الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
نفقة القرابة من غير الفروع والأصول
نفقة القرابة من غير الفروع والأصول اختلف العلماء في وجوبها على قولين:
القول الأول:
وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم صغيرا كان، أو أنثى ولو كانت بالغة صحيحة، أو كان الذكر بالغا مع عجزه عن الكسب بنحو زمانه أو مرض أو لأي سبب مشروع يمنعه من الكسب (1) وإلى هذا ذهب الحنفية والحنابلة. غير أن الحنابلة جعلوا النفقة على الأقارب غير عمودي النسب حسب الإرث لا الرحم وألزموا بالنفقة من يرث بالفرض أو التعصيب سواء ورثه الآخر أو لا كعمته وعتيقه وهذا هو المذهب (2).
وهل يشترط عند الحنابلة الإرث بالحال قيل يشترط وهو الصحيح فلا نفقة على بعيد موسر " يحجبه " قريب معسر.
وقيل يشترط ذلك جملة لكن إن كان يرثه بالحال ألزم بها مع اليسار دون الأبعد وإن كان فقيرا جعل كالمعدوم ولزمت الأبعد الموسر (3).
والحنفية يرون أن الوارث المعسر لا يحجب غيره عن النفقة فيصير كما لو كان ميتا.
واشترطوا فيمن تجب له النفقة أن يكون فقيرا عاجزا عن الكسب يستغني به عن إنفاق غيره فإن كان موسرا بمال أو كسب يستغني به فلا
(1) انظر حاشية ابن عابدين ج3 ص628 الطبعة الثانية سنة 1386هـ.
(2)
انظر الإنصاف ج9 ص393.
(3)
انظر الإنصاف ج9 ص394.
نفقة له لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة.
كما اشترط الحنفية اليسار فيمن تجب عليه النفقة وإن كان قادرا على الكسب لأن وجوب هذه النفقة عن طريق الصلة، والصلات تجب على الأغنياء لا الفقراء (1). وحد اليسار الذي يتعلق به وجوب هذه النفقة توفر نصاب الزكاة. وقيل ما فضل عن نفقة شهر له ولعياله. وقيل حد اليسار من كان له كسب دائم وهو غير محتاج إلى جميعه فما زاد عن كفايته وجب صرفه إلى أقاربه (2) واكتفى الحنابلة في وجوب النفقة بوجود ما يفضل عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه فأما من لا يفضل عنه شيء فليس عليه شيء. واشترط الحنفية (3) والحنابلة لوجوب نفقة القرابة من غير الفروع والأصول اتفاق الدين.
(1) انظر بدائع الصنائع ج4 ص35 الطبعة الثانية سنة 1402هـ.
(2)
انظر المرجع السابق.
(3)
انظر ص36 رقم 1 من كتب المذهب الحنفي.
القول الثاني:
أن نفقة القرابة من غير الفروع والأصول غير واجبة ولا يلزم الإنسان أن ينفق على أحد من الإخوة أو الأخوات ولا سائر ذوي المحارم وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية.
واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الرجل الذي معه دينار وآخر حتى قال صلى الله عليه وسلم " وأنت أعلم به (1)» ولم يأمره أن ينفق على أقاربه فدل على عدم وجوب نفقة الأقارب.
واعترض على ذلك بعدم ذكر نفقة الوالد مع وجوبها.
وأجيب عن ذلك بأن النص على نفقة الولد يكفي لوجوب نفقة الوالد لأنه آكد حرمة من الولد (2).
(1) أخرجه مسلم عن جابر في كتاب الزكاة باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم الأهل ثم الأقارب / صحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص83 المطبعة المصرية وأخرجه النسائي عن أبي هريرة في كتاب الزكاة باب الصدقة عن ظهر غنى / سنن النسائي ج5 ص62 طبع دار إحياء التراث العربي.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب ج17 ص177 الناشر مكتبة الإرشاد بجدة.
ويرد على ذلك بأن ترك ذكر النفقة لا يعني عدم شرعيتها لاحتمال تقرير ذلك في موضع آخر كما هو في نفقة الوالد.
ولاحتمال معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل لا أقارب له وبالتالي أخبره بحاله فقط دون الإشارة إلى بيان إنفاقه على أقاربه.
واستدلوا أيضا بأن الشرع أورد إيجاب نفقة الوالدين والمولودين، ومن سواهم لا يلحق بهم في الولادة وأحكامها فلم يلحق بهم في وجوب النفقة (1).
ويجاب عن ذلك بأن هذا القياس مع الفارق لأن النفقة صلة والإنسان مأمور بصلة أقاربه ومنع الموسر نفقته على أقاربه وهم محتاجون إليه فيه توريث للقطعية والشحناء في النفوس المنهي عنها فدل ذلك على أن شرعية النفقة لا تثبت بأحكام الولادة وإنما تثبت بالقرابة الموجبة للصلة وعدم القطعية.
والنفقة من المنفق كالإرث من المورث فيها غرم ونقل للمال من شخص لآخر فكذا النفقة فيها غنم للمنفق عليه كغنم الوارث للمال من مورثه فوجبت على القريب الوارث نفقة قريبه.
ولهذا استدل الحنفية والحنابلة بوجوب هذه النفقة بقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (2) فكما هو يغنم هو يغرم أيضا وتلزمه بذلك نفقة أقاربه الذين يحق له إرثهم.
وأجاب المانع لهذه النفقة بأن المراد من هذه الآية نفي المضارة كما أوضح ذلك ابن عباس وهو أعلم بكتاب الله.
ويجاب عن ذلك بأن هذا معطوف على قوله تعالى
(1) انظر المرجع السابق ج17 ص172، 177.
(2)
سورة البقرة الآية 233