الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير أنه قد يرد على الإجماع مخالفة الشعبي ويجاب عن ذلك بأن الأولى حمل مخالفة الشعبي على ما إذا كان المملوك قادرا على الكسب فنفقته على نفسه أو ينفق عليه سيده من كسبه (1).
أما المعقول:
فالعبد مملوك لا يقدر على شيء فلو لم تجعل نفقته على مولاه لهلك (2) لأنه لا بد له من نفقة وهي تلزم من يستفيد من منافعه وهو أخص الناس به (3). وإن أبى المولى الإنفاق عليه لعجزه أو غيره أنفق عليه من كسبه إن كان له كسب وإن لم يكن له كسب بأن كان زمنا أو أعمى أو صغيرا أو جارية لا يؤجر مثلها لحسنها ويخشى عليها من الفتنة، أمر ببيعه لأن المملوك صاحب حق وفي البيع إيفاء لحقه وليس فيه إبطال لحق المولى لأن الثمن يقوم مقامه ولأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد حاجته إضرار به وإزالة الضرر واجبة فوجبت إزالته ببيعه.
فإن امتنع عن بيعه أو هبته أو إعتاقه أو إجارته باعه القاضي أو أجره عليه فإن تعذر فكفايته في بيت المال ثم على المسلمين.
(1) انظر فتح القدير لابن الهمام ج4 ص229 طبع دار إحياء التراث العربي.
(2)
انظر بدائع الصنائع ج4 ص39 الطبعة الثانية سنة 1402هـ.
(3)
انظر المغني لابن قدامة ج7 ص630 الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
الموضوع الرابع: النفقة على البهائم والجمادات
.
وهذا فيه فصلان:
الفصل الأول: في النفقة على البهائم
.
وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول: في وجوب الإنفاق عليها
.
الحيوان المحترم كائن حي له روح ترغب للحياة وتتشوف إليها وتلك
الروح لها حرمة يجب مراعاة حقها بإشفاق وعطف خاصة إذا كانت عاجزة عن الوصول إلى غذائها بحبس أو جدب ونحو ذلك.
ولتأكيد هذا الحق نال الحيوان تقريرا شرعيا بالحفاظ على حقه وإلزام المالك ذكرا كان أو أنثى بالإنفاق عليه.
ولهذا ذهب علماء الحنفية إلى أن من ملك بهيمة لزمه علفها وسقيها (1).
وأوجب المالكية على صاحب الدواب علفها أو رعيها فإن أجدبت الأرض تعين علفها.
وقال الشافعية يجب على صاحب الدواب المحترمة من دواب البر والبحر علفها وسقيها أو تخليتها للرعي وورود الماء إن اكتفت به فإن لم تكتف به كجدب الأرض ونحوه أضاف إليها ما يكفيها.
وذهب الحنابلة إلى أن من ملك بهيمة لزمه وجوب القيام بها والإنفاق عليها بلا نزاع (2).
واستدلوا لذلك بما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض (4)» .
ففي هذا الحديث بيان لتعذيب المرأة جزاء حبسها هرة والعذاب لا يكون إلا في مقابلة إثم والإثم نتيجة لمخالفة الواجب أو فعل الحرام فدل هذا على وجوب الإنفاق على الحيوانات المحترمة.
ولحديث ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء أن يحبس عمن يملك قوته (6)» .
(1) انظر الفتاوى الهندية ج1 ص573، الطبعة الثالثة سنة 1400هـ.
(2)
انظر الإنصاف ج9 ص414.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
(3)
(5)
سبق تخريجه.
(6)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج2 ص101 طبع سنة 1332 بالمطبعة الجمالية بمصر (5)
والحيوان المملوك تلزم المالك نفقته ومنعها عنه موجب للإثم لأن الإثم لا يكون إلا على ترك واجب مما يدل على وجوب نفقة الحيوانات على مالكيها.
ولما روي من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا خلق الله عز وجل (2)» .
ومنع النفقة عن الحيوان المملوك تعذيب له والتعذيب منهي عنه والنهي يقتضي التحريم مما يدل على وجوب النفقة على الحيوان.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال (4)» .
ففي هذا الحديث بيان لكره الله تعالى إضاعة المال والحيوانات المملوكة من الأموال التي يلزم حفظها ورعايتها، وعدم الإنفاق عليها ضياع لها مما يدل على وجوب الإنفاق عليها.
ولأن الحيوان كائن حي له روح تسري في جسده ولهذه الروح حرمة ثبتت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال «بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي. فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال في كل كبد رطبة أجر (5)» قال ابن حجر في معنى «في كل كبد رطبة أجر (6)» : " أي كل كبد حية والمراد رطوبة الحياة ". .
(1) أخرجه أبو داود من حديث لأبي ذر رضي الله عنه في كتاب الأدب باب في حق المملوك وقد سكت عنه / عون المعبود شرح سنن أبي داود ج14 ص66 الطبعة الثالثة سنة 1399هـ. وأخرجه أحمد في مسنده ج5 ص168، 172 الناشر المكتب الإسلامي.
(2)
(1)
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحافا / فتح الباري شرح صحيح البخاري ج3 ص340 المطبعة السلفية. وأخرجه مسلم من كتاب الأقضية باب النهي عن كثرة المسائل صحيح مسلم بشرح النووي ج12 ص12 المطبعة المصرية وأخرجه الدارمي في كتاب الرقائق باب إن الله كره قيل وقال / سنن الدارمي ج2 ص20 الناشر دار الباز مكة، وأخرجه أحمد في مسنده ج2 ص250، 251، 255 الناشر المكتب الإسلامي.
(4)
انظر المرجع السابق (3)
(5)
أخرجه البخاري في كتاب المساقاة باب فضل سقي الماء / فتح الباري شرح صحيح البخاري 5 ص40 المطبعة السلفية. وأخرجه مسلم في كتاب قتل الحيات وغيرها باب فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها صحيح مسلم بشرح النووي ج15 ص241 المطبعة المصرية. وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم / عون المعبود شرح سنن أبي داود ج7 ص222 الطبعة الثالثة سنة 1399 وأخرجه مالك في كتاب الجامع فيما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم باب جامع ما جاء في الطعام والشراب / موطأ الإمام مالك ص665 الطبعة السابعة سنة 1404هـ. وأخرجه أحمد في مسنده ج2 ص517 الناشر المكتب الإسلامي.
(6)
صحيح البخاري المساقاة (2363)، صحيح مسلم السلام (2244)، سنن أبو داود الجهاد (2550)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 375)، موطأ مالك الجامع (1729).