الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا ينسون دينهم ويظلون على علاقة بالمساجد، بل إن بعضهم ليحاول أن يعطي الدعوة إلى الله تعالى بعض وقته. وأما أولئك الذين يطمحون أن تقام دولة الخلافة الإسلامية في أمريكا وأن تنطلق راية الجهاد من هناك، فقد ضلوا الطريق، ذلك أنه بالرغم من الحرية التي يعتقد المسلمون أنهم يتمتعون بها في أمريكا، لأنهم حرموا منها في كافة ديار الإسلام، فإن انطلاق دولة الإسلام من ذلك المستنقع لا يعدو أن يكون مجرد حلم لذيذ.
التربية الإسلامية في أمريكا
.
منذ السنوات الأولى لوجود المسلمين في أمريكا، بذلوا جهودا في مجال التربية والتعليم. غير أن هذه الجهود كانت مقصورة في البداية على بعض النشرات والمطبوعات باللغة العربية، وكانت تلك المطبوعات قد لعبت دورا هاما في ربط هؤلاء المبعثرين هنا وهناك معا عن طريق توثيق صلتهم بلغتهم التي كانت، ولا زالت، مهددة بالنسيان من قبل أهلها في تلك البلاد، على حين نجد الأمريكان أنفسهم يقبلون على دراسة لغتنا وتقاليدنا ليتمكنوا من محاربتنا بشكل أكثر فعالية. كما أن تلك المطبوعات باللغة العربية، مكنت المغتربين الأوائل من الاطلاع على أخبار بلادهم وأهلهم فيما وراء البحار. ففي سنة 1892م صدرت في نيويورك صحيفة " كوكب أمريكا " لتكون الصحيفة الأولى الناطقة بالعربية في أمريكا، وكان لها فضل في المحافظة على إبقاء اللغة العربية حية في نفوس أوائل المهاجرين. وتوالى بعدها صدور الصحف بالعربية ففي سنة 1897م صدرت صحيفة الأيام وفي سنة 1898م صدرت في فيلادلفيا جريدة " الهدى " وصدرت " المهاجر " في واشنطن سنة 1903م، وقد توالى صدور هذه الصحف العربية بين فترة وأخرى ومعظمها يهدف بشكل رئيسي إلى إبقاء اللغة العربية حية في أذهان أبنائها.
وقد أصبح تعليم اللغة العربية للجيل الثاني من المهاجرين إلى أمريكا أحد الموضوعات المشوقة المفيدة في مجلة " العالم السوري ". ففي سنة 1928م نشرت تلك المجلة رسالة جاءتها من بروكلين في نيويورك تشير إلى التخوف من اضمحلال اللغة العربية لدى الجيل الثاني. وتحض على وجوب تعلمها، جاء فيها: " إنه لواجب علينا أن نعطي اللغة العربية العناية التي تستحقها، وفي رأيي أن معرفة اللغة العربية شيء يجب أن يميزنا في أمريكا عن غيرنا، ولذلك فإنه لمن الواجب بذل كافة الجهود الممكنة من أجل نشر تلك اللغة. وإن عدم تعليمها ليعتبر تقصيرا من قبل الآباء تجاه أبنائهم، ذلك أنه بنفس الحماسة التي نرسل فيها أبناءنا إلى معلم خصوصي ليعلمهم العلوم مثلا، يمكننا، بل يجب علينا أن نرسلهم إلى معلم يعلمهم لغتنا العربية، ويجب أن يكون التحدث في البيت قاعدة عامة لدينا جميعا.
وبالرغم من تزايد أعداد هذه الدوريات سنة بعد أخرى إلا أنها لم تعد تفي بالحاجات التعليمية المتزايدة للجالية الإسلامية في أمريكا. فأصبح الكثيرون من الآباء المسلمين في قلق بشأن مستقبل أبنائهم إذا ما عجزوا عن تهيئة الجو التعليمي الذي يتلاءم مع روح الدين الإسلامي الحنيف، كما أصبحوا في قلق متزايد من احتمال تأثير الثقافة الرأسمالية في المدارس في تلك البيئة. ومما زاد من تخوفهم أن الأطفال بدأوا يتأثرون بشكل واضح بالثقافة الأمريكية التي كانوا تحت سيطرتها في المدرسة والمجتمع وحتى في البيت، حيث لا مناص للطفل من مشاهدة التلفزيون الذي يطفح بالبرامج التي تنقل وجهة النظر الأمريكية، أو على الأصح، وجهة النظر اليهودية التي من شأنها تحطيم أخلاق الناس جميعا والتي تحرص دوما على نشر الأساطير عن الإسلام والمسلمين فتصفهم بالعنصرية والهمجية والغش والخداع والزواج والطلاق وما إلى ذلك من
أكاذيب متناسية أن الإسلام أباح الزواج بأربع غير أن للواحد منهم عشرات أو مئات من الخليلات، كما أن الإسلام أباح الطلاق غير أن نسبة الطلاق لدى المسلمين ما هي إلا نسبة ضئيلة جدا إذا ما قيست بالطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن الطفل الذي يشاهد التلفزيون الأمريكي لا يمكنه التمييز بين الغث والسمين، لذلك فإنه تدريجيا يتشرب الأباطيل التي ينشرها هذا التلفزيون عن المسلمين (1). لذلك فقد غدا المسلمون في مسيس الحاجة إلى تربية صحيحة متوازنة خاصة بهم تعمل على وقاية الجيل الناشئ من الانجراف وسط التيار الأمريكي العاتي من جهة، وتعمل على المحافظة على الكبار متمسكين بدينهم متميزين عن سائر أبناء ذلك المجتمع الهابط من جهة أخرى.
وعلى ضوء ذلك، وأمام هذا التحدي الخطير الذي سيعصف بأبناء المسلمين إن هم اقتصروا على ما تزودهم به البيئة الأمريكية من ثقافة، سواء أكان في المدرسة أو في المجتمع أو بقضاء ساعات طوال مع التلفزيون، أمام كل هذا سارع الغيورون من المسلمين إلى تزويد أبنائهم بقسط معقول من الثقافة الإسلامية، المتمثلة في دراسة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية واللغة العربية والعبادات والمعاملات والتاريخ الإسلامي.
فأين كان المسلمون يزودون أبناءهم بهذه الثقافة ما داموا لا يملكون مدارس خاصة بهم؟ لقد كان ذلك ولا زال يتم في ظلال بيوت الله تعالى، في المساجد التي بدأت تنتشر في القارة الأمريكية منذ أوائل هذا القرن. أما قبل ظهور المساجد في أمريكا فكان المسلمون يعلمون أبناءهم ويؤدون صلاتهم في بيوت بعضهم، وكان يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله سبحانه وتعالى (2) ففي سنة 1900م أقامت جالية مدينة روس Russ في ولاية نورث داكوتا north dakota أول صلاة جماعية لهم في أحد المنازل
(1). mehdi p. 9.
(2)
. abraham، arabs in the new world، p. 78.
الخاصة (1) ذلك أن طبيعة العلاقات السلبية بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني لم تكن حتى عهد قريب تفسح المجال أمام المسلمين لإقامة مساجد خاصة بهم. فالسلطات الحاكمة في بلاد النصارى كانت حريصة إلى حد الإصرار والتزمت، بألا يرتفع في بلادهم منارة ينطلق منها صوت المؤذن بالدعوة إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، وفق الشعائر الإسلامية السمحة، التي نادى بها الرسول الأعظم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (2).
أما أول مسجد أنشئ في أمريكا - وهو الآن مع الأسف كنيسة - فقد بني في مدينة هايلاند بارك hyland park في ولاية ميشيغان michigan في سنة 1919م ثم قامت الجالية الإسلامية في مدينة روس russ بولاية نورث داكوتا north dakota ببناء مسجد لهم سنة 1920. وتلاه مسجد ديترويت سنة 1922. ثم قام اتحاد الشباب المسلمين بتأسيس مسجد في مدينة بروكلين brooklyn بولاية نيويورك new york سنة 1923م (3) وفي سنة 1924 قامت الجالية الإسلامية في مدينة ميشيغان michigan بولاية انديانا indiana ببناء مسجد هناك (4) وفي سنة 1925 استأجرت الجالية الإسلامية في مدينة سيدار رابذر cedar rapids على بعد ثمانين ميلا غرب نهر المسيسيبي في ولاية أيوا iowa بناية لتكون مسجدا يربط أبناء الجالية دينيا واجتماعيا وثقافيا (5) وفي سنة 1934 قامت هذه الجالية ببناء أول مسجد في أمريكا صمم خصيصا ليكون مسجدا، ولذلك فقد أطلق عليه اسم المسجد الأم، وقد باشر الإمامان اللذان كانا في " المسجد الأم " وأحدهما من دمشق والآخر من نجد، تدريس اللغة العربية على الفور (6) ثم إن هذه الجالية الرائدة شيدت في سنة 1972 مسجدا جديدا تبلغ مساحته خمسة أضعاف مساحة " المسجد الأم " ليكون مكانا متسعا للصلاة والمدرسة والمكتبة معا (7).
وتسابقت الجاليات الإسلامية في مختلف المدن الأمريكية إلى بناء
(1). ibid p. 19.
(2)
. ibid p. 68.
(3)
. elkholy، p. 25.
(4)
. abraham، arabs in the new world. P. 68.
(5)
. Elkholy. P. 25.
(6)
. mehdi. P. 15.
(7)
. ibid p. 21.
المساجد. ففي سنة 1933 أسس النادي الهاشمي في ديترويت ليكون مسجدا ومدرسة للشيعة (1) وفي سنة 1939 بدأ المسلمون في مدينة ديربون في ولاية ميشيغان بناء مسجد لهم (2) وفي سنة 1955 شيد مسجد فاخر في مدينة توليدو (طليطلة) toledo في ولاية أوهايو ohio مما حفز الكثيرين على الهجرة إلى تلك المدينة بسبب وجود ذلك المسجد. وكانت هذه الجالية الأنموذج الذي يحتذى به في النشاط داخل المسجد بين سائر المدن الأمريكية (3) وقد قامت أخيرا ببناء مسجد رائع يبعث على البهجة في سنة 1983. واليوم يوجد في أمريكا ما يزيد على أربعمائة مسجد وجمعية إسلامية (4) هذا بالإضافة إلى المئات من الأشخاص الذين يستأجرون منازل خاصة بهم ويخصصون غرفة أوصالة واسعة منه لتكون مسجدا يؤمه الجيران والأصدقاء لأداء الصلاة في جماعة، والاستماع إلى محاضرة يلقيها أحدهم في موضوع يهم الجالية الإسلامية في تلك الولاية، علاوة على اتخاذ ذلك المكان لتعليم أبنائهم القرآن الكريم واللغة العربية والأخلاق الإسلامية.
ولقد كان متوقعا أن تولي الجاليات الإسلامية المتناثرة في أمريكا موضوع التربية عناية كبرى، غير أن تطور المعاهد الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية كان بطيئا. فمن الناس من جاء لجمع الثروة والعودة إلى البلد الأم، وهؤلاء لم يكونوا معنيين بمثل تلك المعاهد، فاهتمامهم بالدرجة الأولى كان مركزا على دعم أهلهم في البلد الأم ماديا. ومن الناس من قرر البقاء في أمريكا، وهؤلاء بدأوا يفكرون في تأسيس معاهد إسلامية خاصة بهم ليحافظوا على دينهم ويعلموا أولادهم. ومن هؤلاء الرواد الذين قاموا بمبادرات فردية تستحق الثناء والإعجاب حوى في واشنطن العاصمة Washington D. C محمد عمر في كونيس quinc في ولاية مسجيوستس massachusetts، وعبد الله انغرام في مدينة سيدار رابذر في ولاية إيوا،
(1). ibid p. 43.
(2)
. abraham، arabs in the new world، p. 172.
(3)
. ibid p. 173.
(4)
. ehdi p. 28
حيث توجد الجالية الإسلامية الرائدة في تعليم أبنائها في أمريكا كما سنرى، كما أن عبد الله هذا كان ضابطا في الجيش الأمريكي وهاله أن يكون في هذا الجيش تحيز ضد المسلمين حيث كان يرمز للمسلم في الجيش الأمريكي بحرف x لذلك بادر إلى الكتابة إلى الرئيس الأمريكي أيزنهاور، طالبا منه الاعتراف بالمسلمين في الجيش، وقد لبي طلبه ذاك. كما كان عبد الله هذا رائدا في الدعوة إلى اجتماع إسلامي عام في سنة 1952 لكافة المراكز الإسلامية الموجودة في الولايات المتحدة وكندا لتوحيد الجهود لتعليم أبنائهم وللمحافظة على الإسلام والمسلمين في تلك الديار، ولتصحيح مفاهيم غير المسلمين عن الإسلام والمسلمين وتزويدهم بالمعلومات الصحيحة عن الإسلام والمسلمين وتزويدهم بالمعلومات الصحيحة عن الإسلام كدين عظيم، وقد تمخض الاجتماع عن تأسيس الجمعية الإسلامية العالمية international muslim society التي غيرت اسمها في اجتماع عقد في شيكاغو بعد سنتين إلى اتحاد الجمعيات الإسلامية federation islamic associations (F. IA) والتي قدمت خدمات للجالية الإسلامية في تلك الديار فأصدرت مجلة النجمة الإسلامية the muslim star وعملت دليلا لمسلمي أمريكا، كما عملت على إنجاز إحصائية للمسلمين هناك وتجهيز مواد تعليمية لمدارس يوم الأحد وما إلى ذلك (1).
كذلك كانت جالية سيداررابذر الإسلامية رائدة في مجال تحفيظ القرآن الكريم لأطفالها فقد جاء في نشرة جالية سيداررابذر cedar rapids gazettei التي صدرت في مطلع سنة 1936، تحت عنوان " أولاد يتقنون القرآن الكريم بالعربية " ما يلي:
أتقن اثنان من أولاد سيداررابذر قراءة القرآن الكريم باللغة العربية، وقد ابتهج الجمهور الذي استمع إلى ذلك في المعبد الإسلامي muslim temple ( ظل بعض المسلمين يطلقون اسم معبد على مساجدهم حتى
(1). abraham، arabs in the new wor؛d. P. 19.
فترة قريبة) وكلا الولدين، اللذين أتقنا قراءة القرآن الكريم من مواليد أمريكا عمر أحدهما 12 سنة وعمر الآخر 6 سنوات وبهذا فإنهما سيكونان أول ولدين في الولايات المتحدة الأمريكية يقرآن القرآن الكريم باللغة العربية (1).
كان ذلك السبق لهذه الجالية في ميدان التعليم، في وقت فقد المسلمون فيه استعمال اللغة العربية بسرعة، ولم يكن قسم منهم يجرؤ عن كشف هويته الإسلامية، فالعديد منهم تزوجوا نصرانيات واتخذوا لأنفسهم أسماء أمريكية (2) ووقف كثيرون من الآباء حيارى أمام استقلالية وعقوق أبنائهم في المهجر، وعبر كثيرون عن قلقهم بشأن مستقبل أبنائهم قائلين (لقد خسرنا أبناءنا في أمريكا)(3) فغدا الآباء يتكلمون بالعربية في البيت والأبناء يردون عليهم بالإنجليزية، لأنها أسهل عليهم، ولأن بعضهم ينظر إليها نظرة احترام أكثر. حتى رأى ورنر warner أن الآباء يتعلمون الإنجليزية عن طريق أبنائهم (4) ولقد حاول الآباء مقاومة هذا التيار العاتي الذي سيجرف أبناءهم لا محالة. حاولوا تربيتهم تربية إسلامية، ولكن بعد فوات الأوان، لذلك قوبلت المقاومة من الجيل الأول بمقاومة أعنف من قبل الجيل الثاني، مما أدى إلى فقدان سيطرة الأب على الأسرة. فأصبح من الشكاوي المألوفة عند الزوجة المسلمة في ديترويت مثلا، أن تصف زوجها بقولها:" أنه لا يعرف كيف يضبط ويربي الأولاد، إنهم لا يصغون إلى نصائحنا فهم يقضون معظم أوقاتهم خارج البيت، ولا يأتون إلى البيت إلا عند الأكل أو النوم "(5) فأية خسارة أفدح من هذه؟ ولقد كان أكثر جرأة وصراحة ذلك الأب الذي ألقى باللوم على نفسه أولا وأخيرا في ضياع أخلاق أبنائه ونسيانهم اللغة العربية عندما قال: " إنه ذنبي أنا، لقد أجرمت بإحضار أبنائي إلى أمريكا ".
لا شك أن الآباء يتحملون المسؤولية إذا لم يوجهوا أبناءهم الوجهة
(1) Ibid، p. 66.
(2)
. mehdi، p. 93.
(3)
. abraham، arabs in the new world، p. 19.
(4)
. elkoly، p. 87.
(5)
. wanew / r، w. loyd. Structure of american life. Edinburg، 1952، p. 125.
الصحيحة، ويوفروا لهم التربية الإسلامية المناسبة، وهذا شيء يكاد يكون عاما في المهجر، يقول صاحب (الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية) نتيجة احتكاك أبناء المغتربين المسلمين بأبناء البلاد التي نزلوا إليها وانتسابهم لمدارسهم، سادت البرتغالية والأسبانية البيت العربي، وغدا الأبناء يجهلون لغة السلالة التي انحدروا منها، وتاريخ الأمة التي ينتمي إليها آباؤهم. وفي هذه الحالة نجد فارقا شاسعا بين المهاجر العربي، وغيره من المهاجرين الذين يفرضون على أبنائهم في سن معينة تكلم لغة السلالة التي ينتمون إليها، وبعد أن يلموا بلغتهم كتابة وقراءة وتكلما، في مدارس خاصة بتلك الجاليات، يأذن الآباء للأبناء بأن يتعلموا لغة البلاد التي نزلوها. على عكس حالة الطفل العربي الذي لا يفقه من لغة والديه سوى بضع كلمات عربية مشوبة برطانة أعجمية (1).
ويورد البدوي الملثم حادثة تدل على تمسك أخس شعوب الأرض بلغتهم وتخلينا عن لغتنا بما فيها من جمال وروعة، فيقول: " روى لي مغترب أنه عاش معه أسرة يهودية، وذات يوم عاد إلى المنزل ليجد رب البيت ينهال بالضرب على ابنه ويفرض عليه الوقوف في زاوية البيت رافع اليدين منتصبا على ساق واحد.
فسأله: ما باله يبكي؟
فأجاب اليهودي: كلب يستحق القصاص. إنه ولد عنيد متمرد، فكم نصحته ألا يكلم إخوانه إلا بالعبرية، لكنه يحدثهم بالبرتغالية، وخشية أن تفقد العبرية مكانتها الأولى في البيت، نال هذا الجزاء (2).
فهل يأخذ المسلمون المغتربون العبرة من هذا، أم على قلوب أقفالها؟ إن الأبناء غير مسئولين بالفعل، إن المسؤولية كاملة تقع على كواهل الآباء الذين يتقاعسون في تهيئة الجو الإسلامي المناسب لتربية أبنائهم، ومما يبعث على السخرية أن بعض الآباء، سواء المتبرزل منهم أو المتأمرك، يحتقرون لغتهم العربية ويحدثون أبناءهم باللغة الأجنبية التي
(1). elkholy، p. 89.
(2)
البدوي الملثم - الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية، 1956 ص246
يجهلون قواعدها وأصولها ولا يجيدون لفظها ألبتة.
في السنوات الأخيرة أصبح المسلمون في أمريكا على وعي بضرورة توفر تعليم إسلامي يؤمن للجيل الناشئ معرفة بتعاليم الإسلام ويضمن محافظتهم على هويتهم وعدم انصهارهم في ذلك المجتمع. واتبع المسلمون في سبيل ذلك وسائل تعليمية متنوعة تزود الأطفال بالثقافة الإسلامية الضرورية من هذه الوسائل التربية البيئية، مدارس نهاية الأسبوع، المدارس العامة ذات الأعضاء المسلمين، والمدارس الدينية الإسلامية. وفيما يلي عرض موجز لكل منها:
التربية البيئية home education لسنوات عديدة خلت قدمت إحدى مدارس ماريلاند برنامجا كاملا للأطفال المتكلمين بالإنجليزية من الروضة حتى الصف الثامن (الثاني الإعدادي) وقد استعمل هذا البرنامج بشكل كبير من قبل الأمريكيين خارج أمريكا دون التسجيل في مدارس تدرس بالإنجليزية. ولقد جذبت هذه المدارس انتباه المسلمين الذين يريدون أن يحافظوا على أبنائهم من السلبيات الاجتماعية والفكرية للمدارس الأمريكية، ولذلك فقد اقترحت الجالية الإسلامية في مدينة فورت كولنز fort colens بولاية كولورادو colorado أن يتبع المسلمون نفس الطريقة في تدريس أبنائهم في البيت فرادى أو مجموعات صغيرة، ولقد نجحوا بالفعل في (أسلمة) هذا النوع من المدارس بأن أضافوا إلى مناهجها موضوعات إسلامية. وكانت هذه التربية بالفعل حلا لأولئك المسلمين الذين اضطرتهم ظروف سياسية واقتصادية إلى أن يقيموا مع عائلاتهم في أمريكا لمدة طويلة.
مدارس نهاية الأسبوع supplemental education - the weekend school كثير من أبناء الجاليات الإسلامية في أمريكا يتعلمون في المدارس الأمريكية على مدى خمسة أيام ويتعلمون في المدرسة الإسلامية في نهاية
الأسبوع أو في مساء بعض الأيام خلال الأسبوع. ويشتمل منهاج هذه المدارس الإسلامية على تدريس اللغة العربية والقرآن الكريم والتاريخ الإسلامي والعبادات وقصص الأنبياء. ويتعلم الأطفال في هذه المدارس كيفية الوضوء والصلاة كما يلقنون الأخلاق الإسلامية الفاضلة وكيف يتحتم عليهم أن يتعاملوا مع الجميع مسلمين كانوا أم كفارا وكيف يجدر بهم أن يتحلوا دائما وأبدا بالخلق الإسلامي الرفيع مع آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم وزملائهم في المدرسة الإسلامية ومعارفهم في المدرسة الأمريكية العامة. وكثيرا ما يوصي المدرسون الآباء بضرورة متابعة ترسيخ المفاهيم الإسلامية التي يتلقاها الأطفال في المدرسة الإسلامية سواء أكانت في مجال العبادات أو السلوك وبهذا التعاون بين المدرسة الإسلامية والبيت تستطيع هذه المدرسة أن تواصل أداء رسالتها.
المدارس العامة ذات الأعضاء المسلمين community minded public في مناطق كثيرة من الولايات المتحدة الأمريكية حيث تتمركز أعداد كبيرة من المسلمين، أبدى هؤلاء رغبتهم للمدارس الأمريكية العامة في أن يساهموا معهم في إدارة دفة التعليم في منطقتهم فساهموا مساهمة نشطة في مجالس الآباء والمدرسين واستطاعوا أن ينجحوا في الانتخابات التي جرت لاختيار أعضاء المجالس التعليمية في مناطقهم وبالتالي فقد استطاعوا أن يجعلوا اللغة العربية ضمن مناهج التعليم لأبنائهم في تلك المدارس بأن يحضر مدرس مختص يقوم بتعليم هؤلاء الطلاب المسلمين اللغة العربية باستمرار. أما التربية الإسلامية فكما هو معروف عن كافة المدارس الأمريكية العامة فهي ممنوعة من تدريس أي دين في مدارسها بنص القانون الذي ينادي بفصل الدين عن الدولة، ويتضح ثقل هؤلاء المسلمين في جعل العربية تدرس لأبنائهم في المدارس العامة في كل من ديترويت وشيكاغو ونيويورك وفيلادلفيا وواشنطن العاصمة واتلانتا وكاليفورنيا.
المدارس الدينية الإسلامية the islamic parochial تنظم هذه المدارس بنفس الطريقة التي تنظم بها أية مدرسة دينية في أمريكا. فالمنهاج الذي يدرس بوساطة معلمين مؤهلين، ينبع من روح الإسلام وتعاليمه وتدرس في هذه المدارس كافة الموضوعات التي تدرس في المدارس الأمريكية العامة حتى يتمكن الطلاب من متابعة دراستهم في تلك المدارس إذا ما أرادوا ذلك أو إن لم يوجد لهم صفوف في مستواهم في هذه المدارس الدينية، ويدرس هذه الموضوعات معلمون مختصون مجازون لتدريس تلك المواد، غير أن معظم هؤلاء المعلمين والإداريين مسلمون.
وفي هذا النوع من المدارس يجد المسلمون حلا للعديد من مشكلاتهم التربوية في أمريكا رغم أن هذه المدارس تحتاج إلى دعم مالي باستمرار حتى تستطيع القيام بواجباتها تجاه الجاليات الإسلامية واستطاعت هذه المدارس أن تكون عوامل توحيد لسائر فئات المسلمين على اختلاف أجناسهم وتباين خلفياتهم. وقد نجحت جاليات عديدة في تأسيس مثل هذا النوع من المدارس خاصة بهم مثل الجالية الإسلامية في فيلادلفيا وكاليفورنيا وشيكاغو والعاصمة واشنطن وديترويت وغيرها من المدن الأمريكية التي تشتمل على مسلمين يتميزون بالوعي والنشاط.
معهد الدراسات الإسلامية - لوس انجليس institute of islamic studies- los angeles تأسس المعهد في أكتوبر سنة 1975 لتزويد المسلمين ببرنامج مكثف للدراسات الإسلامية وعمد المعهد إلى إنشاء نظام تعليمي كامل للأطفال لإيجاد البيئة الإسلامية المثلى لهم. ثم طور المعهد دراساته في التربية الإسلامية واللغة العربية بحيث شملت المسلمين وغير المسلمين بحيث يمكن أن يؤدي هذا البرنامج المطور إلى درجة ليسانس في هذه الدراسات. كما أسس المعهد قسما لتدريس اللغة الإنجليزية
للكبار خاصة لمن يعتزمون دخول الجامعات ولم يدرسوا الإنجليزية من قبل. وشبيه بهذا المعهد معهد تابع للجامعة الإسلامية الأمريكية التي أسست في شيكاغو سنة 1983 والتي سأفصل عنها فيما بعد.
وبما أن أي شيء لا يمكن أن يتحقق ويتطور بدون دعم مالي فقد قام رئيس المعهد بزيارة لكل من السعودية والكويت على رأس وفد لجمع التبرعات اللازمة لاستمرار هذا المعهد في أداء خدماته على أتم وجه. ونتيجة لمشاركة المعهد في مؤتمر الجمعيات الإسلامية في أمريكا الشمالية الذي عقد في مدينة نيسوارك في ولاية نيوجيرني فقد زود المعهد بمكتبة إسلامية كاملة وبراتب أستاذ متفرغ. كذلك نتيجة لجهود بعض الإخوة الغيورين على الإسلام والحريصين على تثبيت دعائم هذا المعهد فقد تبرعت جامعة نورث كاليفورنيا بستمائة كتاب قيم لمكتبة المعهد.
اشتمل المنهاج على اللغة العربية، اللغة الإنجليزية (للمتكلمين بالعربية) القرآن الكريم، الحديث النبوي الشريف، الفقه الإسلامي، الدراسات الاجتماعية كما يقدم المعهد برنامجا خاصا للكبار وهو عبارة عن مدخل للدراسات الإسلامية والعربية. وقد صمم هذا البرنامج لتزويد المسلمين عامة والدعاة منهم خاصة بالمعلومات الأساسية الضرورية لهم لتعميق منهجهم للإسلام، وعلاوة على ذلك فالبرنامج مفيد لأولئك الذين يرغبون في مواصلة دراساتهم الإسلامية على المستوى الجامعي. وكان من المؤمل أن يطور هذا البرنامج ليكون كلية إسلامية سنة 1982 غير أن ظروفا عديدة حالت دون تنفيذ ذلك في موعده المحدد.
وكجزء من الخطة المكثفة لتسهيل المهمة التعليمية للمسلمين في أمريكا فقد خطط المعهد فتح مركز لتدريس اللغة الإنجليزية. وقد صمم هذا المركز لخدمة المسلمين الوافدين للالتحاق بالجامعات الأمريكية. وليس بخاف أن أمريكا تعج بهذا المستوى من المعاهد العريقة التي تدرس
الإنجليزية على أحدث المستويات لمن يرغبون في ذلك خاصة لمن يرغبون في الالتحاق بالجامعات، غير أن هذا المعهد يتميز عنها جميعا بتهيئة الفرص لتعليم اللغة الإنجليزية في جو إسلامي خالص.
ولقد جربت بنفسي افتتاح مدرسة إسلامية في نيويورك، أطلقت عليها اسم مدرسة الأقصى في مدينة بروكلين سنة 1976، واخترت " مسجد المسلمين " ليكون مقرا لها لتوسط موقعه بالنسبة للكثيرين من المسلمين في هذه المدينة وخصصت للمدرسة سيارة نقل. وكان الطلاب يدرسون خمسة أيام أسبوعيا من السبت حتى الأربعاء، من الساعة الثامنة حتى الثانية عشر ظهرا، حتى إذا أذن لصلاة الظهر توضئوا وصلوا في جماعة، ثم تناولوا غداءهم الذي كانت تتبرع به مدينة بروكلين، وكان للمدرسة ممرض، كما كان لها مدرب كاراتيه. وبالرغم من عدم تشجيع أولياء أمور الطلاب لهذه المدرسة، إلا أني كنت ألمح السعادة على وجوه الطلاب وهم يعيشون جوا إسلاميا خالصا. وكان أمام هذه المدرسة عقبتان هامتان: إحداهما قلة الموارد المالية التي تعطي رواتب المعلمات وأجور النقل. وثانيهما عدم وعي الآباء على أهمية المدرسة بالنسبة لأبنائهم حيث إن معظمهم يلهث وراء متاع الدنيا الرخيص، غير عابئ إن درس ابنه في مدرسة إسلامية أو أمريكية، فكلاهما عنده، لجهله، سواء، وهاتان مشكلتان لدى كل المدارس الإسلامية في أمريكا دون استثناء، ويتوقف تذليلهما على مزيد من الجهد من المسلمين الغيورين في تلك القارة.
إن الخشية من تأثير الثقافة الأمريكية، والحذر من تأثير النصرانية على الجيل الناشئ، زادت من الحاجة إلى معاهد التربية الإسلامية، ليس من أجل أطفال المسلمين المهاجرين وحدهم، بل من أجل الأمريكان الذين خرجوا من ظلمات الرأسمالية الأمريكية إلى نور الإسلام، والذين أصبحوا يتلمسون بكل شغف مختلف الطرق لانتشال أبنائهم من
ضلالات المدارس الأمريكية. ومن هؤلاء من سحب أبناءه من المدارس الأمريكية ليضعهم في مدارس متواضعة ذات صيغة إسلامية. وفي زيارة قمت بها للمدرسة الإسلامية التابعة لمسجد العصر في مدينة ديترويت سنة 1981، شاهدت صفوف البنين منفصلة عن صفوف البنات في غرف متواضعة ومقاعد دراسية بسيطة والمعلمات يدرسن القرآن الكريم واللغة العربية، والجميع؛ مديرا ومدرسين ومدرسات وطلابا، من المسلمين الأمريكان السود. وتشتمل المدرسة على ستة صفوف، تمثل المرحلة الابتدائية كاملة. والجميع يرتدون الزي الإسلامي. ولقد تبادر إلى ذهني أن جهود قد تضيع سدى إن هم أرسلوا أبناءهم وبناتهم مرة ثانية إلى المدارس الأمريكية العامة، لأن مدرستهم تلك لا يتجاوز مستواها المرحلة الابتدائية. غير أن مدير المدرسة أزال من خاطري ذاك الهاجس، وأوضح لي ما يبعث على الإعجاب والتقدير لهؤلاء الآباء، وما يصلح أن يكون أنموذجا يحتذى من قبل كل الآباء المسلمين في أمريكا، فقال: صحيح أن مدرستنا هذه ابتدائية، ولكن مجموعتنا لها مدارس إعدادية وثانوية في كل من كندا ونيويورك، وبكل رضى يرتحل أهل الطالب أو الطالبة معه إلى هذه المدارس حتى لا يغرقوا في أوحال المدارس الأمريكية التي خبرناها بأنفسنا سنوات طوال. ومما يبعث على الارتياح أن سائر أفراد مجموعتنا متعاونون كالجسد الواحد، فنحن نشعر أننا أقلية وأن على كل واحد منا أن يمد يد العون للآخرين، ولذلك لا نجد أية صعاب عندما نترك ديترويت ونذهب إلى نيويورك أو كندا من أجل تلقين أبنائنا التربية الإسلامية الصحيحة. ونحن بعملنا هذا نكون قد حققنا هدفين: أحدهما وهو الأهم، أننا وفرنا لأبنائنا البيئة الإسلامية الصالحة، وثانيهما أننا جنبناهم مساوئ التمييز العنصري في المدارس الأمريكية، ذلك أن الخدمات التربوية في أمريكا لا تقدم للجميع على حد سواء فعلى سبيل المثال حكمت المحكمة العليا سنة 1896 في قضية تربوية بأن فصل
البيض عن السود في المدارس لا يعتبر مخالفة للدستور، لذلك فإن العديد من الولايات الجنوبية ذات الأغلبية السوداء كان حظها من الميزانية أقل بكثير من حظ الولايات ذات الطلاب البيض، وبقي الأمر كذلك إلى أن ألغي بقرار من نفس المحكمة سنة 1954 (1).
وأثناء تدريسي التربية الإسلامية واللغة العربية في " أكاديمية المسجد " mosque academy التابعة للحزب الإسلامي في شمال أمريكا ( i. p. n. a.) islamie oarty in north america في واشنطن العاصمة، عايشت أنموذجا فريدا في استطاعة المسلمين الاعتماد على أنفسهم في تكوين معاهد إسلامية مستقلة استقلالا تاما. فإذا ما دخلت المدرسة لفت نظرك تعاون كافة أعضاء الحزب من أجل إنجاحها، ولذلك تجدهم يحضرون أبناءهم صباحا ويأتون لأخذهم بعد نهاية الدوام. وتلمح على أعضاء الحزب الثقة الزائدة بالنفس التي تزايدت عندهم باعتناقهم الإسلام، والمدرسة تدرس كافة المواد التي من المفروض أن تدرسها المدرسة الأمريكية ولكن في جو إسلامي خالص، علاوة على تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية. وتشجيعا من الآباء لأبنائهم، ورغبة منهم في مزيد من الثقافة الإسلامية، فقد كان هؤلاء يحضرون دروسا خاصة بالكبار، رجالا ونساء كل على حدة، في المساء وفي نهاية الأسبوع. والجميع يرتدون الزي الإسلامي في المدرسة وخارجها. وهناك درس للكبار عقب صلاة الفجر مباشرة يتدارسون فيه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأصول الدعوة وأفضل الطرق لدعوة نصارى الأمريكان على الإسلام. وإن زيارة واحدة لهذه الأكاديمية تجعلك تنسى نفسك أنك في المستنقع الأمريكي، بل تشعر أنك في عالم آخر، عالم إسلامي متميز تربويا واجتماعيا واقتصاديا. ونتيجة للتعاون الوثيق بين سائر أفراد الحزب فإن المدرسة تجري بكل انتظام وبذلك فقد اطمئن أفراد هذا الحزب، وكلهم من الأمريكان السود، إلى أن أبناءهم يتلقون تربية إسلامية خالصة بعيدة عن
(1).47 abraham، the arab world؛ the arab americana، p
تعقيدات ومشاكل مدارس الكفر المحيطة بهم.
ولعل الحرص الزائد على الأبناء هو أهم ما يميز الذين اعتنقوا الإسلام من الأمريكان عن المسلمين الذين هاجروا إلى أمريكا من ديار الإسلام.
ذلك أن الأمريكان الذين هداهم الله لاعتناق الإسلام أدرى من غيرهم بمساوئ ومحاذير البيئة الأمريكية، ولقد كانوا أنفسهم متورطين في ذلك قبل أن يذوقوا حلاوة الإسلام، لذلك فهم حريصون على عدم انجراف أبنائهم في تيار ذلك المجتمع الفاسد، وأسلم طريقة لذلك اختيار المدرسة الإسلامية التي تلقن أبناءهم أسمى الأخلاق. أما المسلمون الذين هاجروا إلى أمريكا فتجدهم أقل إدراكا لخطورة المدارس الأمريكية، يقول صاحب " السوريون في أمريكا " The Syrians in America هناك عدد قليل من الأطفال السوريين يؤمون المدارس الخاصة. وغالبيتهم تفضل المدارس العامة. وقد صرح أحد أولياء أمور الطالبات أنه يريد إرسال ابنته إلى المدارس الخاصة لأن المدارس العامة تدرس الرقص (1).
لا يستويان، لا يستوي من يريد أن يرسل ابنته إلى المدرسة الإسلامية الخاصة تهربا من حصة الرقص، بمن يريد أن يفر إلى المدرسة الإسلامية لأنه خبر ما في المدرسة الأمريكية من فسق وفجور، من زنا ولواط، من شرب للخمور وتدخين للحشيش والمروانا، بين الطلاب أنفسهم من جهة وبين الطلاب ومعلميهم من جهة أخرى. ولعل من لا يعرف المدرسة الأمريكية، وهي صورة صادقة لذلك المجتمع، بحاجة إلى أن يعلم بعضا من الآفات الخطيرة التي تفوح رائحتها من المدرسة الأمريكية، فعلى سبيل المثال حوكم معلم في ديترويت لأنه وجد يلوط بأحد الطلاب في مكتبة في المدرسة ولدى استجوابه اعترف بأنه الطالب رقم 36 الذي يفعل معه فعلته النكراء تلك في ذلك العام. واكتفى مدير مدرسة في آن آربر بتنبيه مجموعة من الطلاب تتعاطى الحشيش في مكان غير مسموح به في المدرسة،
(1) Hitti، Philip K.، The Syrians In America، George H. Doran Company، New York، p. 91.
وطلب إليهم عدم تكرار ذلك. واغتصب مجموعة من الطلاب معلمتهم داخل حجرة الصف وعلى مرأى من سائر الطلاب والطالبات فما كان من تلك المعلمة إلا أن رفعت قضية تطالب فيها الحكومة بمليون دولار، هذا بعض ما يحفز المسلمين الجدد على الفرار من المدرسة الأمريكية إلى المدرسة الإسلامية.
تنبه أليجا محمد Eligah Muhammed، أول زعيم للمسلمين السود من الأمريكان، إلى الخطر الذي يحدق بأتباعه إن هم ظلوا ينهلون عادات وأخلاق الكفر من المدارس الأمريكية العامة. فبادر إلى إنشاء جامعة الإسلام المحمدية Muhammed، University of Islam سنة 1932م، وكان ذلك في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان. وفي سنة 1934 أنشأ جامعة أخرى من نفس النوع في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، وكان عدد مدرسيها اثنين فقط أما طلابها فكانوا عشرين. وكان أليجا محمد يطمح في تأسيس معاهد إسلامية صرفة بالرغم من مضايقات السلطات المسئولة آنذاك. وفي سنة 1942 افتتح معهدا آخر من نفس النوع في واشنطن العاصمة. وقد واصل أليجا محمد جهوده التربوية تلك حتى نهاية حياته، واستطاع أن يحقق نجاحا محدودا في إيجاد معاهد إسلامية كانت تزود أبناء المسلمين السود من أتباعه بالثقافة الإسلامية ما أمكنه ذلك.
وعندما تولى ابنه ولاس محمد (وارث الدين محمد) قيادة تلك الفئة الأمريكية المسلمة سنة 1975، واصل مسيرة والده، وأجرى بعض التغييرات في هذه الجماعة. فباشر بتغيير اسم جماعته من " البلايين " Bilalians أو " أمة الإسلام المفقودة الموجودة " Lost - Found Nation of Islam إلى " الهيئة الإسلامية الأمريكية " the american muslim ثم أعلن في المؤتمر الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مدينة نيوآرك newark بولاية نيوجيرزي new jersy أنه وأتباعه يشهدون منذ الآن أنهم مسلمون سنيون يطبقون القرآن لكريم والحديث النبوي الشريف وطالب أتباعه بالصلاة والصيام والحج،
وهي الأركان التي لم يطالب بها والده أتباعه من قبل.
أما في مجال التربية والتعليم فقد سار على درب أبيه وأكد على أهمية وضرورة الدور الذي يمكن أن تلعبه الأم في تربية أبنائها. فغير اسم المعاهد التي أطلق عليها والده جامعة محمد الإسلامية، وأعطاها اسما جديدا هو اسم والدته كلارا، فأصبحت تسمى مدارس الأخت كلارا محمد sistar clara muhammed schools وذلك لأن الأخت كلارا كانت قد لعبت دورا بارزا نشيطا في مجال تربية أبناء هذه المجموعة تربية إسلامية صافية.
وازداد عدد مدارس الأخت كلارا سنة بعد أخرى، حتى لا تكاد تخلو أية ولاية أمريكية اليوم من مدرسة أو أكثر تحمل اسم مدرسة الأخت كلارا محمد، موزعة على المساجد المائتين التابعة لهذه المجموعة الأمريكية المسلمة.
وهذه المدارس مفتوحة للجميع بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون، غير أن الأغلبية الساحقة من طلبة ومدرسي ومدرسات هذه المدارس هم من المسلمين السود الذين ينتمون إلى هذه الجماعة.
وكأية معاهد إسلامية في أمريكا، لا بد من صعوبات تواجه مثل هذه المعاهد خاصة وأنها قد تجاوزت الخمسين هذه الأيام، فمدرسة ديترويت، على سبيل المثال اضطرت إلى إقفال أبوابها ثلاث سنوات متتاليات من سنة 1976 - 1979، غير أنه أعيد فتح هذه المدرسة، في مسجد والي محمد سنة 1979، واختيرت لها إدارة جديدة على مستوى من الكفاءة، فعملت هذه الإدارة على تحديث وتوسيع المدرسة وتزويدها بالمدرسين الأكفاء والوسائل التعليمية العصرية. ونتيجة لهذا كله فقد وصل عدد طلاب هذه المدرسة في السنة الدراسية 1980 - 1981 إلى مائتي طالب وطالبة.
واشتمل المنهاج على الدراسات الإسلامية واللغة العربية بالإضافة إلى الموضوعات الأخرى التي تدرسها المدرسة الأمريكية العامة. وتدرس هذه المدرسة خمسة أيام أسبوعيا من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثالثة عصرا ويلتزم المسلمون من معلماتها وطالباتها بالزي الإسلامي.
وبالرغم من اشتمال منطقة ديترويت الكبرى على أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة، إذ وصل عددهم إلى ما يزيد على مائتي ألف في سنة 1976 (1)، إلا أنهم لم يتحركوا لتأسيس مدرسة واحدة مثل مدرسة الأخت كلارا محمد، وإذا ما دعوا إلى مظاهرة ليشقوا عنان السماء بهتافات جوفاء، لا تسمن ولا تغني من جوع هبوا إليها سراعا تاركين أعمالهم، فعندما اندلعت حرب رمضان (سنة 1973) دعي إلى مظاهرة عامة شارك فيها من عمال شركة دودج dodge وحدها حوالي ألفين مما أدى إلى تعطيل العمل في هذه الشركة تماما في فترة ما بعد الظهر ويرجع السبب في حماسهم هذا، وتقاعسهم في مجال تربية أبنائهم إلى ضعف الوازع الديني في نفوسهم ولأنهم ما حضروا إلى أمريكا إلا لدنيا يصيبونها، بينما نجد المسلم الأمريكي متحمسا لدينه الجديد فخورا به، مجاهرا بأداء شعائره داعيا الآخرين إليه ما أمكنه ذلك. وبعد أن أصبح يعيش في سعادة الإسلام الغامرة، كره أن يعيش أي من أبنائه في متاهات وضلالات المجتمع الأمريكي القذر، لذلك تجده حريصا أشد الحرص على أن يخلص أبناءه من مدارس هذا المجتمع الموبوء ويلحقهم بالمدارس الإسلامية أينما وجدت، وهذا هو أهم أسباب نجاح الإخوة الأمريكان السود من المسلمين في تشييد المعاهد الإسلامية في كافة أرجاء أمريكا.
وإذا كان جل المدارس الإسلامية التي يداوم فيها الطلاب دواما كاملا أسس على أيدي أمريكيين سود ممن فروا من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، فإن جل المدارس الإسلامية التي يداوم فيها الطلاب نهاية الأسبوع فقط، قد أسس على أيدي المسلمين المهاجرين إلى أمريكا.
وهذه المدارس مفيدة أيضا، فهي أفضل من لا شيء، كما أنها فرصة لالتقاء أبناء المسلمين وتعارفهم ودراستهم للقرآن الكريم واللغة العربية والسيرة النبوية العطرة في ظلال بيوت الله. ذلك أن المسلمين في أمريكا قد دخلوا مرحلة هامة، أصبح فيها من الضروري لهم أن يؤسسوا معاهد
(1) Abraham، The Arab World؛ The Arab Americans، p. 74.
خاصة بهم في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية والتعليمية. واستجابة لهذه الحاجة الملحة، فإن الجهود الفردية في تقدم مستمر في مجال التربية الإسلامية وذلك بالعمل على تأسيس مدارس يتمكن الطلاب المسلمون وغير المسلمين من تلقي تعليمهم في جو إسلامي لذلك فإن مدارس نهاية الأسبوع تنتشر في معظم المدن التي يوجد فيها مسلمون وهي في تزايد مستمر. ومن بعض الأمثلة على ذلك مدرسة الأقصى في نيويورك في مسجد الفاروق بإدارة الأخ أمين عوض، وتدرس يومي السبت والأحد وتشتمل على حوالي مائتي طالب وسبعة مدرسين، وهناك سيارة نقل تشجع الكثيرين على الحضور إلى المدرسة. وهناك مدرسة مشابهة في نيوجيرزي بإشراف المركز الإسلامي هناك. ومدرسة أسست سنة 1966 في مدينة روكفيل rockville في ولاية ماريلاند (1). وفي ديترويت إلى جانب مدرسة المسجد في ديربورن Dearborn التي نظمها ورعاها الدكتور عبد القادر أبو شريفة لما لديه من خبرة في حقل التربية، فهناك النادي الهاشمي الذي تنظر إليه الجالية كمعهد شيعي ويوجد فيه مدرستان كبيرتان نشيطتان تدرسان يوم الأحد، إحداهما للتعليم الديني والأخرى لتعليم اللغة العربية.
ومدرسة في مدينة بلينفيلد plainfield بولاية إنديانا. ومدرسة في مدينة آن آربر aun arbor في ولاية ميشيغان michigan ومدرسة عريقة في مدينة توليدو (طليطلة) toledo في ولاية أوهايو ohio ومدرسة سكرمنتو sacraminto في ولاية كاليفورينا california حيث توجد أكبر جالية إسلامية هندية وفيها أسس أول مسجد في الشاطئ الغربي لأمريكا ويضيق بي المجال لو مضيت أعدد مدارس نهاية الأسبوع الإسلامية في القارة الأمريكية. غير أني سأورد فيما سيأتي فكرة موجزة عن بعض هذه المدارس.
(1) maryland Mehdi، P. 32.
تعتبر مدرسة توليدو التي تدرس في نهاية كل أسبوع أحد الأمثلة على المدرسة الإسلامية في أمريكا، ذلك أن الجالية الإسلامية التي يرجع تاريخها في توليدو إلى سنة 1939، استطاعت في سنة 1955 أن تبني مسجدا وتؤسس مدرسة تابعة له، وقد كان الهدف من تأسيس مدرسة توليدو تعليم أعضاء الجالية وأبنائهم روح وفلسفة وثقافة الدين الإسلامي والوفاء بحاجات الأعضاء الدينية وتعليم الطلاب اللغة العربية والتاريخ الإسلامي، كما عملت هذه المدرسة على الإبقاء على وحدة وتعاون وتميز سائر أعضاء الجالية الإسلامية في تلك المدينة التي يفتخر مسلموها بأنها تحمل اسما إسلاميا هو اسم طليطلة في الأندلس.
وقد بدأت المدرسة بحماس ونشاط كبيرين، وكان حضور الطلاب عاليا في البداية وكان آباؤهم يرسلونهم إلى المدرسة يومي السبت والأحد من كل أسبوع لمدة أربع ساعات كل يوم. وما إن بدأ الطلاب يتفهمون أصول اللغة العربية والدين الإسلامي حتى فوجئ المسئولون بعد عدة أشهر بتسرب مفاجئ لعدد من هؤلاء لأسباب كثيرة، منها:
- عدم مقدرة الآباء على الاستمرار في إرسال أبنائهم إلى المدرسة في كلا اليومين الوحيدين اللذين يمكنهم فيهما الاستراحة أو قضاء بعض الواجبات البيتية المتراكمة لنهاية الأسبوع، وعدم رغبة الطلاب في دراسة خمسة أيام في المدارس الأمريكية ويومين في المدرسة الإسلامية مما يثقل عليهم ولا يدع لهم أية فرصة للراحة خاصة وأن كافة زملائهم كانوا يستمتعون خلال إجازة نهاية الأسبوع.
- عدم كفاءة المدرسين الذين قدموا من مصر وغيرها من الدول العربية وعدم إلمامهم بطرق تدريس هؤلاء الطلاب الذين يلقون كل عطف وتشجيع من مدرسي المدارس الأمريكية في حين يعاملهم مدرسو المدرسة الإسلامية بالطريقة التقليدية غير المألوفة لدى هؤلاء الذين ولد معظمهم في أمريكا.
- عدم توفر المنهاج الملائم والكتب الضرورية للقراءة في البيت.
كل هذه الأسباب أدت إلى فشل هذه المدرسة وفشل كل الجهود التي بذلها الآباء والمدرسون لتنويع أساليب التدريس واختيار المعلمين ذوي الخبرة لأن الآباء والأبناء يجدون أنهم بحاجة إلى الاستجمام والراحة خلال نهاية الأسبوع كي يستقبلوا الجديد بهمة ونشاط، لهذه الأسباب مجتمعة فقد تناقص عدد طلاب المدرسة باستمرار كما اقتصر المنهاج على تدريس أصول اللغة العربية وبعض قصار السور من القرآن الكريم، وتلقين أركان الإسلام والإيمان وبقي الأمر كذلك إلى أن استطاعت الجالية إحضار إمام جديد من الأزهر سنة 1965 والذي عمل على بعث الحيوية والنشاط في المسجد والمدرسة حقا، فوصل عدد الطلاب إلى 150 طالبا ما بين سن الرابعة والخامسة عشرة وكانوا موزعين على خمسة صفوف كالآتي: -
المنهاج لجميع هذه المراحل
…
العدد
…
العمر
…
الصف
التاريخ الإسلامي والفلسفة الإسلامية
…
80
…
15 فما فوق
…
أ
15
…
10 - 14
…
ب
أركان الإسلام والإيمان الأساسية
…
15
…
7 - 9
…
جـ
قصص الأنبياء عليهم السلام
…
40
…
4 - 6
…
د
الحديث النبوي الشريف
…
90
…
الكبار
…
هـ
ولقد أعد المنهاج بدقة من قبل الإمام الذي ينظم الدروس الأسبوعية ويجتمع بالمدرسات قبل بدء التدريس لإرشادهن لأفضل الأساليب في التعليم، ومعظم المدرسات من الجيل الثاني وبعضهن من أمهات أمريكيات وآباء مسلمين.
تبدأ الصفوف الأربعة الأولى في الدور السفلي من المسجد من العاشرة حتى الحادية عشرة والنصف، وهذا التوقيت بدوره يعطي الإمام فرصة
الإشراف على الصفوف ومراقبتها. كما إنه يمكن المدرسين وكبار الطلاب من الاستماع إلى محاضرات عن العقيدة الإسلامية ولغة التدريس في هذه الصفوف والمحاضرات هي اللغة الإنجليزية، وعند الظهر يؤدي الجميع صلاة الظهر جماعة في المسجد وهذا ما يبعث نوعا من الارتياح في نفوس التلاميذ الذين لا تتاح لهم فرصة لأداء صلاة الجمعة بسبب دوامهم المدرسي أثناء تلك الصلاة. وعلاوة على ذلك فهناك دروس في اللغة العربية تعقد مساء كل خميس ما بين الساعة السابعة والثامنة والنصف، ذلك لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم كما أنها جزء لا يتجزأ من الإسلام ولذلك فإنه فرض على كل مسلم أن يلم بها أو بشيء منها على الأقل.
بتخطيط من أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة ميشيغان الدكتور راجي رموني، أسست في آن آربر سنة 1972 مدرسة إسلامية. تداوم يومي السبت والأحد، ولدى هذه المدرسة برامج إسلامية مشوقة، استطاعت اجتذاب العديد من الطلاب المسلمين من سائر المدن المجاورة، مثلا بيسلانني psilant سالين salin أدرين adrian هدسون hudson بلفيل sellvill جاسكون jackson فلنت flint بليموث plymouth وغيرها. ويدرس فيها مائة وخمسون طالبا وطالبة موزعون على خمسة صفوف. ويتولى التدريس مدرسون ومدرسات تطوعا في سبيل الله. ويشتمل المنهاج على اللغة العربية، والقرآن الكريم والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وقصص الأنبياء، علاوة على تعليم الوضوء والصلاة والأخلاق والآداب الإسلامية. ويتخلل هذه الدروس برامج ترفيهية من ألعاب وأفلام تلفزيونية مناسبة، ولقد أثبتت هذه البرامج الترفيهية صلاحيتها في وقف تسرب الطلاب، وبقاء معظمهم في الصفوف حتى نهاية الفصل. ذلك لأن العديد من الطلاب، يحضرون إلى المدرسة ولديهم شعور أن نهاية الأسبوع من حقهم أن يستمتعوا بها خارج نطاق الجو المدرسي، لأنهم يقضون خمسة أيام في الأسبوع في المدارس الأمريكية العامة، ويومين في المدرسة الإسلامية، فإذا لم يكن جو المدرسة
الإسلامية محببا جذابا فسرعان ما يضيق به الطلاب ويتسربون بشكل ملحوظ.
يتولى الآباء إحضار أبنائهم، وقد نظمت الجالية الإسلامية في آن آربر برامج خاصة للآباء في اللغة العربية والتربية الإسلامية خاصة وأن قسما كبيرا منهم من مسلمي أمريكا والهند والباكستان. وفي نهاية كل فصل توزع جوائز رمزية وشهادات تقدير على المدرسين والآباء، كما توزع الشهادات والجوائز على جميع الطلاب. وهناك دورة مكثفة خلال عطلة الصيف يشعر الآباء وأبناؤهم أنهم يجنون منها فوائد كبيرة، لأنهم يدرسون خمسة أيام أسبوعيا على مدى شهرين متتابعين.
ولم يقتصر النشاط التعليمي للجالية الإسلامية في آن آربر على مدرسة نهاية الأسبوع والصيف، بل يتعداها إلى الإسهام في التدريس في المدارس الإسلامية الموجودة في المدن المجاورة، وإلى إلقاء المحاضرات عن الإسلام والمسلمين في الكنائس بدعوة من رجال الدين فيها، وإلقاء محاضرات في المدارس الحكومية العامة بدعوة من بعض المدرسين، يعقب ذلك استفسارات من الطلاب عن الإسلام، خاصة وأن معلومات الأمريكان عن الإسلام مشوهة لأنها مستقاة من أعداء الإسلام دون غيرهم. كما يشمل النشاط التعليمي لهذه الجالية على التدريس في مختلف السجون في ولاية ميشيغان التي تشتمل على سجناء مسلمين رجالا ونساء. فيقوم متطوعون مختصون من أعضاء الجالية بزيارة السجون بشكل منتظم، وإعطاء دروس في اللغة العربية والتربية الإسلامية، وإلقاء خطبة الجمعة على السجناء المسلمين ومن هذه السجون سجن هيورن huron واحد للرجال وآخر للنساء، وسجن مايلان milan، وسجن جاكسون jackson وهو أكبر سجن في العالم، وكنت أقصده بانتظام لتدريس حوالي 300 نزيل مسلم. كان قسم منهم يدرس
اللغة العربية والثقافة الإسلامية في فرع كلية جاكسون jackson community college داخل السجن نفسه.
ونظرا للموقع الهام الذي تتميز به مدينة آن آربر، لكونها مدينة جامعية ثلث سكانها طلاب في الجامعة، فقد أخذت الجالية الإسلامية هذه، تنتهز فرصة وجود أي من المثقفين المسلمين الزائرين، ليدلي بدلوه في مجال التربية الإسلامية، سواء أكان للصغار أو للكبار، ومن أفادوا الجالية في هذا المجال الدكتور مصطفى الأعظمي، عالم الحديث، من الهند، والدكتور عمرو النامي من ليبيا، والدكتور حسن الترابي من السودان، والدكتور أحمد صقر من لبنان، والدكتور راجي رموني من فلسطين، والدكتور سمير فخرو من البحرين، والنائب يوسف العظم من الأردن، والدكتور عبد الله التركي - مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وغيرهم كثير.
هذا وقد أتمت هذه الجالية الإسلامية بناء مركز إسلامي جديد سنة 1984 يشتمل على قاعدة للصلاة ومدرسة ومكتبة، ومن المؤمل أن يصبح الدوام في المدرسة الجديدة كاملا، خمسة أيام أسبوعيا بعون الله.
ومن المؤسسات التي ساهمت في مجال التربية الإسلامية في أمريكا رابطة العالم الإسلامي، ففي سنة 1962، أسست هذه الرابطة في مكة المكرمة، وأعلنت على الملأ أنها ستعمل على " نشر " الإسلام في كافة أرجاء العالم، والتصدي للمحاولات المعادية للإسلام، وتطوير الجمعيات الإسلامية، خصوصا في المناطق التي يمثل المسلمون فيها أقلية مثل أمريكا. ومنذ سنة 1974 افتتحت لها مكتبا في الأمم المتحدة في نيويورك، وكانت تتشاور وتتعاون مع منظمة اليونسيف unicef واليونسكو unesco في عدة أمور. وكان من خدماتها في نيويورك توزيع نسخ مجانية من ترجمة معاني القرآن الكريم، وإمداد المراكز الإسلامية بأئمة
ومدرسين. وترأست الرابطة اجتماعا إسلاميا عاما عقد في مدينة نيوأرك newark في ولاية نيوجيرزي new jersey سنة 1977 حضره ممثلون عن أكثر من مائتي مسجد وجمعية في أمريكا. وكان هدف الاجتماع تقوية وتوحيد الجهود الإسلامية في القارة الأمريكية.
أما أكثر الجمعيات الإسلامية نشاطا في مجال التربية الإسلامية، ومجال الدعوة إلى دين الله الحنيف في أمريكا، فهي " اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا وكندا " Muslim Student Association (M. S. A. ISNA) .
وقد تم تأسيس هذا الاتحاد في مطلع سنة 1893، على يد خمسة وعشرين طالبا مسلما، ينتمون إلى خمس عشرة جامعة أمريكية. وكان ذلك في جامعة الينوى university of illinois في مدينة أيربانا urbana.
وكان الهدف من تأسيس الاتحاد توحيد الطلبة المسلمين الموجودين في أمريكا. والذين تزايدت أعدادهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. إذ بينما اشتمل دليل الطلبة الأجانب الذي صدر في سنة 1919، على أسماء خمسة وثلاثين طالبا سوريا في الكليات والجامعات الأمريكية المختلفة، فقد وصل هذا العدد في السنة الدراسية 1981 - 1982 إلى 9540 طالبا من السعودية، و1000 من مصر، و1000 من شمال أفريقيا، وآلاف أخرى من شتى بقاع العالم الإسلامي.
وكان تأسيس ودعم المعاهد الإسلامية في القارة الأمريكية من أهم أهداف هذا الاتحاد، ومن الخدمات التي يقدمها الاتحاد:
- خدمات الكتاب الإسلامي Islamic Book Service (I. B. S.) إذ يقوم هذا القسم بطباعة واستيراد الكتب الإسلامية بمختلف اللغات وبيعها أو توزيعها على المراكز الإسلامية.
- مساعدة الطلبة المسلمين ماديا وذلك بإعطائهم المنح الضرورية أو إعطائهم قروضا بدون فوائد يقومون بتسديدها بعد سنوات من تخرجهم.
- طباعة ونشر المادة الإسلامية باللغتين العربية والإنجليزية.
- تعليم الإسلام للسجناء مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
- تنظيم مؤتمرات إسلامية يحضرها آلاف من مختلف الجاليات الإسلامية ويدعى إليها أفاضل العلماء من شتى ديار الإسلام ليرووا ظمأ المسلمين في أمريكا إلى معرفة المزيد من الإسلام خلال أيام المؤتمر وبعده أيضا. هذا وقد تم تشييد مقر جديد فاخر للاتحاد سنة 1982 في مدينة بليغيلد plainfield في ولاية إنديانا indiana ليكون مركزا إسلاميا يضم مسجدا ومكتبة وقاعة محاضرات وقاعات رياضية. وهناك آمال كبار تعقد على هذا الاتحاد في تقديم مزيد من الدعم والتخطيط في مجال التربية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيرا وليس آخرا، فهناك حدث عظيم في مجال التربية الإسلامية، شهدته مدينة شيكاغو chicago ثاني أكبر المدن الأمريكية والتي يسكنها نصف مليون مسلم، ذلك هو قيام أول جامعة إسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1983، فبعد أن كان المألوف أن يؤسس الأمريكان جامعات لهم في بلاد المسلمين، لتضليل أبناء المسلمين وإبعادهم عن دينهم، وتخريج جيل لا يخدم إلا المصالح الأمريكية في ديار الإسلام. بعد هذا بدأ المسلمون يقيمون الجامعات في أمريكا، ولكن لهدف مختلف تماما، وهو محاولة إخراج الناس على اختلاف معتقداتهم وأجناسهم من ظلمات المبدأ الرأسمالي الأمريكي الكافر إلى نور الإسلام العظيم.
وكان لهذا الحدث العام ردود فعل على مختلف الأصعدة في أمريكا وخارجها. فعلى الصعيد الرسمي اعترفت الحكومة الفيدرالية بالجامعة، وعبرت وزارة التعليم العالي عن سرورها لافتتاح الجامعة وعن أملها بأن تملأ هذه الجامعة الفراغ الأكاديمي في مجال معرفة الإسلام دينا وحضارة ومدنية وتاريخا. وقد سجل هارولد واشنطن رئيس بلدية شيكاغو زيارة إلى الجامعة، كما زارها عدد من مسؤولي وزارة التعليم في ولاية إلينوي ومجموعة من أعضاء
مجلس الشيوخ. أما الأوساط العلمية فأعلنت ترحيبها بالجامعة، فاعترفت بها جامعات عديدة وشجعت بعض الجامعات طلابها على دراسة بعض مواد العلوم الإنسانية فيها.
وتحت عنوان (الحياة الإسلامية تبرز في الغرب الأوسط لأمريكا) islam life lebuts in midwest جاء في صحيفة شيكاغو تربيون Chicago Tribune وهي الصحيفة الأولى في شيكاغو: (أن الجامعة الإسلامية الأمريكية هي الأولى من نوعها. .) أما صحيفة صن تايمز sun times إحدى صحف شيكاغو الرئيسية، فرغم أنها أشارت إلى أن قيام الجامعة سوف يساعد على التقارب الثقافي، إلا أنها لم تخف حسرتها على ذهاب الراهبات والتماثيل والرهبان والصلبان الذين كانوا يمتلكون المبنى قبل أن تشتريه الجامعة الإسلامية. كتبت هذه الصحيفة مقالين أحدهما بعنوان (كلية إسلامية في موقع شاذ College of Islam in Ironic Location) والآخر بعنوان (كلية إسلامية تساعد على التقارب الثقافي) islamic college help bridge cultural gap فقالت الصحيفة:(ستكون هزة ثقافية وصدمة لدى طلاب مدرسة أماكولاتا الثانوية لو زاروا مدرستهم الأم فالقديسات ذهبن، وزالت بذهابهن التماثيل والصلبان، وحل محل اسم المدرسة لائحة مكتوب عليها بالعربية والإنجليزية: الكلية الإسلامية الأمريكية، أما في الداخل فقد تحولت الكنيسة إلى مسجد. .) وما تخفي صدورهم أعظم، فلقد أصبح ذلك الدير كلية إسلامية، وبذلك جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
ومن أجمل ما وصف به لولب الجامعة الدكتور أحمد صقر هدف الجامعة قوله: (نشأت جامعة فوردهام في نيويورك قبل مائة سنة لنشر الثقافة الكاثولويكية ووضع مساحيق تجميل على وجه النصرانية الشاحب الذابل الذي أعرض عنه المجتمع الأمريكي. أما المسلمون فقد حاولوا إقامة جامعة لهم في الستينات ثم في السبعينات غير أن الظروف لم تكن مواتية
أيامها لأن يرى هذا المشروع التربوي الإسلامي النور، والآن ها نحن قد تمكنا بعون الله سبحانه وتعالى من تحقيق هذا الحلم الذي راود المخلصين من أبناء المسلمين سنوات عديدة، وستطرح جامعتنا رؤية متكاملة للإسلام كتصور حي مستقل للكون والإنسان والحياة، لانتشال الناس في هذه القارة، مسلمين وغيرهم، من التخبط في دياجير الكفر إلى السعادة في ظلال الإسلام العظيم).
وفي لقاء مع الدكتور عبد القادر أبو شريفة، أستاذ اللغة العربية بالجامعة قال:(بدأت الدراسة في الجامعة في أيلول (سبتمبر) سنة 1983 والمسئولون فيها من عشر دول إسلامية، فالدكتور إسماعيل الفاروقي هو رئيس الجامعة، وهو المشهور بنشاطه التربوي الإسلامي في جامعة تمبل temple university وغيرها. والدكتور أحمد صقر هو نائب الرئيس وهو دينامو الجامعة الفعلي، وللكلية مجلس أمناء يرأسه الحبيب الشطي ومعه نخبة من أفاضل الأدباء والعلماء والإداريين والمربين والدبلوماسيين منهم: الشيخ عباس الغزاوي والدكتور عبد الله نصيف والدكتور عبد الله التركي والدكتور أحمد محمد علي والدكتور محمد عبده يماني وجميعهم من السعودية والدكتور عز الدين إبراهيم من الإمارات، والدكتور يعقوب الغنيم من الكويت، والدكتور كمال ناجي من قطر والأستاذ دفع الله الحاج يوسف من السودان.
أما طلاب الجامعة فيمثلون أربع عشرة دولة إسلامية هي: السودان، الصومال، السعودية، غامبيا، الباكستان، الهند، ماليزيا، نيجيريا، فلسطين، سوريا، لبنان، مصر، ترينيداد، غيانا البريطانية، علاوة على طلاب من أمريكا وكندا).
وعلاوة على برامج تدريس اللغة الإنجليزية للطلبة الأجانب وبرنامج تدريس اللغة العربية للأمريكان فإن الجامعة الإسلامية الأمريكية تمنح
الشهادات التالية:
- ليسانس في الدراسات الإسلامية.
- ليسانس في الدراسات العربية.
- بكالوريوس في التربية والتعليم الابتدائي.
ومن مشاريع المستقبل التي تفكر فيها الجامعة وتخطط لتنفيذها:
- منح شهادة الماجستير وشهادة الدكتوراه.
- فتح فروع في مختلف أنحاء أمريكا.
- وضع برنامج لمنح شهادات تخصص في البنوك الإسلامية
- تدريس تمهيدي في الطب والهندسة وطب الأسنان والتكنولوجيا الطبية.
- إنشاء دار نشر وإصدار نشرة ومجلة وصحيفة باسم الجامعة.
- مشروع المتحف الإسلامي الذي سيشتمل على الأجنحة التالية:
أ - جناح القرآن الكريم: ستقوم الجامعة بخزن القرآن الكريم في الكمبيوتر لتصنيف الآيات والسور وسيشتمل الجناح على تسجيلات لمختلف القراء وعلى الطبعات المختلفة للقرآن الكريم مع ترجماته، علما بأن معاني القرآن الكريم قد ترجمت إلى سبع وعشرين لغة منها:
الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، البرتغالية، الأوكرانية، البلغارية، البشناقية، البولونية، التركية، الروسية، البوهمية (التشيكوسلوفاكية) الدانماركية، الرومانية، الإيطالية، اللاتينية، الفنلندية، المجرية، النروجية، الإسبانية، اليونانية (1).
ب - جناح السنة النبوية: وفيه تعرض مختلف كتب الحديث النبوي الشريف بمختلف اللغات، كما سوف تفهرس المتون والأعلام وكل ما يتعلق بالحديث في الكمبيوتر.
جـ - جناح المخطوطات الإسلامية.
د - جناح الفن الإسلامي والخط العربي.
(1) الولي، الشيخ طه - مرجع سابق، ص 58 - 59.
- مشروع المكتبة الإسلامية: وقد بدأت إقامتها غير أنها ما تزال بحاجة ماسة إلى أمهات الكتب الإسلامية بمختلف اللغات، وقد وعدت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بتقديم آلاف الكتب هدية منها لزميلتها في شيكاغو. وسوف تشتمل المكتبة على جناح يضم أجهزة الفيديو، الأفلام ووسائل الإيضاح العصرية، وسوف يطلق عليها اسم " مكتبة الإمام البخاري ".
- مشروع الإذاعة الإسلامية: وقد بدأت الاتصالات بالفعل مع رئيس مجلس إذاعة يمتلكها الأمريكيون السود، وهو معروف بمناصرته للقضايا الإسلامية. تحاول الكلية شراء بعض الأسهم وبالتالي فسوف يكون بإمكانها بث برامج علمية وثقافية عن الإسلام والأمة الإسلامية، وكذلك الحال بالنسبة للبث التلفزيوني.
وقديما قيل " على قدر أهل العزم تأتي العزائم " فليس بكثير على من عرفوا بجدهم واجتهادهم في الوسط الإسلامي في أمريكا، وليس بكثير على مجلس أمناء مكون من صفوة مختارة من عشر دول إسلامية، ليس بكثير على هؤلاء وأولئك، أن يواصلوا التخطيط والعمل الجاد الدؤوب، لتحقيق كافة مشاريع هذا الصرح التربوي الإسلامي العظيم، الذي سيعود بالنفع العميم على الملايين الستة من مسلمي أمريكا بإذن الله.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كمال كامل النمر
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
الاستقامة والإحسان
من مكارم الأخلاق في الإسلام
الأستاذ / صلاح أحمد الطنوبي
الدعوة إلى حسن الأخلاق هدف مهم من أهداف الدعوة الإسلامية، ركز عليها القرآن الكريم، وأيدها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، فأشار إلى هذا الهدف بقوله:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (1)» رواه أحمد ومالك عن أبي هريرة.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة تتبع، وخير هدي يهتدى به.
قال الله جل ثناؤه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2).
وكان النبي العظيم صلى الله عليه وسلم كما وصفه رب العزة والجلال وأثنى عليه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (3).
وكما وصفه أنس رضي الله عنه بقوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا (4)» .
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 381).
(2)
سورة الأحزاب الآية 21
(3)
سورة القلم الآية 4
(4)
رواه البخاري ومسلم.
ولقد أوضح القرآن الكريم مكارم الأخلاق، وقرنها بصفات المؤمنين في آيات كثيرة منها قول الحق سبحانه وتعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (1){وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (2){وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (3){إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (4){وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (5){وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (6){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (7){إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (8){وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} (9){وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (10){وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (11){وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (12){أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (13){خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (14).
وقول الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (15){وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (16){وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (17).
(1) سورة الفرقان الآية 63
(2)
سورة الفرقان الآية 64
(3)
سورة الفرقان الآية 65
(4)
سورة الفرقان الآية 66
(5)
سورة الفرقان الآية 67
(6)
سورة الفرقان الآية 68
(7)
سورة الفرقان الآية 69
(8)
سورة الفرقان الآية 70
(9)
سورة الفرقان الآية 71
(10)
سورة الفرقان الآية 72
(11)
سورة الفرقان الآية 73
(12)
سورة الفرقان الآية 74
(13)
سورة الفرقان الآية 75
(14)
سورة الفرقان الآية 76
(15)
سورة لقمان الآية 17
(16)
سورة لقمان الآية 18
(17)
سورة لقمان الآية 19
والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعا دعوة صريحة واضحة إلى تحسين الأخلاق، والتحلي بأفضلها، وتجنب ما كان سيئا منها والابتعاد عن كل خلق مكروه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون والمتفيهقون! قالوا يا رسول الله: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون (1)» رواه الترمذي وقال حديث حسن.
الثرثارون: جمع ثرثار، وهو الشخص المكثر في الكلام تكلفا.
المتشدقون: جمع متشدق، وهو الذي يتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه متفاصحا.
المتفيهقون: جمع متفيهق، وأصله من الفهق وهو الامتلاء ومعناه هنا المتوسعون في كلامهم مع تكبر وإظهار للفضيلة على غيرهم.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء (2)» . رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق (3)» . أخرجه الترمذي.
ولقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نخالق الناس بخلق حسن، فعن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق
(1) سنن الترمذي البر والصلة (2018).
(2)
سنن الترمذي كتاب البر والصلة (2002)، سنن أبو داود الأدب (4799)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 451).
(3)
سنن الترمذي البر والصلة (2004)، سنن ابن ماجه الزهد (4246)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 442).