتاج إلى دم لكسب قوة ومقاومة من أجل إجراء عملية جراحية له مثلا جاز أن
يؤخذ له دم من غيره ويحقن به تحقيقا لمصلحته ودفعا لحاجته أو ضرورته إذا تعين ذلك طريقا لإنقاذه وغلب على ظن أهل الخبرة في الطب انتفاعه بذلك وأمن من إصابة من أخذ منه بضرر فادح لا يمكن تعويضه عنه.
وقد صدرت فتوى من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية - رحمه الله تعالى - في حكم نقل الدم من إنسان لآخر جوابا عن سؤال: وفيما يلي نصهما: -
" السؤال والجواب "
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن الحماد العمر، سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: -
بالإشارة إلى خطابك لنا الذي تسأل فيه عن مسألة وهي:
هل يجوز تزويد دم المسلم بدم غيره من بني الإنسان إذا احتيج لذلك كما في حالة النزيف أو الإصابة بالجراح ونحو ذلك أم لا؟
والجواب على هذا السؤال يستدعي الكلام على ثلاثة أمور:
الأول: من هو الشخص الذي ينقل إليه الدم.
الثاني: من هو الشخص الذي ينقل منه الدم.
الثالث: من هو الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم.
أما الأول فهو أن الشخص الذي ينقل إليه الدم هو من توقفت حياته إذا كان مريضا أو جريحا على نقل الدم، والأصل في هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (1)
(1) سورة البقرة الآية 173
وقال سبحانه في آية أخرى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، وقال تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)، وقال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (3).
وجه الدلالة من هذه الآيات: أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من آخر بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل هذا الدم إليه، وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء.
وأما الثاني فالذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار (4)» .
وأما الثالث فهو أن الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم، وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهوديا كان أو نصرانيا إذا كان خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح أن «النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا مشركا هاديا خريتا (5)» . (ماهرا).
قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد ما نصه: في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الديلي هاديا في وقت الهجرة وهو كافر، دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب
(1) سورة النحل الآية 115
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
سورة الأنعام الآية 119
(4)
سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).
(5)
صحيح البخاري المناقب (3906).
ونحوها ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة، ولا يلزم من مجرد كونه كافرا ألا يوثق به في شيء أصلا، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة.
وقال ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه: إذا كان اليهودي والنصراني خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطب، كما يجوز له أن يودعه ماله وأن يعامله كما قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (1). الآية. وفي الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا مشركا هاديا خريتا (ماهرا) وائتمنه على نفسه وماله (2)» . وكانت خزاعة عيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم. (العيبة): موضع السر. وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة» وكان كافرا، وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله، فلا ينبغي أن يعدل عنه، وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي واستطبابه فله ذلك ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها (انتهى كلامه).
وهذا مذهب المالكية، وقال المروذي: أدخلت على أبي عبد الله نصرانيا فجعل يصف وأبو عبد الله يكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريت له، والسلام عليكم.
انتهت الفتوى
هذا ما تيسر، والله الموفق، وصلى الله على نبينا وآله وصحبه وسلم.
(1) سورة آل عمران الآية 75
(2)
صحيح البخاري المناقب (3906).
ملاحظة: سبق أن بت المجلس في حكم نقل الدم من إنسان إلى آخر، ولكنه كان قد اقترح في الدورة الحادية عشرة إعداد بحث في نقل الدم وفي نقل عضو من إنسان إلى آخر، فكتب فيه هنا ليكون البحث متكاملا وتحقيقا لاقتراح المجلس وتتميما للفائدة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن حسن بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صفحة فارغة
الفتاوى
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما يرد إليها من أسئلة واستفتاءات تهم المسلمين في شؤونهم الدينية والاجتماعية.
فتوى برقم 338 في 8/ 1 / 1393هـ
السؤال الأول: شخص توفي والده ويذكر أنه سبق أن طلق والدته طلاق السنة ولم يسبقه طلاق، وأن الدم متوقف عن والدته منذ ثمانية عشر عاما، ويسأل هل عليها عدة وفاة أم لا؟
الجواب: إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من أن والده طلق أمه طلاق السنة ولم يكن آخر ثلاث تطليقات، فإذا لم يكن على عوض وكانت كما ذكره آيسة من المحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وحيث إن والده توفي قبل ثلاثة أشهر من الطلاق حسب ما ذكره، فإنها تترك عدة الطلاق وتستأنف عدة الوفاة؛ لكون طلاقها رجعيا حيث إن المطلقة طلاقا رجعيا تعتبر في حكم الزوجة حتى تخرج من العدة.
السؤال الثاني: يذكر السائل فيه أن خالته (زوجة أبيه) حامل، فهل تعتد لوفاة أبيه عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا أم تعتد حتى تضع حملها؟
الجواب: وبدراسة اللجنة له أجابت بأن عليها أن تعتد حتى تضع حملها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان المنيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
…
عبد الرزاق عفيفي