المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أساليب المنصرين للوصول إلى أهدافهمفي المجتمعات الإسلامية المعاصرة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ هل الإنسان يملك نفسه أو أن نفسه ملك لله فقط

- ‌رأي لجنة الفتوى في نقل الدم وزرع الأعضاء:

- ‌ تنتقل من بلد زوجها إلى بلد وليها لتقضي مدة الحداد عنده

- ‌تناول ما يؤخر العادة عنها من أجل مناسبة حج أو عمرة أو صيام رمضان

- ‌ لي أطفال وتوضيت وغسلت نجاسة أطفالي، هل ينقض الوضوء

- ‌ حلق لحيته من غير رضى منه

- ‌ غير اسم أبيه جهلا لمصلحة دنيوية

- ‌ هل الإنسان مسير أو مخير

- ‌ الدعوة الناجحة؟ ومن أين تستنبط

- ‌ حكم بغير ما أنزل الله

- ‌ يرغم الملتحي على حلق لحيته

- ‌ الصلاة وراء إمام غير ملتحي

- ‌ حلق اللحية

- ‌ هل اللحية من خصال التهلكة التي أهلك الله بها قوم لوط

- ‌ الصلاة خلف حالق اللحية

- ‌ حلق اللحية

- ‌ حكم النذر في الإسلام

- ‌ الحج بدون الصيام

- ‌ مس الجن الإنسان

- ‌ هل إذا اختلفت نية المأموم مع الإمام تجوز الصلاة

- ‌ الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ تبول الإنسان واقفا

- ‌ التسبيح باليد اليسرى

- ‌ هل يعتد المأموم بالركعة التي لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب

- ‌ الصلاة في الخفين وفي النعلين

- ‌ الحكم في إزالة المرأة لشعر جسمها

- ‌ الزكاة على ذهب المرأة

- ‌ التعليم في جامعات بعض الدول الإسلامية حيث يوجد بها من الفجور والفسق والكفر الكثير

- ‌ الصلاة وراء الديوث

- ‌ هل سحر الرسول صلى الله عليه وسلم وهل نفذ فيه السحر

- ‌ حلق اللحية

- ‌ فضيلة الصلاة والسلام على النبي

- ‌ الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله

- ‌ الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها

- ‌ بذل الأموال في انتخاب الإمام لحصول منصب الإمامة

- ‌ الحضور إلى حفلة ترميد الموتى البوذيين

- ‌ دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنيا

- ‌لصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الركعة الثانية

- ‌ حلق اللحية والأخذ منها

- ‌ حكم الثوب الذي هو أطول من الكعبين

- ‌ حكم قراءة الجريدة داخل المسجد

- ‌ صبغ شعر اللحية والشارب

- ‌ لعب الورق إذا كان لا يلهي عن الصلاة

- ‌ استئجار من يدرس القرآن على نية الميت

- ‌ امرأة بها العادة الشهرية وطلب منها زوجها الجماع عن طريق الغصب

- ‌ الغلو في الحجاب

- ‌ مصافحة النساء القريبات وهن لسن محارم

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولا: أسئلة حول تربية اللحية

- ‌ثانيا: أهمية الغطاء على وجه المرأة

- ‌ حقيقة التصوف:

- ‌ موقف الصوفية من العبادة والدين:

- ‌معنى النفقة

- ‌أنواع النفقة الواجبة على المرأة لحق الغير

- ‌الأسباب الموجبة لبعض تلك النفقات

- ‌الموضوع الأول: نفقة الأقارب

- ‌الفصل الأول: نفقة الفروع من الأولاد

- ‌النوع الأول: نفقة الأولاد الصغار

- ‌المبحث الأول: وجوب نفقة الولد الصغير على أبيه

- ‌المبحث الثاني: نفقة الأب على ابنه من اليسار والإعسار

- ‌المبحث الثالث: إرضاع الأم لولدها

- ‌المبحث الرابع: بذل الأجرة للمرضع ولدها بعصمة زوجها

- ‌المبحث الخامس: بذل الأجرة للمطلقة البائن

- ‌المبحث السادس: نفقة المرأة على أولادها

- ‌المبحث السابع: مشاركة الأب والأم أو غيرهما في نفقة الطفل

- ‌النوع الثاني: نفقة الأولاد الكبار

- ‌الفصل الثانينفقة الأصول

- ‌المبحث الأول: في وجوب نفقة الآباء والأمهات

- ‌المبحث الثاني: في وجوب نفقة الأجداد والجدات

- ‌المبحث الثالث: شرط وجوب نفقة الأصول

- ‌المبحث الرابع: كيفية وجوب نفقة الأصول بين الأولاد

- ‌الفصل الثالثنفقة القرابة من غير الفروع والأصول

- ‌مقدار النفقة الواجبة للقريب من غير الفروع والأصول

- ‌الموضوع الثاني: نفقة خادم المرأة

- ‌الموضوع الثالث: نفقة الرقيق

- ‌الموضوع الرابع: النفقة على البهائم والجمادات

- ‌الفصل الأول: في النفقة على البهائم

- ‌المبحث الأول: في وجوب الإنفاق عليها

- ‌المبحث الثاني: امتناع مالك البهائم من النفقة عليها

- ‌المبحث الثالث: امتناع المالك من الإجبار

- ‌الفصل الثاني: في النفقة على الجمادات

- ‌أحوال التربية الإسلامية في أمريكا

- ‌مقدمة

- ‌أحوالالتربية الإسلامية في أمريكا

- ‌لمحة تاريخية:

- ‌التربية الإسلامية في أمريكا

- ‌خلق الاستقامة في الإسلام:

- ‌خلق الإحسان في الإسلام:

- ‌أساليب المنصرين للوصول إلى أهدافهمفي المجتمعات الإسلامية المعاصرة

- ‌ثبت بأهم مصادر ومراجع البحث

- ‌الصوم والإفطار لرؤية الهلال

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌أساليب المنصرين للوصول إلى أهدافهمفي المجتمعات الإسلامية المعاصرة

‌أساليب المنصرين للوصول إلى أهدافهم

في المجتمعات الإسلامية المعاصرة

إعداد: الدكتور / مهدي رزق الله أحمد

قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (1)، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2){وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (3){لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (4) صدق الله العظيم.

والكفر ملة واحدة. . اتفقوا في الأهداف. . وتشابهت وسائل وأساليب تحقيق تلك الأهداف. وفي الصفحات التالية خلاصة لأهم الأهداف والوسائل والأساليب التي تضمنتها حركة التنصير في العصر الحديث بصفة خاصة.

(1) سورة البقرة الآية 109

(2)

سورة البقرة الآية 120

(3)

سورة آل عمران الآية 69

(4)

سورة آل عمران الآية 186

ص: 297

الأهداف:

(1)

نشر المسيحية من منطلق عقدي.

(2)

نشر المسيحية لتكون عاملا عظيما في توطين الحكم الاستعماري.

ص: 297

(3)

توهين القيم الإسلامية، وبالتالي تفتيت وحدة الشعوب العربية الإسلامية والشعوب الإسلامية غير العربية وإبعاد المسلمين عن دينهم، وذلك حتى يسهل القضاء عليهم.

ومن الواضح من خلال تاريخ التنصير في العالم أن نشر الدين المسيحي من الأمور الثانوية جدا عند المنصرين، وقليل منهم هم الذين يسعون لنشر المسيحية من منطلق عقدي بحت، بل إن الكثيرين من الذين يمولون حملات التنصير ومن الذين يأتون في بعثاته لا صلة بين أهدافهم الحقيقية وبين الدين الذي يزعمون أنهم قد جاءوا لنشره، والدليل على ذلك أن الغرب النصراني نفسه أحوج من الشرق الإسلامي للحياة الروحية والمحبة والسلام الديني. فبينما نرى فرنسا دولة علمانية في بلادها نجدها الدولة التي تحمي رجال الدين في الخارج، ونجد أن اليسوعيين المطرودين من فرنسا هم خصوم فرنسا في الداخل وأصدقاؤها الحميمون في مستعمراتها. وكذلك إيطالية التي ناصبت الكنيسة العداء وحجزت البابا في الفاتيكان، كانت تبني جميع سياساتها الاستعمارية على جهود المنصرين، وحتى روسية، عدوة الأديان رأيناها بعد الحرب العالمية الثانية تتعاطف مع المنصرين، ودعت إلى مجمع مسكوني في موسكو وحملت إليه المؤتمرين في طائراتها، وشرف ستالين نفسه أولئك المؤتمرين بمقابلته،

ص: 298

كل ذلك عندما أرادت أن تحقق لنفسها توسعا إقليميا وسياسيا تنافسيا مع الدول الغربية، وكثيرا ما كان العسكريون الإنجليز يحضون حكوماتهم على بث المنصرين في العالم. وجاء كثير من أفراد المنصرين إلى الشرق من منطلقات وطموحات شخصية.

وقد كتب رشيد الخوري في العصبة الأندلسية عام 1947 م، ع 4 متألما من أمثال هؤلاء (1). وأمثال هؤلاء هم الذين عناهم " حسب " عند حديثه عن التنصير في سورية. وفي ذلك يقول:" إن بعض هذه الأديرة كان مقرا للفاحشة ".

إذن فالأهداف السياسية هي المحرك الأساسي لحركة التنصير، وإن هذا الهدف السياسي هو إضعاف المسلمين ليكونوا أداة طيعة في أيدي الشرق والغرب والصهيونية العالمية.

ولعل الإنسان يعجب إذا علم أن لليهود أصابع وبصمات بارزة في هذا المجال إذ أن العامل الأول في تطوير سلاحي الاستشراق والتنصير في القرنين التاسع عشر والعشرين عائد إلى اليهود الذين تظاهروا باعتناق النصرانية لهدمها من الداخل ومن ثم الزحف على أي قوى روحية دينية أخرى عند الإنسان، أي الدين عموما. ووجهوا الحكومات الغربية ضد الدين (2).

إضافة إلى ذلك نجد - مثلا - أن صمويل زويمر، الذي عمل في

(1) المرجع نفسه، ص 35.

(2)

أسد: 43.

ص: 299

التنصير لمدة ستين سنة في البلاد العربية، لم يكشف عن يهوديته إلا عند احتضاره سنة 1952 م، وذلك عندما طلب حاخاما يهوديا يلقنه الشهادة. واحتفظت الكنيسة بهذا السر لأسباب تعلمها، كما يقول التل (1).

والذي نراه أن هدف اليهود من ذلك هو استغلال المسيحية الغربية لحرب الإسلام بسلاح التنصير، وفي النهاية إضعاف الدين عند المسلمين كما أضعفوه عند الغربيين. ومن الشخصيات البارزة في هذا المجال إلى جانب زويمر: وليام جيفورد بالكراف، الذي قال:" متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه "(2).

وها هو بلفور اليهودي - وزير خارجية بريطانيا سنة 1917 م، وصاحب الوعد المعروف - وعد بلفور - يعلن عن أهمية مؤسسات التنصير في خدمة أهداف السياسة (3).

لقد بدأ التنصير في البلاد الإسلامية بصفة خاصة والعالم بصفة عامة يدخل مرحلة جديدة بأساليب جديدة بعد أفول شمس الاستعمار العسكري، منطلقا من فكرة الشاعر في قوله:

ينال بالفكر ما تعيا الجيوش به

كالموت مستعجلا يأتي على مهل

ومنطلقا من وصية القديس لويس التاسع، ملك فرنسة وقائد الحملة الصليبية الثامنة، الذي اندحرت جيوشه أمام عزيمة وإيمان قوات المسلمين

(1) التل، عبد الله: جذور البلاء، ط 3، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405 هـ / 1985 م ص 28.

(2)

التبشير والاستعمار، مرجع سابق، ص 55.

(3)

أفريقية والنصرانية، مرجع سبق ذكره، ص 287.

ص: 300

في مصر ووقوعه في الأسر بمدينة المنصورة المصرية، إذ أنه عندما فدى نفسه من الأسر وعاد إلى بلاده، أدرك عدم جدوى الحرب المكشوفة مع المسلمين، لأن روح الجهاد والاستشهاد كانت أقوى مما يتصور. ورأى أن من الحكمة اتخاذ سبيل آخر للدخول إلى بلاد المسلمين وكان ذلك السبيل الذي أوصى به النصارى هو الغزو الفكري التنصيري والدخول في بلاد المسلمين تحت أقنعة مختلفة وبأساليب متعددة لإحداث التنصير المطلوب. وقد نفذوا وصيته. ومنذ ذلك الحين كانت البعثات التنصيرية في طليعة عوامل تنصير المسلمين ونشر الثقافة الغربية بينهم خاصة في آسية وأفريقية.

لقد أدت البعثات التنصيرية خدمات كبيرة للاستعمار لتحقيق أهدافه التي عجز عنها بقوة السلاح، إذ عمد المنصرون إلى وسيلتين في غاية الخطورة لتنصير الآسيويين والأفريقيين بصفة خاصة. الوسيلة الأولى هي إنشاء المدارس النصرانية، والثانية هي تقديم الخدمات الطبية المختلفة للناس.

ونتيجة للأثر الفعال للتعليم في التغيير الاجتماعي والثقافي والعقدي فقد لوحظ تركيز مؤتمرات التنصير على أهمية التوسع فيه. ففي البحث رقم (20) من أبحاث مؤتمر المنصرين المنعقد بولاية كلورادو الأمريكية سنة 1978 م، وصل الأمر بأن يقترح ريتشارد بيلي إنشاء كلية تكنولوجية في بنجلاديش كوسيلة من وسائل التنصير.

وركز جورج بيترز، مقدم البحث رقم (26) لذات المؤتمر، على أهمية إنشاء المدارس لتمكن الإرساليات من القيام بواجبها نحو تنصير المسلمين وخاصة مدارس البنات في الشرق الأوسط، وذكر المؤتمرين

ص: 301

بدور الكليات والجامعات التنصيرية في البلاد الإسلامية، مثل: كلية روبرت باستنبول والجامعة الأمريكية ببيروت والقاهرة والكلية الفرنسية في لاهور بباكستان.

وكان من بين بنود جدول أعمال المؤتمر السنوي للبعثة التنصيرية لشمالي أفريقية المنعقد في عام 1979 م: الاهتمام بالتعليم وفتح المدارس في أكبر عدد من البلدان حيث إن هذه المدارس تكون وسيلة فعالة لنشر تعاليم النصرانية واجتذاب أكبر عدد من سكان بلدان شمالي أفريقية.

ومن الأدلة الواضحة على أهمية التعليم النصراني، قول لوشاتليه في مقدمته عن إرساليات التنصير البروتستانتية:(ينبغي لفرنسة أن يكون عملها في الشرق مبنيا قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية)، وقوله، بعد أن ركز على أن السبيل الوحيد إلى هذا هو التعليم:". . وأنا أرجو أن يخرج هذا التعليم إلى حيز الفعل ليبث في دين الإسلام التعاليم المستمدة من المدرسة الجامعة الفرنساوية "(1).

وقول الكاردينال لافيجري - مؤسس جمعيات التنصير - وهو: ". . لا حاجة لنا إلى الدعوة لنفس الدين، بل الحاجة هي إلى التعليم والتمريض ".

وقد سجل دعاة التنصير هذه الحلقة في كثير من تصريحاتهم

(1) المرجع نفسه، ص 14.

ص: 302

ومؤلفاتهم. ففي المؤتمر التنصيري لسنة 1924 م، وجه المؤتمر إلى الاهتمام بأطفال المسلمين قائلين:". . . في كل حقل من حقول العمل يجب أن يكون العمل موجها نحو النشء الصغير من المسلمين. . . "(1).

وتقول المنصرة أنامليجان: " ليس ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة "(2).

ويرى هنري جسب (3): أن التعليم في مدارس الإرساليات النصرانية إنما هو واسطة إلى غاية فقط، وأن تلك الغاية هي تنصير الناس وليس تعليمهم المهارات المختلفة.

ويقول تاكلي، أحد أعمدة التنصير:" يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيرا من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية. . . "(4).

ويقول زويمر - عميد التنصير في الشرق الأوسط لنصف قرن - " (ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ المدارس العلمانية، ونيسر لهم الالتحاق بها، هذه المدارس التي تساعدنا على

(1) المرجع والمكان نفسهما؛ الإسلام في وجه التغريب - أنور الجندي، مرجع سبق ذكره، ص 167.

(2)

المرجعان والمكانان نفسهما.

(3)

انظر: التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مرجع سبق ذكره، ص 66 - 67.

(4)

المرجع نفسه، ص 88.

ص: 303

القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب. . ". ولقد أورد الدكتوران مصطفى الخالدي وعمر فروخ (1) كثيرا من آراء المنصرين حول أهمية التعليم في التنصير، وعقدا فصلين - الثالث والرابع - خاصين بذلك في كتابهما المشهور: " التبشير والاستعمار في البلاد العربية. .).

وكذلك الجندي في كتابه: " الإسلام في وجه التغريب " تناول هذا الأمر في فصل بعنوان: " التعليم في أحضان التبشير " - ص 167 - 173.

وممن فطن إلى خطر المدارس الأجنبية في مصر خاصة، الشيخ محمد عبده، ولذلك اقترح على مجلس المعارف الأعلى الذي ألف عام 1881 م أن يتقرر جعل جميع مدارس الأجانب في مصر تحت مراقبة الحكومة وتفتيشها. وتوقف مسعى محمد عبده بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث جاء دنلوب - القسيس والمنصر الإنجليزي ومسئول التعليم في مصر - لينفذ سياسة الاستعمار النصرانية في مصر (2).

(1) التبشير والاستعمار، ص 65 - 112.

(2)

الإسلام في وجه التغريب، مرجع سبق ذكره، ص 29.

ص: 304

وقد تأكدت النتائج الخطيرة التي حققها التعليم النصراني في تقريب المسافة بين الاستعمار أهل الأوطان الإسلامية، إذ أن الذين حملوا لواء التشهير بالدولة العثمانية، وعملوا على تمزيق الرابطة الإسلامية بين العرب والأتراك، وتمكين الاستعمار في بلاد نفوذ الأتراك، كانوا ممن تعلموا في المدارس التنصيرية وكان منهم معظم أصحاب الدعوات القومية والعنصرية والإقليمية والعلمانية، والانحلالية (1).

وقد فرضت أغلب هذه المعاهد على طلابها المسلمين الالتزام بتقاليدها الخاصة، ومن ذلك حضور الصلوات في الكنيسة (2). ومما يؤسف له أن تتلقى مثل هذه المؤسسات التنصيرية دعم بعض الحكومات في البلاد العربية الإسلامية (3).

أما الوسيلة الثانية - تقديم الخدمات الطبية المختلفة - فقد كانت واضحة في خطط المنصرين للعمل في المناطق التي يرتادونها. فمثلا نجد منذ سنة 1959 م أن الأمريكيين يعتبرون الطب مشروعا مسيحيا (4)، ويقول الطبيب الأمريكي بول هاريسون في كتابه: (الطبيب في بلاد العرب: ص 277:

" لقد وجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى "(5).

(1) انظر: الإسلام في وجه التغريب، مرجع سبق ذكره، ص 168

(2)

المرجع نفسه، ص 169.

(3)

انظر مثال ذلك: أفيقوا أيها المسلمون، ص 58 وما بعدها.

(4)

التبشير والاستعمار، ص 59.

(5)

المرجع والمكان نفسهما.

ص: 305

ويوضح س. ا. موريسون، في مجلة العالم الإسلامي التنصيرية الحكمة من ذلك، وهي أن الطبيب يستطيع أن يصل إلى جميع طبقات البشر حتى أولئك الذين لا يخالطون غيرهم. وفرضوا أن يكون الطبيب المبشر نسخة من الإنجيل (1).

ففي عام 1924 م أقام المنصرون مؤتمرا عاما عقدوا جلساته في القدس وإسلامبول وحلوان المصرية وبرقانا اللبنانية وبغداد. واهتموا بصفة خاصة في جلسة القدس بالتطبيب على أنه وسيلة إلى التنصير، وفصلوا طرق ذلك (2).

لا غرو بعد هذا إذا رأينا مستشفياتهم ومستوصفاتهم تملأ الأرض في كل بلاد المسلمين، بل نجد منهم من يصرح بأن نفرا من المنصرين قد أنشأوا مستوصفا في بلدة الناصر بجنوبي السودان، لا يعالجون المريض فيه أبدا إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح.

واستخدموا أسلوب الاستعانة بالموسيقى والفانوس السحري لجذب الناس إلى اجتماعاتهم (3). ومحاولة كسب الشباب المسلم وذلك

(1) المرجع والمكان نفسهما

(2)

المرجع نفسه، ص 60.

(3)

انظر الإسلام في وجه التغريب، مرجع سبق ذكره، ص 93.

ص: 306

بالتحدث إليهم في موضوعات اجتماعية وخلقية وتاريخية ثم ينطلقون منها إلى مباحث الدين (1).

واعتمدوا كثيرا على الصحف والكتب والسينما والمسرح في إذاعة الآراء التي تحقق إخراج المسلمين من مقومات فكرهم (2).

وادعوا انسجام الإسلام مع الحضارة الغربية بغية تقبل الناس للحضارة الغربية ومن ثم قبول المسيحية في المرحلة القادمة (3).

واستغلوا ما تعانيه البشرية في بعض بقاع العالم الثالث من كوارث ومجاعات طارئة، فأخذوا في تقديم العون لها ومن ثم دعوتها إلى النصرانية. وهذا من الأمور المشاهدة في أفريقية وآسية بالذات.

وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن يشفيهم (4). وللمنصرين حيل لجمع المرضى للعمل وسطهم قبل وصول الطبيب المعلن عن موعد مجيئه لهم (5). كما فعلوا في الناصر بالسودان وباليمن. كانوا يعلنون هذه النوايا ويتواصون على استغلال التطبيب في الدعوة إلى النصرانية (6).

وعندما تخفق جميع الوسائل والأساليب في تنصير المسلمين، يلجأ المنصرون إلى أسلوب إخراج المسلم من دينه. ومثال ذلك ما صرح

(1) المرجع والمكان نفسهما.

(2)

المرجع نفسه، ص 94

(3)

المرجع نفسه، ص 94 - 95

(4)

المصدر نفسه ص 32، ومرجع ومكان النقل نفسهما.

(5)

المصدر نفسه، ص 142، ومرجع ومكان النقل نفسهما.

(6)

التبشير والاستعمار، ص 62 - 63.

ص: 307

به صمويل زويمر أمام مؤتمر القدس التنصيري سنة 1935 م، قائلا:

". . ولتكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. . ".

وما صرح به شنودة في الاجتماع المغلق الذي عقده في 5/ 3 / 1973 م مع القساوسة والأثرياء بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قائلا:

". . إن الخطة المرسومة هي التنصير بين الفئات والجماعات وذلك لزحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم. . على أن يكون ذلك بطريقة ذكية، خشية الإثارة واليقظة وإفشال الخطة. . "(1).

بل ظنوا أن استمرار الحرب الإسلامية - اليهودية، فرصة سانحة لخدمة أهدافهم وفي ذلك يقول شنودة:(. إننا يجب أن ننتهز ما هم فيه من نكسة ومحنة (يعني المسلمين المصريين خاصة والمسلمين عامة) - لأن ذلك في صالحنا، ولن نستطيع إحراز أية مكاسب أو أي تقدم إذا انتهت المشكلة مع إسرائيل سواء بالسلم أو بالحرب. " (2).

(1) المرجع والمكان نفسهما.

(2)

المرجع والمكان نفسهما.

ص: 308

وظهر أسلوب إرسال الكتيبات والنشرات للأفراد على صناديق بريدهم، ومثال ذلك، ما وقع في يدي من ذلك الذي أرسل إلى المملكة العربية السعودية دعوة لعضوية نادي " هوني قايد " - بمعنى دليل العسل - العالمي للصداقة، تدعو لعقد علاقات صداقة بين الشباب من الجنسين، والهدف منها إفساد الحياة الاجتماعية الإسلامية بمثل هذه الوسائل الخبيثة الماكرة.

واعتمد المنصرون على أسلوب العمل المعتمد على الدراسات النظرية والميدانية والإحصائية لاكتشاف أفضل السبل والأساليب لتنصير المسلمين. ويعقدون المؤتمرات لمناقشة تلك الدراسات والأساليب والتجارب الميدانية. ومن تلك المؤتمرات:

(1)

مؤتمر القاهرة، سنة 1324 هـ / 1906 م.

(2)

مؤتمر أدنبرة، سنة 1328 هـ / 1910 م.

(3)

مؤتمر لكنو بالهند، سنة 1329 هـ / 1911 م.

(4)

مؤتمر القسطنطينية في العام نفسه.

(5)

مؤتمر القدس 1343 هـ / 1924 م.

(6)

مؤتمر جبل الزيتون بلبنان سنة 1346 هـ / 1927 م.

ص: 309

(7)

مؤتمر مجلس الكنائس العالمي التي يتكرر عقدها وبخاصة مؤتمرات الأعوام 1344 هـ / 1925 م، 1346 هـ / 1927 م، 1347 هـ / 1928 م.

(8)

مؤتمر القدس سنة 1380 هـ / 1961 م.

(9)

المؤتمر الأول حول تنصير العالم في برلين عام 1386 هـ / 1966 م.

(10)

مؤتمر مدراس بالهند سنة 1347 هـ / 1928 م.

(11)

مؤتمر السويد سنة 1389 هـ / 1969 م.

(12)

مؤتمر لوزان بسويسرا سنة 1394 هـ / 1974 م.

(13)

مؤتمر كلورادو بأمريكا سنة 1398 هـ / 1978 م.

(14)

مؤتمر أستراليا سنة 1400 هـ / 1980 م.

(15)

مؤتمر أكسفورد في أغسطس 1986 م. . . إلخ.

ولم تبدأ هذه المؤتمرات في القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، بل هي قديمة، فمثلا في أواخر القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي، دعا البابا أوربان الثاني إلى عقد مجمع بهيئة مؤتمر للرهبان لدراسة مقاومة انتشار الإسلام ومبادئه باعتبارها تهدد المسيحية.

إن مؤامرة تنصير المسلمين قد نسجت خيوطها بوضوح في مؤتمر كلورادو المذكور الذي عقد تحت عنوان " مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين في العالم " وتساءلوا في هذا المؤتمر: لم لم يتم حتى الآن تنصير المسلمين كما يجب وبصورة أفضل؟

ص: 310

ولقد قرروا أن يكون مؤتمرا عمليا تنفيذيا يغير سياسة التنصير ووجهته، واتفقوا على أربعين بحثا قدمها المنصرون أمام مؤتمرهم هذا.

لقد استمر المؤتمر منعقدا لمدة أسبوعين وكان مغلقا على أعضائه وانتهى إلى وضع استراتيجية شاملة ذات أهداف معينة يتم تنفيذها في فترة زمنية محددة في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي لا سيما وسط الأقليات المسلمة في العالم. وقال دون مك كري في كتاب له عن هذا المؤتمر:

". . إن الاستراتيجية التي وضعها المؤتمر ستبقى سرية لخطواتها " وهو ما ذكره في بحثه أمام المؤتمر بعنوان: (الوقت المناسب لمنطلقات جديدة)، وقال:". . ولن نستطيع نشر هذه التقارير كاملة لأنها تحتوي على حقائق ومعلومات حساسة للغاية، من الأفضل أن تظل طي الكتمان ".

لقد عالجت الأربعون بحثا المقدمة إلى هذا المؤتمر موضوعات رئيسة ضمن محاور ثلاثة، إذ تعرضت عشرة أبحاث لموضوع التصورات في العمل ومفاهيمه وعالجت ستة عشر بحثا أخرى موضوع الطعم المطروح في مواجهة المسيحية للإسلام اليوم، وعالجت الأبحاث الأربعة عشر المتبقية الاستجابات المحددة التي تعد ضرورية للخدمات التنصيرية الفعالة بين المسلمين.

ومن بين الأبحاث التي أولاها المؤتمرون اهتماما خاصا، سبل محاولة الاتصال بالمرأة المسلمة التي يمكن عن طريقها الوصول إلى الأسرة المسلمة (1).

(1) عن التنصير والمرأة المسلمة انظر: الإسلام في وجه التغريب، مرجع سبق ذكره ص 179 - 181.

ص: 311

لقد أبانت هذه البحوث الأربعون عن كل الأساليب ووسائل المنصرين للوصول إلى أهدافهم في البلاد الإسلامية. فمثلا البحث رقم (1) يعالج أهمية قبول الصيغ الثقافية المؤلفة عند الشخص المراد تنصيره. أما الصور والأشكال الثقافية المألوفة لدى الناس والتي يمكن استخدامها في تفهم الناس النصرانية، ومن الذي يحددها؟ وما المرفوض والمقبول منها؟ وما الذي يحتاج إلى تأويل؟ فتلك أسئلة انعقد المؤتمر للإجابة عنها دون غيرها.

وفي البحث رقم (2) بعنوان: (الإنجيل واختلاف الثقافات)، يرى دونالد لاسون أن الأساليب الفعالة في التنصير هي أهمية احترام وجهة نظر المدعو للنصرانية وإجراء الحوار الهادئ معه، وإن هذا الاتجاه هو ما أكده فرانك كولي وآخرون في البحث رقم (2) عند دراستهم لوضع الإسلام والمسيحية في جنوبي شرقي آسية، وما أكده كذلك بشير عبد المسيح في البحث رقم (3)، إذ يلخص إلى أن احتواء الثقافة الإسلامية أمر مقبول استراتيجيا ويمكن الوصول إليه بلا عناء.

ومن الأساليب التي تناولها هارفي كون في البحث رقم (4): استخدام أسلوب التنصير الجماعي عن طريق الزعامة المحلية.

ومن الأساليب التي تناولها آرثر جلاسر في البحث رقم (6): أهمية تجنب الخوض في المسائل الدينية التي يتفوق فيها المسلم على النصراني.

ص: 312

ومن أساليبهم في تخطي عقبات وصول النصرانية إلى المسلمين هو دراسة اللاهوت الإسلامي لمعرفة العقبات التي يجب تخطيها والجسور التي يمكن أن يعبروا عليها إلى المسلمين، ذلك حسبما جاء في البحث رقم (11) بقلم كنيس كراج.

هذا بالإضافة إلى أساليب أخرى كثيرة تناولتها بقية الأبحاث، مثل أسلوب أهمية إنشاء الكنائس الوطنية والاعتماد على أناس لا يشغلون وظائف دينية (بحث رقم 15)، واستخدام البث الإذاعي بذكاء، مباشر وغير مباشر (بحث رقم 17، 24)، وترويج العلمانية والمادية في المجتمعات الإسلامية، وتعلم المنصرين للغات المحلية للمدعوين إلى النصرانية والعمل وسط المجموعات ذات العقائد البعيدة عن الإسلام والشباب والبدو (بحث رقم 18)، واستخدام ترجمات الإنجيل (بحث رقم 21، 23) واستخدام الأدب المسيحي (بحث رقم 22) والبحث عن ثغرات ينفذون منها إلى مبادئ الإسلام (بحث رقم 15) والاهتمام بما يسمونهم " الخيامين " في تنصير البلاد التي لا تسمح بالوجود العلني لمؤسسات التنصير، مثل بعض دول الخليج العربي!

والخيامون هم المدرسون والممرضون والأطباء والمهندسون والدبلوماسيون ومستشارو الأمم المتحدة والموظفون والعمال عموما الذين يدخلون البلاد الإسلامية المغلقة في وجه التنصير لأداء مهام وظائف

ص: 313

محددة تتعاقد معهم الحكومات والمؤسسات لأدائها.

ونبه المؤتمرون إلى أهمية أن يعمل هؤلاء الخيامون بحذر شديد وتخطيط دقيق مدروس. واستخدام الحوار الذي يفتح بابا للصداقات مع المسلمين ومن ثم التأثير فيهم (بحث رقم 34).

ومثل تقديم المعونات الغذائية والصحية (بحث رقم 37). . إلخ.

ونتيجة لاستخدام النصارى مختلف الوسائل والأساليب لتنصير المسلمين، فقد واجه المجتمع الإسلامي تحديا كبيرا، تمثل في الوجود النصراني الكبير في آسية وأفريقية بصفة خاصة، ومثال ذلك أن إحصائية مجلس الكنائس الأندونيسي لطائفة البرتستانت تبين أن عدد كنائسها حتى عام 1972 م فقط 9319 كنيسة و23970 قسيسا و6504 منصرا متفرغا وعشرات الجامعات والمعاهد والمستشفيات الكبرى والمتنقلة ودور الأيتام والإذاعات المحلية وامتلاك الصحف الكبرى ودور النشر الكبرى، بينما يملك المسلمون صحيفة واحدة ويمتلكون السفن والطائرات للتنقل بين 30000 جزيرة في أندونيسية.

وقرر مؤتمرهم التنصيري بجاوا الشرقية مدة عشرين سنة لتنصير جاوا و50 سنة لتنصير أندونيسية! ويمتلكون مطارا في منطقة كاليمنتان الغربية وأسطولا من الطائرات العمودية وأسطولا بحريا (1).

لقد أعد أبو هلال الأندونيسي كتابا خاصا عن أندونيسية وموقف التنصير منها، بعنوان:(غارة تبشيرية جديدة على أندونيسية) فيه الكثير من أمثال تلك الحقائق والإحصاءات.

(1) انظر مجلة الأمة القطرية، رجب 1401 هـ، ص 43.

ص: 314

وفي عام 1911 م نشرت مجلة الشرق المسيحي تقريرا عن المؤسسات والأجهزة التي يعمل من خلالها المنصرون في بلاد المسلمين، ومن تلك الإحصاءات التي حواها التقرير: 3838 إرسالية تنصيرية عامة، و34719 إرسالية تنصيرية من الدرجة الثانية، و1. 412. 044 عدد الأساتذة والتلاميذ، و88 جامعة وكلية بها 8628 طالبا، و552 مدرسة دينية لتخريج المنصرين والمعلمين وبها 12. 761 طالبا و1714 مدرسة تنصيرية عليا بها 166. 447 طالبا، و30. 185 مدرسة ابتدائية بها 1. 290. 357 تلميذا، و576 مستشفى، و1077 صيدلية، و11 مجلسا طبيا بها 830 طالبا، و98 معهدا للممرضات فيها 663 طالبة، ويشرف على إرساليات التنصير 520 جمعية عمومية عامة و433 جمعية لإعانتها و22 جمعية مختلفة. . إلخ، وكل ذلك قبل أكثر من ثلاث أرباع قرن أي منذ سنة 1911 (1).

وقبل أكثر من نصف قرن بلغ عدد الإرساليات التنصيرية في الهند وحدها 377 إرسالية بالإضافة إلى 50 كلية و318 مدرسة ثانوية و78 مدرسة اجتماعية و65 مدرسة زراعية و11 مدرسة للمنصرين و10 مدارس لتخريج معلمين و170 صحيفة وجريدة ونشرة، وبلغت النفقات السنوية للإرساليات 277. 330 مليون روبية (2).

ويذكر الكاتب التركي (ضياء أويغور) في كتابه (جذور الصهيونية) أن عدد ما طبع من الإنجيل بوساطة الإرساليات التنصيرية خلال 150 سنة يزيد عن الألف مليون نسخة مترجمة إلى مائة ألف وثلاثين

(1) الغارة على العالم الإسلامي، مرجع سبق ذكره، ص 112 - 113.

(2)

انظر: الإسلام في وجه التغريب، مرجع سبق ذكره، ص 56.

ص: 315

لغة عدا النشرات والمجلات، وقدرت هذه بسبعة آلاف مليون دولار.

إن من الثابت أن جمعية ترجمة الإنجيل في أفريقية تتولى إعداد أكثر من 442 ترجمة للإنجيل في طريقها إلى أفريقية لتوزيعها هناك كل حسب لغته، وتشتمل هذه الترجمات على: 72 ترجمة حديثة للإنجيل، وكانت قد ترجمت سابقا وأصبحت غير متمشية، ولا ملائمة للمفاهيم الحديثة؟، مما حدا بهم إلى إعادة ترجمتها بما يوافق العصر، وهناك حوالي 350 ترجمة جديدة تعتبر الأولى من نوعها، وقد بلغت ميزانية هذه الجمعية سبعة ملايين دولار أمريكي خاصة بأفريقية وحدها.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أكثر من 10 ملايين وثمانمائة ألف نسخة من الإنجيل قد تم توزيعها في العالم من قبل اتحاد جمعيات الإنجيل في العام الماضي فقط، كما تم شحن 5900 نسخة من الإنجيل باللغة العربية من كوريا إلى الشرق الأوسط وشمالي أفريقية، كما تم تزويد لبنان بثلاثة ملايين نسخة.

كما يجب التنبيه إلى أن هناك أكثر من 6 ملايين من الطلاب المسلمين يتعلمون في مدارس تخضع للكنيسة.

إن أمريكا وحدها تنفق على الإرساليات التنصيرية، ومنها أفريقية أكثر من 600 مليون دولار سنويا، كما تنفق إنجلترا على ذلك أكثر من مليون جنيه إسترليني، وكذلك بقية الدول الغربية الأخرى.

ص: 316

وفي دول الخليج العربي بالذات تجلت هجمة المنصرين الشرسة من خلال استغلالهم لحاجة أبناء هذه المنطقة لمطالب الحياة الضرورية من طب وتعليم وخبرات فنية وقد ركزت على أهمية هذه الأشياء في التنصير البحث الذي قدمه روبرت بيكيت وآخرون في مؤتمر كلورادو (رقم 17، 30).

وكان نتيجة هذا الاهتمام من قبل هذا المؤتمر والمؤتمرات التي قبله والتي من بعده، ذلك الوجود النصراني متمثلا في مؤسساته التعليمية والطبية وغيرها، ومتمثلا في نتائجه السلبية على المجتمعات الإسلامية، وتلك النتائج السلبية حدت بالدكتور حسين مؤنس إلى تحذير المسلمين منها، والعمل على تفاديها، ومن ذلك قوله عن التنصير في أفريقية:" وفي أيامنا هذه (أكتوبر 1977 م) توقف تقريبا توسع الإسلام في أفريقية وجنوبي الصحراء. . الزيادة التي تأتي هي في مواليد المسلمين. . . في أفريقية المدارية والاستوائية باستثناء زائيري، كان المسلمون عشرة أضعاف المسيحيين، واليوم أصبح المسيحيون أضعاف المسلمين. المعركة اليوم تدور حول كسب 70 % من سكان أفريقية - وهم وثنيون - إلى الإسلام أو النصرانية. . إذا سارت الأمور على هذا المنوال سنجد أنفسنا في أفريقية 150 مليونا في مواجهة 300 مليون غير مسلم على الأقل "(1).

(1) مجلة الهلال، أكتوبر 1977 م، " الإسلام في خطر " بقلم الدكتور حسين مؤنس ص 45 - 49.

ص: 317

وقوله عن التنصير في آسية: ". . وأحب ألا يستهين أحد بعمل هذه الإرساليات طالما استهنا بأعمالها وقلنا: إن الإسلام وحده كفيل بإحباط كل جهودها، ولكننا في النهاية نجد أنفسنا أمام مواقف تتحول إلى مشاكل إسلامية قومية، كما في جنوب السودان. . إن الأمريكيين يؤيدون أعمال التبشير بكل قواهم لكي يزعزعوا أقدام الإسلام في أندونيسية، فهل ننتظر حتى تتعقد المسألة أو تصبح مشكلة قومية هناك؟ ولماذا لا تتخذ حكومة أندونيسية منذ الآن قرارا حاسما بإيقاف أعمال التبشير في بلادها لتنقذ نفسها من مشكلة لا بد من أن تظهر يوما ما؟ وهل يعلم المسلمون مثلا أنهم عندما قسموا جزيرة غينية الجديدة إلى قسمين: شرقي يتبع أسترالية؛ وغربي يتبع أندونيسية (إيريان الغربية) ركزت جمعيات التبشير جهدها في إيريان الغربية التابعة لإندونيسيا، لكي يحولوها إلى أرض مسيحية تاركين إيريان الشرقية - وهي تابعة لهم - لأنهم واثقون بأنها بلادهم. .

نريد أن نقول هنا إن الإسلام في خطر في أندونيسية. هل تذكر المثل الذي يقول: من مأمنه يؤتى الحذر؟ إذا فاذكر إلى جانب ذلك أننا سنؤتى في جنوبي شرقي آسية من مأمننا: أندونيسية. . ".

كل الذي ذكرناه من أساليب ناعمة ماكرة خبيثة غير مباشرة، تنطلي على قصيري النظر من المسلمين، لا يعني أن المنصرين لا يلجأون إلى الأساليب المباشرة في حرب الإسلام، سواء أكانت أساليب مادية أو معنوية، ومن أمثلة ذلك:

(1)

عطلوا - مع قوى الاستعمار الأخرى - الدراسات الإسلامية في موزمبيق، ومنعوا استخدام اللغة العربية، ووضعوا جميع نظم التعليم

ص: 318

بين أيدي المنصرين الكاثوليك (1).

(2)

أغلقوا في الحبشة مكاتب تحفيظ القرآن سنة 1945 م، واعتبروا تعليم اللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون.

(3)

دبروا في نيجيريا الاغتيالات في مسرحية مكشوفة، عندما وجدوا المسلمين في مركز القيادة، ومثال ذلك ما حدث للزعيم النيجيري أحمدو بللو، ورئيس الوزراء النيجيري أبي بكر تفاوا بليوه وعندما حركت الصليبية والصهيونية عملاءها برئاسة (ايرونسي) وقيادة شوكور ما نزيجو من قبيلة أيبو النصرانية، وأصدر أوامره بإلغاء توحيد نيجيريا وفرض سيطرة أيبو على نيجيريا. وحركوا عميلهم الجنرال أوجوكو ليقوم بمحاولات فصل إقليم بيافرا. وتدفقت عليه الأسلحة من قوى النصرانية في الغرب المسيحي (2). وعبر عن أهداف أوجوكو " البروفسير "(النصراني جير يام أم ريك)، قائلا:

" إن الخط السياسي لدولة بيافرا سيكون في وضع حد للتوسع الإسلامي في كل أرجاء أفريقية ".

(1) انظر " جريدة البلاغ - العدد 451 - 4 يونيو 1987 م - " الإسلام في موزمبيق، ص 42.

(2)

انظر تفاصيل ذلك في " عماد الدين خليل " مأساتنا في أفريقية، ط 1، بيروت، مؤسسة الرسالة 1987 م.

ص: 319

" إن الثورة البيافرية سوف تنشئ حكومة مسيحية في نظراتها. . ".

(4)

وفي زنجبار تعاونت الصهيونية والاستعمار مع المنصرين، ودبروا مذبحة جماعية عام 1963 م، راح ضحيتها ثلاثة وعشرون ألفا من المسلمين من مجموعة ستة وعشرين ألفا.

(5)

وتعاونوا مع " ملتون أبوتي " المسيحي المتعصب للإطاحة بـ " عيدي أمين " في أوغندة لأنه مسلم، وقتلوا المسلمين وألجأوهم إلى الهرب إلى البلاد المجاورة.

(6)

كانوا وما زالوا في السودان وراء الفتن التي تعصف بجنوبي السودان. يذكر هولت في كتابه: (تاريخ السودان الحديث)، ص 149 " إشارة البروفيسور ليبون اليهودي. وعميد كلية الآداب بجامعة الخرطوم في السابق في محاضرة ألقاها في أروقة الجامعة، إذ يقول فيها:

". . إن السودان سيتطور تطورا ملحوظا سنة ألفين، هذا في الجزء

ص: 320

الشمالي أما الجزء الجنوبي فإنه سينفصل وينضم إلى دولة ستنشأ يومئذ واسمها دولة أواسط أفريقية " (1).

وعندما انكشف دور الأوربيين النصارى في هذه المؤامرة طردوا من البلاد.

(7)

سعوا إلى تنصيب رؤساء الدول الإسلامية في أفريقية بالذات من بين النصارى الأفريقيين - فعلوا ذلك في السنغال أيام سنغور، وفي غامبيا. ولكن الله هدى الرئيس الغامبي الحالي فعاد إلى حظيرة الإسلام. وفي تشاد نصبوا تمبال باي. وفي أفريقية الوسطى نصبوا " بوكاسا ". وعندما أسلم تمكنوا من عزله وطرده (2).

(8)

سعوا مع المستشرقين في تشويه صورة الإسلام في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم.

لم يتركوا ميدانا من ميادين الدراسات الإسلامية إلا اقتحموه لبث سمومهم وافتراءاتهم تلميحا وتصريحا.

(1) انظر: المرجع نفسه، ص 59، مجلة هذه سبيلي، أفريقية والنصرانية، المرجع السابق، ص 291.

(2)

انظر في ذلك: مأساتنا في أفريقية، مرجع سبق ذكره، ص 83 - 86.

ص: 321

(9)

خططوا عن طريق الضغوط الدبلوماسية إلى علمنة الدساتير الإسلامية، أو على الأقل ضمان ما يسمونه " حرية تنصير المسلمين بقوة الدستور ". وذلك عندما فشلوا في فرض حكومات نصرانية في البلاد ذات الثقل الحضاري، مثل مصر.

ولذلك نراهم يتحدثون عن تأثير الحضارة الغربية على الشرق كوسيلة من وسائل التغيير لتفريغ الدساتير من محتواها الإسلامي لتصبح شكلا بلا مضمون أو بلا موضوع.

(10)

استغلال الحماية الأجنبية التي كانت تسيطر على البلاد. ففي مصر - مثلا - نجد الحكومة الاستعمارية، تفصل بضعا وسبعين عالما أزهريا من وظائفهن بتهمة التصدي لنشاط الإرساليات النصرانية (1).

(11)

وفي موزمبيق فتك الدكتور الصليبي الدواردو بالمسلمين الذين شاركوا معه في تحرير موزمبيق من الاستعمار البرتغالي تحت اسم حركة " فريلمو "، وتبنى الرئيس سامورا ماشيل الشيوعي النصراني سياسة فظة ومليئة بالكراهية تجاه المسلمين (2)، وبذلك سار في نفس السياسة الاستعمارية البرتغالية (3).

(12)

أما في الكونغو فقد رفضت الدولة الاعتراف بالإسلام، ورفضت أن تكون اللغة السواحلية، لغة رسمية للبلاد لأن بها 60 % من

(1) المرجع نفسه، ص 103.

(2)

انظر: البلاغ، عدد 451، 4 يونية 1978 م، " الإسلام في موزمبيق " ص 2.

(3)

انظر: مأساتنا في أفريقية، ص 128.

ص: 322

الكلمات العربية، وقد جمع المسلمون أنفسهم بعد الاستقلال وطالبوا بالشخصية الدينية ليكون لهم نوابهم وممثلوهم ومدارسهم ومؤسساتهم، ووعدهم رئيس الوزراء السابق " أدولا " بكل خير، ولكنه أبعد عن الحكم قبل أن ينفذ شيئا واتهمه المستعمرون البلجيك والمنصرون بأنه مسلم وأن اسمه " عبد الله "، وأن أباه سنغالي مسلم.

لا عجب في ذلك، ففي الكونغو ما يزيد عن 15 ألف بعثة تنصيرية من الدول الأوروبية ويعملون وفق خطة مرسومة (1).

(13)

وبعد أن أبعدوا الأغلبية الإسلامية عن مراكز القيادة في تشاد، كان " تومبال باي " تلك العصا التي يضرب بها النصارى المسلمين، ولهذا كان لا بد لمنظمة " فرولينا " أن تعمل لتغيير هذا الوضع الذي استمر حتى بعد زوال " تومبال باي ".

(14)

وما زال الشعب الأرتيري معزولا عن سيادة نفسه، بل أجبروه ليظل في فلك الحبشة النصرانية الصليبية.

(15)

وفي أندونيسية قاموا بكل عمل من شأنه إضعاف انطلاقة الإسلام وتشجيع التنصير والعلمانية.

(1) انظر: مجلة هذه سبيلي، أفريقية والنصرانية، مرجع سبق ذكره، ص 290، مأساتنا في أفريقية، ص 9.

ص: 323