الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الداودي: المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوان (1). قلت وهذا يدل على أنه يجب على مالك الحيوان ذكرا كان أو أنثى النفقة على ما يملكه من الحيوانات لحرمتها ولحقها في الحياة ولأن في عدم الإنفاق عليها كما مضى إيذاء وتعذيبا لها وهو في الوقت نفسه إضاعة للمال وإضاعته سفه غير محمود.
(1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج5 ص42 المطبعة السلفية.
المبحث الثاني: امتناع مالك البهائم من النفقة عليها
.
إذا امتنع مالك البهيمة من النفقة عليها فللعلماء في ذلك رأيان:
الرأي الأول:
يجبر مالكها على الإنفاق عليها بعلف أو رعي إن كان فيه ما يقوم بحاجتها فإن امتنع من ذلك وله مال أجبر في الحيوان المأكول على أحد أمرين:
أ) بيع أو إجاره له أو تصدق به أو هبته ونحو ذلك مما يزول به الضرر عنه.
ب) ذبحه.
وإن كان مما لا يؤكل أجبر على بيعه أو إجارته أو التصدق به أو هبته ونحو ذلك.
وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة وجمهور المالكية في الصواب عندهم (1) ورواية لأبي يوسف من الحنفية.
غير أن الحنابلة يرون في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه إجبار مالكه على الإنفاق عليه كالعبد الزمن (2).
(1) انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج2 ص101.
(2)
انظر المغني لابن قدامة ج7 ص635 الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
الرأي الثاني:
عدم الإجبار على الإنفاق عليها أو بيعها إلا أنه يؤمر بذلك ديانة فيما بينه وبين الله تعالى عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى هذا ذهب الحنفية في ظاهر الرواية عندهم وهو الصحيح في قولهم وابن رشد من المالكية.
واستدلوا على أمره بذلك ديانة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تعذبوا خلق الله عز وجل (1)» .
ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال (3)» .
قلت وهذا الدليل لم يرد فيه ما يمنع من إلزامه بذلك قضاء بل إن من مقتضى النهي منع المنهي عن فعل ما نهي عنه. .
واستدلوا على عدم الإجبار بما يلي:
أولا: أن في الإجبار نوع قضاء والقضاء يكون عند الطلب والخصومة من صاحب الحق ولا خصم مما يدل على عدم الإجبار في النفقة على الحيوان.
ويجاب عن ذلك بأن القضاء في هذه المسألة جاء لرفع مظلمة لا يقدر المظلوم على رفعها فيجوز القضاء وإن لم يكن هناك طلب وخصومة من صاحب الحق لاستحالة فعله لذلك.
(1) سبق تخريجه
(2)
سبق تخريجه
(3)
(2)
ولهذا شاهد مماثل حيث قالوا إن لوالي القضاء أو المظالم الحق في نظر بعض القضايا دون الحاجة إلى متظلم أو رافع لدعوى فيها وذلك مثل نظره في تعدي الولاة على الرعية أو جور العمال فيما يجبون من أموال الناس بغير حق أو يبذلونه للناس بزيادة أو نقصان. وهذا يقتضيه حق إنصاف الغير من إنسان أو حيوان (1).
ثانيا: أن الدابة لا يقضى عليها ومن لا يقضى عليه لا يقضى له ويجاب عن ذلك بأن تعذر الشكوى من الدابة يوجب القضاء لها (2).
واستدل أصحاب الرأي الأول بما يلي:
أولا: ما وري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت (3)» وفي رواية «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته (6)» .
ففي هذا الحديث بيان لاستحقاق الإثم، والإثم لا يكون إلا في ارتكاب محرم أو ترك واجب مما يدل على وجوب الإنفاق، وتنفيذ الواجب لا يكون إلا عن طريق القضاء، للإلزام بحكمه مما يدل على وجوب القضاء في إجبار مالك البهيمة بالإنفاق عليها (7).
ثانيا: أن ترك الحيوان يموت جوعا تعذيب له بلا فائدة وتضييع للمال ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك (8) كما سبق آنفا.
ثالثا: أن في الإنفاق على الحيوان صونا له عن الهلاك (9) الذي تستحقه نفسه الرطبة لما لها من حرمة شرعية.
(1) انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص80، 81 طبع دار الكتب العلمية.
(2)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج2 ص101 طبع سنة 1322هـ بالمطبعة الجمالية بمصر.
(3)
سبق تخريجه
(4)
سبق تخريجها
(5)
انظر المرجع السابق (4)
(6)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج2 ص101 طبع 1332 بالمطبعة الجمالية بمصر. (5)
(7)
انظر بدائع الصنائع ج4 ص40 الطبعة الثانية سنة 1402هـ.
(8)
انظر مغني المحتاج ج3 ص464 طبع دار إحياء التراث العربي.
(9)
انظر بدائع الصنائع ج4 ص40 الطبعة الثانية سنة 1402هـ.